البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن0%

البيان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

البيان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
تصنيف: الصفحات: 526
المشاهدات: 32088
تحميل: 6101

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32088 / تحميل: 6101
الحجم الحجم الحجم
البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٩

يعقوب بن إسحاق

هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله أبو محمّد الحضرمي ، مولاهم البصريّ قال ابن الجزري : ( أحد القرّاء العشرة ) قال يعقوب : ( قرأتُ على سلام في سنة ونصف ، وقرأتُ على شهاب بن شرنفة المجاشعي في خمسة أيّام ، وقرأ شهاب على مسلمة بن محارب المحاربي في تسعة أيّام ، وقرأ مسلمة على أبي الأسوَد الدؤلي على عليّ ( عليه السلام ) ) .

مات في ذي الحجّة سنة ٢٠٥هـ ، وله ثمان وثمانون سنة(١) قال أحمد وأبو حاتم : ( صدوق ) وذكره ابن حيّان في الثقات وقال ابن سعد : ( ليس هو عندهم بذاك الثَبْت )(٢) .

وليعقوب راوِيان ، هما : رويس ، وروح .

أمّا رويس : فهو محمّد بن المتوكّل أبو عبد الله اللؤلؤي البصريّ قال ابن الجزري : ( مقرئ حاذقٌ ضابطٌ مشهور ، أخَذ القراءة عرضاً عن يعقوب الحضرميّ ) قال الداني : ( وهو مِن أحذق أصحابه ) روى القراءة عنه

_______________________

(١) طبَقات القرّاء ج ٢ ص ٣٨ .

(٢) تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٣٨٢ .

١٤١

عرضاً محمّد بن هارون التمّار ، والإمام أبو عبد الله الزبير بن أحمد الزبيري الشافعي توفّيَ سنة ٣٣٨هـ(١) .

وأمّا روح : فهو أبو الحسن بن عبد المؤمن الهذلي ، مولاهم البصريّ النحويّ قال ابن الجزري : ( مقرئ جليل ثقة ضابطٌ مشهور ) عرَض على يعقوب الحضرميّ ، وهو مِن أجلّة أصحابه ، توفّيَ سنة ٢٣٥هـ أو ٢٣٤هـ(٢) .

أقول : الكلام فيمَن عرَض القراءة عليه كما تقدّم .

_______________________

(١) طبَقات القرّاء ج ٢ ص ٢٣٤ .

(٢) نفس المصدر ج ١ ص ٢٨٥ .

(البيان - ١٠)

١٤٢

١٠

يزيد بن القعقاع

قال ابن الجزري : ( يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزوميّ المدنيّ القارئ أحد القرّاء العشرة ، تابعيّ مشهور كبير القدْر ) عرَض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن عبّاس ، وأبي هريرة قال يحيى بن معين : ( كان إمام أهل المدينة في القراءة ، فسُمّي القارئ بذلك ، وكان ثقة قليل الحديث ) وقال ابن أبي حاتم : ( سألت أبي عنه ، فقال : صالح الحديث ) مات بالمدينة سنة ١٣٠هـ(١) .

ولأبي جعفر راوِيان ، هما : عيسى ، وابن جمّاز .

أمّا عيسى : فهو أبو الحارث عيسى بن وردان المدنيّ الحذّاء قال ابن الجزري : ( إمام مقرئ حاذق ، وراوٍ محقّق ضابط ) عرَض على أبي جعفر وشيبة ، ثمّ عرَض على نافع قال الداني : ( هو مِن أجلّة أصحاب نافع وقدمائهم ، وقد شاركه في الإسناد ) مات - فيما أحسب - في حدود سنة ١٦٠هـ(٢) .

_______________________

(١) طبَقات القرّاء ج ٢ ص ٣٨٢ .

(٢) نفس المصدر ج ١ ص ٦١٦

١٤٣

أقول : الكلام فيمّن عرَض عليه كما تقدّم .

وأمّا ابن جمّاز : فهو سليمان بن مسلم بن جمّاز أبو الربيع الزهري مولاهم المدنيّ قال ابن الجزري : ( مقرئ جليل ضابط ) عرَض على أبي جعفر ، وشيبة ، على ما في كتابي ( الكامل والمستنير ) ، ثمّ عرَض على نافع على ما في ( الكامل ) ، مات بعد سنة ١٧٠هـ فيما أحسب(١) .

إنّ مَن ذكرناهم مِن رواة القُرّاء العشرة هُم المعروفون بين أهل التراجم ، وأمّا القراءة المروِيّة بغير ما ذكرناه مِن الطُرُق فغير مضبوطة ، وقد وقع الخلاف بين المترجمين في رواة أخرى لهم وقد أشرنا إلى هذا - فيما تقدّم - ولذلك لم نتعرّض - هنا - لذِكرهم .

_______________________

(١) طبَقات القُرّاء ج ١ ص ٣١٥

١٤٤

١٤٥

نظرة في القِراءات

١٤٦

تواتر القرآن مِن الضروريّات ليست القراءات متواترة تصريحات أرباب الفنّ بعدم تواتر القراءات نقْدُ ما استُدلّ به على تواتر القراءات ليست الأحرف السَبْع هي القراءات السَبع حُجّية القراءات جواز القراءة بها في الصلاة .

١٤٧

قد أسلفنا في التمهيد مِن بحث ( أضواء على القُرّاء ) بعض الآراء حول تواتر القراءات وعدمه ، وأشرنا إلى ما ذهب إليه المحقّقون مِن نفْيِ تواتر القراءات ، مع أنّ المسلمين قد أطْبَقوا على تواتر القرآن نفسه والآن نبدأ بالاستدلال على ما اخترناه مِن عدم تواترها بأمور :

الأوّل : إنّ استقراء حال الرُواة يورِث القَطع بأنّ القراءات نُقلت إلينا بأخبار الآحاد وقد اتّضح ذلك فيما أسلفناه في تراجمهم ، فكيف تصحّ دعوى القَطْع بتواترها عن القرّاء على أنّ بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته .

الثاني : إنّ التأمّل في الطُرُق التي أخَذ عنها القُرّاء ، يدلّنا دلالة قطعية على أنّ هذه القراءات ، إنّما نُقلت إليهم بطريق الآحاد

الثالث : اتّصال أسانيد القراءات بالقُرّاء أنفسهم يقطع تواتر الأسانيد ، حتّى لو كانت رُواتها في جميع الطَبَقات ممّن يمتنع تواطؤهم على الكَذِب ، فإنّ كلّ قارئ إنّما ينقل قراءته بنفسه .

الرابع : احتجاج كلّ قارئ مِن هؤلاء على صحّة قراءته ، واحتجاج تابعِيه على ذلك أيضاً ، وإعراضه عن قراءة غيره ، دليل قطعيّ على أنّ القراءات تستند إلى اجتهاد القرّاء وآرائهم ؛ لأنّها لو كانت متواترة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، لم يحتج في إثبات صحّتها إلى الاستدلال والاحتجاج .

الخامس : إنّ في إنكار جملة مِن أعلام المحقّقين ، على جملة مِن القراءات دلالة

١٤٨

واضحة على عدم تواترها ، إذ لو كانت متواترة لَما صحّ هذا الإنكار ، فهذا ابن جرير الطبري أنكَر قراءة ابن عامر ، وطعن في كثير مِن المواضع في بعض القراءات المذكورة في السَبْع ، وطعن بعضهم على قراءة حمزة ، وبعضهم على قراءة أبي عمرو ، وبعضهم على قراءة ابن كثير .

وإنّ كثيراً مِن العلماء أنكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية ، وحَكموا بوقوع الخطأ فيه مِن بعض القرّاء(١) ، وقد تقدّم في ترجمة حمزة إنكار قراءته مِن إمام الحنابلة أحمد ، ومِن يزيد بن هارون ، ومِن ابن مهدي(٢) ، ومِن أبي بكر بن عياش ، ومِن ابن دريد .

قال الزركشي : - بعد ما اختار أنّ القراءات توقيفية - خلافاً لجماعة منهم الزمخشرى ، حيث ظنّوا أنّها اختيارية ، تدور مع اختيار الفُصَحاء واجتهاد البُلَغاء ، ورُدّ على حمزة قراءة ( والأرحام ) بالخفْضِ ، ومثل ما حُكيَ عن أبي زيد ، والأصمعي ، ويعقوب الحضرميّ ، أنّهم خطّأوا حمزة في قراءته ( وما أنتم بمصرخيّ ) بكسر الياء المشدّدة ، وكذلك أنكروا على أبي عمرو إدغامه الراء في اللام في ( يغفر لكم ) وقال الزجّاج : ( إنّه غلطٌ فاحش )(٣) .

تصريحات نُفاة تواتر القراءات :

وقد رأينا مِن المناسب أنْ نذكر مِن كلمات خُبراء الفنّ ممّن صرّح بعدم تواتر القراءات ؛ ليظهر الحقّ في المسألة بأجْلى صُوَره :

_______________________

(١) التبيان ص ١٠٦ للمعتصم بالله طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري طُبع في مطبعة المنار سنة ١٣٣٤هـ .

(٢) هو عبد الرحمن بن مهدي ، قال في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٨٠ : قال أحمد بن سنان : سمعت عليّ بن المدينيّ يقول : ( كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس ) ، قالها مِراراً وقال الخليلي : ( هو إمام بلا مدافعة ) وقال الشافعيّ : ( لا أعرف له نظيراً في الدنيا ) .

(٣) التبيان ص ٨٧

١٤٩

قال ابن الجزري : ( كلّ قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمال ، وصحّ سندها ، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها ، ولا يحلّ إنكارها ، بل هي مِن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها ، سواء كانت عن الأئمّة السبعة أم عن العشرة ، أم عن غيرهم مِن الأئمّة المقبولين ، ومتى اختلّ رُكنٌ مِن هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة ، أو شاذّة ، أو باطلة ، سواء كانت مِن السبعة ، أم عمّن هو أكبر منهم ) .

هذا هو الصحيح عند أئمّة التحقيق مِن السلَف والخلَف صرّح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، ونصّ عليه في غير موضع الإمام أبو محمّد مكّي بن أبي طالب ، وكذلك الإمام أبو العبّاس أحمد بن عمّار المهدويّ ، وحقّقه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ، وهو مذهب السلَف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه .

٢

وقال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز : ( فلا ينبغي أنْ يغترّ بكلّ قراءة ، تُعزى إلى واحد مِن هؤلاء الأئمّة السبعة ، ويُطلق عليها لفظ الصحّة ، وإنّها هكذا أُنزلت ، إلاّ إذا دخلت في ذلك الضابط ، وحينئذٍ لا يتفرّد بنقْلها مصنّف عن غيره ، ولا يختصّ ذلك بنقْلِها عن غيرهم مِن القرّاء ، فذلك لا يُخرجها عن الصحّة ، فإنّ الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف ، لا على مَن تُنسَب إليه .

فإنّ القراءات المنسوبة إلى كلّ قارئ مِن السبعة وغيرهم ، منقسمة إلى المُجمَع عليه والشاذّ ، غير أنّ هؤلاء السبعة لشهرتهم ، وكثرة الصحيح المُجمَع عليه في قراءتهم : تَرْكُن النفس إلى ما نُقِل عنهم ، فوق ما يُنقَل عن غيرهم )(١) .

_______________________

(١) النشر في القراءات العشر ج ١ ص ٩ .

١٥٠

وقال ابن الجزريّ أيضاً : ( وقد شرط بعض المتأخّرين التواتر في هذا الركن ، ولم يكتفِ فيه بصحّة السند ، وزعم أنّ القرآن لا يثبت إلاّ بالتواتر ، وأنّ ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن وهذا ممّا لا يخفى ما فيه ، فإنّ التواتر إذا ثبَت لا يحتاج فيه إلى الركنَين الأخيرين مِن الرسم وغيره .

إذ ما ثبت مِن أحرُف الخلاف متواتراً عن النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) وجَب قبوله ، وقُطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أم خالفه ، وإذا اشترطنا التواتر في كلّ حرف مِن حروف الخلاف ، انتفى كثير مِن أحرُف الخلاف ، الثابت عن هؤلاء الأئمّة السبعة وغيرهم ولقد كنتُ - قبلُ - اجنح إلى هذا القول ، ثمّ ظهر فساده ، وموافقة أئمّة السلَف والخلَف ) .

٤

وقال الإمام الكبير أبو شامة في مرشده : ( وقد شاع على ألسِنَة جماعة مِن المُقرئين المتأخّرين ، وغيرهم مِن المقلّدين أنّ القراءات السبْع كلّها متواترة ، أي كلّ فرد فرد ما رُويَ عن هؤلاء السبعة قالوا : والقطْع بأنّها مُنَزَّلة مِن عند الله واجب ونحن بهذا نقول ، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطُرُق ، واتّفقت عليه الفِرَق ، مِن غير نكيرٍ له ، مع أنّه شاع واشتهر واستفاض ، فلا أقلّ مِن اشتراط ذلك ، إذا لم يتّفق التواتر في بعضها )(١) .

٥

وقال السيوطي : ( وأحسن مَن تكلّم في هذا النوع ، إمام القرّاء في زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير ابن الجزريّ ، قال في أوّل كتابه - النشر - كلّ قراءة

_______________________

(١) النشر في القراءات العشر ج ١ ص ١٣

١٥١

وافقت العربية . فنقْلُ كلام ابن الجزريّ بطولِه ، الذي نقلنا جملة منه آنفاً ، ثمّ قال : قلتُ : أتْقنَ الإمام ابن الجزريّ هذا الفصل جدّاً )(١) .

٦

وقال أبو شامة في كتاب البسملة : ( إنّا لسنا ممّن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلَف فيها بين القرّاء ، بل القراءات كلّها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر ، وذلك بيِّن لمَن أنصف وعَرِف ، وتصفّح القراءات وطُرُقِها )(٢) .

٧

وذَكر بعضهم : ( أنّه لم يقع لأحد مِن الأئمّة الأصوليّين تصريح بتواتر القراءات ، وقد صرّح بعضهم : بأنّ التحقيق ، أنّ القراءات السبْع متواترة عن الأئمّة السبعة بهذه القراءات السَبْع ، موجود في كتُب القراءات ، وهي نقْلُ الواحد عن الواحد )(٣) .

٨

وقال بعض المتأخّرين مِن علماء الأثر : ( ادّعى بعض أهل الأصول تواتر كلّ واحد مِن القراءات السبْع ، وادّعى بعضهم تواتر القراءات العشْر ، وليس على ذلك أثارة مِن عِلم . وقد نَقل جماعة مِن القرّاء الإجماع على أنّ في هذه القراءات ما هو متواتر ، وفيها ما هو آحاد ، ولم يقل أحد منهم بتواتر كلّ واحد مِن السبع

_______________________

(١) الإتقان النوع ٢٢ - ٢٧ ج ١ ص ١٢٩ .

(٢) التبيان ص ١٠٢ .

(٣) نفس المصدر ص ١٠٥

١٥٢

فضلاً عن العَشْر ، وإنّما هو قول قاله بعض أهل الأصول ، وأهل الفنّ أخبر بفنّهم )(١) .

٩

وقال مكّي في جملةِ ما قال : ( وربّما جعلوا الاعتبار بما اتّفق عليه عاصم ونافع ، فإنّ قراءة هذين الإمامين ، أولى القراءات ، وأصحّها سنداً ، وأفصحها في العربية )(٢) .

١٠

وممّن اعترف بعدم التواتر حتّى في القراءات السبع : الشيخ محمّد سعيد العريان في تعليقاته ، حيث قال : ( لا تخلوا إحدى القراءات مِن شَواذ فيها ، حتّى السبع المشهورة ، فإنّ فيها مِن ذلك أشياء ) وقال أيضاً : ( وعندهم أنّ أصحّ القراءات مِن جهة توثيق سندها نافع وعاصم ، وأكثرها توخّياً للوجوه التي هي أفصح أبو عمرو ، والكسائي )(٣) .

ولقد اقتصرنا في نقْل الكلمات على المقدار اللازم ، وستقف على بعضها الآخر أيضاً بُعَيد ذلك .

تأمّل بربِّك هل تبقى قيمةٌ لدعوى التواتر في القراءات ، بعد شهادة هؤلاء الأعلام كلّهم بعدمه ؟ وهل يُمكن إثبات التواتر بالتقليد ، وباتّباع بعض مَن ذهبَ إلى تحقّقه مِن غير أنْ يطالِب بدليل ، ولا سيّما إذا كانت دعوى التواتر ممّا

_______________________

(١) التبيان ص ١٠٦ .

(٢) نفس المصدر ص ٩٠ .

(٣) إعجاز القرآن للرافعي ، الطبعة الرابعة ص ٥٢ ، ٥٣

١٥٣

يكذّبها الوجدان ؟ وأعجب مِن جميع ذلك ، أنْ يحكم مُفتي الديار الأندلسية أبو سعيد بكُفْر مَن أنكر تواترها ! ! !

لنفرض أنّ القراءات متواترة ، عند الجميع ، فهل يُكَفَّر مَن أنكر تواترها إذا لم تكن مِن ضروريّات الدين ؟ ثمّ لنفرض أنّها بهذا التواتر الموهوم أصبحتْ مِن ضروريات الدين ، فهل يُكفَّر كلّ أحد بإنكارها ، حتّى مَن لم يثبت عنده ذلك ؟ ! اللهمّ إنّ هذه الدعوى جُرأةٌ عليك ، وتَعدٍّ لحدودك ، وتفريق لكلمة أهل دينك ! ! !

أدلّة تواتر القراءات :

وأمّا القائلون بتواتر القراءات السبع ، فقد استدلّوا على رأيهم بوجوه :

الأوّل : دعوى قيام الإجماع عليه مِن السلَف إلى الخلَف وقد وَضُحَ للقارئ فساد هذه الدعوى ، على أنّ الإجماع لا يتحقّق باتّفاق أهل مذهبٍ واحد عند مخالفة الآخرين وسنوضّح ذلك في الموضع المناسب إنْ شاء الله تعالى .

الثاني : إنّ اهتمام الصحابة والتابعين بالقرآن يقضي بتواتر قراءته ، وإنّ ذلك واضح لمَن أنصف نفسه وعدَل .

الجواب :

إنّ هذا الدليل إنّما يُثبت تواتر نفس القرآن ، لا تواتر كيفية قراءته ، وخصوصاً مع كون القراءة عند جَمْع منهم مُبتنية على الاجتهاد ، أو على السماع ولو مِن الواحد وقد عرفت ذلك ممّا تقدّم ، ولولا ذلك لكان مقتضى هذا الدليل أنْ تكون جميع القراءات متواترة ، ولا وجه لتخصيص الحُكم بالسَبْع أو العَشْر .

وسنوضّح للقارئ أنّ حَصْر القراءات في السبع ، إنّما حدَث في القَرْن الثالث الهجري ، ولم يكن له قبل هذا الزمان عينٌ ولا أثَر ، ولازم ذلك أنّ

١٥٤

نلتزم : إمّا بتواتر الجميع مِن غير تفرقة بين القراءات ، وإمّا بعدم تواتر شيء منه في مورد الاختلاف ، والأوّل باطل قطْعاً، فيكون الثاني هو المتعيّن .

الثالث : إنّ القراءات السبع لو لم تكن متواترة ، لم يكن القرآن متواتر ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدّم مثله : ووجه التلازم أنّ القرآن إنّما وصل إلينا بتوسّط حفّاظه ، والقرّاء المعروفين ، فإنْ كانت قراءاتهم متواترة ، فالقرآن متواتر ، وإلاّ فلا وإذن فلا محيص مِن القول بتواتر القراءات .

الجواب :

١ - إنّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات ؛ لأنّ الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتّفاق على أصلها ، ولهذا نجد أنّ اختلاف الرواة في بعض ألفاظ قصائد المتنبّي - مثلاً - لا يصادم تواتر القصيدة عنه وثبوتها له ، وأنّ اختلاف الرواة في خصوصيّات هجرة النبيّ لا ينافي تواتر الهجرة نفسها .

٢ - إنّ الواصل إلينا بتوسّط القرّاء ، إنّما هو خصوصيّات قراءاتهم ، وأمّا أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين ، وبنقْلِ الخلَف عن السلَف ، وتحفّظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم ، ولا دخل للقرّاء في ذلك أصلاً ؛ ولذلك فإنّ القرآن ثابت التواتر ، حتّى لو فرضنا أنّ هؤلاء القرّاء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلاً وعظمة القرآن أرقى مِن أنْ تتوقّف على نَقْلِ أولئك النَفَر المحصورين

الرابع : إنّ القراءات لو لم تكن متواترة ، لكان بعض القرآن غير متواتر مثل ( مَلِك ) و ( مالِك ) ونحوهما ، فإنّ تخصيص أحدهما تحَكّم باطل وهذا الدليل ذكره ابن الحاجب ، وتبِعَه جماعة مِن بعده .

الجواب :

١ - إنّ مقتضى هذا الدليل الحُكم بتواتر جميع القراءات ، وتخصيصه بالسبع

١٥٥

أيضاً تحكّم باطل ، ولا سيّما أنّ في غير القرّاء السبعة مَن هو أعظم منهم وأوثق ، كما اعترف به بعضهم ، وستعرف ذلك.

ولو سلّمنا أنّ القرّاء السبعة أَوثق مِن غيرهم ، وأَعرف بوجوه القراءات ، فلا يكون هذا سبباً لتخصيص التواتر بقراءاتهم دون غيرهم نعم ذلك يوجب ترجيح قراءاتهم على غيرها في مقام العمل ، وبين الأمرَين بُعدَ المشرقَين ، والحُكم بتواتر جميع القراءات باطل بالضرورة .

٢ - إنّ الاختلاف في القراءة إنّما يكون سبباً لالتباس ما هو القرآن بغيره ، وعدم تميّزه مِن حيث الهيئة ، أو مِن حيث الإعراب ، وهذا لا ينافي تواتر أصل القرآن ، فالمادّة متواترة وإنْ اختُلف في هيئتها أو في إعرابها ، وإحدى الكيفيتَين أو الكيفيّات مِن القرآن قطْعاً ، وإنْ لم تعلم بخصوصها .

تعقيب :

ومِن الحقّ أنّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات وقد اعترف بذلك الزرقاني ، حيث قال : يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع ، ويقول مَن زعم أنّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر ، فقوله كُفْر ؛ لأنّه يؤدّي إلى عدم تواتر القرآن جملة ، ويُعزى هذا الرأي إلى مُفتي البلاد الأندلسية الأستاذ أبي سعيد فرج ابن لب ، وقد تحيّس لرأيه كثيراً وألّف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه والردّ على مَن ردّ عليه ، ولكن دليله الذي استند إليه لا يسلم .

فإنّ القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن ، كيف وهناك فَرْقٌ بين القرآن والقراءات السبع ، بحيث يصحّ أنْ يكون القرآن ، متواتراً في غير القراءات السبع ، أو في القَدَر الذي اتّفق عليه القرّاء جميعاً أو في القدَر الذي اتّفق عليه عدد ، يؤمن تواطؤهم على الكَذِب قرّاءً كانوا أو غير قرّاء(١)

_______________________

(١) مناهل العرفان ص ٢٤٨

١٥٦

وذَكر بعضهم : أنّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات ، وأنّه لم يقع لأحد مِن أئمّة الأصوليّين تصريح بتواتر القراءات، وتوقّف تواتر القرآن على تواترها ، كما وقع لابن الحاجب(١) قال الزركشيّ في البرهان : للقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فالقرآن هو الوحي المُنزل على محمّد ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) للبيان والإعجاز ، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف ، وكيفيّتها مِن تخفيف وتشديد غيرهما ، والقراءات السبع متواترة عند الجمهور ، وقيل بل هي مشهورة .

وقال أيضاً : والتحقيق أنّها متواترة عن الأئمّة السبعة أمّا تواترها عن النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ففيه نظر ، فإنّ إسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتُب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد(٢)

القراءات والأحرف السبعة :

قد يُتخيّل أنّ الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هي القراءات السبع ، فيُتمسَّك لإثبات كونها مِن القرآن بالروايات التي دلّت على أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فلا بدّ لنا أنْ ننبِّه على هذا الغلَط ، وأنّ ذلك شيء لم يتوهّمه أحد مِن العلماء المحقّقين هذا إذا سلّمنا ورود هذه الروايات ، ولم نتعرّض لها بقليلٍ ولا كثير وسيأتي الكلام على هذه الناحية .

والأَوْلى أنْ نذكر كلام الجزائريّ في هذا الموضع قال :

( لم تكن القراءات السبع متميّزة عن غيرها ، حتّى قام الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد - وكان على رأس الثلاثمئة ببغداد - فجمع قراءات سبعة ، مِن مشهوري أئمّة الحرمَين والعراقَين والشام ، وهُم : نافع ، وعبد الله بن كثير ، وأبو عمرو بن العلاء ، وعبد الله بن عامر ، وعاصم وحمزة ، وعليّ

_______________________

(١) التبيان ص ١٠٥ .

(٢) الإتقان النوع ٢٢ - ٢٧ ج ١ ص ١٣٨

١٥٧

الكسائيّ .

وقد توهّم بعض الناس أنّ القراءات السبعة هي الأحرف السبعة ، وليس الأمر كذلك . وقد لام كثير مِن العلماء ابن مجاهد على اختياره عدد السبعة ، لِما فيه مِن الإيهام . قال أحمد ابن عمّار المهدويّ : لقد فعل مسبِّع هذه السبعة ما لا ينبغي له ، وأشكل الأمر على العامّة بإيهامه كلّ مَن قلّ نظره ، أنّ هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ، ولَيتَه إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ؛ ليزيل الشبهة . ) .

وقال الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمّد القراب في الشافي :

( التمسّك بقراءة سبعة مِن القرّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سُنّة ، وإنّما هو مِن جمْع بعض المتأخّرين ، لم يكن قرأ بأكثر مِن السبع ، فصنّف كتاباً ، وسمّاه كتاب السبعة ، فانتشر ذلك في العامّة . ) .

وقال الإمام أبو محمّد مكّي :

( قد ذكر الناس مِن الأئمّة في كتُبهم أكثر مِن سبعين ، ممّن هو أعلى رتبةً ، وأجلّ قَدْراً مِن هؤلاء السبعة . فكيف يجوز أنْ يظنّ ظانٌّ أنّ هؤلاء السبعة المتأخّرين ، قراءة كلّ واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها - هذا تخلّف عظيم - أكان ذلك بنصٍّ مِن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أم كيف ذلك ! ! ! وكيف يكون ذلك ؟ والكسائيّ إنّما أُلحق بالسبعة بالأمس في أيّام المأمون وغيره - وكان السابع يعقوب الحضرميّ - فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمئة ونحوها ، الكسائيّ موضع يعقوب )(١) .

وقال الشرف المرسي :

_______________________

(١) التبيان ص ٨٢ .

(البيان - ١١)

١٥٨

( وقد ظنّ كثير مِن العوام أنّ المراد بها - الأحرف السبعة - القراءات السَبْع ، وهو جهل قبيح )(١) .

وقال القرطبي :

( قال كثير مِن علمائنا كالداودي ، وابن أبي سفرة وغيرهما : هذه القراءات السبع ، التي تُنسب لهؤلاء القرّاء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها ، وإنّما هي راجعة إلى حرف واحد مِن تلك السبعة ، وهو الذي جَمَع عليه عثمانُ المصحف ذكره ابن النحاس وغيره ، وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمّة القرّاء )(٢)

وتعرّض ابن الجزري لإبطال توهّم مَن زعم أنّ الأحرف السبعة ، التي نزل بها القرآن مستمرّة إلى اليوم فقال :

( وأنت ترى ما في هذا القول ، فإنّ القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة ، والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهوراً في الأعصار الأُوَل ، قلٌّ مِن كُثُر ، ونَزرٌ مِن بحر ، فإنّ مَن له اطّلاع على ذلك يعرف عِلمه العِلم اليقين ، وذلك أنّ القرّاء الذين أخذوا عن أولئك الأئمّة المتقدّمين مِن السبعة ، وغيرهم كانوا أُمَمٌ لا تُحصى ، وطوائف لا تُستقصى ، والذين أخذوا عنهم أيضاً أكثر ، وهلمّ جرّاً .

فلمّا كانت المئة الثالثة ، واتّسع الخرق وقلّ الضَبْط ، وكان عِلم الكتاب والسُنّة أَوفَر ما كان في ذلك العصر ، تصدّى بعض الأئمّة لضبط ما رواه مِن القراءات ، فكان أوّل إمام معتبَر جَمَع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام ، وجعلهم - فيما أحسب - خمسة وعشرين قارئاً مع هؤلاء السبعة ، وتوفّيَ سنة ٢٢٤هـ ، وكان بعده أحمد بن جبير بن محمّد الكوفيّ نزيل أنطاكية ، جمَع كتاباً في قراءات الخمسة ، مِن كلّ مِصرٍ واحد ، وتوفّيَ سنة ٢٥٨هـ ، وكان بعده القاضي إسماعيل بن

_______________________

(١) نفس المصدر ص ٦١ .

(٢) تفسير القرطبي ج ١ ص ٤٦

١٥٩

إسحاق المالكي صاحب قالون ، ألّف كتاباً في القراءات جمَع فيه قراءة عشرين إماماً ، منهم هؤلاء السبعة ، توفّيَ سنة ٢٨٢هـ.

وكان بعده الإمام أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، جمع كتاباً سمّاه ( الجامع ) فيه نيف وعشرون قراءة ، توفّيَ سنة ٣١٠هـ .

وكان بُعَيْده أبو بكر محمّد بن أحمد بن عمر الداجوني ، جمَع كتاباً في القراءات ، وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة ، وتوفّيَ سنة ٣٢٤هـ .

وكان في إثْرِه أبو بكر أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد ، أوّل مَن اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط ، وروى فيه عن هذا الداجوني ، وعن ابن جرير أيضاً ، وتوفّيَ سنة ٣٢٤هـ ) .

ثمّ ذَكر ابن الجزري جماعة ممّن كتَب في القراءة ، فقال :

( وإنّما أطَلْنا هذا الفصل ، لِما بلَغَنا عن بعض مَن لا عِلم له : أنّ القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة ، أو أنّ الأحرف السبعة التي أشار إليها النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) هي قراءة هؤلاء السبعة ، بل غَلَب على كثير مِن الجهّال أنّ القراءات الصحيحة هي التي في ( الشاطبية والتيسير ) ، وأنّها هي المُشار إليها بقوله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : أُنزل القرآن على سبعة أحرف ، حتّى إنّ بعضهم يُطلق على ما لم يكن في هذين الكتابَين أنّه شاذّ ، وكثير منهم يُطلق على ما لم يكن عن هؤلاء السبعة شاذّاً .

وربّما كان كثير ممّا لم يكن في ( الشاطبية والتيسير ) ، وعن غير هؤلاء السبعة أصحّ مِن كثير ممّا فيهما ، وإنّ ما أَوقع هؤلاء في الشُبهة كونُهم سمِعوا ( أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) ، وسمعوا قراءات السبعة ، فظنّوا أنّ هذه السبعة هي تلك المُشار إليها ؛ ولذلك كَرِه كثير مِن الأئمّة المتقدّمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة مِن القرّاء ، وخطّأوه في ذلك ، وقالوا : ألا اقتصر على دون هذا العدد أو زاده ، أو بيَّن مراده ؛ ليخلص مَن لا يعلم ، مِن هذه الشبهة ثمّ نقل ابن الجزري - بعد ذلك - عن ابن عمّار المهدويّ ، وأبي محمّد مكّي ما تقدّم نقله عنهما آنفاً )(١) .

_______________________

(١) النشر في القراءات العشر ج ١ ص ٣٣ - ٣٧

١٦٠