البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن0%

البيان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

البيان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
تصنيف: الصفحات: 526
المشاهدات: 31767
تحميل: 5900

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31767 / تحميل: 5900
الحجم الحجم الحجم
البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال أبو شامة :

( ظنّ قَوم أنّ القراءات السبع الموجودة الآن ، هي التي أُريدت في الحديث ، وهو خلاف إجماع أهل العِلم قاطبة ، وإنّما يظنّ ذلك بعضُ أهل الجهل )(١) .

وبهذا الاستعراض قد استبان للقارئ ، وظهر له ظهوراً تامّاً أنّ القراءات ليست متواترة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ولا عن القرّاء أنفسهم ، مِن غير فَرْق بين السبع وغيرها ، ولو سلّمنا تواترها عن القرّاء ، فهي ليست متواترة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قطعاً .

فالقراءات إمّا أنْ تكون منقولة بالآحاد ، وإمّا أنْ تكون اجتهادات مِن القرّاء أنفسهم ، فلا بدّ لنا مِن البحث في موردَين :

١ - حجّية القراءات :

ذهب جماعة إلى حجّية هذه القراءات ، فجوّزوا أنْ يستدلّ بها على الحُكم الشرعي ، كما استدلّ على حُرمة وطئ الحائض بعد نقائها مِن الحَيض ، وقبل أنْ تغتسل ، بقراءة الكوفيّين - غير حفص - قوله تعالى :( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) بالتشديد .

الجواب :

ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك : أنّ كلّ واحد مِن هؤلاء القرّاء يُحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرِد دليل مِن العقل ، ولا مِن الشرع على وجوب اتّباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحُكم الشرع ، بالمنع عن اتّباع غير العِلم وسيأتي توضيح ذلك إنْ شاء الله تعالى .

_______________________

(١) الإتقان النوع ٢٢ - ٢٧ ج ١ ص ١٣٨

١٦١

ولعلّ أحداً يحاول أنْ يقول : إنّ القراءات - وإنْ لم تكن متواترة - إلاّ أنّها منقولة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فتشملها الأدلّة القطعية ، التي أثبتت حجّية الخبر الواحد ، وإذا شملتها هذه الأدلّة القطعية ، خرج الاستناد إليها عن العمل بالظنّ بالورود ، أو الحكومة ، أو التخصيص(١) .

الجواب :

أوّلاً : إنّ القراءات لم يتّضح كونها رواية ، لتشملها هذه الأدلّة ، فلعلّه اجتهادات مِن القرّاء ، ويؤيّد هذا الاحتمال ما تقدّم مِن تصريح بعض الأعلام بذلك ، بل إذا لاحظنا السبب ، الذي مِن أجله اختلف القرّاء في قراءاتهم - وهو خُلُوّ المصاحف المرسلة إلى الجهات مِن النُقَط والشكل - يَقوى هذا الاحتمال جدّاً .

قال ابن أبي هاشم :

( إنّ السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها ، أنّ الجهات التي وُجِّهت إليها المصاحف ، كان بها مِن الصحابة مَن حَمَل عنه أهل تلك الجهة ، وكانت المصاحف خالية مِن النُقَط والشكل قال : فثبَتَ أهلُ كلّ ناحية على ما كانوا تلَقَّوْه سماعاً عن الصحابة ، بشرط موافقة الخطّ ، وتركوا ما يخالف الخطّ . فمِن ثَمّ نشأ الاختلاف بين قرّاء الأمصار )(٢) .

وقال الزرقاني :

( كان العلماء في الصدر الأوّل يرون كراهة نُقَط المصحف وشكله ، مبالغة منهم في المحافظة على أداء القرآن ، كما رسمه المصحف ، وخوفاً مِن أنْ يؤدّي ذلك

_______________________

(١) وقد أوضحنا الفَرق بين هذه المعاني في مبحث ( التعادل والترجيح ) في محاضراتنا الأصولية المنتشرة .

(٢) التبيان ص ٨٦

١٦٢

إلى التغيير فيه . ولكنّ الزمان تغيّر - كما علِمت - فاضطرّ المسلمون إلى إعجام المصحف وشكله ؛ لنفس ذلك السبب ، أي للمحافظة على أداء القرآن ، كما رسمه المصحف ، وخوفاً مِن أنْ يؤدّي تجرّده مِن النُقَط والشكل إلى التغيير فيه )(١) .

ثانياً : إنّ رواة كلّ قراءة مِن هذه القراءات ، لم تثبتْ وَثاقتهم أجْمَع ، فلا تشمل أدلّة حجّية خبر الثقة روايتهم ، ويظهر ذلك ممّا قدّمناه في ترجمة أحوال القرّاء ورُواتِهم .

ثالثاً : إنّا لو سلّمنا أنّ القراءات كلّها تستند إلى الرواية ، وأنّ جميع رواتها ثقات ، إلاّ أنّا نعلم علماً إجمالياً أنّ بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبيّ قطعاً ، ومِن الواضح أنّ مثل هذا العِلم يوجب التعارض بين تلك الروايات ، وتكون كلّ واحدة منها مُكذِّبة للأخرى ، فتسقط جميعها عن الحجّية ، فإنّ تخصيص بعضها بالاعتبار ترجيح بلا مرجِّح ، فلا بدّ مِن الرجوع إلى مرجِّحات باب المعارضة ، وبدونه لا يجوز الاحتجاج على الحكم الشرعي بواحدة مِن تلك القراءات .

وهذه النتيجة حاصلة أيضاً إذا قلنا بتواتر القراءات ، فإنّ تواتر القراءتَين المختلفتَين عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يورِث القطْع بأنّ كُلاًّ مِن القراءتين قرآن مُنزَل مِن الله ، فلا يكون بينهما تعارض بحسب السَند ، بل يكون التعارض بينهم بحسب الدلالة فإذا علِمنا إجمالاً أنّ أحدَ الظاهرَين غير مُراد في الواقع ، فلا بدّ مِن القول بتساقطهما ، والرجوع إلى الأصل اللفظي أو العمَلي ؛ لأنّ أدلّة الترجيح ، أو التخيير تختصّ بالأدلّة التي يكون سندها ظنّياً ، فلا تعمّ ما يكون صدوره قطعيّاً وتفصيل ذلك كلّه في بحث ( التعادل والترجيح ) مِن علم الأصول .

_______________________

(١) مناهل العرفان ص ٤٠٢ الطبعة الثانية

١٦٣

٢ - جواز القراءة بها في الصلاة :

ذهب الجمهور مِن علماء الفريقين إلى جواز القراءة بكلّ واحدة مِن القراءات السَبْع في الصلاة ، بل ادُّعيَ على ذلك الإجماع في كلمات غير واحد منهم ، وجوّز بعضهم القراءة بكلّ واحدة مِن العشْر ، وقال بعضهم بجواز القراءة بكلّ قراءة وافقتْ العربية ولو بوجه ، ووافقتْ أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً ، وصحّ سندها ، ولم يحصرها في عددٍ معيّن .

والحقّ : أنّ الذي تقتضيه القاعدة الأوّلية ، هو عدم جواز القراءة في الصلاة بكلّ قراءة ، لم تثبت القراءة بها مِن النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أو مِن أحد أوصيائه المعصومين ( عليهم السلام ) ؛ لأنّ الواجب في الصلاة هو قراءة القرآن ، فلا يكفي قراءة شيء لم يحرز كونه قرآناً .

وقد استقلّ العقل بوجوب إحراز الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمّة ، وعلى ذلك فلا بدّ مِن تكرار الصلاة بعد القراءات المختلفة ، أو تكرار مورد الاختلاف في الصلاة الواحدة ؛ لإحراز الامتثال القطعيّ ، ففي سورة الفاتحة يجب الجَمْع بين قراءة ( مالِك ) ، وقراءة ( ملِك ) .

أمّا السورة التامّة التي تجب قراءتها بعد الحمد - بناءً على الأظهر - فيجب لها : إمّا اختيار سورة ليس فيها اختلاف في القراءة ، وإمّا التكرار على النحو المتقدّم .

وأمّا بالنظر إلى ما ثبت قطعيّاً مِن تقرير المعصومين ( عليهم السلام ) شيعتهم على القراءة ، بأيّة واحدة مِن القراءات المعروفة في زمانهم ، فلا شكّ في كفاية كلّ واحدة منها ، فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم ، ولم يرِد عنهم أنّهم ردعوا عن بعضها ، ولو ثبتَ الردْع لوصل إلينا بالتواتر ، ولا أقلّ مِن نقْلِه بالآحاد ، بل وَرَد عنهم ( عليهم السلام ) إمضاء هذه القراءات بقولهم : ( اقرأ كما يقرأ الناس(١) اقرأوا كما عُلِّمتُم(٢) ) وعلى ذلك فلا معنى لتخصيص

_______________________

(١) الكافي : باب النوادر كتاب فضْل القرآن

(٢) الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ـ للحرّ العاملي ـ ج٣ باب ٤٧ ح٣٠١٥ الشبكة

١٦٤

الجواز بالقراءات السبع أو العشر ، نعم يعتبر في الجواز أنْ لا تكون القراءة شاذّة ، غير ثابتة بنقْلِ الثقات عند علماء أهل السُنّة ، ولا موضوعة ، أمّا الشاذّة ، فمثالها قراءة ( مَلَك يومَ الدين ) بصيغة الماضي ونَصْبِ يوم ، وأمّا الموضوعة ، فمثالها قراءة ( إنّما يخشى الله مِن عباده العلماءُ ) برفع كلمة الله ونصْبِ كلمة العلماء ، على قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة .

وصَفْوَة القول : أنّه تجوز القراءة في الصلاة بكلّ قراءة كانت متعارفة في زمان أهل البيت ( عليهم السلام ) .

١٦٥

هل نزل القرآن على سبعة أحرف ؟ ! !

١٦٦

عَرْض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف تفنيد تلك الروايات عدم رجوع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول الوجوه العشرة التي ذكروها تفسيراً للأحرف السبعة بيان فساد تلك الوجوه .

١٦٧

لقد ورد في روايات أهل السُنّة : أنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، فيحسن بنا أنْ نتعرّض إلى التحقيق في ذلك ، بعد ذِكر هذه الروايات :

١ - أخرج الطبري عن يونس وأبي كريب ، بإسنادهما عن ابن شهاب ، بإسناده عن ابن عبّاس ، حدّثه أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) قال :

( أقرأَني جبرئيل على حرف فراجعته ، فلم أزل استزيده فيزيدني ، حتّى انتهى إلى سبعة أحرف ) .

ورواها مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس(١) ، ورواها البخاري بسند آخر(٢) ، وروى مضمونها عن ابن البرقي ، بإسناده عن ابن عبّاس .

٢ - وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جدّه عن أُبَي بن كعب قال :

( كنت في المسجد ، فدخل رجل يصلّي ، فقرأ قراءةً أنكرتُها عليه ، ثمّ دخل رجل آخر فقرأ قراءةً

_______________________

(١) صحيح مسلم باب أنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ج ٢ ص ٢٠٢ طبعة محمّد عليّ صبيح بمصر .

(٢) صحيح البخاري باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف ج ٦ ص ١٠٠ طبعة دار الخلافة المطبعة العامرة

١٦٨

غير قراءة صاحبه ، فدخلنا جميعاً على رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، قال : فقلت يا رسول الله إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتُها عليه ، ثمّ دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه ، فأمرهما رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) فقرءا ، فحسَّن رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) شأنهما ، فوَقع في نفسي مِن التكذيب ، ولا إذ كنتُ في الجاهلية .

فلمّا رأى رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ما غشِيَني ضرب في صدري ، ففضْتُ عَرَقاً كأنّما أنظر إلى الله فرْقاً فقال لي : يا أُبَيّ أُرسِلَ إليَّ أنْ أقرأ القرآن على حرف ، فرددتُ عليه أنْ هوِّن على أمّتي ، فردّ عليّ في الثانية أنْ أقرأ القرآن على حرف(١) ، فرددتُ عليه أنْ هوِّن على أمّتي ، فردّ عليّ في الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف ، ولك بكلّ ردّةٍ رددتَها مسألة تسألْنيها فقلت : اللهمّ اغفر لأمّتي اللهمّ اغفر لأمّتي ، وأخّرتُ الثالثة ليوم يرغب فيه إلى الخَلْق كلّهم حتّى إبراهيم ( عليه السلام ) ) .

وهذه الرواية رواها مسلم أيضاً بأدنى اختلاف(٢) ، وأخرجها الطبري عن أبي كريب بطُرُق أخرى باختلاف يسير أيضاً ، وروى ما يقرب مِن مضمونها عن طريق يونس بن عبد الأعلى ، وعن طريق محمّد بن عبد الأعلى الصنعانيّ عن أُبَيّ .

٣ - وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن سليمان بن صرد عن أُبَيّ بن كعب قال :

_______________________

(١) هكذا في النسخة ، وفي صحيح مسلم : على حرفين .

(٢) صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠٣

١٦٩

( رحتُ إلى المسجد فسمعت رجلاً يقرأ ، فقلت : مَن أقرأك ؟ فقال : رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، فانطلقتُ به إلى رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، فقلت : استقرئ هذا ، فقرأ فقال : أحسنت قال : فقلت : إنّك أقرأتني كذا وكذا ، فقال : وأنت قد أحسنت قال : فقلت قد أحسنت قد أحسنت قال : فضرب بيده على صدري ، ثمّ قال : اللهمّ أذهب عن أُبَيّ الشكّ قال : ففضْتُ عرَقاً وامتلأ جَوفي فَرَقاً .

ثمّ قال ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : إنّ الملَكَين أتَياني ، فقال أحدهما : اقرأ القرآن على حرف ، وقال الآخر : زده قال : فقلت زدْني قال : اقرأه على حرفَين ، حتّى بلَغ سبعة أحرف ، فقال : اقرأ على سبعة أحرف ) .

٤ - وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال :

( قال رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : قال جبرئيل : اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل : استزده ، فقال : على حرفين ، حتّى بَغ ستّة أو سبعة أحرف - والشكّ مِن أبي كريب - فقال : كلّها شافٍ كافٍ ، ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب كقولك : هلمَّ وتعال ) .

٥ - وأخرج عن أحمد بن منصور ، بإسناده عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جدِّه قال :

( قرأ رجل عند عمر بن الخطاب ، فغيّر عليه ، فقال : لقد قرأت على رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، فلم يغيّر

١٧٠

عليّ ، قال : فاختصما عند النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، فقال : يا رسول الله ألَم تُقرئُني آية كذا وكذا ؟ قال : بلى فوقع في صدر عمر شيء ، فعرف النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) - ذلك في وجهه قال : فضرب صدره وقال : أبعد شيطاناً ، قالها ثلاثاً ، ثمّ قال : يا عمَر إنّ القرآن كلّه سواء ، ما لم تجعل رحمةً عذاباً ، وعذاباً رحمةً ) .

وأخرج عن يونس بن عبد الأعلى ، بإسناده عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القصّة وروى البخاري ومسلم والترمذي قصّة عمر مع هشام بإسناد غير ذلك ، واختلاف في ألفاظ الحديث(١) .

٦ - وأخرج عن محمّد بن المثنّى ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أُبيّ بن كعب ، أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) كان عند أضاءة بني غفّار قال :

( فأتاه جبرئيل ، فقال : إنّ الله يأمرك أنْ تُقرئ أمّتك القرآن على حرف ، فقال : اسأل الله معافاته ومغفرته ، وإنّ أمّتي لا تُطيق ذلك قال : ثمّ أتاه الثانية ، فقال : إنّ الله يأمرك أنْ تُقرئ أمّتك القرآن على حرفَين ، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإنّ أمّتي لا تُطيق ذلك ، ثمّ جاء الثالثة ، فقال : إنّ الله يأمرك أنْ تُقرئ أمّتك القرآن على ثلاثة أحرف ، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإنّ أمّتي لا تُطيق ذلك ، ثمّ جاء الرابعة فقال : إنّ الله يأمرك أنْ

_______________________

(١) صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠٢ ، وصحيح البخاري ج ٣ ص ٩٠ ، و ج ٦ ص ١٠٠ ، ١١١ ، و ج ٨ ص ٥٣ ، ٢١٥ ، وصحيح الترمذي بشرح ابن العربي باب ما جاء أُنزل القرآن على سبعة أحرف ج ١١ ص ٦٠

١٧١

تُقرئ أمّتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا ) .

ورواها مسلم أيضاً في صحيحه(١) وأخرج الطبري أيضاً نحوها عن أبي كريب ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أُبَيّ بن كعب .

وأخرج أيضاً بعضها عن أحمد بن محمّد الطوسي ، بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أُبَيّ بن كعب باختلافٍ يسير ، وأخرجها أيضاً عن محمّد بن المثنّى ، بإسناده عن أُبَيّ بن كعب .

٧ - وأخرج عن أبي كريب باسناده عن زر عن أُبيّ قال :

( لَقِيَ رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) جبرئيل عند أحجار المراء ، فقال : إنّي بُعثتُ إلى أمّة أمّيين منهم الغلام والخادم ، وفيهم الشيخ الفاني والعجوز ، فقال جبرئيل : فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف )(٢) .

٨ - وأخرج عن عمرو بن عثمان العثمانيّ ، بإسناده عن المقبري عن أبي هريرة أنّه قال :

( قال رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ولا حرج ، ولكن لا تختموا ذِكْر رحمةٍ بعذاب ، ولا ذِكر عذابٍ برحمة ) .

٩ - وأخرج عن عبيد بن اسباط ، بإسناده عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال :

_______________________

(١) صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٠٣ .

(٢) ورواها الترمذي أيضاً بأدنى اختلاف ج ١١ ص ٦٢

١٧٢

قال رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : ( أُنزل القرآن على سبعة أحرف عليم حكيم غفور رحيم ) .

وأخرج عن أبي كريب ، بإسناده عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله .

١٠ - وأخرج عن سعيد بن يحيى ، بإسناده عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال :

( تمارَينا في سورة مِن القرآن ، فقلنا : خمس وثلاثون ، أو ستّ وثلاثون آية قال : فانطلقنا إلى رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) فوجدنا عليّاً يُناجيه قال : فقلنا إنّما اختلفنا في القراءة قال : فاحمرّ وجه رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، وقال : إنّما هلك مَن كان قبلكم باختلافهم بينهم قال : ثمّ أسَرّ إلى عليٍّ شيئاً ، فقال لنا عليّ : إنّ رسول الله يأمركم أنْ تقرأوا كما عُلِّمتُم )(١) .

١١ - وأخرج القرطبي عن أبي داود عن أُبَيّ ، قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) :

( يا أُبيّ إنّي قرأت القرآن فقيل لي : على حرفٍ أو حرفَين ، فقال المَلَك الذي معي : قلْ على حرفَين فقيل لي : على حرفَين أو ثلاثة ، فقال الملَك الذي معي : قلْ على ثلاثة ، حتّى بلَغ سبعة أحرف ، ثمّ قال : ليس منها إلاّ شافٍ كافٍ ، إنْ قلت سميعاً ، عليماً ، عزيزاً ، حكيماً ، ما لم تخلط آية عذابٍ برحمة ، أو آية رحمةٍ بعذاب )(٢) .

_______________________

(١) هذه الروايات كلّها مذكورة في تفسير الطبري ج ١ ص ٩ - ١٥ .

(٢) تفسير القرطبي ج ١ ص ٤٣

١٧٣

هذه أهمّ الروايات التي رُويت في هذا المعنى ، وكلّها مِن طُرُق أهل السُنّة ، وهي مخالفة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :

( إنّ القرآن واحد نزل مِن عند واحد ، ولكنّ الاختلاف يجئ مِن قِبَل الرواة )(١) .

وقد سأل الفُضيل بن يسار أبا عبد الله ( عليه السلام ) ، فقال : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( كذَبوا - أعداء الله - ولكنّه نزل على حرفٍ واحد مِن عند الواحد )(٢) .

وقد تقدّم إجمالاً أنّ المراجع بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في أمور الدين ، إنّما هو كتاب الله ، وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ( وسيأتي توضيحه مفصّلاً بعد ذلك إنْ شاء الله تعالى ) .

ولا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لِما يصحّ عنهم ؛ ولذلك لا يهمّنا أنْ نتكلّم عن أسانيد هذه الروايات وهذا أوّل شيء تسقط به الرواية عن الاعتبار والحجّية ، ويُضاف إلى ذلك ما بين هذه الروايات مِن التخالف والتناقض ، وما في بعضها مِن عدم التناسب بين السؤال والجواب .

تهافت الروايات :

فمِن التناقض : أنّ بعض الروايات دلّ على أنّ جبرئيل أَقرأ النبيَّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على حرف ، فاستزاده النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فزاده ، حتّى انتهى إلى سبعة أحرف ، وهذا يدلّ

_______________________

(١) أصول الكافي كتاب فضل القرآن - باب النوادر ، الرواية : ١٢ .

(٢) أصول الكافي كتاب فضل القرآن - باب النوادر ، الرواية : ١٣ .

(البيان - ١٢)

١٧٤

على أنّ الزيادة كانت على التدريج ، وفي بعضها أنّ الزيادة كانت مرّة واحدة في المرّة الثالثة ، وفي بعضها أنّ الله أمَره في المرّة الثالثة أنْ يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف ، وكان الأمر بقراءة سبع في المرّة الرابعة .

ومِن التناقض أنّ بعض الروايات يدلّ على أنّ الزيادة كلّها كانت في مجلس واحد ، وأنّ طلب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الزيادة كان بإرشاد ميكائيل ، فزاده جبرئيل حتّى بلَغ سبعاً ، وبعضها يدلّ على أنّ جبرئيل كان ينطلق ويعود مرّةً بعد مرّة .

ومِن التناقض أنّ بعض الروايات يقول : إنّ أُبيّ دخل المسجد ، فرأى رجلاً يقرأ على خلاف قراءته وفي بعضها أنّه كان في المسجد ، فدخل رجلان وقرءا على خلاف قراءته ، وقد وقع فيها الاختلاف أيضاً فيما قاله النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لأُبيّ . إلى غير ذلك مِن الاختلاف .

ومِن عدم التناسب بين السؤال والجواب ، ما في رواية ابن مسعود مِن قَول عليّ ( عليه السلام ) : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يأمرُكم أنْ تقرأوا كما عُلِّمتُم ، فإنّ هذا الجواب لا يرتبط بما وقع فيه النزاع مِن الاختلاف في عدد الآيات أضِف إلى جميع ذلك : أنّه لا يرجع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنىً معقول ، ولا يتحصّل للناظر فيها معنىً صحيح .

وجوه الأحرف السبعة :

وقد ذكروا في توجيه نزول القرآن على سبعة أحرف وجوهاً كثيرةً ، نتعرّض للمهمّ منها مع مناقشتها وبيان فسادها :

١- المعاني المتقاربة :

إنّ المراد سبعة أَوجه مِن المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو ( عجِّل ، وأسرِعْ ، واسْعَ ) ، وكانت هذه الأحرف باقية إلى زمان عثمان ، فحصرها عثمان

١٧٥

بحرفٍ واحد ، وأمَر بإحراق بقيّة المصاحف التي كانت على غيره مِن الحروف الستّة واختار هذا الوجه الطبري(١) وجماعة وذكر القرطبيّ : أنّه مختار أكثر أهل العِلم(٢) وكذلك قال أبو عمرو بن عبد البرّ(٣) .

واستدلّوا على ذلك برواية ابن أبي بكرة ، وأبي داود ، وغيرهما ممّا تقدّم وبرواية يونس بإسناده عن ابن شهاب قال :

( أخبرني سعيد بن المسيّب أنّ الذي ذَكر الله تعالى ذِكرُه :

( إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) ١٦ : ١٠٣ .

إنّما افتتن أنّه كان يكتب الوحي ، فكان يُملي عليه رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) سميع عليم ، أو عزيز حكيم ، وغير ذلك مِن خواتم الآي ، ثمّ يشتغل عنه رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) وهو على الوحي ، فيستفهم رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، فيقول : ( أعزيزٌ حكيم ، أو سميعٌ عليم ، أو عزيزٌ عليم ) ؟ فيقول له رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) : أيّ ذلك كتبتَ فهو كذلك ، ففتنه ذلك ، فقال : إنّ محمّداً أَوكَلَ ذلك إليّ ، فأكتُب ما شئت ) .

واستدلّوا أيضاً بقراءة أنَس ( إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطأً وأصوَب قيلاً ) ، فقال له بعض القوم : يا أبا حمزة إنّما هي ( وأقوَم ) ، فقال : ( أقوَم ، وأصوَب ، وأهدى واحد ) وبقراءة ابن مسعود ( إنْ كانت إلاّ زقية واحدة )(٤) .

_______________________

(١) تفسير الطبري ج ١ ص ١٥ .

(٢) تفسير القرطبي ج ١ ص ٤٢ .

(٣) التبيان ص ٣٩ .

(٤) تفسير الطبري ج ١ ص ١٨ .

١٧٦

وبما رواه الطبري عن محمّد بن بشّار ، وأبي السائب بإسنادهما عن همام : أنّ أبا الدرداء كان يُقرئ رجلاً :

( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ٤٤ : ٤٣طَعَامُ الأَثِيمِ ٤٤ : ٤٤) .

قال : فجعل الرجل يقول : ( إنّ شجرة الزقوم طعام اليتيم ) ، قال : فلمّا أكثَرَ عليه أبو الدرداء ، فرآه لا يفهم قال : ( إنّ شجرة الزقوم طعام الفاجر )(١) .

واستدلّوا أيضاً على ذلك ، بما تقدّم مِن الروايات الدالّة على التوسعة : ( ما لم تُختم آيةُ رحمةٍ بعذاب ، أو آية عذابٍ برحمة ) .

فإنّ هذا التحديد لا معنى له ، إلاّ أنْ يُراد بالسبعة أحرف جواز تبديل بعض الكلمات ببعض ، فاستُثنيَ مِن ذلك ختْمُ آية عذابٍ برحمة ، أو آية رحمةٍ بعذاب .

وبمقتضى هذه الروايات لا بدّ مِن حَمْل روايات السبعة أحرف على ذلك بعد ردِّ مُجْملِها إلى مُبيِّنِها .

إنّ جميع ما ذُكر لها مِن المعاني أجنبيّ عن مورد الروايات - وستعرف ذلك - وعلى هذا ، فلا بدّ مِن طَرْح الروايات ؛ لأنّ الالتزام بمفادها غير ممكن .

والدليل على ذلك :

أوّلاً : إنّ هذا إنّما يتمّ في بعض معاني القرآن ، التي يمكن أنْ يُعبّر عنها بألفاظ سبعة متقاربة ومِن الضروريّ أنّ أكثر القرآن لا يتمّ فيه ذلك ، فكيف تُتصوّر هذه الحروف السبعة التي نزل بها القرآن ؟ .

ثانياً : إنْ كان المراد مِن هذا الوجه ، أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد جوّز تبديل

_______________________

(١) تفسير الطبري ج ٢٥ ص ٧٨ عند تفسير الآية المباركة

١٧٧

كلمات القرآن الموجودة بكلماتٍ أخرى ، تقاربها في المعنى - ويشهد لهذا بعض الروايات المتقدّمة - فهذا الاحتمال يوجِب هدم أساس القرآن ، المعجزة الأبديّة ، والحُجّة على جميع البشَر ، ولا يشكّ عاقل في أنّ ذلك يقتضي هَجْر القرآن المُنزَل ، وعدم الاعتناء بشأنه .

وهل يتوهّم عاقل ترخيص النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنْ يقرأ القارئ ( يس ، والذِكر العظيم ، إنّك لمِن الأنبياء ، على طريق سويّ ، إنزال الحميد الكريم ، لتخوّف قوماً ما خوّف أسلافهم ، فهُم ساهون ) ، فلتُقرّ عيون المجوِّزين لذلك سبحانك اللهمّ إنْ هذا إلاّ بهتانٌ عظيم ، وقد قال الله تعالى :

( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) ١٠ : ١٥ .

وإذا لم يكن للنبيِّ أنْ يُبدّل القرآن مِن تِلقاء نفسه ، فكيف يجوز ذلك لغيره ؟ .

وإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) علّم براء بن عازب دعاءً كان فيه : ( ونبيّك الذي أرسلت ) ، فقرأ براء ( ورسولك الذي أرسلت ) ، فأمره ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنْ لا يضع الرسول موضع النبيّ(١) فإذا كان هذا في الدعاء ، فماذا يكون الشأن في القرآن ؟ .

وإنْ كان المراد مِن الوجه المتقدّم : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قرأ على الحروف السبعة - ويشهد لهذا كثير مِن الروايات المتقدّمة - فلا بدّ للقائل بهذا ، أنْ يُدِلّ على هذه الحروف السبعة ، التي قرأ بها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؛ لأنّ الله سبحانه قد وعَدَ بحِفْظ ما أنزله :

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ١٥ : ٩ .

ثالثاً : أنّه صرّحت الروايات المتقدّمة بأنّ الحكمة في نزول القرآن على سبعة

_______________________

(١) التبيان ٥٨

١٧٨

أحرف هي التوسعة على الأمّة ؛ لأنّهم لا يستطيعون القراءة على حرفٍ واحد ، وأنّ هذا هو الذي دعا النبيّ الاستزادة إلى سبعة أحرف ، وقد رأينا أنّ اختلاف القراءات أَوجبَ أنْ يُكفِّر بعض المسلمين بعضاً ، حتّى حَصَر عثمان القراءة بحرفٍ واحد ، وأمَر بإحراق بقيّة المصاحف .

ويستنتج مِن ذلك أمور :

١ - إنّ الاختلاف في القراءة كان نقمة على الأمّة ، وقد ظهر ذلك في عَصْر عثمان ، فكيف يصحّ أنْ يطلب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مِن الله ما فيه فساد الأمّة ، وكيف يصحّ على الله أنْ يُجيبه إلى ذلك ؟ وقد ورَدَ في كثير مِن الروايات النهي عن الاختلاف ، وأنّ فيه هلاك الأمّة ، وفي بعضها أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تغيّر وجهه واحمرّ حين ذُكر له الاختلاف في القراءة ، وقد تقدّم جملة منها ، وسيجيء بعد هذا جملة أخرى

٢ - قد تضمنت ّالروايات المتقدّمة أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : إنّ أمّتي لا تستطيع ذلك ( القراءة على حرفٍ واحد ) وهذا كذبٌ صريح ، لا يُعقَل نسبته إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؛ لأنّا نجد الأمّة بعد عثمان على اختلاف عناصرها ولُغاتها ، قد استطاعت أنْ تقرأ القرآن على حرفٍ واحد ، فكيف يكون مِن العُسر عليها أنْ تجتمع على حرفٍ واحد في زمان النبيِّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ وقد كانت الأمّة مِن العرب الفُصحى .

٣ - إنّ الاختلاف الذي أَوجَب لعثمان أنْ يحصر القراءة في حرفٍ واحد ، قد اتّفق في عصر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وقد أقرّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كلّ قارئ على قراءته ، وأمَر المسلمين بالتسليم لجميعها ، وأعْلمَهم بأنّ ذلك رحمة مِن الله لهم ، فكيف صحّ لعثمان ، ولتابعِيه سدّ باب الرحمة ، مع نهْيِ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن المنْعِ عن قراءة القرآن ؟ .

وكيف جاز للمسلمين رفْض قول النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأخْذ قول عثمان وإمضاء عملِه ؟ أفَهَل وجَدوه أرأف بالأمّة مِن نبيِّها ؟ أو أنّه تنبّه لشيءٍ ، قد جهِلَه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مِن قَبل وحاشاه ؟ أو أنّ الوحي قد نزل على عثمان بنُسَخِ تلك الحروف ؟ ! .

١٧٩

وخلاصة الكلام : أنّ بشاعة هذا القول تُغني عن التكلّف عن ردِّه ، وهذه هي العُمدة في رفْض المتأخّرين مِن علماء أهل السُنّة لهذا القول ولأجل ذلك قد التجأ بعضُهم كأبي جعفر محمّد بن سعدان النحويّ ، والحافظ جلال الدين السيوطي إلى القول بأنّ هذه الروايات مِن المُشكل والمتشابه ، وليس يدري ما هو مفادها(١) ، مع أنّك قد عرفت أنّ مفادها أمْرٌ ظاهر ، ولا يشكّ فيه الناظر إليها ، كما ذهب إليه واختاره أكثر العلماء .

٢ - الأبواب السبعة :

إنّ المراد بالأحرف السبعة هي الأبواب السبعة ، التي نزل منها القرآن وهي : زجْرٌ ، وأمْرٌ ، وحلال ، وحرام ، ومُحْكَم ، ومتشابه ، وأمثال

واستدلّ عليه بما رواه يونس ، بإسناده عن ابن مسعود عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال :

( كان الكتاب الأوّل نزل مِن بابٍ واحد على حرفٍ واحد ، ونزل القرآن مِن سبعة أبواب ، وعلى سبعة أحرف : زجْر ، وأمْر ، وحلال ، وحرام ، ومُحْكم ، ومتشابه ، وأمثال فأحِلّوا حلاله ، وحرِّموا حرامه ، وافعلوا ما أُمرتُم به ، وانتهوا عمّا نُهيتُم عنه ، واعتبِروا بأمثاله ، واعملوا بمُحكَمِه ، وآمِنوا بمتشابِهه ، وقولوا آمنّا به كلٌّ مِن عند ربِّنا )(٢)

ويَرِد على هذا الوجه :

١ - إنّ ظاّهر الرواية كَون الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن غير

_______________________

(١) التبيان ص ٦١ .

(٢) تفسير الطبري ج ١ ص ٢٣

١٨٠