البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن0%

البيان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

البيان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
تصنيف: الصفحات: 526
المشاهدات: 31796
تحميل: 5920

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31796 / تحميل: 5920
الحجم الحجم الحجم
البيان في تفسير القرآن

البيان في تفسير القرآن

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أصبتَ ، فجمعوا القرآن ، فأمَر أبو بكر منادياً ، فنادى في الناس : مَن كان عنده شيء مِن القرآن فليجيء به . ) .

١١ - وروى خزيمة بن ثابت ، قال :

( جئت بهذه الآية : لقد جاءكم رسول مِن أنفسكم . إلى عُمَر بن الخطّاب ، وإلى زيد بن ثابت ، فقال زيد : مَن يشهد معك ؟ قلت : لا والله ما أدري ، فقال عُمَر : أنا أشهد معه على ذلك )

١٢ - وروى أبو إسحاق ، عن بعض أصحابه ، قال :

( لمّا جَمَع عُمَر بن الخطّاب المُصحَف سأل : مَن أعْرَب الناس ؟ قيل : سعيد بن العاص ، فقال : مَن أكْتَب الناس ؟ فقيل : زيد بن ثابت ، قال : فليُمْلِ سعيد وليَكْتُب زيد ، فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفَذَ مُصحفاً منها إلى الكوفة ، ومصحفاً إلى البصرة ، ومصحفاً إلى الشام ، ومصحفاً إلى الحجاز ) .

١٣ - وروى عبد الله بن فضالة قال :

( لمّا أراد عُمَر أنْ يكتُب الإمام أقعد له نَفراً مِن أصحابه ، وقال : إذا اختلفتُم في اللُغة ، فاكتبوها بلُغة مُضَر ، فإنّ القرآن نزَل على رجُلٍ مِن مُضَر ) .

١٤ - وروى أبو قلابة ، قال :

( لمّا كان في خلافة عثمان جعل المعلِّم يُعَلِّم قراءة الرجُل ، والمعلِّم يُعلِّم قراءة الرجُل ، فجَعل الغِلمان يلتقون ويختلفون ، حتّى ارتفع ذلك إلى المُعلِّمين ، حتّى كَفَر بعضُهم بقراءة بعض ، فبَلَغ ذلك عثمان فقام خطيباً ، فقال : أنتم عندي تختلفون وتُلحِنون ، فمَن نأى عنّي مِن الأمصار أشدّ اختلافاً ، وأشدّ لحْناً ، فاجتمعوا يا أصحاب محمّد ، فاكتُبوا للناس إماماً .

قال أبو قلابة : فحدّثني مالك ابن أنس ، قال أبو بكر بن أبي داود : هذا مالك بن أنس جدّ مالك بن أنس قال : كنتُ فيمَن أُملي عليهم ، فربّما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجُل قد تلقّاها

٢٤١

مِن رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، ولعلّه أنْ يكون غائباً أو في بعض البوادي ، فيكتُبون ما قبلها وما بعدها ، ويدَعون موضعها ، حتّى يجيء أو يُرسَل إليه ، فلمّا فَرِغ مِن المُصحَف كتَب إلى أهل الأمصار : أنّي قد صنعتُ كذا ، وصنعتُ كذا ، ومحَوتُ ما عندي ، فامحوا ما عندكم ) .

١٥ - وروى مصعب بن سعد ، قال :

( قام عثمان يخطب الناس ، فقال : أيّها الناس عهدكم بنبيّكم منذ ثلاث عشرة ، وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أُبَيّ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل والله ما تُقيم قراءتك ، فأعزِمُ على كلّ رجُل منكم كان معه مِن كتاب الله شيء لمّا جاء به ، فكان الرجل يجئ بالورقة والأديم فيه القرآن ، حتّى جَمَع مِن ذلك كثرة ، ثمّ دخل عثمان ودعاهم رجلاً رجلاً ، فناشدهم : لَسَمِعْتَ رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) وهو أمَلَّه عليك ؟ فيقول : نعم ، فلمّا فرغ مِن ذلك عثمان قال : مَن أكتَب الناس ؟ قالوا : كاتب رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) زيد بن ثابت ، قال : فأيّ الناس أعْرَب ؟ قالوا سعيـد بن العاص ، قال عثمان : فليُملِ سعيد ، وليكتُب زيد ، فكتب زيد ، وكتب مصاحف ففرّقها في الناس ، فسمعتُ بعض أصحاب محمّد ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) يقول : قد أحسَن ) .

١٦ - وروى أبو المليح ، قال :

( قال عثمان بن عفّان حين أراد أنْ يكتُب المُصحف ، تُملي هُذَيل وتكتُب ثقيف ) .

١٧ - وروى عبد الأعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر القرشي ، قال :

( لمّا فُرِغ مِن المُصحف أتى به عثمان ، فنظر فيه ، فقال : قد أحسنتُم وأجملتُم ، أرى شيئاً مِن لَحْنٍ ، ستُقيمه العرب بألسنتِها ) .

١٨ - وروى عكرمة ، قال :

٢٤٢

( لمّا أتى عثمان بالمُصحف رأى فيه شيئاً مِن لحْن ، فقال : لو كان المُمْلي مِن هُذَيل والكاتب مِن ثقيف ، لم يوجد فيه هذا).

١٩ - وروى عطاء :

( أنّ عثمان بن عفّان لمّا نَسَخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى أُبَيّ بن كعب ، فكان يُملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتُب، ومعه سعيد بن العاص يُعرِبُه ، فهذا المُصحف على قراءة أُبَيّ وزيد ) .

٢٠ - وروى مجاهد :

( أنّ عثمان أمَر أُبَيّ بن كعب يُملي ، ويكتُب زيد بن ثابت ، ويُعْرِبُه سعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث ) .

٢١ - وروى زيد بن ثابت :

( لمّا كتَبْنا المصاحف فُقدَت آية كنتُ أسمعها مِن رسول الله ( ص ) ، فوجدتُها عند خزيمة بن ثابت : مِن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . إلى تبديلاً ، وكان خزيمة يُدعى ذا الشهادتَين أجاز رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) شهادته بشهادة رجُلَين ) .

٢٢ - وقد أخرج ابن اشته ، عن الليث بن سعد ، قال :

( أوّل مَن جَمَع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتُب آية إلاّ بشهادة عَدْلَين ، وإنّ آخِر سورة براءة لم توجد إلاّ مع خزيمة بن ثابت ، فقال : اكتبوها فإنّ رسول الله ( ص ) جعل شهادته بشهادة رجُلَين ، فكتَب ، وإنّ عُمَر أتى بآية الرجْم فلم نكتبها ؛ لأنّه كان وحده )(١)

_______________________

(١) الإتقان النوع ١٨ ج ١ ص ١٠١

٢٤٣

هذه أهمّ الروايات التي ورَدَت في كيفيّة جمْعِ القرآن ، وهي - مع أنّها أخبار آحاد لا تفيدنا عِلماً - مخدوشة مِن جهاتٍ شتّى:

١ - تناقض أحاديث جَمْع القرآن !

إنّها متناقضة في أنفسها ، فلا يُمكن الاعتماد على شيء منها ، ومِن الجدير بنا أنْ نُشير إلى جملة مِن مناقضاتها ، في ضِمن أسئلةٍ وأجْوِبة :

* - متى جُمِع القرآن في المُصحف ؟

ظاهر الرواية الثانية أنّ الجَمْع كان في زمن عثمان ، وصريح الروايات الأُولى ، والثالثة ، والرابعة ، وظاهر البعض الآخَر ، أنّه كان في زمان أبي بكر ، وصريح الروايتين السابعة ، والثانية عشرة أنّه كان في زمان عُمَر .

* - مَن تصدّى لجَمْع القرآن زمَن أبي بكر ؟

تقول الروايتان الأُولى ، والثانية والعشرون : أنّ المتصدّي لذلك هو زيد بن ثابت وتقول الرواية الرابعة : أنّه أبو بكر نفسه ، وإنّما طلب مِن زيد أنْ ينظر فيما جمَعَه مِن الكتُب ، وتقول الرواية الخامسة - ويظهر مِن غيرها أيضاً - أنّ المتصدّي هو زيد وعُمَر .

* - هل فُوّض لزيد جمْع القرآن ؟

يظهر مِن الرواية الأُولى أنّ أبا بكر قد فوّض إليه ذلك ، بل هو صريحها ، فإنّ قوله لزيد : ( إنّك رجُل شابّ عاقل لا نتّهمُك ، وقد كنتَ تكتُب الوحي لرسول الله ( ص ) ، فتتبّع القرآن واجْمَعْه ) صريح في ذلك ، وتقول الرواية الخامسة وغيرها : إنّ الكتابة إنّما كانت بشهادة شاهدَين ، حتّى إنّ عُمَر جاء بآية الرَجْم ، فلم تُقبَل منه .

* - هل بقيَ مِن الآيات ما لم يُدَوَّن إلى زمان عثمان ؟

٢٤٤

ظاهر كثير مِن الروايات ، بل صريحها أنّه لم يبقَ شيء مِن ذلك ، وصريح الرواية الثانية ، بقاء شيء مِن الآيات لم يُدَوّن إلى زمان عثمان .

* - هل نقّص عثمان شيئاً ممّا كان مدوّناً قبله ؟

ظاهر كثير مِن الروايات بل صريحها أيضاً أنّ عثمان لم يُنقص ممّا كان مدوّناً قبله ، وصريح الرواية الرابعة عشرة أنّه محا شيئاً ممّا دُوِّن قبله ، وأمَر المسلمين بمحْوِ ما محاه .

* - مِن أيّ مصدر جَمَع عثمان المُصحف ؟

صريح الروايتَين الثانية والرابعة : أنّ الذي اعتمد عليه في جمْعِه هي الصُحُف التي جمَعَها أبو بكر ، وصريح الروايات الثامنة ، والرابعة عشرة ، والخامسة عشرة ، أنّ عثمان جمَعَه بشهادة شاهدَين ، وبأخبار مَن سمِع الآية مِن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

* - مَن الذي طلب مِن أبي بكر جَمْع القرآن ؟

تقول الرواية الأُولى : أنّ الذي طلب ذلك منه هو عُمَر ، وأنّ أبا بكر إنّما أجابه بعد الامتناع ، فأرسل إلى زيد ، وطلب منه ذلك ، فأجابه بعد الامتناع ، وتقول الرواية العاشرة : أنّ زيداً وعُمَر طلبا ذلك مِن أبي بكر ، فأجابهما بعد مشاورة المسلمين .

* - مَن جمَع المُصحف الإمام ، وأرسل منه نُسَخاً إلى البلاد ؟

صريح الرواية الثانية أنّه كان عثمان ، وصريح الرواية الثانية عشرة أنّه كان عُمَر .

* - متى أُلحِقَت الآيتان بآخِر سورة براءة ؟

صريح الروايات الأُولى ، والحادية عشرة ، والثانية والعشرين أنّ إلحاقهما كان

٢٤٥

في زمان أبي بكر ، وصريح الرواية الثامنة ، وظاهر غيرها أنّه كان في عهد عُمَر .

* - مَن أتى بهاتَين الآيتَين ؟

صريح الروايتين الأُولى ، والثانية والعشرين أنّه كان أبا خزيمة ، وصريح الروايتين الثامنة ، والحادية عشرة أنّه كان خزيمة بن ثابت ، وهما رجلان ليس بينهما نسبة أصلاً ، على ما ذكره ابن عبد البرّ(١) .

* - بماذا ثبت أنّهما مِن القرآن ؟

بشهادة الواحد ، على ما هو ظاهر الرواية الأُولى ، وصريح الروايتين التاسعة ، والثانية والعشرين ، وبشهادة عثمان معه ، على ما هو صريح الرواية الثامنة ، وبشهادة عُمَر معه ، على ما هو صريح الرواية الحادية عشر .

* - مَن عيّنه عثمان لكتابة القرآن وإملائه ؟

صريح الرواية الثانية أنّ عثمان عيّن للكتابة زيداً ، وابن الزبير ، وسعيد ، وعبد الرحمن وصريح الرواية الخامسة عشرة أنّه عيّن زيداً للكتابة وسعيد للإملاء وصريح الرواية السادسة عشرة أنّه عيّن ثقيفاً للكتابة ، وهُذَيلاً للإملاء وصريح الرواية الثامنة عشرة أنّ الكاتب لم يكن مِن ثقيف ، وأنّ المُملي لم يكن مِن هُذَيل وصريح الرواية التاسعة عشرة أنّ المُملي كان أُبًيّ بن كعب ، وأنّ سعيداً كان يُعرب ما كتبه زيد ، وهذا أيضاً صريح الرواية العشرين بزيادة عبد الرحمن بن الحرث للإعراب .

٢ - تعارض روايات الجَمْع :

إنّ هذه الروايات معارَضة بما دلّ على أنّ القرآن كان قد جُمِع ، وكُتِب على

_______________________

(١) تفسير القرطبي ج ١ ص ٥٦

٢٤٦

عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فقد روى جماعة منهم ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والنسائي، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء المقدسي عن ابن عبّاس قال : قلت لعثمان بن عفّان : ما حمَلَكم على أنْ عمدتُم إلى الأنفال وهي مِن المثاني ، وإلى براءة وهي مِن المئين فقرنتُم بينهما ، ولم تكتبوا بينهم سطر : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ؟ ووضعتموهما في السبع الطِوال ، ما حَمَلَكم على ذلك ؟

فقال عثمان : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) كان ممّا يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض مَن يكتُب عنده ، فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآيات ، فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال مِن أوّل ما أُنزل بالمدينة ، وكانت براءة مِن آخِر القرآن نزولاً ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها ، فظننتُ أنّها منها ، وقُبض رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ، ولم يبيّن لنا أنّها منها ، فمن أجل ذلك قرنتُ بينهما ، ولم أكتُب بينهما سطر : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ووضعتهما في السبع الطوال(١) .

وروى الطبراني ، وابن عساكر عن الشعبي ، قال :

( جمَع القرآن على عهد رسول الله ( ص ) ستّة مِن الأنصار : أُبَيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، وكان مجْمع بن جارية قد أخذه إلاّ سورتين أو ثلاث )(٢) .

وروى قتادة ، قال :

( سألتُ أنس بن مالك : مَن جمَع القرآن على عهد النبيّ ؟ قال : أربعة كلّهم مِن الأنصار : أُبَيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد )(٣) .

_______________________

(١) منتخب كنز العمّال ج ٢ ص ٤٨ .

(٢) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٢ .

(٣) صحيح البخاري باب القُرّاء مِن أصحاب النبيّ ( ص ) ج ٦ ص ٢٠٢

٢٤٧

وروى مسروق : ذكر عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ، فقال :

( لا أزال أحبّه ، سمعت النبيّ ( ص ) يقول : خُذوا القرآن مِن أربعة : مِن عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأُبَيّ بن كعب )(١) .

وأخرج النسائي بسنَدٍ صحيح عن عبد الله بن عمر ، قال :

( جمعتُ القرآن ، فقرأت به كلّ ليلة ، فبلغ النبيّ ( ص ) ، فقال : اقرأه في شهر . )(٢) وستجيء رواية ابن سعد في جمْع أمّ وَرَقة القرآن .

ولعلّ قائلاً يقول : وإنّ المراد مِن الجمْع في هذه الروايات هو الجمْع في الصدور لا التدوين ، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها ، أضِف إلى ذلك أنّك ستعرف أنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول الله ( ص ) كانوا أكثر مِن أنْ تُحصى أسماؤهم ، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستّة ؟ ! ! وإنّ المتصفّح لأحوال الصحابة ، وأحوال النبيّ ( ص ) يحصل له العلم اليقين ، بأنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله ( ص ) ، وأنّ عدد الجامِعين له لا يُستهان به .

وأمّا ما رواه البخاري بإسناده عن أنس ، قال : مات النبيّ ( ص ) ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، فهو مردود مطروح ؛ لأنّه معارِض للروايات المتقدّمة ، حتّى لِما رواه البخاري بنفسه ويُضاف إلى ذلك أنّه غير قابل للتصديق به وكيف يُمكن أنْ يُحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة النبيّ ( ص ) على كَثرتهم ، وتفرّقهم في البلاد ، ويَستعلِم أحوالهم ليمكنه أنْ يحصر الجامعين للقرآن في أربعة ، وهذه الدعوى تخرّص بالغَيب ، وقولٌ بغير عِلم .

وصَفْوة القول : أنّه مع هذه الروايات ، كيف يمكن أنْ يصدق أنّ أبا بكر

_______________________

(١) المصدر السابق .

(٢) الإتقان النوع ٢٠ ج ١ ص ١٢٤

٢٤٨

كان أوّل مَن جَمَع القرآن بعد خلافته ؟ وإذا سلّمنا ذلك ، فلماذا أمَر زيداً وعُمَر بجَمْعه مِن اللخاف ، والعَسيب ، وصدور الرجال، ولم يأخذه مِن عبد الله ومعاذ وأُبَيّ ، وقد كانوا عند الجَمْع أحياء ، وقد أُمِروا بأخْذِ القرآن منهم ، ومِن سالم ؟ نعم إنّ سالما قد قُتل في حرب اليمامة ، فلم يمكن الأخْذ منه .

على أنّ زيداً نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر مِن هذه الرواية ، فلا حاجة إلى التفحّص والسؤال مِن غيره ، بعد أنْ كان شابّاً عاقلاً غير متّهم كما يقول أبو بكر ، أضِف إلى جميع ذلك ، أنّ أخبار الثقلَين المتظافرة تدلّنا على أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله ( ص ) ، على ما سنشير إليه .

٣ - تعارض أحاديث الجمْع مع الكتاب :

إنّ هذه الروايات معارَضة بالكتاب ، فإنّ كثيراً مِن آيات الكتاب الكريمة دالّة على أنّ سِوَر القرآن كانت متميّزة في الخارج بعضها عن بعض ، وإنّ السِوَر كانت منتشرة بين الناس ، حتّى المشركين وأهل الكتاب ، فإنّ النبيّ ( ص ) قد تحدّى الكفّار والمشركين على الإتيان بمِثْل القرآن ، وبعَشْر سِوَرٍ مِثْلِه مُفترَيات ، وبسورة مِن مِثْلِه ، ومعنى هذا : أنّ سِوَر القرآن كانت في متناوَل أيديهم .

وقد أُطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير مِن آياته الكريمة ، وفي قول النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( إنّي تاركٌ فيكم الثقلَين : كتاب الله وعترتي ) ، وفي هذا دلالة على أنّه كان مكتوباً مجموعاً ؛ لأنّه لا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كُتب في اللخاف ، والعَسيب ، والأكتاف ، إلاّ على نحْوِ المجاز والعناية ، والمجاز لا يُحمَل اللفظ عليه مِن غير قرينة ، فإنّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمْعيّ ، ولا يُطلق على المكتوب إذا كان مجزّءاً غير مجتمِع ، فضلاً عمّا إذا لم يُكتَب ، وكان محفوظاً في الصدور فقط .

٢٤٩

٤ - مخالفة أحاديث الجَمْع مِن حُكم العقل !

إنّ هذه الروايات مخالفة لحُكم العقل ، فإنّ عَظَمة القرآن في نفسه ، واهتمام النبيّ ( ص ) بحِفظِه وقراءتِه ، واهتمام المسلمين بما يهتمّ به النبيّ ( ص ) وما يستوجبه ذلك مِن الثواب ، كلّ ذلك ينافي جمْع القرآن على النحْو المذكور في تلك الروايات ، فإنّ في القرآن جهات عديدة كلّ واحدة منها تكفي لأنْ يكون القرآن موضعاً لعناية المسلمين ، وسبباً لاشتهاره حتّى بين الأطفال والنساء منهم ، فضلاً عن الرجال وهذه الجهات هي :

١ - بلاغة القرآن : فقد كانت العرب تهتمّ بحِفظ الكلام البليغ ؛ ولذلك فهُم يحفظون أشعار الجاهلية وخُطَبِها ، فكيف بالقرآن الذي تحدّى ببلاغته كلّ بليغ ، وأخْرَس بفصاحته كلّ خطيب لَسِن ، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجّهين إليه ، سواء في ذلك مؤمِنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لإيمانه ، والكافر يتحفّظ به ؛ لأنّه يتمنّى معارضته ، وإبطال حُجّتِه .

٢ - إظهار النبيّ ( ص ) رغبته بحِفظ القرآن ، والاحتفاظ به : وكانت السيطرة والسلطة له خاصّة ، والعادة تقضي بأنّ الزعيم إذا أظْهَر رغبته بحِفظ كتابٍ أو بقراءته ، فإنّ ذلك الكتاب يكون رائجاً بين جميع الرعيّة ، الذين يطلبون رضاه لدينٍ أو دنيا .

٣ - إنّ حِفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس ، وتعظيمه عندهم : فقد عَلِم كلُّ مطّلع على التاريخ ما للقُرّاء والحفّاظ مِن المنزلة الكبيرة ، والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سببٍ لاهتمام الناس بحِفظ القرآن جملة ، أو بحِفظ القدَر الميسور منه .

٤ - الأجر والثواب الذي يستحقّه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحِفظه : هذه أهمّ العوامل التي تبعث على حِفظ القرآن والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون

٢٥٠

يهتمّون بشأن القرآن ، ويحتفظون به أكثر مِن اهتمامهم بأنفسهم ، وبما يهمّهم مِن مالٍ وأولاد وقد ورَد أنّ بعض النساء جمَعتْ جميع القرآن .

أخرج ابن سعد في الطَبَقات : ( أنبأنا الفضل بن دكين ، حدّثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدّثتْني جدّتي عن أمّ ورَقة بنت عبد الله بن الحارث - وكان رسول الله ( ص ) يزورها ، ويُسمّيها الشهيدة ، وكانت قد جمَعَت القرآن - أنّ رسول الله ( ص ) حين غزا بدراً ، قالت له : أتأذن لي فأخرُج معك أُداوي جرحاكم وأُمرّض مرضاكم ، لعلّ الله يهدي لي شهادة ؟ قال : إنّ الله مهَّدَ لكِ شهادة . )(١) ، وإذا كان هذا حال النساء في جمْع القرآن ، فكيف يكون حال الرجال ؟

وقد عُدّ مِن حفّاظ القرآن على عهد رسول الله ( ص ) جمٌّ غفير قال القرطبي : ( قد قُتِل يوم اليمامة سبعون مِن القُرّاء ، وقُتِل في عهد النبيّ ( ص ) ببئر معونة مثل هذا العدد )(٢) .

وقد تقدّم في الرواية ( العاشرة ) أنّه قُتل مِن القُرّاء يوم اليمامة أربعمئة رجُل ، على أنّ شدّة اهتمام النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالقرآن ، وقد كان له كُتّاب عديدون ، ولا سيّما أنّ القرآن نزل نجوماً في مدّة ثلاث وعشرين سنة ، كلّ هذا يورِث لنا القطْع بأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان قد أمَر بكتابة القرآن على عهده .

روى زيد بن ثابت ، قال : ( كنّا عند رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) نؤلِّف القرآن مِن الرقاع ) قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخَين ولم يُخرجاه ) ، وفيه الدليل الواضح : أنّ القرآن إنّما جُمِع على عهد رسول الله(٣) .

وأمّا حِفظ بعض سِوَر القرآن أو بعض السورة ، فقد كان منتشراً جدّاً ، وشذّ

_______________________

(١) الإتقان - النوع ٢٠ ج ١ ص ١٢٥ .

(٢) الإتقان - النوع ٢٠ ص ١٢٢ ، وقال القرطبي في تفسيره ج ١ ص ٥٠ : وقُتِل منهم ( القراء ) في ذلك اليوم ( يوم اليمامة ) فيما قيل سبعمئة .

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٦١١

٢٥١

أنْ يخلو مِن ذلك رجُل أو امرأة مِن المسلمين روى عبادة بن الصامت ، قال :

( كان رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) يُشْغَل ، فإذا قَدِم رجُل مهاجر على رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) دفعه إلى رجُلٍ منّا يعلِّمه القرآن )(١) .

وروى كليب ، قال :

( كنت مع عليّ [ عليه السلام ] فسمع ضجّتهم في المسجد يقرأون القرآن ، فقال : طوبى لهؤلاء . )(٢) .

وعن عبادة بن الصامت أيضاً :

( كان الرجل إذا هاجر دفَعَه النبيّ ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) إلى رجُل منّا يُعلِّمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ) ضجّة بتلاوة القرآن ، حتّى أمَرَهم رسول الله أنْ يخفضوا أصواتهم لئلاّ يتغالطوا )(٣) .

نعم إنّ حِفظ القرآن ولو ببعضه ، كان رائجاً بين الرجال والنساء مِن المسلمين ، حتّى إنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة مِن القرآن أو أكثر(٤) ، ومع هذا الاهتمام كلّه كيف يمكن أنْ يقال : إنّ جمْع القرآن قد تأخّر إلى زمان خلافة أبي بكر ، وإنّ أبا بكر احتاج في جمْع القرآن إلى شاهدَين يشهدان ، أنّهما سمِعا ذلك مِن رسول الله ( صلّى الله عليه [وآله] وسلّم )

_______________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٣٢٤ .

(٢) كنز العمّال فضائل القرآن الطبعة الثانية ج ٢ ص ١٨٥ .

(٣) مناهل العرفان ص ٣٢٤ .

(٤) رواه الشيخان ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي التاج : ج ٢ ص ٣٣٢ .

٢٥٢

٥ - مخالفة أحاديث الجمْع للإجماع :

إنّ هذه الروايات مخالِفة لِما أجمَع عليه المسلمون قاطبة ، مِن أنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، فإنّها تقول : إنّ إثبات آيات القرآن حين الجمْع كان منحصر بشهادة شاهدَين ، أو بشهادة رجُل واحد إذا كانت تعدِل شهادتَين ، وعلى هذا فاللازم أنْ يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضاً ، وهل يُمكن لمسلمٍ أنْ يلتزم بذلك ؟

ولستُ أدري كيف يجتمع القول بصحّة هذه الروايات التي تدلّ على ثبوت القرآن بالبيّنة ، مع القول بأنّ القرآن لا يثبت إلاّ بالتواتر ، أفلا يكون القطْع بلزوم كون القرآن متواتراً سبباً للقطع بكِذْب هذه الروايات أجْمَع ؟ ومِن الغريب أنّ بعضهم كابن حجَر فسّر الشاهدَين في الروايات بالكِتابة والحِفظ(١) .

وفي ظنّي أنّ الذي حمَله على ارتكاب هذا التفسير ، هو ما ذكرناه مِن لزوم التواتر في القرآن وعلى كلّ حال ، فهذا التفسير واضحُ الفساد مِن جهات :

أمّا أوّلاً : فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمْع القرآن ، وقد سمعتها .

وأمّا ثانياً : فلأنّ هذا التفسير يلزمه أنّهم لم يكتبوا ما ثبَتَ أنّه مِن القرآن بالتواتر ، إذا لم يكن مكتوباً عند أحد ، ومعنى ذلك أنّهم أسْقَطوا مِن القرآن ما ثبَتَ بالتواتر أنّه مِن القرآن .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الكتابة والحِفظ لا يحتاج إليهما ، إذا كان ما تُراد كتابتُه متواتراً ، وهما لا يُثبتان كونه مِن القرآن ، إذا لم يكن متواتراً وعلى كلّ حال فلا فائدة في جعلهما شرطاً في جمْع القرآن .

وعلى الجملة لا بدّ مِن طرح هذه الروايات ؛ لأنّها تدلّ على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبَتَ بطلان ذلك بإجماع المسلمين

_______________________

(١) الإتقان - النوع ١٨ ص ١٠٠

٢٥٣

٦ - أحاديث الجمْع والتحريف بالزيادة !

إنّ هذه الروايات لو صحّت ، وأمكن الاستدلال بها على التحريف مِن جهة النَقْص ، لكان اللازم على المستدلّ أنْ يقول بالتحريف مِن جهة الزيادة في القرآن أيضاً ؛ لأنّ كيفيّة الجمْع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا يمكن له أنْ يعتذر عن ذلك بأنّ حدّ الإعجاز في بلاغة القرآن يمنع مِن الزيادة عليه ، فلا تقاس الزيادة على النقيصة ؛ وذلك لأنّ الإعجاز في بلاغة القرآن وإنْ كان يمنع عن الإتيان بمِثْل سورة مِن سِوَره ، ولكنّه لا يمنع مِن الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتَين ، بل ولا بآيةٍ كاملة ، ولا سيّما إذا كانت قصيرة ، ولولا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى شهادة شاهدَين ، كما في روايات الجمْع المتقدّمة ، فإنّ الآية التي يأتي بها الرجُل تُثبت نفسها أنّها مِن القرآن أو مِن غيره وإذن فلا مناص للقائل بالتحريف مِن القول بالزيادة أيضاً ، وهو خلاف إجماع المسلمين .

وخلاصة ما تقدّم ، أنّ إسناد جمْع القرآن إلى الخُلفاء أمْر موهوم ، مخالفٌ للكتاب ، والسُنّة ، والإجماع ، والعقل ، فلا يمكن القائل بالتحريف أنْ يستدلّ به على دعواه ، ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن هو أبو بكر في أيّام خلافته ، فلا ينبغي الشكّ في أنّ كيفيّة الجمْع المذكورة في الروايات المتقدّمة مكذوبة ، وأنّ جمْع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الأمر أنّ الجامع قد دَوَّن في المُصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحْوِ التواتر .

نعم لا شكّ أنّ عثمان قد جمَع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنّه جمَع الآيات والسِوَر في مُصحف ، بل بمعنى أنّه جمَع المسلمين على قراءة إمامٍ واحد ، وأحرق

(البيان - ١٧)

٢٥٤

المصاحف الأخرى التي تخالِف ذلك المُصحف ، وكتَب إلى البلدان أنْ يُحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرّح بهذا كثير مِن أعلام أهل السُنّة .

قال الحارث المحاسبي : ( المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنّما حمَل عثمان الناس على القراءة، بوجهٍ واحد ، على اختيار وقَع بينه وبين مَن شهده مِن المهاجرين والأنصار ، لمّا خشِيَ الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأمّا قبل ذلك ، فقد كانت المصاحف بوجوه مِن القراءات المُطْلَقات على الحروف السبعة ، التي أُنزل بها القرآن . )(١) .

أقول : أمّا أنّ عثمان جمَع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقّوها بالتواتر عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّه منَع عن القراءات الأخرى المُبْتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، التي تقدّم توضيح بطلانها .

أمّا هذا العمل مِن عثمان فلم ينتقده عليه أحد مِن المسلمين ؛ وذلك لأنّ الاختلاف في القراءة كان يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدّي إلى تكفير بعضهم بعضاً وقد مرّ - فيما تقدّم - بعض الروايات الدالّة على أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) منَع عن الاختلاف في القرآن ، ولكنّ الأمر الذي اُنتُقِد عليه هو إحراقه لبقيّة المصاحف ، وأمْره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم مِن المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة مِن المسلمين ، حتّى سَمَّوه بحرّاق المصاحف .

_______________________

(١) الإتقان - النوع ١٨ ج ١ ص ١٠٣

٢٥٥

النتيجة :

وممّا ذكرناه : قد تبيّن للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خُرافة وخيال ، لا يقول به إلاّ مَن ضَعُفَ عقلُه ، أو مَن لم يتأمّل في أطرافه حقَّ التأمّل ، أو مَن ألجأه إليه يجب القول به والحبّ يعمي ويصمّ ، وأمّا العاقل المُنصِف المتدبّر ، فلا يشكّ في بطلانه وخُرافتِه

٢٥٦

٢٥٧

حُجّية ظواهر القرآن

٢٥٨

إثبات حُجّية ظواهر القرآن أدلّة المنكِرين له مع تزييفها اختصاص فَهْم القرآن بمَن خوطِب به الأخذ بالظاهر ، مِن التفسير بالرأي غموض معاني القرآن يمنع مِن فَهْمِها إرادة خلاف الظاهر في بعض الآيات - إجمالاً - تُسقِط الظواهر عن الحُجّية المنْع مِن اتّباع المتشابَه يُسقِط حُجّية ظواهر القرآن

٢٥٩

لا شكّ أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يخترع لنفسه طريقة خاصّة لإفهام مقاصده ، وأنّه كلّم قومَه بما ألِفوه مِن طرائق التفهيم والتكلّم ، وأنّه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه ، وليتدبّروا آياته ، فيأتمِروا بأوامره ، ويزدجروا بزواجره ، وقد تكرّر في الآيات الكريمة ما يدلّ على ذلك ، كقوله تعالى :

( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ٤٧ : ٢٤ .

وقوله تعالى :

( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ٣٩ : ٢٧ .

وقوله تعالى :

( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢٦ : ١٩٢نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ٢٦ : ١٩٣عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ٢٦ : ١٩٤بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ٢٦ : ١٩٥) .

وقوله تعالى :

٢٦٠