علي ومناوئوه

علي ومناوئوه0%

علي ومناوئوه مؤلف:
الناشر: القاهرة دار المعلّم للطباعة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 219

علي ومناوئوه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور نوري جعفر
الناشر: القاهرة دار المعلّم للطباعة
تصنيف: الصفحات: 219
المشاهدات: 25490
تحميل: 6388

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 219 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25490 / تحميل: 6388
الحجم الحجم الحجم
علي ومناوئوه

علي ومناوئوه

مؤلف:
الناشر: القاهرة دار المعلّم للطباعة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال خيراً، فوثبوا عليه فقتلوه)(١) .

واستمر الحريث وأصحابه على عبثهم وفسادهم بأرواح الناس وممتلكاتهم مما اضطر الإمام إلى تجهيز حملة لتأديبهم وإنقاذ الناس من اعتدائهم.

ولم يقف امتحان الإمام عند الحد الذي وصفناه من خروج الناكثين فالقاسطين فالمارقين، وإنما تعداه إلى ابن عباس عامله على البصرة أقرب الناس إليه. (وكان لابن عباس من العلم بأمور الدين والدنيا، ومن المكانة في بني هاشم وفي قريش عامة، وفي نفوس المسلمين جميعاً ما كان خليقاً أن يعصمه من الانحراف)(٢) .

ويلوح للباحث أن ابن عباس (آثر نفسه بشيء من الخير وسار في بيت المال سيرة تخالف المألوف من أمر علي ومن أمره هو. وكأنه أنس من صاحب بيت المال - وهو أبو الأسود الدؤلي - شيئاً من النكير فأغلظ له في القول ذات يوم. وضاق أبو الأسود بما رأى وسمع فكتب إلى علي... فروَّعه... ولكن علياً صبّر نفسه على ما تكره، كما تعود أن يفعل دائماً.. فكتب إلى ابن عباس:(... بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وخنت أمانتك وعصيت إمامك وخنت المسلمين. فارفع إليَّ حسابك، واعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس.. ) وليس غريباً أن يكتب علي إلى ابن عباس ما كتب، فهو لم يتعود الرفق في أمر المال، ولا الادهان في أمر من أمور المسلمين.. ولكن ابن عباس أعرض عن هذا كله، فاعتزل عمله ولكنه مع ذلك لم يستعف

____________________

(١) الدكتور طه حسين (الفتنة الكبرى. علي وبنوه) ص ١٣٣.

(٢) المصدر نفسه ص ١٣٠، ١٣٨.

١٨١

إمامه ولم ينتظر أن يعفيه، وإنما أعفى نفسه وترك البصرة، ولحق بمكة حيث لا يبلغه سلطان الإمام).

غير أن ابن عباس (لم يكتف بما بلغ من هذه المغاضبة، ولا بما انتهى إليه من هذا التصرف الغريب، بل أضاف إليه شراً عظيماً لم يسوء به الإمام وحده، وإنما أساء به الرعية كلها وعامة أهل البصرة خاصة. فهو قد أزمع الخروج إلى مكة ولكنه لم يخرج منها فارغ اليدين من المال كما دخلها حين ولي عليها. وإنما خرج منها وقد ملأ يديه بما كان في بيت المال مما ينقل. وهو يعلم أن ليس له في هذا المال حق إلا مثل ما لأهل البصرة جميعاً فيه)(١) .

فمضى امتحان علي (على هذا النحو المر: خيانة من الوالي، وكيداً من العدو. وهو بَيْن ذلك كله مصمِّم على خطته الواضحة، لا يرضى الدنية من الأمر، ولا يداهن في دينه ولا يتحول عن سياسته الصريحة قليلاً ولا كثيراً. والمحن تتابع عليه ويقفو بعضها أثر بعض، وهو ماض في طريقه لا ينحرف عنه إلى يمين أو شمال)(٢) .

وفي غمرة النضال وزحمة الصراع مع الباطل تصدى له ابن ملجم فأصاب منه مقتلاً (ويروى المؤرّخون: أن علياً أمر من حوله أن يحسنوا إطعام ابن ملجم ويكرموا مثواه. فإن برىء من ضربته نظر، فإما عفا وإما اقتص. وأمرهم: إن مات أن يلحقوه به ولا يعتدوا: إن الله لا يحب المعتدين).

____________________

(١) الفتنة الكبرى، ج ٢ (علي وبنوه): ١٢٩.

(٢) المصدر نفسه: ١٨٣.

١٨٢

القسم الثالث: بين علي، ومعاوية.

١ - الفصل السابع: مقتطفات من سيرة الإمام

٢ - الفصل الثامن: نماذج من تصرفات معاوية

١٨٣

[ الفصل السابع: ] مقتطفات من سيرة الإمام

أشرنا في الفصول السابقة إلى كثير من الحوادث التي دلت على تمسك الإمام بكتاب الله وسنة رسوله فيما يتعلق بتصرفاته العامة والخاصة، في زمن الحرب وفي وقت السلم، مع أنصاره وخصومه على السواء. وها نحن ننقل إلى القارئ بعض آثاره التي رواها كبار المؤرخين المسلمين.

١٨٤

(١)

فلسفة الحكم

تتلخص فلسفة الحكم عند الإمام في عهده للأشتر الذي ولَّاه مصر فدَسَّ له السم في الطريق أحد الأشخاص بتحريض من معاوية وعمرو بن العاص كما يحدِّثنا الرواة. وإلى القارئ ملخَّص العهد(١) :

(هذا ما أمر به عبد الله أمير المؤمنين مالكَ بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولَّاه مصر.. أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتِّباع ما أمر به في كتابه..

ثم اعلم يا مالك إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه إلى أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم.. فليكن أحب الذخائر إليك: خيرة العمل الصالح.

أشعر قلبك الرحمة للرعية.. فإنك فوقهم..

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك.. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمُّها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية؛ فإن سخط العامة يجحف برضاء الخاصة، وإن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى العامة..

وليكن أبعد رعيتك منك.. أطلبهم لمعايب الناس.. إن شرَّ وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيراً، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة.. ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بالحق لك.. الْصَقْ بأهل الورع والصدق، ثم حثهم على أن لا يطروك ولا يَبْجَحُوك بباطل لم تفعله..

____________________

(١) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ٤ / ١١٩، ١٥٢.

١٨٥

ولا يكونن المحسن والمسيء عندك سواء؛ فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة. والزم كلاً منهم ما ألزم نفسه، واعلم أنه ليس شيء أدعى إلى حسن ظنِ والٍ برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤنات عليهم..

لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة.. وصلحت عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن.. وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء..

واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض؛ فمنها: الجنود، ومنها: كتاب العامة والخاصة، ومنها: قضاة العدل وعمّال الإنصاف وأهل الجزية والخراج من أهل الذمة، ومسلمة الناس، ومنها: التجار وأهل الصناعات، ومنها: الطبقة السفلى من ذوى الحاجات والمسكنة. وكلٌّ قد سمَّى الله له سهمه، ووضع على حده وفرضه في كتابه أو سنة نبيه..

إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية..

اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم.. ثم انظر أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً ولا تولِّهم محاباة وأَثَرَة.. أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوك أمرك.. ثم تفقَّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم.. وتفقَّد أمر الخراج بما يصلح أهله؛ فإن في إصلاحهم صلاحاً لمن سواهم.. لأن الناس كلهم عيال على الخراج..

ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً.. واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البِيَاعات، وذلك باب مضر للعامة وعيب على الولاة؛

١٨٦

فامنع من الاحتكار. فمن قارف حكرة بعد نهيك إيَّاه فنكِّل به وعاقبه من غير إسراف.

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين.. اجعل لهم قسماً من بيت المال.. ولا تشخص همَّك عنهم، ولا تصعِّر خدك لهم. وتفقَّد أمور من لا يصل إليك منهم. ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فلْيَرْفَعْ إليك أمورهم.. واجعل لذوى الحاجات وقتاً تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه.. وتعقد عنهم جندك وأعوانك من حراسك وشرطك حتى يكلمك مكلمهم غير متعتع.. ثم احتمل الخرق منهم والعيّ ونح عنهم الضيق.. ولا تُطَوِّلَنَّ احتجاجك عن رعيتك.. فالاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه.. فيشاب الحق بالباطل. وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس من الأمور. وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب..

ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في المعاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال.. والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد.. وحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة.. فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعاً - مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم - من تعظيم الوفاء بالعهود.. ولا تغدرن بذمتك.. وإياك والدماء وسفكها بغير حلها.. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد.. وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء..

١٨٧

وإياك والمن على رعيتك بإحسانك.. أو أن تَعِدَهم فَتُتْبِعَ مَوْعِدك بِخُلْفك.. وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها... فضع كل أمر موضعه..

أملك حمية أنفك وسَوْرة حدِّك وسطوة يدك وغرب لسانك. واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار) .

 (٢)

حرصه على بيت المال

لقد مر بنا جانب من ذكر حرص الإمام على أموال المسلمين عندما تحدّثنا عن موقفه من ولده الحسين في قضية العسل، ومن أخيه عقيل حين قدم عليه طالباً زيادة حصته من الدقيق. وإلى القارئ طائفة من الأمثلة الأخرى في هذا الباب:

قال هارون بن عنترة عن أبيه: دخلت على علي بالخورنق - وهو فصل شتاء - وعليه خلق قطيفة وهو يرعد فيه فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً؛ وأنت تفعل هذا بنفسك؟ فقال:والله ما أرزأكم شيئاً. وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة )(١) .

ولم ينزل الإمام - على ما يحدّثنا الرواة - (القصر الأبيض بالكوفة إيثاراً للخصاص التي كان يسكنها الفقراء. وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام. وروى النضر بن منصور، عن عقبة بن علقمة قال: دخلت على علي فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسرة يابسة. فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأكل مثل هذا؟

____________________

(١) العقاد، عبقرية الإمام علي: ١٣. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ٣ / ٢٠٠.

١٨٨

فقال لي:يا أبا الجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن من هذا - وأشار إلى ثيابه -فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألاَّ الحق به )(١) .

وكتب ابن الأثير: أن عاصم بن كليب روى عن أبيه أنه قال: (قدم على علي مال من إصبهان فقسَّمه على سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفاً فقسَّمه على سبعة، ودعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يُعطى أولاً.

وذكر يحيى بن مسلمة: أن علياً استعمل عمرو بن مسلمة على إصبهان (فقدم ومعه مال كثير وزِقاق فيها عسل وسمن. فأرسلت أم كلثوم بنت علي إلى عمرو تطلب منه سمناً وعسلاً. فأرسل إليها ظرف عسل وظرف سمن. فلما كان الغد خرج علي واحضر المال والسمن والعسل ليُقَسَّم. فعد الزِّقاق فنقصت زِقَّين. فسأله عنهما. فكتمه وقال: نحن نحضرهما. فعزم عليه إلا ذكرهما له. فأخبره. فأرسل إلى أم كلثوم فأخذ الزِّقين منها فرآهما قد نقصا، فأمر التجار بتقويم ما نقص منهما، فكان ثلاثة دراهم. فأرسل إليها فأخذها منها!، ثم قسَّم الجميع...

وقال سفيان: إن علياً لم يبن آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة.

وقيل: إنه أخرج سيفاً إلى السوق فباعه وقال:لو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه ، وكان لا يشتري ممن يعرفه، وإذا اشترى قميصاً قدر كمه على طول يده وقطع الباقي، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يأكل منه ويقول:لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم )(٢) .

____________________

(١) عباس محمود العقاد، عبقرية الإمام علي: ٢٥.

(٢) الكامل في التاريخ: ٣ / ٢٠٠ - ٢٠٢.

١٨٩

(٣)

تواضعه وعدله

ذكر الشعبي - على ما يقول ابن الأثير(١) -: أن علياً وجد درعاً عند نصراني (فأقبل إلى شريح قاضيه وجلس إلى جانبه يخاصم النصراني مخاصمة رجل من رعاياه، وقال:إنها درعي ولم أبع ولم أهب ، قال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين بكاذب؟! فالتفت شريح إلى علي يسأله: يا أمير المؤمنين، هل من بينة؟ فضحك علي.. وقال:أصاب شريح، ما لي من بينة؟ فقضى بالدرع للنصراني فأخذها ومشى.. وأمير المؤمنين ينظر إليه.. إلا أن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أمَّا أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء.. أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه.. وقاضيه يقضى عليه، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين).

وكان الإمام لشدة تواضعه وحرصه على إقامة العدل بين رعيته، إذا أراد أن يشتري شيئاً بنفسه، على ما يذكر الدكتور طه حسين (تحرّى بين السوقة رجلاً لا يعرفه فاشترى منه ما يريد. وكان يكره أن يحابيه البائع إن عرف أنه أمير المؤمنين، ثم كان لا يرضى عن نفسه إلا إذا أدَّى للناس حقهم عليه في دينه فأقام لهم صلاتهم وعلَّمهم بالقول والعمل وقام على إطعام فقرائهم طعام العشاء وتحرَّى ذوى الحاجة منهم فأغناهم عن المسألة. وكان يخلو لنفسه إذا كان الليل فينصرف عن الناس إلى عبادته الخاصة مصلِّياً مجتهداً حتى يتقدم الليل، فإذا أخذ بحظه من النوم غلس بالخروج إلى المسجد)(٢) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٢ / ٢٠١، ٢٠٢.

(٢) الدكتور طه حسين، الفتنة الكبرى، ج ٢ (علي وبنوه): ١٥٩.

١٩٠

(٤)

تحليل لسياسته العامة

 (اعلم أن قوماً ممن لم يعرفوا حقيقة فضل علي بن أبي طالب، زعموا: أن عمر ابن الخطاب كان أسوس منه، وإن كان هو أعلم من عمر، وصرَّح بذلك أبو علي ابن سينا: وعلي بن أبي طالب كان مقيَّداً بقيود الشريعة مدفوعاً إلى اتِّباعها، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً؛ فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن يلتزم بذلك، ولسنا - بهذا القول - زارين على عمر.. ولكن عمر كان مجتهداً يعمل بالقياس.. ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء والاستنباط من أصول تقضى خلاف ما يقتضيه عموم النص، ويكيد خصمَه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدِّب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب. ولم يكن علي يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص لا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبِّق أمور الدنيا على أمور الدين ويسوق الكل مساقاً واحداً. ولا يرفع ولا يضع إلا بالكتاب والنص.. ولم يكن يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة، سواء أكانت سياسته دينية أم دنيوية. أما الدنيوية: فنحو أن يتوهم الإمام في إنسان أنه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقيناً. فإن علياً لم يكن يستحل قتله ولا حبسه ولا يعمل بالتوهم وبالقول غير المحقق. وأما الدينية: فنحو ضرب المتهم بالسرقة فإنه لم يكن يعمل به، بل يقول: إن يثبت عليه بإقرار أو بينة أقمت عليه الحد وإلا لم اعترضه.

١٩١

... وإذا كان مذهبه ما قلناه، وكان معاوية عنده فاسقاً، وقد سبق عنده مقدمة أخرى ويقينية هي: إن استعمال الفاسق لا يجوز، ولم يكن ممن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة؛ فقد تعيَّن مجاهرته بالعزل وإن أفضى ذلك إلى الحرب...

و[هناك] جواب آخر (على الاعتراض على عزله معاوية).. وهو: أنا علمنا أن الأحداث التي نقمت على عثمان.. توليته معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه ومخالفته أحكام الدين.. وقد خوطب عثمان في ذلك فاعتذر.. فلو أن علياً فتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه أليس كان يبتدئ أول أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره؟.. ولو كان إقراره معاوية في حكم الشريعة سائغاً، والوزر فيه مأموناً؛ لكان غلطاً قبيحاً في السياسة وسبباً قوياً للعصيان والمخالفة، ولم يكن يمكنه (عليه السلام) أن يقول للمسلمين: إن حقيقة رأيي هي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور، وإن قصدي - بإقراره على الولاية - مخادعته وتعجيل طاعته.. لأن إظهاره لهذا العزم كان يتصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الذي شرع فيه...

(ومما اعترض على علي به:) أنه ترك طلحة والزبير حتى خرجا إلى مكة وأذن لهما في العمرة، وذهب عنه الرأي في ارتباطهما قبله، ومنعهما من البعد عنه (في عهد عمر). وقد روى عن عليّ أنه قال لهما:(والله ما تريدان العمرة وإنما تريدان الغدرة) وخوَّفهما بالله من التسرُّع إلى الفتنة. وأخذ عليهما عهد الله وميثاقه في الرجوع إلى المدينة. وما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما ولا في السياسة؛ لأنه لو أظهر التهمة لهما، وهما من أفضل السابقين وجلة المهاجرين، لكان في ذلك من التنفير عنه ما لا يخفى ومن الطعن عليه ما هو معلوم..

١٩٢

لا سيما وأن طلحة كان أول من بايعه، والزبير لم يزل مشتهراً بنصرته)(١) .

 (٥)

بعض أقواله المأثورة

١ -الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر مما وراءها، والبصير يَنْفُذُها بصرُه ويعلم أن الدار وراءها، فالبصير منها شاخص والأعمى إليها شاخص، والبصير منها متزود والأعمى لها متزود (٢) .

٢ -ليس لواضع المعروف في غير حقه وعند غير أهله إلا محمدة اللئام وثناء الأشرار ومقالة الجهَّال ما دام منعماً عليهم .

٣ -إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله.. ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر .

٤ -إذا أقبلت الدنيا على قوم أعارتهم محاسن غيرهم، وإذا أدبرت عنهم سلبتهم محاسن أنفسهم.

٥ -خالِطوا الناس مخالطة إن متُّم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنُّوا إليكم .

٦ -احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع.

٧ -هلك فيّ رجلان: محبٌ غال ومبغضٌ قال.

٨ -احذروا أهل النفاق فإنهم الضالون المضِلُّون.. يمشون الخفاء ويَدِبُّون الضرَّاء.. لهم بكل طريق صريع.

____________________

(١) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ٢ / ٥٧٣ - ٥٨٣.

(٢) هذا القول وما بعده من الأقوال مأخوذة من (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد.

١٩٣

وإلى كل قلب شفيع، ولكل شجوٍ دموع، يتقارضون الثناء ويتراقبون الجزاء. إن سألوا ألحفوا، وإن عَذَلُوا كشفوا، وإن حكموا أسرفوا. وقد أعدُّوا لكل حق باطلاً، ولكل قائم مائلاً، ولكل حي قاتلاً، ولكل باب مفتاحاً، ولكل ليل مصباحاً .

٩ -احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويَكْرَهُ لعامة المسلمين. واحذر كل عمل يُعمل به في السر ويُستحى منه في العلانية. واحذر كل عمل إذا سئل صاحبه أنكره أو اعتذر منه.

١٠ -فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شر منه.

١١ -الصبر صبران: صبر على ما تكره، وصبر عمَّا تُحب .

١٢ -مَن نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه .

١٣ -إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان، وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولَّاها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب ومَاشٍ بينهما كلَّما قرب من واحد بَعُدَ من الآخر .

١٤ -صاحب السلطان كراكب الأسد يُغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه .

١٥ -من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته .

١٦ -العدل صورة واحدة والجور صور كثيرة؛ ولهذا سهل ارتكاب الجور وصعب تحرِّي العدل، وهما يشبهان الإصابة في الرماية والخطأ فيها. وإن الإصابة تحتاج إلى ارتياض وتعهد، والخطأ لا يحتاج إلى شيء من ذلك .

١٧ -أما بعد، فإن الدنيا مشْغَلة عن غيرها، ولم يصب صاحبها منها شيئاً إلا فَتَحَتْ له حرصاً عليها ولَهَجاً بها .

١٩٤

١٨ -لقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدباراً والشر فيه إلا إقبالاً... اضرب بصرك حيث شئت من الناس، فهل تبصر إلا فقيراً يكابد فقراً، أو غنياً بدَّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفراً.. أو متمرداً كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقراً.. لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به .

١٩ -يا أبا ذر: غضبت لله فَارْجُ من غضبت له. إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك في أيدهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عمَّا منعوك!

٢٠ -إن لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه؛ لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلامٍ تدبَّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شراً واراه. وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه، لا يدري ماذا له وماذا عليه .

٢١ -والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنَّه يغدر ويفجر .

٢٢ - ومن وصية له للحسن كتبها إليه بحاضرين من صفين:

من الوالد الْفَانِ.. المستسلم للدهر... إلى المولود المؤمِّل ما لا يُدرك، السالك سبيل من قد هلك.. تاجر الغرور، وغريم المنايا.. وصريع الشهوات. أوصيك بتقوى الله أي بُني ولزوم أمره. وأمُرْ بالمعروف تكن من أهله، وأنْكِر المنكر بيدك ولسانك.. ولا تأخذك في الله لومة لائم.. وخض الغمرات للحق حيث كان. وتفقه في الدين. وعوِّد نفسك التصبّر على المكروه. وأخلص في المسألة لربك... واعلم: أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه..

١٩٥

أي بُني: إني وإن لم أكنُ عمرَّت عمر من كان قبلي، فقد نظرتُ في أعمالهم، وفكرَّتُ في أخبارهم، وسرتُ في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلى من أمورهم قد عمَّرتُ مع أوَّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره. اعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك.

يا بني، اجعل من نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، أو اكره له ما تكره لها. ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلَم. وأحسن كما تحب أن يحسن إليك. واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك. وارضَ من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قَّل ما تعلم.

واعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا.. وأنت طريد الموت الذي لا ينجو منه هارب.. فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حالة سيئة. وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها.. فإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية يهر بعضها على بعض ويأكل عزيزها ذليلها.. سلكت بهم الدنيا طريق العمى، فتاهوا في حيرتها.. ونسوا ما وراءها.

واعلم يا بني أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان واقفاً.. وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إليه الرغائب... وما خيرُ خيرٍ لا ينال إلا بشر؟! ويُسرٍ لا ينال إلا بعسر؟!.. وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك.. والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور.

احْمِل نفسك من أخيك عند صَرْمِه على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة.. وعند جُرْمِه على العُذْر، حتى كأنك له عبد.. وإيَّاك أن تضع ذلك في غير موضعه..

لا تتخذ من عدو صديقك صديقاً، فتعادي صديقك، وامْحَضْ أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة. ولِنْ لمَن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك.

١٩٦

إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما..

ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى..

استدل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور أشباه، ولا تكوننَّ ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بالغت في إيلامه، فإن العاقل يتَّعظ بالآداب، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب.

 (٦)

ما ينطبق عليه من آي الذكر الحكيم

سورة النساء:( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) .

سورة فُصِّلت:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) .

سورة المنازعات:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) .

١٩٧

[ الفصل الثامن: ]

نماذج من تصرفات الخليفة الجديد

لقد مر بنا نماذج من تصرفات معاوية تجاه خصومه وأتباعه معاً، وكان طابع تلك التصرفات - كما لاحظ القارئ - الغدر والإيقاع بالخصوم، وبذل المال وتوزيع المناصب على الأتباع، أي أن سياسة معاوية كانت سياسة وصولية انتهازية تسير على المبدأ القائل: بأن الوسائل تبررها الغايات، ولو كانت الغايات نبيلة عادلة تهدف إلى توزيع العدل الاجتماعي بين الناس لكان هناك مجال أمام الباحث للدفاع عنها، ولكنها - كما رأينا - أهداف شخصية نفعية غرضها الظاهرُ التوصُّل إلى الحكم بمختلف الأساليب والوسائل. وهدفها البعيد تحطيم روح الإسلام والقضاء على مُثُله العليا في السياسة والأخلاق.

وقد نجح معاوية - مع الأسف الشديد - فيما كان يتوق إلى التوصُّل إليه، فاستولى على خلافة المسلمين، وسار بها وفق أهوائه ومصالحه، وخلَّف للمسلمين والعرب هذا التراث الاجتماعي البغيض وهذه العصبية الطائفية والقبلية المجرمة التي نكتوي بنارها في الوقت الحاضر.

وإلى القارئ نماذج أخرى من تصرُّفات ابن أبي سفيان؛ سقناها لغرض موازنتها بتصرفات ابن أبي طالب، ليرى القارئ الفرق الكبير بين الرجلين، ومدى التدهور الذي أصاب نظام الحكم في الإسلام، وقديماً قيل: وبضدها تتميز الأشياء.

١٩٨

(١)

مأساة حجر بن عدي

ذكر ابن الأثير(١) قصة حجر وأتباعه فقال: (دخلت سنة إحدى وخمسين وفيها قُتل حجر بن عدي وأصحابه؛ وسبب ذلك: أن معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين. فلما أمَّره عليها دعاه وقال: قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تترك شتم علي وذمه، والترحم على عثمان، والعيب لأصحاب علي والإقصاء لهم، والإطراء بشيعة عثمان والإدناء لهم.

فأخذ المغيرة يشتم علياً.. فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل إياكم ذم الله ولعن. أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل. وقد حبس المغيرة أرزاق حجر وأصحابه. فكان حجر يناديه بقوله: مُرْ لنا أيها الإنسان بأرزاقنا فقد حبستها عنا وليس ذلك لك. ثم تُوفِّي المغيرة وولي زياد فاستمر على الفعل نفسه. وجمع زياد من أصحاب عدي اثنا عشر رجلاً في السجن وأحضر شهوداً وقال: إني لأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة، فدعا الناس ليشهدوا فشهد جمع كبير، منهم: إسحاق وموسى ابنا طلحة بن عبيد الله، والمنذر بن الزبير، وعمار بن عقبة بن أبي معيط. ثم دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أن يسيرا بهم إلى الشام، فخرجوا عشية، فلما بلغوا الغريَّين لحقهم شريح بن هاني وأعطى وائلاً كتاباً فقال: ابلغه أمير المؤمنين. فأخَذَه. وساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق، وكانوا:

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٣ / ٢٣٣ - ٢٣٩.

١٩٩

حجر بن عدي الكندي، والأرقم بن عبد الله الكندي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيع العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حسان، وعبد الرحمن العنزيَّين، ومحرز بن شهاب التميمي، وعبد الله بن حويَّة السعدي.. وأتبعهم برجلين هما: عتبة بن الأخنس من سعد بن بكر، وسعد بن نمران الهمداني. فتموا أربعة عشر رجلاً.

ودفع وائل إلى معاوية كتاب شريح بن هاني. فإذا فيه: بلغني أن زياداً كتب شهادتي وأن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال).

وروى الطبري(١) مأساة ابن عدي وصحبه على الشكل التالي:

(جاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إن شخصاً منا من بني همام يقال له: صيفي بن فسيل، من رءوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك، فبعث إليه زياد فأُتي به، فقال له زياد: يا عدو الله، ما تقول في أبي تراب؟ قال: ما أعرف أبا تراب. قال: أما تعرف علي بن أبي طالب؟ قال: بلى. قال: فذاك أبو تراب. قال: كان ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب الشرطة: يقول لك الأمير: هو أبو تراب، وتقول أنت: لا؟! قال: وإن كذب الأمير! أتريد أن أكذب؟! وأشهد له على باطل كما شهد؟! قال له زياد: وهذا أيضاً مع ذنبك؟!! عليَّ بالعصا. فأُتي بها، فقال: ما قولك؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين.

____________________

(١) تاريخ الأمم والملوك: ٦ / ١٤٩ - ١٥٥.

٢٠٠