مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن

مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن0%

مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 221

مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف:

الصفحات: 221
المشاهدات: 47509
تحميل: 5186

توضيحات:

مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47509 / تحميل: 5186
الحجم الحجم الحجم
مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن

مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن

مؤلف:
العربية

إلاّ أنّ هذا التصوّر ليس صحيحاً، ولَسْنَا بحاجةٍ إليه، والى الإغراق في الخيال إلى هذه الدرجة لكي ننحت هذا العملاق الأسطوري من هؤلاء الأفراد، ليس عندنا إلاّ الأفراد: زيدٌ وبكرٌ وخالدٌ، ليس عندنا ذلك العملاق المُستتِر من ورائهم.

طبعاً مناقشة (هيجل) من الزاوية الفلسفية يخرج من حدود هذا البحث ومتروك إلى بحثٍ آخر؛ لأنّ هذا التفسير الهيجلي للمجتمع مرتبِطٌ بحسب الحقيقة بكامل الهيكل النظري لفلسفته، إلاّ أنّ الشيء الذي نُريد أنْ نعرفه: موقع أقدامِنَا من هذا التصوّر.

هذا التصور ليس صحيحاً. نحن لَسْنَا بحاجة إلى مثل هذا الافتراض الأُسطوري لكي نميِّز بين عمل الفرد وعمل المجتمع؛ لأنّ التمييز بين عمل الفرد وعمل المجتمع يتمّ من خلال ما أوضحناه من البُعْد الثالث.

عمل الفرد هو العمل الذي يكون له بُعدان، فإنْ اكتسب بُعْداً ثالثاً كان عمل المجتمع، باعتبار أنّ المجتمع يشكِّل أرضيّةً له، يشكِّل عِلَّة مادِّيّة له، يدخل حينئذ في سجل كتاب الأمّة الجاثِيَة بين يدي ربِّها، هذا هو ميزان الفرق بين العَمَلَيْن.

إذنْ الشيء الذي نستخلصه مِمّا تقدّم:

* إنّ موضوع السنن التاريخية هو العمل الهادف الذي يشكِّل أرضيّة ويَتَّخذ من المجتمع أو الأمّة أرضيّة له، على اختلاف سِعَة المَوْجَة وضيق الموجة، هذا هو موضوع السنن التاريخية.

٨١

الدرس السابع:

آن الأوان لكي نتعرّف على الصِيَغ المتنوِّعة التي تتّخذها السُنَّة التاريخية القرآنيّة.

* كيف يتمّ التعبير موضوعيّاً عن القانون التاريخي في القرآن الكريم؟

* ما هي الأشكال التي تَتَّخذها سنن التاريخ في مفهوم القرآن الكريم؟

هناك ثلاثة أشكال تتّخذها السنّة التاريخية في القرآن الكريم، لا بدّ من استعراضها ومقارنتها والتدقيق في أوجه الفرق بينها:

الشكل الأوّل للسنة التاريخية:

هو شكل القضية الشرطية، في هذا الشكل تتمثّل السنّة التاريخية في قضيّة شرطيّة تربِطُ بين حادثتين أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية، وتؤكِّد العلاقة الموضوعيّة بين الشرط والجزاء، وأنّه متى ما تحقّق

٨٢

الشرط، تحقّق الجزاء. وهذه صياغة نجدها في كثير من القوانين والسنن الطبيعية والكونية في مختلف الساحات الأُخرى.

فمثلا: حينما نتحدّث عن قانونٍ طبيعي لغليان الماء، نتحدّث بلغةِ القضية الشرطيّة، نقول: بأنّ الماء إذا تعرّض إلى الحرارة وبلغت الحرارة درجة معيّنة، مائة مثلاً في مستوى معيّن من الضغط، حينئذٍ سوف يحدُثُ الغليان، هذا قانون طبيعي يربط بين الشرط والجزاء، ويؤكّد أنّ حالة التعرّض إلى الحرارة ضمن مواصفات معيّنة تُذكر في طرف الشرط، تَستتبع حادثة طبيعية معيّنة، وهي غليان هذا الماء، تحوّل هذا الماء من سائل إلى غاز. هذا القانون مصاغ على نهج القضية الشرطية.

ومن الواضح أنّ هذا القانون الطبيعي لا يُنْبِئُنَا شيئاً عن تحقّق الشرط وعدم تحقُّقه، لا ينبئنا هذا القانون الطبيعي عن أنّ الماء سوف يتعرّض للحرارة أو لا يتعرّض للحرارة؟ هل أنّ درجة حرارة الماء ترتفع إلى الدرجة المطلوبة ضمن هذا القانون، أو لا ترتفع؟

هذا القانون لا يتعرّض إلى مدى وجود الشرط وعدم وجوده، ولا ينبئنا بشيء عن تحقق الشرط إيجاباً أو سلباً، وإنّما ينبئنا عن أنّ الجزاء لا ينفكُّ عن الشرط، فمتى ما وُجِد الشرط وُجِد الجزاء، فالغليان نتيجةٌ مرتبِطة

٨٣

موضوعيّاً بالشرط، هذا هو تمام ما يُنبئنا عنه هذا القانون المُصاغ بِلُغة القضيّة الشرطية.

ومثل هذه القوانين تُقدِّم خدمةً كبيرة للإنسان في حياته الاعتيادية، وتلعب دوراً عظيماً في توجيه الإنسان؛ لأنّ الإنسان ضمن تعرُّفه على هذه القوانين يُصبح بإمكانه أنْ يتصرّف بالنسبة إلى الجزاء، ففي كلّ حالةٍ يرى أنّه بحاجةٍ إلى الجزاء، يُعْمِلُ هذا القانون، يوفّر شروط هذا القانون، ففي كل حالة يكون الجزاء متعارِضاً مع مصالحه ومشاعره، يحاول الحيلولة دون توفُّر شروط هذا القانون.

متى ما كان غليان الماء مقصوداً للإنسان يطبّق شروط هذا القانون، ومتى لم يكن مقصوداً للإنسان يحاول أنْ لا تتطبّق شروط هذا القانون.

إذنْ، القانون الموضوعي بنهج القضية الشرطية موجِّهٌ عملي للإنسان في حياته. ومن هنا تتجلّى حكمة الله سبحانه وتعالى في صياغة نظام الكون على مستوى القوانين، وعلى مستوى الروابط المطّردة والسنن الثابِتة؛ لأنّ صياغة الكون ضمن روابط مطّردة وعلاقات ثابتة هو الذي يجعل الإنسان يتعرّف على موضع قَدَمَيه، وعلى الوسائل التي يجب أنْ يسلكها في سبيل تكييف بيئته وحياته، والوصول إلى إشباع حاجته.

لو أنّ الغليان في الماء كان يَحْدُث صُدفةً ومن دون رابطة قانونيّة مطّردة مع حادثة أُخرى

٨٤

كالحرارة، إذنْ لَمَا استطاع الإنسان أنْ يتحكّم في هذه الظاهرة، أنْ يخلق هذه الظاهرة متى ما كانت حياته بحاجةٍ إليها، وأنْ يتفاداها متى ما كانت حياته بحاجةٍ إلى تفاديها، إنّما كان له هذه القدرة؛ باعتبار أنّ هذه الظاهرة وُضِعت في موضعٍ ثابتٍ من سنن الكون، وطُرح على الإنسان القانون الطبيعي من لغة القضيّة الشرطيّة فأصبح ينظر في نورٍ لا في ظلامٍ، ويستطيع في ضوء هذا القانون الطبيعي أنْ يتصرّف.

نفس الشيء نجده في الشكل الأوّل من السنن التاريخية القرآنية، فإنّ عدداً كبيراً من السُنن التاريخية في القرآن قد تمّت صياغته على شكل القضية الشرطية التي تربط ما بين حادثتين اجتماعِيَّتين أو تاريخيَّتين، فهي لا تتحدّث عن الحادثة الأولى: أنّها متى توجد، ومتى لا توجد، لكنْ تتحدّث عن الحادثة الثانية، بأنّه: متى ما وُجدتْ الحادثة الأولى، وُجدتْ الحادثة الثانية.

قرأْنَا في ما سبق - استعراضاً للآيات الكريمة التي تدلُّ على سنن التاريخ في القرآن - جملةً من تلك الآيات الكريمة، مَفادُها هو السُنّة التاريخية بلغة القضية الشرطية، تتذكّرون ما قرأناه سابقاً( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (١) .

هذه السُنّة

____________

(١) سورة الرعد: الآية (١١).

٨٥

التاريخية للقرآن، والتي تَقَدّم الكلام عنها، ويأتي إنْ شاء الله الحديث عن شرح محتواها، هذه السنّة التاريخية للقرآن بُيّنت بِلُغة القضية الشرطيّة؛ لأنّ مرجع هذا المفاد القرآني إلى أنّ هناك علاقة بين تغييرين:

* بين تغيير المحتوى الداخلي للإنسان.

* وتغيير الوضع الظاهري للبشرية والإنسانية.

مفاد هذه العلاقة قضية شرطية: أنّه متى ما وُجِد ذاك التغيير في أنفس القوم، وُجِد هذا التغيير في بناء القوم وكيان القوم، هذه القضية قضيّةٌ شرطيّةٌ بُيِّنَ القانون فيها بلغة القضية الشرطية.

( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً ) (١) .

قلنا في ما سبق: إنّ هذه الآية الكريمة تتحدّث عن سنّةٍ من سنن التاريخ، عن سنّة تربُط وُفْرَةَ الإنتاج بعدالة التوزيع. هذه السنّة أيضاً هي بِلُغَةِ القضيّة الشرطيّة كما هو الواضح من صياغتها النحوية أيضاً.

( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) (٢) .

أيضاً سنّة تاريخية بُيِّنَتْ بِلُغة القضيّة الشرطيّة، رَبطتْ بين أمرين:

* بَيْن تأمير الفُسّاق والمترفين في المجتمع.

* وبَيْن دَمَار ذلك المجتمع وانحلاله.

هذا القانون التاريخي أيضاً مُبَيَّنٌ على نهج القضية

____________

(١) سورة الجن: الآية (١٦).

(٢) سورة الإسراء: الآية (١٦).

٨٦

الشرطيّة، فهو لا يُبيِّن أنّه متى وُجِد الشرط، لكن يُبيِّن متى ما وجد هذا الشرط يوجد الجزاء. هذا هو الشكل الأول من أشكال السنّة التاريخية في القرآن.

الشكل الثاني الذي تتّخذه السُنَن التاريخيّة:

شكل القضية الفعلية الناجِزَة الوجوديّة المُحَقِّقة، وهذا الشكل أيضاً نَجِد له أمثلةً وشواهد في القوانين الطبيعية والكونيّة، مثلاً:

العالِم الفَلَكِي حينما يُصدر حُكْماً عِلْميّاً على ضوء قوانين مسارات الفلك، بأنّ الشمس سوف تَنْكسِف في اليوم الفلاني، أو أنّ القمر سوف يَنْخَسِف في اليوم الفلاني، هذا قانون علمي وقضيّة علميّة، إلاّ أنّها قضيّة وجوديّة ناجِزة، وليستْ قضيّة شرطيّة.

لا يملك الإنسان اتجاه هذه القضيّة، أنْ يُغيِّر مِن ظروفها وأنْ يعدِّل من شروطها؛ لأنّها لم تُبيِّن كَلُغَةِ قضيّةٍ شرطيّةٍ، وإنّما بُيِّنتْ على مستوى القضيّة الفعليّة الوجوديّة. الشمس سوف تنكسف، القمر سوف ينخسف، هذه قضية فعليّة، تنظر إلى الزمان الآتي، وتخبر عن وقوع هذه الحادثة على أي حالٍ.

وكذلك القرارات العلمية التي تصدر عن الأنواء الجويّة: المطر ينهمر على المنطقة الفلانيّة، هذا أيضا يُعبِّر عن قضيّة فعليّة وجوديّة لم تُصَغْ بلغة القضيّة الشرطيّة، وإنّما صِيْغت بِلُغة التنجيز والتحقيق، بلحاظ زمانٍ معيّنٍ

٨٧

ومكانٍ معيّنٍ. هذا هو الشكل الثاني من السنن التاريخية، وسوف أذكر فيما بعد إن شاء الله - عند تحليل عناصر المجتمع - إلى أمثلةِ هذا الشكل من القرآن الكريم.

هذا الشكل من السنن التاريخية هو الذي أوحى في الفكر الأوروبي بتوهُّم التعارض، بين فكرة سنن التاريخ وفكرة اختيار الإنسان وإرادته. نشأ هذا التوهّم الخاطئ الذي يقول:

* بأنّ فكرة سنن التاريخ لا يمكن أنْ تجتمِع إلى جانبِ فكرةِ اختيارِ الإنسان؛ لأنّ سنن التاريخ هي التي تنظِّم مسار الإنسان وحياة الإنسان.

* إذنْ ماذا يبقى لإرادة الإنسان؟

هذا التوهم أدّى إلى أنّ بعض المفكِّرين يذهب إلى أنّ الإنسان له دورٌ سَلبي فقط، حفاظاً على سنن التاريخ، وعلى موضوعيّة هذه السنن ضحَّى باختيار الإنسان؛ من أجل الحفاظ على سنن التاريخ، فقال:

* بأنّ الإنسان دَوْره دورٌ سَلبي، وليس دوراً إيجابيّاً، يتحرَّك كما تتحرّك الآلة، وِفْقَاً لظروفها الموضوعية، ولعلّه يأتي بعض التفصيل أيضاً عن هذه الفكرة.

* وذهب بعضٌ آخر - في مقام التوفيق ما بين هاتين الفكرتَين ولو ظاهريّاً - إلى أنّ اختيار الإنسان نفسَه هو أيضاً يخضَع لسنن التاريخ ولقوانين التاريخ. لا نُضَحِّي باختيار الإنسان، لكنْ نقول: بأنّ اختيار الإنسان لنفسه حادِثة تاريخيّة أيضاً. إذنْ، هو بدوره

٨٨

يخضع للسنن. هذه تضحية باختيار الإنسان، لكنْ بصورةٍ مبطَّنةٍ، بصورة غير مكشوفة.

* وذهب بعضٌ آخر إلى التضحية بسنن التاريخ لحساب اختيار الإنسان.

فذهب جملةٌ من المفكرين الأوروبيين إلى: أنّه ما دام الإنسان مختاراً فلا بدّ مِن أنْ تُستثنَى الساحة التاريخية من الساحات الكونيّة في مقام التقنين الموضوعي، لا بدّ وأنْ يُقال بأنّه لا سننَ موضوعية للساحة التاريخية، حِفاظاً على إرادة الإنسان، وعلى اختيار الإنسان.

وهذه المواقف كلُّها خاطئة؛ لأنّها - جميعاً - تقوم على ذلك الوَهْم الخاطئ، وهمُ الاعتقاد بوجود تناقض أساسي بين مقولة السنّة التاريخيّة ومقولة الاختيار، وهذا التوهُّم نشأ من قُصْر النظر على الشكل الثاني من أشكال السنّة التاريخيّة، أي قُصْر النظر على السنّة التاريخيّة المُصَاغة بِلُغَة القضيّة الفعليّة الوجوديّة الناجِزَة.

لو كنَّا نَقْصِر النظر على هذا الشكل من سنن التاريخ، ولو كنّا نقول: بأنّ هذا الشكل هو الذي يستوعِبُ كلّ الساحة التاريخيّة، لا يُبقي فراغاً لذي فراغ، لكان هذا التوهُّم وارِدَاً، ولكنّا يُمكننا إبطال هذا التوهُّم عن طريق الالتفات إلى الشكل الأوّل مِن أشكال السنّة التاريخيّة، الذي تُصاغ فيه السنّة التاريخيّة بوصْفها قضيّةً شرطيّةً.

وكثيراً ما تكون هذه القضية الشرطيّة في شروطها معبِّرةً عنْ إرادة الإنسان واختيار

٨٩

الإنسان، يعني أنّ اختيار الإنسان يُمثِّل محور القضيّة الشرطيّة ( شرط القضيّة الشرطيّة ).

إذنْ، فالقضية الشرطيّة كالأمثلة التي ذكرناها من القرآن الكريم، تتحدّث عن علاقةٍ بين الشرط والجزاء، لكنْ ما هو الشرط؟

الشرط: هو فعل الإنسان، هو إرادة الإنسان:

( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (١).

التغيير هنا أُسنِد إليهم، فهو فِعْلهم، إبداعهم وإرادتهم.

إذنْ السنّة التاريخيّة حينما تُصَاغ بِلُغة القضيّة الشرطيّة، وحينما يُمثِّل إبداع الإنسان واختياره موضوع الشرط في هذه القضية الشرطية، في مثل هذه الحالة تصبح هذه السنّة متلائمةً تماماً مع اختيار الإنسان.

بل، إنّ السنّة حينئذٍ تقضي اختيار الإنسان، تزيده اختياراً وقدرةً وتمكُّناً من التصرّف في موقفه، كيف أنّ ذلك القانون الطبيعي للغليان كان يَزيد مِن قُدرة الإنسان؛ لأنّه يستطيع حينئذٍ أنْ يتحكَّم في الغليان، بعد أنْ عَرِفَ شروطه وظروفه، كذلك السنن التاريخية ذات الصِيَغ الشرطيّة.

هي في الحقيقة ليست على حساب إرادة الإنسان، وليستْ نقيضاً لاختيار الإنسان، بل هي مؤكِّدة لاختيار الإنسان، وتوضِّح للإنسان نتائج؛ لكي يستطيع أنْ يقتبِس ما يريده من هذه النتائج، لكي

____________

(١) سورة الرعد: الآية (١١).

٩٠

يستطيع أنْ يتعرّف على الطريق الذي يسلك به إلى هذه النتيجة، أو إلى تلك النتيجة، فيسير على ضوءٍ وكتابٍ مُنيرٍ. هذا هو الشكل الثاني للسُنّة التاريخيّة.

الشكل الثالث للسُنّة التاريخيّة:

وهو شكل اهتمَّ به القرآنُ الكريم اهتماماً كبيراً، هو السنّة التاريخيّة المُصَاغة على صورة اتجاهٍ طبيعي في حركة التاريخ، لا على صورة قانون صارِم حَدِّي. وفَرْقٌ بين الاتجاه والقانون. ولكي تتَّضِح الفكرة في ذلك لا بُدّ وأنْ نطرح الفكرة الاعتياديّة التي نعيشها في أذهاننا عن القانون.

القانون العِلمي كما نتصوَّره عادةً: عبارة عن تلك السُنّة التي لا تَقْبل التحدِّي من قِبَل الإنسان؛ لأنّها قانونٌ من قوانين الكَوْن والطبيعة، فلا يمكن للإنسان أنْ يتحدَّاها، أنْ يَنْقُضها، أنْ يخرج عن طاعتها.

يمكنه أنْ لا يُصلِّي؛ لأنّ وجوبَ الصلاة حكمٌ تشريعي، وليس قانوناً تكوينيّاً، يمكنه أنْ يشرب الخمر، لأنّ حرمةَ الخمر قانونٌ تشريعي وليس قانوناً تكوينيّاً، لكنّه لا يُمْكِنه أنْ يتحدّى القوانين الكونيّة والسنن الموضوعيّة، مثلاً:

لا يمكنه أنْ يَجعل الماء لا يغلي إذا توفَّرتْ شروط الغليان، لا يُمْكِنه أنْ يتحدَّى الغليان وأنْ يؤخِّر الغليان لحظةً عن مَوْعِدِه المعيَّن؛ لأنّ هذا قانونٌ، والقانون صارِم، والصَرَامَة تأبى التحدِّي.

هذه هي الفكرة التي نتصوَّرها عادةً عن

٩١

القوانين، وهي فكرةٌ صحيحةٌ إلى حدٍّ ما، لكنْ ليس من الضروري أنْ تكون كلُّ سُنّةٍ طبيعيّةٍ موضوعيّةٍ على هذا الشكل، بحيث تأبى التحدِّي، ولا يمكن تحدِّيها من قِبَل الإنسان بهذه الطريقة، بل هناك اتجاهات موضوعيّة في حركة التاريخ وفي مسار الإنسان، إلاّ أنّ هذه الاتجاهات لها شيءٌ من المرونة بحيث إنّها تَقْبَل التحدِّي ولو على شوطٍ قصيرٍ، وإنْ لم تَقْبل التحدِّي على شوطٍ طويلٍ، لكن على الشوط القصير تَقْبل التحدِّي.

أنت لا تستطيع أنْ تؤخِّر موعد غليان الماء لحظةً، لكنْ تستطيع أنْ تُجمِّد هذه الاتجاهات لحظات مِن عُمْرِ التاريخ، لكنْ هذا لا يعني أنّها ليستْ اتجاهات تُمثِّل واقِعاً موضوعيّاً في حركة التاريخ، هي اتجاهات ولكنّها مَرِنَةٌ، تَقْبل التحدّي لكنّها تُحطّم المُتَحدّي، تُحَطِّمه بسنن التاريخ نفسِها، ومن هنا كانت اتجاهات.

* هناك أشياء يمكن تحدِّيها دون أنْ يَتَحطّم المُتحدّي، لكنْ هناك أشياء يُمكن تتحدّى على شوطٍ قصيرٍ، ولكنّ المتحدي يتحطّم على سنن التاريخ نفسها. هذه هي طبيعة الاتجاهات الموضوعية في حركة التاريخ.

لكي أُقرِّب الفكرة إلَيْكم، نستطيع أنْ نقول: بأنّ هناك اتجاهاً في تركيب الإنسان، وفي تكوين الإنسان اتجاهاً موضوعيّاً لا تشريعيّاً إلى إقامة العلاقات المعيَّنة بين

٩٢

الذكر والأُنثى في مجتمع الإنسان، ضمن إطار من أُطُر النكاح والاتصال، هذا الاتجاه ليس تشريعيّاً ليس تَقْنِينَاً اعتباريّاً وإنّما هو اتجاه موضوعي أُعْمِلَتْ العناية في سبيل تكوينه في مسار حركة الإنسان.

لا نستطيع أنْ نقول: إنّ هذا مجرَّد قانون تشريعي، مجرد حكم شرعي، لا، وإنّما هذا اتجاه رُكِّبَ في طبيعة الإنسان وفي تركيب الإنسان، وهو الاتجاه إلى الاتصال بين الذكر والأنثى، وإدامة النوع عن طريق هذا الاتصال ضمن إطار مِن أُطُر النكاح الاجتماعي.

* هذه سنّة لكنّها سنّة على مستوى الاتجاه، لا على مستوى القانون.. لماذا؟

لأنّ التحدِّي لهذه السنّة لحظةً أو لحظاتٍ ممكنٌ. أمْكَن لقوم لوط أنْ يَتَحَدُّوا هذه السُنّة فترةً من الزمن، بينما لم يكن بإمكانهم أنْ يتحدُّوا سنّة الغَلَيَان بشكلٍ من الأشكال، إلاّ أنّ تحدِّي هذه السنّة يؤدّي إلى أنْ يتحطّم المتحدِّي، المجتمع الذي يتحدّى هذه السنّة يكتب بنفسه فناءَ نفسِه؛ لأنّه يتحدّى ذلك عن طريق ألوان أُخرى من الشذوذ، تؤدّي إلى فناء المجتمع، والى خراب المجتمع.

ومِن هنا كان هذا اتجاهاً موضوعيّاً يَقْبل التحدّي على شوطٍ قصيرٍ، لكنْ لا يَقْبل التحدِّي على شوط طويل؛ لأنّه سوف يحطِّم المُتَحَدِّي

٩٣

بنفسه.

الاتجاه إلى توزيع الميادين بين المرأة والرجل، هذا الاتجاه اتجاهٌ موضوعي وليس اتجاهاً ناشِئاً من قرارٍ تشريعي. اتجاه رُكِّبَ في طبيعة الرجل والمرأة، ولكنّ هذا الاتجاه يمكن أنْ يتحدّى، يمكن استصدار تشريع يفرض على الرجل بأنْ يبقى في البيت ليتولّى دور الحضانة والتربية، وأنْ تخرج المرأة إلى الخارج؛ لكي تتولّى مَشَاقّ العمل والجُهد، هذا بالإمكان أنْ يتحقّق عن طريق تشريع مُعيّن.

وبهذا يحصل التحدّي لهذا الاتجاه، لكن هذا التحدِّي سوف لنْ يستمر؛ لأنّ سنن التاريخ سوف تُجيب على هذا التحدّي، لأنّنا بهذا:

* سوف نَخْسَر ونُجَمِّد كلّ تلك القابليّات التي زُوِّدَتْ بها المرأة من قِبَل هذا الاتجاه، لممارسة دور الحضانة والأمومة.

* وسوف نخسر كلّ تلك القابليّات التي زُوِّدَ بها الرجل مِن أجل ممارسة دورٍ، يتوقَّف على الجَلَد والصبر والثبات وطول النفس،تماماً من قبيل: أنْ تُسلِّم بنايةً، تُسلِّم نَجَّارِيَّاتِها إلى حدّاد، وحدّادِيَّاتِها إلى نجّار.

يمكن أنْ تصنع هكذا، ويمكن أن تُنْشَأ البنايةُ أيضاً، لكنّ هذه البناية سوف تَنْهار، سوف لن يستمر هذا التحدِّي على شوطٍ طويلٍ، سوف يتقطّع في شوطٍ قصيرٍ كلُّ اتجاهٍ من هذا القبيل، هو في الحقيقة سنّة موضوعيّة من سنن التاريخ ومن سنن حركة الإنسان، ولكنّها سنّة مَرِنَة تقبل التحدّي على الشوط القصير،

٩٤

ولكنّها تُجيب على هذا التحدّي.

وأهمُّ مِصداق يعرضه القرآن الكريم لهذا الشكل من السنن هو الدين. القرآن الكريم يرى أنّ الدين نفسَه سنّةٌ من سنن التاريخ، سنّة موضوعيّة من سنن التاريخ، ليس الدين فقط تشريعاً، وإنّما هو سنّة من سنن التاريخ؛ ولهذا يَعْرِضُ الدينَ على شكلَين:

* تارةً يعرِضه بوصفه تشريعاً، كما يقول علم الأصول: بوصفه إرادةً تشريعيّةً، مثلاً يقول:

( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) (١) . هنا يُبيِّن الدين كتشريعٍ، كقرارٍ، كأمرٍ من الله سبحانه وتعالى.

* لكنْ في مجالٍ آخر يُبَيِّنه سنّةً من سنن التاريخ، وقانوناً داخلاً في صميم تركيب الإنسان وفطرة الإنسان، قال سبحانه وتعالى:

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

هنا الدين لم يُعَد مُجرَّد قرارٍ وتشريعٍ من أعلى، وإنّما الدين هنا فطرةٌ للنّاس،

____________

(١) سورة الشورى: الآية (١٣).

(٢) سورة الروم: الآية (٣٠).

٩٥

فطرة الله التي فطر عليها الناس، ولا تبديل لخلق الله.

هذا الكلام كلامٌ موضوعي خبري، لا تشريعي إنشائي. لا تبديل لخلق الله.

وهكذا، إنّك لا يُمكنك أنْ تَنْتَزِع من الإنسان أيَّ جزءٍ من أجزاءه التي تقوِّمه، كذلك لا يُمكنك أنْ تَنْتزِع من الإنسان دينَه. الدين ليس مقولةً حضاريّةً مُكْتسَبة على مرِّ التاريخ، يمكن إعطاؤها ويمكن الاستغناء عنها؛ لأنّها في حالةٍ من هذا القبيل لا تكون فطرةَ الله التي فطر الناس عليها، ولا تكون خلق الله الذي لا تبديل له، بل تكون من المكاسِب التي حصل عليها الإنسان، من خلال تطوُّراته المدنيَّة والحضاريّة على مر التاريخ. القرآن يريد أنْ يقول:

* بأنّ الدين ليس مقولةً من هذه المقولات، بالإمكان أخْذُها وبالإمكان عطاؤها.

* الدين خلق الله، فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله. في هذا الكلام ( لا ) ليست ناهيةً، بل نافيةٌ، يعني هذا الدين لا يُمكن أنْ ينفكَّ عن خلق الله ما دام الإنسانُ إنساناً.

فالدين يُعتبر سنّة لهذا الإنسان. هذه سنّةٌ ولكنّها ليست سنّة صارِمَة على مستوى الغليان، سنّةٌ تقبل التحدَّي على الشوط القصير، كما كان بإمكانٍ تحدِّي سنّة النكاح، اللقاء الطبيعي والتزاوج الطبيعي، كما كان بالإمكان تحدِّي ذلك عن طريق الشذوذ الجنسي، لكنْ على شوطٍ قصيرٍ، كذلك

٩٦

يمكننا تحدِّي هذه السنّة على شوطٍ قصيرٍ عن طريق الإلحاد، وغَمْضِ العين عن هذه الحقيقة الكبرى، بإمكان الإنسان أنْ لا يرى الشمس، أنْ يُغْمِض عينَه عن الشمس، ويُلْحِد ولا يرى هذه الحقيقة، ولكنّ هذا التحدِّي لا يكون إلاّ على شوطٍ قصيرٍ؛ لأنّ العقاب سوف يَنْزِل بالمتحدِّي.

العقاب هنا ليس بمعنى العقاب الذي يَنزل على مَنْ يَرتكِب مخالفةً شرعيّةً، على يد ملائكة العذاب في السماء في يوم القيامة، ليس هو ذاك العقاب الذي يَنْزِل على مَنْ يُخالِف القانون على يد الشرطيّ، يضربه بالعصا على رأسه، وإنّما العقاب هنا ينزل مِنْ سنن التاريخ نفسِها، تفرض العقابَ على كلِّ أُمّةٍ تريد أنْ تبدِّل خَلْقَ الله سبحانه وتعالى، ولا تبديل لخلق الله.

( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) (١) .

نحن نقول بأنّ السنن التاريخيّة مِن الشكل الثالث إذا تحدَّاها الإنسان فسوف يأخُذ العقابَ مِن السنن التاريخيّة، سرعان ما يَنزل عليه العِقاب من السنن التاريخيّة نفسِها - كلمة (سرعان) هنا يجب أنْ تُؤخَذ بمعنى السرعة التاريخيّة لا السرعة التي نفهمها في حياتنا الاعتيادية - وهذا ما أرادتْ أنْ تُبَيِّنَه هذه

____________

(١) سورة الحج: الآية (٤٧).

٩٧

الآية في المقام، تتحدّث عن العذاب، واقِعُهُ في سياق العذاب الجماعي الذي نزل بالقرى السابقة الظالمة، ثم بعد ذلك يتحدّث عن استعجال الناس في أيّام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). الناس يَسْتعجِلون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويقولون له أين هذا العقاب، أين هذا العذاب؟ لماذا لا يَنزل بنا، نحن الآن كفرْنَا، تحدَّيْنَاك، لم نُؤمِن بك، صَمَمْنَا آذانَنَا عن قُرْآنِكَ، لماذا لا ينزل بنا هذا العذاب؟

هنا القرآن يتحدّث عن السرعة التاريخيّة التي تَختلِف عن السرعة الاعتيادية يقول:

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) (١) ؛ لأنّها سنّة، والسنّة التاريخيّة ثابتةٌ. لكن

(وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (٢) .

اليوم الواحد في سنن التاريخ عند ربك باعتبار أنّ سنن التاريخ هي كلمات الله كما قَرَأْنَا في ما سبق، كلمات الله سنن التاريخ.

إذنْ، في كلمات الله، في سنن الله، اليوم الواحد ( المهلة القصيرة ) هي ألف سنة. طبعاً في آيةٍ أخرى عبَّر بخمسين ألف سنة، لكنْ أُريدَ بذلك أيّام القيامة، لا يوم الدنيا، وهذا هو وجه الجمع بين الآيتين ( الكلمتين ).

في آيةٍ أخرى، قيل:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ

____________

(١) سورة الحج: الآية (٤٧).

(٢) نفس الآية السابقة.

٩٨

خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ) (١) .

هذا ناظر إلى يوم القيامة، إلى يومٍ تكون السماء كالمهل، فيوم القيامة قُدِّر بخمسين ألف سنةٍ، أمّا هنا يتكلّم عن يومِ توقيتِ نزولِ العذابِ الجماعي، وِفقاً لسنن التاريخ، يقول:

( وإنّ يوماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سنةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ ) .

إذن، فهذا شكلٌ ثالث من السنن التاريخية، هذا الشكل هو عبارة عن:

اتجاهاتٍ موضوعيّةٍ من مسار التاريخ، وفي حركة الإنسان، وفي تركيب الإنسان، يمكن أنْ يتحدَّى على الشوط القصير، ولكنّ سنن التاريخ لا تقبل التحدِّي على الشوط الطويل، إلاّ أنْ الشوط القصير والطويل هنا ليس بحسب طموحاتنا، بحسب حياتنا الاعتيادية يوم أو يومين؛ لأنّ اليوم الواحد في كلمات الله وفي سنن الله كألف سَنَةٍ مِمّا نحسب.

هذا هو الشكل الثالث، الدين هو المثال الرئيسي للشكل الثالث، مِن أجل أنْ نعرف:

* كيف أنّ الدين سنّة من سنن التاريخ؟

* ما هو دوره؟

* ما هو موقعه؟

* لماذا أصبحت سنّة من سنن التاريخ ليس مجرد تشريع وإنّما هو سنّة، يعني حاجة أساسيّة موضوعيّة، حالُهُ حالُ قانون الزوجيّة بين الذكر والأنثى، هو سنّةٌ

____________

(١) سورة المعارج: الآية (٤ - ٨).

٩٩

موضوعيّةٌ.

* لماذا صار هكذا؟

* وكيف صار هكذا؟

* وما هو دوره كَسُنَّةٍ تاريخيّة من سنن التاريخ؟

لكي نعرف ذلك، يجب أنْ نأخذ المجتمع، ونحلِّل عناصرَ المجتمع على ضوء القرآن الكريم؛ لنصل إلى مغزى قولنا:إنّ الدين سُنَّةٌ من سنن التاريخ .

* كيف نُحلِّل عناصر المجتمع؟

نُحلِّل عناصر المجتمع على ضوء هذه الآية الكريمة:

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) .

على ضوء هذه الآية التي تُعْطِينا أروعَ وأدقَّ وأعمقَ صيغةً لتحليل عناصر المجتمع، سوف ندرس هذه العناصر، ونُقارِن ما بينها؛ لنعرف في النهاية أنّ الدين سُنَّةٌ من سنن التاريخ.

____________

(١) سورة البقرة: الآية (٣٠).

١٠٠