البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر0%

البحث في رسالات عشر مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 367

  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30403 / تحميل: 4279
الحجم الحجم الحجم
البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر

مؤلف:
العربية

سائر الموارد. الى ان قال: والتحقيق انه لا يتم النقض ولا الحل ولا التقريب. اما النقض فبتوضيح الفرق بين البينة واليمين، فان حجية اليمين في باب القضاء ليست بمعنى حجيتها في اثبات الواقع الذي يطابق قول المنكر، فان هذا الواقع يثبت بالاصل الجاري دائما على طبق قول المنكر، ولهذا يصح لنا ترتيب الاثر عليه ولو لم يكن هناك يمين من المنكر وانما حجية

اليمين بمعنى حجيته في فصل الخصومة، أي كونه موضوعا لحكم الحاكم بفصل الخصومة على طبق الاصل، ومثل هذه الحجية لا معنى لجريانها في غير باب القضاء، واما بينة المدعي فحجيتها ليست بمعنى كونها فاصلة للخصومة فقط بل هي حجة ايضا بلحاظ اثبات الواقع على طبق كلام المدعي اذلا مثبت له سوى البينة، ومن هنا امكن دعوى التعدي من حجيتها في اثبات الواقع في باب القضاء الى سائر الموارد.

اقول: (اولا) الفرق الذي ذكرهرحمه‌الله لا يضر بالنقض، فان جعل شيء طريقا في مورد له خصوصية لا يستلزم جعله طريقا في غير هذا المورد بل ولو لم يعلم له خصوصية مع احتمالها. (وثانيا) كانهرحمه‌الله جعل الحجية للبينة مفروضة، وقد اشكل على النقض مع انها اول الدعوى فان المدعى استفادة حجية البينة على الاطلاق من مثل (انما اقضي بينكم بالبينات والايمان)(١) . فقوله ان حجية اليمين بمعنى حجيته في فصل الخصومة وحجية البينة بلحاظ اثبات الواقع تقريب للدليل بعين المدعى، بل يمكن ان يقال ان عطف الايمان على البينات وجعلهما مستندا للقضاء يدل على ان حجية البينة كاليمين في مقام فصل الخصومة لاغير.

قال: واما الحل: الى ان قال (صفحة ٨٠س٧):ـ لان نكتة فصل الخصومة انما تستدعي جعل الحجيةالتي يقضي الحاكم على اساسها، ولكنها لا تعين هذه الحجة في البينة المطابقة لقول المدعي او في الاصل المطابق لقول المنكر، فترجيح البينة على الاصل في الحجية انما

____________________

(١) الوسائل: ج١٨، باب٢من ابواب كتاب القضاء، حديث١.

٣٠١

يكون لطريقية البينة في نظر الشارع. وكونها اقوى كشفا من الاصول المعارضة، فيتجه التعدي حينئذ.

اقول: ان نكتة فصل الخصومة تستدعي جعل شيء مستندا له، فكما ان اليمين جعلت مستندا له كذلك البينة جعلت مستندا له، ومجرد انها جعلت مستندا للفصل في باب القضاء لا يوجب جعلها حجة في جميع الموارد، وصرف ان البينة بلحاظ طريقيتها جعلت مستندا في باب القضاء لا يوجب جعلها طريقا في جميع الموارد فاشكالهرحمه‌الله على السيد الاستاذ في نقضه وحله غير وارد.

قال: واما اصل التقريب فلان اعتماد الشارع على البينة في مورد القضاء، والغاء الاصول في مقابلها وان كان يكشف عن كونها في نظره اقوى واصوب كشفا، ولكن لا يلزم من الزام الشارع بالاخذ بها في غير هذا الباب والغاء الاصول، لان مراتب اهتمام الشارع بالايصال الى الواقع متفاوتة. فقد يكون غرضه في الايصال الى الواقع في موارد حقوق الناس وخصوماتهم اشد من غرضه في الايصال إلى الواقع في مثل الطهارة والنجاسة.

اقول: المستدل لا يحتاج الى دعوى الملازمة بين الالزام في باب القضاء والالزام في غيره بل يكفيه جواز الاخذ بالبينة في غير باب القضاء، بتقريب انه لو كانت البينة لازمة الاخذ في مورد اهتمام الشارع بالايصال الى الواقع يجوز الاخذ بها في سائر الموارد بالاولوية العرفية، وجواز الاخذ ملازم للزوم الاخذ لانه لا معنى لجواز الاخذ بالشيء إلا حجيته، فلا بد من ترتيب آثار الحجية عليه. فما اورده على التقريب ايضا لا يتم، والصحيح ما ذكره السيد الاستاذ من

عدم امكان التعدي عن موارد القضاء الى غيرها. نعم نتعبد بالحجية في موارد الحدود ايضا للادلة الخاصة، واما الحجية في غير موارد القضاء والحدود فلاتستفاد من هذه المادة، فلا بد من ملاحظة غيرها.

قال:(ثانيها) ما ذكره السيد الاستاذ، وتوضيحه: ان البينة في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (انما اقضي بينكم بالبينات) اذا حملت على معناها اللغوي العرفي كانت بمعنى ما يبين الشيء ويكون حجة عليه، وحيث ان هذا القول نفسه في مقام انشاء الحجية القضائية للبينة، أي كونها حجة في مقام القضاء، فهناك حجيتان في القول المذكور:

احداهما مجعولة فيه وهي حجية البينة في القضاء. والاخرى الحجية الماخوذة في موضوعه التي تدل عليها نفس كلمة البينة بمعناها اللغوي و العرفي، ولابد ان تكون هذه الحجية المجعولة في نفس

٣٠٢

ذلك القول. فهي اذن الحجية في نفسها. وحيث ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طبق الموضوع على شهادة عدلين فيثبت انها حجة في نفسها وبذلك يتم المطلوب. واما اذا حملنا البينة المأخوذة موضوعا لقوله (اقضي بينكم بالبينات) على شهادة عدليه ابتداء فلا يستفاد من القول المذكور نحو ان من الحجية ليتم هذا التقريب.

ويرد عليه (اولا) انه لو سلمت الاستفادة المذكورة فلا يكون في الدليل اطلاق يتمسك به لاثبات ان حجية البينة تفي نفسها ثابتة في جميع الموارد، لان الدليل كان مسوقا لبيان الحجية القضائية للبينة، لا لحجيتها الاخرى، وانما اخذت الحجية الاخرى مفروغا عنها في موضوع الكلام، وما دام الدليل غير مسوق لبيانها فلا يمكن اثبات الاطلاق في

حجية البينة. (وثانيا) ان قوله(انما اقضي بينكم بالبينات) لو كان في مقام انشاء الحجية في باب القضاء بهذا الخطاب فقد يتجه ما ذكر، واما اذا كان في مقام الاخبار وتوضيح ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لايستعمل في مقام الفقضاء علمه الغيبي وانما يعمل الموازين والحجج الظاهرية، فلا يتضمن القول المذكور حينئذنحوين من الحجية، بل نحوا واحدا. ففرق بين ان يقال جعلت الحجية في باب القضاء لما هو حجة، او يقال: لااعتمد في باب القضاء على علم الغيب بل على الحجة، فان الاول تستفاد منه حجية في المرتبة السابقة على الحجية القضائية، بخلاف الثاني.

اقول: ان جعل البينة بمعنى الحجة موضوعا للقضاء وجعلها مقابلة لليمين وتطبيقها على شهادة عدلين تدل عرفا على ان شهادة عدلين طريق وحجة. والمفروض الغاء خصوصية مورد القضاء لان الحجية اخذت مفروضة. فقوله (انما اقضي بينكم بالبينات والايمان) مساوق للقول بانه انما اقضي بينكم بالحجج، أي الطرق والايمان، وتطبيق الحجة في قبال اليمين على شهادة عدلين والغاء خصوصية مورد القضاء للمفروغية يدلنا على ان شهادة عدلين طريق وحجة مطلقا عرفا، فالصحيح ما افاده الاستاذ. وما اورده عليه من الاشكال غير وارد، ومن الغرائب الاشكال الثاني فانه يرد عليه: (اولا) ان جعل الحجية للحجة غير معقول ولا يقول به الاستاذ ايضا، بل المراد ان الحجة مستند للحكم في القضاء، واين هذا من جعل الحجية للحجة

(وثانيا) كيف لا يدل القول باني لا اعتمد الاعلى الحجة مفروغية الحجية قبل الاعتماد مع انها مستندة للاعتماد.

قال:(ثالثها) ان يقال ان قوله(اقضي بينكم بالبينات) بعد ضم الصغرى اليه المتحصلة من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتطبيقه لعنوان البينة على شهادة عدلين الذي هو امر معلوم وواضح يدل على ان

٣٠٣

شهادة عدلين بينة أي مما يبين المطلب ويوضحه، وهذه الدلالة وان لم يكن لها اطلاق في نفسها، ولكن بضم ارتكازية حجية البينة عقلائيا ينعقد لمثل تلك الدلالة ظهور في امضاء ماعليه العقلاء من حجية البينة، وبذلك يكسب الدليل الاطلاق من اطلاق الارتكاز الممضى. فان الادلة التي تتكفل قضايا مركوزة عقلائيا ينشا لها ظهور في امضاء الارتكاز، بنحو يكون مفادها تابعا لدائرته سعة وضيقا. ولعل هذا التقريب اوجه من سابقيه.

اقول: (اولا) ليس هذا تقريبا للادلة اللفظية فان مآل ذلك الى ان البينة حجة للارتكاز العقلائي ، ويكفي الاستناد الى الشارع عدم الردع عنها بلا حاجة الى الامضاء. وبعبارة اخرى الدليل هو الارتكاز العقلائي بضم عدم الردع لا الادلة الواردة في القضاء بضم الارتكاز. (وثانيا) لا اطلاق لهذا التقريب فان الارتكاز دليل لبي لا يمكن التمسك به في الموارد المشكوكة. واحسن التقريب ما ذكره الاستاذ على مامر.

قال: الثاني من الوجوه الدالة على حجية البينة: الاستدلال برواية مسعدة بن صدقة(١) ، التي ورد في ذيلها(والاشياء كلها على هذا حتى

____________________

(١) الوسائل:ج١٢باب٤من كتاب التجارةحديث٤.

٣٠٤

يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة) وقد يستشكل في ذلك باختصاصها بحجية البينة في مقابل الحل المشار اليه بكلمة(هذا) لافي مقابل الطهارة. وبعد فرض التجاوز عن هذا الاشكال، اما بدعوى الغاء العرف لخصوصية الحل في مقابل الطهارة، وفهمه جعل الحجية للبينة في مقابل الاصول والقواعد الترخيصية او بتوسيع نطاق الحل واعطائه معنى يشمل الحلية الوضعية على نحو تكون الطهارة معه نحوا من الحل ايضا. او بملاحظة آثار الطهارة فتكون البينة حجة على نفي الحلية التي هي اثر الطهارة، ومع عدم امكان التفكيك عرفا بين نفي الاثر ونفي سببه في الامارات المركوز كون مثبتاتها حجة ايضا يثبت نفي الطهارة.

اقول: لا تصل النوبة الى هذه الدعاوى، فان البينة في الامثلة غير قائمة على الحرمة، بل هي قائمة على كون الثوب سرقة او كون المبيع حرا او كون المراة الاخت او كونها رضيعة. فالرواية تدل على حجية البينة في هذه الموضوعات وغيرها بالغاء الخصوصية عرفا. والبينة وان كانت رافعة لقاعدة الحل لكن لا بملاحظة مقابلتها لها بل بلحاظ بيان الموضوع فتستفاد من الرواية حجية البينة في الموضوعات فيترتب عليها آثارها حرمة او نجاسة او غير هما، ولذا يستفاد من الرواية فساد البيع في المثالين الاولين وفساد النكاح في الاخيرين، مع ان الفساد غير الحرمة.

قال: يبقى الاشكال من ناحية سند الرواية لعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صداقة، ودعوى ان رواياته كلها متقنة ومحكمة، انما تدل على فضله لا على وثاقته.

اقول: الرواية معمول بها بين الاصحاب، ولذا يرى ان اساطين الفقه لم يناقشوا في سندها، ولم يتعرضوا للمناقشات التي ذكرها غيرهم ايضا ويستندون اليها، فلا مجال للمنافشة السندية فيها لحصول ملاك الاعتبار وهو الوثوق بالصدور على ما قالوا، اواحتجاج العقلاء بمثل هذا الخبر على مطلوبات المولى من العبيد على ما اخترناه في ملاك حجية الخبر.

قال: الثالث من الوجوه: الاجماع، ولا ينبغي الاستشكال فيه لمن لاحظ كلماتهم في الموارد المتفرقة في الفقه التي يستظهر منها المفروغية عند الجميع عن حجية البينة على الاطلاق، فان كان هذا الاجماع مستندا الى رواية مسعدة بن صدقة كان بنفسه سببا صالحا للوثوق بالرواية وان كان مستندا الى استظهار الكلية من روايات القضاء. فهذا بنفسه يؤكد عرفية هذا الاستظهار وصحته وان كان غير مستند الى ما تقدم، فهو اجماع تعبدي صالح لان يكشف عن تلقي معقده بطريق معتبر، فالاعتماد على الاجماع في مقام بمثل هذا البيان ليس ببعيد.

٣٠٥

اقول: الوجه غير منحصر بالوجوه الثلاثة التي ذكرها، لاحتمال استناد بعض الاصحاب الى رواية مسعدة، واستناد البعض الى استظهار الكلية من روايات القضاء، واستناد البعض الى انها امر ارتكازي عقلائي، فعلى ذلك لا يمكن دعوى الوثوق بالرواية ولا عرفية الاستظهار ولا تعبدية الاجماع.

قال: ٣ـ خبر العدل الواحد: ومرد البحث في ذلك الى الكلام عن حجية خبر الواحد في الشبهات الموضوعية بعد الفراغ في الاصول عن حجيته في الشبهات الحكمية، والبحث في ذلك يقع في ثلاث جهات:

الجهةالاولى: في امكان التمسك بنفس دليل حجية خبر الواحدفي الشبهة الحكمية لاثبات حجيته في الشبهة الموضوعية، ولو لم تكن الشبهة الموضوعية ملحوظة فيه بالاطلاق، وذلك باحد تقريبين:

(الاول) ان يدعى رجوع الشبهة الحكمية الى الشبهة الموضوعية في الحقيقة فيكون دليل الحجية في الاولى دليلاعليها في الثانية. فان زرارة مثلا في الشبهة الحكمية لا يخبر عن الحكم الكلي الالهي بوجوب السورة ابتداء، بل عن ظهور كلام الامام الذي هو مصداق لكبرى حجية الظهور شرعا. فيكون اخبارا عن الموضوع في الحقيقة. والجواب على ذلك: ان فرقا يظل ثابتا بين خبر زرارة واخبار العادل عن نجاسة الثوب رغم هذا الارجاع. وهو ان خبر زرارة فيه حيثيتان: احداهما كونه اخبارا عن الموضوع لحجية الظهور، والاخرى كونه كاشفا ولو بتوسط كشفه عن كلام المعصوم عن الحكم الكلي بوجوب السورة، واخبار العادل بنجاسة الثوب يشترك مع خبر زرارة في الحيثية الاولى دون الثانية فلا يمكن التعدي.

اقول: ليس المخبربه في الاحكام الكلية ظهور كلام الامام، بل المخبر به نص قول الامام ومقالته هو الحكم الكلي، والفرق بينه وبين الشبهة الموضوعية ان فيه يلاحظ القول طريقا الى الحكم الكلي دونها، ولذا يشمل دليل الحجية للوسائط في الاخبار مع الواسطة في الاحكام الكلية. مع ان المخبر به في الوسائط قول الراوي لا الامامعليه‌السلام ولا يشمل مايؤخذ قول الامام موضوعا فيه، كما انه لو نذرانه لو سمع كلام الامام يتصدق فلا يشمل دليل الحجية الخبر الذي يخبر عن ان هذا كلام الامام.

والحاصل: ان قول الراوي وهكذا قول الامام في الشبهات الحكمية يلاحظ طريقا الى بيان الحكم بخلاف الشبهات الموضوعية، فان الموضوع فيها يلاحظ موضوعا واستقلالا، ولذا لا نرى شمول دليل الحجية لاخبار التحليل مع الالتزام بالتحليل المالكي الامع التعدد، وقد ظهر مما ذكرنا

٣٠٦

مواقع للنظر في كلامهقدس‌سره (منها) ما قال بان اخبار العادل في الشبهة الموضوعية يشترك مع خبر زرارة في الحيثية الاولى وهي الاخبار عن الموضوع دون الثاني وهو كونه كاشفا ولو بتوسط كشفه عن كلام المعصوم فلا يمكن التعدي. ووجه النظر ان الحيثية الثانية في طول الاولى ومتفرعة عليها، فلو لم يشمل دليل الحجية للشبهات الموضوعية لا يشمل للشبهات الحكمية ايضا.

والصحيح الفرق الماهوي بينهما، فان الموضوع في الشبهة الموضوعية لوحظ مستقلا بخلاف قول الامام في الشبهة الحكمية. فانه كقول الراوي لوحظ آليا. (ومنها) ما قال بعد هذا ما لفظه: والتحقيق ان دليل حجية الخبر في الشبهة الحكمية لم يدل على حجية الخبر عن الحكم الكلي بهذا العنوان. ليبذل الجهد في ارجاع بعض الاخبار في الموضوعات الى الخبر عن الحكم الكلي بالالتزام وانما دل الدليل المتحصل من السنة المتواترة اجمالا على مضمون، مثل قوله(١) : (العمري وابنه ثقتان، فما اديا اليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المامونان) فموضوع الحجية هو الخبر

____________________

(١) الوسائل:ج١٨باب١١من ابواب صفات القاضي حديث٤. والرواية هكذا(عن محمد بن عبد الله الحميري، ومحمد بن يحيى جميعا، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن احمد بن اسحاق، عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: سالته وقلت: من اعامل ؟ وعمن آخذ؟ وقول من اقبل؟ فقال: العمري ثقتي فما ادى اليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له واطع، فانه الثقة المامون، قال: وسالت ابا محمدعليه‌السلام عن مثل ذلك فقال: العمري وابنه...الخ).

٣٠٧

الذي يعتبر اداء عن الامام، وهذا ينطبق على خبر زرارة دون خبر العادل عن الاجتهاد. ومن اجل ذلك قلنا في موضعه من كتاب الخمس: ان اخبار التحليل قد يقال بشمول الدليل المذكور على الحجية لها وان حملت على التحليل المالكي، لانها وان لم تكن اخبارا عن الحكم الكلي، ولكنها اداء عن الامام فيشملها موضوع الحجية في ذلك الدليل.

اقول: لازم ما ذكرهرحمه‌الله شمول الدليل لمثال النذر المتقدم، والحق ما مر من الفرق، فلا يشمل الدليل لا لاخبار التحليل بناء على المالكي الامع التعدد، ولا لمثال النذر. هذا لوقلنا بان دليل الحجية يدل على امر تاسيسي من الشارع. ولو قلنا بالحجية العقلائية فالقدر المتيقن من بناء العقلاء المتصل بزمان المعصومعليه‌السلام هو الاحتجاج بالاخبار في مقام الاحتجاج، واتمام الحجة على مطلوبات المولى من العبد، فتختص الحجية حينئذ بالشبهات الحكمية لا الموضوعية.

قال: (الثاني) التعدي بملاك الاولوية العرفية: بمعنى ان العرف يرى ان المولى اذا كان يعتمد على خبر الواحد في ايصال الحكم الكلي او نفيه مع ما يترتب على ذلك من وقائع كثيرة من الامتثال و العصيان فهو يعتمد عليه في ايصال الموضوع ونفيه الذي لا يترتب عليه الا واقعة واحدة من وقائع الامتثال او العصيان. وهذه الاولوية العرفية تجعل دلالة التزامية عرفية في دليل الحجية، يثبت بها حجية الخبر في الموضوعات، ولا يخلو هذا البيان من وجاهة.

اقول: لا وجاهة فيه، فان الدلالة الالتزامية انماهي دلالة المعنى المطابقي

على المعنى الالتزامي، لادلالة اللفظ على المعنى الالتزامي،لعدم دلالة للفظ الا على نفس معناه، وهو المعنى المطابقي، ولا يعقل ازيد من ذلك كما قرر في محله. فلو اريد من الدلالة دلالة المعنى المطابقي وهو الحجية في الشبهة الحكمية على الحجية في الشبهة الموضوعية فلا يمكن دعوى ذلك الا مع القطع بالمناط، ولا ظن بالمناط فضلا عن القطع به. ولو اريد منها دلالة االلفظ عليها فاللفظ لا دلالة له الا على معناه. نعم لو كان القيد في الكلام بحيث لا يراه العرف دخيلا في

٣٠٨

الموضوع ويفهم المعنى الجامع بين المقيد وفاقد القيد من اللفظ يكون هذا من دلالة اللفظ، ونسميه بالغاء الخصوصية كالغاء الخصوصية عن ثوب زرارة في قوله(اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه)(١) ومن الظاهر ان قيد الشبهة الحكمية ليس من هذا القبيل بحيث لا يفهم العرف من دليل الحجية فيها القيدية. كل ذلك مع الالتزام بالتعبد فيه، والافلا موضوع لالغاء الخصوصية. بل لابد من الاخذ بالقدر المتيقن وهو الحجية في الشبهات الحكمية.

قال: الجهة الثانية في دعوى ان دليل حجية الخبر في الشبهة الحكمية له اطلاق في نفسه للشبهة الموضوعية ايضا. وتحقيق هذه الدعوى باستعراض المهم من ادلة تلك الحجية، ليرى مدى الاطلاق فيها للشبهة الموضوعية. ومهم تلك الادلة امور: احدها: السيرة العقلائية: ولا اشكال في شمولها للشبهة الموضوعية، وانما الكلام في دعوى الردع عن اطلاقها لهذه الشبهة لاحدى روايتين.

____________________

(١) الوسائل:ج٢، من ابواب النجاسات، حديث٢.

٣٠٩

اقول: بل لعله لا اشكال في عدم شمولها له فان ما توهم من امثلة ذلك كلها في موارد احتمال الضرر الذي ينجزه نفس الاحتمال بلا حاجة الى الخبر، اترى انه لو احتمل السم في طعامه فاخبره الثقة بعدم السم فيه ولكن بعد يحتمل السم؟ أفهل يرى العقلاء هذا الخبر حجة بحيث لايذم لوشرب وصادف السم؟ نعم العقلاء يحتجون في مطلوبات الموالي من العبيد بخبر الثقة، ولذا نلتزم بالحجية العقلائية في الشبهات الحكيمة وفي مثله كفتوى الفقيه من جهة بناء العقلاء، واما في الموضوعات فلا بد من دق باب الشرع فيها لعدم احراز بناء العقلاء على العمل بالخبر فيها، بل لعل عدم البناء محرز.

قال: الرواية الاولى: خبر مسعدة بن صدقة المتقدم، حيث حصر الاثبات بالعلم والبينة فيدل على عدم حجية خبر الواحد بتقريب التمسك باطلاق المغيى في قوله(والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة)

اقول: ليس للمغيى وحدها ولا للغاية وحدها اطلاق يؤخذبه، بل الاطلاق الذي يمكن الاخذ به انما هو بعدتمام الكلام بتمام لواحقه. مضافا الى ان المورد مورد التمسك بالعموم لا الاطلاق، فكانه قال: (كل شيء حلال حتى تقوم بحرمته البينة) فما لم تقم عليها البينة يبقى تحت عموم الحلية.

قال: والجواب عن دعوى الرادعية المذكورة عن السيرة بهذا الخبر يمكن بوجوه: (الاول) ان الرواية ضعيفة السند، فهي لا توجب ثبوت الردع. فان قيل: ان احتمال صدقها يوجب على الاقل احتمال الردع، وهو

كاف لاسقاط السيرة عن الحجية لتوقف حجيتها على الجزم بالامضاء الموقوف على الجزم بعدم الردع. قلنا: ان عدم الردع قبل الامام الصادقعليه‌السلام في صدر الاسلام محرز لعدم نقل ما يدل على الردع، ويكشف ذلك عن الامضاء حدوثا. فاذا اوجب خبر مسعدة عن الصادقعليه‌السلام الشك في نسخ ذلك الامضاء الثابت في اول الشريعة جرى استصحابه.

اقول: من اين احرزتم ذلك؟ ومجرد عدم نقل ما يدل على الردع لا يوجب الاحراز حتى يتم اركان الاستصحاب.مضافا الى ان الامضاء المستفاد من عدم الردع لا يوجب كون الحجية من الاحكام الشرعية بل عقلائي على الفرض لم يردع عنه الشارع فيمكن الاحتجاج به حينئذ عقلا، وعلى ذلك لو كانت الحجية مجرى الاستصحاب فهذه ليست بحكم شرعي ولا موضوع له، ولو كان المستصحب غيرها كالامضاء ونحوه، فمضافا الى الاشكال المذكور يكون الاستصحاب مثبتا،

٣١٠

هذا ويظهر مما ذكرهرحمه‌الله انه سلم الردع مع قطع النظر عن هذا الاستصحاب. والصحيح ان مجرد احتمال الردع لا يوجب سقوط السيرة عن الحجية لو فرض وجودها، والا لم يمكن التمسك باي سيرة عقلائية، فان باب الاحتمال واسع. الا ترى انهم يستدلون بالسيرة العقلائية في باب المعاطاة وفي باب رجوع الجاهل الى العالم مع انه يحتمل ردع الشارع عنها و الوجه في ذلك بتقريبين:

١ـ التمسك بنفس السيرة، أي ان السيرة قائمة على العمل بالخبر او المعاطاة او رجوع الجاهل الى العالم حتى مع احتمال ردع الشارع عنها وهي حجة الا اذا ثبت الردع، والا فالكلام بعينه.

٢ـ السيرة بنفسها حجة مع عدم الردع وردع الشارع حجة توجب هدم

حجية السيرة، فمع قيام السيرة على شيء واحتمال الردع قامت الحجة عليه، ولم نحرز قيام حجة هادمة لحجيتها، ولايجوز عقلا رفع اليد عن الحجة بمجرد احتمال قيام الحجة الهادمة. وبعبارة اخرى ليس عدم الردع دخيلا في الحجية؛ بل الردع هادم للحجية، فرفع اليد عن السيرة بمجرد احتمال الردع رفع لليد عن الحجة بغير الحجة، وهو احتمال الهدم.

قال: (الثاني) ان الرواية حتى لو صح سندها لاتكفي لاثبات الردع، لان مستوى الردع يجب ان يتناسب مع درجة قوة السيرة وترسّخها، ومثل هذه السيرة على العمل بخبر الثقة لو كان الشارع قاصدا ردعها ومقاومتها لصدرت بيانات عديدة من اجل ذلك كما صدر بالنسبه الى القياس، لشدة ترسخ السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة وتركزها، ولما اكتفى باطلاق خبر من هذا القبيل.

أقول: هذا صحيح الا انه مع تسليم قيام السيرة على العمل بالخبر في الشبهة الموضوعية والا فتبقى رواية مسعدة على حجيتها، فلو دل دليل لفظي من الشرع على حجية الخبر في الموضوعات يقع التعارض بين هذه الروايات ورواية مسعدة، فلابد من الجمع الدلالي او العلاج، والا فلا بدّ من العمل بالرواية.

قال: (الثالث) ان تحمل البينة في الخبر على المعنى اللغوي أي مطلق الكاشف فلا تكون الرواية رادعة، بل يكون دليل حجية الخبر محققا مصداقا للبينة، وهذا بعيد.

إلى ان قال: (الرابع) ان الغاية في خبر مسعدة مشتملة على عنواني «الاستبانة» المساوقة للعلم، «والبينة». ودليل حجية الخبر – وهو

السيرة – يجعل خبر الواحد علما بالتعبد، فيكون مصداقا للغاية، ومعه لايعقل الردع عنه باطلاق المغيى.

٣١١

ويرد عليه (أولا) ان هذه الحكومة سنخ ما يدعى في الاصول من حكومة دليل حجية الخبر على الايات الناهية عن العمل بالظن لاقتضائه كون الخبر علما. وقد اجبنا هناك بأن مفاد الايات هو النهي عن العمل بالظن ارشادا الى عدم حجيته، فاذا كانت الحجية بمعنى جعل الامارة علما فمفاد الايات نفسه هو نفي العلمية التعبدية عن الظن، فيكون في عرض دليل الحجية، ولايعقل حكومة هذا الدليل عليه. ونفس هذا الكلام يأتي في المقام لان مفاد خبر مسعدة هو حصر الحجة بالعلم والبينة ونفي حجية ماعداها.

أقول: هذا لو كان موضوع دليل الحجية الظن لاالخبر فان مفاد دليل نفي اعتبار الظن بناء على ما افاده –رحمه‌الله – ان الظن ليس بعلم تعبدا. فلو دل دليل على ان الظن علم تعبدا يقع التعارض بينهما لامحالة، الا ان الدليل قد دل على ان الخبر علم تعبدا، وهذا حاكم على دليل عدم اعتبار الظن، فان الخبر ليس بظن لدليل اعتبار الخبر، فلا ينطبق عليه دليل ان الظن ليس بعلم تعبدا حتى تقع المعارضة بين الدليلين، هذا.

ولو سلم التعارض فالنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق فان دليل اعتبار الخبر ناظر الى مورد لم يحصل منه العلم، والا فاعتباره غير قابل للجعل، والنتيجة نتيجة الحكومة. والتحقيق عدم دلالة دليل الحجية على العلمية التعبدية. وما ذكر من العلم التعبدي او تنزيل النفس منزلة العالم أو أن الشارع في عالم التشريع قد أوجد فردا من العلم كلها مجرد تعابير لا واقع لها لعدم ورودها في

شيء من الأدلة، بل مفاد الأدلة نفس الاعتبار بلا لحاظ شيء اخر من العلمية او غيرها، مع ان جعل العلم غير معقول كما حقق في الاصول، فالنتيجة عدم الحكومة، فلو دل الدليل على اعتبار الخبر في الشبهات الموضوعية يكون مخصصا لرواية مسعدة او معارضا لها على ما يأتي. كما ان دليل اعتبار الخبر في الشبهات الحكمية مخصص لدليل عدم اعتبار الظن.

قال: (وثانيا) ان الحكومة انما تتم عرفا لو لم تقم قرينة في دليل المحكوم على ان العلم لوحظ بما هو علم وجداني خاصة كما في المقام، فان العلم جعل في مقابل البينة التي هي علم تعبدي، وهذه المقابلة بنفسها قرينة عرفا على ان المولى لاحظ في العلم خصوص الفرد الوجداني بنحو يأبى عن التوسعة بالحكومة.

٣١٢

أقول: ما افاده –رحمه‌الله – استظهار صحيح من الرواية فالمقابلة بين الأمرين والحصر بهما يدلان على حصر الاعتبار بالعلم الوجداني والبينة. وعلى هذا لو دل خبر على حجية الخبر في الموضوعات لايكون مخصصا للرواية بل يعامل معهما معاملة التعارض بنحو التباين، فان الحكومة

مدفوعة بما ذكرنا أو باستظهار العلم الوجداني من الاستبانة بقرينة المقابلة، والتخصيص مناف لخصوصية البينة في الحصر، فلابد من اعمال قواعد التعارض بين المتباينين.

قال: الرواية الثانية: رواية عبد الله بن سليمان الواردة في الجبن «كل شيء لك حلال، حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة(١)

____________________

(١) الوسائل: ج١٧، باب ٦١ من ابواب الأطعمة المباحة حديث٢.

٣١٣

وجملة من المناقشات في رادعية خبر مسعدة عن السيرة لا تأتي في المقام، الا انها تختص بمناقشة اخرى وهي ورودها في مورد مخصوص مع ان الرواية ضعيفة السند.

إلى ان قال: ثانيها: سيرة أصحاب الائمة على الرجوع الى الروايات والاعتماد عليها في مقام التعرف على الحكم الشرعي، وقد اثبتنا في الاصول ثبوت هذه السيرة على العمل بالأخبار في مقام الاستنباط، واما انعقادها على العمل بالخبر في الموضوعات على الاطلاق فلا دليل عليه.

ثم قال: ثالثها: الكتاب الكريم – الى ان قال:– وانما الجدير بالبحث علاج المعارضة بين اطلاق مفهوم اية النبأ(١) واطلاق خبر مسعدة بن صدقة، فان كان احدهما أخص من الاخر قدم الأخص، وان كان بينهما عموم من وجه سقط اطلاق الخبر لدخوله في عنوان الخبر المخالف للكتاب.

أقول: الظاهر عدم دخول مثل ذلك تحت هذا العنوان حتى في باب التعارض بين الروايات فضلا عن غير مورد التعارض بينهما، كما بنينا عليه في الاصول، وبملاحظة مامر يظهر ان النسبة – مع قطع النظر عن اطلاق الاية بالنسبة الى التعدد – هو التباين لا العموم من وجه ولا العموم المطلق، والوجه في ذلك ان خبر مسعدة دال على عدم اعتبار الخبر الواحد في الموضوعات لدلالة خصوصية البينة في الحصر، فلو كان خبر الواحد حجة لكان ذكر البينة لغوا. والاية تدل على اعتبار خبر العادل في الموضوعات من جهة تيقن شمولها لموردها، فتقع المعارضة بينهما بنحو التباين، الا ان اطلاق الاية من جهة الوحدة والتعدد يوجب خصوصية الخبر فتخصص الاية به.

____________________

(١) الحجرات: ٦.

٣١٤

بيان ذلك: ان الخبر دال على عدم اعتبار الخبر في الموضوعات، والا لم تصل النوبة الى البينة. واما الاية فبناء على مفهوم الوصف فيها تدل على تعليق الحكم بوصف الفسق بلا فرق بين التعدد وعدمه، ولذا يجب التبين مع مجيء فاسقين او اكثر بالنبأ مالم يحصل العلم بمنطوق الاية الشريفة. وهذا يدل على الانتفاء عند الانتفاء بلا فرق بين التعدد وعدمه. فان المفهوم ظل المنطوق. فالمتحصل عدم وجوب التبين عند انتفاء صفة الفسق عن المخبر، وهذا مطلق من جهة تعدد المخبر وعدمه، فيقيد بخبر مسعدة الدال على عدم الاعتبار مالم يتعدد.

وبناء على مفهوم الشرط في الاية تدل على ان النبأ لو ان الجائي به الفاسق يجب التبين، ولو لم يكن الجائي به الفاسق لايجب التبين، ومن جهة استلزم وجود النبأ وعدم مجيء الفاسق به لكون الجائي به العادل يظهر اعتبار خبر العادل، لكن هذا ايضا مطلق من جهة تعدد المخبر وعدمه لعدم تقييد المنطوق بالوحدة، والا لكان خبر الفاسقين أو أكثر معتبرا بمفهوم الاية، فتقييد الاية بالخبر بلا محذور.

ومما ذكرنا ظهر ان ما ذكره –رحمه‌الله – من ان النسبة بناء على ملاحظة اطلاق الاية من جهة تعدد المخبر هو العموم من وجه غفلة عن دقيقة وهي ان دلالة الخبر على عدم اعتبار خبر الواحد ليست من جهة اطلاقه بالنسبة الى عدم اعتبار البينة حتى يقال كما قال –رحمه‌الله – خبر مسعدة يقول لا حجة في الشبهة الموضوعية غير البينه سواء كان خبر الواحد أو لا. بل دلالته من جهة دلالته على حصر الاعتبار بالبينة، فلو كان خبر الواحد حجة لكان جعل الاعتبار للبينة لغوا ظاهرا، وان شئت قلت: ان خبر مسعدة نص في عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات، والاية ظاهرة من جهة الاطلاق فتقيد الاية بنص الخبر.

قال: رابعها: الأخبار المستدل بها على حجية خبر الواحد في الشبهة

الحكمية مثل رواية «العمري وابنه ثقتان فما أدّيا فعني يؤديان» فان التفريع في الرواية يجعلها مشتلمة على حكم وتعليل، فكانه قيل ما أديا فعني يؤديان لانهما ثقتان، وهذا تعليل بالصغرى مع حذف الكبرى، وتقدير حجية خبر الثقة في الاحكام مبرى في القياس وان كان يكفي، ولكن حيث ان كبرى حجية خبر الثقة بنحو اوسع مركوزة فينصرف ملك الفراغ اليها حفظا لمناسبات الصغرى والكبرى المركوزة في الذهن العرفي. ومعه يتم الاستدلال على المطلوب.

٣١٥

أقول: مع فرض كون الكبرى حجية خبر الثقة مركوزة فأي معنى للتمسك براوية «العمري وابنه ثقتان الخ»؟ وتتميم الاستدلال بضم هذه الكبرى اليها فان الكبرى المركوزة بنفسها حجة مالم يدل دليل شرعي على خلافها.

والصحيح كون الرواية ارشادا الى الكبرى المركوزة فلا يمكن التمسك بها لاثبات التعبد بالخبر بل لابد من ملاحظة حدود هذه الكبرى، وقد تقدم ان ما هو المرتكز عند العقلاء هو الاحتجاج على مطلوبات الموالي من العبيد بخبر الثقة، والرواية ارشادا الى هذا المعنى لاغير. هذا مضافا الى انه لو سلم تمامية دلالة مثل هذه الرواية على اعتبار خبر الواحد نقيدها بالشبهات الحكمية بقرينة خبر مسعدة الخاصة بالشبهات الموضوعية.

بقي الكلام في الروايات الخاصة، وقد جمعها –رحمه‌الله – وذكر وجه عدم دلالة جميعها الا الروايتين الأخيرتين، وهما رواية هشام بن سالم(١) الدالة على ان الوكاله ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه او يشافهه بالعزل عن الوكالة. ورواية اسحاق بن عمار(٢) الدالة على ان الامامعليه‌السلام بعدما

____________________

(١) الوسائل: ج١٣، باب ٢ من كتاب الوكالة، ح١.

(٢) الوسائل: ج١٣، باب ٩٧ من كتاب الوصية، ح١.

٣١٦

قال السائل انه أخبره مسلم صادق بأن الموصي قد اوصى بالتصدق بعشرة دنانير، قال: أرى أن تصدق منها بعشرة دنانير.

وقال –رحمه‌الله –: وهكذا يظهر ان احسن روايات الباب الروايتان الأخيرتان.

أقول: اما الرواية الأخيرة فيحتمل انه كان الخبر بالوصية محفوفا بالقرينة القطعية وهو اخبار المخبر بالدنانير او غيره، ووجه السؤال عن الامام انه هل يعمل بالوصية الاولى او الثانية؟.

واما الرواية الاولى فاحتمال خصوصية المورد فيها يمنعنا عن التعدي ولا دافع لهذا الاحتمال، ولاسيما بملاحظة كون الحكم على خلاف القاعدة، اذا لا دليل على اعتبار خبر الواحد في الشبهات الموضوعية، بل الدليل على خلافه، وهو رواية مسعدة بن صدقة الدالة علىعدم اعتبار غير البينة فيها، بل أصالة عدم الحجية كافية في ذلك بعد مامر من عدم تمامية السيرة والأدلة، ومما يدل على عدم حجية خبر الواحد في الشبهات الموضوعية عدة من الروايات الواردة في الموارد الخاصة بعد الغاء خصوصية المورد. وقد ذكر –رحمه‌الله – رواية الحسن بن زياد والحلبي وابن أبي نصر، وعدم التزام الاصحاب بانتهاء عدة الوفاة الدالة عليه الاولتان لايضر بما نحن بصدده، وهو عدم اعتبار غير البينة في ذلك.

ونذكر رواية لم يتعرض لها وهي رواية يونس(١) «سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها: ألك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها ثم ان رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، مايلزم الزوج؟ قال: هي امرأته الا ان يقيم البينة وظاهر هذه الرواية ان الزوج لايعتني بقول المدعي الا أن

____________________

(١) الوسائل: ج١٤، باب ٢٣ من ابواب عقد النكاح واولياء العقد، ح٣.

٣١٧

يقيم البينة عنده، وليس فيها اقامة البينة عند الحاكم حتى يقال عدم اعتبار غير البينة في مقام فصل الخصومة عند الحاكم لايدل على عدم اعتباره في غير هذا المقام.

قال: وقد تلخص من مجموع ماذكرناه ان خبر الثقة حجة في الشبهات الموضوعية، الا في مورد دل الدليل فيه على عدم الحجية.

أقول: وقد تحصل مما ذكرناه عدم حجية خبر الثقة فيها بل الحجة فيها هي البينة، الا اذا دل الدليل على خلافها.

والحمد الله رب العالمين

٣١٨

رسالة في علاج الخبرين المتعارضين والجمع بين أخبار العلاج

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطاهرين والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، واللعن الدائم على أعداء ال محمد أجمعين الى يوم الدين.

الكلام في الخبرين المتعارضين والجمع بين الأخبار العلاجية. أقول – ومن الله الاستعانة –:

تأسيس الأصل في المسألة: هل القاعدة في المتعارضين التساقط او التخيير؟ قد يقال في وجه التساقط:

١ – بناء على الحق المحقق في حجية الامارات من انها طريق مجعول الى الواقع ولا موضوعية لها ولا سببية، لابد من الالتزام بالتساقط في مورد المعارضة فان جعل طريقين متعارضين غير معقول وجعلها لواحد منهما دون الاخر بلا دليل.

٢ – لاتشمل اطلاقات أدلة الحجية لشيء من المتعارضين، فان شمولها للمتعارضين لايمكن لفرض التعارض وشمولها للواحد المعين منهما بلا معين، وشمولها للواحد المردد لا دليل عليه مع ان الواح المردد لا معنى له، وشمولها للجامع بينهما خلاف ظاهر الدليل وقول بلا دليل فلا تشمل الأدلة للمورد.

ويرد على الأول: ١ – ليس معنى حجية الامارة جعل الطريقية لها، فان

الطريقية ليست من الامور المجعولة بل هي تكوينية محضة وجعلها نظير جعل البرودة والحرارة، فما قيل من ان الامارة علم تعبدي مجرد عبارة، فان التعبد بالعلم من قبيل التعبد بالبرودة والحرارة تعبد في الامور التكوينية. لا أقول بعدم امكان التعبد بذلك، فان معناه ليس الا التنزيل، وهذا بمكان من الامكان، لكن الاشكال في انه هل هذا الاعتبار عقلائي او لا؟ ولو فرض انه عقلائي فلا دليل على ان المجعول في الامارات العلم والطريقية ونحو ذلك، فأي دليل دل على ان الخبر مثلا علم او طريق؟ أو أي دليل دل على ان المجعول تنزيل النفس منزلة العالم او تنزيل المؤدي منزلة الواقع؟ او غير ذلك مما افادوا من التعبيرات. كل هذه تصورات وتخيلات وليس في دليل واحد عين منها ولا أثر. بل معنى الحجية في الامارة انها معتبرة عند معتبرها، أي يستند اليها ويحتج بها، فالخبر اذا كان حجة يحتج به فيكون منجزا للواقع عند الاصابة وموجبا للعذر عند المخالفة، وهذا المعنى من الحجية عقلائي وشرعي فيمكن ان يكون شيء حجة عقلائية أي يكون موجبا

٣١٩

للاحتجاج به عندهم مع ردع الشارع عنه نظير القياس، ويمكن العكس كالخبر على القول بالتعبد فيه. وعلى هذا فلا مانع من جعل الحجية بهذا النحو للخبرين المتعارضين، بأن يكون كل منهما موجبا للاحتجاج به عند الاصابة والخطأ، الا في مورد عدم امكان الامتثال وهو دوران الامر بين النفي والاثبات وبين المحذورين.

بيان ذلك: ذكروا ان التعارض أصلي وعرفي. فالأول هو الدوران بين النفي والاثبات، نظير ما اذا دل دليل على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ودليل اخر على عدمه. والثاني غير ذلك مع العلم بالمخالفة في احد منهما، نظير ما اذا دل دليل على وجوب الظهر ودليل اخر على وجوب الجمعة، وجعل الحجية بهذا المعنى غير ممكن في الأول، بأن يجعل الدليل الدال على وجوب الدعاء موجبا للتنجز عند الاصابة، وان كان الدليل الدال على نفي الوجوب

أيضا حجة، فان معنى حجيته انه موجب للعذر ولو كان خطأ، وان كان الاول مصيبا والتنجز والعذر في مورد واحد لايجتمعان.

واما الثاني فلا مانع من جعل الحجية بهذا المعنى للخبر الدال على وجوب الجمعة والخبرالدال على وجوب الظهر معا وان علم عدم وجوب الجمعة والظهر معا. فان معنى حجيتهما ان الواقع منجز لو كان واحد من الدليلين مصادفا له، والمكلف معذور في ترك الواقع لو كان الواقع على خلاف كلا الدليلين. وهذا امر معقول لا محذور فيه بوجه ولا يتوهم ان العلم الاجمالي كاف في ذلك، فان العلم بنفي التكليف لا الاثبات، فتدبر.

نعم لو دلت الامارتين على النفي وتعليق العلم الاجمالي بالاثبات فلا تجري الامارتان، لان العذر والعلم بالتكليف لايجتمعان، فتأمل.

٢ – لو سلمنا ان الطريقية أمر جعلي الا ان ما ذكر من عدم امكان جعلها في مورد التعارض خلط بين الاحكام القانونية والشخصية، وان الشارع لم يجعل الخبر من المتعارضين طريقا الى الواقع حتى يقال انه غير معقول، بل جعل الخبر طريقا ومورد التعارض مورد التطبيق لا الجعل، وتطبيق الدليل على المورد مع الاشكال العقلي يتقيد بمقدار المحذور وبالاشكال، لا ان يرفع اليد عن اصله، ويظهر من جواب الوجه الثاني ان شاء الله كل ذلك مع القول بقيام دليل شرعي مطلق على حجية الامارة، والا فلو قلنا بعدم الدليل الشرعي او قلنا بانه ارشاد الى بناء العقلاء ولا اطلاق له فالعقلاءلايرون شيئا من المتعارضين حجة ولا يعتبرون شيئا منهما.

والمتحصل من جميع ذلك ان الامارات العقلائية تسقط في مورد التعارض لعدم بناء العقلاء فيه

٣٢٠