البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر0%

البحث في رسالات عشر مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 367

  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30415 / تحميل: 4280
الحجم الحجم الحجم
البحث في رسالات عشر

البحث في رسالات عشر

مؤلف:
العربية

بالحمل على الواجب التخييري، مع ان مورد الاولى اتمام الامام الركعتين، ومورد الثانية ان المأموم يمكنه الوصول الى سجدة الامام فلا معارضة لاختلاف موردهما، والصحيح ما ذكرنا من ان هذه الروايات لو لم تدل على لزوم الاتيان بالتكبير بعد ذلك لاتدل على تقديمه فلا تعارض الموثقة الدالة على جواز الاقتداء، ولو كبر لايقعد حتى يقوم.

قوله «قده»: ولا تصح مع حائل بين الامام والمأموم يمنع المشاهدة.

اقول: صار بناؤهم على تحقيق الاصل في المسألة قبل ملاحظة الرواية الواردة في الباب، وحيث ان تحقيق ذلك نافع جدا في هذه المسألة وكثير من مسائل صلاة الجماعة فنحن ايضا نقتفي اثرهم ونقول: قد يقال انه لا اطلاق في ادلة تشريع الجماعة في مقام البيان حتى نتمسك به في الموارد المشكوكة، والامر كذلك، فان الادلة المرغبة لصلاة الجماعة كلها واردة في طول التشريع وبيان تواب الجماعة، وما ورد في مقام التشريع كصحيحة زرارة والفضيل لا اطلاق لها بالنسبة الى حالات الصلاة بل ناظرة الى عموم انواع الصلوات، فليس لنا اطلاق في الادلة. ولكن هذا انما يصير مانعا من التمسك بالاطلاق اللفظي في هذه الروايات، واما الاطلاق المقامي الذي لا يتوقف على وجود لفظ اصلا فلا بأس بجريانه في المقام.

بيان ذلك: ان المجعولات الشرعية كالصلاة المركبة من الاجزاء المقيدة بقيود لايمكن معرفتها الا ببيان الشارع، وحيث انا نعلم بأن الشارع المقدس في مقام بيان احكامه وتشريعاته ولو ببيانات منفصلة بعضها عن بعض فلو فحصنا عن وجود جزء ما او قيد ما لماهية مخترعة ولم نظفر عليه يمكننا جريان اصالة الاطلاق في مقام الاثبات، ونستكشف منه الاطلاق في مقام الثبوت بعين جريان اصالة الاطلاق في الاطلاقات اللفظية.

وبعبارة اخرى: ان مقدمات جري الاصل في الاطلاقات اللفظية كلها موجودة في الاطلاق المقامي فانه بعد ما علم من الشارع انه في مقام بيان تشريعاته ومنها الاجزاء والشرائط التي اعتبرها في الصلاة مثلا فلو فحصنا عن مظان بيانها ولم نظفر عليه نقول بان الاجزاء والشرائط الكذائية معتبرة في الصلاة لوجود البيان فيها، والجزء او الشرط المشكوك لم يبين في دليل وحيث ان الشارع في مقام بيان جميع تشريعاته، فلو كان ذلك المشكوك معتبرا في الواجب لبينها وحيث ليس فليس، وهذا هو ما عبر عنه في الكلمات بانه لو كان لبان، او عدم الدليل دليل العدم، ولا يخفى انه ليس دليلا مفيدا للقطع بعدم دخالة المشكوك في الواجب الا في بعض الموارد وهي موارد عموم البلوى لكنه حجة عقلائية بعين ملاك حجية الاطلاقات اللفظية ونسميه بالاطلاق المقامي، ففي

٢١

ما نحن فيه حيث انا نعلم بان القيود المعتبرة في الجماعة تشريعها بيد الشارع وانه في مقام بيان جميع تشريعاته، فلو فحصنا عدم اعتبار ذلك فيها، فانه لو كان لبين بلا فرق بين ما تم به البلوى من القيود وغيره.

ومن هنا ظهر ان تفصيل بعض المشايخ -قدس‌سره - بين ما تعم به البلوى وغيره لايتم، ولايتم ايضا تفصيله بين قيد لم يبين في دليل قطعا وبين قيد يحتمل بيانه في دليل معلوم ولم نتمكن استظهاره منه كاعتبار عدم الحائل المستفاد من صحيحة زرارة، بناء على انه يستظهر منها اعتباره في الجملة، واما مطلقا فلا يمكن استظهاره منها ولكن يحتمل ان الشارع بين الاعتبار مطلقا بهذه الصحيحة، وبعبارة اخرى بتقريب منا فرق بين الاطلاق اللفظي والمقامي من هذه الجهة وهي انه يتمسك بالاطلاق اللفظي حتى يعلم البيان ولا يتمسك بالاطلاق المقامي الا اذا علم عدم البيان.

ولكن لايخفى وجه عدم تمامية ذلك فانه كما نعلم بان الشارع في مقام

بيان جميع تشريعاته نعلم بأنه لا يبين ذلك ببيان مجمل ولا يحتمل ان الشارع المقدس الذي يريد ما شرعه يكتفي في بيانه بالمجملات بل المجمل ليس ببيان، فلا فرق بين الاطلاقين من هذه الجهة لا يرفع اليد عن الاطلاق لفظيا او مقاميا الا اذا بين التقييد ببيان ظاهر. وان شئت قلت: ان الاطلاق حجة ما لم يكن حجة على التقييد بلا فرق بين اللفظي والمقامي.

فتحصل من ذلك انه وان لا يمكن التمسك بإطلاق لفظي في صلاة الجماعة لرفع الشك في اعتبار قيد ما فيها الا ان الاطلاق المقامي رافع للشك ومثبت لعدم اعتباره فيها، فعلى هذا لاتصل النوبة الى الاصول العملية لان الاطلاق ولو مقاميا من الادلة الاجتهادية الرافعة لشك فهو حاكم على جميع الاصول العملية، ولكن حيث ان الاصحاب ذكروا الاصول العملية وتمسكوا بها في المقام نتعرض لها ايضا، ونقول:

قد يقال : ان الاصل عدم مشروعية الجماعة في مورد الشك وقد بينا سابقا ما يكون وجها صحيحا لهذا الاصل في صلاة الطواف جماعة، ورد بان اصالة عدم اعتبار المشكوك حاكمة على ذلك.

واجاب بعض السادة -قدس‌سره - عن هذا الرد بأن اصالة عدم الشرطية لا تثبت انعقاد الجماعة الا مثبتا، فان القدوة والجماعة محصل من الفعل الخارجي الواجد لجميع الشرائط نظير ما يقال في مورد الشك في اعتبار شيء في الوضوء على القول بأن الشرط في الصلاة الطهارة المسببة عن الوضوء بجميع شرائطه. وقال صاحب الجواهر -قدس‌سره -: ان اصالة عدم الشرطية معارضة لاصالة عدم تحقق القدوة.

٢٢

وشيء من الجوابين لايتم، فانه على القول بان الجماعة امر عرفي والشارع انما يضيف اليها جزء او شرطا لا ان حقيقتها امر مخترع شرعي فالمفروض ان الجماعة العرفية حاصلة والشك انما هو في اعتبار الشارع امرا زائدا على ما يعتبره العرف فيها، فاصالة عدم تحقق الجماعة لا اصل لها حتى تعارض اصالة عدم الشرطية، ولا تكن من الاثار العقلية لاُصالة عدم الشرطية حتى تكون مثبتا، واما على القول بان الجماعة حقيقة شرعية فكون الشك حينئذ من الشك في المحصل لا محصل له، مع ان المحصل الشرعي وظيفة بيانه على الشارع، فمع عدم البيان تجري البراءة في ما شك في اعتباره في المحصل على ما هو التحقيق في المسألة، فلا فرق في جريان اصالة عدم الشرطية بين كون الشك في المحصل وبين غيره، ولايخفى انا لا نريد من اصالة عدم الشرطية الاستصحاب لعدم جريانه، فان المجعول اما مشروط من الاول او غير مشروط من الاول، بل المراد منها اصالة البراءة عقلا - على القول به - وشرعا.

واما اصالة عدم انعقاد الجماعة، فلو كان المراد منها الاستصحاب لا يجري لان عدم الجماعة بعد الاقتداء انما هو في الموضوع الموجود، والاشكال الوارد على الاستصحاب في الاعدام الازلية وارد هنا ايضا وهو عدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة. ولو كان المراد منها قاعدة الاشتغال فقد مر ان المورد مجرى اصالة البراءة ولو كان من قبيل الشك في المحصل.

وقد أجاب بعض المشايخ -قدس‌سره - عن الرد المذكور بأن أصالة عدم الشرطية اصل عملي ولامجال لجريانها مع وجود دليل اجتهادي في البين، وهنا دليل اجتهادي أي «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب»(١) وهو مثبت للشرطية بالدلالة الالتزامية. وتقريب ذلك ان هذا العموم قد خصص بالجماعة الواقعية، ومع الشك في الشرطية نشك في تحقق الجماعة والشبهة مفهومية، والمرجع فيها العموم فلابد من قراءة المأموم الفاتحة في صلاته، وهذا معنى عدم

____________________

(١) الوسائل: ج٤، باب ١ من ابواب القراءة في الصلاة، حديث١.

٢٣

ترتيب اثار الجماعة الا مع احراز جميع الشرائط المتيقنة والمشكوكة، ثم قال: انه يمكن ان يقال بان في صلاة الجماعة عهدة القراءة على الامام فليس تخصيص في العام المذكور، فان في الجماعة ايضا فاتحة الكتاب، غاية الامر الامام يأتي بها فلا يكون هنا عام مخصص بتخصيص مجمل بالشبهة المفهومية حتى يرجع اليه، فلا مانع من جريان اصالة عدم الشرطية وفصل حينئذ بين البراءة الشرعية والعقلية، فراجع كلامه اعلى الله مقامه.وما افاده اخيرا من عدم التخصيص متين جدا فان ادلة ضمان الامام القراءة حاكمة على عموم «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» بالحكومة التفسيرية لا انها مخصصة لها، فعليه تجري اصالة البراءة بلا مانع، مضافا الى انه على هذا المبنى الشك في صحة الجماعة مستلزم للشك في واجدية الصلاة للقراءة وهذا من الشبهة المصداقية لا المفهومية، واما التفصيل بين البراءة الشرعية والعقلية على القول بها قد مر عدم تماميته، فان اللازم على المكلف تحصيل الحجة والمؤمن، وتكفي في ذلك البراءة العقلية كما تكفي فيه البراءة الشرعية.

هذا - مع انا لو بنينا على التخصيص - فقد مر ان الشبهة في المخصص ترتفع بالاطلاق المقامي، ومع التنزل فلو قلنا بان الجماعة حقيقة عرفية اضاف اليها الشارع امورا اعتبارها في مطلوبه فلا شبهة في مفهوم الجماعة فنتمسك باطلاق دليل المخصص حتى يدل على اعتبار ذلك الامر دليل، الا ان يقال بأن القرينة العقلية قائمة على ان المخصص الجماعة الصحيحة وعليه تتعلق الشبهة بالمفهوم، كما اذا قلنا بأن الجماعة حقيقة مخترعة شرعية، وحينئذ لابد من التمسك بالعموم حتى يثبت التخصيص.ويرد عليه انه ولو قلنا بالتخصيص بالصحيح لكن المخصص واقع الصحيح لامفهومه فذات الجماعة المنطبق عليه مفهوم الصحيح خارجة عن الدليل، وحينئذ يمكن احراز المخصص بالاصل بلا محذور، هذا.وهنا اشكال اخر غير مبني على الالتزام بالتخصيص وهو ان اشتغال المأموم بالقراءة مسلم غاية الامر قراءة الامام مسقطة له، فاذا شك في تحقق الجماعة قاعدة الاشتغال تقتضي الاتيان بالقراءة وهكذا الكلام في الركن الزائد المغتفر في الجماعة، واصالة البراءة عن وجوب المتابعة ايضا جارية، فالاصول الجارية في خصوصيات المقام كلها موافقة لكون الصلاة فرادى، وقد مر هذا الاشكال في مسألة الجماعة في صلاة الطواف وقلنا في دفعه بان اصالة عدم الشرطية في الجزء المشكوك او القيد المشكوك حاكمة على جميع هذه الاصول لانها جارية في موضوعها بلا فرق بين ما اذا قلنا بان الجماعة امر عرفي او قلنا بانها امر شرعي، اما على الاول فالمفروض تحقق الجماعة

والقيد المشكوك مندفع بالاصل فيحرز موضوع دليل السقوط، واما على الثاني فلأن شرعية الجماعة لاتنافي اجراء الاصول في ورد الشك بلا فرق بين كون الشك في المحصل او المحصل، فاذا

٢٤

قال الشارع بأن المام ضامن للقراءة في الجماعة - والمفروض ان عدة بيان الجماعة على الشارع - فاذا جرى الاصل في قيد ما فيها واحرز سائر قيودها المعتبرة تترتب على ذلك اثار الاجماعة والا لزامت المؤاخذة بلا بيان.والحاصل: ان الاصول الجارية في المسقط الموبجة للاكتفاء به كافية للحكم بالسقوط وحاكمة على اصالة عدم السقوط. وكيف كان يكفينا الاطلاق المقامي مع انه لا تخصيص في المقام، ومع قطع النظر عن الاطلاق المقامي اصالة البراءة شرعا وعقلا - على القول بها - بلا مانع، هذا بيان الاصل في المسألة.واما اصل المسألة فالأصل فيها صحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام : ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لايتخطى فليس ذلك الامام لهم بامام، واي صف كان اهله يصلون بصلاة الامام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم مالا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة(١) فان كان بينهم سترة او جدار فليس تلك لهم بصلاة الا من كان بحيال الباب، قالعليه‌السلام : وهذه المقاصير لم يكن في زمن احد من الناس وانما احدثها الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة - الحديث(٢) . والكلام فيها يقع من جهات:

الاولى: ان صاحب الوسائل ارتكب التقطيع في الرواية ولذا ذكر بدل جملة «فان كان بينهم ستر او جدار» «ان صلى قوم بينهم وبين الامام سترة او جدار» ولا يخفى ما في هذا التبديل من تغيير المعنى، والظاهر ان هذا التغيير من جهة التقطيع والا فليس في نسخ التهذيب الا الجملة الاولى. الثانية: هل المراد من «لايتخطى» ما يكون مانعا عن التخطي والاستطراق كالجدار ونحوه؟ او المراد منه مالايمكن جعله خطوة من جهة المسافة او الاعم منهما؟ والظاهر هو الثاني للتبادر من هذه الجملة في المورد وقرينية كلمة «قدر» في الجلمة الثانية على ذلك، هذا. وما يقال من ان الاول خلاف الظاهر والثالث موجب لاستعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد أي المشي والبعد لايتم، لان الثالث لايستلزم ذلك لوجود الجامع وهو عدم امكان التخصي. الثالثة: انه وان حكي عن بعض نسخ الوافي «و» بدل «ف» في (فان كان بينهم) الا ان المذكور في الوسائل وسائر مظان الراوية هو «ف» وهذا يناسب التفريع، ولذا ذكر سيدنا الاستاذ في الحاشية: انما المعتبر في الجماعة عدم الفصل بين الامام والمأموم بما لايتخطى من سترة او جدار ونحوهما وكذا الحال بين كل صف وسابقه. انتهى. فان كان مراده من «ما لايتخطى» ما

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٦٢ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٢.

(٢) الوسائل: باب ج٥، باب ٥٩ من ابواب صلاة الجماعة، حديث١.

٢٥

لايمكن الاستطراق منه فاللازم القول بمانعية الشباك المانع من ذلك مع انه لا يلتزم به. وقد مر ان هذا خلاف المتبادر من التعبير وخلاف قرينية «قدر» في الجملة الثانية، وان كان مراده من ذلك ما يكون بعده ازيد من الخطوة فاللازم منه عدم مانعية الستر والجدار اذا لم يكونا كذلك، والظاهر انه خلاف الاجماع، ولا اظن انه ايضا يلتم به، ومن هذا ظهر ان التفريع غير مناسب في الرواية، وكثيرا ما يؤتى بـ«ف» ولا يراد منها التفريع، ولا بأس بالالتزام بان هذه القسمة من الرواية في مقام بيان مانع اخر مستقل في المانعية غير المانع المذكور في القسمة الاولى كما استفاده الفقهاء من الراوية، وسنذكر امكان ردهما الى مانع واحد وتناسب التفريع.

الرابعة: لا اشكال في عدم خصوصية السترة والجدار في الرواية وانهما من مصاديق المانع، فهل المانع المنطبق عليهما الحائل او الساتر؟ فما يظهر من المتن وعبارات كثير من الاصحاب الثاني، فانهم قالوا في بيان الشرط: ان لا يكون بين الامام والمأموم حائل يمنع المشاهدة وكذا بين بعض المأمومين مع الاخر.. الخ.

لكن ذكر بعض السادة -قدس‌سره - في المقام ان اطلاق لفظ الجدار الشامل للجدار المخرم وقرينة المناسبة بين الحكم والموضوع يساعدان الاول، فان الظاه رمن الرواية كون المانع هو انفصال المصلين بعضهم عن بعض بنحولا يكونون مجتمعين في الصلاة.

اقول: ما يمكن تأييد ما ذكر -قدس‌سره - من التفريع المذكور في الرواية، فان تفريع مانعية الحائل وان لا يناسب على مانعية البعد الا انه لو قلنا بأن مانعية البعد والحائل من جهة أمر واحد وهو انفصال المصلين بعضهم عن بعض يكون التفريع في محله، فكأن الرواية صدرا وذيلا في مقام بيان شرط واحد لصلاة الجماعة وهو اتصال المصلين بعضهم ببعض بنحو لا يكون بينهم بعد ازيد من خطوة ولا حائل، ولو قلنا بأن المانع الساتر لا الحائل لايتم ذلك ولايرتبط

الصدر بالذيل لان المشاهدة لا يناسب الاتصال كما لايخفى، فعلى ذلك التحفظ على ظهور «ف» في التفريع يقتضي القول بان المانع المنطبق على الستر والجدار هو مطلق الحائل بلا فرق بين كونه مانعا عن المشاهدة اولا، فالحائل الزجاجي او الشباك اذا كان ضيق الثقب مانع عن صحة الجماعة.

الخامسة: هل يستفاد من الاستثناء «الا من كان بحيال الباب» ما افيد من ان الظاهر منها ان الجدار والحائل بين الصفين مبطل لصلاة اهل الصف المتأخر اجمع، الا من كان بحيال الباب، ومقتضى ذلك عدم صحة صلاة من يصلي الى جانبي المأمومين المصلين بحيال الباب، ونسب

٢٦

ذلك الى الفريد البهبهاني ناسبا له الى النص وكلام الاصحاب، او للايستفاد ذلك بتقريب ان مناسبة الحكم والموضوع قرينة على ارادة ا قدح الحائل الموجب لانفصال المأمومين عن الامام او انفصال بعضهم عن بعض والصحيح في مقام اعتبار الاتصال بالامام ولو بواسطة؟.

اقول: لو قلنا بان المستفاد من جملة «فان كان بينهم الخ» اعتبار شرط غير مترتب على الشرط السابق وهو عدم اعتبار عدم البعد بل انما هي في مقام اعتبار امر جديد وهو عدم الحائل المانع من المشاهدة فالظاهر من الرواية عدم كفاية الاتصال فقط بل لابد من وجود الاتصال مع المشاهدة، فعلى هذا ما ادعي من ان ظاهر الاستثناء عدم صحة صلاة من يصلي الى جانبي المأمومين المشاهدين ان لم يشاهد المتقدم هو الصحيح على تأمل فيه، فان اعتبار المشاهدة اذا كان بمعنى مشاهدة المتقدم يلزم بطلان صلاة من كان في جانب الامام، واذا كان بمعنى مشاهدة الامام يلزم بطلان من صلى في الصفوف الاخيرة بحيث لايرى الامام من جهة كثرة الصفوف، ولو كان بمعنى مشاهدة من يتصل بسببه الى الامام يلزم كفاية مشاهدة المأموم من في جانبه المشاهد للامام او الصف المتقدم، وحيث لاوجه للأولين يتعين الثالث الا ان يقال ان

المانع وجود حائل مانع لمشاهدة الصف المتقدم او الامام، فلا يزلم شيء من الايرادين ويتم المدعى لامكان الاخذ بظهور الرواية حينئذ، وكيف كان فقد مر ان ظاهر الرواية ولو بقرينة التفريع ان هنا ليس الا شرطا واحدا والبعد والحائل منافيان لذلك الشرط وهو الاتصال. وما قيل من ان مناسبة الحكم والموضوع قرينة على ذلك مجرد تعبير والا فنفس الرواية ظاهرة فيه كما مر، فالراوية في مقام بيان ان البعد خل بالاتصال والحائل ايضا مخل به وليست في مقام بيان اعتبار المشاهدة ابدا، فعلى هذا يستفاد من المستثنى منه ان الحائل بين الصفين مانع للاتصال الا من كان بحيال الباب، والاستثناء انقطاعي في مقام تأكيد المستثنى.

فالمتحصل من الرواية حينئذ انه لو كان بين المأموم ومن يتصل بسببه الى الامام حائل لا صلاة له بل لابد من مراعاة عدم وجود الحائل حتى يتم الاتصال، ومما يوُكد ذلك ان في الرواية فرض وجود البعد او الحائل بين الامام والصف المتأخر عنه وبين الصفين ولم تتعرض لوجودهما حينئذ بين اهالي صف واحد او بين الامام والمأوم المصلي في جانب الامام، مع ان البعد والحائل مبطلان للجماعة في هذين الفرضين ايضا اذا لم يكن المأموم متصلا بالامام في الفرض الاول من جهة اخرى غير ذلك، والسر فيه ان اعتبار الاتصال مفروض في الرواية وانما هي في مقام بيان ان البعد والحائل مخلان بالاتصال المعتبر، وما ذكر فيها من باب المثال لا الحصر، ولو كانت الرواية في مقام بيان اعتبار عدم وجود حائل مانع عن مشاهدة المتفدم يلزم منها صحة صلاة من كان بينه وبين

٢٧

المأوم المتصل به حائل ولكن يشاهد الصف المتقدم ولا اظن احدا يلتزم بذلك.

وبالجملة لعل التأمل في خصوصيات الرواية وما يتفرع عليها يورث القطع بان الراوية اجنبية عن اعتبار المشاهدة والمحصل منها ما ذكرنا، ومما يؤكد ذلك

ايضا صحة الجماعة استدارة حول الكعبة وصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللهعليه‌السلام : لا ارى بالصفوف بين الاساطين بأسا(١) . فان الاساطين بين الصفوف قد تكون مانعا عن مشاهدة المتقدم، بل الصحيحة ناظرة الى نفي البأس من هذه الجهة، هذا ولو شككنا في ذلك ولم نطمئن على وجود ظهور في الرواية، فالاصل المتقدم كاف في التصحيح والحمد لله، مع انه نسب الى الاشهر بل المشهور الحكم بالصحة بل قيل انه لا خلاف فيه، نعم نسب الخلاف الى الفريد البهبهاني -قدس‌سره - وقد تقدم ذكره، وقال المحقق الهمداني -قدس‌سره -: انه لم يظهر في المسالة مخالف الى زمان المحقق المذكور، فالحكم بصحة صلاةالمتصل بالمصلي حيال الباب قوي جدا.

السادسة: لا مانع من وجود الحائل بين الرجل والمرأة اذا كان الامام رجلا لموثقة عمار(٢) الدالة على ذلك، وذكر الطريق في الراوية لا تدل على عدم مانعية البعد ايضا، فان الطريق في الحديث محمول على الطريق المعهود وهو طريق الدار، مضافا الى دلالة ذيل صحيحة زرارة المتقدمة على عدم استثناء البعد اذا كان المأموم امرأة.

السابعة: لو صلى مع وجود الحائل جماعة، فاذا كان ذلك عمدا وعلما فان اخل بوظيفة المنفرد - كما هو الغالب من ترك القراءة او غير ذلك - تبطل جماعته وصلاته، ولو كان ذلك سهوا او نسيانا او جهلا فبطلان جماعته لا اشكال فيه، كما ان الظاهر عدم الخلاف فيه ايضا لاطلاق مانعية الحائل عن الجماعة، واما اصل صلاته منفردا فيمكن تصحيحها بقاعدة «لاتعاد»(٣) اذا لم يخل بها بزيادة ركن والا فتبطل صلاته منفردا أيضا، وما في الرواية من نفي

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٥٩ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٢.

(٢) الوسائل: ج٥، باب ٦٠ من ابواب صلاة الجماعة، حديث١.

(٣) الوسائل: ج١، باب ٣ من ابواب الوضوء، حديث٨.

٢٨

الصلاة مع الحائل محمول على نفيها جماعة او محكوم بـ«لاتعاد» كسائر ادلة الشرائط والموانع. نعم اذا كان جاهلا بالحكم وكان جهله تقصيريا فالظاهر بطلان صلاته حتى منفردا اذا أخل بوظيفة المنفرد كتركه القراءة لعدم امكان تصحيح الصلاة بـ«لاتعاد» في مورد الجهل التقصيري، والتحقيق في محله.

الثامنة: اطلاق الشرط في الرواية أي «فلان كان بينهم سترة او جدار فليس تلك لهم بصلاة» يقتضي عدم الفرق بين كون الحائل في مجموع الصلاة او في بعضها فتبطل الجماعة من حين حدوث الحائل، فتوهم ان المانع وجود الحائل في مجموع الصلاة بدليل ان ليس تلك لهم بصلاة تدل على مفروضية الصلاة مع الحائل فاسد كما لايخفى.

التاسعة: اذا احتمل فساد صلاة الصف المتقدم فيجوز الاقتداء لا لما ذكره المحقق الهمداني من ان الاتصال الظاهري محفوظ، وبعد كشف الخلاف ينكشف بطلان جماعته لا اصل صلاته بل لان صلاة الواسطة صحيحة باصالة الصحة، فالاتصال بواسطة من يصلي صحيحا موجود وليس له كشف الخلاف فتصح جماعته حتى بعد كشف بطلان صلاتهم.

العاشرة: الحائل اذا كان قصيرا بحيث يكون حائلا في بعض احوال الصلاة كحال الجلوس او السجود ففيه اشكال لايترك معه الاحتياط، بل لا تخلو المانعية عن قوة لاطلاق الدليل.

الحادية عشرة: قيل الصف المتقدم اذا لم يدخلوا في الصلاة ولكن كانوا متهيئين لها لايقدح حيلولتهم فيجوز الاقتداء. ولكن يشكل ذلك في مثل الصلاة المعهودة من توالي الافتتاح في صلاة المأمومين، نعم اذا كانت الصلوات موافقة للنص الوارد في صلاة الجماعة من انه اذا قال الامام الله اكبر فيقول المأمومون الله اكبر دفعة عرفية يمكن القول بمجرد التهيؤ حينئذ لاستظهار ذلك من النص، ولكن في امثال صلواتنا اعتبار توالي الافتتاح لايخلو عن وجه.

الثانية عشرة: لا بأس الحائل غير المستقر لعدم صدق الحائل عليه عرفا، وان شئت قلت لانصراف النص عن مثله، ومن ذلك تمامية صلاة الصف المتقدم اذا قاموا بعد الاتمام بلا فصل ودخلوا مع الامام في صلاة اخرى بحيث يكون الفصل قليلا ولا يصدق عليه الحيلولة عرفا وكان النص منصرفا عن مثله فتصح صلاة من يتصل بواسطتهم.

قوله «قده»: ولا تنعقد والامام اعلى من المأمومين بما يعتد به كالابنية على تردد.

اقول: يستدل على ذلك بعدة امور، (منها) صحيحة زرارة المتقدمة بدعوى ان المراد من الموصول في قوله «مالايتخطى» مطلق البعد ولو من جهة العلو. وفيه: ان ظاهر الرواية اعتبار ذلك في الارض المبسوطة. (ومنها) موثقة عمار المتقدمة في اقتداء النساء خلف الدار بعد

٢٩

تخصيصها في صورة التساوي. (ومنها) موثقة اخرى له قال: سألته عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع اسفل من موضعه الذي يصلي فيه، فقال: ان كان الامام على شبه الدكان او على موضع ارفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، فان كان ارفع منهم بقدر اصبع او اكثر او اقل اذا كان الارتفاع ببطف مسيل (في الكافي وبعض نسخ التهذيب) بقطع مسيل (في بعض اخر من نسخ التهذيب) بقدر يسير (محكي عن نسخة) بقدر شبر (محكي عن نسخة اخرى) فان كان ارضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الامام في الموضع المرتفع وقام من خلفه اسفل منه والارض مبسوطة الا انهم في موضع منحدر فلا بأس - الخبر(١) . والكلام في ذلك من جهات:

الاولى: دلالة هذه الموثقة على اصل الاعتبار في الجملة غير قابلة للمناقشة

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٦٣ من ابواب صلاة الجماعة، حديث١.

٣٠

لصراحتها في ان الامام اذا كان على شبه الدكان او على موضع ارفع من المأمومين لم تجز صلاتهم، فما توهم من ان تهافت المتن موجب لعدم التعويل عليها حتى من هذه الجهة لايرجع الى محصل.

الثانية. احتمال كون «وان كان» وصلية مدفوع بان الارتفاع بقدر الاصبع او اكثر منه بيسير او اقل لايضر بصحة الجماعة بلا اشكال ولا خلاف، واحتمال كونها شرطية والجزء محذوف وهو «لابأس» مثلا مدوفع بان مثل ذلك لايعد كلاما صحيحا عرفا فتعين كونها شرطية والجزاء الشرطية الثانية الى اخر الجملة، فالنتيجة ان ما قبل «وان كان» حكم الارض المبسوطة التي لا انحدار فيها وما بعدها حكم الاراضي المنحدرة، ومن هذا نستنتج ان حد العلو لم يعين في الموثقة بالنسبة الى الارض المسطحة فلابد من ايكال ذلك الى العرف، فان فهم مداليل الفاظ الروايات موكول اليهم، فلو صدق عندهم ان الامام على موضع ارفع من موضعهم تبطل الجماعة والا فلا.

الثالثة: ان الحكم في الاراضي المنحدرة المستفادة من الشرطية ايضا كذلك فان اجمال الشرط فيها موجب لعدم امكان القول بالغاء اعتبار عدم العلو في هذه الاراضي وان لم يمكن القول بحد ما فيها، فالقول بالاعتبار وايكال حده الى العرف مثل سائر الاراضي موافق للاعتبار، نعم هنا احتمال وهو ان اعتبار عدم العلو انما هو بين الامام ومجموع المأمومين لا احادهم لقوله «وهم في موضع اسفل من موضعه»، وفي الاراضي المنحدرة لو كان الارتفاع بسبب انحدار الارض شيئا فشيئا قد لايصدق ذلك، وان صدق الارتفاع بالنسبة الى الاحاد فلا باس بالجماعة فيها وان كان الانحدار فاحشا، ومع ذلك فالاحتياط في محله، هذا.

وما قيل بان الحد هو الشبر مبني علىثبوت نسخة الشبر ولم يثبت. وقد ظهر مما مر حكم مالوكان الانحدار في الارض شبيها بالتسنيم ولا نطيل.

قوله «قده»: ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزا.

اقول: وجهه بعد الاصل والجماع عدة من الروايات منها: ذيل موثقة عمار السابقة قال: وسئل فان قام الامام اسفل من موضع من يصلي خلفه. قال: لا بأس، وقال: ان كان رجلا فوق بيت او غير ذلك دكانا كان او غيره وكان الامام يصلي على الارض اسفل منه جاز للرجل ان يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وان كان ارفع منه بشيء كثير. وذيلها يدل على صحة الجماعة، وان كان المأموم في موضع ارفع من الامام بشيء كثير فلا يحد ذلك بمثل الدكان والبيت ونحوهما، نعم لابد من صدق الاتصال عرفا بحيث يصدق الائتمام على ذلك، والا فلا تصح الجماعة.

٣١

قوله «قده»: ولايجوز تباعد المأموم عن الامام بما يكون كثيرا في العادة.

اقول: اما اصل الاعتبار فمما لا اشكال فيه وقد ادعي عليه الاجماع ايضا من الخاصة، مضافا الى ان عدم التباعد في الجملة دخيل في مفهوم الاجتماع المطلوب في صلاة الجماعة كما ورد في بعض النصوص(١) ، بل لا يبعد دخله في مفهوم نفس الجماع، وكيف كان فالاعتبار في الجملة لايحتاج الى البحث والاطالة.

واما حد البعد فقد يقال بانه قدر ما لايتخطى بقرينة صحيحة زرارة المتقدمة في بحث الحائل، واشكال على ذلك بلزوم الحمل على الاستحباب

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ١و٢ من ابواب صلاة الجماعة.

٣٢

بقرينة ذيل الصحيحة، واجاب المحقق الهمداني -قدس‌سره - عن هذا الاشكال بالنقض والحل، اما النقض: فان اللازم الالتزام بالوجوب بقرينة اعتبار عدم الحائل لزوما، فان وحدة السياق كما يمكن ان تجعل الذيل قرينة لحمل الصدر على الاستحباب كذلك يمكن ان تجعل حكم الحائل قرينة على الوجوب. واما الحائل: فان الذيل لا يدل على الاستحباب فان «ينبغي» غير متعلقة بـ«لايكون» بل هذه الجملة مستقلة يستفاد منها اللزوم، هذا. ولكن الانصاف ان ظهور الذيل في الاستحباب غير قابل للانكار كما ان ظهور الصدر في الوجوب كذلك. ومن غريب الامر الالتزام بارادة الوجوب من الذيل والاستحباب من الصدر فلاحظ الرواية يظهر وجه الغرابة بلا تأمل.

وقال ايضا: بان المقطوع به خلاف ما في الصدر، فان ظاهر الصدر اعتبار عدم التخطي بين الموقفين، وهذا ليس بواجب قطعا فيحمل على الاستحباب، ولكن ظهور الصدر في الوجوب قوي وحمله على الاستحباب بعيد، فان حمل «ليس لهم بامام» على نفي الكمال حمل لايقبله العرف، والجمع العرفي هو الجمع المقبول والقول بالاجمال اولى من هذا الحمل.

فنقول: انه كما يحتمل ان تكون الرواية في مقام اعتبار الحد بين الموقفين كذلك يحتمل ان تكون في مقام اعتبار الحد بين مسجد المأموم وموقف الامام ولا دليل على الاول ان لم نقل بأن الظاهر هو الثاني ولاسيما بقرينة الذيل، ومع احتمال الامرين الرواية تنفي الجماعة فيما اذا كان البعد بين الموقف والمسجد بهذا المقدار واما الاقل فالمانعية مدفوعة بالاصل، وعلى ذلك لا مجال للحمل على الاستحباب ولو لم نقل بأنه بعيد كما قلنا، فدلالة الرواية على اعتبار عدم البعد بين مسجد المأموم وموقف الامام تامة.

بقي الكلام في الموثقة التي توهم معارضتها للصحيحة، وقد تقدمت الموثقة في جواز اقتداء النساء من داخل الدار وان كان بينهن وبين غيرهن جدار او

طريق الذي يبعد ان لايكون بقدر مالا يتخطى حتى بين المسجد والموقف.

وقال المحقق الهمداني -قدس‌سره -: ان ظهور الموثقة في جواز البعد اقوى من ظهور الصحيحة في الوجوب فتحمل على الاستحباب، وفيه: مع ان الحمل على الاستحباب بعيد عن الفهم العرفي كما مر، وان الموثقة لااطلاق لها من جهة البعد لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، ان الاقوائية ليست مناطا في الجمع العرفي بين الروايات بل العرف حينئذ يرى المعارضة بين الصحيحة والموثقة، فان المستفاد من الصحيحة حكم وضعي وهو اعتبار عدم البعد بذلك المقدار في الجماعة، والمستفاد من الموثقة عدم الاعتبار وبينهما معارضة، فلابد من العلاج، والصحيحة ترجع

٣٣

على الموثقة من جهة السند اولا ومن جهة موافقة الموثقة للعامة ثانيا، فالأقوى هو الاعتبار بالحد المذكور، ومما يدل على الحكم والتفصيل بين الحد الاستحبابي والوجوبي صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على ان اقل الحد مربض غنم واكثره مربض فرس(١) .

فروع

الأول: لا فرق بين كون التباعد من اول الصلاة او حصوله في اثنائها ويحكم ببطلان الجماعة في الموردين فالشرط شرط ابتداء واستدامة، وذلك لاطلاق الأدلة. نعم على القول بحمل الصحيحة على الاستحباب وعدم كون التباعد بمقدار يخل بصدق مفهوم الجماعة والاجتماع يشكل الامر في فرض الحصول في الاثناء، فان الدليل على الاعتبار على هذا المبنى ليس الا الاجماع والقدر المتيقن منه فرض كون التباعد في جميع الصلاة، الا ان يتمسك باطلاق معقد الاجماع ولا يتم ذلك بحسب الكبرى وان قلنا بتماميته بحسب الصغرى.

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٦٢ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٣

٣٤

الثاني. لو عرض البعد في اثناء الصلاة وتدارك المأموم بلحوقه بالصف من دون تراخ او عاد من انتهت صلاته الى الجماعة بلا فصل فالظاهر بقاء القدوة لانصراف الدليل عن الشمول لهذه الصورة، ومع التنزل عن ذلك والقول ببطلان القدوة يمكن القول بجواز اللحوق بالصف وتجديد نية الجماعة في المقام وان لم نقل بالعدول عن الانفراد بالائتمام في غيره، وذلك لما دل(١) على انه لو عرض للامام مانع عن اتمام الصلاة يجوز للمأموم تحصيل الجماعة اذا فقدها في الاثناء.

الثالث. قد مرفي مسألة الحائل حكم تكبير المأموم في الصف المتأخر عن الصف الأول عند اتصال الصفوف وتهيئتهم للصلاة قبل ان يكبر الصف الاول وانه هل يكون الصف الاول من الحائل اول؟ والكلام هو الكلام من جهة البعد ايضا فلا يحتاج الى الاعادة.

الرابع. اذا شك في صحة صلاة الصف المتقدم فلا يضر فصلهم لاصالة الصحة والسيرة القطعية.

الخامس: تكفي صحة صلاة الصف المتقدم بحسب تقليدهم في جواز اقتداء الصف المتأخر، وذلك للحكم بالاجزاء في صلاتهم من جهة التقليد وقاعدة «لاتعاد»، فصلاة الصف المتقدم صحيح يترتب عليها اثار الصحة، نعم لو كانت صلاة الصف المتقدم باطالة عند اهل الصف المـتأخر لعدم قولهم بالاجزاء في صلواتهم حتى من جهة قاعدة «لاتعاد» فلا يجوز لهم الاقتداء لوجود الفصل بنظرهم.

السادس: لايضر الفصل بالصبي المميز مالم يعلم بطلان صلاته، لمشروعية عباداته بل مطلقا لانصراف ادلة الفصل عن ذلك، وهذا ظاهر

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٧٢ من ابواب صلاة الجماعة

٣٥

قوله «قده»: ويكره ان يقرأ المأموم خلف الامام الا اذا كانت الصلاة جهرية ثم لايسمع ولا همهمته.

اقول: المهم هو الجمع بين روايات الباب، فهنا صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال ابو جعفرعليه‌السلام : كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: من قرأ خلف امام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة(١) . وهذه الرواية تدل على حرمة القراءة خلف الامام بدلالة واضحة، ولايرد عليها ما يرد على الأخبار الناهية من ان النهي عقيب توهم الوجوب وهو لايدل على ازيد من السقوط او ان النهي انما يكون غيريا للانصات المأمور به، لان الرواية ليست بلسان النهي وظاهرها دخل القراءة في موضوع الحرمة بنحو الموضوعية لا الطريقية، فدلالة الرواية كسندها تامة واطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الصلوات الجهرية والاخفاتية ويقتضي ايضا عدم الفرق بين الركعتين الاولتين والأخيرتين، وان ابيت وقلت بالانصراف الى الاولتين تتم الاستدلال بالنسبة الى الأخيرتين بذيل صحيحة زرارة،: فالأخيرتان تبعان للاولتين(٢) ، ومورد الصحيحة وان كان خاصا وهو الصلوات الجهرية الا ان المستفاد من التفريع المذكور الكبروية.

فقد تحصل ان ما هو بمنزلة الاصل في المقام حرمة القراءة واثبات الجواز يحتاج الى دليل.

فنقول: يكفينا في اثبات الجواز في الصلوات الاخفاتية رواية ابن سنان عن ابي عبد اللهعليه‌السلام : اذا كنت خلف الامام في صلاة لايجهر فيها بالقراءة

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٤.

(٢) الوسائل: ج٥، باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٣

٣٦

حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القران فلا تقرأ خلفه في الاولتين وقال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين – الخبر(١) . ودلالة الرواية على الجواز من جهة ان «يجزيك التسبيح في الأخيرتين» تدل على جواز التسبيح فيجوز تركه والاتيان ببدله وهو القراءة، وحيث ان الاخيرتين تبعان للاولتين لصحيحة زرارة المتقدمة نستكشف الجواز في الاولتين ايضا، فنحمل النهي في «فلا تقرأ» على الكراهة.

لا يقال: ظاهر رواية ابن سنان حرمة القراءة في الاولتين والجواز في الاخيرين وظاهر صحيحة زرارة عموم تبعية الأخيرتين للاولتين فلماذا جعل العموم قرينة على حمل النهي عن القراءة في الاولتين على الكراهة؟ بل لابد من تخصيص العموم بذلك فتختص التبعية بالصلوات الجهرية التي تكون مورد الصحيحة ايضا. لأنا نقول مورد صحيحة زرارة وان كانت هي الصلوات الجهرية الا ان حمل ما بعد التفريع «فالأخيرتان تبعان للاولتين» على خصوص المورد مستلزم للتكرار بلا وجه، بل التكرار بلسان الكبرى الموجب للالقاء المخاطب في خلاف الواقع.

ولايتوهم ان في جميع العمومات المخصصة بدليل منفصل يلزم هذا الاشكال، فان في تلك الموارد الجمع بين العموم والخصوص بحمل العام على الخاص يكون بمقتضى طبيعة جعل القانون فيجعل القانون بنحو العموم اولا، ثم يبين تخصيصات ذلك، ولا ينطبق هذا الوجه على ما نحن فيه، فان جعل قانون يقتضي عموم التبعية وتطبيقه على المورد أي الصلوات الجهرية وتخصيص هذا العموم بعد ذلك بما يقتضي عدم شمول العموم لغير المورد أي الصلوات الجهرية يعد من اللغو الواضح، فعموم التبعية المستفاد من الصحيحة غير قابل للتخصيص بخصوص الصلوات الجهرية، ودلالة «يجزيك» على الجواز كالنص.

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٩.

٣٧

في ذلك فلم يبق الا النهي عن القراءة في الاولتين وهذا قابل للحمل على الكراهة، ولابد من هذا الحمل، فان اقتضاء النهي للحرمة انما هو من جهة مقدمات الحكمة ومنها عدم البيان، وعموم التبعية بيان. ولايتوهم ان استفادة عموم التبعية ايضا من جهة مقدمات الحكمة لما ذكرنا من ان العموم المستفاد من الرواية غير قابل للتخصيص بموردها للزوم ما ذكرنا، فان العرف يرى لسان «الأخيرتان تبعان للاولتين» قرينة على حمل النهي على الكراهة لا العكس، ويكفينا في الجمع بين الروايات كونه مقبولا عند العرف.

بقي الكلام في سند الرواية، والمذكور في التهذيب (ابن سنان عن ابي عبد اللهعليه‌السلام ) وفي الوسائل الطبعة القديمة اضيف الى ابن سنان (يعني عبد الله). وفي الطبعة الجديدة اضيف الى ذلك (الحسن باسناده) فصار ابن سنان يعني عبد الله الحسن باسناده الى ابي عبد الله، ومن المعلوم ان الطبعة الجديدة غلط، ورواية الوسائل هي المذكور في الطبعة القديمة (ابن سنان يعني عبد الله عن ابي عبد الله) لكن عبارة (يعني عبد الله) من صاحب الوسائل وليست في التهذيب هذه العبارة، فيبقى السؤال اولا عن انه لماذا تصرف صاحب الوسائل في الرواية باجتهاد نفسه؟ وثانيا بأنه هل هذا التفسير صحيح اولا؟ وعهدة الجواب عن السؤال الاول عن صاحب الوسائل –قدس‌سره –.

واما الجواب عن السؤال الثاني: ففي جامع الرواة (في التهذيب في باب تلقين المحتضرين عنه، عن محمد بن سنان وبكير، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في باب القضاء والديات محمد بن عيسى، عن ابن سنان، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في باب تلقين المحتضرين من ابواب الزيادات. اقول: الظاهر ان روايته في هذين الموضعين عن ابي عبد الله مرسلة لبعد زمانهما والله اعلم) انتهى موضع الحاجة.

اقول: تاريخ وفاة محمد بن سنان عام ٢٢٠ على ما في جامع الرواة نقلا عن ابن الغضائري تواريخ قبض ابي عبد اللهعليه‌السلام عام ١٤٨ على ما في نفس المهموم وغيره، والفرق ٧٢ سنة، وعلى هذا ممكن درك محمد بن سنان زمان الصادقعليه‌السلام وروايته عنه فلا موجب لحمل الروايتين على الارسال، كما انه لايكون وجها لما ذكره صاحب الوسائل في المقام من التفسير، فان الراوي عن ابن سنان في الرواية صفوان، وهذا يروي عن عبد الله ومحمد، والمروي عنه وهو الامام الصادق عليه السالم ايضا يمكن روايتهما عنه على ما تقدم، فابن سنان في رواية التهذيب محتمل لشخصين عبد الله ومحمد، ولكن الصحيح ان ابن سنان عن ابي عبد الله منصرف الى عبد الله فانه من اصحاب ابي عبد اللهعليه‌السلام وكثير الرواية عنه، مع ان محمد ايضا ثقلة فلا اثر لهذا الترديد وقد وثقه

٣٨

الشيخ المفيد –قدس‌سره – ولايتم شيء مما قيل في ضعف روايته، مع ان رواياته معمول بها عند الاصحاب، فقد تحصل تمامية الاستدلال بهذه الرواية على جواز القراءة في الركعتين الأخيرتين بل الاولتين في الصلوات الاخفاتية، وبهذا نرفع اليد عن عموم التحريم المستفاد من صحيحة زيادة ومحمد بن مسلم بالنسبة الى الصلوات الاخفاتية.

وهنا روايات استدل بها المحقق الهمداني –قدس‌سره – وغيره بالنسبة الىالركعتين الاولتين من الاخفاتية وهي: رواية المرافقي والبصري عن جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وفي الرواية «وان احببت ان تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه»(١) وسند الرواية ضعيف، اللهم الا ان يدعى الانجبار كما ادعاه المحقق الهمداني –قدس‌سره – وقد عبر عن هذه الرواية بهذه العبارة: وما رواه الشيخ باسناده عن

____________________

(١) الوسائل: ج٥. باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة، حديث١٥.

٣٩

ابراهيم المرافقي وعمرو بن الربيع البصري. وهذا التعبير خلاف الاصطلاح بينهم، فان الرجلين هما الراوي المتصل بالمعصومعليه‌السلام والراوي الذي يروي الشيخ –قدس‌سره – عنه وله اسناد اليه احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، وكيف كان لايبعد تمامية الاستدلال بهذه الراوية لتمامية دلالتها وانجبار ضعف سندها.

وخبر سليمان بن خالد لقولهعليه‌السلام : لاينبغي له(١) الظاهر في الكراهة، ولايخفى مافي هذا الاستدلال، لعدم تمامية الظهور المدعى.

وصحيحة علي بن يقطين قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ بالحمد وهو امام يقتدى به؟ فقال: ان قرأت فلا بأس وان سكت فلا بأس(٢) . قال المحقق الهمداني –قدس‌سره – ان الاستدلال مبني على ما فهمه غير واحدمن ان المراد بها الاوليين من الاخفاتية، وفيه: ان الظاهر ان المراد بها الأخيرتين. انتهى.

اقول: الظاهر من الراوية تعيين وظيفة الامام ولا ارتباط لها بوظيفة المأموم فالرواية اجنبية عن بحثنا فليتدبر. وان لم نقل بان هذا هو الظاهر فلا اقل من انه محتمل فيسقط الاستدلال، ومن غريب ما صدر من المحقق الهمداني –قدس‌سره – في هذا المقام دعواه انه ليس بالبعيد ان يدعى ان وقوع هذا النوع من التهديدات (الواردة في صحيحة زرارة الحاكية لقول الأميرعليه‌السلام ) في عرف اهل البيتعليهم‌السلام من امارات الكراهة، فلاحظ الصحيحة وكلامه تتضح الغرابة.

ويدلنا على جواز القراءة في الصلوات الجهرية التي لم يسمع المأموم قراءة

____________________

(١) الوسائل: ج٥، باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة، حديث٨.

(٢) الوسائل: ج٥، باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة، حديث١٣.

٤٠