الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى0%

الاسلام يتحدى مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 190

الاسلام يتحدى

مؤلف: وحيد الدين خان
تصنيف:

الصفحات: 190
المشاهدات: 55694
تحميل: 5676

توضيحات:

الاسلام يتحدى
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 190 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55694 / تحميل: 5676
الحجم الحجم الحجم
الاسلام يتحدى

الاسلام يتحدى

مؤلف:
العربية

ان نظرية النشوء والارتقاء تستهدف اقرار فكرة التطور بصفة مستمرة بحيث تبلغ الحياة اوجها عند النهاية. وبناء على هذا: لابد من ان تحدث الاحوال السيئة في الماضي، لا في المستقبل. ويروق لهذه النظرية حياة الخلود في الجنة، ولكنها لا تقبل الخلود في نار الجحيم. ولذا، ادعى العلماء المسلمون، الذين قبلوا هذه النظرية، ان الجحيم ليست مكانا للعذاب، وانما هي مركز للتربية والتزكية. فالحياة تواصل مسيرتها في مواجهة الصعاب والمشكلات. والذين لم يستطيعوا مواصلة مسيرتهم بسبب عوائق الذنوب، سوف يمرون باحوال الجحيم الصعبة، حتى يواصلوا رحلتهم التطورية خلال الحياة القادمة. ومن هنا ترى هذه الطائفة ان قوانين الملكية مثلا في الاسلام، ليست الا (احكاما مؤقتة)، فان هذه القوانين لا تتفق ونظرية التطور الاجتماعي

ويمكن فهم نوعية الاعمال التي قام بها بعض علمائنا من المثالين المذكورين، فهي اعمال ناقصة، رغم الجهود التي بذلت في صوغها. ولا يدعي المؤلف ان محاولته تخلو من النقائص. ولكنه يقول: ان المحرك الحقيقي لمحاولته هو شعوره بان عملا من هذا القبيل كان لابد ان يكون.

***

ان الطريقة التي يتبعها الكتاب للدفاع عن الدين ذات وجهين: فكرية وتجريبية، وبعبارة اخرى: فلسفية وعلمية، ان صح التعبير. وقد راعى المؤلف الطريقة الثانية، وهي التجريبية او العلمية. والسبب في ذلك ان مكتبتنا تزخر بمجلدات ضخمة من الكتب التي وضعت على المنهج الاول، على حين يوجد نقص شديد في الكتب من المنهج الثاني.

وانني لاشعر بان المضمار الفسيح الذي هياته الدراسات العلمية الحديثة لا ثبات الدين، هو تصديق لما جاء في القرآن، في سورة النمل: ( وقل الحمد لله، سيريكم آياته فتعرفونها). وهذا الكتاب محاولة لاستغلال الامكانات الجديدة لصالح الدين بطريقة منظمة.

وهذا الكتاب ليس دراسة موضوعية، بل هو دراسة ذاتية، بناء على التقسيم الجديد للكتب. وهذا الواقع، كما يرى العقل الحديث، هو، من تلقاء نفسه، صوت ضد الكتاب! فكيف يمكن الاعتماد على دراسة ذاتية، قدمها عقل يستهدف اتجاها معينا؟ وجوابا على هذا الاعتراض، الذي قد يثار، انقل هنا عبارة للمستشرق النمسوي المسلم محمد اسد في مقدمة احد كتبه:

(ان هذا الكتاب لا يستهدف مسحا محايدا للمسائل بل هو عرض لقضية هي قضية الاسلام في مواجهة الحضارة الغربية)(١) .

___________________

(١) Islam at the Crossroads, p. ٦.

٢١

وعلى الرغم من الاحكام التي قدمها علم النفس حول امكان ان يكون المرء محايدا في ابحاثه، او لا، فانني اسلم نظريا بانه لا بد لكل مؤلف ان يبذل قصارى جهده، لكي يكون محايدا، من اجل الوصول الى نتيجة ما، وهذا هو ما يقصده كل كاتب امين. لكن هذا الكاتب نفسه، عندما يجلس الىمكتبه في الواقع لا نجده باحثا عن الحقيقة اثناء كتابته، بل يكون قد توصل الى احكام محددة المعالم. وهناك طريقة اخرى، هو ان يسرد المؤلف قصة بحثه بجميع مراحلها، غير ان اعتبار مثل هذا الكتاب محايدا لا يعدو ان يكون قناعا مزركشا تختبيء تحته اهداف المؤلف. فليس هناك من كاتب يبدأ دراسته عندما تبدا الكتابة، وانما هو يعرض نتائج بحثه في كتابه. فالكتاب انما يكون ذاتيا او موضوعيا، بالنظر الى طريقة ترتيبه للموضوعات، ولا علاقة لهذا الترتيب بحياد البحث او موضوعيته.

***

لقد وردت كلمة ( الدين) كثيرا في هذا الكتاب، وليس لاحد ان يغالط في هذا الموضوع. فان الكتاب يدور حول موضوع عام، ولذلك كان لاستعمال الكلمة العامة اهميته. اما ذهن المؤلف، فانه لا يقصد بالكلمة شيئا وهميا، وانما يعني ( الدين) المعتمد عند الله تعالى الآن وهو دين الاسلام. وانا حين اطالب مواطنا هنديا بمراعاة القانون، فليس معنى ذلك انه تكفيه مراعاة قانون ما، او أي جزء من دستور الهند، وانما عليه مراعاة ذلك القانون الذي يعتبر دستور البلاد الرسمي. وهكذا، فالمراد بالدين العملي اليوم هو الاسلام، مع انه من الممكن اطلاقه على أي شيء عرف في التاريخ بذلك الاسم، ولكن الدين الذي يجلب رضا الله تبارك وتعالى، والذي يكفل لمعتنقيه نجاة الآخرة، هو الاسلام لا غير.

***

لقد تعرضت لسؤال بعد محاضرة، القيتها في احدى الجامعات، ذات مرة، وكنت اشرت في محاضرتي الى مقال لفرويد، فوقف استاذ في علم النفس، اثناء فترة الاسئلة، وقال: ( لقد اشرتم الى مقال لفرويد، تاييدا لنظرية دينية، على حين يعارض ( فرويد) معارضة كاملة تلك النظرية التي تمثلونها). ومن الممكن اثارة هذا السؤال، حول هذا الكتاب، على نطاق اوسع. فهناك اقتباسات كثيرة وردت فيه، ومن الجائز الا يوافق اصحابها على النتائج التي توصلت اليها.وعلى سبيل المثال: الاقتباس الذي ورد في آخر الباب الخامس (دليل الآخرة). ولكن هذا الاعتراض غير ذي موضوع، لان المؤلف لا يدعي ان هذه الشخصيات تؤيد قضاياه. وبكلمة اخرى، لم يقل المؤلف: ان هذه القضية، او تلك، صادقة لان فلانا يصدقها او

٢٢

يؤيدها. وعلى العكس من ذلك، فان جميع هذه الاقتباسات قد استعملت توضيحا لدليل او قضية، فقد يعبر المؤلف عن قضية معينة بالفاظه تارة، وقد يستعير الفاظ الآخرين حتى يتبين الموضوع، تارة اخرى.

والاتجاهات التي تمثلها هذه الاقتباسات ليست بآراء ذاتية لاصحابها، وانما هي كشوف علمية، يمنحها الملحدون معاني مختلفة. اما نحن فقد جمعناها حين شعرنا انها في صالح الدين. واما الاقتباسات التي تؤيد الدين صراحة، فاكثرها لعلماء يدينون بالمسيحية، ولا عجب، فهم يشاركوننا في كثير من العقائد السماوية.

***

وواضح من عنوان الكتاب، انه يهدف الى اثبات احقية الدين امام الفكر المادي الجديد. وهذا الاثبات يتخذ لنفسه اسلوبين، اولهما: ان نستدلا بان الدين ليس ( ماديا)، بل فوق المادة، وبناء على ذلك ليس للعلوم المادية ان تعترض طريق الدين. وقد اصبح هذا الاستدلال في غاية القوة، حيث ان العلماء قد اعترفوا في هذا القرن: ( بان العلوم المادية لا تعطي الا علما جزئيا عن الحقائق). ومغزاه انه، بناء على اعتراف هذه العلوم نفسها، هناك حقائق اخرى، لا تستطيع العلوم المادية الوصول اليها، ومنها حقائق الدين. ويعتبر كتاب (ج.و.ن. سوليفان) خير محاولة في هذا الموضوع، وسوف نستعرضه في الباب السابع من هذا الكتاب.

واما الطريقة الاخرى لاثبات حقائق الدين، فهي اتباع نفس الطرق العلمية التي يتبعها العلماء الملحدون لاثبات معتقداتهم. وقد ركز المؤلف اهمية اكثر على هذا الجانب. فهو يرى انه لابد من اتباع نفس اساليب الاستدلا ل التي يستغلها الملحدون.، حتى يمكن اثبات حقية الدين.

***

وهناك ناحية اخرى لابد من توضيحها هي ان الاسلوب الذي سلكه الكتاب قد يكون غريبا على بعض الاذهان، من علماء الدين. واذا كان الامر كذلك، فاني اقول: انه لابد من مراعاة حقيقة، هي ان هذا الكتاب لا يستهدف تفسير الدين، بل هو وليد ضرورة كلامية، فالاسلوب الذي يسلك عند تفسير الدين امام اصحاب الفطر الدينية المؤمنة، غير الاسلوب الذي يستخدم عندما يكون الحاضرون ممن يزعمون ان الدين خدعة واضحوكة وتخدير للشعوب، فكلما اردنا مواجهة الاسئلة التي تثار ضد الدين، كان لا بد من تغيير لهجتنا ولغتنا، بتلك التي يستغلها الاعداء، حتى نستطيع ان نقف اما العواصف. وعلينا الا ننسى ان طريقة

٢٣

الكلام واسلوبه قد تغيرا بتغير الزمن، ولذلك علينا ان ناتي بعلم كلام جديد لمواجهة تحدي العصر الحديث.

***

وقبل ان اختم هذا الحديث ارى لزاما علي ان اعترف بجميل زميلين من الرفاق مهديا اليهما هذا الكتاب وهما من الشخصيات اللامعة التي عرفت بخدمة الاسلام في الربع الاخير من هذا القرن. وهما: مولانا ابو الاعلى المودودي، ومولانا السيد ابو الحسن علي الحسني الندوي. فالفضل يرجع الى الاستاذ المودودي في انه كان المحرك الذي حثني بطريقة غير مباشرة على ان اضحي بحياتي لخدمة الاسلام منذ خمسة عشر عاما، في ادق مرحلة من مراحل حياتي. واما الاستاذ الندوي فهو الذي حملني على القيام بهذا العمل، فجزاهما الله خير جزاء.

لكناؤ

وحيد الدين خان

في ٢٦اغسطس ١٩٦٤

٢٤

الباب الاول : قضية معارضي الدين

«تعتبر التطورات العلمية التي حدثت في االقرن الماضي (انفجارا معرفي) Knowledge Explosion في وجه جميع الاساطير الانسانية عن الآلهة والدين كما تفجرت الافكار القديمة عن المادة ونسفت بمجرد تفجير الذرة». هذة هي قضية العلم الحديث الموجهة إلى الدين كما يقول البروفيسور جوليان هكسلي(١) . وتعتبر الصفحات التالية ردا على هذا االتحدي، فلقد كشفت اضواء العلم الحديث عن حقائق الدين، ولم تنجح من اية ناحية في الاساءة اليه. بل ان جميع ما وصل او سيصل اليه العلم الحديث هو بمثابة تصديق لما اسماه الاسلام:«بالحقيقة الاخيرة» قبل اربعة عشر قرنا من الزمان:

«سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق»(٢) .

***

والدين، يزعم الملحدون من العلماء: شيء لا حقيقة له، وهو مظهر للغريزة الانسانية الباحثة عن حقائق الكون، والتي تحاول تفسيره.ان هذه الغريزة الانسانية في ذاتها شيء مستحسن، ولكن المعلومات والوسائل المحدودة قد انتهت باجدادنا إلى اجابات غير صحيحة، وهي التي تحتويها الآن افكارهم عن الاله والدين. اما اليوم، وبعد ما توفرت لدينا الوسائل العلمية، واصلحت المعلومات الحديثة شيئا كثيرا من معتقداتنا الاجتماعية والحضارية، فقد حان الوقت لنعيد النظر في جميع ما وصل اليه اجدادنا من افكار.

***

ويذهب الفيلسوف الفرنسي«اوجست كونت» الذي نشا في النصف الاول من القرن التاسع عشر إلى ان تاريخ تطور الفكر الانساني ينقسم إلى ثلاث مراحل :

___________________

(١) Hindustan Times, Sunday Magazine, Sept ٢٤ , ١٩٦١.

(٢) فصلت ٥٣.

٢٥

الاولى: المرحلة اللاهوتية ( Theological Stage ) وهي التي فسرت الاحداث فيها باسم الاله.

والثانية: المرحلة الميتافيزيقية: وفيها فسر الانسان الاحداث باسم«عناصر خارجية»، لايعلمها، ولكنه لا يذكر اسم الاله.

والثالثة: المرحلة الوضعية ( Positive Stage )، التي اخذ الانسان يفسر فيها الاحداث باعتبارها عناصر خاضعة لقوانين عامة، يمكن ادراكها بالمطالعة، او بالمشاهدة العلمية. وفي هذة المرحلة لا تذكر «الارواح والآلهة والقوى المطلقة». ونحن، وبناء على هذا، نعيش في المرحلة الثالثة التي تسمى في الفلسفة الحديثة بالوضعية المنطقية ( Logical Positivism ). ان نظرية «الوضعية المنطقية» او التجريبية العلمية ( Scientific Empricism ) لم تعرف كحركة علمية عالمية الا خلا ل العقد الرابع من القرن الحاضر، ولكنها. كفكرة، نشات قبل ذلك بسنين طويلة. وعلى ظهر هذه الفكرة نجد اسماء كبار العلماء والفلاسفة من امثال: هيوم، وميل. إلى برتراندرسل. وقد اصبحت هذه الفكرة اليوم، بفضل العدد الكبير من المؤسسات العلمية التي تقوم بدور فعال في الدعاية لها،. من اهم الحركات العلمية الحديثة. ويقول احد الباحثين :

«كل معرفة حقة مرتبطة بالتجارب. بحيث يمكن فحصها او اثباتها. بصورة مباشرة او غير مباشرة»(١) . وبناء على هذا يدعي معارضو الدين ان التطورا لذي بلغ به الانسان اليوم اعلى مستوى من الانسانية، هو نفي للدين من تلقاء نفسه. والسر في ذلك ان الافكار المتطورة الحديثة تؤكد ان «الحقيقة» ليست الا ما يمكن فحصه وتجربته علميا. وقد قام الدين على «حقيقة»لاسبيل إلى مشاهدتها وفحصها علميا وبعبارة اخرى: ان التفسير اللاهوتي للاحداث والوقائع لا يمكن اثباته بالوسائل العلمية، فهو باطل لا حقيقة له. ويترتب على هذا القول بان : «الدين تقسير زائف لوقائع حقيقية»، ذلك ان علم الانسان القديم المحدود لم يقدم التفسير الحقيقي للاحداث.، على حين ان القانون العام للتطور اتاح لنا ان نبحث عن الحقائق بالوسائل التجريبية الصحيحة.

ويمكن ان نقول هذا الكلام باسلوب آخر : ان موقف علماء الاديان القديمة اشبه برجل يكتب «شيكا لا رصيد له في المصرف»، فهم قد صاغوا عبارات ليس وراءها حقائق علمية، وعبارة ( الحقيقة العليا غير المتغيرة) صحيحة نحوا، ولكن ليس لها أي اساس علمي(٢) .

___________________

(١) Dictionary of Philosophy, N.Y., P. ٢٨٥.

(٢) Religiin and The Scientific Outlook, p. ٢٠.

٢٦

«لقد اثبت ( نيوتن) انه لا وجود لاله يحكم النجوم. واكد (لابلاس) بفكرته الشهيرة ان النظام الفلكي لا يحتاج إلى أي اسطورة لا هوتية. وقام بهذا الدور العالمان العظيمان ( دارون) و (باستور) في ميدان البيولوجيا. وقد ذهب كل من علم النفس المتطور والمعلومات التاريخية الثمينة التي حصلنا في هذا القرن بمكان الاله، الذي كان مفروضا انه هو مدير شئون الحياة الانسانية والتاريخ»(١) .

لقد قامت قضية معارضي الدين على اسس ثلاثة:

الاساس الاول: بطل هذا الانقلاب في البيولوجيا هو ( نيوتن)، الذي عرض على الدنيا فكرة تثبت ان الكو ن مرتبط بقوانين ثابتة.، تتحرك في نطاقها الاجرام السماوية ثم جاء بعده آخرون فاعطوا هذه الفكرة مجالا علميا اوسع، حتى قيل : ان كل ما يحدث في الكون من الارض إلى السماء خاضع لقانون معلوم، سموه «قانون الطبيعة». فلم يبق للعلماء ما يقولون، بعد هذا الكشف. غير ان الاله كان هو المحرك الاول لهذا الكون. وضرب (والتير) مثلا في هذا الصدد : ان الكون كالساعة يرتب صانعها آلا تها الدقيقة في هيئة خاصة ويحركها، ثم تنقطع صلته بها.، ثم جاء (هيوم) فتخلص من هذا الاله الميت، وعلى حد قوله : «لقد راينا الساعات وهي تصنع في المصانع. ولكننا لم نرالكون وهو يصنع، فكيف نسلم بان له صانعا»؟

***

لقد جلى التطور العلمي للانسان كثيرا من سلسلة الاحداث التي لم يشاهدها من قبل. فهو لم يكن على علم باسباب شروق الشمس وغروبها، حتى زعم ان هناك قوة فوق الطبيعة تجعلها تشرق وتغرب. وها قد عرفنا اليوم ان شروق الشمس وغروبها يحدث لدوران الارض حول نفسها وبذلك انتهت ضرورة القول بهذه الطاقة تلقائيا، بعدما عرفنا الاسباب المؤدية إلى هذه الحركة الكونية.«فاذا كان قوس قزح مظهرا لانكسار اشعة الشمس على المطر، فماذا يدعونا إلى القول بانها آية الله في السماء»

من اجل هذا كله، وغيره قال هكسلي:

«اذا كانت الحوادث تصدر عن قوانين طبيعية فلا ينبغي ان ننسبها إلى اسباب فوق الطبيعة»(٢) .

***

___________________

(١) Religion Without Revelation, N.Y., ١٩٥٨ , p. ٥٨.

(٢) Religion Without Revelation, N.Y., ١٩٥٨ , p. ٥٨

٢٧

والاساس الثاني: وقد ازداد العلماء يقينا بعد البحوث العلمية في ميدان علم النفس، حين توصلوا إلى نتائج تثبت ان الدين نتاج اللاشعور الانساني، وليس انكشافا لواقع خارجي. ويقول عالم كبير من علماء النفس:

« God is nothing but a projdction of man on a Cosmic screen »

«ليس الاله سوى انعكاس للشخصية الانسانية على شاشة الكون». وما عقيدة الدنيا والآخرة الا صورة مثالية للاماني الانسانية، وما الوحي والالهام الا اظهار غير عادي لاساطير الاطفال المكبوتة Childhood Repression(١) .

***

ويرى علم النفسي الحديث ان العقل الانساني مركب من شيئين هما: (الشعور)، وهو مركز الافكار التي تخطر على قلوبنا في ظروف عادية، و(اللاشعور) وهو مخزن الافكار التي مرت بنا ونسيناها، ولا تظهر الا في احوال غير عادية، كالجنون والهستيريا. وهذا القسم الثاني اكبر بكثير من الاول. ويمكن ان نمثل لهما بجبل من الجليد، فلو قسمناه تسعة اجزاء لكان منها ثمانية في جوف البحر، ولظهر جزء واحد على السطح. اكتشف فرويد بعد جهد طويل ان اللاشعور قد يقبل افكارا في الطفولة، وتؤدي إلى اعمال غير عقلية، وهذا ما يحدث بالنسبة إلى العقائد الدينية: فان فكرة الجحيم والجنة ترجع الى صدى الاماني التي تنشا لدى الانسان ابان طفولفته، ولكن لم تسنح له الفرصة لتحقيقها، فتبقى دفينة في اللا شعور، ثم يفرض اللاشعور بدوره حياة اخرى يتيسر له فيها تحصيل ما كان يتمناه، شان الرجل الذي قد لا يظفر بما يحب في الواقع فيحصله في المنام. وهكذا خرجت عقدة التفرقة بين الصغير والكبير ( Father complex ) - من الجرائم الاجتماعية، فصاغوا منها نظرية على مستوى الكون والسماء. ويقول رالف لنتون: «ان عقيدة القادر المطلق الظالم في نهاية الامر، الذي لا يرضى الا بالطاعة الكاملة والوفاء، كانت اول ما انتجه نظام المجتمع السامي. لقد خلق هذا النظام جبروتا غير عادي. وكانت نتيجته ان شريعة موسى خرجت بقوائم ضخمة مفصلة عن المحرمات في كل مجال من الحياة الانسانية. وقد آمن بهذه القوائم الطويلة العوام الذين كانوا يتقبلون احكام آبائهم العمياء ويطيعونها. وما التصور الالهي (اليهودي) الا خيال مثالي لاب سامي، مع شيء من المبالغة والتجريد في الاوصاف والطاقات»(٢)

___________________

(١) Iqbal Review, April, ١٩٦٢.

(٢) Tree of Culture, Ralph Linton

٢٨

والاساس الثالث: لقضية معارضي الدين هو: (التاريخ). يقولون: ان القضايا الدينية وجدت لاسباب تاريخية احاطت بالانسان، فلم يكن في استطاعته ان يفلت من السهول والاعاصير والطوفانات والزلازل والامراض، فاوجد (قوى فرضية) يستغيثها، لتنقذه من البلايا النازلة. وهكذا ظهرت الحاجة إلى شيء يجتمع الناس حوله، ولا يتفرقون، فاستغل اسم (الاله) الذي تفوق قوته قوة الانسان، ويهرع الجميع إلى رضاه).

يقول محرر دائرة معارف العلوم الاجتماعية تحت اسم«الدين»

«وبجانب المؤثرات الاخرى التي ساعدت في خلق الدين، فان اسهام الاحوال السياسية والمدنية عظيم جدا في هذا المجال.، ان الاسماء الالهية وصفاتها خرجت من الاحوال التي كانت تسود على ظهر الارض. فعقيدة كون الاله«الملك الاكبر» صورة اخرى للملكية الانسانية، كذلك الملكية السماوية صورة طبق الاصل للملكية الارضية. وكان الملك الارضي القاضي الاكبر، فاصبح الاله يحمل هذه الصفات، ولقب«بالقاضي الاكبر الاخير»، الذي يجازي الانسان على الخير والشر من اعماله. وهذه العقيدة القضائية التي تؤمن بكون الاله محاسبا ومجازيا لا توجد في اليهودية فحسب، وانما لها مقامها الاساسي في العقائد الدينية. المسيحية والاسلامية»(١) .

***

«لقد خلق العقل الانساني الدين، وتم خلقه، في حالة جهل الانسان وعجزه عن مواجهة القوى الخارجية». ويضيف جوليان هكسلي إلى هذا قوله: «فالدين نتيجة لتعامل خاص بين الانسان وبيئته»(٢) . ويقول ايضا: «ان هذه البيئة قد فات اوانها او كاد. وقد كانت هي المسؤلة عن هذا التعامل، فاما بعد فنائها وانتهاء التعامل معها فلا داعي للدين»، ويضيف «لقد انتهت العقيدة الالهية إلى آخر نقطة تفيدنا وهي لا تستطيع ان تقبل الآن أية تطورات:«لقد اخترع الانسان قوة ما وراء الطبيعة لتحمل عبء الدين، جاء بالسحر، ثم بالعمليات الروحية.، ثم بالعقيدة الالهية، حتى اخترع فكرة (الاله الواحد). وقد وصل الدين بهذه التطورات إلى آخر مراحل حياته.، ولاشك ان هذه العقائد كانت في وقت ما جزءا مفيدا من حضارتنا، بيد ان هذه الاجزاء قد فقدت اليوم ضرورتها، ومدى افادتها للمجتمع الحاضر المتطور(٣)

***

____________________________

(١) Encyclopaedia of Social Sciences, ١٩٥٧ , Vol. ١٣ , p. ٢٣٣.

(٢) Man in the Modern World, p. ١٣٠.

(٣) Ibid. p. ١٣١.

٢٩

وترى الفلسفة الشيوعية ان الدين«خدعة تاريخية»، وهي تركز الاسباب في عوامل اقتصادية، لانها تنظر إلى التاريخ في ضوء الاقتصاد. وهي ترى ان العوامل التاريخية التي خلقت الدين هي النظام البورجوازي الاستعماري القديم. وهذا النظام القديم يلقي اليوم حتفه.فلندع الدين ايضا يذهب معه.

يقول فيلسوف الشيوعية انجلنز:

«ان كل القيم الاخلاقية هي في تحليلها الخير من خلق الظروف الاقتصادية»(١)

فالتأريخ الانساني هو تاريخ حروب الطبقات التي امتص فيها البورجوازيون دماء الفقراء، وقد كانت الغاية من وضع الدين والاسس الاخلاقية حماية حقوق البورجوازيين.

ويقول البيان الشيوعي: ( Communist Menifesto ):

«ان الدستور والاخلاق والدين كلها خدعة البورجوازية، وهي تتستر وراءها من اجل مطامعها».

ويقول لينين في خطاب له القاه في المؤتمر الثالث لمنظمة الشباب الشيوعي في اكتوبر سنة ١٩٢٠:«اننا لا نؤمن بالاله، ونحن نعرف كل المعرفة ان ارباب الكنيسة والاقطاعيين والبورجوازيين لا يخاطبوننا باسم الاله الا استغلالا، ومحافظة على مصالحهم، اننا ننكر بشدة جميع هذه الاسس الاخلاقية التي صدرت عن طاقات وراء الطبيعة، غير الانسان، والتي لا تتفق مع افكارنا الطبقية، ونؤكد ان كل هذامكر وخداع، وهو ستار على عقول الفلاحين والعمال، لصالح الاستعمار والاقطاع، ونعلن ان نظامنا لا يتبع الا ثمرة النضال البروليتاري، فمبدا جميع نظمنا الاخلاقية هو الحفاظ على الجهود الطبقية البروليتارية»(٢) .

كانت هذه هي قظية معارضي الدين التي يزعم بعض العلماء الجدد بناء عليها ما يمكن تلخيصه في كلمة استاذ امريكي في طب الاعضاء:

« Scicnce has shown Religion to be history’s crueliest and whckediest hoax .»

«لقد اثبت العلم ان الدين كان اقسى واسوا خدعة في التاريخ»(٣) .

ولسوف ننظر في مدى صحة هذه القضية على اسس علمية في الباب الآتي، ان شاء الله.

***

___________________

(١) Anti Duhring, Moscow, ١٩٥٤ , p. ١٣١.

(٢) Lenin, Selected Works, Moscow, ١٩٤٧ , Vol, II, p. ٦٦٧.

(٣) Quoted by CA Coulson, Science & Christian Belief, P. ٤,

٣٠

الباب الثاني : نقد قضية المعارضين

عرضنا في الباب الاول قضية المعارضين، الذين يزعمون انه لا داعي لان يبقى الدين في عصرنا الحاضر. والحقيقة ان هذه القضية لا تقوم على اساس، ولسوف نتناول قي الابواب الآتية،افكار الدين الاساسية، واحدة واحدة، لننظر في مدى حقيتها، كما كانت قبل العصر الحديث.

واليكم نقدا عاما لقضية المعارضين:

اولا: حقيقة الطبيعة:

لنتكلم اولا في الدليل الذي يعرض باسم البيولوجيا، وهو ان الحوادث تحدث طبقا (لقانون الطبيعة)، فلا حاجة لان نفترض لهذه الحوادث الها مجهولا. ان احسن ما قيل في هذا الصدد ما قاله عالم مسيحي: « Nature is A Fact, Not An Explanation »

«ان الطبيعة حقيقة ( من حقائق الكون) وليست تفسيرا (له) ». لان ما كشفتم ليس بيانا لاسباب وجود الدين، فاالدين يبين لنا الاسباب والدوافع الحقيقية التي تدور «وراء الكون»، وما كشفتموه هو الهيكل الظاهر للكون. ان العلم الحديث تفصيل لما يحدث، وليس بتفسير لهذا الامر الواقع، فكل مضمون العلم هو اجابة عن السؤال: «ما هذا؟»، وليس لديه اجابة عن السؤال : «ولكن لماذا؟». وان التفسير الذي نحن بصدده هنا يتعلق بالامر الثاني.

***

لنفهم هذا من مثال بسيط. فالكتكوت يعيش ايامه الاولى، داخل قشرة البيضة القوية، ويخرج منها بعد ما تنكسر مضغة لحم، كان الانسان القديم يؤمن بان الله اخرجه ولكنا شاهدنا اليوم بالمنظار انه في اليوم الحادي والعشرين يظهر قرن صغير على منقار الكتكوت، يستعمله في تكسير البيضة، لينطلق خارجا منها. ثم يزول هذا القرن بعد بضعة ايام من خروجه من البيضة.

٣١

هذه المشاهدة،كما يزعم المعارضون، ابطلت الفكرة القديمة القائلة: بان الاله يخرج الكتكوت من البيضة،اذ قد راينا يقينا ان قانونا لواحد وعشرين يوما يحدث هذه العمليةوالحقيقة ان المشاهدة الجديدة لا تدلنا الا على حلقات جديدة للحادث، ولا تكشف عن سببه الحقيقي، فقد تغير الوضع الآن فاصبح السؤال لا عن تكسر البيضة، بل عن (القرن) ؟.ان السبب الحقيقي سوف يتجلى لاعيننا حين نبحث عن العلة التي جاءت بهذا القرن.،، العلة التي كانت على معرفة كاملة بان الكتكوت سوف يحتاج إلى هذا القرن ليخرج من البيضة، فنحن لا نستطيع ان نعتبر الوضع الاخير (وهو مشاهدتنا بالمنظار) الا انه «مشاهدة للواقع على نطاق اوسع»، ولكنه ليس تفسيرا له.

يقول البروفسور ( سيسيل بايس هامان)، وهو استاذ امريكي في البيولوجيا:

«كانت العملية المدهشة في صيرورة الغذاء جزءا من البدن تنسب من قبل إلى الاله، فاصبحت اليوم بالمشاهدة الجديدة تفاعلا كيماويا، هل ابطل هذا وجود الاله؟فما القوة التي اخضعت العناصر الكيماوية لتصبح تفاعلا مفيدا؟. ان الغذاء بعد دخوله في الجسم الانساني يمر بمراحل كثيرة خلال نظام ذاتي، ومن المستحيل ان يتحقق وجود هذا النظام المدهش باتفاق محض. فقد صار حتما علينا بعد هذه المشاهدات ان نؤمن بان الله يعمل بقوانينه العظمى التي خلق بها الحياة!».(١)

كان الانسان القديم يعرف ان السماء تمطر، لكننا اليوم نعرف كل شيء عن عملية تبخر الماء في البحر، حتى نزول قطرات الماء على الار ض، وكل هذه المشاهدات صور للوقائع، وليست في ذاتها تفسيرا لها، فالعلم لا يكشف لنا كيف صارت هذه الوقائع قوانين؟وكيف قامت بين الارض والسماء على هذه الصورة المفيدة المدهشة، حتى ان العلماء يستنبطون منها قوانين علمية؟والحقيقة ان ادعاء الانسان بعد كشفه لنظام الطبيعة انه قد كشف تفسير الكون ليس سوى خدعة لنفسه، فانه قد وضع بهذا الادعاء حلقة من وسط السلسلة مكان الحلقة الاخيرة.

ويضيف العالم الامريكي سيسيل قائلا:

« Nature does not explain, she is herself in need of explanation .»

«ان الطبيعة لا تفسر شيئا (من الكون)، وانما هي نفسها بحاجة إلى تفسير».

فلو انك سالت طبيبا : ما السبب وراء احمرار الدم؟

لاجاب : لان في الدم خلاياحمراء،حجم كل خلية منها٧٠٠/١ من البوصة!

___________________

(١) The Evidence of God in an Expounding Universe, p ٢٢١.

٣٢

حسنا، ولكن لماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟

في هذه الخلايا مادة تسمى ( الهيموجلوبين) وهي مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالاوكسجين في القلب.

هذا لجميل. ولكن من اين تاتي هذه الخليا التي تحمل الاهيموجلوبين؟

انها تصنع في كبدك.

عجيب! ولكن كيف ترتبط هذه الاشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها، بعضها ببعض ارتباطا كليا، وتسير نحو اداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟

هذا ما نسميه بقانون الطبيعة. ولكن ما المراد بقانون الطبيعة هذا. ياسيدي الطبيب؟ المراد بهذا القانون هو الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية. ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائما إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تنظم نشاطها، حتى تطير الطيور في الهواء، ويعيش السمك في الماء، ويوجد انسان في الدنيا، بجميع ما لديه من الامكانات والكفاءات العجيبة المثيرة؟

لا تسالني عن هذا، فان علمي لا يتكلم الا عن : (ما يحدث)، وليس له ان يجيب: (لماذا يحدث؟).

يتضح من هذه الاسئلة مدى صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والاسباب وراء هذا الكون. ولا شك انه قد ابان لنا عن كثير من الاشياء التي لم نكن على معرفة بها، ولكن الدين جواب لسؤال آخر، لا يتعلق بهذه الكشوف الحديثة العلمية، فلو ان هذه الكشوف زادت مليون ضعف عنها اليوم فسوف تبقى الانسانية بحاجة إلى الدين، ان جميع هذه الكشوف «حلقا ثمينة من السلسلة»، ولكن ما يحل محل الدين لا بد ان يشرح الكون شرحا كليا وكاملا. فما الكون على حاله هذه الا كمثل ما كينة تدور تحت غطائها، لا نعلم عنها الا انها (تدور:، ولكنا لو فتحنا غطائها فسوف نشاهد كيف ترتبط هذه الماكينة بدوائر وتروس كثيرة، يدور بعضها ببعض، ونشاهد حركاتها كلها. هل معنى هذا اننا قد علمنا خالق هذه الماكنة بمجرد مشاهدتنا لما يدور داخلها؟ هل يفهم منطقيا ان مشاهدتنا هذه اثبتت ان الماكينة جاءت من تلقاء ذاتها، وتقوم بدورها ذاتيا؟ لو لم يكن هذا الاستدلال منطقيا فكيف إذن نثبت بعد مشاهدة بعض عمليات الكون انه جاء تلقائيا، ويتحرك ذاتيا؟.

لقد استغل البروفيسور هريز ( A. Harris ) هذا الاستدلال حين نقد فكرة داروين عن النشوء والارتقاء، فقال:

٣٣

«ان الاستدلال بقانون الانتخاب الطبيعي يفسر عملية (بقاء الاصلح)، ولكنه لا يستطيع ان يفسر حدوث هذا الاصلح:(١) .

ثانيا: اللاشعور ودليل علم النفس:

لنعالج الآن الدليل الذي يقدمه علم النفس والقائل بان الاله والآخرة قياس للشخصية الانسانية واما نيها علىمستوى الكون. ولست بمستطيع ان ادرك نقطة الاستدلال في هذا الدليل. ولو انني ادعيت بدوري ان الشخصية الانسانية وامانيها موجودة فعلا على مستوى الكون فلست ادري ما عسى ان يبطل ادعائي هذا من منطق المعارضين؟!

نحن نعرف ان مادة (الجنين) التي لا تشاهد الا بالمنظار تنبيء في ذاتها عن انسان طوله ٧٢بوصة، وان (الذرة) التي لا تقبل المشاهدة تحتوي نظاما رياضيا كونيا يدور عليه النظام الشمسي، فلا عجب اذن ان يكون النظام الذي نشاهده على مستوى الانسان في الجنين، وعلى مستوى النظام الشمسي في الذرة موجودا ايضا، وبصورة اكمل على مستوى الكون. ان ضمير الانسان وفطرته ينشدان عالما متطورا كاملا، فلو كان هذا الامل صدى لعالم حقيقي فلست ارى في ذلك أي ضرب من ضروب الاستحالة!!

(١) لا شك في قول العلماء: ان الذهن الانساني يحتفظ بافكار قد تظهر فيما بعد في صورة غير عادية. ولكن سوف يكون قياسا مع الفارق ان نعتمد على هذه الفكرة كي نبطل الدين. فهو قياس في غير محله، وهو يعتبر استدلالا غير عادي من واقع عادي. فهو اشبه بمن يشاهد مثالا يصنع صنما فيصرخ: هذا هو الذي قام بعملية خلق الانسان.

ومن معايب الفكر الحديث انه يستنبط من حادث عادي دليلا غير عادي، فهذا الدليل لا وزن له من الناحية المنطقية، ولو افترضنا ان رجلا يسير في شارع اخذ يهذي بكلام غريب نتيجة لافكار مختزنة في ذهنه، فهل يمكن ان نستغل هذا الحادث في البحث في كلام الانبياء، وهو الكلام الذي يكشف سر هذا الكون.؟؟ سوف يكون هذا الاستدلال غير علمي، وغير منطقي، ولسوف يدل على ان صاحبه يفتقر إلى القيم حتى يستطيع التفرقة بين كلام رجل الشارع وكلام الانبياء، فلا يدعي ان هذا الهذيان هو المسؤل عما جاء به الدين.

فالقيم تتغير ذاتيا بتغير الاوضاع، ومن الخطا الظن بانها لا توجد الاعند اصحاب الفكر الحديث.

___________________

(١) Revolt against Reason, A. Lunn, p. ١٣٣.

٣٤

ولنتخيل ان رهطا من سكان بعض النجوم هبط الارض.، وهم يسمعون، ولكنهم لا يقدرون على الكلام، ولنتصور انهم يذهبون فيبحثون عن الاسباب المؤدية إلى تكلم الانسان، وبينما هم في طريقهم إلى هذا البحث هبت الرياح، واحتك غصنان، احدهما مع الآخر.، فنتج صوت، وتكررت العملية غير مرة حتى توقفت الرياح، واذا بهم يعلن كبيرهم : لقد عرفنا سر كلام الانسان، وهو ان فمه يحتوي على فكين من الاسنان، فاذا احتك الفك الاعلى بالاسفل صوت!ولا شك انه اذا احتك شيء بالآخر يحدث صوتا، ولكن هذا الواقع لا يكشف عن سر الكلام الانساني، كما لا يصح تفسير اسرار النبوة بكلام غريب كهذيان رجل الشارع، في حال الجنون او الهستيريا.

(ب) واللا شعور الانساني من الوجهة العلمية فراغ في اصله، لا شيء فيه قبل مولد الانسان، وانما يستقر فيه عن طريق الشعور ما يشغله الآن، لان (اللا شعور) ليس سوى مخزن للمعلومات والمشاهدات التي شاهدها الانسان في حياته، ولو مرة، ومن المستحيل ان يختزن حقائق لم يعلمها من قبل. والذي يثير الدهشة ان الدين الذي جاء على لسان الانبياء يشتمل على حقائق ابدية لم تخطر على بال احد من الناس في أي زمان، فلو كان اللاشعور هو مخزن هذه المعلومات، فمن اين ياتي بها هؤلاء الذين يتكلمون عن اشياء لا طريق لهم إلى العلم بها؟

ان الدين الذي جاء به الانبياء يتصل من ناحية او اخرى بجميع العلوم المعاصرة الطبيعة، والفلك، وعلم الحياة، وعلم الانسان، وعلم النفس، والتاريخ والحضارة والسياسة والاجتماع وغيرها من العلوم، وكل حديث في التاريخ الانساني مصدره (الشعور)، فضلا عن اللا شعور، لا يخلو من الاغلاط والاكاذيب والادلة الباطلة. اما الكلام النبوي فانه بريء ولا شك من كل هذه العيوب.، رغم اتصاله بجميع العلوم، ولقد مرت قرون اثر قرون، ابطل فيها الآخرون ما ادعاه الاولون، وما زال صدق كلام النبوة باقيا على الزمان، ولم يستطيع احد ان يدل على باطل جاء به، وكل من حاول ذلك اخفق.

واليكم مثالا من هذا القبيل اعتمد عليه فلكي كبير، حتى ادعى انه كشف غلطة علمية في القرآن الكريم.

يقول (جيمز هنري بريستد) :

«لقد راج التقويم القمري في الدنيا لكثرة تداوله في غرب آسيا، ولغلبة الاسلام سياسيا بوجه خاص ولقد مضى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأختلاف بين التقويم القمري والشمسي إلى اقصى حد من العبث يمكن تصوره، حتى انه ابطل اضافة الشهور الكبيسة

٣٥

( Intercalary months ). ان السنة القمرية المزعومة تشتمل على٣٥٤يوما،. وتقل احد عشر يوما عن السنة الشمسية. وهكذا تزيد السنة القمرية سنة واحدة كل ٣٣سنة، وثلاث سنين في كل قرن فلو حل رمضان في يونيو في هذه السنة فسوف يحل بعد ست سنين في ابريل».

لقد مضى ١٣١٣ عاما منذ(١) الهجرة، حيث ان قرننا (الميلادي) هو بمثابة مائة سنة وثلاث سنين في تقويم المسلمين، وقد سجل تقويمهم واحدا واربعين عاما زائدا في هذه المدة من قرننا. وقد الغت كنيسة اليهود الشرقية هذه السخافة واختارت طريقة اضافة الشهور ( Intercalation ) لتجعل بتقويمها مثل التقويم الشمسي. وهذا هو السبب في ان غرب آسيا يعاني حتى الآن لعنة هذه الطريقة القديمة « التقويم القمري»(٢) .

لسنا هنا بصدد مناقشة الفرق بين التقويم القمري والشمسي. ولكن لا بد من توضيح ان ما نسبه المؤلف إلى رسول الاسلام هو في الحقيقة غفلة شديدة ترجع إلى المؤلف نفسه، ولم يمنع القرآن الكريم اضافة (الشهور الكبيسة)، وانما حرم النسيء (التوبة:٣٨)، ومعناه في اللغة: (التاخير)، ومنه: (نساء الدابة) عن الحوض لكي تشرب الخرى، ومعناه في الاصطلاح: (تاخير شهر وتقديم شهر آخر عليه).

لقد كان من بين العادات الكريمة التي دعا اليها ابراهيمعليه‌السلام العرب تحريم اربعة اشهر لا قتال فيها ولا جدال، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، وقد كان العرب يسافرون في هذه الاشهر بكل حرية، لكي يؤدوا فريضة الحج والعمرة. وحين دب الفساد في بعض القبائل.، اخترعوا بدعة (النسيء)، وهي ان يضعوا شهرا غير حرام محل الشهر الحرام، كأن يجعلوا صفر في مكان المحرم، وذلك لكي يحاربوا قبيلة يلزم قتالها في الشهرالحرام. وهذه هي البدعة المقيتة التي وصفها القرآن الكريم بانها: (زيادة في الكفر).

وقال العلماء: ان الشهور الكبيسة كانت رائجة في العرب، وكانوا يضيفون عدد الشهود في السنة للتقويم. وقال مفسر للقرآن الكريم في هذا الموضوع. وهو مولانا شبير احمد العثماني في تفسيره: «ان بعض القبائل تضيف الشهور الكبيسة كل ثلاثة اعوام ليستقيم التقويم القمري. ولا يدخل هذا العمل في النسيء).

ان ما قاله رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الظلام لم يكن من الجهالة، ولا يدخل

___________________

(١) كان ذلك في عام ١٩٣٥م.

(٢) Time and its Mysteries , N Y. ١٩٦٢ , p. ٥٦.

٣٦

قطعا في نطاق ما اورده (جيمز هنري بريستد) طعنا عليه، ولو كان كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادرا عن الشعور او اللاشعور لو قعت فيه اخطاء، ما من ذلك بد.

***

ثالثا: الاستدلال بالتاريخ والاجتماع: ان الذين يستدلون بالتاريخ او الاجتماع خطأهم الاساسي انهم لا يدرسون الدين من وجه صحيح، ولهذا يبدو لهم الدين شيئا غريبا، ومثال ذلك ان ترى شيئا مربعا من زاوية منحرفة فيتراءى لك مثلثا. ان الخطأ الذي يقعون فيه هو انهم يتناولون الدين على انه«مشكلة موضوعية Objective problem ». فهم يجمعون في سلة واحدة كل ما اطلق عليه اسم (الدين)، من رطب ويابس، في أي مرحلة من التاريخ، ثم يتأملون في ضوء هذا المحصول حقيقة الدين!! ان موقفهم ينحرف من اولى مراحله، فيبدولهم الدين جراء هذا الموقف الفاسد عملا اجتماعيا.، لا كشفا لحقيقة، ومن المعلوم ان لكل ما يكشف عن حقيقة من الحقائق مثلا اعلى، ولابد عند البحث عن هذه الحقائق ان ندرس مظاهرها وتاريخها في ضوء مثله الأعلى. اما الامور التي تاتي بها اعمال اجتماعية فليس لها مثل اعلى. وبقاؤها رهن بحاجة المجتمع اليها. والدين يختلف عن ذلك كل الاختلاف.،فليس من الممكن البحث عن حقائقه، كما يبحث عن تطورات فنون العمارة والنسيج والحياكة والسيارات، لان الدين علم على حقيقة يقبلها المجتمع او يرفضها، او يقبلها في شكل ناقص، ويبقى الدين في جميع هذه الاحوال حقيقة واحدة في ذاتها، وانما يختلف في اشكاله المقبولة، ولهذا لا يمكن ان نفهم حقائق (الدين) بمجرد فهرسة مماثلة لجميع الاشكال الموجودة في المجتمعات باسم الدين. ولناخذ على سبيل المثال لفظ ( الجمهورية).فهي قيمة سياسية لنظام خاص بالحكم وفي ضوء هذه القيمة نستطيع ان نحكم على بلاد بانها جمهورية، او بانها ليست كذلك،. لكنا لو ذهبنا نبحث عن معاني (الجمهورية) في النماذج السياسية التي توجد عبر القارات، ويلتصق بها لفظ (الجمهورية)، ثم زعمنا ان كل هذه البلاد قائمة (على اسس جمهورية). فسوف تصبح كلمة «الجمهورية»بلا معنى. ففي هذه الحالة ستختلف (جمهورية) الصين عن (جمهورية) الولايات المتحدة الامريكية. وستعارض (جمهورية) انجلترا (الجمهورية) العربية المتحدة. كما ان (جمهورية) باكستان ستصطدم (بالجمهورية) التي تلتزم بها الهند. فاذا تاملنا كل هذه المشاهدات في ضوء (فلسفة التطور) فان هذه الكلمة سوف تفقد معناها حتما، لان فرنسا التي انجبت النظام الجمهوري سوف تبرهن على ان (الجمهورية) بعد (نشوئها وارتقائها) تتمثل في ديكتاتورية ديجول العسكرية. وهذا النهج في التناول يؤدي إلى نتيجة غريبة، هي انه لا حاجة الى (الاله) في الاديان!!

٣٧

اذ يوجد مثال لهذا في تاريخ الاديان وهو مثال البوذية. التي تخلو تماما من فكرة (الاله). ومن ثم آمنت جماعة من الناس بضرورة البحث عن دين مجرد من الاله، ولو اننا سلمنا بالفكرة القائلة بان شيئا مثل (الدين) لابد منه للانسان، لحاجته إلى الوعي الخلقي والتنظيم الاجتماعي، فلا داعي آذن للاله ان يوجد، وربما قيل: «ان الدين الذي يصح لهذا العصر يلزم ان يكون مثل البوذية فان اله العصر الحاضر هو (مجتمعه واهدافه السياسية)، ورسول هذا الاله هو (البرلمان) الذي يوجه الشعب إلى ما يرضيه، ومعابد هذا الاله العصري ليست المساجد او الكنائس القديمة، وانما هي المصانع الكبيرة والسدود العظيمة»(١) ان لهؤلاء الباحثين الاجتماعيين المزعومين قدرة كبيرة على خلق هذه الافكار الجديدة، التي تنتقل من (دين الاله) إلى فكرة (الدين بغير الاله) وذلك ناشيء عن الطريق المعوجة التي سلكها بحثهم، وهم يغمضون اعينهم عن جميع النواحي العلمية الاخرى التي تلقي ظلالا من الشكوك حول جداولهم الارتقائية. ومثاله ان علماء الاجتماع والانسان قد توصلوا بعد ابحاثهم الفنية الدقيقة إلى ان (نظرية الاله) شكل ارتقائي لفكرة تعدد الآلهة، غير ان هذا الارتقاء ضل طريقه واتجه إلى طريق غريبة، وحير العلماء كما شوش امره على نفسه، بارتقائه الباطل من فكرة تعدد الآلهة، غير ان هذا الارتقاء ضل تعدد الآلهة إلى فكرة الاله الواحد. ان فكرة تعدد الآلهة كانت تحمل قيما اجتماعية مؤداها ان يعيش مؤمنو الآلهة المختلفة في سلام باعتراف متبادل ما بينهم ولكن فكره الاله الواحد بطلت حتما هذا الأمكان بخلقها نظرية الدين الاعلى ( Higher Religion ) ونتيجتها ان بدات حروب ضارية لانهاية لها بين شعوب الدنيا وهكذا سعت فكرة الاله الواحد إلى حتفها بظلفها، بارتقائها في اتجاه مناقض. وهذا هو قانون النشوء والارتقاء»(٢) ولكننا فعلا قد تركنا الواقع الحقيقي في هذا الجدول، فالتاريخ المعلوم يثبت ان اول رسول معلوم كان سيدنا نوحاعليه‌السلام ، وكان يدعو إلى الله الواحد. كما ان تعدد الآلهة ( Polytheism ) ليس في درجة واحدة. وانما معناه: ان يشرك الانسان مع الاله الاكبر آلهة آخرين. يقربونه اليه ويشفعون له وفي وجود هذه الحقائق تتحول نظرية النشوء والارتقاء إلى ادعاء لا دليل عليه.

***

وفكرة (ماركس) هي اكثر نظريات هذه المجموعة عبثا، فهي تقول: ان الاحوال الاجتماعية هي التي تقوم ببناء الانسانية وتكميلها، ومن ثم كان العصر الذي وجد فيه الدين

___________________

(١) Religion Without Revelation, Julian Huxley

(٢) Man in the Modern World, p ١١٢.

٣٨

عصر الاقطاع والراسمالية. وهو عصر الانتهازيين اللصوص، كما ان الافكار الدينية والاخلاقية التي تولدت في هذا العصر تحمل نفس الطابع الانتهازي الاستعماري. والحق ان هذه الفكرة ليست لها قيمة من الناحية العلمية. كما انها عند التحليل العلمي والتجربة العملية لا طريق إلى تصديقها.

فالفكرة الماركسية تنفي بشدة ارادة الانسان.، وهي تحيل الاحداث إلى تاثير عوامل ازمة الزمن الاقتصادية، ومعنى ذلك ان الانسان لا شخصية له، فهو يصاغ في مجتمعه، كما يصاغ الصابون في المصنع، ولا طريق امامه كي يشق افكارا وطرقا جديدة وانما هو ينطلق مفكرا على النهج الذي سمحت له به حياته الاقتصادية، فاذا كانت هذه القضية صحيحة، فكيف تمكن كارل ماركس وليد النظام الراسمالي من ان يفكر ضد العوامل الاقتصادية الرائجة في عصره، هل صعد القمر لكي يبحث في احوال الارض؟

وبعبارة اخرى: لو صح ان الدين وليد عصر مخصوص فكيف لم تكن الماركسية وليدة النظام الاقتصادي لعصرها؟؟. واذا لم نسغ هذا الوضع فيما يتعلق بالماركسية فكيف نسيغه بالنسبة إلى الدين؟. الحق ان هذه الفكرة عبث مثير لا يحمل على ظهره أي دليل علمي او عقلي.

هذا وقد اتضحت اخطاء هذه الفكرة بالتجارب العملية. وحسبنا روسيا، هنالك حيث سادت الماركسية نصف قرن من الزمان. ادعت روسيا خلاله ان احوال البلاد المادية قد تغيرت تماما وان النظام الزراعي.، والمبادلة، وتقسيم الاموال.، قد جرت على اسس غير استغلالية، ولكنا وجدنا حين مات ستالين ان قادة الروس انفسهم قد اقروا بان الظلم والفساد كانا رائجين في عهده، وانه كان يستغل الشعب كما يستغله الحكام في البلاد الاستعمارية. ولو وضعنا في اعتبارنا واقع الرقابة الشديدة على الصحف ووسائل الاعلام، وهي التي تمكن بها ستالين من ان يذيع على العالم ان عهده هو عهد العدل والانصاف، فلا ريب ان هذه الرقابة موجودة هناك اليوم ايضا، ومن هنا نستطيع ان نفهم ان الامور تجري وراء ستائر الدعاية الجميلة على ما كانت عليه في عهد ستالين. وان كان المؤتمر العشرون(١٩٥٦) للحزب الشيوعي الروسي قد افشى مظالم ستالين.، فلا غرابة ان يجيء المؤتمر الاربعون للحزب الشيوعي بأفشاء اسرار حكام روسيا اليوم(١) .

ان هذا النظام الذي استغرقت تجربته نصف قرن من الزمان ليدلنا على ان الانسان لا يتغير بتغير نظام الزراعة والمبادلة المزعوم، ولو كان العقل الانساني تابعا للنظام الاقتصادي فلماذا نجد الظلم والفساد والاستغلال في نظام روسيا الشيوعي؟

___________________

(١) وقد اكد هذا عزل خروشوف والحوادث التي تلته في روسيا في اكتوبر عام ١٩٦٤م.

٣٩

ان قضية العصر الحاضر لا تعدو ان تكون «سفسطة علمية Scientific Sophism » ذلك ان علماء هذا العصر يعالجون قضاياهم في ضوء العلم الحديث، غير ان هذه المعالجة لا تجدي نفعا، لانها قائمة على العلم المحض و حسب، على حين لا بد من اعتبار اشياء اخرى، ومثال ذلك :ان نشرع في دراسة علمية لاشياء علمية ناقصة، فسوف تؤدي هذه المطالعة العلمية إلى نتائج غير علمية،، ناقصة، باطلة. لقد عقد في دلهي في يناير ١٩٦٤مؤتمر دولي للمستشرقين، اشترك فيه الف ومائتان من العلماء من جميع انحاء العالم. وقدم احدهم في هذا المؤتمر بحثا يدعي فيه مآثر كثيرة لمسلمي الهند ليست من عمل المسلمين،وانما هي من عمل الملوك الهندوس. وضرب لذلك مثلا بمنارة قطب في دلهي المنسوبة إلى الملك قطب الدين ايبك، على حين بناها الملك الهندوسي سامودرا جوبت قبل ٢٣قرنا،. وقد اخطا المؤرخون المسلمون فنسبوها إلى الملك قطب الدين. ويستدل هذا البحث بان في المنارة المذكورة بعض احجار قديمة نحتت قبل عصر الملك قطب الدين. وهذا كما يبدو استدلال علمي. اذ ان بعض احجار المنارة فعلا من الصنف الذي ذكره العالم، ولكن هل يكفي مشاهدة بعض احجار المنارة للبت في امر بانيها؟ او انه لا بد من نواح اخرى كثيرة لنشاهدها في هذا الصدد. ومن هنا فان هذا التفسير لا يصدق على منارة قطب ككل. هذا تفسير. وهناك تفسير آخر، هو ان هذه الاحجار القديمة التي يوجد بعضها في المنارة. انما جاءت من انقاض ابنية قديمة، كما هو معروف في كثير من الابنية التاريخية الحجرية. ولا مناص من ان نقبل هذا التفسير الثاني حين نشاهد منارة قطب الدين في ضوء طابعها المعماري ورسومها وتصميمها.، والمسجد الناقص بجوارها، والمنارة الثانية التي لم تكمل.،ثم ننتهي إلى ان التفسير الاول ليس الا قياسا خاطئا قائما على المغالطات.

وهذا هو امر قضية المعارضين، فانهم نظروا إلى حقائق ناقصة وجزئية، لا يتصل بعضها بالموضوع مطلقا، واعتقدوا ان الدراسة العلمية الحديثة قد ابطلت الدين، على حين اننا لو نظرنا إلى الواقع جملة وتفصيلا فسوف نصل إلى نتيجة تختلف عن الاولى كل الاختلاف. والدليل الذي يقنعني بصدق الدين هو ان عقولا مثالية منا بعد ان تركت الدين قد اخذت تهذي بكلمات لا حقائق وراءها، وتعمه في تيه الظلام، ذلك ان الانسان بعد ان يفقد اساس (الدين) لا يجد اساسا آخر لافكاره. والاسماء التي تأتي في قوائم المعارضين اكثرها من عقولنا الكبيرة، ولكنهم بعد ان تخلوا عن الدين راحوا يكتبون ضروبا من اللغو غاية في الاهمال والتمزق، حتى انني اتحير احيانا ـفلا افهم كيف صدرت هذه الكلمات عن قلم رجل من العلماء؟. وان السجل الذي انتجه هؤلاء ليشتمل على خرافات وآراء

٤٠