دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي0%

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 224

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

مؤلف: الغدير للدراسات والنشر
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 76388
تحميل: 7961

توضيحات:

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76388 / تحميل: 7961
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

مؤلف:
العربية

الاقتصاديّة؛ حيث لا يعدّ الفقهاء ضوء الشمس والماء الجاري في الأنهار العامّة والهواء من أصناف المال المُتقوّم.

وتوقّف علماء الحنفيّة عند كون المال أعياناً؛ لذلك استبعدوا الحقوق - عدا منفعة العين المؤجّرة - من مفهوم المال، مثل حقّ الشُفعة لعدم إمكان حيازتها. أمّا الجمهور، فإنّهم يرون الأعيان والمنافع المحلّلة المقصودة مالاً متقوّماً يمكن أن يورَث، وتجري عليه النواقل الشرعيّة، وقد حدّد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض أحاديثه أنّ المال وسيلة للوصول إلى القُرُبات عند المؤمن، ولنأخذ لذلك عيّنة:

قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما أنعم الله على عبد نعمة، فحمَد الله عليها، إلاّ كان ذلك الحمْد أفضل من تلك النعمة وإن عظُمت) (1) .

وقال أيضاً: (ما أنفق الرجُل في بيته وأهله ووُلده وخَدمه، فهو له صدقة) (2) .

فالمال - إذاً - وسيلة للوصول إلى أداء الواجبات، وتحقيق الكفايات والمندوبات، والإنفاق المقتصد في المباحات.

وإنفاق المال حرام على المحرّمات، مندوبٌ إلى ترْك إنفاقه في المكروهات، وقد حثّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أصحابه على البذل والعطاء في الوقْف والتحبيس والصدقة من غير عزيمة ولا أمر، وحثّ على الوصول إليه بطُرُق شرعيّة، وحرّم السُحْت بأنواعه كافّة، وقرّر عقوبات على السرقة والغصب والسلب والغشّ والجباية الظالمة، فقد روى ابن حبّان والحاكم أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (لا يحلّ لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طِيب نفس منـه) (3) .

وترِد الملكيّة بوصفها سلطة على المال تُسنَد لفردٍ أو أفراد، إذا صحّت نسبتها إليه بوسائل شرعيّة، فالملكيّة - إذنْ - حكم شرعيّ موضوعه المال؛ لذلك يعرِضُها الفقهاء:

بأنّها حكم شرعي مقدّر في العين أو المنفعة، يقتضي تمكّن مَن تُضاف إليه الانتفاع بالمملوك، وأخْذ العـوَض عنـه (4) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه: 2/143.

(3) المصدر نفسه.

(4) القرافي، الفروق: 2/208، وتبنّاه الكاساني صاحب البدائع، اُنظر: 7/147.

١٦١

ويرى ابن الهمام أنّها: (القدرة على التصرّف ابتداءً) (1) .

وعرّفها الزرقاني بأنّها: (اختصاص حاجز شرعاً يسوّغ صاحبه التصرّف إلاّ لمانع) (2) .

والملكيّة في الإسلام ليست مطلقة كما هي في النُظم الفرديّة، ولا هي على ذمّة المجموع والفرد غائب عنه.. إنّما هي على ذمّة الفرد أصالة، لكن تلحقها قيودٌ، بناءً على فلسفة الاستخلاف لصالح المجتمع، وما تؤسّسه الشريعة من حقوق على المال؛ لقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلـى أن تلقـوا ربّكـم) (3) .

ولقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعِرضه)؛ لذلك يرِد على الملكيّة:

1 - عدم استخدامها في ما حرّم الله من التصرّف لكون صاحبها مانعاً لحقوق الله، أو يتّخذها للتسلّط والظلم.

2 - عدم استخدامها لإلحاق الضرر بالآخرين..، ولنا: رواية سمرة بن جندب وما حصل في عهد عمَر من إجبار محمّد بن مسلمة على أن يمرر الضحّاك بن خليفة خليجاً في أرضه (103) .

3 - منْعه من الإسراف وتبديد الأموال والوقوع في حمأة تضييع الثروة.

4 - منْعه من الاحتكار ومحاولة تهريب المال خارج دار الإسلام.

إنّ المصاديق الواردة من القيود مبنيّة على أساس منع الإضرار بالآخرين؛ لأنّ كلّ حقّ في الإسلام مقيّد بمنع الضـرر؛ استناداً إلى قاعدة لا ضرر على معطَيات الحقّ الممنوح بحكمٍ شرعي.

وجعل للجماعة حقوقاً في الملكيّات الخاصّة، مثل: الزكاة والخُمس، وتأمين حاجيات الدفاع عن البلد عند خواء الخزينة. وقد صرّح بذلك الغزالي، والقرافي، والشاطبي، والقرطبي، وابن حزم، وابن عابدين، وكذلك كفاية الفقـراء.

____________________

(1) الكاساني، (م. س): 7/147، الهداية: 4/21.

(2) الزرقا، المدخل إلى الفقه الإسلامي: 1/220.

(3) اُنظر: خطبة الوداع، سيرة ابن هشام: 4/185.

١٦٢

فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (أيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤٌ جائعاً فقد برِئت منهم ذمّة الله) (1) .

وعليه استند ابن حزم، إذ قرّر أنّ ذلك فرْض يجبرهم السلطان عليه إن لم تقمْ زكواتهم به...

ومن باب أَولى، نجد النفقة الواجبة للآباء والأجداد والأبناء والزوجات. ولذلك كلّه يرتّب بعض الدارسين على تقييد الإسلام لطبيعة التصرّف بالمال بعدم الإضرار بالآخرين، وجوب رعاية المجتهد إيجاد الموازنة بين مصلحة صاحب المال والضرر الذي يلحق بغيره...

وبذلك يتحصّل من قوانين الملكيّة، ابتداءً واستمراراً وانتهاءً، أنّها تُستخدم استخداماً رشيداً مؤدّياً لنفع المجتمع حصـراً، ولم يقف المشرّع من استخدامها وسيلة للضرر موقفاً محايداً، وإنّما يتدخّل في إيقاف التصرّف بالملكيّة، طالما تسبّب هذا التصرّف بإحداث أثَر مضرّ لصاحبها أو للمجتمع.

النتائج المستفادة من التصوّر الإسلاميّ للمال والملكيّة

1 - إنّ هذا التصوّر يحدّد استخدامات المال والثروة بالجانب الإيجابي البنّاء، بعيداً عن اقتراف الذنـوب والمخالفـات..، وحيث رُبطت التكاليف بالمصالح، فإنّ الواجب والمندوب ما يحقّق مصلحة المجتمع..، وإنّ المحرّم وسَطٌ قابل أن يُشيع الجريمة.

فإنتاج المحرّم - كزراعة المخدّرات.. - تصرّف يصحّ سبباً لرفع يد المالك عن استخدام المورد...؛ لأنّه من الإفساد في الأرض، واتّخاذه النقد سلعة منتجة للربا أمر يوقفه الشارع بوسائله المتعدّدة.

2 - إنّ هذا الضبط المبنيّ على التصوّر يخصّص الموارد تركيزاً باتّجاه الإنتاج الأكثر شمولاً للمنفعة الشاملة، بحذف ما يخصَّص للحرام (المضرّ والدافع للجريمة)؛ وبذلك يحقّق كفاية دَخْل الفرد لمتطلّباته..، ويسقط أحد الدوافع الثانويّة للجريمة.

____________________

(1) ابن حزم، المُحلّي: 7/121.

١٦٣

3 - إنّ هذا التصوّر يدفع المالك إلى بذْل المال في الصدقات والتبرّعات والوقْف، بما يجعل عدداً من الخدمات كُلفتها (صفر)؛ لتعظيم دالّة المدفوعات التحويليّة باتّجاه تعديل المداخيل المنخفضة، وتقليل الباعث الاقتصادي بضغط هوّة التفاوت في المداخيل وأثره في التركيب الاجتماعي..

4 - إنّ هذا التصوّر يقلّل من احتمالات ظهور الجريمة، ويوقف التفكير بالاعتداء على أموال الأفراد أو الأموال العامّة، سواء بالجريمة الجنائيّة كالسرقة والغصب، أو الجرائم الاقتصاديّة كالربا والاحتكار والإضرار بالعُملة.

5 - إنّ هذا التصوّر يجعل القرْض الحسَن بدل الربا، والمضاربة بدل الفائدة، والإعانة بالتصدّق بدل المقايضة بأشياء أُخرى، وقضاء حاجة المسلم وما عليها من حثّ بدل فرْض الشروط؛ الأمر الذي يخلُق تركيبة يسودها الوئام الاجتماعيّ، وهي مرتكز من مرتكزات نظريّة الأمن الاجتماعي في الإسلام.

المبحث الثاني: منهج الاستخلاف، ودَوره في ربْط النشاط الاقتصادي بالقيَم والضوابط

يسمّى التصوّر الإسلامي للملكيّة بمنهج الاستخلاف، وهو قائم على قوانين مركزيّة ثلاثة:

الأوّل: إنّ الله هو المالك الحقيقيّ للثروة، وقد دلّت على ذلك آيات عديدة.

الثاني: إنّ الكون كلّه مخلوق مسخّر للإنسان ينتفع به في ما أحلّه الله له (1) .

الثالث: إنّ مركز الإنسان القانونيّ (مركز النائب) هو مركز الوكيل المستخلَف على المال والثروة.

وبملاحظة أثر هذا التصوّر الإسلامي الشامل، فإنّ الإنسان لا يملك صلاحيّات الأصيل (المالك المُطلق)، بل يتقيّد بأنّ المِلك يزول زوالاً تكوينيّاً

____________________

(1) للتفصيلات اُنظر: الحسب (فاضل)، في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي، والسبهاني (عبـد الجبّـار)، الاستخلاف والتركيب الاجتماعي.

١٦٤

أو تشريعيّاً بإساءة التصرّف به أو فيه، طالما أنّ الله هو المالك، والإنسان هو الوكيل.

وإنّ من نِعَم الله تسخير هذا الكون للإنسان..، فواجب أخلاقيّ عليه أن يتقيّد بشُكر العظَمة، والشكر في أظهر مصاديقه إرضاء المنعم؛ لذلك يتميّز التصوّر الإسلامي الاقتصاديّ بأنّه تصوّر قيميّ، خلافاً لكلّ التصوّرات الوضعيّة..

فالإسلام يجعل الهدف من الخلق كلّه ونشاطات المخلوقين صِدق عبادة المعبود، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56].

وهكذا نجد الربْط المحكَم والوثيق بين النشاط الاقتصاديّ والقيَم والمعايير الأخلاقيّة، ويُبنى كلّ ذلك على قاعدة الإيمان بالله، واستشعار رقابته في السرّ والعَلَن، نيّةً أو تنفيذاً.

وهذا عنصر نفسيّ يمنع المسلم من التصرّف بالمال بما يخالف قواعد الحلال والحرام، بوصفها الوجه السلوكي لمفهوم العبادة، وفي ضوء ذلك نستطيع الحكم على صحّة التصرّف العامّ والشخصي.

ولم يقف المشرّع عند هذا، بل أدخل إلى جنب الضوابط مفهوم البدائل...، فهو حين حرّم الربا لم يكتفِ بالتحريم؛ إذ قد يحتاج المجتمع إلى تداول المال، وبه ستقف عجلة الاستثمار، أو الطلب الفعّال عند توقّف القروض الاستهلاكيّة، لكنّه جعل القرض الحسَن أو المضاربة وسائل بديلة لتمويل النشاط الاقتصادي؛ وبذلك أغلق الباب نفسيّاً وعمليّاً على ارتكاب فعلٍ محرّم جعله في باب الجرائم.

لذلك فإنّ للإسلام معياراً محدّداً منضبطاً هادفاً لتقرير سلامة التصرّف، والهدف معيار واضح معلَن متسلسل وفْق سُلّم هرميّ من المحرّم إلى الواجب، تدعمه قوى نفسيّة هي مراقبة الله في السرّ والعَلن، وتدعمه جزاءات دنيويّة وأُخرويّة، فهو فلسفة شاملة تُلاحق التصرّف من معالجة الموادّ الخام إلى توزيع أثمان سلعها.

١٦٥

إنّ هذه القواعد تتدخّل في الكثير من مفاصل التصرّف بوسائل الإنتاج والثروة، ولنأخذ على ذلك مثلاً واحداً، وهو مفهوم العائد:

إنّ مفهوم العائد في الاقتصادات المعاصرة مفهوم مادّيّ ورقميّ ربحيّ محْض، بينما هو في الإسلام ما سمّاه القرآن إقراضَ الله قرضاً حسناً، فيدخل فيه النفع العامّ، والوقف، والتكافل، والأمر بالمعروف، ونشر العلم والفضيلة، والخسارة كذلك، فيدخل فيها كلّ عمل ألحَقَ ضرراً بالمجتمع الإسلامي، وإن حقّق ربحاً مادّياً، سواء كان هذا الضرر في العقيدة أمْ في الأخلاق أمْ في كرامة الإنسان وحقوقه في الحياة.

وهذا المفهوم يوسّع مصطلح الفورات الخارجيّة إلى ما هو معنوي وروحي.

المبحث الثالث: مبدأ كفاية الفرد وأثَره في وقاية المجتمع من الجريمة

مرّ بنا القول إنّ عدداً كبيراً من الباحثين يعتقد أنّ الفقر حالة دافعة إلى الجريمة، سواء كانت رئيسة كما يراها أصحاب نظريّة الباعث الاقتصاديّ، أمْ مساعدة كما يراها المفكّرون المسلمون، فالفقر - بوصفه انخفاضاً في دخل الفرد أو قصوره أو عجزه عن تلبية حاجاته الأساسيّة وسدادها - يشكّل علاقة جدليّة مع الجريمة، أيّاً كانت درجة الباعث؛ لأنّ الفقر يعوّق الفرد عن الإسهام في النشاط الإيجابي، وأنّه باعتباره ضعفاً في التراكم العامّ يشكّل وسطاً لانتشار البطالة.. وسبباً في البؤس، إلى جنب طبقة صغيرة مترَفة، كلّ ذلك مع نقص الإيمان وضعف التقوى يؤدّي إلى ارتكاب الجرائم عامّة، فقد وجدت دراسة جرت في أمريكا وانكلترا أنّ البطالة عامل هامّ في إحداث السلوك الإجراميّ.

وأجرت جامعة هارفرد (1950م) دراسة على عيّنة (200) من الأحداث الجانحين، فوجدت أنّ (75%) من أُسَر هؤلاء ذات مستوىً اقتصاديٍّ متدَنٍ.

١٦٦

ومثلها في إيطاليا وُجد أنّ بالغين مجرمين محكوم عليهم ينتسب (85 - 90%) منهم إلى أُسر فقيرة. ووُجد العوجي أنّ جرائم الاتّجار بسلع محرّمة، والرشوة، والسرقة، كـان باعثها تدنّي الأُجـور وتقلّبـات الدخْـل (1) . فما هو الموقف الإسلامي من ضرورة تحقيق كفاية الفرد؟ وما أثره في تقليل نِسَب الجريمة؟ إنّ نظرة واحدة إلى مصارف الزكاة تفيد أنّها تشكلّ عناصر مبدأ كفاية الفرد، فالفقير - عند الفقهاء - هو من لا يملك قُوتَ سنَتِه، ومَن يعول على الكفاية (2) ؛ لذلك تنصّ نظريّة التوزيع الإسلاميّة على (أن يُعطى حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش) (3) ، وهو بذلك يشمل العاجزين عن العمل بمرض أو بطالة، ومَن ينقص أجرهم عن متطلّباتهم، والمحتاجين لأدوات مِهَنِهم، والمتفرّغين للتحصيل العلمي (4) . قال الصادق (عليه السلام): (إنّ الله فرَض في أموال الأغنياء للفقراء بقدَر ما يستغنون) (5) . وقد ذهب الشافعيّة إلى أنّه يجوز إعطاء الزُمّن العاجز نهائيّاً عن العمل لعوَق أو مرض مزمِن، ويدخل في كفاية الفرد الغارمون - وهُم الذين عجزوا عن سداد ديونهم - (6) فيُجعل لهم رصيداً ماليّاً يسدّد عنهم دَينهم، فيزيل عنهم الباعث على العدوان، ويلحظ فيه أنّه غلْقٌ عمليّ لدوافع جريمة الربا، ويسدّد عن الغارم - عند الفقهاء - حتى إذا مـات. قال صاحب (الجواهر): (إذا مات المدين وليس في تركته ما يفي دينه يؤدّي عنه من مال الزكاة) (7) . ويقرّر الفقهاء في من يستطيع بالعمل سداد دَينه أن ينتظر - وجوباً - إلى وقت يساره، ويعفيه المشرّع الإسلامي من بيع مسكنه ومتاعه لسداد الدَين (8) ، وتتولّى مصارف الزكاة حالات الفقر الطارئ لأسباب مؤقّته كابن

____________________

(1) وقائع المؤتمر السابع للأُمم المتّحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين / ميلانو (1985م)، ص: 3/128.

اُنظر: د. خليفة (م. س)، ص: 104.

(2) النجفي (محمّد حسن)، (م. س): 15/324، ابن عابدين، (م. س): 2/58، ابن قُدامة، (م. س): 2/692، القرطبي، (م. س): 8/173.

(3) أبو عبيد، (م. س)، ص: 227 و228.          (4) المصادر الفقهيّة نفسها في الهامش (106).

(5) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: 6 / 185.

(6) النووي، المجموع: 6/194، الإمام الشافعي، الأُم: 2/58، الرملي، (م. س): 6/153.

(7) النجفي (محمّد حسن)، (م. س): 15/369.

(8) أبو زهرة (محمّد)، المؤتمر الثاني للبحوث الإسلاميّة، (الزكاة)، ص: 164. النجفي، (م. س): 15/ 369.

١٦٧

السبيل، وهو المسافر المنقطع عن ماله مؤقّتاً، فيعطى إلى حين تمكّنه من التصرّف بماله، ولا يسترجع منه ما أُعطي، يقول الشيخ الطوسي: (إنّه ملَكها بالإعطاء) (1) .

ويذهب الفقه الإسلاميّ إلى أكثر من ذلك، فهُم يكفلونه حتى لو وجد مَن يُقرضه، يقول القرطبي: (لا يلزمه أن يشغل ذمّته بالسَلف) (2) .

ولو لاحظنا الخُمس لوجدناه وسيلةً ماليّةً هامّةً؛ لتعديل المداخيل باقتطاع (20%) من الفوائض لصالح فئات العجز الدخلي.

وهناك الكفّارات والنذور والوقْف، وهناك استثمارات الدولة للأرض الخراجيّة، والمعادن والسياحة، وغيرها من موارد الضمان الاجتماعي.

إنّ عجْز شخص واحد في عصر الصحابة ظاهرة يتوقّف عندها أمير المؤمنين (عليه السلام) حين مرّ بشيخ يتكفّف الناس، فيسأله سؤال المستغرب الذي فوجئ بوجود ما لا يجب أن يكون في رعيّته: (ما ألجأك إلى هذا؟)، ويعالج أسباب التكفّف بما يلغي حالة واحدة من ظاهرة مُدانة.

إنّ نظريّة التوزيع حين تكفّل الفرد، فهي إنّما تكفّه عن التعرّض لأموال الأفراد أو الأموال العامّة، وتسهم في الكفاية الإنتاجيّة تأهيل الفرد، وصرْف طاقاته في الإبداع. وهكذا تُتمِّم سيادة مبدأ كفاية الفرد تحصين الإسلام للمسلم بالتقوى.

المبحث الرابع: مبدأ التوبة وأثره في ترسيخ الأمن الاجتماعي

يقرّر الفقهاء أنّ التوبة باب مشرع ليدخل منه المذنبون إلى رحمة الله، والسلوك السويّ عامّة، بل يقرّر الفقهاء أنّ قُطّاع الطُرق لو تابوا قبل قدرة السلطان عليهم، فإنّ الحدّ يسقط عنهم وجوباً، وهذا حكمٌ اتّفق عليه الفقهاء؛ لقوله تعالى: ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ) [المائدة: 34] (3) . وفي العُصاة مطلقاً، فإنّ التوبة تُسقط العقوبة عند الإمام أحمد،

____________________

(1) الطوسي، المبسوط، باب الزكاة.

(2) القرطبي، (م. س): 8/180.

(3) الزحيلي، (م. س): 2/387.

١٦٨

سواء رُفع الأمر إلى الحاكم أم لا؛ استند في ذلك إلى حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (التائب من الذنب كمَن لا ذنب له) (1) .

وقوله أيضاً: (التوبة تجُبّ ما قبلها) (2) .

ولأنّ في إسقاط الحدّ ترغيباً في التوبة، ما عدا حدّ القذف، فإنّه لا يسقط حقّ آدمي، وكذلك في القتل لتعلّق الحقّ الشخصي به لوليّ الدم، وتُسقط التوبة التعزيرات التي تقام حقّاً لله تعالى، كتعزير مفطِر رمضان، وتارك الصلاة، وآكل الربا، ومَن يحضر موائد الخمر ومجالس الفسق، ومَن باشر امرأة أجنبيّة في ما دون الجُماع، فيَسقط التعزير بالتوبة (3) .

ويقول القرافي: (إنّ التعزير مطلقاً يسقط بالتوبة، ما علمتُ في ذلك خلافاً) (4) . وهو مذهب الزيديّة في (البحر الزخّار) (5) .

ويرى صاحب (الشرائع) و(الجواهر) (أنّ الحدّ يسقط بالتوبة قبل البيّنة، ومع الإقرار والتوبة يكون الإمام مخيّراً) (6) ، فقد جاء في مُرسلة جميل عن أحد الأئمّة (عليهم السلام) في رجُل سرق أو شرب خمراً أو زنى، فلم يُعلَم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلُح، قال (عليه السلام): (إذا صلُح وعُرِف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ) (7) .

وذهب صاحب (الجواهر) إلى أنّ اللائط لو تاب قبل قيام البيّنة سقط الحدّ (8) ، (ولو كان مقرّاً، كان الإمام مخيّراً بين العفو والاستيفاء، وكذلك في السحْق) (9) .

وذكر الفقهاء (أنّه مَن باع الخمر مستحلاًّ يُستتاب، فإن تاب، وإلاّ قُتل، أمّا شارب الخمر، فإن تاب قبل البيّنة سقط الحدّ) (10) .

الخاتمة

لقد اتّضح لنا من خلال البحث: أنّ العقيدة الإسلاميّة والتشريع لهما أثر هامّ في تشكيل تصوّر واضح للإنسان المسلم عن جوانب السلوك الإيجابيّ الفعّال، ومكافحة العوامل المساعدة على نشوء الباعث على الجريمة.

____________________

(1) المصدر نفسه.                                      (2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه: 2/390.                           (4) القرافي، (م. س): 4/181.

(5) المرتضى، (م. س): 5/211.                      (6) النجفي (محمّد حسن)، (م. س): 41/308.

(7) الحرّ العاملي، (م. س) الباب 16، حدّ الزنا.     (8) النجفي (محمّد حسن)، (م. س): 41/307.

(9) المصدر نفسه: 41/390.                         (10) المصدر نفسه: 41/468.

١٦٩

وإنّ هذا التشريع يعتمد سُبل وقائيّة أوّلاً..، مبتغياً من ذلك تقليل الوسائل العقابيّة، لكنّه لا يتركها إذا ما ظهرت، جاعلاً مفهوم التوبة باباً واسعاً لعودة الخارج عن القانون إلى مجال الفعاليّة الإيجابيّة في المجتمع.

وبذلك تؤسّس الشريعة نظريّة للأمن الاجتماعي تُعدّ أرقى نظريّات سيادة مبدأ القانون في المجتمعات المعاصرة.

وظهر أنّ الإسلام يوسّع مفهوم الجريمة إلى كلّ ذنب (مخالفة للتشريع)، ويسعى لوقاية الإنسان منها جميعاً، لكنّه في مجال العلاج يجعل لبعضها - ذات المدى الخطير - عقوبات يسند تقريرها للقضاء ولجهاز الحسَبة، بينما يترك الأُخرى للعقوبات الأُخرويّة، وهكذا فإنّ مجالات النشاط الإنساني في التشريع الإسلامي كلّه محكومة القانون والجزاءات بشكلَيها الدنيوي والأُخروي.

ولا يقف التصوّر الإسلامي في مفهومه للباعث عند رؤية أُحادية، بل يعدّد بواعث اقتصاديّة، مناخيّة، نفسيّـة... إلخ، ما هي في تصوّر الإسلام إلاّ صور خارجيّة للباعث الذي يراه.

ويلحظ في أُسلوب الإسلام أنّه يُركّز على الإيمان والعمل الصالح والتقوى بمختلف الوسائل، الأمر الذي يعدّ مصادرة للبواعث على الجريمة وإلغاء أثرها. ويلحظ الباحث أنّ الجريمة الاقتصاديّة قد حفلت باهتمام الشريعة تحديداً ووقايةً وعلاجاً، لِما تقرّر من أثر حبّ المال والملكيّة من دفْعٍ نحو السلوك العدواني، الأمر الذي يمكّننا من القول: إنّ الترابط العضوي بين العقيدة والنُظم الحياتيّة من جهة، وتنزيه السلوك من الباعث والنزوع إلى العدوان على حقوق الغير من جهة أخرى، ترابط رفيع المستوى، متجسّد بربط النشاط بالقيَم والفضائل، وربطه بالمفاهيم العامّة للمال والملكيّة، وتركيزه على كفاية الفرد، وسيادة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفكرة المعاد وتوابعه.

١٧٠

ويلحظ من البحث: أنّ الإسلام يؤسّس اقتصاداً قيميّاً لا رقميّاً؛ حيث يُرسي قاعدة الحلال والحرام لتعرف بموجبها إسلاميّة الإنتاج والتبادل، كما يستخدم التوزيع... لتحقيق مبدأ الكفاية، كما أنّه له فهْمه للربح والخسارة بما يتعدّى الحياة الدنيا إلى إقراض الله قرضاً حسناً في تحقيق التضامن الاجتماعيّ. ويلحظ أنّ الإسلام يحافظ على الموارد لهذا الغرض، فيَعدّ تعطيلها جريمة، ويرى أنّ الإسراف والاستخدام غير الرشيد في الاستهلاك من المُخالفات القانونيّة للإسلام.

وظهر من البحث: أنّ المعاملات الربويّة - أيّما كان مقدار الفائدة فيها - من الجرائم الاقتصاديّة، وهو - هنا - ينفرد عن النظم الاقتصاديّة والقانونيّة، لِما يترتّب على الاقتصادات الربويّة من آثار على زيادة كُلفة الإنتاج، بما يؤثّر على تفاوت التوزيع وإحياء الصورة الاقتصاديّة للباعث على الجريمة.

ويؤسّس نظريّةً في الاحتكار وإفساد العَرْض والطلب؛ إذ يترك الفرد يمارس نشاطه من دون حظرٍ في حالات الكفاية الإنتاجيّة والشرائيّة، بينما يتدخّل لمصلحة الفرد في الحالات الخاصّة التي يتطلّب فيها التضامن الإنتاجيّ والتوزيعّي بين أفراد المجتمع.

وفي جرائم العُملة يُظهر تصوّر الإسلام الناضج في حماية عُملة دار الإسلام، وربَط ذلك بكميّة الإنتاج وسرعة التداول، الأمر الذي يؤسّس إطاراً نظريّاً في مكافحة التضخّم؛ لِما لَه من آثار هامّة في إشاعة الجريمة.

ويظنّ الباحث أنّ بحثه قد حقّق أهدافه في ملامسة نظريّة الأمن الاجتماعيّ، وعَرْض محاورها وآثارها في إقامة المجتمع الإيجابّي والفاعل.

... يرجو الباحث أن يكون قد قدّم ورقة بحث نافعة...، ابتغاء لوجهه الكريم...، متضرّعاً إليه تعالى أن يجعله صدقةً جارية.

١٧١

المصادر

أ - القرآن الكريم والتفسير:

1 - الطوسي (محمّد بن الحسن)، التبيان في تفسير القرآن، النجف، مصادر التفسير.

2 - الطبرسي، مجمع البيان، شركة المعارف الإسلاميّة، 1379هـ.

3 - الجصّاص (أبو بكر)، أحكام القرآن، دار الكتاب العربي - بيروت، ب. ت.

4 - المقداد السيوري، كنز العرفان في فقه القرآن، مطبعة القضاء - النجف.

5 - القرطبي (أحمد بن محمّد)، الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1965م.

6 - الطباطبائي (محمّد حسين)، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة الأعلمي - بيروت، ط 1.

ب - مصادر الحديث النبوي:

7 - البخاري، صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي، طبعة مصوّرة على الأصل بولاق، ابن ماجة، سنن ابن ماجة، تحقيق محمّد فؤاد الحلبي، مصر، 1952م.

١٧٢

8 - السيوطي، الجامع الصغير، بهامشه كنوز الحقائق، البابي الحلبي، ط4، 1954م.

9 - الحرّ العاملي، وسائل الشيعة في تحصيل مسائل الشريعة، بيروت ط2، 1966م.

10 - ابن سلام (أبو عبيد القاسم)، الأموال، تحقيق محمّد خليل الهراس، دار الكتب العلميّة - بيروت، ط1، 1986م.

11 - الشوكاني، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط2، 1950م.

12 - الصنعاني، سبُل السلام شرح بلوغ المرام، مراجعة الخولي، مكتبة البابي الحلبي، ط2، 1950م.

جـ - الكتب الفقهيّة:

فقه الإماميّة:

13 - الأنصاري، المكاسب، تحقيق محمّد كلانتر، طبع الجامعة العربيّة - النجف.

14 - الشهيد الأوّل، اللمعة الدمشقيّة، تحقيق محمّد كلانتر، طبع الجامعة العربيّة - النجف / الآداب، 1967م.

15 - المحقّق الحلّي، الشرائع، تحقيق محمّد عبد الحسين محمّد علي، مطبعة الآداب - النجف، 1969م.

16 - العلاّمة الحلّي، تذكرة الفقهاء، مختلف الشيعة، المكتبة الرضويّة، أوفسيت على الحجريّة، 1388هـ.

17 - العاملي، مفتاح الكرامة، مطبعة الشورى / الفجالة - مصر.

18 - ابن إدريس، السرائر، المطبعة الرضويّة (حجريّة).

19 - النجفي (محمد حسن)، جواهر الكلام، تحقيق عبّاس التوجاني، دار الكتب الإسلاميّة، 1392هـ.

20 - الفيّاض (إسحاق)، أحكام الأراضي، مطبعة الآداب - النجف، 1981م.

١٧٣

21 - الخوئي (أبو القاسم)، منهاج الصالحين، مطبعة الآداب - النجف، 1985م.

22 - الشيخ الطوسي، النهاية في الفقه والفتاوى، بيروت، 1390هـ.

فقه الحنفيّة:

23 - الكاساني، بدائع الصنائع، دار الكُتب العلميّة - بيروت، ط2، 1986م.

24 - ابن عابدين، ردّ المحتار على الدرّ المختار، البابي الحلبي - القاهرة، ط2، 1966م.

25 - الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة - بيروت.

26 - الميرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدى، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1965م.

27 - الماوردي، الأحكام السلطانيّة، دار الحرّية للطباعة، ط1، 1989م.

فقه الشافعيّة:

28 - الماوردي، الأحكام السلطانيّة، دار الحرّية للطباعة، ط1، 1989م.

29 - الشافعي، الأُم، وبهامشه كُتب أُخرى، كتاب الشعب - مصر، 1968م.

فقه المالكيّة:

30 - القرافي، الفروق، دار إحياء العربيّة، 1346هـ.

31 - العيد (ابن دقيق)، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، المطبعة المنيريّة، 1342 هـ.

32 - ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مطبعة الاستقامة - القاهرة، 1952 م.

33 - الصاوي (أحمد)، بلغة السالك لأقرب المسالك، المكتبة التجاريّة الكبرى - مصر، 1371هـ.

34 - الباجي (ابن الوليد)، المنتقى شرح الموطّأ، مطبعة السعادة - مصر، ط1، 1332هـ.

35 - الإمام مالك، المدوّنة، رواية سحنون، مطبعة السعادة - مصر، ط1، 1323هـ.

١٧٤

فقه الحنابلة:

36 - ابن قدامة، المغني، دار المنار، ط3، 1367 هـ.

37 - الفراء، الأحكام السلطانيّة، تحقيق محمّد حامد الفقي، الحلبي، ط1، 1938م.

38 - ابن تيميّة، الحسبة في الإسلام.

39 - ابن قيّم، أعلام الموقّعين، مطبعة المكتبة التجاريّة - مصر، ط1، 1955م.

كُتب فقهيّة أُخرى:

40 - موسوعة جمال عبد الناصر في الفقه الإسلامي، مطابع دار التحرير - القاهرة، 1386هـ.

41 - الزحيلي، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، ط2، دار الفكر - بيروت.

42 - النبهاني، الاتّجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي، (دكتوراه)، بيروت، ط1، 1970م.

43 - المرتضى (أحمد بن يحيى)، البحر الزخّار، مطبعة أعضاء السنة - القاهرة، 1949م.

44 - السبزواري، جامع الأحكام الشرعيّة، مطبعة الآداب - النجف، 1988 م.

45 - الخفيف (علي)، بحثه في المؤتمر الثاني للبحوث الإسلاميّة، (الملكيّة الفردية)، الأزهر، 1964م.

46 - الزرقا، المدخل إلى الفقه الإسلامي.

47 - ابن حزم، المحلّى، المكتبة التجاريّة للطباعة - بيروت، 1969م.

48 - أبو زهرة، المؤتمر الثاني للبحوث الإسلامية، الأزهر، 1964م.

49 - قرشي (أنور إقبال)، الإسلام والربا، ترجمة فاروق حلمي.

د - المصادر القانونيّة والاقتصاديّة:

50 - أبو زهرة (محمّد)، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي.

١٧٥

51 - عبد الرحيم (آمال)، قانون العقوبات الخاصّ بجرائم التموين، دار النهضة - القاهرة، 1969م.

52 - نشأة (أكرم)، الأحكام العامّة في قانون العقوبات العراقي.

53 - خليفة (أحمد محمد)، أُصول علم الإجرام الاجتماعي، القاهرة، ط2، 1955م.

54 - سعيد (مصطفى)، الأحكام العامّة في قانون العقوبات، القاهرة، 1963م.

55 - إلياس (يوسف)، مجموعة العقوبات العربية، الجنائي، مطبعة دار السلام - بغداد، 1981م.

56 - مدحت (نبيل)، الجرائم الاقتصاديّة في القانون المقارن، مكتبة وهبة - القاهرة، 1972م.

57 - العطيف (جمال)، فكرة الجريمة الاقتصاديّة، بحث مقدّم إلى الحلقة العربيّة الأولى للدفاع الاجتماعي، القاهرة، 1966م.

58 - ولعلو (فتح الله)، مدخل للدراسات الاقتصاديّة، دار الحداثة - بيروت، ط1، 1981م.

59 - السيّد علي (عبد المنعم)، دراسات في النقود والسياسة النقديّة، مطبعة العاني - بغداد، ط1، 1970م.

60 - بيرماني (خزعل)، مبادئ الاقتصاد الكلّي، بغداد، 1987م.

61 - الحسب (فاضل)، في الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي، دار المعرفة - بيروت، 1982م.

62 - الغزالي، إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت.

63 - الشبرزي، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، القاهرة، 1356هـ.

64 - ابن الأخوة، معالم الغربة في أحكام الحسبة، كمبردج، دار الفنون، 1937م.

١٧٦

البحث السادس

  الصُلح وأحكامه

في الفقه الإسلاميّ والقانون المدنيّ

١٧٧

١٧٨

مقدمة

لقد وُجدت القوانين عامّة لتنظيم الحياة الاجتماعيّة، إذ انتهى العقل الإنساني إلى أنّه لا بدّ من شريعةٍ ترسم نظام الحيـاة؛ لذلك تُعدّ أهمّ وظيفة للتشريع عامّة هي إنهاء المنازعات بين الناس، فقهاً بالرجوع إلى النظريّة الفقهيّة، وقضاءً إلى أهل العلم بتلك النظريّة.

إنّ التشريع الإسلاميّ، هو آخِر التشريعات المنزَلة من قِبل الله تعالى، والذي ختم به سلسلة التشريعات التي تضع للإنسان أقوَم المناهج: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: 9].

يرى الدكتور الزرقا:

إنّ من الأُطر العامّة للشريعة ليس التنظيم فقط، إنّما إصلاح الحياة الاجتماعيّة بصورة تجعلها حياةً يسودها الأمن والعدل، والحرّية وكرامة الإنسان؛ لذا جاء النظام المدني الإسلامي مركِّزاً على الحقوق الخاصّة للأفراد بالدرجة نفسها التي ركّز فيها على الحقوق العامّة (1) .

والمميّزات التي ينفرد بها التشريع الإسلامي عن القانون الوضعيّ كثيرة، ويمكننا القول - في ما له المساس المباشر بموضوعنا - إنّ الفقه الإسلامي له من الصفة الدينيّة ما يطاع طاعةً اختياريّة؛ حيث سهّل الإسلام سبُل التعرّف على أحكامه، فإذا عرَفها المسلمون طبّقوها عن رضاً واختياراً منهم.

إنّ لهذا الالتزام الطوعي ثمرةً هامّةً، وهي أنّ المجتمع الإسلامي أقلّ المجتمعات إثقالاً على مؤسّسات القضاء، وأقلّ تدافعاً في اتّخاذ الوسائل لإنكار الحقّ المترتّب في ذمّة مَن عليه الحقّ (2) .

ثمرة أُخرى تُستخرَج من تلك الصفة، وهي أنّ مِن أهمّ مقاصد الشريعة أن توجد درجة عالية من التماسك الاجتماعي والمودّة والتعاطف والتكافل.

____________________

(1) الزرقا، المدخل الفقهي العام: 1/30.

(2) زيدان، نظام القضاء، ص9، ظ: عبد الباقي، نظريّة القانون، ص 25، حسن كيره، الموجز في المدخل إلى القانون، ص42.

١٧٩

لذلك، ليس للقانون - فقط - وظيفة حلّ المنازعات، بل هو يسعى - قبل ذلك - إلى وقاية الناس من ولوج أسباب الخصومة ابتداءً، نجد ذلك واضحاً في شرائط العقود والإيقاعات (شرائط الصحّة)، ثمّ إبطاله لكثير من التصرّفات الغررية، التي تؤدّي بالتالي إلى الخصومة والتنازع.

  فالتأكيد على معلوميّة العوَضين في البيع، أو المدّة والعوض في الإجارة، والإشهاد والمكاتبة في الدَين دليل على هذا النزوع، وإعلام على هذا المقصد؛ لذلك فالتعامل بين المكلّفين يجري قبل كلّ شيء في ضوء (تحديدات شرائط المعاملات في الفقه)، ثمّ يجعل المشرّع مِن وسيلتَي التحكيم والقضاء مؤسّستين لحلّ الخصومة الناشئة عن ضمان العقد، فإذا عجزت هذه الوسائل عن إحلال الرضا التامّ في التبادل النفعي بين الناس لم يبقَ الحقّ هكذا من دون حسْم، إنّما يتدخّل العنصر الإيماني لحلّ الإشكال باعتماد وسيلة الصُلح، بوصفها وسيلة لضمان العقد.

فما هو الصلح؟

١٨٠