فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 212812
تحميل: 8090

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212812 / تحميل: 8090
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أبي جهل؟

أكان ذلك لأنّ بنت أبي جهل كانت من الجمال والكمال بحيث لم تكن أيّ فتاة عربية غيرها على شيء من مثلها؟

إنّما خصّوا بذلك بنت أبي جهل ليكون الطعن في عليعليه‌السلام أبلغ وأنفذ، فهو لم يختر لإغاظة النبي وابنته فاطمة إلاّ بنت أعدى عدوٍّ للنبي والإسلام.

كشفتْ الدسيسة عن نفسها، وفضحت مخترعيها ولو كانوا أكثر ذكاءً لخففّوا من غلوائهم، ولم يمدحوا أنفسهم وهم يشتمون محمداً وابنته وابن عمّه.

فقد أوردوا في القصّة هذا النص عن لسان النبي: (ذكر - النبي - صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن).

قال - النبي -: (حدَّثني - أي ذلك الصهر من بني عبد شمس - فصدقني، ووعدني فأوفاني).

ومعنى هذا الكلام أنّ النبي يثني على صهره الأموي من بني عبد شمس ويقول عنه: أنّه حدّثه فصدقه في حديثه، ووعده فوفى بما وعد!

والنتيجة الحتميّة لهذا الكلام أنّ صهر النبي الآخر (علي بن أبي طالب) حدَّث النبيَّ وكذب، ووعد النبي فغدر ولم يفِ، وأنّ النبي ذمَّه في مصاهرته إيّاه!!

وهكذا - كما قلنا - فضحت الدسيسة نفسها بنفسها وأظهرت زيفها دون أن تحوجنا في ذلك إلى كثير عناء.

أُريدَ لهذا الخبر الزائف غاية أُخرى مضافة إلى غاية الطعن في النبي وفي علي وفاطمة، هذه الغاية هي صرف الأنظار عن حقيقة الذين أغضبوا

١٦١

فاطمة، وجعل المقصود بذلك هو علي بن أبي طالب.

فقد أورد مدبّرو الخبر ومنظّموه، أوردوه بعدَّة نصوص ليكون في كل نصٍ غاية مستقلّة.

ومن النصوص التي أوردوها قولهم: قال النبي: (فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما يؤذيها).

ثم فسّروا هذا الحديث بأن قالوا: إنّ المقصود منه أنَّ الله حرَّم على علي أن يتزوّج على فاطمة ويؤذي رسول الله.

١٦٢

ولاَدَةُ الإمَام الحَسَنعليه‌السلام

وحملت السيدة فاطمة الزهراء بولدها الحسنعليه‌السلام وعمرها اثنتا عشرة سنة، وانتقل شيء من نور الإمام والإمامة من صلب علي إلى فاطمة، ومن الطبيعي أنّ النور يتجلّى في وجهها، ويزهر وجهها كي يصدق عليها اسم (الزهراء ) واقتربت الولادة، واتفقت للرسول سفرة جاء يودّع ابنته فاطمة، فأوصاها بوصايا تتعلّق بالمولود المنتظر ومنها: أنّ لا يلفّوه في خرقة صفراء.

ووضعت فاطمة ولدها الأوّل في النصف من شهر رمضان (على قول) سنة ثلاث من الهجرة، فكان يوماً عظيماً، وقد حضرت عند الولادة أسماء بنت عميس فلفّوه في خرقة صفراء، لا تعمّداً ومخالفة للرسول، بل سهواً وغفلة أو جهلاً من النسوة اللاتي حضرن الولادة.

فأقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: أروني ابني، ما سمّيتموه؟

وكانت فاطمة قالت لعليعليه‌السلام : سمِّه. فقال علي: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله.

فلمّا جاء النبي وأخذ المولود قال: ألم أنهكم أن تلفّوه في خرقة صفراء؟ ثم رمى بها، وأخذ خرقة بيضاء فلفَّه بها.

ثم قال لعليعليه‌السلام : هل سميّته؟

قال علي: ما كنت لأسبقك باسمه.

١٦٣

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كنت لأسبق ربّي عزّ وجل.

فأوحى الله إلى جبرئيل: أنه قد وُلد لمحمد ابن، فاهبط، فأقرأه السلام، وهنأه وقل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمِّه باسم ابن هارون.

فهبط جبرئيل فهنأه من الله عزّ وجل، ثم قال: إنّ الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كان اسمه؟ قال جبرئيل: شبَّر فقال النبي: لساني عربي (1) .

قال جبرئيل: سمّه الحسن. فسمَّاه الحسن، وأذَّن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى.

فلمّا كان يوم السابع عقّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً. وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر فضّة، وطلى رأسه بالخلوق(2) وقال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية. أي إنّ أهل الجاهلية كانوا يطلون رأس المولود بالدم.

وكان الرسول يقبّله: ويُدخل لسانه في فم الحسن فيمصّه الحسن وقيل: كان ذلك كله يوم السابع من الولادة(3) .

____________________

(1) لأنّ شبّر كلمة عبرية وليست عربية.

(2) الخلوق: طيب مركّب من الزعفران وغيره.

(3) بحار الأنوار ج 44.

١٦٤

ولاَدَةُ الإمَام الحُسَينعليه‌السلام

حملت السيدة فاطمة الزهراء بطفلها الثاني، ومضت ستّة أشهر على الحمل، وإذا بها تشعر بعلائم الولادة. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بشَّر بولادة الحسين.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : أقبل جيران أم أيمن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا رسول الله إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت. فبعث رسول الله إلى أم أيمن فجاءته فقال لها: يا أم أيمن! لا أبكى الله عينيك! إنّ جيرانك أتوني وأخبروني أنّك لم تزل الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقصِّيها على رسول الله، فإنّ الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم عليَّ أن أتكلّم بها.

فقال لها: إنّ الرؤيا ليست على ما تُرى، فقصِّيها على رسول الله.

فقالت: رأيت ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقىً في بيتي!

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نامت عينك ورأيت

١٦٥

خيراً، يا أم أيمن تلد فاطمة الحسين فتربّينه وتلبّينه فيكون بعض أعضائي في بيتك.

فلمّا ولدت فاطمة الحسينعليهما‌السلام أقبلت به أُم أيمن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: مرحباً بالحامل والمحمول، يا أُم أيمن هذا تأويل رؤياك.

ورأت أُم الفضل زوجة العباس (عمّ النبي) رؤيا شبيهة برؤيا أُم أيمن.

وحضرت النسوة وقت الولادة، منهنّ: صفية بنت عبد المطلب (عمّة النبي)، وأسماء بنت عميس، وأُم سلمة، فلمّا وُلد الحسين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمة هلمِّي إليّ ابني. فقالت: يا رسول الله إنّا لم ننظفه بعد. فقال: يا عمّة أنت تنظّفينه؟ إنّ الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره.

وهبط جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره أن يسمّيه: الحسين باسم ابن هارون، وكان اسمه بالعبرية (شبير) ومعناها بالعربية: الحسين.

وهبط على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أفواج من الملائكة لتُهنّئه بولادة الحسين وتعزّيه بشهادته، وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسين، فجعل لسانه في فمه، فجعل الحسين يمصّه، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأتيه كل يوم فيلقمه لسانه فيمصّه الحسين حتى نبت لحمه واشتدّ عظمه من ريق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يرتضع الحسينعليه‌السلام من أُمّه، ولا من امرأة أُخرى!

قال سيّدنا بحر العلوم (عليه الرحمة):

١٦٦

لله مرتضع لن يرتضع أبداً

من ثدي أُنثى ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آناً فآونةً

لسانه فاستوت منه طبائعه

وفي اليوم السابع من ولادته أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحلق رأس الحسين، وتصدّق بوزن شعره فضّة، وعقّ عنه(1) .

هذا وتجد التفصيل في كتابنا: (الإمام الحسين عليه‌السلام من المهد إلى اللحد ) إن شاء الله تعالى.

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

١٦٧

ولادَةُ السيّدَة زَيْنَب الكُبرىعليها‌السلام

من الصحيح أن نقول إنّ ولادة السيدة زينب الكبرىعليها‌السلام كانت بعد ولادة الحسينعليه‌السلام ، وبعبارة أخرى: إنّ السيدة زينب هي الطفل الثالث للسيدة فاطمة الزهراء بإجماع أكثر المؤرّخين والمحدّثين، إلاّ مَن شذّ وندر من المؤرّخين المتطرّفين الذين جعلوها الطفل الرابع، زاعمين أنّ السيدة فاطمة الزهراء حملت بزينب بعد سقوط جنين لها؛ وهم بذلك يقصدون تغطية الجريمة وستر المأساة التي حدثت عند باب دار السيدة فاطمة الزهراء بعد وفاة الرسول، ممّا أدّى ذلك إلى سقوط جنينها.

ومن جملة مَن أعجبهم هذا القول الشاذ هي بنت الشاطئ المصرية في كتابها: (بطلة كربلاء) وإليك نصّ كلامها:

(إنّها الزهراء بنت النبي، توشك أن تضع في بيت النبوّة مولوداً جديداً بعد أن أقرّت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين: الحسن والحسين، وثالث لم يقدّر له أن يعيش هو المحسن بن علي... إلى آخر كلامها.

ولا يهمّنا - الآن - النقاش حول هذه المغالطة؛ لأنّ لنا مجالاً واسعاً - في المستقبل - حول المحسن بن علي، وأنّه هو الطفل الأخير لفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأنّه مات جنيناً في بطن أُمه على أثر الصدمة والضغطة التي حدثت بين الحائط وبين باب بيت فاطمة.

وإنّما نذكر هنا نبذة مختصرة من حياة السيدة زينب الكبرى رعاية

١٦٨

لأسلوب الكتاب، وأرجو الله تعالى أن يوفّقني لأكتب كتاباً مستقلاًّ حول حياة السيدة زينب الكبرىعليها‌السلام ؛ فإنّ حياتها المشرقة جديرة بالبحث والتحليل والإشادة والتنويه، ونذكر هنا الشيء اليسير اليسير عن مولدها ونشأتها، ونرجئ التفصيل إلى كتاب آخر إن شاء الله:

وُلدت السيدة زينب الكبرى في السنة الخامسة من الهجرة، وهي المولود الثالث للبيت النبوي العلوي الشريف الأرفع.

وإنّني أراها - هنا - في غنىً عن التعريف والوصف، وما عساني أن أقول في سيّدة أبوها: الإمام المرتضى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأُمّها التي أنجبتها: سيّدة نساء العالمين الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء بضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخواها سيّدا شباب أهل الجنّة الإمامان: الحسن والحسينعليهما‌السلام فهي حصيلة الفضائل، ونتيجة العظمة، محاطة بهالة من الشرف الرفيع من جميع جوانبها.

فلا تسأل عن صدرٍ أرضعها، وحجرٍ ربّاها، وتربية شملتها، ورعاية أحاطت بها، والبيت الذي فتحت فيه عينها.

ولا تسأل عن عوامل الوراثة، وتفاعل التربية، وتأثير الجوّ العائلي المقدّس في نفسيّة السيدة زينب، مضافة إلى أخلاقها المكتسبة، ومواهبها التي ظهرت من الإمكان إلى الفعل.

وكم يؤلمني أن أقول بأنّ التاريخ قد ظلم السيدة زينب كما ظلم أباها وأُمّها وأُسرتها أجمعين؛ إذ لم يعبأ بها التاريخ كما ينبغي، ولم يتحدّث عنها كما تقتضيه وتتطلّبه شخصية سيّدة مثل زينب الكبرى عقيلة الهاشميين، حفيدة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد سمّاها جدّها الرسول زينباً، والكلمة مركّبة من: (زين الأب).

وقد ذكر الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه: (الحسين وبطلة كربلاء ) نقلاً عن جريدة الجمهورية المصرية 13/10/72 مقالاً للكاتب

١٦٩

المصري يوسف محمود، نقتطف منه موضع الحاجة:

وُلدت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة، فحملتها أُمّها، وجاءت بها إلى أبيها (علي) وقالت:

سمِّ هذه المولودة.

فقال لها - رضي الله عنه -: ما كنت لأسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وكان في سفر له، ولما جاء النبي وسأله عن اسمها قال: ما كنت لأسبق ربّي.

فهبط جبرئيل يقرأ على النبيّ السلام من الله الجليل وقال له:

اسم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم.

هذا ما ذكره صاحب المقال بدون تعرّض لسند هذا الحديث، ذكرته بالمعنى الواحد.

وللسيّدة زينب الكبرى حياة مشرقة وتاريخ حافل بالمكارم والفضائل، ومليء بالمآسي في أدوار حياتها في عهد الطفولة ودور الصبا، من افتجاعها بجدّها الرسول الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله وأُمّها الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام والأحداث التي عاشتها السيدة زينب طيلة ربع قرن، وهي الفترة التي كان أبوها المرتضى عليعليه‌السلام جليس البيت مسلوب الإمكانيات. ثم هجرتها من المدينة إلى الكوفة عاصمة أبيها يومذاك.

وشاءت الإرادة الإلهيّة أن تفجع السيدة زينب بأبيها العظيم الإمام عليعليه‌السلام تلك الكارثة التي اهتزّت لها السماوات العلى.

وأعقبت ذلك أحداث من الحرب التي قامت بين أخيها الإمام الحسنعليه‌السلام وبين معاوية، وأنتجت تلك النتائج.

وإلى أن انتهت الفترة بوفاة الإمام الحسنعليه‌السلام مسموماً.

١٧٠

وانقضت سنوات وإذا بالسيدة زينب تواجه كارثة أخرى، هي أعظم فاجعة عرفها التاريخ، تلك فاجعة كربلاء الدامية ذات المسيرة الطويلة والأبعاد العديدة، فكانت السيدة زينب تعيش تلك الأحداث بدون أن يعتريها انهيار أو ارتباك، لم تفقد أعصابها، ولم يختل وعيها، وإلى أن رجعت إلى المدينة، وحكمت السلطة عليها بالإبعاد، فاختارت مصر، وقدّر الله لها أن تفارق حياتها، تلك الحياة المدهشة في أرض النيل؛ فيكون مثواها ملاذاً ومعاذاً ومهوى أفئدة الملايين على مرّ القرون وإلى يومنا هذا وإلى يوم يعلمه الله.

هذه نبذة موجزة ولمحة خاطفة تعتبر عصارة وخلاصة لحياة سيّدتنا زينب الكبرى (عليها وعلى جدّها وأُمّها وأبيها وأخويها الصلاة والسلام).

وإلى اللقاء في كتاب: (زينب الكبرى من المهد إلى اللحد ).

١٧١

ولادة السَيّدَة أمّ كُلثُوم

استقبل بيت السيدة فاطمة الزهراء وعليعليهما‌السلام بنتهما الثانية وطفلهما الرابع بما استقبل به مَن سبقها من الأطفال من الفرح والسرور.

وقد شاركت السيدة أُمّ كلثوم أختها زينب في النسب الشريف والتربية الممتازة والأحداث كلّها، وإن اختلفت عنها في بعض جوانب حياتها.

وهي أيضاً من الذين شملهم ظلم التاريخ، كما شملتها المآسي والآلام التي لا يتحمّلها أقوياء الرجال.

ولعلّنا نتطرّق إلى نبذة من جوانب حياتها أثناء التحدّث عن شقيقتها زينب الكبرى، ونؤدّي بعض ما يتطلّبه البحث والتحقيق إن شاء الله.

١٧٢

فاطمة الزهراءعليها‌السلام في آية القربى

وهي في قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (1) .

هذه الآية كما تراها خطاب من الله العظيم إلى نبيه الكريم( قُل ) يا محمد لأمتك:( لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ) على أداء الرسالة( أَجْرًا ) شيئاً من الأجر( إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) أي إلاَّ أن تودّوا قرابتي.

وقد اتفقت كلمات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وكلمات أتباعهم أنّ المقصود من القربى هم أقرباء النبي، وهناك أحاديث متواترة مشهورة في كتب الشيعة والسُنّة حول تعيين القربى بأفرادهم وأسمائهم، ومن جملة الأحاديث التي ذكرها علماءُ السنّة في صحاحهم وتفاسيرهم هذا الحديث:

لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي وفاطمة وابناهما... الخ.

ذكر هذا الحديث طائفة من علمائهم، منهم:

1 - ابن الحجر في الصواعق المحرقة له.

2 - الثعلبي في تفسيره.

3 - السيوطي في الدر المنثور.

4 - أبو نعيم في حلية الأولياء.

____________________

(1) الشورى: 22.

١٧٣

5 - الجويني الشافعي في فرائد السمطين.

وحديث آخر رواه الطبري وابن حجر أيضاً: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله جعل أجري عليكم المودّة في أهل بيتي، وإني سائلكم غداً عنهم.

هؤلاء بعض الرواة الذين ذكروا ونقلوا هذا الحديث بصورة إجماليّة.

وإليك بعض الأحاديث التي تصرّح باحتجاج أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بهذه الآية على أنّ المقصود من القربى هم:

في الصواعق المحرقة لابن حجر: عن عليعليه‌السلام : فينا في آل حم، لا يحفظ مودّتنا إلاَّ كل مؤمن ثمّ قرأ:

( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) .

وفي الصواعق أيضاً: عن الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه خطب خطبة قال فيها: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وموالاتهم، فقال فيما أنزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) واقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت... الخ.

وفي الصواعق أيضاً عن الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام أتاه رجل من أهل الشام، وهوعليه‌السلام أسير، وقد أقيم على باب الجامع الأموي بدمشق فقال له الشامي: الحمد لله الذي قتلكم... الخ. فقال له: أما قرأت:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .

وإلى هذا أشار الشاعر الكميت الأسدي بقوله:

وجدنا لكم في آل حاميم آيةً

تأوّلها منَّا تقيٌّ ومعربُ

١٧٤

وعن جابر بن عبد الله قال: جاء إعرابي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: يا محمد أعرض عليَّ الإسلام.

فقال: تشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

قال: تسألني عليه أجراً؟

قال: لا، إلاَّ المودّة في القربى.

قال: قرابتي أو قرابتك؟

قال: قرابتي.

قال: هات أبايعك، فعلى مَن لا يحبّك ولا يحب قرابتك لعنة الله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : آمين.

رواه الكنجي في (كفاية الطالب) ص31.

وذكر ابن حجر في الصواعق ص101 هذين البيتين لابن العربي:

رأيت ولائي آل طه فريضةً

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى

بتبليغه إلاَّ المودّة في القربى

وهذين البيتين للإمام الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرضٌ من الله في القرآن أنزله

كفاكمُ من عظيم القدر أنكُمُ

مَن لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وقد ذكر شيخنا الأميني (عليه الرحمة) في الجزء الثالث من الغدير خمسة وأربعين مصدراً حول نزوله هذه الآية في شأن علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وهي:

الإمام أحمد، ابن المنذر، ابن أبي حاتم، الطبري، ابن مردويه، الثعلبي،

١٧٥

أبو عبد الله الملا، أبو الشيخ النسائي، الواحدي، أبو نعيم، البغوي، البزار، ابن المغازلي، الحسكاني، محب الدين، الزمخشري، ابن عساكر، أبو الفرج، الجويني، النيسابوري، ابن طلحة، الرازي، أبو السعود، أبو حيان، ابن أبي الحديد، البيضاوي، النسفي، الهيثمي، ابن الصباغ، الكنجي، المناوي، القسطلاني، الزرندي، الخازن، الزرقاني، ابن حجر، السمهودي، السيوطي، الصفوري، الصبان، الشبلنجي، الحضرمي، النبهاني.

١٧٦

فَاطِمَةُ الزهَراءعليها‌السلام في آيَةِ المـُباهَلَة

قال الله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .

تعتبر هذه الواقعة من الوقائع المشهورة، والحوادث المعروفة عند المسلمين من يوم وقوعها إلى يومنا هذا، ولا أراني بحاجة إلى ذكر المصادر والمدارك لها.

ويكفي أن أقول: إنّ جميع المفسّرين والمحدّثين - إلاَّ مَن شذَّ وندر - قد اتفقت كلمتهم على نزول هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما جرى الحوار بينه وبين النصارى حول عيسى ابن مريمعليه‌السلام وإليك الواقعة بصورة موجزة مرويّة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

قدم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفد من نصارى نجران(2) ويتقدّمهم ثلاثة من كبارهم: العاقب، ومحسن، والأسقف، ورافقهم رجلان من مشاهير اليهود، جاءوا ليمتحنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له الأسقف: يا أبا القاسم فذاك موسى مَن أبوه؟

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عمران.

الأسقف: فيوسف من أبوه؟

____________________

(1) آل عمران: 60.

(2) نجران منطقة تقع على الحدود بين الحجاز واليمن.

١٧٧

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يعقوب.

الأسقف: فداك أبي وأُمّي: فأنت مَن أبوك؟

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عبد الله بن عبد المطّلب.

الأسقف: فعيسى مَن أبوه؟

فسكت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فنزل جبرئيل فقال: هو روح الله وكلمته.

الأسقف: يكون روح بلا جسد؟

فسكت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأوحى الله إليه:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) فوثب الأسقف وثبة إعظام لعيسى أن يقال له من تراب ثم قال: ما نجد هذا - يا محمد - في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور، ولا نجد هذا إلاّ عندك فأوحى الله إليه: (( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ... ) إلى آخره)

فقالوا: أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى موعدك؟

قال: بالغداة إن شاء الله.

فلمّا صلّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصبح أخذ بيد علي وجعله بين يديه، وأخذ فاطمةعليها‌السلام فجعلها خلف ظهره، وأخذ الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وقال لهم: إذا دعوتُ فأمِّنوا. ثم برك لهم باركاً. فلما رأوه قد فعل ذلك ندموا وتآمروا فيما بينهم وقالوا: والله إنّه لَنبي، ولئن بَاهَلَنا ليستجيب الله له علينا، فيهلكنا، ولا ينجينا شيء منه إلاَّ أن نستقيله.

وذكر الرازي في تفسيره: قال أسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا،

____________________

(1) بحار الأنوار ج 16.

١٧٨

ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فأقبلوا حتى جلسوا بين يديه ثم قالوا: يا أبا القاسم أقِلنا. قال: نعم، قد أقلتكم، أما والذي بعثني بالحق لو باهلتكم ما ترك الله على ظهر الأرض نصرانيّاً إلاّ أهلكه.

ذكرنا هذه الواقعة مع رعاية الاختصار، وقد ذكرنا ما تيسّر حول الآية في كتاب (علي من المهد إلى اللحد ).

ويكون حديثنا - هنا - حول قوله تعالى:( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) فقد أجمع المسلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأخذ معه من الرجال إلاَّ عليّاً، ومن الأبناء إلاَّ الحسن والحسين، ومن النساء إلاَّ ابنته فاطمة الزهراء، ولم يأخذ معه أحداً من زوجاته، وهنَّ في حجراته ولم يأخذ معه إحدى عمّاته كصفية بنت عبد المطلب التي كانت شقيقة أبيه عبد الله، ولم يصطحب معه أم هاني بنت أبي طالب، ولا دعا غيرهن من الهاشميات ولا من نساء المهاجرين والأنصار.

فلو كانت في نساء المسلمين امرأة كفاطمة الزهراء في الجلالة والعظمة والقداسة والنزاهة لدعاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لترافقه للمباهلة، مع العلم أنّ الله تعالى أمر نبيّه أن يدعو نساءه بقوله تعالى:( وَنِسَاءَنَا ) ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجد امرأة تليق بالمباهلة سوى ابنته الصدّيقة الطاهرة؛ ولهذا انتخبها.

وقد روى القندوزي الحنفي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (لو عَلم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أُباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة بهؤلاء، وهم أفضل الخَلق)(1).

____________________

(1) ينابيع المودَّة ص 244 طبعة إسلامبول.

١٧٩

فَاطِمَةُ الزهْرَاءعليها‌السلام في سُورَة هَلْ أتى

قال الله تبارك وتعالى:

( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ) إلى قوله:( وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) .

نزلت هذه الآيات حينما تصدّقت السيدة فاطمة الزهراء وزوجها الإمام أمير المؤمنين وولداها الإمامان: الحسن والحسينعليهم‌السلام .

وقد ذكر الواحدي في كتابه (البسيط)، والثعلبي في تفسيره الكبير، وأبو المؤيد موفق في كتاب الفضائل، وغيرهم: أنّ الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

ونكتفي هنا بما ذكره الزمخشري في تفسيره (الكشّاف) ما لفظه: وعن ابن عباسرضي‌الله‌عنه : إنّ الحسن والحسين مرضا؛ فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك. فنذر علي وفاطمة وفضة (جارية لهما): إن برئا - الحسن والحسين - ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا، وما معهم شيء (طعام) فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد! مسكين من

____________________

(1) سورة الدهر.

١٨٠