فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد10%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 244100 / تحميل: 10732
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

انفتل جلس في قبلته والناس حوله. فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب ، عليه سمل قد تهلّل وأخلق (١) وهو لا يكاد يتمالك كِبَراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستحثّه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فارشني (٢) .

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أجد لك شيئاً، ولكنّ الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل مَن يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة.

وكان بيتها ملاصقاً بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يتفرّد به لنفسه من أزواجه، وقال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة.

فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين.

فقالت فاطمة: وعليك السلام، فمَن أنت يا هذا؟

قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقّة، وأنا - يا بنت محمد - عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله.

وكان لفاطمة وعلي - في تلك الحال - ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شأنهما.

____________________

(١) السمل: الثوب الخلق. تهلّل الثوب: انخرق.

(٢) ارشني: أحسن إليّ.

٢٠١

فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ (١) كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: خذ هذا يا أيّها الطارق، فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه.

فقال الإعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع، فناولتني جلد كبش؟ ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟ (٢)

قال: فعمدت فاطمة - لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها، ونبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبِعهُ، فعسى الله أن يعوِّضك به ما هو خير منه.

فأخذ الأعرابي العقد، وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد فقالت: بِعه فعسى الله أن يصنع لك.

قال: فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: وكيف لا يصنع الله لك، وقد أعطته فاطمة بنت محمد سيّدة بنات آدم.

فقام عمار بن ياسر (رحمة الله عليه) فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: اشتر يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبّهم الله بالنار، فقال عمار: بكَمْ العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية استر بها عورتي وأصلّى فيها لربّي، ودينار يبلغني إلى أهلي.

وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر ولم يبق منه شيئاً فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم

____________________

(١) القرظ: شيء يدبغ به الجلد.

(٢) السغب: الجوع.

٢٠٢

هجرية، وبُردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم.

فقال الإعرابي: ما أسخاك بالمال أيّها الرجل؟ وانطلق عمار فوفّاه ما ضمن له.

وعاد الإعرابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له رسول الله: أشبعت واكتسيت! قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت وأُمّي: قال: فأجزِ فاطمة بصنيعها؟ فقال الأعرابي: اللّهمّ أنت إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، فأنت رازقنا على كل الجهات، اللّهمّ أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت... وإلى أن قال: فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك، ولفَّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك، وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت له.

فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بقول عمار فقال النبي: انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها. فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذت فاطمة العقد، وأعتقت المملوك.

فضحك المملوك فقالت: ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عِظَم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً، وكسا عرياناً وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربّه أي إلى صاحبه.

وفي كتاب البحار ج ٤٣ عن تفسير فرات بن إبراهيم، عن أبي سعيد الخدري قال:

٢٠٣

أصبح علي بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم ساغباً(١) وقال: يا فاطمة هل عندك شيء تغذّينيه؟ قالت: لا، والذي أكرم أبي بالنبوة، وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاَّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابني هذين: الحسن والحسين.

فقال علي: يا فاطمة؟ ألا كنتِ أعلَمتِني فأبغيكم شيئاً؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه.

فخرج علي بن أبي طالب من عند فاطمةعليهما‌السلام واثقاً بالله بحسن الظن، فاستقرض ديناراً، فبينما الدينار في يد علي بن أبي طالبعليه‌السلام يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم، فتعرَّض له المقداد بن الأسود، في يوم شديد الحر، قد لوّحته الشمس من فوقه، وآذته من تحته فلمّا رآه علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنكر شأنه فقال: يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟ قال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي!!

فقال: يا أخي إنّه لا يسعني أن تتجاوزني حتى أعلم علمك. فقال: يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن تخلّي سبيلي، ولا تكشفني عن حالي!!!

فقال له: يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن! أمَّا إذا أبيتَ! فو الذي أكرم محمد بالنبوّة، وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلاَّ الجهد وقد تركت عيالي

____________________

(١) أي: جائعاً.

٢٠٤

يتضاغون جوعاً، فلمّا سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مهموماً، راكب رأسي، هذه حالي وقصّتي!!

فانهملت عينا علي بالبكاء حتى بلّت دمعته لحيته فقال له: أحلفُ بالذي حلفتَ: ما أزعجني إلاَّ الذي أزعجك من رحلك، فقد استقرضت ديناراً، فقد آثرتك على نفسي.

فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلَّى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب مرَّ بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأوّل فغمزه برجله، فقام علي متعقباً خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلَّم عليه فردَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السلام، فقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء نتعشّاه فنميل معك؟

فمكث مطرقاً لا يحير جواباً، حياءً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان النبي يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه وأين وجّهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتعشّى تلك الليلة عند علي بن أبي طالب.

فلمّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن ما لَك لا تقول: لا. فانصرف؟ أو تقول: نعم. فأمضي معك؟ فقال - حياءً وتكرّماً -: فاذهب بنا!!

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يد علي بن أبي طالب فانطلقا حتى دخلا على فاطمةعليها‌السلام وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخاناً.

٢٠٥

فلمّا سمعت كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ عليها السلام، ومسح بيده على رأسها وقال لها: يا بنتاه كيف أمسيت؟

قالت: بخير.

قال: عشّينا، رحمك الله، وقد فعل.

فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب...

فقال علي لها: يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشمّ ريحه قط، وما آكل أطيب منه؟؟

قال: فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّه الطيّبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالبعليه‌السلام فغمزها، ثم قال: يا علي، هذا بدل دينارك، وهذا جزاء دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

ثم استعبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باكياً، ثم قال: الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ويجريك - يا علي - مجرى زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران:( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً ) .

٢٠٦

فاطمة الزهراءعليها‌السلام والعبادة

العبادة لها معنيان: معنى عام ومعنى خاص.

فالعبادة بمعناها العام هي: كل ما يتقرَّب الإنسان به إلى الله سبحانه، من النوايا الطيّبة والأقوال الحسنة والأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة وغيرها.

والعبادة بمعناها الخاص هي الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها، ممّا هو واضح للجميع.

وقد تجلّت العبادة - بكل معانيها وأبعادها - في حياة السيدة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام .

فحياتها كلّها عبادة، منذ البداية حتى النهاية، فمن حمل الماء إلى بيوت الفقراء والمساكين وإطعام الطعام والإيثار، وتعليم الأحكام الشرعيّة، وتحمّل متاعب الأعمال المنزليَّة، والزهد والحرمان والبساطة في العيش، وحُسن التبعّل، والدفاع عن الإمامة والولاية، وما أصابها من الآلام والمصائب بعد وفاة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرها - ممّا قرأته وتقرأه في صفحات حياتها المشرقة - كلّها عبادة خالصة لوجه الله سبحانه.

بالإضافة إلى الصلاة والخشوع والمناجاة وغيرها.

وقد رُوي عن ابن عباس في قوله تعالى:( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١) ، قال:نزلت في علي بن أبي طالب

____________________

(١) الذاريات.

٢٠٧

وفاطمة والحسن والحسين (١) .

وفيما يلي نذكر بعض الأحاديث المرويَّة في هذا المجال:

١ - رُوي عن الإمام الحسنعليه‌السلام قال: رأيت أمِّي فاطمةعليها‌السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتَّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء.

فقلت لها: يا أُمَّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟

فقالت: يا بُني، الجار ثم الدار (٢) .

٢ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: وأمَّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيَّ، وهي الحوراء الإنسية.

متى قامت في محرابها بين يدي ربّها (جلّ جلاله) زَهَر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عزّ وجل) لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أَمَتي فاطمة، سيّدة إمائي قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أنّي قد أمنت شيعتها من النار... إلى آخر الحديث(٣) .

٣ - وفي كتاب عدّة الداعي: وكانت فاطمةعليها‌السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله. والنهج - بفتح النون والهاء -: تتابع النَفَس.

____________________

(١) شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ٢ ص ١٩٤.

(٢) بحار الأنوار ج ٤٣.

(٣) بحار الأنوار ج ٤٣.

٢٠٨

٤ - وروى الحسن البصري:ما كان في هذه الأُمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورَّمت قدماها (١) .

٥ - وروي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (مَن صلّى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة(٢) خمسين مرّة:( قل هو الله أحد ) كانت صلاة فاطمة، وهي صلاة الأوّابين)(٣) .

٦ - وعنهعليه‌السلام قال: كانت لأُمّي فاطمة ركعتان تصلّيهما، علَّمها جبرئيلعليه‌السلام فإذا سلّمت سبّحت التسبيح(٤) ثم تقول:

(سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي المـُلك الفاخر القديم، سبحان مَن لبس البهجة والجمال، سبحان مَن تردّى بالنور والوقار، سبحان مَن يرى أثَر النمل على الصَفّا، سبحان مَن يرى وقع الطير في الهواء، سبحان مَن هو هكذا، لا هكذا غيره) (٥) .

٧ - ورُوي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأمير المؤمنين وابنته فاطمةعليهما‌السلام : إنّني أريد أن أخصّكما بشيءٍ من الخير ممّا علّمني الله (عزّ وجلّ)، وأطلعني الله عليه، فاحتفظا به.

قالا: نعم يا رسول الله فما هو؟

قال: يصلّي أحدكما ركعتين، يقرأ في كل ركعة: فاتحة الكتاب وآية الكرسي ثلاث مرّات، و( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات، وآخر الحشر ثلاث مرّات من قوله:( لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ... ) إلى آخره.

____________________

(١) ربيع الأبرار للزمخشري ص ١٩٥.

(٢) بعد الحمد.

(٣) مَن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٥٦٤.

(٤) أي: تسبيح الزهراءعليها‌السلام .

(٥) بحار الأنوار ج ٨٩، ورُويت الصلاة بصورة أُخرى أيضاً.

٢٠٩

فإذا جلس فليتشهد وليُثن على الله (عزّ وجلّ) وليصلّ على النبي وليدع للمؤمنين والمؤمنات، ثم يدعو على أثر ذلك، فيقول:

(اللّهمّ إنّي اسألك بحقّ كلّ اسم هو لك يحقّ عليك فيه إجابة الدعاء إذا دُعيت به، وأسألك بحقّ كلّ ذي حقٍّ عليك، وأسألك بحقّك على جميع ما هو دونك أن تفعل بي... كذا وكذا) (١) .

٨ - وعن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال: للأمر المخوف العظيم تصلّي ركعتين، وهي التي كانت الزهراءعليها‌السلام تصلّيها، تقرأ في الأُولى الحمد وقل هو الله أحد خمسين مرّةً، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلّمت صلّيت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ ترفع يديك وتقول:

(اللهمّ أتوجّه إليك بهم، وأتوسّل إليك بحقّهم (بحقّك - خ ل) العظيم الّذي لا يعلم كنهه سواك، وبحقّ مَن حقّه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التّامّات الَّتي أمرتني أن أدعوك بها، وأسألك باسمك العظيم الّذي أمرت إبراهيمعليه‌السلام أن يدعو به الطّير فأجابته، وباسمك العظيم الّذي قلت للنّار:( كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) فكانت، وبأحبِّ أسمائك إليك وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابةً، وأنجحها طلبةً، وبما أنت أهله ومستحقّه ومستوجبه؛ وأتوسل إليك، وأرغب إليك، وأتصدّق منك، وأستغفرك، وأستمنحك، وأتضرّع إليك، وأخضع بين يديك، وأخشع لك، وأقرّ لك بسوء صنيعتي، وأتملّق وألحّ عليك، وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التّوراة والإنجيل والقرآن العظيم من أوّلها إلى آخرها، فإنّ فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى، أتقرّب إليك، وأسألك أن

____________________

(١) قوله: كذا وكذا. أي: تذكر حاجتك / الحديث في بحار الأنوار ج ٨٩ ص ٣٦٥.

٢١٠

تصلّي على محمّد واله، وأن تفرِّج عن محمّد وآله، وتجعل فرجي مقروناً بفرجهم، وتبدأ بهم فيه، وتفتح أبواب السّماء لدعائي في هذا اليوم، وتأذن في هذا اليوم وهذه اللَّيلة بفرجي وإعطاء سؤلي وأملي في الدّنيا والآخرة، فقد مسّني الفقر ونالني الضّرّ وشملتني الخصاصة، وألجأتني الحاجة، وتوسّمت بالذّلّة، وغلبتني المسكنة، وحقّت علي الكلمة، وأحاطت بي الخطيئة، وهذا الوقت الذي وعدت أولياءك فيه الإجابة.

فصلّ على محمّد وآله، وامسح ما بي بيمينك الشّافية، وانظر إليّ بعينك الرّاحمة، وأدخلني في رحمتك الواسعة، وأقبل إليّ بوجهك الّذي إذا أقبلت به على أسيرٍ فككته، وعلى ضالٍّ هديته، وعلى حائرٍ أذّيته، وعلى فقير أغنيته، وعلى ضعيف قوّيته، وعلى خائف آمنته؛ ولا تخلّني لقاً لعدوّك وعدوّي، يا ذا الجلال والإكرام.

يا مَن لا يعلم كيف هو، وحيث هو، وقدرته إلاّ هو، يا مَن سدّ الهواء بالسّماء، وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا مَن سمّى نفسه بالاسم الذي به يقضي حاجة كلّ طالب يدعوه به، أسألك بذلك الاسم، فلا شفيع أقوى لي منه، وبحقّ محمّد وآل محمّد أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تقضي لي حوائجي، وتسمع محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين وعليّاً ومحمّداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة - صلوات الله عليهم وبركاته ورحمته (١) - صوتي، فيشفعوا لي إليك، وتشفّعهم فيّ، ولا تردّني خائباً، بحقّ لا إله إلاّ أنت، وبحقّ محمّدٍ وآل محمّد، وافعل بي كذا وكذا يا كريم(٢) .

____________________

(١) وفي نسخة: صلواتك عليهم وبركاتك ورحمتك.

(٢) مصباح المتهجّد: ص ٢٦٦.

٢١١

٩ - وقال السيد ابن طاووس الحلّي: روى صفوان قال: دخل محمد بن علي الحلبي على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في يوم الجمعة فقال له: تعلّمني أفضل ما أصنع في مثل هذا اليوم؟

فقالعليه‌السلام : يا محمّد ما أعلم أحداً كان أكبر عند رسول الله من فاطمة، ولا أفضل ممّا علّمها أبوها محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أصبح يوم الجمعة فاغتسل وصفَّ قدميه وصلّى أربع ركعات مثنى مثنى، يقرأ في أوّل ركعة الحمد والإخلاص خمسين مرّة، وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين مرّةً، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض خمسين مرّةً، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله والفتح خمسين مرّة - وهذه سورة النصر وهي آخر سورة نزلت - فإذا فرغ منها دعا، فقال (١) :

(إلهي وسيّدي، مَن تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه، فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبيتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ومعروفك ونائلك وجوائزك، فلا تحرمني ذلك، يا مَن لا يخيب عليه مسألة السّائل، ولا تنقصه عطيّة نائل فإنّي لم آتك بعملٍ صالحٍ قدّمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، أتقرّب إليك بشفاعة محمّد وأهل بيته صلواتك عليهم أجمعين، أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به على الخاطئين عند عكوفهم على المحارم فلم يمنعك طول عكوفهم على المحارم أن عدت عليهم بالمغفرة، وأنت سيّدي العوّاد بالنّعماء، وأنا العواد بالخطاء، أسألك بمحمّد وآله الطّاهرين أن تغفر لي

____________________

(١) جزاء الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه.

٢١٢

الذنب العظيم، فإنّه لا يغفر ذنبي العظيم إلاّ العظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم (١) .

والأحاديث في عبادة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام كثيرة، خاصة الأدعية التي كانت تناجي بها ربّها، ولا أراني بحاجة إلى المزيد من التحدّث عن عبادتها، وكثرة شوقها ورغبتها إلى الصلاة، ومدى إقبال قلبها إلى المناجاة مع الله تعالى، فهي بنت أوّل العابدين، الذي كان يقف على قدميه للعبادة طيلة ساعات طوال حتى نزل عليه قوله تعالى:( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) .

وهي التي عرفت معنى العبادة وقيمة العبادة بمقدار معرفتها بعظمة الله تعالى؛ فلا عجب إذا كانت السيدة فاطمة تستلذ من العبادة، وترتاح نفسها حين الوقوف بين يدي الله عزّ وجل، والتذلّل والخضوع لربّها، وكأنّها لا تتعب من القيام والركوع والسجود.

____________________

(١) (جمال الأسبوع) ص ١٣٢ - ١٣٣.

٢١٣

تَسبيح فَاطِمَة الزهْرَاءعليها‌السلام

رُوي عن الإمام علي (صلوات الله عليه) أنّه قال لرجل من بني سعد: ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت أحب أهله إليه (١) وإنّها استقت بالقربة حتى أثَّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت(٢) يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت(٣) ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدت عنده حُدّاثا ً(٤) فاستحت فانصرفت

قال: فعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها جاءت لحاجة. قال: فغدا علينا ونحن في لفاعنا(٥) فقال: السلام عليكم. فسكتنا(٦) واستحيينا لمكاننا.

ثم قال: السلام عليكم. فسكتنا. ثم قال: السلام عليكم. فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثاً فإن أُذن له وإلاَّ انصرف. فقلت: وعليك السلام يا رسول الله أُدخل.

____________________

(١) أحبّ أهله أي أهل رسول الله بقرينة المقام.

(٢) مجلت: ثخن جلدها.

(٣) دكنت: اغبرت واتسخت.

(٤) حُدّاث: جماعة يتحدثون.

(٥) لفاع: لحاف.

(٦) السلام إذا كان للاستئذان لا يجب ردّه، والله العالم.

٢١٤

فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟

قالعليه‌السلام : فخشيت إن لم تجبه أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت: أنا - والله - أخبرك يا رسول الله! إنّها استقت بالقربة حتى أثَّرت في صدرها وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من العمل.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين. قال: فأخرجت عليها‌السلام رأسها فقالت: رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله (١) .

وعن دعائم الإسلام عن عليعليه‌السلام قال: أهدى بعض ملوك الأعاجم رقيقاً(٢) فقلت لفاطمة اذهبي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستخدميه خادماً، فأتته فسألته ذلك...

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها:

تكبّرين الله بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله، وذلك خير لك من الذي أَردت ومن الدنيا وما فيها.

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣.

(٢) الرقيق: العبيد والجواري يطلق على المفرد والجمع.

٢١٥

فلزمت (صلوات الله عليها) هذا التسبيح بعد كل صلاة، ونسب إليها هذا التسبيح، فيقال: تسبيح فاطمة(١) .

كما عن قرب الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمةعليها‌السلام كما نأمرهم بالصلاة فألزمه، فإنّه لم يلزمه عبد فشقي(٢) .

وفي مكارم الأخلاق ص ٣٢٨: أنّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت سُبحتها من خيط صوف مفتّل، معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت تديرها بيدها، تكبّر وتسبّح، إلى أن قُتل حمزة بن عبد المطلبرضي‌الله‌عنه سيّد الشهداء، فاستعملت تربته، وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قُتل الحسين (صلوات الله عليه) عُدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام : وتكون السبحة بخيوط زرق، أربعاً وثلاثين خرزة، وهي سبحة مولاتنا فاطمةعليها‌السلام لما قُتل حمزة عملت من طين قبره سبحة تسبّح بها بعد كل صلاة.

وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : (ما عُبد الله بشيء من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة، ولو كان شيء أفضل لنَحلَه رسول الله فاطمة)(٣) .

وعن الإمام أبي عبد الله (الصادق)عليه‌السلام قال: من سبَّح تسبيح فاطمةعليها‌السلام فقد ذكر الله ذكراً كثيراً(٤) .

____________________

(١) كتاب دعائم الإسلام، وفي البحار ج ٤٣.

(٢) كتاب قرب الإسناد وفي البحار ج ٤٣.

(٣) بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٦٤.

(٤) تفسير مجمع البيان ج ٨ في تفسير قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) . وذكره العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ج ٤٣.

٢١٦

هذا... والروايات في فضل تسبيح فاطمةعليها‌السلام كثيرة ومختلفة في كيفيتها، وفي بعض الروايات: التكبير ثم التسبيح ثم التحميد، وهذا هو الأشهر والأقوى عند فقهائنا.

وقد ذكر شيخنا المجلسي أقوال الفقهاء وآرائهم حول الترتيب والتقديم والتأخير بصورة مفصّلة(١) .

لقد اتضح لنا من هذه الأحاديث أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام مع جلالة قدرها وعظم شأنها وشرف نسبها كانت تقوم بأعمال البيت، وتدير أمور البيت بنفسها، وكان عليعليه‌السلام يعينها ويتعاون معها، كما في البحار، عن جامع الأخبار، عن عليعليه‌السلام قال: دخل علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس.

قال: يا أبا الحسن.

قلت: لبّيك يا رسول الله.

قال: اسمع منّي، وما أقول إلاّ من أمر ربّي: ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها، وقيام ليلها... إلى آخر الحديث(٢) .

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٨٥.

(٢) جامع الأخبار، وفي البحار ج ٤٣.

٢١٧

فاطمة الزهراءعليها‌السلام والعِلم

لقد عرفت - من مجموع هذه الأحاديث الماضية - أنّ السيدة الزهراءعليها‌السلام كانت أقرب إنسانة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتصالها وارتباطها بالنبي هو اتصال وارتباط الجزء بالكل، وارتباط بعض الشيء بالبعض الآخر، فالحب والعطف والانسجام والعلاقات الودّية قد بلغت إلى أقصى درجة...

فلا عجب إذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلّم ابنته أفضل الأعمال، ويرشدها إلى أحسن الأخلاق، ويفيض عليها أحسن المعارف وأرقاها.

والزهراءعليها‌السلام تلتهم العلوم الربّانية من ذلك النبع العذب الزلال، وتمتص رحيق الحقيقة من مهبط الوحي، فيمتلئ قلبها الواعي الواسع بأنواع الحكمة، ويساعدها عقلها الوقّاد، وذكاؤها المفرط على فهم المعاني ودرك المفاهيم، وحفظ المطالب على أتمّ وجه وأكمل صورة.

لقد سمعتْ من أبيها الرسول الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكثير الكثير من العلوم، وتعلّمت منه القدر الغزير من الأحكام والأدعية والأخلاق والحِكَم.

هذا كلّه... بالإضافة إلى ما ألهمها الله تعالى من العلم والمعرفة.

وقد مرَّ عليك بعض التفصيل عند التحدّث عن اسمها: (المحدّثة) .

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلّى الله عليه

٢١٨

وآله وسلّم) أنّه قال: (إنّ الله جعل عليّاً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العِلم في أُمّتي، مَن اهتدى بهم هُدي إلى صراط مستقيم)(١) .

ولكنّ المؤسف حقّاً أنّه قد رُوي عنها القليل، حسَب ظروفها الخاصة، ولما ستعرفه قريباً.

ولو كانت الزهراءعليها‌السلام تعيش أكثر ممّا عاشت - مع فسح المجال أمامها - لملأت الدنيا علماً وثقافة ومعرفة.

وليس هذا ادّعاءاً فارغاً، بل هو الواقع الذي لا شكّ فيه.

فقد وجدت السيدة الزهراء المجال في حياتها ساعتين فقط: ساعةً خطبت فيها في مسجد أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساعةً خطبت في بيتها في جمع النساء اللاّتي حضرن لعيادتها.

وستعرف قريباً مدى مواهبها وسعة اطّلاعها، وكثرة معلوماتها، ومقدار قدرتها على الأداء والشرح والبيان.

ولكنّها - أسَفي عليها - ما عاشت إلاّ يسيراً، وقد عرفت تاريخ ميلادها وستعرف تاريخ وفاتها، وستعرف أنّها ماتت ولم تبلغ العشرين من العمر!!

فما تقول لو كانت الزهراء تعيش حتى تبلغ الخمسين والستين من العمر مع فسح المجال؟!

لكانت تترك للأُمّة الإسلامية أعظم ثروة فكريَّة وعلمية في شتّى المواضيع والفنون!!

ولكن...؟!

____________________

(١) شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٥٨.

٢١٩

أيّها القارئ الكريم: إليك الآن بعض ما رُوي عنها من الأحاديث الشريفة:

١ - عن تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام قال: حضرت امرأة عند الصدِّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس - أي: اشتبه - عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألكِ، فأجابتها فاطمةعليها‌السلام عن ذلك، فثنّت(١) فأجابت(الزهراء) ، ثم ثلّثت إلى أن عشّرت(٢) فأجابت، ثم خجلت من الكثرة فقالت: لا أشقّ عليكِ يا ابنة رسول الله.

قالت فاطمة: هاتي وسلي عمّا بدا لكِ، أرأيت من أكتُرِيَ (أي استؤجِر) يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراه (أي أجرته) مائة ألف دينار يثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ؛ سمعت أبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشرون، فيُخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجِدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربّنا عزّ وجل: أيّها الكافلون لأيتام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا

____________________

(١) أي: جاءت المرأة مرَّة ثانية أو سألت مرّة أخرى.

(٢) أي: جاءت مرة عاشرة، أو: سألت عشر مرات.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

و قال عمر بن أبي ربيعة :

و من أجل ذات الخال أعملت ناقتي

أكلفها سير الكلال مع الظلع

و من أجل ذات الخال أحببت منزلا

تحلّ به لا ذا صديق و لا زرع

هذا ، و في دار السلام عن زين العابدين السلماسي : رأيت في الطيف بيتا عاليا له باب كبير و على جدرانه مسامير من الذهب ، فسألت عن صاحبه فقيل لي : إنّه للسيد محسن الكاظمي و هو صاحب الوسائل و الوافي فتعجّبت و قلت : داره في الكاظمية صغيرة حقيرة ضيّقة الباب و الفناء ، فمن أين اوتي هذا البناء ؟ قالوا : لمّا دخل من ذاك الباب الحقير أعطاه اللّه تعالى هذا البيت العالي الكبير قال : و كان بيته في غاية الحقارة ، و لم يكن له ما يضع سراجه فيه ، فكان يوقد الشمعة على الطابوق و المدر ١ .

٣

الحكمة ( ١٠٣ ) وَ قَدْ رُئِيَ عَلَيْهِ إِزَارٌ خَلَقٌ مَرْقُوعٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَخْشَعُ لَهُ اَلْقَلْبُ وَ تَذِلُّ بِهِ اَلنَّفْسُ وَ يَقْتَدِي بِهِ اَلْمُؤْمِنُونَ أقول : رواه أحمد بن حنبل في ( فضائله ) هكذا : قيل لعليّ عليه السلام : لم ترقّع قميصك ؟ قال : ليخشع القلب ، و يقتدي بي المؤمنون ٢ .

روى أبو نعيم في ( حليته ) ، عن زيد بن وهب قال : قدم على علي عليه السلام وفد من أهل البصرة فيهم خارجي ، فعاتب عليا عليه السلام في لبوسه فقال : مالك و لبوسي ، ان لبوسي أبعد من الكبر ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) دار السلام ٢ : ٢١٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه عنه السبط في تذكرة الخواص : ١١٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ : ٨٢ ، و الحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٣ ، و أحمد في الفضائل ، عنه ينابيع المودة : ٢١٧ .

٣٨١

٤

من الكتاب ( ٤٥ ) و من هذا الكتاب و هو آخره :

إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ اِنْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَ اِجْتَنَبْتُ اَلذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ أَيْنَ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ اَلْأُمَمُ اَلَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ هَا هُمْ رَهَائِنُ اَلْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اَللُّحُودِ وَ اَللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اَللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي اَلْمَهَاوِي وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى اَلتَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ اَلْبَلاَءِ إِذْ لاَ وِرْدَ وَ لاَ صَدَرَ هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ اِزْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَ اَلسَّالِمُ مِنْكِ لاَ يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ اَلدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ اِنْسِلاَخُهُ اُعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَ اَيْمُ اَللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اَللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى اَلْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَ تَمْتَلِئُ اَلسَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ اَلرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ ؟ عَلِيٌّ ؟ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اِقْتَدَى بَعْدَ اَلسِّنِينَ اَلْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ اَلْهَامِلَةِ وَ اَلسَّائِمَةِ اَلْمَرْعِيَّةِ طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اَللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ اَلْكَرَى عَلَيْهَا اِفْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اِسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ

٣٨٢

أُولئِكَ حِزْبُ اَللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اَللَّهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ٤٩ ٥٧ ٥٨ : ٢٢ قول المصنف : « و من هذا الكتاب و هو آخره » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ( ابن أبي الحديد ) لكنّه ليس في ( ابن ميثم ) ١ و نسخته بخط المصنف .

قوله عليه السلام « إليك » أي : أمسكي « عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك » الغارب ما بين سنام الإبل و عنقها ، شبّه عليه السلام في هذه الفقرة حاله مع الدنيا بامرأة غير موافقة ، طلّقها زوجها و أجرى صيغة طلاقها ، فالفقرة من كنايات الطلاق عند العرب ، و أصله أنّ الناقة إذا رعت و عليها الخطام لم يهنها شي‏ء .

« قد انسللت » أي : خرجت خفيفة « من مخالبك » و المخالب للسباع كالأظفار للانسان . شبّه عليه السلام في هذه الفقرة حاله مع الدنيا بسبع صاد صيدا و أخذه بمخالبه ، فانسلّ الصيد منها و هرب .

« و أفلت » أي : خرجت دفعة « من حبائلك » الّتي تصيد بها . شبّه عليه السلام في هذه الفقرة حاله معها بصيد وقع في حبالة صياد ، فأفلت منها ، فلا يقربها بعد « و اجتنبت الذهاب في مداحضك » و المدحض مكان زلق . شبّه عليه السلام حاله معها في هذه الفقرة بمن كان في طريقه مواضع دحض ، فاجتنب المرور عليها لئلاّ يخرّ و يهوى .

« أين القوم » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) « القرون » ٢ « الذين غررتهم بمداعبك » أي : مزاحاتك .

« أين الامم الذين فتنتهم بزخارفك » أي : تزويراتك و تمويهاتك .

و الأقوام الذين غرّتهم و الأمم الذين فتنتهم بمداعبها و زخارفها كانوا في كلّ عصر كثيرين و لم يبق منهم أثر .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٩٢ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٩٣ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠١ .

٣٨٣

في ( المروج ) : كتب ملك الصين إلى أنو شروان : من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدر و الجوهر ، الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود و الكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين ، و الّذي تخدمه بنات ألف ملك ،

و الّذي في مربطه ألف فيل أبيض ، إلى أخيه كسرى انو شروان ، و أهدى إلى انو شروان فرسا من در منضّدا ، عينا الفارس و الفرس من ياقوت أحمر ،

و قائم سيفه من زمرّد منضّد بالجوهر ، و ثوب حرير صيني عسجدي فيه صورة الملك جالسا في أيوانه و عليه حليته و تاجه ، و على رأسه الخدم و بأيديهم المذابّ ، و الصورة منسوجة بالذهب و أرض الثوب لازورد ، في سفط من ذهب ، تحمله جارية تغيب في شعرها ، تتلألأ جمالا . و هدايا أخر من عجائب الصين .

و كتب إليه ملك الهند : من ملك الهند ، و عظيم أراكنة المشرق ، و صاحب قصر الذهب و أبواب الياقوت و الدّرّ ، إلى أخيه ملك فارس صاحب التاج و الراية كسرى أنو شروان ، و أهدى إليه ألفا منّ من عود هندي يذوب في النار كالشمع ، و يختم عليه كما يختم على الشمع فتبين فيه الكتابة ، و جاما من الياقوت الأحمر فتحه شبر مملوءا درّا ، و عشرة أمنان كالفستق و اكبر من ذلك ، و جارية طولها سبعة أشبار تضرب أشفار عينها خدها ، و كأن بين أجفانها لمعان البرق من بياض مقلتيها مع صفاء لونها و دقّة تخطيطها و إتقان تشكيلها ، مقرونة الحاجبين لها ضفائر تجرّها ، و فرشا من جلود الحيّات ألين من الحرير و احسن من الوشي ، و كان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي ، مكتوب بالذهب الأحمر ، و هذا الشجر يكون بأرض الهند و الصين ،

و هو نوع من النبات عجيب ذو لون حسن و ريح طيب ، لحاؤه أرقّ من الورق الصيني ، تتكاتب فيه ملوك الصين و الهند .

و أهدى إليه خاقان ملك التبت أنواعا من العجائب الّتي تحمل من أرض

٣٨٤

تبّت ، منها أربعة آلاف منّ من المسك في نوافج عزلانه إلى أن قال و قال عدي بن زيد العبادي :

اين كسرى خير الملوك انو شر

و ان ؟ ام اين قبله سابور ؟

لم يهبه ريب المنون ، فولّ

ي الملك عنه فبابه مهجور

حين ولّوا كأنّهم ورق ج

فّ فألوت به الصبا و الدبور ١

و قال سلم الخاسر في المنصور و بنائه بغداد :

أين ربّ الزوراء إذ قلدته

الملك عشرين حجّة و اثنتان

و في ( تاريخ بغداد ) : قال المنصور للربيع : هل تعلم في بنائي هذا موضعا ان أخذني فيه الحصار خرجت خارجا منه على فرسخين ؟ قال : لا .

قال : بلى فيه كذا موضعا الخ ٢ .

قلت : و لم ينجه ذلك لمّا حاصره الموت .

« ها هم رهائن القبور و مضامين اللحود » في الخبر انطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلّب جماجم الموتى ، فوقف عليه بجنوده فقال له :

أخبرني أيها الشيخ : لأي شي‏ء تقلّب هذه الجماجم ؟ قال : لأعرف الشريف من الوضيع و الغني من الفقير فما عرفت ، و إنّي لأقلبها منذ عشرين سنة . فانطلق ذو القرنين و تركه و قال : ما عنيت بهذا أحدا غيري ٣ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) : تذاكر حذيفة و سلمان أمر الدنيا ، فقال سلمان : و من أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامدي سرير كسرى و في العرصة سرير رخام كان يجلس عليه كسرى فتصعد غنيمات

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ١ : ٢٩٣ و ٢٩٥ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١ : ٧٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) أخرجه في ضمن حديث طويل الصدوق في أماليه : ١٤٥ ، المجلس ٣٢ .

٣٨٥

الغامدي إلى ذلك السرير ١ .

و قال أبو حامد الشهرزوري :

و من عرف الدنيا و لؤم طباعها

و أصبح مغرورا بها فهو ألأم

ترديك و شيا معلما و هو صارم

و تعطيك كفا رخصة و هو لهذم

و تصفيك ودّا ظاهرا و هي فارك

و تسقيك شهدا رائقا و هو علقم

فأين ملوك الأرض كسرى و قيصر

و اين مضى من قبل عادو جرهم

كأنهم لم يسكنوا الأرض مرّة

و لم يأمروا فيها و لم يتحكّموا

« و اللّه لو كنت شخصا مرئيا و قالبا حسيا لأقمت عليك حدود اللّه في عباد غررتهم بالأماني » أي : التمنيّات « و امم ألقيتهم في المهاوي » جمع المهواة ما بين الجبلين .

و للوحيد البغدادي :

لو تجلّى لي الزمان للاقى

مسمعيه منّي عتاب طويل

إنّما نكثر الملامة للدهر

لانّ الكرام فيه قليل

« و ملوك أسلمتهم إلى التلف و أوردتهم موارد » أي : مشارع « البلاء إذ لا ورد » في ماء رخاء « و لا صدر » عنه . قال :

حيران يعمه في ضلالته

مستورد الشرائع الظلم

قال الفيروز آبادي في ( قاموسه ) : المنصورة : بلدة بالسند إسلامية ، و بلدة بنواحي واسط ، و اسم خوارزم القديمة الّتي كانت شرقي جيحون ، و بلدة قرب القيروان ، و بلدة ببلاد الديلم ، و بلدة بين القاهرة و الدمياط . و من العجب ان كلاّ منها بناها ملك عظيم في جلال سلطانه و علو شانه و سماها المنصورة تفاؤلا بالنصر و الدوام ، فخربت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ٣٧١ .

٣٨٦

جميعها و اندرست و تعفّت رسومها و اندحضت ١ .

« هيهات من وطي‏ء » أي : وضع قدمه « دحضك » أي : مزلتك « زلق » و ما قدر على الثبات . قال الشاعر :

إنّ هذي الديار قد نزلت قبل و حلّت

فأين أهل الديار

أين أين الملوك في سالف الدهر

و ما أثروا من الآثار

كلّ ذي نخوة و أمر مطاع

و امتناع و عسكر جرّار

ملكوا برهة فسادوا و قادوا

ثمّ صاروا أحدوثة السمار

لم تخلّدهم الكنوز الّتي قد كنزوها

من فضّة و نضار

لم تغثهم يوم الحساب و لكن

حملوا وزرها مع الأوزار

« و من ركب لججك غرق » هذا تشبيه للدنيا بالبحر ، مضافا إلى التشبيهات الأربعة المتقدّمة بمرأة سليطة غادرة ، و سبع ذي مخلب ، و صياد ذي حبالة ،

و مكان زلق .

و عن الكاظم عليه السلام قال لقمان لابنه : يا بني ، إنّ الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه و حشوها الإيمان و شراعها التوكّل و قيّمها العقل ، و دليلها العلم و سكّانها الصبر ٢ .

« و من أزوّر » أي : عدل « عن حبالك » حتى لا يقع فيها « وفّق » لأنّه أتى بما يقتضيه العقل .

جاء في ( الكافي ) : أنّ الكاظم عليه السلام قال لهشام بن الحكم : يا هشام إنّ العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم . يا هشام : إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) القاموس المحيط ٢ : ١٤٣ ، مادة ( نصر ) .

( ٢ ) رواه ابن شعبة في تحف العقول : ٣٨٦ .

٣٨٧

الذنوب و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض . يا هشام : إنّ العاقل نظر إلى الدنيا و إلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلاّ بالمشقّة ، و نظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقة ، فطلب بالمشقة أبقاهما . يا هشام : ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة و أنّ الآخرة طالبة مطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه ، و من طلب الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة و أنّ الآخرة طالبة الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته ١ .

« و السالم منك » يا دنيا « لا يبالي » لنجاته من هلكة شديدة « إن ضاق به مناخه » بضم الميم ، أي : مستقره و الأصل فيه « انخت الجمل فاستناخ » أي :

أبركته فبرك .

هذا و « تنوخ » ليس من هذا كما توهم الجوهري ، فقال ابن دريد : تنخ بالمكان إذا اقام به ، و منه تنوخ ٢ . و هذا من نوخ الإبل .

و وجه عدم مبالاته بضيق مناخه ، لأن من سلم منها كمن سلم ممن يريد إهلاكه بالاختفاء في موضع ضيق ، فهو لا يحسّ ضيق ذاك المكان مادام همه النجاة .

« و الدنيا عنده كيوم حان انسلاخه » أي : صار وقت تقضيه .

قال الصادق عليه السلام : إصبروا على طاعة اللّه و تصبّروا عن معصية اللّه ،

فإنّما الدنيا ساعة فما مضى فلست تجد له سرورا و لا حزنا و ما لم يأت فلست تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة الّتي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت ٣ .

« اعزبي » بالضم و الكسر ، أي : ابعدي يا دنيا « عنّي فو اللّه لا أذل لك » أي :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ١ : ١٧ .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ٤٣٤ ، مادة ( نوخ ) ، و جمهرة اللغة ٢ : ٨ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٤٥٩ ح ٢١ .

٣٨٨

لا أكون لك ذلولا « فتستذليني » أي : تجعليني ذليلا « و لا أسلس » أي : لا أنقاد « لك فتقوديني » حيث شئت .

عن الصادق عليه السلام فيما ناجى اللّه تعالى به موسى عليه السلام : يا موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين ، و ركون من اتخذها أبّا و أمّا ، يا موسى : لو وكّلتك إلى نفسك لتنظر لها إذن ، لغلب عليك حبّ الدنيا و زهرتها ١ .

« و ايم اللّه » قال الجوهري : أيمن اللّه بضم الميم ، و النون اسم وضع للقسم إلى أن قال و ربما حذفوا منه النون فقالوا أيم اللّه و ايم اللّه بكسر الهمزة ٢ .

« يمينا » قال الجوهري : اليمين : القسم ، يقال سمّي بذلك لأنّهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كلّ أمري‏ء منهم يمينه على يمين صاحبه الخ ٣ . و نصبه على المصدرية .

« استثنى فيها بمشية اللّه » إشارة إلى قوله تعالى : و لا تقولنّ لشي‏ء إنّي فاعل ذلك غدا إلاّ أن يشاء اللّه ٤ .

« لأروضنّ » و الأصل فيه من « رضت المهر » داراه حتى يركبه .

« نفسي رياضة » و الأصل روّاضة « تهشّ » أي : ترتاح النفس « معها » أي : مع تلك الرياضة « إلى القرص » من الخبز « إذا قدرت عليه مطعوما » .

في الكشّي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له و معهما مائتا دينار فقال لهما : قولا له يقول لك عثمان استعن بهما على ما نابك . فقال لهما : هل أعطى أحدا مثل ما أعطاني ؟ قال : لا ، قال : فإنّما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم ، قالا له : يقول عثمان : إنّها من صلب مالي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٢ : ١٣٥ ح ٢١ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٢١ و ٢٢٢٢ ، مادة ( يمن ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٢١ ، مادة ( يمن ) .

( ٤ ) الكهف : ٢٣ .

٣٨٩

و ما خالطها حرام . قال : لا حاجة لي فيها ، و أنا من أغني الناس . فقالا له : ما نرى في بيتك قليلا و لا كثيرا . فقال : بلى تحت هذا الاكاف الّذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام ، فما أصنع بهذه الدنانير ؟ ١ .

« و تقنع بالملح مأدوما » أي : ما يؤكل الخبز معه .

في ( المناقب ) : رآه عليه السلام عدي بن حاتم و بين يديه شنة فيها قراح ماء ،

و كسرات من خبز شعير و ملح ، فقال له عليه السلام : إني لأراك لتظلّ نهارك طاويا مجاهدا ، و بالليل ساهرا مكابدا ، ثم يكون هذا فطورك فقال عليه السلام :

علّل النّفس بالقنوع و إلاّ

طلبت منك فوق ما يكفيها

و فيه : ترصّد عمرو بن حريث غذاءه عليه السلام ، فأتت فضّة بجراب مختوم فأخرج منه خبزا متغيّرا خشنا ، فقال عمرو : يا فضّة لو نخلت هذا الدقيق و طيبته ، قالت : كنت أفعل فنهاني و كنت أضع في جرابه طعاما طيّبا فختم جرابه ، ثم أنّه عليه السلام فتّه في قصعة و صبّ عليه الماء ثم ذرّ عليه الملح و حسر عن ذراعه ، فلما فرغ قال : يا عمرو : لقد حانت هذه و أشار إلى محاسنه و حسرت هذا و أشار إلى بطنه أن أدخلها النّار من أجل الطعام ، و هذا يجزيني ٢ .

و في ( كامل المبرد ) : قال أبو نيزر : جاءني علي عليه السلام و أنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر و البغيبغة فقال لي : هل عندك من طعام ؟ فقلت :

طعام لا أرضاه لك ، قرع من قرع الضيعة صنعته باهالة سنخة . فقال : علي به إلى أن قال و قال من أدخله بطنه النار فأبعده اللّه ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اختيار معرفة الرجال : ٢٧ ح ٥٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ٩٨ .

( ٣ ) كامل المبرد ٧ : ١٣٥ .

٣٩٠

هذا ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : أنّ يوسف عليه السلام لمّا كان في السجن شكا إلى ربه أكل الخبز وحده و سأل أداما يأتدم به ، و قد كان كثر عنده قطع الخبز اليابس ، فأمره أن يأخذ الخبز و يجعله في إجّانة و يصبّ عليه الماء و الملح فصار مريا و جعل يأتدم به ١ .

« و لأدعن » أي : أتركن « مقلتي » شحمة العين الّتي تجمع البياض و السواد « كعين ماء نضب » أي : غار و سفل « معينها » أي : جاريها . و معين : فعيل ، و قيل : هو مفعول من « عنت الماء » إذا استنبطته .

« مستفرغة » حال من « مقلتي » « دموعها » روى الكافي : أنّه عليه السلام أقبل ذات يوم على الناس بعد صلاة فجره و قال : لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا و قياما ، يخالفون بين جباههم و ركبهم كأن زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر ، ثم قال عليه السلام فما رئي ضاحكا حتى قبض ٢ .

« ا تمتلي السائمة » أي : الماشية الراعية « من رعيها » بالكسر ، أي : كلاءها ،

و أمّا بالفتح فمصدر ، حملناه على الأول لقوله عليه السلام بعد « و تشبع الربيضة من عشبها » .

« فتبرك » من برك البعير إذا استناخ .

و في ( الأساس ) : وصف أعرابي أرضا خصبة فقال : تركت كلاءها كأنّه نعامة باركة . و ابتركوا في الحرب جثوا على الركب ٣ .

« و تشبع الربيضة » قال الجوهري : ربوض البقر و الغنم و الفرس مثل بروك الإبل و جثوم الطير ، و المرابض للغنم كالمعاطن للإبل ، و الربيض الغنم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٦ : ٣٣٠ ح ١ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٣٦ ح ٢٢ .

( ٣ ) أساس البلاغة : ٢١ ، مادة ( برك ) .

٣٩١

برعاتها المجتمعة في مربضها ١ .

« من عشبها » أي : علفها « فتربض » بكسر العين ، أي : تنام على الركب .

« و يأكل علي من زاده فيهجع » أي : ينام ليلا « قرت إذن عينه » كلام تهكّمي .

« اذن اقتدي بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة » أي : بلا راع « و السائمة المرعية » الّتي لها راع .

« طوبى لنفس » اتصفت بما قاله عليه السلام بعد ، لأنها المخاطبة بقوله تعالى :

يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربك راضية مرضيّة . فادخلي في عبادي و ادخلي جنّتي ٢ .

« أدّت إلى ربها فرضها » فأعبد الناس من أقام الفرائض و لم يخل بشي‏ء منها .

« و عركت » أي : دلكت « بجنبها بؤسها » أي : شدّتها ، من قولهم « عرك البعير جنبه بمرفقه » و المراد احتملت الشدائد و تحمتلها بنفسها . قال الشاعر :

إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما

يسوء من الأدنى جفاك الأباعد ٣

« و هجرت » أي : تركت « في الليل غمضها » بالضم ، أي : نومها ، قال تعالى :

كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ٤ و فسرت بأنّهم كانوا أقل الليالي تفوتهم حتّى لا يقومون .

« حتى إذا غلب الكرى » أي : الميل إلى النوم « عليها » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) بدل « حتى إذا غلب الكرى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٧٦ ، مادة ( ربض ) .

( ٢ ) الفجر : ٢٨ .

( ٣ ) أورده أساس البلاغة : ٢٩٩ ، مادة ( عرك ) ، و لسان العرب ١٠ : ٤٦٤ ، مادة ( عرك ) .

( ٤ ) الذاريات : ١٧ .

٣٩٢

عليها » . « حتى إذا الكرى غلبها » ١ و قلنا غير مرّة أن المقدّم نقل ابن ميثم لكون نسخته بخط مصنفه .

« افترشت ارضها » أي : جعل الأرض فراشها « و توسّدت كفها » أي : جعل كفّها و سادها ، و المراد أنه إذا غلب النوم عليها تركت القيام و نامت لقوله تعالى : و لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى ٢ أي من النوم كما فسر في خبر ٣ ليفهم ما يقول ، لكن ليس نومه نوم استراحة و اطمئنان ، بل هكذا ليقوم ثانيا بعد رفع غلبة النوم .

و في ( تذكرة السبط ) : و في ( الصحيحين ) و ( مسند أحمد بن حنبل ) ، عن أبي حازم قال : جاء رجل إلى سهل بن سعد فقال : هذا فلان يذكر علي بن أبي طالب عند المنبر . فقال : ما يقول ؟ قال : يقول أبو تراب و يلعن فغضب سهل و قال : و اللّه ما كناه به إلاّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و ما كان اسم أحبّ إليه منه ، دخل على فاطمة عليها السلام فأغضبته في شي‏ء فخرج إلى المسجد فاضطجع على التراب و خلص التراب على ظهره ، فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله فمسح التراب عن ظهره و قال :

إجلس أبا تراب ٤ .

و في ( تاريخ الطبري ) مسندا عن عمار قال : كنت أنا و علي عليه السلام رفيقين مع النبي صلّى اللّه عليه و آله في غزوة العشيرة و كانت في السنة الثانية من الهجرة ، و كان النبي خرج فيها يعترض لعيرات قريش فنزلنا منزلا فرأينا رجالا من بني

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٩٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠٢ ، مثل المصرية الا ان ابن ميثم أورد . . . عليها « بعد . . . افترشت ».

( ٢ ) النساء : ٤٣ .

( ٣ ) جاء احاديث و هذا المضمون في البرهان ١ : ٣٧٠ .

( ٤ ) كذا في تذكرة الخواص : ٥ ، و الحديث في صحيح البخاري ١ : ٨٨ و ٢ : ٣٠٠ و ٤ : ٨١ و ٩٥ ، و صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٤ ح ٣٨ ، لكن أخرجه أحمد في مسنده ٤ : ٢٦٣ ، عن عمار .

٣٩٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

مدلج يعملون في نخل لهم ، فقلت : لو انطلقنا فنظرنا إليهم كيف يعملون ،

فانطلقنا فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النعاس ، فعمدنا إلى صور من النخل فنمنا تحته في دقعاء من التراب ، فما أيقظنا إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتانا و قد تتربنا في ذلك التراب ، فحرّك عليّا عليه السلام برجله فقال : قم يا أبا تراب : ألا أخبرك بأشقى الناس أحمر ثمود عاقر الناقة و الّذي يضربك على هذا يعني قرنه فيخضب هذه و أخذ بلحيته منها ١ .

« في معشر أسهر » أي : منع من النوم « عيونهم خوف معادهم » . جاء في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله الصبح بالناس فنظر إلى شاب في المسجد ، و هو يخفق و يهوى برأسه مصفرا لونه قد نحف جسمه و غارت عينه في رأسه ، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله : كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : موقنا فعجب النبي من قوله و قال : إن لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال : إنّ يقيني هو الّذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هو اجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها ،

كأنّي أنظر إلى عرش ربّي و قد نصب للحساب ، و حشر الخلائق لذلك ، و أنا فيهم ، و كأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة و يتعارفون على الأرائك متكئون ، و كأني أنظر إلى أهل النّار و هم فيها معذّبون مصطرخون ، و كأنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه : هذا عبد نوّر اللّه قلبه بالإيمان . ثم قال له : إلزم ما أنت عليه ، فقال الشاب له صلّى اللّه عليه و آله : أدع لي أن أرزق الشهادة معك فدعا له فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي فاستشهد بعد تسعة و كان هو العاشر ٢ .

« و تجافت » أي : نبت « عن مضاجعهم » و فرشهم « جنوبهم » قال تعالى :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٢٣ ، سنة ٢ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٥٣ ح ٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٩٤

تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفا و طمعا و ممّا رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون ١ .

« و همهمت » أي : رددت الصوت ، من همهم الأسد « بذكر ربّهم شفاههم » قال تعالى : الذين يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الارض ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النّار إلى فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ٢ .

« و تقّشعت » أي : تفرقت « بطول استغفارهم ذنوبهم » و في الخبر : لكلّ داء دواء ، و دواء الذنوب الاستغفار ٣ .

و روي أنّ عبّاد البصري قال للصادق عليه السلام : بلغني أنّك قلت ما من عبد يذنب ذنبا الاّ أجلّه اللّه سبع ساعات من النهار . فقال : ليس هكذا قلت ، و لكن قلت :

ما من عبد مؤمن و كذلك كان قولي ٤ .

« أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون » هكذا في ( المصرية و الخطية ) ، و ليس الكلام كلّه في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٥ ، و كيف فالمفلحون إنّما حزبه تعالى ، و الأحزاب الأخرهم الخاسرون .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) السجده : ١٦ و ١٧ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩١ ١٩٥ .

( ٣ ) رواه الصدوق في ثواب الاعمال : ١٩٧ ح ١ ، و سيوطي في الجامع الصغير ٢ : ١٢٥ ، و المناوي في كنوز الحقائق ٢ : ٦٩ .

( ٤ ) أخرجه الاهوازي في كتابه ، عنه البحار ٦ : ٣٨ ح ٦٣ ، و الحميري في قرب الاسناد : ٢ ، و في رواية الحميري « الحسن البصري ».

( ٥ ) توجد الكلام في شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٩٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠٢ .

٣٩٥

٥

الخطبة ( ٣٣ ) و من خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة .

قَالَ ؟ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ ؟ دَخَلْتُ عَلَى ؟ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ ؟ بِذِي قَارٍ ؟ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذِهِ اَلنَّعْلِ فَقُلْتُ لاَ قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ ع وَ اَللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ اَلنَّاسَ فَقَالَ الخ و مرّ في ( ٢٠ ) التوحيد في ( الخطبة ٨٠ ) عن نوف أنّه عليه السلام خطب قائما على حجارة و عليه مدرعة من صوف و حمائل سيفه ليف و في رجليه نعلان من ليف ، و كأنّ جبينه ثفنة بعير .

قول المصنف : « قال عبد اللّه بن العباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار » و في رواية ( إرشاد الشيخ المفيد ) أنّ ذلك كان بالربذة ، فقال :

لما توجّه عليه السلام إلى البصرة ، نزل الربذة فلقيه بها آخر الحاج ،

فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه و هو في خبائه ، قال ابن عباس : فأتيته فوجدته يخصف نعلا ، فقلت له : نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منّا إلى ما تصنع ، فلم يكلّمني حتى فرغ من فعله ثم ضمها إلى صاحبتها ، و قال لي : قوّمهما ، فقلت : ليس لهما قيمة ، قال : على ذاك ، قلت : كسر درهم . قال : و اللّه لهما أحبّ إليّ من أمركم هذا إلاّ أن أقيم حقّا او أدفع باطلا ، قال : قلت إنّ الحاجّ اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي أن أتكلّم ، فان كان حسنا كان منك و ان كان غير ذلك كان منّي . قال : لا ، أنا أتكلّم ، ثمّ وضع يده على صدري و كان شثن الكفّين فآلمني ، ثم قام فأخذت بثوبه و قلت : نشدتك اللّه و الرحم . فقال :

٣٩٦

لا تنشدني ، ثمّ خرج فاجتمعوا عليه الخ ١ .

« و هو يخصف نعله » قال الفيومي : خصف النعل كرقع الثوب ٢ .

و كان عليه السلام يخصف نعله كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، يخصف عليه السلام نعله و نعل النبي ،

و حديث « خاصف النعل » فيه مشهور . روى الخطيب مع نصبه في ربعي بن حراش الّذي قال فيه : تابعي ثقة ، و يقال أنّه لم يكذب كذبة قط و نقل شاهدا في ذلك مسندا عنه قال : سمعت عليا عليه السلام و هو بالمدائن قال : جاء سهيل بن عمرو إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : إنّه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّدا فارددهم علينا . فقال أبو بكر و عمر : صدق ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله : لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه بالايمان ، يضرب رقابكم و أنتم مجفلون عنه إجفال النعم ، فقال أبو بكر : انا هو . قال : لا ، قال عمر :

أنا هو . قال : لا ، و لكنّه خاصف النعل ، و في كفّ علي نعل يخصفها للنبيّ و رواه الترمذي مثله ٣ .

و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) كما في ( تذكرة السبط ) مسندا عن أنس قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي ،

يمضي فيهم إمري ، يقتل المقاتلة و يسبي الذرية ، قال أبوذر : فما راعني الاّ برد كفّ عمر من خلفي ، فقال : من تراه يعني ؟ فقلت : ما يعنيك و إنما يعني خاصف النعل علي بن أبي طالب ٤ ٥ .

« فقال عليه السلام : و اللّه لهي أحب إلي من أمرتكم إلاّ أن اقيم حقّا أو أدفع باطلا » و مرّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد : ١٣٢ .

( ٢ ) المصباح المنير ١ : ٢٠٨ ، مادة ( خصف ) .

( ٣ ) أخرجه الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٤ ح ٣٧١٥ ، و الخطيب في تاريخ بغداد ٨ : ٤٣٣ .

( ٤ ) تذكرة الخواص : ٣٩ .

( ٥ ) السقط الشارح هنا شرح عبارة : « فقال لي : ما قيمة هذه النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها » .

٣٩٧

في الشقشقيّة قوله عليه السلام « أما و الّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، لو لا حضور الحاضر و قيام الحجّة بوجود الناصر ، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها و لألفتيم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز » ١ .

قول المصنف : في الثاني « و عليه مدرعة من صوف و حمائل سيفه ليف و في رجليه نعلان من ليف » ، في ( المناقب ) : رآه عليه السلام عقيل الخولاني جالسا على برذعة حمار مبتلة ، فقال لأهله في ذلك فقالت : لا تلوموني فو اللّه ما يرى شيئا ينكره إلاّ أخذه و طرحه في بيت المال ٢ .

و في خبر : قال عليه السلام لأهل البصرة ، إن قميصي لمن غزل أهلي ٣ .

« و كأنّ جبينه ثفنة بعير » من كثرة سجداته ، و ثفنات البعير ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ .

و في ( العدد ) عن الباقر عليه السلام : و لقد كان أبي تسقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من موضع سجوده لكثرة صلواته و كان يجمعها فلما مات دفنت معه .

و جاء في ( أمالي الشيخ الطوسي ) : أنّ فاطمة بنت علي عليه السلام أتت جابر الأنصاري و قالت له : هذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين عليه السلام قد انخرم أنفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه ادأبا منه لنفسه في العبادة الخبر ٤ .

و كان عليه السلام إذا أكثروا عليه في عبادته قال : أين تقع عبادتي من عبادة جدّي ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٣٦ .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ٩٧ .

( ٣ ) رواه في ضمن خطبة المفيد في الجمل : ٢٢٤ .

( ٤ ) أمالي أبي جعفر الطوسي ٢ : ٢٤٩ ، المجلس ١٣ .

( ٥ ) روى هذا المعنى ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٧ ، و السروي في مناقبه ٢ : ١٢٥ .

٣٩٨

٦

الحكمة ( ٢٣٦ ) و قال عليه السلام :

وَ اَللَّهِ لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِي عَيْنِي مِنْ عُرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ و مرّ في سابقة قوله « و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز » .

و في خطبة ٢٢٢ : و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ، ما لعليّ و لنعيم يفنى و لذة لا تبقى ، نعوذ باللّه من سبات العقل و قبح الزلل .

هذا ، و في ( الصحاح ) : العرق بالفتح ، العظم الّذي أخذ عنه اللحم ، و الجمع عراق بالضم ١ . و في ( الأساس ) قيل لبنت الخس : ما أطيب العراق ؟ قالت : عراق الغيث ، و ذلك ما خرج من النبات على أثر الغيث ، لأنّ الماشية تحبّه فتسمن عليه ، فيطيب عراقها ٢ .

و في ( أنساب السمعاني ) قال المدائني : خطب الديباج محمد بن عبد اللّه بن عمر بن عثمان ، و الديباج عبد العزيز بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب أمرأة ، فجعلت تبحث عن أحسنهما ، فخرجت في ليلة مقمرة ، فرأتهما يتعاتبان في أمرها أو أمر آخر ، و كان وجه عبد العزيز إليها فرأت بياضه و طوله فقالت : حسبي به : فتزوجها هو ، و دعا الآخر في وليمتها ، فأكل ثم خرج و هو يقول :

بينا ارجى أن أكون وليّها

رضيت بعرق من وليمتها سخن ٣

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٤ : ١٥٢٣ ، مادة ( عرق ) .

( ٢ ) أساس البلاغة : ٢٩٩ ، مادة ( عرق ) .

( ٣ ) لم يوجد في مظانه من انساب السمعاني .

٣٩٩

٧

الحكمة ( ٧٧ ) وَ مِنْ خَبَرِ ؟ ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ اَلضَّابِيِّ ؟ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ وَ مَسْأَلَتِهِ لَهُ عَنْ ؟ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ قَالَ فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَ قَدْ أَرْخَى اَللَّيْلُ سُدُولَهُ وَ هُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ اَلسَّلِيمِ وَ يَبْكِي بُكَاءَ اَلْحَزِينِ وَ يَقُولُ يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لاَ حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَ خَطَرُكِ يَسِيرٌ وَ أَمَلُكِ حَقِيرٌ آهِ مِنْ قِلَّةِ اَلزَّادِ وَ طُولِ اَلطَّرِيقِ وَ بُعْدِ اَلسَّفَرِ وَ عَظِيمِ اَلْمَوْرِدِ أقول : رواه ( مروج المسعودي ) هكذا قال : دخل ضرار بن ضمرة و كان من خواص علي عليه السلام على معاوية وافدا ، فقال له صف لي عليا . قال : إعفني قال : لا بدّ من ذلك ، فقال : أما إذا كان لا بدّ من ذلك ، فانه كان و اللّه بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه ، يعجبه من الطعام ما خشن و من اللباس ما قصر ، و كان و اللّه يجيبنا إذا دعوناه و يعطينا إذا سألناه ، و كنّا و اللّه على تقريبه لنا و قربه منّا لا نكلّمه هيبة له ، و لا نبتدئه لعظمه في نفوسنا ، يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم ،

يعظّم أهل الدين ، و يرحم المساكين و يطعم في المسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ، يكسو العريان و ينصر اللهفان ، يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته ، و كأنّي به و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه و هو في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول : يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرضت أم إلي تشوّقت ؟ هيهات هيهات لا حان حينك قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، عمرك قصير و عيشك

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568