فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد3%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243566 / تحميل: 10712
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وكنتم على شفا حفرة من النار (١) .

مذقة الشارب (٢) ، ونهزة الطامع(٣) .

وقبسة العجلان (٤) .

وموطئ الأقدام.

تشربون الطرق (٥) ، وتقتاتون القِدَّ والورق(٦) .

أذلّةً خاسئين.

تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم.

فأنقذكم الله تعالى بمحمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بعد اللتيّا والتي.

بعد أن مُني بِبُهم الرجال (٧) .

وذُؤبان العرب

ومَرَدَة أهل الكتاب (٨) .

____________________

(١) شفا حفرة: جانبها المشرف عليها.

(٢) المـُذقة - بضم الميم - شربة من اللبن الممزوج بالماء.

(٣) النُهزة - بضم النون -: الفرصة.

(٤) قبسة العجلان: الشعلة من النار التي يأخذها الرجل العاجل.

(٥) الطرق - بفتح الطاء وسكون الراء -: الماء الذي خوضته الإبل، وبوّلت فيه.

(٦) تقتاتون: تجعلون قوتكم. القد - بكسر القاف -: قطعة جلد غير مدبوغ، ويحتمل أن يكون بمعنى القديد وهو اللحم المجفّف في الشمس.

(٧) مني - فعل ماضي مجهول -: ابتلي. والبهم - على وزن الغرف - جمع بهمة، وهو الشجاع الذي لا يُهتدى من أين يؤتى.

(٨) مردة - بفتح الميم والراء والدال -: جمع مارد وهو العاتي.

٣٤١

كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله.

أو نَجَم (١) قرن للشيطان.

أو فَغرتْ (٢) فاغرة من المشركين.

قَذف أخاه في لهواتها (٣) .

فلا ينكفئ حتى يطأ صِماخها بأخمصه (٤) .

ويخمد لهبها بسيفه (٥) .

مكدوداً في ذات الله (٦) .

مجتهداً في أمر الله.

قريباً من رسول الله.

سيّداً في أولياء الله.

مُشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً (٧) .

وأنتم في رفاهية من العيش (٨) .

وادعون فاكهون آمنون (٩) .

__________

(١) نجم - فعل ماضي -: طلع. وقرن الشيطان: أتباعه.

(٢) فغر: فتح. فاغرة فاها: أي فاتحة فمها.

(٣) اللهوات - جمع لهاة -: لحمة مشرفة على الحلق في أقصى الفم.

(٤) ينكفئ: يرجع. يطأ: يدوس. ضماخها: أذنها. بأخمصه: بباطن قدمه.

(٥) يخمد: يطفئ. لهبها: اشتعالها.

(٦) المكدود: المتعب.

(٧) شمّر ثوبه: رفعه. مجد - بضم الميم وكسر الجيم -: مجتهد. والكادح: الساعي.

(٨) رفاهية: سعة.

(٩) وادعون: مرتاحون. فاكهون: ناعمون.

٣٤٢

تتربصون بنا الدوائر (١) .

وتتوكّفون الأخبار (٢) .

وتنكصون عند النزال (٣) .

وتفرّون من القتال.

__________

(١) الدوائر: العواقب المذمومة وحوادث الأيام.

(٢) تتوكّفون: تتوقعون بلوغ الأخبار.

(٣) تنكصون: ترجعون وتتأخّرون. والنزال: القتال.

٣٤٣

فاطمة الزهراء تطالب حقّها المغصوب

إلى هنا أنهت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام حديثها عن فلسفة الإسلام، وعن علل الشريعة الإسلامية، ثم عرَّجت على كلامها المقصود وهدفها المنشود، وهو المطالبة بحقّها والتظلّم من السلطة الحاكمة.

وقبل كل شيء وجّهت الخطاب إلى الشعب الحاضر في المسجد، في المؤتمر الإسلامي لأنّهم بايعوا رئيس الدولة، ولم توجّه الخطاب إلى رئيس الدولة لأنّه هو أحد طرفي المحاكمة، وهو المقصود بالمخاصمة والإدانة؛ ولهذا عرّفت نفسها للحاضرين كما هي الأصول المتّبعة في المحاكمات، ولأنّها الطرف الآخر للمحاكمة، ولأنّها تمثّل آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الطيّبين بل هي ملكة الإسلام، والمحاكمة وقعت بمحضر من المهاجرين والأنصار وغيرهم، وهم يومذاك من الشخصيات الإسلامية البارزة المرموقة ومن الوزن الثقيل.

وموضوع المحاكمة هي الأراضي والمقاطعات التي كانت تحت تصرّف السيدة فاطمة الزهراء منذ سنوات، ثم استولى عليها أبو بكر وصادرها بدون مبرّر شرعي، ولهذا وجّهت السيدة فاطمة الزهراء كلامها إلى الحاضرين في ذلك المؤتمر، فقالت: (أيّها الناس اعلموا أنّي فاطمة) ذكرت اسمها للمستمعين، ذلك الاسم الذي لا يجهله أحد، ذلك الاسم الذي سمعه الناس مراراً وتكراراً من فم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مشفوعاً بالعواطف النبويّة،

٣٤٤

مقروناً بكل تجليل وتعظيم وتقدير.

(وأبي محمّد صلّى الله عليه وآله) وهذا النسب الشريف الأرفع، النسب الذي ليس فوقه نسب، النسب الذي هو مفخرة الكون، ودرّة تاج الوجود، وأشهر من الشمس.

نعم، إنّ فاطمة هي بنت محمّد، سيّد الأنبياء، أشرف الخلائق، أطهر الكائنات، أفضل المخلوقين.

نعم، بنت هذا العظيم تتكلّم وتخطب، وتحتجّ وتتظلّم.

لقد عرّفت نفسها لئلاّ يقول قائل: ما عرفناها، ولماذا ما صرّحت باسمها؟ ولماذا لم تعرّف شخصها؟ ولماذا لم تذكر نسبها؟

وبهذا أتمّت الحجّة، ولم تُبق لذي مقالٍ مقالاً، ذكرت اسمها الصريح ونسبها الواضح تعريضاً وتوبيخاً لهم.

نعم، إنّ فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله جاءت تطالب بحقوقها وأموالها التي صُودرت وغُصبت منها.

(أقول عوداً وبدءاً) أي أتكلّم آخراً وأوّلاً، وأولاً وآخراً، وأنا على يقين بما أقول وفي نسخة: (عَوداً على بدء) والمعنى واحد.

(ولا أقول ما أقول غلطاً) وهو الخطأ في الكلام من كذب وخديعة ومغالطة.

(ولا أفعل ما أفعل شططاً) لا أتكلم جوراً وظلماً وتجاوزاً عن الحد.

( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم

٣٤٥

بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) افتتحت هذا البحث بذكر أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأدمجت كلامها بكلام الله تعالى، حيث يقول: إنّ الرسول من العرب، يشق ويعزّ عليه وقوعكم في الشدّة لأجله، حريص على توفير وسائل السعادة لكم، بالمؤمنين من هذه الأمّة رؤوف رحيم، كلمتان مترادفتان، معناهما العطف واللطف والحنان.

(فإن تعزوه وتعرفوه) أي تنسبوه، وتقولوا فيه إنّه أبو مَن؟ وأخو مَن؟ وفي نسخة: (فإن تعزروه وتوقّروه) أي تعظّموه.

(تجدوه أبي دون نسائكم) نعم، أنا ابنته الوحيدة، وهو أبي، ولا تشاركني نساؤكم في هذا النسب الطاهر الأعلى.

(وأخا ابن عمّي دون رجالكم) نعم، إنّه أخو زوجي، ولم يشارك أحد من رجالكم أبي في الأخوّة، وليس المقصود - هنا - أخوّة النسب، بل الأخوّة التي حصلت يوم المؤاخاة حينما آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه، آخى بينه وبين عليّ وكان الرسول ينوّه بهذه الأخوّة في شتّى المناسبات ومختلف المجالات، ويركّز على كلمة: (أخي) كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ادعوا لي أخي. وأين أخي؟ وأنت أخي. وإنّه أخي في الدنيا والآخرة.

وكان عليّعليه‌السلام يعتزّ بهذه الأخوّة والمؤاخاة، ويذكرها نظماً ونثراً، ومنه قولهعليه‌السلام :

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي

معه ربيت، وسبطاه هما ولدي

وقوله:

محمّد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

وقوله:

ومن حين آخى بين من كان

حاضراً دعاني وآخاني وبيّن من فضلي

٣٤٦

وقوله: أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم لا يقوله غيري إلاّ كذّاب(١) .

(ولنعم المعزيّ إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم) نِعم المنسوب إليه والمنتمي إليه، أنّه أشرف مَن ينتسب إليه، وأطهر مَن ينتمي إليه؛ لأنّه علة الإيجاد، وبيُمنه رُزق الورى.

(فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة) بلّغ الرسول كل ما أُمر بتبليغه مظهراً بالإنذار والتخويف بعذاب الآخرة.

(مائلاً عن مدرجة المشركين) وفي نسخة: (ناكباً عن سنن مدرجة المشركين) أي عدل عن طريقة المشركين ومسلكهم.

(ضارباً ثبجهم) أي كان الرسول ضارباً كواهل المشركين وظهورهم، والمقصود جهاد الكفّار والمشركين.

(آخذاً بأكظامهم) أي ممسكاً على أفواههم، أو مخارج أنفاسهم، وهي كناية عن إيقافهم عند حدّهم، وإحباط مؤامراتهم، وتفنيد أباطيلهم.

(داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة) .

كان يدعو إلى الله، لا إلى الدنيا، إلى سبيل ربّه، لا سبيل غيره، ويراعي في دعوته مستويات الناس، فيدعو بالحكمة وهي المقالة الموضّحة للحق والمزيحة للشبهة، هذا بالنسبة للطبقة الواعية المثقّفة، ويدعو بالموعظة الحسنة وهي الخطابات المقنعة للنفوس، والعبر النافعة للحياة، وهذا بالنسبة للطبقة العامة.

ويجادلهم بالتي هي أحسن، وهي أحسن طرق المجادلة والتفاهم، وإقامة الأدلّة والبراهين بالنسبة للمعاندين.

(يكسر الأصنام) التي كان المشركون يعبدونها ويعتبرونها آلهة من دون الله.

__________

(١) راجع كتابنا (علي من المهد إلى اللحد) للمزيد من المعلومات حول البحث.

٣٤٧

(وينكت الهام) وفي نسخة: (ينكس الهام) إشارة إلى قتال رؤساء الكفر وأقطاب الشرك وقمعهم وإذلالهم، وهم الذين كانوا يؤجّجون نيران الحروب، ويثيرون الفتن أمثال: شيبة وعتبة وأبي جهل ونظرائهم، أو إذلال المفسدين والمشاغبين، وفي نسخة: (ينكث الهام) أي يلقي الرجل على رأسه.

(حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر) أي استمرّ الكفاح والجهاد سنوات عديدة، تتكوّن خلالها الحروب والغزوات والاضطرابات حتى قضى الرسول على أصول الفتن وجراثيم الفساد فانكسرت شوكة الكفّار، وضعفت معنوياتهم، وأخيراً حتى انهزم الجمع، أي جماعة الكفّار وأدبروا فارّين.

(حتى تفرّى الليل عن صبحه) حتى انجلت ظلمات الكفر السوداء، وتجلّى صبح الإسلام الأبيض الناصع.

(وأسفر الحق عن محضه) أي ارتفعت الحواجز الباطلة التي حجبت الحق عن الظهور فأضاء الحق الخالص، الذي لا يشوبه شيء من الباطل، وكلّها كنايات عن تجمّع القوى الدينية.

(ونطق زعيم الدين) تكلّم رئيس الدين فيما يتعلّق بأُمور الدين وأُمور المسلمين بكل حريّة وصراحة.

(وخرست شقاشق الشياطين) قد ذكرنا في شرح ألفاظ الخطبة أنّ الشقاشق - جمع شقشقة - شيء يشبه الرئة يخرج من فم البعير عند هيجانه، والمقصود من (خرست شقاشق الشياطين) هو تبخّر نشاطات المفسدين، واختناق أصواتهم.

(وطاح وشيظ النفاق) المقصود سقوط المنافقين عن الاعتبار، وفشل مساعيهم.

٣٤٨

(وانحلّت عُقَد الكفر والشقاق) أي فشلت المحاولات والمحالفات والاتفاقيات التي قام بها الكفّار والمخالفون ضد الإسلام والمسلمين كما في غزوة الأحزاب.

(وفُهتم بكلمة الإخلاص) وتلفّظتم بكلمة: (لا إله إلاّ الله ) بألسنتكم.

(في نفرٍ من البيض الخماص) أي بيض الوجوه من النور، الضامري البطون من التجوّع بسبب الصوم. أو الزهد.

ويمكن أن يكون المقصود من هذين الوصفين أُناساً معيّنين، وهم الصفوة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أهل البيتعليهم‌السلام .

(وكنتم على شفا حفرة من النار) بسبب الكفر والشرك بالله العظيم.

ثم أشارتعليها‌السلام إلى الحياة الاجتماعية التي كان الناس يعيشونها في ذلك الوقت وهي الفوضوية واختلال النظام، والهرج الذي كان مستولياً على كافّة جوانب الحياة، فقالت: (مذقة الشارب) إذا مرّ الإنسان الظمآن من مكان، ووجد ماءً ليس له مالك، أو له مالك ولكنّه لا يستطيع الدفاع والمقاومة فيطمع ذلك الإنسان أن يشرب من ذلك الماء ويبرّد غليله.

(ونهزة الطامع) وهكذا إذا مر الإنسان من مكان ووجد هناك طعاماً لا مالك له، أو مالكه ضعيف فترى الجائع يطمع في ذلك الطعام، فينتهز الفرصة ويستوفي نصيبه من ذلك الطعام.

(وقبسة العجلان) هي الشعلة أو الجذوة من النار يأخذها الرجل المسرع إذا احتاج إليها.

(وموطئ الأقدام) وكنتم أذلاّء، مستضعفين تدوسكم الأقوياء بأقدامها.

(تشربون الطرق) الماء الذي كنتم تشربونه هو الماء المتجمّع في

٣٤٩

المستنقعات والحفائر تدخلها الحيوانات، وتبول فيها الإبل، مع العلم أنّ النفوس الشريفة تستقذر هذا الماء وتمجّه، ولا ترضى به، ولكنّه الجهل، ولكنّه الإحساس بالنقص، والخضوع للمذلّة والهوان، كأنّهم لم يعرفوا حفر الآبار، أو تفجير العيون، أو إيجاد القنوات تحت الأرض ولا تسأل عن مضاعفات هذه المياه وتلوّثها بأنواع الجراثيم والميكروبات.

هذا ولا تزال الحياة بهذه الصفة موجودة في بعض البلاد الإسلامية المتأخّرة عن ركب الحضارة، كما نقرأ ذلك في بعض الصحف والمجلاّت.

(وتقتاتون القدّ والورق) أي كان قوتكم وطعامكم من القد وهو اللحم أو الجلد اليابس وأوراق الأشجار، فالأراضي الواسعة الشاسعة قاحلة جرداء، لا ضرع فيها ولا زرع ومفهوم الزراعة غير موجود عندكم.

(أذّلة خاسئين) الخاسئ هو المنبوذ المطرود الذي لا يُترك أن يدنو من الناس لحقارته.

(تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم) إنّ التفسّخ والانحلال يؤدّي إلى اختلال الحياة الاجتماعية وإلى الفوضوية وفقدان الأمن والأمان، وسلب القرار والاستقرار والطمأنينة في النفوس، فالقوي يطمع في الضعيف، والكثير يأكل القليل، والغني يستعبد الفقير، فلا يخاف أحد من القانون، ولا يهاب العقاب، ولا يخشى السلطة.

ونحن نرى أنّ حوادث الاختطاف والاغتصاب والاعتداء إنّما تكثر في البلاد التي لا يطبّق فيها القانون على الجميع. ولا ينفذ إلاّ في حق الفقير الضعيف فالدماء تراق والأعراض تُهتك، والأموال تسلب، والكرامات تُهدر، وهكذا وهلمّ جرّاً.

وقد اقتبست السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام هذه الآية من

٣٥٠

القرآن(١) وأدمجتها في حديثها عن العهد الجاهلي.

(فأنقذكم الله بأبي محمّد صلّى الله عليه وآله) إنّه المنقذ الأعظم والمصلح الأكبر الذي أنقذ العباد من تلك الحياة التي كانت تشبه الجحيم، وأصلح البلاد من تلك المفاسد والويلات والمصائب وأحدث انقلاباً في العقائد والنفوس والأخلاق والعادات.

ولم تتحقق أهدافه إلاّ:

(بعد اللتيّا والتي) هذه الكلمة صارت مثلاً في هذه المناسبة، أي استطاع الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطهّر المجتمع، وينقذ الناس من مصائب الجاهلية بعد شقّ الأنفس، بعد أن تحمّل المشاكل وأنواع الأذى، بعد الضغط والكبت والاضطهاد.

(وبعد أن مُني بِبُهم الرجال) استطاع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إنقاذ الناس بعد أن ابتُلي بالرجال الأقوياء، والأبطال الشجعان الذين أجّجوا نيران الحروب، وحاربوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكل ما يملكون من حول وقوّة وهم أكثر عدداً من المسلمين، وأكثر عدّة وعتاداً.

(وذُؤبان العرب) إنّ الإنسان إذا تجرّد عن الإنسانية والأخلاق والفضيلة ينزل إلى مرتبة الحيوانات، فإذا فقد الفهم والعلم فإنّه يُشبَّه بالحمار، وإذا فقد العاطفة والرأفة فإنّه يُشبَّه بالسباع والحيوانات المفترسة، فيصح أن يقال في حقّه: إنّه ذئب.

وهكذا أُولئك السفّاكون الذين كانوا يستأنسون بالمذابح والمجازر التي كانوا هم السبب في تكوينها، أُولئك الذين كانت هواياتهم إثارة الفتن

____________________

(١) وهي قوله تعالى: ( وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ ) .

٣٥١

وإيجاد الاضطرابات، أمثال أبي جهل وأبي سفيان ومن يدور في فلكهما.

وقيل: المقصود من الذؤبان - هنا - اللصوص والصعاليك، أي السفلة من الناس الساقطين.

ابتُلي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بهؤلاء المفسدين، بدءاً من غزوة بدر إلى غزوة أُحد إلى الخندق إلى حنين وغيرها، تجد هؤلاء المفسدين كانوا في طليعة أسباب الفتنة والاضطرابات والمشاغبات، وحتى الحروب التي خاضها المسلمون مع اليهود كان هؤلاء هم السبب في إثارتها.

(ومردة أهل الكتاب) إشارة إلى الحروب التي شبّ اليهود والنصارى نيرانها، أمثال: بني النضير، وبني قريظة وبني قينقاع، وبني الأصفر في مؤتة.

إنّ أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى لو كانوا يتّبعون الكتاب السماوي الذي أنزل عليهم لما حاربوا الرسول؛ بل كانوا يسلمون على يديه في المرحلة الأُولى؛ لأنّ أوصاف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مذكورة في كتبهم، وكان من السهل عليهم المقارنة بين تلك الصفات والعلائم وبين الرسول، وعند ذلك كانوا يجدون تلك الصفات تنطبق على الرسول مائة بالمائة، ولكن مردة أهل الكتاب وهم العتاة المتجبّرون الذين منعهم الكبرياء من الخضوع للحق استمرّوا على عتّوهم وعنادهم وجحودهم.

(كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) كانوا يحيكون المؤامرات ضد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويجمعون الجيوش والعساكر ويحضّون القبائل والعشائر على محاربة الرسول، فكانت المساعي فاشلة، وكان الانتصار والغلبة والظفر حليفاً للرسول.

ولو استعرضنا تاريخ حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ

٣٥٢

البعثة حتى الوفاة؛ لظهر لنا جانب كبير من إحباط المؤامرات والفشل الذريع الذي أحاط بأعداء الرسول.

(أو نَجَم قرن للشيطان) لو انكسر قرن الحيوان نبت له قرن آخر، وتقول السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام : إذا نهض أحد المفسدين للقيام بالأعمال الشيطانية، وهي المعاكسات والمقاومات التي كانت المشركون يقومون بها ضدّ رسول الله.

وهذه الجملة عطف على جملة: (كلّما أوقدوا) أي كلّما نجم قرن للشيطان أو (فغرت فاغرة) أو فتحت حيّة الكفر فمها لتلسع وتلدغ المجتمع الإسلامي.

(قذف أخاه في لهواتها) أي كان الرسول يقضي على تلك النشاطات الجهنّمية، والنعرات الشيطانية يقضي عليها بأخيه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

كان الرسول يأمر عليّاً أن يردّ عنه كتائب المشركين وعصابات المنافقين فكان عليّعليه‌السلام يخاطر بحياته، ويغامر بنفسه، ويستقبل أولئك الذئاب المفترسة، كان يقاتلهم وحده، ويخوض غمار الحرب، فيصح التعبير بقولها: (قذف أخاه في لهواتها) في فم الموت بين أنياب السباع تحت سيوف الأعداء، والرماح الشارعة والسهام الجارحة.

(فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه) لا يرجع عليّعليه‌السلام من جبهة القتال حتى يسحق رؤوس الأعداء، ويدوس هامات الرؤساء بباطن قدمه، كالمصارع الذي ينزل إلى ساحة المصارعة فإذا تغلّب على خصمه وصرعه فلا بدّ من أن يلصق المصارع ظهر خصمه أو رأسه على الأرض ليثبت أنّه أنهى المصارعة بأوفى صورة.

كذلك عليّعليه‌السلام كان يهرول نحو الأعداء لا يعرف معنى

٣٥٣

الخوف، وكأنّه مستميت، وكأنّ غريزة الحياة قد سُلبت عنه، وبيده صحيفة يقطر منها الموت، تراها راكعة ساجدة، على الرؤوس، والخواصر وكان يقدّ الأبدان نصفين طولاً أو عرضاً، ويفري ويكسر ويهشم في طرفة عين، وقبل أن تنفجر الدماء من العروق كانت العملية قد انتهت.

(ويخمد لهبها بسيفه) كان يقضي على جراثيم الفساد، ويقلع الأشواك عن طريق المجتمع البشري، ويطفئ لهيب الحروب بسيفه السماوي، ويمهّد الطريق لكلمة:(لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله) .

(مكدوداً في ذات الله) قد أخذ التعب والعناء منه كل مأخذ، كل ذلك لله وفي الله ولوجه الله وفي سبيل الله.

(مجتهداً في أمر الله) المجتهد - في اللغة - الذي يجهد نفسه أي يتعبها، كان عليّعليه‌السلام يبذل ما في وسعه وطاقته وجميع إمكانياته لتحقيق أهدافه السامية، وتحصيل أمنياته، وهي إعلاء كلمة الله.

(قريباً من رسول الله) ليس المقصود القرب المكاني، بل القرب المعنوي، من حيث قرابة النسب، وانسجام الروح، واندماج النفس واتحاد الاتجاه، ووحدة النفس، فعليّعليه‌السلام نفس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بنصّ القرآن الكريم بقوله تعالى: ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) وهل هناك قرابة أو نسب أقوى من هذا؟

(سيّداً في أولياء الله) وفي نسخة: (سيّد أولياء الله) فيكون المقصود هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً) هكذا تصف السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام زوجها العظيم، كأنّه يشمّر عن ثيابه نشاطاً واستعداداً للعمل للإسلام ولصالح الإسلام، في سبيل إسعاد المسلمين. وبذل النصح، وهو حب الخير لهم، كان مجدّاً في العمل، ساعياً فيه، لا يمنعه التعب عن

٣٥٤

استمرار العمل.

نعم، كانت حياة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام كلها جهوداً وجهاداً، ونشاطاً وإنتاجاً وإنجازاً، وخدمة للإسلام والمسلمين، فمواقفه في جبهات القتال مشهورة، وأعماله الفدائية في سبيل الإسلام مذكورة، وتفانيه وتضحياته في سبيل الله معروفة.

(وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون) كان عليّعليه‌السلام يستقبل الأخطار والأهوال في الوقت الذي كان المسلمون بعيدين عن تلك الأخطار، مشغولين بأنفسهم يتمتّعون بالراحة، ويتفكّرون في تحصيل الملذّات، وإشباع الرغبات، لا يعرفون معنى الخوف.

أين كان المسلمون ليلة المبيت؟ تلك الليلة التي طوّق المشركون دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يريدون الهجوم عليه ليقتلوه؟

أما بات عليّعليه‌السلام على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يفديه بنفسه وحياته وشبابه؟

أين كان المسلمون يوم أحد حين انهزموا وتركوا الرسول في جبهة القتال، تحمل عليه عصابات الكفر والمشركين؟ وبقي عليّعليه‌السلام يقاوم الأعداء حتى ضرب الرقم القياسي في المواساة والتضحية، حتى هتف جبرئيل بفُتوّته وبسالته يوم هتف بين الأرض والسماء: لا فتى إلا عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار.

وهكذا يوم حُنين، وهكذا يوم الخندق، وهكذا يوم خيبر. وهكذا هلمّ جراً.

قال عليّعليه‌السلام : (ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تزل فيها الأقدام، وتنكص فيها الأبطال، نجدة أكرمني الله بها...).

(تتربّصون بنا الدوائر) كان بعض أولئك الأفراد مندسّين في صفوف

٣٥٥

المسلمين يتوقّعون هلاك الرسول، وينتظرون نزول المكاره وحلول الكوارث، برسول الله، والدوائر صروف الزمان، والعواقب السيئة، وتحوّل النعمة وزوالها ونزول البلاء.

(وتتوكّفون الأخبار) تتوقّعون وصول الأخبار الدالة على هلاكنا.

(وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال) ففي يوم أُحد كانت المأساة من فرار المسلمين، ويوم حُنين كانت الفضيحة، ويوم خيبر كان العار منطبعاً على جبهات المنهزمين، ولا تسأل عن يوم الخندق حين استولى الرعب على القلوب، والفزع على النفوس حينما برز عمرو بن عبد ودّ، فكفى الله المؤمنين القتال بعليعليه‌السلام .

هذا ولو أردنا استعراض الأحداث التاريخية بهذا الشأن لطال بنا الكلام وخرج الكتاب عن أسلوبه.

وخلاصة القول: هذا موقف عليّعليه‌السلام تجاه الإسلام والرسول، وهذه مواقف غيره من أولئك الشخصيات التي ظهرت شجاعتهم بعد وفاة الرسول! وبرزت مواهبهم حين خلا لهم الجو، وساعدتهم الظروف على ما يحبّون!.

٣٥٦

خطبة فاطمة الزهراءعليها‌السلام

فلّما اختار الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار أنبيائه.

ومأوى أصفيائه.

ظهر فيكم حسكة النفاق (١).

وسمل جلباب الدين (٢).

ونطق كاظم الغاوين (٣).

ونَبَغَ خامل الأقلِّين (٤).

وهدَرَ فنيق المبطلين (٥).

فخطر في عرصاتكم (٦).

وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه (٧) هاتفاً بكم.

فألفاكم لدعوته مستجيبين.

وللغرّة فيه ملاحظين (٨) .

____________________

(١) الحسكة والحسيكة: الشوكة.

(٢) سمل الثوب: صار خَلِقاً. والجلباب: ثوب واسع.

(٣) كاظم الغاوين: الساكت الضال الجاهل.

(٤) ظهر من خفي صوته واسمه من الأذلاّء.

(٥) هدر البعير: ردّد صوته في حنجرته. والفنيق: الفحل من الإبل.

(٦) خطر: إذا حرّك ذنبه.

(٧) المغرز - بكسر الراء -: ما يختفي فيه.

(٨) الغِرة - بكسر الغين -: الانخداع. وملاحظين: ناظرين ومراعين.

٣٥٧

ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً.

وأحمشكم فألفاكم غضابا (١).

فوسمتم غير إبلكم (٢) .

وأوردتم غير شربكم (٣).

هذا والعهد قريب.

والكلم رحيب (٤).

والجرح لما يندمل (٥) .

والرسول لما يُقبَر (٦) .

ابتداراً زعمتم خوف الفتنة (٧) .

( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) .

فهيهات منكم!

وكيف بكم؟

وأنَّى تؤفكون (٨) .

وكتاب الله بين أظهركم

أُموره ظاهرة.

____________________

(١) أحمشكم: أغضبكم.

(٢) الوسم: الكي، وسمه: كواه.

(٣) الشرب - بكسر الشين -: النصيب من الماء.

(٤) الكلم: الجرح. ورحيب: واسع.

(٥) اندمل: تراجع إلى البراء.

(٦) يقبر: يدفن.

(٧) ابتداراً: معاجلةً.

(٨) تؤفكون: أي تصرفون.

٣٥٨

وأحكامه زاهرة.

وأعلامه باهرة.

وزواجره لائحة.

وأوامره واضحة.

وقد خلَّفتموه وراء ظهوركم.

أرَغبةً عنه تريدون؟

أم بغيره تحكمون؟

بئس للظالمين بدلاً.

( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها (١).

ويسلس قيادها (٢) .

ثم أخذتم تورون وقدتها، وتُهيّجون جمرتها (٣) .

وتستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ.

وإطفاء أنوار الدين الجلي.

وإخماد سنن النبيّ الصفي.

تسرّون حسواً في ارتغاء (٤) .

وتمشون لأهله ووُلده في الخَمَر والضرَّاء (٥) .

__________

(١) ريث: قدر.

(٢) يسلس: يسهل.

(٣) تورون: تخرجون نارها. تهيّجون: تثيرون.

(٤) يأتي المعنى في شرح الخطبة.

(٥) الخمر - بفتح الخاء والميم -: ما يسترك من الشجر وغيره.

٣٥٩

ونصبر منكم على مثل حزّ المدى (١) .

ووخز السنان في الحشى (٢) .

وأنتم - الآن - تزعمون أن لا إرث لنا.

( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .

أفلا تعلمون؟ بلى تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته.

أيّها المسلمون! أأُغلب على إرثيه.

____________________

(١) المدى - بضم الميم -: جمع مدية وهي الشفرة.

(٢) الوخز: الطعن. والسنان: رأس الرمح.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568