فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد3%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243295 / تحميل: 10696
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

والظلامة: ما أخذه الظالم منك فتطلبه عنده، وتصف فاطمة الزهراءعليها‌السلام سكوتهم عن إسعافها بالسِنة التي هي مقدّمة للنوم الذي يفقد النائم فيه الشعور.

نعم، إنّه موت الضمير، وتعطيل الإحساس، وركود العاطفة، وفقد الإنسانية.

(أما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبي يقول: المرء يُحفَظ في ولده؟) أي تحفظ كرامة الإنسان بحفظ كرامة أولاده ورعاية حقوقهم، كما قيل: (لأجل عين ألف عين تُكرم) أليس رسول الله أبي؟ ألستُ ابنته؟ أما ينبغي لكم أن تحترموا مكانتي لأجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي نسخة: (أما كان لرسول الله أن يحفَظ في وُلده؟) أما كان يستحق رسول الله أن تحفظ كرامته في أولاده وذرّيّته؟

(سرعان ما أحدثتم) تتعجّب السيدة فاطمة الزهراء من إسراعهم في إحداث الأمور، والاعتداء على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(وعجلان ذا إهالة) هذه الكلمة تشير إلى قضية ويضرب بها المـَثَل، وهي أنّ رجلاً كان له نعجة عجفاء هزيلة، يسيل مخاطها من منخريها، فقيل له: ما هذا؟ قال: سرعان ذا إهالة. والإهالة: الشحم، أو الشحم المذاب، وتستعمل هذه الكلمة لمـَن يخبر بالشيء قبل وقته، والمقصود: إنّكم دبَّرتم الأمور ضدّنا بكل استعجال وبكل سرعة.

(ولكم طاقة بما أُحاول) عندكم قدرة وإمكانية لإسعافي ومساعدتي ونُصرتي في استرجاع حقوقي المغصوبة التي أقصد استردادها.

(وقوّة على ما أطلب وأُزاول) لستم ضعفاء عاجزين عن حمايتي والدفاع عنّي، فما عذركم؟ ما سبب سكوتكم؟ ما هذا التخاذل؟

٣٨١

(أتقولون: مات محمد) ومات دينه، وماتت كرامته وحرمته، وماتت المفاهيم المثلى، وخلى الجو؟

أهذا جرّأكم علينا أهل البيت؟

(فخطب جليل) فأمر عظيم شديد؛ لأن موت العظماء عظيم، وفي نسخة: (أتزعمون مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيتم دينه، ها أنّ موته لعمري خطب جليل).

ثم جعلتعليها‌السلام تصف فظاعة المصيبة ومدى عظمتها، وتأثيرها في النفوس، فقالت:

(استوسع وهنه) وفي نسخة: (استوسع وهيه) كالحصن الذي اتّسع شقه (واستنهر فتقه) كالطعنة التي توسع الشق في البدن.

(وانفتق رتقه) انشقّ المكان الملتئم منه، والضمائر الثلاثة في وهنه وفتقه ورتقه تعود إلى الخطب.

(وأظلمت الأرض لغيبته) من الطبيعي أنّه كان نوراً تستضيء به الأرض ومَن عليها وبوفاته أظلمت الأرض، وتجد في القرآن آيات كثيرة تعبّر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنور كقوله تعالى:( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) (١) .

(وكسفت النجوم لمصيبته) إن الضوء الذي تراه على وجه القمر وعلى بقية النجوم ما هو إلا انعكاس لنور الشمس على القمر والنجوم، فإذا زال نور الشمس انكسفت النجوم وزال عنها الضوء.

(وأكدت الآمال) أي انقطعت الآمال التي كانت منوطة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبب وفاته، وذلك كما يقال: خابت الظنون

____________________

(١) المائدة: ١٥.

٣٨٢

وانقطعت الآمال.

(وخشعت الجبال) من هول الفاجعة، وعظم الواقعة حتى الجمادات تتأثّر بالحوادث العظيمة، كما قال تعالى:( لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ) (١) .

(وأضيع الحريم) الحريم: ما يحميه الرجل ويقاتل عنه، والمقصود - هنا - حريم آل الرسول وهم عترته الطيّبة، نعم، ضاع حريمه أيّ ضياع! وانتهكت حرمته أيّ انتهاك!.

(وأُزيلت الحرمة عند مماته) وفي نسخة: (أُديلت الحرمة عند مماته) أي غُلبت (بضم الغين وكسر اللام).

(فتلك - والله - النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى) إنّ مصيبة وفاة العظماء تكون عظيمة، فكلّما كانت عظمة المتوفّى أكثر كانت مصيبة وفاته أعظم وأفجع، ولقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف مخلوق وأعظم إنسان، وأطهر كائن فبالطبع تكون وفاته نازلة كبرى ومصيبة عظمى.

(لا مثلها نازلة) لا توجد في العالم مصيبة كبيرة كمصيبة وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه لا يوجد في العالم موجود كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(ولا بائقة عاجلة) أي لا مثلها داهية في القريب العاجل؛ إذ من الممكن أن تحدث في العالم حادثة أعظم وقعاً من وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي حادثة قيام الساعة وقيام القيامة.

ولقد وصف الإمام عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مصيبة وفاة

____________________

(١) الحشر: ٢١.

٣٨٣

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله:

(فنزل بي من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم أكن أظنّ الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام، والقول والاستماع).

(أعلن بها كتاب الله - جلّ ثناؤه - في أفنيتكم) أعلن القرآن الكريم بوفاة الرسول في جوانبكم ونواحيكم، أي القرآن يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، وأصوات التلاوة مرتفعة من المسجد ومن البيوت والمساكن، وفي نسخة: (في قبلتكم) والمقصود المسجد أو المصلىّ الذي يتلى فيه القرآن.

(في ممساكم ومصبحكم) مساءً وصباحاً كنتم تسمعون الآيات التي تخبر عن وفاة الرسول (هتافاً وصراخاً) كان الإعلان بوفاة الرسول بأنواع مختلفة: بالهتاف وهو القراءة مع الصوت، والصراخ وهو القراءة بالصوت الشديد.

(وتلاوة وألحاناً) بالتلاوة إذا كانت القراءة سريعة وبالألحان إذا كانت بتأمّل وتأنّي (ولقبله ما حلَّ بأنبيائه ورسله حكم فصل، وقضاء حتم) إنّ الموت الذي حلّ بالأنبياء الذين كانوا قبل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان من الأحكام المقطوع بها، التي لا شكّ فيها، والقضاء الذي لا يقبل التغيير، والمقصود: أنّ الموت هو سُنّة الله في عباده من أنبياء وغيرهم.

ثم استدلّت على كلامها بقول الله تعالى:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) ووجه

٣٨٤

الاستدلال بالآية أنّ محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد مضت من قبله الأنبياء، ومات قبله المرسلون؛ إذن فالموت ليس بشيء عجيب بالنسبة للرسول، بل على هذا جرت سنّة الله في أنبيائه إنّهم يذوقون الموت كبقيّة الخلائق، وهذا لا يعني أنّه إذا مات ماتت شريعته ومات دينه، وذهبت كرامته وحرمته.

( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) أي فإن أماته الله أو قتله الكفّار ارتددتم بعد إيمانكم، فسمّى الارتداد انقلاباً على العقب، والرجوع القهقرى.

( وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ) يرتدَّ عن دينه( فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا ) بل المضرّة عائدة على المرتد( وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) المطيعين.

٣٨٥

خطبة فاطمة الزهراءعليها‌السلام

إيهاً بني قيلة! (١)

أأُهضم تراث أبيه؟

وأنتم بمرأى منّي ومسمع

ومنتدى ومجمع (٢)

تلبسكم الدعوة

وتشملكم الخبرة (٣)

وأنتم ذوو العدد والعُدّة

والأداء والقوّة

وعندكم السلاح والجُنّة

توافيكم الدعوة فلا تجيبون؟

وتأتيكم الصرخة فلا تعينون؟

وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح

والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت (٤)

قاتلتم العرب، وتحمَّلتم الكدَّ والتعب (٥)

____________________

(١) إيهاً: بمعنى هيهات أو مزيداً من الكلام.

(٢) منتدى: مجلس القوم.

(٣) الخبرة: العلم بالشيء.

(٤) الخيرة - بكسر الخاء وسكون الياء - المفضّل من القوم.

(٥) الكد: الشدّة.

٣٨٦

وناطحتم الأُمم

وكافحتم البُهَم (١)

لا نبرح أو تبرحون

نأمركم فتأْتمرون

حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام

ودَرَّ حلب الأيام (٢)

وخضعت ثغرة الشرك (٣)

وسكنت فورة الإفك

وخمدت نيران الكفر (٤)

وهدأت دعوة الهرج

واستوسق نظام الدين

فأنّى حِرتم بعد البيان؟ (٥)

وأسررتم بعد الإعلان؟

ونكصتم بعد الإقدام؟ (٦)

وأشركتم بعد الإيمان؟

( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) (٧) .

____________________

(١) البهم - جمع بهمة: الشجاع.

(٢) وفي نسخة: حلب البلاد.

(٣) وفي نسخة: فورة الشرك.

(٤) وفي نسخة: خبت نيران الحرب.

(٥) وفي نسخة: أفتأخّرتم بعد الإقدام.

(٦) وفي نسخة: وناكصتم بعد الشدّة، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم.

(٧) التوبة: ١٣.

٣٨٧

ألا: قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (١)

وأبعدتم مَن هو أحقُّ بالبسط والقبض

وخلوتم إلى الدعة (٢)

ونجوتم من الضيق بالسعة (٣)

فمججتم ما وعيتم (٤)

ودسعتم الذي تسوّغتم (٥)

فإن تكفروا أنتم ومَن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغني حميد، ألا: قد قلتُ ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم (٦)

والغدرة التي استشعرتها قلوبكم (٧)

ولكنّها فيضة النفس (٨).

ونفثة الغيظ (٩) .

وخَوَر القنا (١٠)

وبثَّة الصدر

وتقدمة الحجّة

__________

(١) الخفض: الراحة.

(٢) الدعة: خفض العيش.

(٣) وفي نسخة: إلى السعة.

(٤) مججتم: رميتم. ووعيتم: حفظتم.

(٥) دسعتم: تقيأتم. وتسوّغتم: شربتم بسهولة.

(٦) خامرتكم: خالطتكم.

(٧) استشعرتها: لبستها.

(٨) فاض صدره بالسر: باح به.

(٩) كالدم الذي يرمي به من الفم ويدل على القرحة.

(١٠) ضعف النفس عن التحمّل.

٣٨٨

فدونكموها، فاحتقبوها دَبِرَة الظَّهر (١) .

نقبة الخُف (٢)

باقية العار

موسومة بغضب الله

وشنار الأبد (٣)

موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة

فبعين الله ما تفعلون

( وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون)

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد

فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون

____________________

(١) دونكموها: خذوها. دبرة: مقروحة.

(٢) نقبة الخف: رقيقه.

(٣) شنار: العيب العار.

٣٨٩

عتاب وخطاب مع المسلمين

(إيهاً! بني قيلة) إيهاً بمعنى هيهات، وبمعنى الأمر بالسكوت، أو بمعنى طلب الزيادة من التحدّث. يا أولاد قيلة، وهم الأوس والخزرج، وقد تقدّم الكلام عن شرحها.

(أأُهضم تراث أبي؟) وفي نسخة: (أبيه) وقد تقدّم أنّ الهاء - هنا - للوقوف والسكون والمعنى: هل يظلمونني في إرث أبي؟

(وأنتم بمرأى مني ومسمع) والحال أنتم في مجلس ومكان يجمع بيني وبينكم، والمقصود: أنتم حاضرون وتسمعون كلامي وشكايتي، وترون حالي ومظلوميّتي.

(تلبسكم الدعوة) تحيط بكم دعوتي وندائي.

(وتشملكم الخبرة) ويشملكم العلم وتعلمون الخبر، وفي نسخة: (الحيرة) أي متحيّرون أمام هذه المخاصمة.

(وأنتم ذوو العدد والعدة) وأنتم أصحاب العدد الكثير والتأهّب والاستعداد، أي لستم قليلين حتى تعتذروا بقلّة العدد، بل أنتم ذو العدد الكامل.

(والأداة والقوّة) عندكم الوسائل والقدرة والإمكانية لإسعافي ونصرتي.

(وعندكم السلاح والجُنة) وعندكم الأسلحة التي حاربتم بها وجاهدتم في سبيل الله، وعندكم وسائل الدفاع.

٣٩٠

(توافيكم الدعوة فلا تجيبون) تبلغكم دعوتي واستغاثتي فلا تجيبوني؟

(وتأتيكم الصرخة فلا تعينون) تأتيكم صرختي، صرخة المظلومية والاضطهاد فلا تعينوني؟

(وأنتم موصوفون بالكفاح) الجهاد في سبيل الله، واستقبال العدو ومباشرة الحرب.

(معروفون بالخير والصلاح) الأعمال الحسنة.

(والنخبة التي انتخبت) إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انتخب المدينة وانتخبكم لهذه الغايات والصفات.

(والخيرة التي اختيرت) واختاركم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنصرته، ولهذا هاجر إليكم.

(قاتلتم العرب) لأجل نصرة النبي، وإعلاء كلمة الإسلام.

(وتحمّلتم الكدّ والتعب) في الحروب والغزوات، ومضاعفاتها من الحر والبرد، والتضحية وتحمّل الجراح.

(وناطحتم الأُمم) قاتلتم الملل المختلفة من يهود ونصارى وغيرهم، كل ذلك دافعاً عن الرسول.

(وكافحتم البُهم) قاتلتم الشجعان بدون ضعف وتواني.

(لا نبرح أو تبرحون) أي لا نبرح ولا تبرحون (نأمركم فتأتمرون) أي كنّا لم نزل آمرين وكنتم لأوامرنا مطيعين.

(حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام) أي قاتلتم وتحمّلتم وناطحتم وكافحتم بصورة مستمرّة، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، حتى إذا انتظم أمر الإسلام بمساعينا وسببنا، ودارت رحى الإسلام دوراناً صحيحاً منتظماً.

(ودرَّ حلب الأيام) وكثرت الخيرات والغنائم بسبب الفتوحات كاللبن الذي يدرّ أي يسيل بكثرة من الثدي.

٣٩١

(وخضعت ثغرة الشرك) ذلّت رقاب المشركين وخياشيمهم للإسلام وسقطوا عن الاعتبار.

(وسكنت فورة الإفك) وهي غليان الكذب وهيجانه.

(وخمدت نيران الكفر) أي نيران الحرب التي كان الكفّار يؤجّجونها.

(وهدأت دعوة الهرج) سكنت دعوة الفتنة والباطل، وهدأت الإضطرابات.

(واستوسق نظام الدين) أي اجتمع وانتظم أمر الدين بعدما كان متشتّتاً.

(فأنَّى حرتم بعد البيان؟) والآن وبعد هذه المقدّمات كيف تحيّرتم بعد بيان الحالة ووضوحها عندكم، وكيف وقعتم في وادي الحيرة؟

(وأسررتم بعد الإعلان؟) وكيف أخفيتم أشياء كانت معلنة، أو كنتم تتجاهرون بها.

(ونكصتم بعد الإقدام) وكيف رجعتم القهقرى بعد إقدامكم على الإسلام.

(وأشركتم بعد الإيمان؟) أشركتم بالله بمخالفتكم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر عترته.

( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) .

أدمجت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام هذه الآية في حديثها، وإن كانت الآية نزلت في مشركي مكّة الذين أرادوا إخراج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مكّة، أو نزلت في اليهود والنصارى الدين نقضوا عهدهم وهمّوا بإخراج الرسول من المدينة؛ وعلى كل تقدير فإنّ السيدة

٣٩٢

فاطمة الزهراءعليها‌السلام تستنفرهم وتستنهضهم لنصرتها، ولا تقصد بكلامها هذا إثارة الفتنة، ولا إراقة الدماء، ولا تريد أن تقود جيشاً، أو تتزعّم حزباً، بل هي عارفة بأحوال الناس واتجاهاتهم، عالمة بأنّ الأمر دُبّر بليل، ولهذا قالت:

(ألا: قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض) أي أعلم أنّكم قد أقمتم على الراحة وسعة العيش.

(وأبعدتم مَن هو أحق بالبسط والقبض) أبعدتم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي هو أحق وأولى بولاية الأمور، والتصرّف في قضايا الإسلام من غيره.

(وخلوتم بالدعة) أي انفردتم بالراحة والسكون.

(ونجوتم من الضيق بالسعة) لأنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يهادن، ولا يصانع، ولا يفضّل أحداً على أحد بالعطاء، وهذا ضيق بالنسبة لكم؛ ولهذا نجوتم من هذا الضيق، وانتقلتم إلى مَن هو طوع أمركم، سلس القياد، يفعل ما تشاءون، ويحكم بما تريدون.

(فمججتم ما وعيتم) أي رميتم من أفواهكم ما حفظتم.

(ودسعتم الذي تسوّغتم) أي تقيّأتم الشيء الذي شربتموه بسهولة ولذّة، والمقصود الانسحاب عن الدين، ورفض الإيمان ولهذا أردفت كلامها هذا بهذه الآية.

( إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ولا تضرّون إلاَّ أنفسكم، ولا تخسرون إلاَّ دينكم.

(ألا قد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم) تقول:عليها‌السلام أنا أعلم اتجاهاتكم، وأعرف نفسيّاتكم، وحينما خطبت فيكم واستنهضتكم كنت أعلم بأنّكم لا تنصرونني ولا تسعفونني.

٣٩٣

(والغدرة التي استشعرتها قلوبكم) استشعر الثوب إذا جعله شعاراً أي جعله متصلاً لجسده، ملاصقاً لبدنه، تقولعليها‌السلام أنا أعرف الغدر الملاصق بقلوبكم، الغدر الذي جعلتها قلوبكم شعاراً لها، والغدر ضد الوفاء، أي لا أنتظر منكم الوفاء لمعرفتي بالغدرة الموجودة في قلوبكم.

(ولكنّها فيضة النفس) أي تعبير عن الآلام في النفس، فكما أنّ الإناء يفيض إذا امتلأ بالماء كذلك النفس تفيض من كثرة الحزن واستيلاء الهم.

(ونفثة الغيظ) ظهور آثار الغضب الموجود كالنزيف الذي يدل على القرحة في الباطن (وخور القنا) أي ضعف الرمح، والمقصود عدم تحمّل النفس لأكثر من هذه.

(وبثّة الصدر) قال يعقوبعليه‌السلام :( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي ) أي همّي، وهو الهم الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيظهره.

(وتقدمة الحجّة) إنّي خطبتُ فيكم، وقلت ما قلت لا طمعاً في نصرتكم، ولا رجاءً في حمايتكم، وإنّما كان ذلك لأسباب نفسيّة ودينية، أما الأسباب النفسية فقد ذكرتها، وأمّا الأسباب الدينية فهي تقدمة الحجّة، أي إعلامكم بكل ما يلزم، وذكر كل دليل وبرهان وحجّة على ما أقول، لئلاّ تعتذروا يوم القيامة، إنّا كنّا عن هذا غافلين أو ناسين، أو جاهلين، ما أبقيتُ لذي عذر عذراً، ولا لذي مقال مقالاً، عرَّفت نفسي ونسبي لكم، وذكرت ما يتعلّق بالإمامة، وذكرت حقّي في فدك، واستشهدت بالآيات البيّنات الثابتة عندكم حول الميراث بصورة عامّة وحول ميراث الأنبياء بصورة خاصّة، واستنهضتكم لنصرتي والطلب بحقّي، فلم أجد فيكم مجيباً مُعيناً.

(فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر) خذوا السلطة، وشدّوا عليها حقائبكم، وكأنّها ناقة مجروحة الظهر، (نقبة الخف) رقيقة الخف.

٣٩٤

(باقية العار) دائمة الخزي في الدنيا على مرّ التاريخ، وفي الآخرة وإلى الأبد.

(موسومة بغضب الله وشنار الأبد) على تلك الناقة علامة غضب الله وسخطه، وعليها علامة العار الأبدي الذي ينتهي بكم إلى:

( نَارُ اللَّـهِ الْمُوقَدَةُ ﴿٦﴾ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) التي تتوقّد، وتؤجّج نارها بصورة دائمة، التي تحرق الظاهر والباطن، وتصل إلى الأفئدة والقلوب.

(فبعين الله ما تفعلون) إنّ الله تعالى يرى أعمالكم وأفعالكم ولا يغيب عنه ولا يخفى عليه شيء فكأنَّ أفعالكم هذه بمحضر من الله تعالى.

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) وأيّ جزاء سيجازون وأيّ جحيم وعذاب سيصيرون إليه.

(وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد) إشارة إلى قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) أنا ابنة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أنذرتكم بعذاب الله الذي أعدّه للظالمين.

(فاعملوا إنّا عاملون) اعملوا ما شئتم من ظلمنا فإنّا عاملون ما يجب علينا من الصبر والتحمّل (وانتظروا إنّا منتظرون) انتظروا عواقب أفعالكم ونحن ننتظر عواقب الصبر على المحن.

٣٩٥

جواب أبي بكر

فأجابها أبو بكر (عبد الله بن عثمان) وقال:

يا ابنة رسول الله!

لقد كان أبوكِ بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً

وعلى الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً.

إن عزوناه وجدناه أباكِ دون النساء(١)

وأخا إلفِكِ دون الأخلاَّء(٢)

آثره على كل حميم(٣)

وساعده في كل أمرٍ جسيم

لا يحبّكم إلاّ كل سعيد

ولا يبغضكم إلاّ كل شقي

فأنتم عترة رسول الله الطيبون

والخيَرة المنتجبون

على الخير أدِلّتنا

وإلى الجنّة مسالكنا

وأنتِ يا خيرة النساء

وابنة خير الأنبياء

__________

(١) عزوناه: نسبناه.

(٢) وفي نسخة: وأخا بعلك. والمعنى واحد.

(٣) حميم: قريب.

٣٩٦

صادقة في قولك

سابقة في وفور عقلكِ

غير مردودة عن حقّكِ

ولا مصدودة عن صدقك(١)

والله ما عدوتُ رأي رسول الله!!!(٢)

ولا عملت إلاَّ بإذنه

وإنّ الرائد لا يكذب أهله(٣)

وإنّي أُشهد الله وكفى به شهيداً

أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

(نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً وإنّما نورّث الكتاب والحكمة، والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه).

وقد جعلنا ما حاولتِه في الكراع والسلاح(٤)

يقاتل بها المسلمون

ويجاهدون الكفّار

ويجالدون المردة الفجّار(٥)

وذلك بإجماع من المسلمين!!

لم أنفرد به وحدي.

____________________

(١) مصدودة: ممنوعة.

(٢) عدوت: جاوزت.

(٣) الرائد: الذي يتقدّم القوم، يبصر لهم الكلأ ومساقط الثمار.

(٤) الكراع - بضم الكاف -: جماعة الخيل.

(٥) يجالدون: يضاربون.

٣٩٧

ولم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي(١)

وهذا حالي ومالي

هي لكِ، وبين يديك

لا تزوى عنكِ(٢)

ولا تدَّخر دونكِ

أنت سيّدة أُمّة أبيكِ

والشجرة الطيّبة لبنيك

لا يُدفع مالَكِ من فضلكِ

ولا يوضع في فرعك وأصلكِ

حكمك نافذ فيما ملكت يداي

فهل ترينّ أن أُخالف في ذلك أباكِصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

____________________

(١) استبدّ: انفرد بالأمر من غير مشارك فيه.

(٢) تزوى عنك: تقبض عنك.

٣٩٨

الاعتراف بفضائل الإمام عليعليه‌السلام

إلى هنا ذكرت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ما كان ينبغي لها أن تذكر، وأدَّت ما يجب على أتم وأكمل ما يمكن، وهنا تصدّى رئيس الدولة ليجيبها:

(فأجابها أبو بكر (عبد الله بن عثمان) وقال: (يا ابنة رسول الله) سبحان الله! يعرفها ومع ذلك يكون موقفه ذلك الموقف.

(لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، على الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيم) هذا كلّه واضح، وما المقصود من هذا الكلام.

(إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفكِ دون الإخلاّء) هذا تصديق لكلامها في أوّل الخطبة حيث قالت: (فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم).

(آثره على كل حميم) أي فضّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً على كل قريب.

(وساعده في كل أمر جسيم) إنّ عليّاً ساعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل أمر عظيم.

(لا يحبكم إلاّ كل سعيد، ولا يبغضكم إلاّ كل شقي) اعتراف عجيب من قائله، إن صحّ إسناد هذا الكلام إليه.

(فأنتم عترة رسول الله الطيبون، والخيرة المنتجبون) العترة التي لا يقبل كلامها ولا تمضي شهادتها في قطعة من الأرض، والخيرة التي تحمّلت أشد

٣٩٩

أنواع الأذى من الناس.

(على الخير أدلَّتنا) جمع دليل وهو الهادي أي أنتم الهداة المرشدون إلى الخير.

(وإلى الجنّة مسالكنا) أنتم طرق النجاة والفوز بالجنّة.

(وأنت - يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء - صادقة في قولك) لو كنتَ تعتبرها صادقة فلماذا لم ترد إليها حقّها؟ لماذا سلبتها أموالها التي جعلها الله ورسوله لها؟

(سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك ولا مصدودة عن صدقك) فلماذا رددتها عن حقّها أيّها الرجل؟ ولماذا صددتها عن صدقها؟ ما هذا التناقض بين القول والفعل.

(والله ما عدوتُ رأي رسول الله) نعم، والله لقد عدوتَ رأي رسول الله.

(ولا عملتُ إلاّ بإذنه) لا والله ما عملتَ بإذنه، لم يأذن لك رسول الله أن تغصب النِحْلة التي أنحلها رسول الله ابنته فاطمة، أو تمنعها إرثها من أبيها.

(وإنّ الرائد لا يكذب أهله) هذا المثل في غير مورده.

(وإنّي أُشهد الله وكفى به شهيداً) عجباً لحلم الله! هكذا يستشهد به في الباطل؟ هكذا يتجرّأ عليه؟

(إنّي سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً، وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان من طعمة فلِولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه).

الله يقول: الأنبياء يورّثون. ورسول الله يقول: الأنبياء لا يورثون؟

أيّهما الصحيح؟

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568