فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد0%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: الصفحات: 568
المشاهدات: 215478
تحميل: 8304

توضيحات:

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215478 / تحميل: 8304
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وظهر، قالت خديجة: وا خيبة مَن كذَّب محمداً وهو خير رسول ربّي.

فنادت فاطمة - من بطنها -: يا أُمّاه لا تحزني ولا ترهبي، فإنّ الله مع أبي.

فلمّا تمّ حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.

وقد مرّ عليك في (المقدمة) الحديث المروي عن السيدة خديجة حول تكلُّم السيدة فاطمة الزهراء وهي في بطن أُمّها.

٤١

فاطمة الزهراءعليها‌السلام تطلُّ على الحياة

من العجب: الاختلاف الواضح في تاريخ ولادتها، وأنّها هل كانت قبل المبعث أو بعده؟ فإنّك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث تصرِّح بولادتها بعد المبعث بخمس سنين أو ثلاث سنين، وتجد عدداً من الأقوال التي تلحّ وتركّز على ميلادها قبل المبعث بخمس سنين، وتجد القول الأول للشيعة مرويّاً عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ويوافقهم بعض علماء العامّة.

والقول الثاني خاص بعلماء العامّة ومحدّثيهم، وإليك بعض تلك الأحاديث حول ميلادها بعد المبعث:

1 - الكافي (للكليني): وُلدت بعد النبوّة بخمس سنين وبعد الإسراء بثلاث سنين، وقُبض النبي ولفاطمة يومئذٍ - ثماني عشرة سنة!... الخ.

2 - المناقب (لابن آشوب): وُلدت فاطمة بعد النبوّة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة، وأقامت مع أبيها بمكّة ثماني سنين ثم هاجرت... الخ.

3 - في البحار عن الإمام الباقرعليه‌السلام : وُلدت فاطمة بنت محمد بعد مبعث رسول الله بخمس سنين، وتُوفّيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً.

4 - روضة الواعظين: وُلدت فاطمة بعد مبعث النبي بخمس سنين... الخ.

٤٢

5 - إقبال الأعمال: قال الشيخ المفيد في كتاب (حدائق الرياض): يوم العشرين من جمادى الآخرة كان مولد السيدة فاطمة الزهراء سنة اثنتين من المبعث.

6 - مصباح الكفعمي: وُلدت في العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث، وقيل سنة خمسٍ من المبعث.

7 - المصباحين: في اليوم العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمةعليها‌السلام في بعض الروايات، وفي رواية أخرى: سنة خمس من المبعث، والعامّة تروي أنّ مولدها قبل المبعث بخمس سنين.

8 - دلائل الإمامة عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: ولدت فاطمة في جمادى الآخرة العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي... إلخ(1).

هذه نبذة من أقوال أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وقدماء علماء الشيعة (رحمهم الله) حول ولادة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعد المبعث.

وأمّا أقوال علماء العامة:

1 - معرفة الصحابي لأبي نعيم: إنّ فاطمة كانت أصغر بنات رسول الله سنَّاً، وُلدت وقريش تبني الكعبة.

2 - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: كان مولد فاطمة قبل النبوّة وقريش حينئذٍ تبني الكعبة.

3 - ابن الأثير في (المختار من مناقب الأخيار).

____________________

(1) التقطنا هذه الأحاديث من بحار الأنوار ج 43.

٤٣

4 - الطبري في (ذخائر العقبى).

5 - السيوطي في (الثغور الباسمة).

هذا ولعلّ الباحث يجد هذا القول في أكثر كتب العامّة حول مولد الزهراء.

وقد مرّت عليك طائفة من الأحاديث المروية عن كتب العامّة حول انعقاد نطفتها من طعام الجنّة.

بعد الإطلاع على هذه الأحاديث ولو بصورة موجزة يتضح لنا أنَّ ولادة السيدة الزهراء كانت قبل المبعث؛ إذ لم يكن قبل المبعث معراج ولا هبوط جبرئيل ولا ميكائيل على النبي بالوحي، وبهذا ينكشف لنا تزوير الأقوال المصرحة بولادتها قبل المبعث بخمس سنين وأنّ القائلين بذلك لهم غاية تدفعهم، وهدف يدعوهم إلى اختلاق هذا القول، وهو نسف الأحاديث الواردة عن نزول الطعام من السماء وانعقاد نطفة السيدة فاطمة من أطعمة الجنّة وثمارها.

وهدف آخر: وهو أنَّهم يحاولون أن يثبتوا أنّ فاطمة الزهراء كان مزهوداً فيها، ولا يرغب فيها أحد، ولهذا بلغت من العمر ثمانية عشر سنة (على زعمهم) ولم يخطبها أحد في خلال تلك الفترة.

وسيأتي مزيد من القول حول هذا الموضوع في المستقبل في فصل البحث عن زواجها.

وعلى كلٍّ فقد روى الطبري في (ذخائر العقبى) والصفوري الشافعي في (نزهة المجالس) والقندوزي في (ينابيع المودّة) عن خديجةعليها‌السلام قالت: فلما قربت ولادتي أرسلت إلى القوابل من قريش فأبين عليَّ لأجل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فبينما أنا كذلك إذ دخل عليَّ أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور

٤٤

ما لا يوصف، فقالت إحداهنّ: أنا أُمكِ حوّاء. وقالت الأُخرى: أنا آسية. وقالت الأُخرى: أنا أُم كلثوم (كلثم) أُخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم، جئنا لنلي أمرك.

وقد وردت هذه الرواية بصورة أُخرى:

... فلما أرادت خديجة أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأْتينها فيلين منها ما تلي النساء ممّن تلد، فلم يفعلْن، وقلْن لا نأْتيك، قد صرتِ زوجة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت لها إحداهنّ: أنا أُمُّكِ حواء، وقالت الأُخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأُخرى: أنا كلثم أُخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم بنت عمران (أُم عيسى). جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء. قال: فولدت فاطمة.

فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها.

وروي عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : كيف كانت ولادة فاطمة؟

فقال: نعم... فلمّا حملت [ خديجة ] بفاطمة، كانت فاطمة تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة فقال لها: يا خديجة مَن تحدّثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة ويجعلهم خلفاءه في أرضه، بعد انقضاء وحيه.

٤٥

... ثمّ أشارعليه‌السلام إلى نزول النسوة الأربع على خديجة لمساعدتها على أمر الولادة...

ثم قالعليه‌السلام : فوضعت [ خديجة ] فاطمة مطهَّرة، فلمّا سقطت إلى الأرض، أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكّة...

ودخل عشر من الحور العين، كلّ واحدة منهن معها طست من الجنّة وإبريق من الجنّة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين - أشدّ بياضاً من اللبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر - فلفّتها بواحدة وقّنعتها بالثانية.

ثم استنطقتها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: أشهد لا إله إلاّ الله، وأنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء، وأنّ بعلي سيّد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط.

ثمّ سلّمت [ فاطمة ] عليهنّ، وسمّت كل واحدة منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة.

وحَدَث في السماء نور زاهر، لم تره الملائكة قبل ذلك.

وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة، بُورك فيها وفي نسلها.

فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرَّ عليها (1) .

وروى ابن عساكر في التاريخ الكبير: وكانت خديجة إذا ولدت ولداً، دفعته لمـَن يرضعه، فلمّا ولدت فاطمة لم ترضعها أحد غيرها.

ورواه ابن كثير في البداية والنهاية.

____________________

1 - بحار الأنوار ج 43 ص 2.

٤٦

التّسمِيَة

تعتبر تسمية الطفل المولود أو التسمية (بصورة عامّة) من سنن الله تعالى الأولى وقد سمَّى الله تعالى آدم وحوَّاء يوم خلقهما، وعلَّم آدم الأسماء كلّها، وقد سار الناس على هذه السنّة أو السيرة. فالتسمية لا بدَّ منها عند البشر المتحضّر، ولعلّ البشر المتوحّش في الغابات بسبب ابتعادهم عن الحضارة لا يعرفون التسمية ولا يسمُّون.

وتختلف أسماء البشر على مرِّ الأجيال والعصور، وعلى اختلاف لغاتها فقد توجد هناك مناسبة بين الاسم والمسمَّى، وقد لا توجد، وقد يكون للإسلام معنى في قاموس اللغة وقد لا يكون له معنى، بل هو اسم مخترع لا من مادة لغوية.

أما أولياء الله فإنَّ التسمية تعتبر عندهم ذات أهمية كبرى، ولا يخلو الأمر عن الحقيقة، أنَّ الإنسان ينادى ويدعى باسمه، فكم هناك فرق بين الاسم الحسن الجيِّد، وبين القبيح السيئ؟

وكم هناك فرق بين تأثير نفس صاحب الاسم بهذا وذاك؟ وهكذا تأثّر السامع للاسم؟ فهذه امرأة عمران ولدت بنتاً فقالت:( وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ) .

واختار الله لنبيّه يحيىعليه‌السلام هذا الاسم قبل أن تنعقد نطفته في رحم أُمِّه؛ لأنَّ زكريا سأل ربّه قال:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ) (1) .

____________________

(1) مريم: 7.

٤٧

وأنت إذا أمعنت النظر في قوله تعالى:( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ) يتضح لك أنَّ تعيين أسماء أولياء الله يكون من عنده عزّ وجلّ، وأنَّ الله يتولّى تسميتهم ولم يكلها إلى الأبويْن.

إذا عرفت هذا فهلمَّ معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم السيدة فاطمة الزهراء ووجه التسمية، وأنّها إنّما سُمّيت بفاطمة لأسباب ومناسبات، وليست هذه التسمية ارتجالية، ولا وليدة إعجاب واستحسان فقط، بل روعي فيها مناسبة الاسم مع المسمّى، بل صدق الاسم على المسمَّى، وبهذه الأحاديث يتضح ما نقول.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل:

1 - فاطمة

2 - والصدِّيقة

3 - والمباركة

4 - والطاهرة

5 - والزكية

6 - والراضية

7 - والمرضية

8 - والمحدَّثة

9 - والزهراء...(1) .

والآن... إليك شرحاً موجزاً لهذه الأسماء المقدَّسة:

____________________

(1) البحار: ج 43 / 10.

٤٨

فاطمةعليها‌السلام

لقد وردت أحاديث متنوِّعة في سبب تسميتهاعليها‌السلام بفاطمة.

وقبل أن نذكر تلك الأحاديث نقول: إنّ اسم فاطمة مشتق من الفطم وهو بمعنى القطع، يقال: فطمتِ الأُم طفلها، وفطمتُ الحبل.

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله تعالى) - ما معناه -:... كثيراً ما يجيء اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول، كقولهم: سرٌّ كاتم، أي: مكتوم، ومكان عامر، أي: معمور، وكما قالوا في قوله تعالى:( فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ) أي: مرضيّة.

والآن إليك بعض تلك الأحاديث:

1 - لأنّها فَطمت شيعتها من النار.

رُوي عن الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ جبرئيل قال له:... سُمّيت فاطمة، في الأرض، [ لأنّها ] فطمت شيعتها من النار(1) .

2 - لأنّ الله فطمها وشيعتها من النار.

روي عن الإمام الرضا عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: يا فاطمة أتدرين لمـَ سُمّيتِ فاطمة؟

قال عليعليه‌السلام : لمـَ سُمّيت؟

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 / 18.

٤٩

قال: لأنّها فُطمت هي وشيعتها من النار (1) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: سُمّيت فاطمة؛ لأنّ الله فطمها وذريّتها من النار، مَن لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئتُ به(2) .

وروى ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:... وإنّما سمّاها فاطمة؛ لأنّ الله فطمها ومحبّيها من النار(3) .

وروى القندوزي الحنفي عن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: إنّما سُمّيت ابنتي فاطمة؛ لأنّ الله فطمها وذريَّتها ومحبّيها عن النار(4) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: لفاطمة وقفة على باب جهنم... فتقول: إلهي وسيّدي، سمَّيتني فاطمة، وفطمتَ بي مَن تولاّني وتولّى ذريَّتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد.

فيقول الله (عزّ وجلّ): صدقت يا فاطمة، إنّي سمّيتكِ فاطمة وفطمتُ بكِ مَن أحبَّكِ وتولاّك، وأحبّ ذرّيَّتك وتولاّهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أُخلف الميعاد... إلى آخر الخبر(5) .

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 / 14، وذكره محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص 26 طبعة القاهرة، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص 194، والصفوري والشافعي في نزهة المجالس، وروى قريباً منه الخركوشي في كتاب (شرف النبي) وابن بطة في كتاب الإبانة، وغيرهم.

(2) بحار الأنوار ج 43.

(3) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 13 ص 331 طبعة القاهرة / ذخائر العقبى للطبري ص 26 طبعة القاهرة / كنز العمال للمتّقي الهندي ج 13 ص 94 طبعة حيدر آباد دكن / فيض القدير للمناوي الشافعي ج 1 ص 206 طبعة القاهرة / وغيرها.

(4) ينابيع المودّة للقندوزي ص 397 طبعة إسلامبول / نور الأبصار للشبلنجي ص 41 طبعة مصر.

(5) بحار الأنوار ج 43 ص 15.

٥٠

3 - لأنّها فُطمت من الشرّ.

رُوي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: تدري أيّ شيء تفسير فاطمة؟

قلت: اخبرني يا سيّدي؟

قال: فُطمت من الشر.

ثم قال: لو لا أنّ أمير المؤمنين تزوَّجها، لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه(1) .

وقد روى هذا الحديث جماعة من علماء العامَّة منهم: ابن شيرويه الديلمي عن أم سلمة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لو لم يخلق الله عليّاً لما كان لفاطمة كفؤ).

ورواه الخوارزمي الحنفي في مقتل الحسينعليه‌السلام ص 65، والترمذي في المناقب، والمناوي الشافعي في كنوز الحقائق، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودَّة عن أم سلمة وعن العباس عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

4 - لأنّ الخَلق فُطموا عن معرفتها.

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:... وإنّما سُمّيت فاطمة لأنّ الخَلق فُطموا عن معرفتها(2) .

5 - لأنّ الله فطمها بالعِلم.

روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: لما وُلدت فاطمةعليها‌السلام أوحى الله (عزّ وجلّ) إلى مَلك، فأنطق به لسان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّاها فاطمة.

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 16.

(2) بحار الأنوار ج 43 ص 65.

٥١

ثم قال [ تعالى ]: إنّي فطمتكِ بالعلم، وفطمتك عن الطمث.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : واللهِ لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم، وعن الطمث بالميثاق(1) .

وكان هذا الاسم محبوباً عند أهل البيتعليهم‌السلام يحترمونه ويحترمون مَن سُمِّيت به؛ فقد سأل الإمام الصادقعليه‌السلام أحد أصحابه - وقد رزقه الله بنتاً - بِم سمَّيتها

قال الرجل: سميتها فاطمة.

قال الإمام الصادق: فاطمة؟ سلام الله على فاطمة أما إن سمّيتها فاطمة فلا تلطمها ولا تشتمها وأكرمها.

وعن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله - الصادق -عليه‌السلام وأنا مغموم مكروب قال لي: يا سكوني ما غمك؟

فقلت: وُلدت لي ابنة...

فقال: ما سمَّيتها

قلت: فاطمة

قال: آه آه آه

ثم قال: أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها(2) .

وفي سفينة البحار عن أبي الحسن (الكاظم) قال: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد... وفاطمة من النساء.

إنّ الحديث الأوّل الذي مرّ في تسميتهاعليها‌السلام بفاطمة، عن الإمام الباقرعليه‌السلام قد ذيّله الإمام بقوله: (والله لقد فطمها الله

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43.

(2) وسائل الشيعة ج7 باب أحكام الأولاد.

٥٢

تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق).

إنّ المقصود من كلمة (الميثاق) هنا هو عالم الذر، ذلك العالم الذي أشار إليه قوله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) (1)

وملخّص القول: إنّ الله تعالى أخرج ذرّيّة آدم من صلبه كهيئة الذر، فعرضهم على آدم وقال: إنّي آخذ على ذرّيّتك ميثاقهم أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئاً وعليَّ أرزاقهم، ثم قال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أنّك ربنا.

فقال للملائكة: اشهدوا.

فقالوا: شهدنا.

وقيل: إنّ الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه ويفهمونه ثم ردَّهم إلى صلب آدم، والناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل مَن أخرجه الله في ذلك الوقت، وكل مَن ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأُولى، ومَن كفر وجحد فقد تغيَّر عن الفطرة الأُولى.

وهذا القول مستخلص من طائفة كبيرة من الأحاديث والأخبار المعتبرة، وهذا العالم يسمَّى عالم الذر، ويسمّى عالم الميثاق، والإمام الباقرعليه‌السلام يشير في كلامه إلى أنّ الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء كانت طاهرة من العادة الشهرية من ذلك العالَم ومن ذلك الوقت.

وأمّا الأحاديث التي تتحدّث عن عالم الذر فكثيرة جداً، ونكتفي هنا بذكر بعضها:

1 - في الكافي عن الإمام أبي عبد الله (الصادق)عليه‌السلام قال: سُئل

____________________

(1) الأعراف 174

٥٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأيّ شيء سبقت ولد آدم؟

قال: إنّني أوّل مَن أقرَّ بربّي، إنّ الله أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا: بلى. فكنتُ أوّل مَن أجاب.

2 - عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه.

وزاد العياشي: يعني في الميثاق.

3 - وعن زرارة أنّه سئل من الإمام الباقرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) قال: من ظَهرِ آدم ذرّيتَه إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرَّفهم وأراهم صنعه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه.

4 - ولمّا حج عمر بن الخطاب واستلم الحجر قال: أما والله إنّي لأعلم أنّك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أنّ رسول الله استلمك ما استلمتك.

فقال له علي: يا أبا حفص لا تفعل فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستلم إلاَّ لأمر قد علمه ولو قرأت القرآن فعلمت من تأْويله ما علم غيرك لعلمت أنّه يضر وينفع، له عينان وشفتان ولسان ذلق يشهد لمـَن وافاه بالموافاة.

فقال له عمر: فأوجدني ذلك في كتاب الله يا أبا الحسن.

فقال عليعليه‌السلام : قوله تبارك وتعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شهدنا ) ، فلمّا أقرّوا بالطاعة أنّه الرب وأنّهم العباد أخذ عليهم الميثاق بالحج إلى بيته الحرام، ثم خلق الله رقا أرقَّ من الماء وقال للقلم: أُكتب موافاة خلقي ببيتي الحرام. فكتب القلم موافاة بني آدم في الرق ثم قيل للحجر:

٥٤

افتح فاك. ففتحه فألقم الرق. ثم قال للحجر: احفظه واشهد لعبادي بالموافاة. فهبط الحجر مطيعاً لله.

يا عمر أو ليس إذا استلمت الحجر قلت: أمانتي أدَّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة؟ فقال عمر: اللّهمّ نعم. فقال له علي: من ذاك.

وإنّك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث التي تتضمّن البحث عن عالم الذر في كتاب الكافي للكليني، والبحار للمجلسي، وغيرها من موسوعات الأحاديث.

وقد التبس الأمر على بعض علمائنا، فلم يفهموا الآية فجعلوا يشكّكون في تلك الأحاديث (سامحهم الله) بالرغم من كثرتها بل بالرغم من صريح الآية.

وخلاصة الكلام أنّ عالم الذر هو عالم الميثاق، ومن ذلك العالم بل وقبل ذلك كانت الأفضلية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين، ومن جملتهم ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء.

ولا يصعب عليك قبول هذا القول، فإنّ هناك أحاديث كثيرة رواها علماء الفريقين من الشيعة والسنّة قد بلغت أو تجاوزت حدَّ التواتر، وهي تؤيِّد هذا الموضوع، أمّا الأحاديث المذكورة في كتب الشيعة فيعسر إحصاؤها وعدُّها، وأمّا في كتب السنّة فقد روى الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس ج2 ص223) قال: قال الكسائي وغيره: لما خلق الله آدم... إلى أن قال: وعليه جارية لها نور وشعاع، وعلى رأْسها تاج من الذهب، مرصَّع بالجواهر لم ير آدم أحسن منها. فقال: يا ربّ مَن هذه؟

٥٥

قال: فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رب مَن يكون بعلها؟ قال: يا جبرئيل افتح له باب قصر من الياقوت. ففتح له، فرأى فيه قبَّةً من الكافور، فيها سرير من ذهب، عليه شاب حسنه كحسن يوسف فقال: هذا بعلها علي بن أبي طالب... الحديث.

وروى العسقلاني في (لسان الميزان ج3 ص346):

عن الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن جابر بن عبد الله، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما خلق الله آدم وحوَّاء تبخترا في الجنّة وقالا: مَن أحسن منَّا؟ فبينما هما كذلك. إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار. قالا: يا ربّ ما هذه؟ قال: صورة فاطمة سيّدة نساء ولدك قال: ما هذا التاج على رأسها قال: علي بعلها. قال فما القرطان قال: ابناها، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.

٥٦

الصِّدِّيقة

لقد مرَّ عليك أنّ من جملة أسمائهاعليها‌السلام الصدِّيقة، بكسر الصاد والدال المشدّدة (صيغة المبالغة) في التصديق أي الكثيرة الصدق.

والصِدِّيق أبلغ من الصدوق، وقيل: الصدِّيق: من كثر منه الصدق. وقيل: بل مَن لم يكذب قط. وقيل: الكامل في الصدق، الذي يصدِّق قوله بالعمل، البار، الدائم التصديق وقيل: مَن لم يتأت منه الكذب لتعوِّده الصدق. وقيل: مَن صدق بقوله واعتقاده، وحقّق صدقه بفعله. كذا في تاج العروس.

وقيل: المداوم على التصديق بما يوجبه الحق، وقيل: الذي عادته الصدق. وقيل: إنه المصدِّق بكل ما أمر الله به وبأنبيائه، لا يدخله في ذلك شك، ويؤيّده قوله تعالى:( وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) (1) .

هذه تعاريف في معنى الصدِّيق، ولكن المستفاد من الآيات الكثيرة والروايات المتعدّدة أنّ مرتبة الصدِّيقين في عداد مراتب الأنبياء والشهداء،

____________________

(1) الحديد: 19.

٥٧

ولهم حساب خاص بهم ودرجة مخصوصة بهم. استمع إلى هذه الآيات ليظهر لك ما قلنا:

1 -( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) (1) .

2 -( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ) (2) .

3 -( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ) (3) .

4 -( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) (4) .

وفي تفسير قوله تعالى:( وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) قيل: سُميَّت صدِّيقة لأنّها تُصدِّق بآيات ربّها، ومنزلة ولدها وتصدِّقه فيما أخبرها به، بدلالة قوله تعالى:( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) وقيل: لكثرة صدقها، وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها.

بعد استعراض هذه الآيات والأقوال، يمكن لنا أن نستفيد أنّ التصديق بالله وبالأنبياء والكتب السماوية والأحكام الشرعية تارة يكون باللسان دون العمل.

ففي الوقت الذي يصدّق الإنسان بأنّ الله تعالى يراه مع ذلك يعصي الله عزّ وجل ويعلم بأنّ الله تعالى قد أوجب عليه حقوقاً مالية أو غير مالية مع ذلك لا يؤدّي تلك الحقوق ويعلم بأنّ الله حرَّم الخمر والربا والزنا، ومع ذلك لا يرتدع عن تلك المعاصي فهو مصدّق بالله وبالحلال والحرام، والثواب والعقاب، والجنّة والنار، ولكنّ عمله لا يطابق هذا التصديق، أي لم

____________________

(1) النساء: 68.

(2) مريم: 41.

(3) مريم: 56.

(4) المائدة: 75.

٥٨

يبلغ به التصديق درجة المطابقة بين القول والفعل أو بين الاعتقاد والعمل.

ولكنّ الصدِّيقين هم الذين يعتقدون الحق ويؤمنون به، ويعملون على ضوء تلك المعتقدات، وهؤلاء عددهم قليل ونادر في كل زمان وفي كل مكان.

وأنت إذا قارنت بين هذه التعاريف وبين أعمال الناس؛ يظهر لك بكل وضوح أنّ عدد الصدِّيقين قليل جداً جداً، ولعلّ في بعض البلاد لا يوجد صدّيق واحد.

وبعد هذا كلّه سوف يسهل عليك أن تعرف أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد بلغت مرتبة الصدِّيقين، وسمَّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصدِّيقة. كما في (الرياض النضرة ج2 ص202) وفي (شرف النبوّة) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعلي:

أُتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهن أحد ولا أنا:

أُتيتَ صهراً مثلي ولم أُوت أنا مثلي.

وأُتيتَ زوجة صدِّيقة مثل ابنتي ولم أُوت أنا مثلها زوجة.

وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك ولم أُوتَ من صلبي مثلهما.

ولكنّكم منّي وأنا منكم.

وسأل المفضل بن عمرو عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: قلت: مَن غسَّل فاطمة؟

قال: ذاك أمير المؤمنين

[ قال المفضَّل ] فكأنّني استعظمت ذلك من قوله،

فقال: كأنّك ضقتَ بما أخبرتك به؟

قلت: قد كان ذلك جعلت فداك!

٥٩

قال: لا تضيقنَّ، فإنّها صدِّيقة، ولم يغسِّلها إلاّ صدِّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسِّلها إلاّ عيسى(1) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام - في حديث له عن السيّدة فاطمةعليها‌السلام - أنّه قال:... (وهي الصِّديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى)(2) .

____________________

(1) علل الشرائع: ص 184 باب 148 ح1.

(2) بحار الأنوار ج43 ص105.

٦٠