فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد3%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243965 / تحميل: 10722
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وبعد هذا: أنت المدعي وأنت الشاهد وأنت الحاكم؟

وهل يوجد في العالم حكم هكذا؟ أو قانون كهذا القانون؟

أنت سمعت رسولَ الله يقول هكذا وابنته لم تسمع ذلك منه؟

الرسول أخبرك وما أخبر ابنته التي كانت أراضي فدك بيدها وتحت تصرّفها؟

وأي كتاب ورَّثه الرسول؟ القرآن؟ القرآن كان ملكاً للرسول حتى يورِّثه؟ وهل النبوّة تورّث؟ وهل كان نبي إذا مات تنتقل النبوّة إلى أولاده وورثته؟ ومَن الذي ورث النبوّة من رسول الله؟

وهل أنت ولي الأمر أم الذي ولىّ الله بقوله:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) مَن ولي الأمر بعد الرسول؟

أنت ولي الأمر، أم الذي بايعته أنت يوم غدير خم بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّمت عليه بإمرة المؤمنين؟ وهو عليّ بن أبي طالب.

أترى أن تعلم هذا الحديث وعليّ بن أبي طالب لا يعلم؟ وهو أكثر التصاقاً وأشدّ اتصالاً والتزاماً بالرسول، حسب اعترافك، وهو باب مدينة علم الرسول.

وإن كان النبي لا يورّث فلماذا بقيتْ حجراته تحت تصرّف زوجاته؟

ولماذا لم تصادر تلك الحجرات؟

مع العلم أنّ تلك الحجرات كانت ملكاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصريح قوله تعالى:( لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ) فيتبيّن أنّ البيوت كانت للرسول، فبأيّ قانون شرعي وبأيّ مبرّر ديني سكنت زوجات

٤٠١

الرسول في تلك الحجرات إلى آخر حياتهن؟

ولماذا شمل التأميم السيدة فاطمة عزيزة رسول الله وبضعته ولم تشمل زوجاته.

(وقد جعلنا ما حاولتهِ في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون، ويجاهدون الكفّار، ويجالدون المردة الفجّار) وهل يجوز صرف الأموال المغصوبة في سبيل الله لتقوية المسلمين؟

وهل كانت جيوش المسلمين بحاجة إلى هذه الأموال التي أُخذت ظلماً؟

(وذلك بإجماع من المسلمين) ما قيمة هذا الإجماع المناقض لكتاب الله؟

وأيّ إجماع هذا وآل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته لا يعترفون بهذا الأمر ولا يوافقون بهذه التصرّفات؟

وهل ينفع الإجماع على الظلم وعلى مخالفة كتاب الله وسنة النبي؟

وكأنّ أبا بكر أراد بكلامه هذا استمالة قلوب المسلمين كي لا يخالفه أحد، وإلاّ فقد ثبت أنّ أبا بكر هو المدّعي الوحيد لحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث) ولم يجمع المسلمون على صحّة هذا الحديث المخالف لصريح كلام الله تعالى.

نعم في كتاب (كشف الغمّة): إنّه لما ولّي عثمان قالت عائشة: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر. فقال عثمان: لا أجد لها موضعاً في الكتاب ولا في السنّة، ولكن كان أبو بكر وعمر يعطيانك من حصة أنفسهما، وأنا لا أفعل فقالت: فآتني ميراثي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أليس جئتِ وشهدتِ أنتِ ومالك بن أوس النضري أنّ الرسول

٤٠٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورِّث؟ فأبطلتِ حق فاطمة وجئتِ تطلبينه؟... إلى آخره(١) .

أقول: العجب أنّ شهادة عائشة بنت أبي بكر تُقبل، وشهادة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تُقبل، وشهادة مالك بن أوس النضري البوّال على عقبيه تُقبل، وشهادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب نفس رسول الله وأعزّ الخلق إليه لا تقبل! اقرأ ثم احكم.

وبهذا اتضح لنا كلامه: (لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي) نعم، لم ينفرد به وحده، بل ساندته وشهدت له ابنته عائشة صاحبة المواقف المشهورة تجاه فاطمة وزوجها عليّ.

(هذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك ولا تدَّخر دونك) مجاملات فارغة لا حقيقة لها أصلاً، وما أكثر هذه المجاملات عند رجال السياسة.

(أنتِ سيدة أُمّة أبيك، والشجرة الطيّبة لبنيك، لا يُدفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي) هذه الكلمات وإن كانت حقائق، إلاّ أنّها استُعملت للخداع، والتلوّن في الكلام، وسيأتيك - في المستقبل - كلام حول آراء السياسيين، والأساليب التي يستعملونها حسب الظروف.

(فهل ترين أن أُخالف في ذلك أباكصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟).

أيّها الناس! إنّ أبا بكر يجتنب مخالفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّ سيّدة نساء العالمين وبضعة رسول الله التي أذهب الله عنها

____________________

(١) كشف الغمّة ج ١ / ٤٧٨.

٤٠٣

الرجس وطهّرها تطهيراً تخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

هل يقبل عقلك؟

هل يرضى وجدانك بهذا؟

وأيّة مخالفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خضع المسلم للقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ هل العمل بآيات المواريث بين الأنبياء يعتبر مخالفة لرسول الله؟ وهل تصديق كلام بنت رسول الله المعصومة بصريح القرآن، وتصديق كلام زوجها عليّ الذي كان نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكون مخالفة لرسول الله؟

ماذا أقول إذا انقلبت المفاهيم، وانعكست الحقائق، وتبدّلت المقاييس وتغيّرت الموازين، وصار المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟

الرجل يدّعي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلاماً مخالفاً للقرآن، مناقضاً للشريعة الإسلامية، وآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطيّبة لا يعترفون بهذا الكلام، بل يكذّبونه على ضوء القرآن، ثم يتورّع الرجل (على زعمه) من مخالفة ذلك الكلام المفترى على الرسول.

والآن استمع إلى ردّ السيدة فاطمة الزهراء لهذه المفتريات والأكاذيب.

٤٠٤

جوَاب فَاطِمَة الزهْرَاءعليها‌السلام

فقالتعليها‌السلام :

سبحان الله،

ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتاب الله صادف (١)

ولا لأحكامه مخالفاً

بل كان يتَّبع أثره

ويقفو سُوَره (٢).

أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور

وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغي له من الغوائل في حياته (٣).

هذا كتاب الله حَكَماً عدلاً

وناطقاً فصلاً

يقول:

( يرثني ويرث من آل يعقوب)

( وورث سليمان داود) .

فبيَّن (عزّ وجل) فيما وزَّع عليه من الأقساط

__________

(١) صادفاً: معرضاً: يقال: صدف عن الحق إذا أعرض عنه.

(٢) يقفو: يتبع.

(٣) الغوائل - جمع غائلة -: الحادثة المهلكة.

٤٠٥

وشرع من الفرائض والميراث

وأباح من حظّ الذكران والإناث

ما أزاح علَّة المبطلين

وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين (١)

كلاّ، ( بلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) .

__________

(١) التظنّي: إعمال الظن. الغابرين: الباقين.

٤٠٦

مطابقة كلمات الرسول مع القرآن

قالت: (سبحان الله) في مقام التعجّب، استعظاماً لهذا الافتراء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصادق المصدّق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(ما كان رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتاب الله صادفاً) ما كان الرسول معرضاً عن كتاب الله المجيد.

(ولا لأحكامه مخالفاً) بأن يقول شيئاً يخالف القرآن، وحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث...) مخالف للآيات التي تصرّح بوراثة الأنبياء، وإنّهم يرثون ويورّثون.

حاشا نبي الله أن يخالف كلام الله (بل كان يتبع أثره) يسير مع القرآن وعلى ضوء القرآن وتحت ظلاله.

(ويقفو سوره) أي سور القرآن، ويتبعها سورة بعد سورة، فكيف يقول شيئاً يخالف كلام الله، ويناقض أحكام الله؟

(أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور) تقول السيدة فاطمةعليها‌السلام قد جمعتم بين جريمتين: جريمة الغدر وهي غصب فدك، وجريمة الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أي هل تضيفون إلى الغدر اعتذاركم على العذر بالكذب، وهذا كمن يقتل إنساناً ظلماً ثم يعتذر من عمله بأنّ المقتول كان سارقاً، فهو قد جمع بين جريمة القتل وجريمة الكذب والافتراء.

٤٠٧

(وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته) تقولعليها‌السلام ليس هذا بشيء جديد، فإنّ القيام ضد آل الرسول بعد وفاته يشبه المؤامرات والنشاطات المسعورة التي كانت ضده في حياته، فلقد أراد المنافقون أن يقتلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة، ويُنفروا ناقته على شفير الوادي لتسقط ناقة النبي في الوادي فيهلك رسول الله، والتفصيل مذكور في محلّه، راجع تفسير قوله تعالى:( يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ... الآية)(١) .

(هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فصلاً) هذا القرآن حال كونه حاكماً عادلاً، ناطقاً قاطعاً للخصومات، نجعله مرجعاً نتحاكم إليه. هذا القرآن يقول:( ...يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) في قصّة زكريا وقد مرّ الكلام حول الآية.

( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) قد ذكرنا ما تيسّر أيضاً حول وراثة سليمان من داودعليهما‌السلام .

وأنتم تقولون: إنّ رسول الله قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث) كيف يخالف رسول الله القرآن؟ وكيف يعرض عن حُكم وراثة الأنبياء.

(فبيَّن عزّ وجل فيما وزّع عليه من الأقساط)

لقد بين الله تعالى فيما قسّم من نصيب كل من الورثة.

(وشرع من الفرائض والميراث) الفرائض: هي الحصص المفروضة المقدّرة للورثة كالنصف والثُلث والرُبع والسُدس والثُمن كما هو مذكور في الكتب الفقهية.

____________________

(١) التوبة: ٧٣.

٤٠٨

(وأباح من حظ الذكران والإناث) في شتّى مراتب الورثة من الزوج والزوجة والأب والأُم والأولاد والبنات والمراتب المتأخّرة عنهم.

(ما أزاح علّة المبطلين) لقد بيَّن الله في القرآن وشرع وأباح ما فيه الكفاية لإزالة أمراض أهل الباطل، وكل مَن جاء بالباطل.

(وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين) لم يبق مجال للشك والشبهة لأحدٍ من الأجيال الموجودة أو الآتية.

(كلاَّ) ليس الأمر كما تقولون، أو كما تدَّعون، وليس الأمر ملتبساً عليكم.

( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ) بل زيّنت لكم أنفسكم حُبُّ الرئاسة وكرسي الحكم، ومنصّة القدرة، فنسبتم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحديث حتى يتحقّق هدفكم، وتنالوا غايتكم.

( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ) نصبر ونستعين بالله تعالى على تحمّل هذه المآسي والمصائب.

والآن استمع إلى دفاع أبي بكر عن نفسه، وانتبه إلى تبدّل الكلام، وتذبذب المنطق، وتغيّر الأسلوب، وعدم الاهتمام بالتناقض في الكلام.

٤٠٩

جَوَابُ أبي بَكْر

فقال أبو بكر:

صدق الله وصدق رسوله

وصدقت ابنته

أنتِ معدن الحكمة

وموطن الهدى والرحمة

وركن الدين

وعين الحجّة

لا أُبعدُ صوابكِ

ولا أنكر خطابكِ

هؤلاء المسلمون بيني وبينك

قلَّدوني ما تقلّدت

وباتفاق منهم أخذتُ ما أخذت

غير مكابرٍ ولا مستبد

ولا مستأثر

وهم بذلك شهود

٤١٠

إنهيار الباطل أمام حُجَّة الحق

لمّا زيّفت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام الحديث الذي اختلقه أبو بكر ونسبه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبطلت ذلك الادّعاء بالأدلة القاطعة والحجج الساطعة، عجز أبو بكر عن تفنيد الحجج والبراهين التي استدلت بها السيدة فاطمة. ولهذا دخل من باب آخر، كي لا يتحمّل المسؤولية هو وحده، بل تكون المسؤولية على المسلمين الذين وافقوا على تصرّفاته، فقال: (صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته) تصديق لآيات المواريث بين الأنبياء، وتصديق للرسول الذي لا يخالف القرآن وكأنّه ينسحب عن الحديث الذي نسبه إلى النبي (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) وتصديق لكلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين وعين الحجّة) اعترافات عجيبة تدل على التنازل والانسحاب (لا أُبعدُ صوابكِ ولا أُنكر خطابكِ) إقرار بصواب قولها، واعتراف بصدق خطابها وكلامها، ولكن كلّه صوريّ: أي باللسان لا بالعمل، فالزهراء صادقة القول في ادّعائها فدك، لا يشك أحد في ذلك ولكن السلطة المعترفة بصدق كلامها لا تردّ إليها حقوقها، لماذا؟ وكيف؟

(هؤلاء المسلمون الحاضرون بيني وبينك هم قلّدوني الخلافة) وهذا اعتراف صريح منه أنّه لم يصل إلى الخلافة بالنص والتعيين من رسول الله (صلّى الله عليه

٤١١

وآله وسلّم) وإنّ رسول الله لم يستخلفه، بل المسلمون قلّدوه الخلافة.

(وباتفاق منهم أخذت ما أخذت) أنظر إلى تبدّل المنطق فقد قال أوّلاً: إنّه استولى على فدك عملاً بقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (نحن معاشر الأنبياء... الخ)، وبعد أن أبطلت السيدة فاطمة هذا الكلام تشبّث بوسيلة أخرى، وهي اتفاق المسلمين على غصب فدك.

مَن هم المسلمون الذين اتفقوا على أخذ أبي بكر فدك؟

بنو هاشم، أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رؤساء الصحابة أمثال: سلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ونظرائهم؟

إنّ كلمة: (وباتفاق منهم أخذت ما أخذت) هي عبارة عن كلمته السابقة: (وذلك بإجماع المسلمين) وقد ذكرنا قيمة ذلك الإجماع وقس عليها قيمة هذا الاتفاق منهم على أخذ فدك فاطمة.

(غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود) حينما استشهد أبو بكر بالمسلمين كان لزاماً على السيدة فاطمة أن توجّه عتاباً لاذعاً إليهم:

٤١٢

فاطِمَةُ الزهْرَاء تُوجّهُ الخِطَابَ إلى الحَاضِرين

فالتفتت فاطمةعليها‌السلام إلى الناس وقالت:

معاشر الناس

المـُسرعة إلى قيل الباطل

المـُغضية على الفعل القبيح الخاسر (١)

أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟

كلاّ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم

فأخذ بسمعكم وأبصاركم

ولبئس ما تأوّلتم

وساء ما به أشرتم

وشر منه اعتضتم (٢)

لتجدنَّ - والله - محمله ثقيلاً

وغبَّه وبيلاً (٣)

إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراءه الضرّاء

وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون.

__________

(١) المغضية: الساكتة الراضية.

(١) اعتضتم: من الاعتياض وهو أخذ العوض.

(٢) الغبّ - بكسر الغين: العاقبة. الوبيل: الشديد الثقيل.

٤١٣

فاطمة الزهراء في عتابها مع المتخاذلين

وجّهت السيدة فاطمة عتابها الأخير إلى تلك الجماهير المتجمهرة، التي كانت تستمع إلى ذلك الحوار الحادّ، وقالت:

(معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل) أي القول الباطل، أي أسرعتم إلى قول باطل إذ أنّكم قلّدتم هذا الرجل ما قلّدتم، واتفقتم معه - حسب ادعائه - على غصب حقوقي.

(المغضية على الفعل القبيح الخاسر) الإغضاء هو إدناءِ الجفون على العين، كالذي ينظر إلى الأرض أو ينظر في حِجره، كناية عن السكوت والرضا بالفعل القبيح الخاسر الذي هو سبب خسران صاحبه.

(أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) هل نسيتم الآيات النازلة فينا؟ أو لم تفهموا الآيات التي تلوتها في وراثة الأنبياء؟ أم قلوبكم مقفلة مغلقة فلا تنفتح لكلام الله وأحكامه في القرآن؟

(كلاَّ) ليس السبب عدم التدبّر في القرآن (بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم) أي غلب على قلوبكم وغطّاها سوء أعمالكم كالحجاب الكثيف، كما تغطّي الخمرة عقل شاربها فلا يفهم ولا يشعر، وتختل عنده الأمور.

(فأخذ بسمعكم وأبصاركم) كالغفلة المستولية على القلب، المؤثّرة على السمع والبصر، فلا يسمع الغافل الصوت ولا يبصر الشيء بسبب انشغال قلبه وغفلته.

٤١٤

(ولبئس ما تأوَّلتم) في آيات القرآن وأحكام الإسلام وتغييرها عن مجراها الحقيقي (وساء ما به أشرتم) تقصد التعاون والاتفاق على غصب حقوق آل محمدعليهم‌السلام .

(وشرّ ما منه اعتضتم) أي ساء ما أخذتم به عوضاً عمّا تركتم أي بئس الباطل الذي أخذتموه عوضاً عن الحق، وكلها كنايات وإشارات يفهمها الأذكياء.

(لتجدَّن - والله - محمله ثقيلاً وغبّه وبيلاً) إشارة إلى المسؤولية الكبرى يوم القيامة، والحمل الثقيل والأمر الشديد الذي يعاقبون عليه أشد العقاب، ويعذّبون عليه أشد العذاب.

(إذا كشف لكم الغطاء) إذ متّم وانتقلتم إلى عالم الجزاء.

(وبان ما وراءه الضرّاء) وظهر لكم الشيء الذي وراءه الشدّة.

(وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون) وهكذا أدمجت السيدة فاطمة حديثها وخطابها مع الآيات المناسبة للمقام.

لقد أتمّت السيدة فاطمة الحجّة على الجميع، وأدّت ما عليها من الواجبات، وسجّلت آلامها في سجل التاريخ والآن:

شكوى إلى رسول الله

ثم عطفت على قبر أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة (١)

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ (٢)

____________________

(١) الهنبثة: الأمر الشديد المختلف.

(٢) الخطب - بضم الخاء والطاء - جمع خطب - بفتح الخاء - وهي المصائب الشديدة.

٤١٥

إنا فقدناك فقدَ الأرض وابلها (١)

واختل قومك فاشهدهم وقد نكبوا (٢)

وكل أهل له قُربى ومنزلة

عند الإله على الأدنين مقتربُ

أبدَتْ رجال لنا نجوى صدورهم (٣)

لما مضيتَ وحالت دونك التُّربُ

تجهّمتنا رجال واستُخفّ بنا

لما فُقدتَ، وكل الإرث مغتصَبُ (٤)

وكنتَ بدراً ونوراً يُستضاء به

عليك تنزل من ذي العزّة الكتبُ

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا

فقد فُقدتَ، فكلّ الخير مُحتجبُ

فليتَ قبلكَ كان الموت صادَفَنا

لما مضيت وحالت دونك الكُثُبُ (٥)

إنا رُزينا بما لم يُرزَ ذو شَجَنٍ (٦)

مِن البرية لا عجم ولا عربُ

وفي ناسخ التواريخ زيادة هذه الأبيات:

سيعلم المتولّي ظلم حامتنا

يوم القيامة أنّى سوف ينقلبُ

وسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

له العيون بتهمال له سكبُ

وقد رزُينا به محضاً خليقته

صافي الضرائب والأعراق والنسبُ

فأنت خير عباد الله كلّهمُ

وأصدق الناس حين الصدق والكذبُ

وكان جبريل روح القدس زائرنا

فغاب عنا فكل الخير محتجبُ

ضاقت عليَّ بلادٌ بعدما رحبتْ

وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نَصَبُ

وفي كشف الغمّة وغيره: ثم عطفت على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتمثّلت بقول هند بنت أثاثة: قد كان بعدك... إلى آخره.

____________________

(١) الوابل: المطر الغزير الكثير.

(٢) نكبوا: عدلوا عن الطريق.

(٣) نجوى - هنا -: الأحقاد.

(٤) مغتصب: مغصوب.

(٥) الكثب - بضم الكاف والثاء - جمع كثيب وهو الرمل.

(٦) رزينا: من الرزيّة وهي المصيبة. والشجن: الحزن.

٤١٦

وقيل هذه الأبيات لهند بنت أبان بن عبد المطلب تمثّلت بها السيدة فاطمة، وعلى كلٍ فقد ألقت السيدة فاطمة نفسها على قبر أبيها وهي تنشد هذه الأبيات.

وفي كشف الغمّة: فما رأينا أكثر باكٍ ولا باكية من ذلك اليوم.

ولمّا أيست السيدة الزهراءعليها‌السلام من أبي بكر واستعادة حقوقها المغتصبة منه رجعت إلى دارها وهي تقول:

(اللّهمّ إنّهما ظلما بنت نبيِّك حقَّها، فاشدد وطأتك عليهما)(١) .

وفي صحيح البخاري - كتاب الخمس -:... فغضبت فاطمة بنت رسول الله، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت.

وفي صحيح البخاري أيضاً - كتاب بدأ الخلق -:... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت(٢) فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت.

وروى مثله مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير في باب قول النبي: لا نورِّث - ورواه البيهقي في السنن ج ٦ ص ٣٠٠، وأحمد بن حنبل في مسنده ج ١ ص ٦، وابن سعد في طبقات الصحابة ج ٨ ص ١٨، وغيرهم.

____________________

(١) وفاة الصدّيقة الزهراء للمقرَّم ص ٧٨.

(٢) أي غضبت.

٤١٧

التّجَاسُرُ عَلَى أهْلِ بَيْتِ الرسُول

قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة: لما سمع أبو بكر خطبتها المذكورة وما وقع بين الناس من الاختلاف والهمهمة في سوء تلك المقدّمة، وخاف أن تنعكس القضية شقّ عليه ذلك فصعد المنبر فقال:

أيّها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله؟ ألا مَن سمع فليقل، ومَن شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه مربّ لكل فتنة هو الذي يقول: كرّوها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحبّ أهلها إليها البغي ألا إنّي لو أشاء لقلت، ولو قلت لَبُحت، إنّي ساكت ما تُركت.

ثم التفت إلى الأنصار فقال: يا معشر الأنصار قد بلغني مقالة سفهائكم وأحق مَن لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا: إنّي لست باسطاً يداً ولساناً على مَن لم يستحق ذلك منّا. ثم نزل.

ثم قال ابن أبي الحديد: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعترض؟ فقال: بل يصرّح. قلت: لو صرّح لم أسألك. فضحك فقال: لعلي بن أبي طالب!! قلت: هذا الكلام كله لعلّي يقوله؟ قال: نعم إنّه المـُلك يا بني.

٤١٨

قلت: فما مقالة الأنصار؟

قال: هتفوا بقول عليّ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم. فسألته عن غريبة (أي شرح الكلمات) فقال:

أمّا الرعة - بالتخفيف - أي الاستماع والإصغاء. والقالة: القول. وثعالة: اسم الثعلب، مثل ذؤالة للذئب. وشهيده ذَنَبه: أي لا شاهد له على ما يدّعيه إلاّ بعضه وجزء منه، وأصله مَثَل: قالوا: إنّ الثعلب أراد أن يُغري الأسد بالذئب فقال له: إنّه قد أكل الشاة التي كنت أعددتها لنفسك، وكنت حاضراً، قال: فمَن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذَنَبه وعليه دم. وكان الأسد قد افتقد الشاة، فقبل شهادته، وقتل الذئب. و(مربّ): ملازم من أربّ بالمكان و (كروها جذعة): أعيدوها إلى الحال الأُولى يعني الفتنة والهرج و(أم طحال) امرأة بغي في الجاهلية يضرب بها المثل، فيقال: أزنى من أم طحال.

نحن لا نقول شيئاً على هذه الكلمات التي استعملها أبو بكر في آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، ولا نعاتبه على أدبه في المنطق وتعبيره في الكلام!، ولكن نقول: قرّت عينك - يا رسول الله - فهكذا يُقال في حق ابنتك وعزيزتك وحبيبتك فاطمة الزهراء، وهكذا يُقال في حق أخيك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

وكل هذا على منبرك وفي مسجدك وفي جوار مرقدك.

قرّت عيناك يا أبا فاطمة الزهراء وبشراك بل بشريان!! فهذه كرامة أهل بيتك، وعترتك عند أبي بكر وأشباهه!

٤١٩

السيدة أُمّ سلمة تستنكر

وفي الدر النظيم للشيخ جمال الدين الشامي قال - بعد خطبة فاطمةعليها‌السلام في المسجد وكلام أبي بكر -: فقالت أم سلمةرضي‌الله‌عنها حين سمعت ما جرى لفاطمةعليها‌السلام :

ألِمثل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقال هذا القول؟

هي والله الحوراء بين الإنس، والنَفَس للنفس، رُبّيت في حجور الأتقياء، وتناولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأة، وربيت خير مربى، أتزعمون أنّ رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يُعلمها، وقد قال الله تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) أفأنذرها وخالفت متطلبه؟

وهي خيرَة النسوان وأُمّ سادة الشبّان، وعديلة مريم، تمّت بأبيها رسالات ربّه، فو الله لقد كان يشفق عليها من الحرّ والقرّ، ويوسدها يمينه ويلحفها بشماله.

رويداً ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمرأى منكم، وعلى الله تردون واهاً لكم، فسوف تعلمون.

قال: فَحُرمت عطاءها تلك السنة!.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568