فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد3%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243974 / تحميل: 10723
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

رُجُوعُهَا إلى الدار وكَلاَمُهَا مَعَ زَوْجِهَا

ثم انكفأتعليها‌السلام (١) وأمير المؤمنينعليه‌السلام يتوقّع رجوعها إليه(٢) ، ويتطّلع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدار قالت لأمير المؤمنينعليه‌السلام :

يا بن أبي طالب:

اشتملت شَملَة الجنين (٣) .

وقعدتَ حجرة الظنين (٤).

نقضتَ قادمةَ الأجدل (٥).

فخانك ريش الأعزل (٦).

هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي (٧).

__________

(١) انكفأت: رجعت.

(٢) يتوقّع: ينتظر.

(٣) اشتمل الثوب: إذا أداره على الجسد. والشِّملة - بكسر الشين - هيئة الاشتمال... والشَّملة - بفتح الشين -: ما يشتمل به، والمقصود هنا: مشيمة الجنين، وهي محل الولد في الرحم.

(٤) الحُجرة - بضم الحاء - البيت. وبضم الحاء وسكون الجيم ثم الراء: هو المكان الذي يحتجز فيه. والظنين: المتهم.

(٥) نقضت: ضد أبرمت. والقادمة - واحدة القوادم - وهي مقاديم ريش الطائر. والأجدل: الصقر.

(٦) خانك: من الخيانة. وفي نسخة: خانك، أي: انقضَّ عليك.

(٧) يبتزّني: يسلبني بالقهر والغلبة. والنحلة - بكسر النون -: العطيّة، والنحيلة تصغيرها.

٤٢١

وبُلغةَ ابنيَّ (١).

لقد أجهر في خصامي (٢).

وألفيته الألدّ في كلامي (٣).

حتى حبستني قيلةُ نصرها (٤) .

والمهاجرة وصلها (٥).

وغضَّت الجماعة دوني راغمة (٦) .

أضرعت خدَّك يوم أضعت حدَّك (٧).

افترست الذئاب وافترشت التراب.

ما كففتَ قائلاً ولا أغنيتَ باطلاً (٨) .

ولا خيار لي (٩).

ليتني متُّ قبل هينتي (١٠).

__________

(١) البلغة: ما يتبلغ به في العيش ويكتفي به.

(٢) أجهر: أعلن بكل وضوح. وفي نسخة أجهد: أي جدّ وبالغ.

(٣) ألفيته: وجدته. والألد: شديد الخصومة، وفي نسخة: أجهد في ظلامتي وألدَّ في خصامتي.

(٤) حبستني: منعتني. وقيلة: اسم أُم الأوس والخزرج. وهما قبيلتان من الأنصار.

(٥) المهاجرة: المهاجرون. وصلها: عونها. أي حبسني.

(٦) كاظمة: متجرّعة الغيظ مع الصبر.

(٧) أضرعت: أذللت، وأضعت حدك: أهملت قدرك وفي نسخة: جدّك وهو الحظ.

(٨) ما كففت: ما منعت.

(٩) لا خيار لي: لا اختيار لي.

(١٠) هينتي - بكسر الهاء - مهانتي.

٤٢٢

ودون ذلّتي.

عذيري الله منك عادياً ومنك حامياً.

ويلاي في كل شارق.

مات العَمَد ووهن العَضُد.

شكواي إلى أبي.

وعدواي إلى ربّي.

اللّهمّ أنت أشدُّ قوّة وحولاً.

وأحدُّ بأساً وتنكيلاً.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

لا ويل عليكِ.

الويل لشانئكِ.

نهنهي عن وَجدكِ يا بنة الصفوة (١) .

وبقيّة النبّوة.

فما وَنيتُ عن ديني (٢).

ولا أخطأت مقدوري.

فإن كنتِ تريدين البُلغة فرزقك مضمون (٣).

وكفيلك مأمون.

وما أُعدَّ لكِ خيرٌ مما قُطع عنكِ.

فاحتسبي الله.

فقالت: حسبي الله. وأمسكت.

____________________

(١) نهنهي: كُفّي. وجدك: حزنك.

(٢) ونيت: عجزت.

(٣) البُلغة - بضم الباء -: الكفاية.

٤٢٣

الإمام عليّ في انتِظَار فاطمَة الزهرَاء

كان الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ينتظر السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام زميلته في الجهاد، وشريكته في الآلام والآمال.

ينتظر رجوعها من ساحة الجهاد، من مسجد أبيها.

من المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في أكبر مركز إسلامي يومذاك.

رجعت وهي مرهقة بأتعاب الجهاد المتواصل؛ وحياتها كلها جهاد.

رجعت وهي منتصرة، وإن كانت - في الوقت نفسه - مغلوبة على أمرها مظلومة مهضومة، منكسرة القلب، متعبة الأعصاب، حزينة.

انتصرت؛ لأنّها أعلنت للجماهير، للأجيال، للتاريخ: أنّها مظلومة، مغصوب حقّها، أنّها أدانت السلطة بالخطأ المكشوف، بالاعتداء المقصود.

انتصرت؛ لأنّها عرّفت الإسلام كما ينبغي.

تحدّثت عن النقاط الرئيسية في الإسلام: عن التوحيد، عن النبوّة والإمامة، وعلل الأحكام، وفلسفة الشريعة الإسلامية، وبكل ما يدور في هذا الفلك الواسع الشاسع.

ووصلت إلى بيتها، وقد بقي الشوط الأخير من أشواط الجهاد.

رجعت لتكشف حقيقة أُخرى لأهل العالم، للتاريخ.

واختارت - لكشف الحقيقة - هذه الطريقة وهذا الأُسلوب أُسلوب الحوار مع زوجها.

الحوار الذي يشبه العتاب.

٤٢٤

وفي الوقت نفسه تتحدّث عن الأحداث، عن موقف السلطة يومذاك.

عن موقف المسلمين الذين استولت عليهم الحيرة والدهشة والذهول.

الضمائر تؤنّبهم، والإحساس بالألم يُجري دموعهم، الخوف من السلطة يخرسهم، فهم في ذهول.

يرون شيئاً، ويسمعون أشياء.

يرون رئيس الدولة، وهو يدَّعي أنّه يمثّل صاحب الشريعة الإسلامية.

ويسمعون من ابنة صاحب الشريعة (فاطمة) الآهات، وكلمات التظلّم والسخط على الحكّام.

شكوى من فاطمة إلى علي (عليهما السّلام)

رجعت إلى الدار لتكشف موقف زوجها العظيم تجاه تلك الأحداث، فقالت: (يا بن أبي طالب).

ربّما يتصوّر بعض أهل العلم من الخطباء وغيرهم أنّ الزهراء تحدّث زوجها العظيم بهذا التحدّي الصريح اللاذع.

إذ إنّها تخاطبه بكلمة: (يا بن العم) أو (يا أبا الحسن) أو (يا عليّ) أو ما أشبه ذلك من الكلمات التي تناسب للزوجة أن تخاطب بها زوجها.

فيحملون هذا التحدّي على مدى تأثّرها من الأحداث، وتألّمها ممّا جرى.

أقول: سبحان الله! وأي منقصة في هذا الخطاب؟

وأيّ عارٍ في هذا النسب؟

أبو طالب:

شيخ الأباطح، سيّد أهل مكّة، حامي الرسول، مفخرة التاريخ، عظيم

٤٢٥

قريش، كبير بني هاشم في عصره.

أبو طالب:

الشجاع الذي هابه المشركون، البطل الذي ظلَّ الرسول يدعو إلى الله تحت حماية ذلك البطل.

أبو طالب:

رجل الحميّة، مثال الفتوّة والشهامة، بطل الغيرة والعاطفة.

فما المانع أن يُقال لشبله البار ونجله العظيم: يا بن أبي طالب؟!!.

أليس معنى: (يا بن أبي طالب) يا بن العظمة والسيادة؟

يا بن الشرف والمجد؟

يا بن البطولة والبسالة؟

يا بن الحميّة والحفاظ؟

يا بن الفضيلة، بل الفضائل كلّها؟

أليس معناه هذا؟

نعم، إنّها قالت: (يا بن أبي طالب) وكأنّها تهيّج عزائمه، وكأنّها تستنهضه للنجدة، وتذكّره بنسبه الشريف الأرفع، تذكّره أنّه ابن أبيه.

كأنّها تقول له: إنّ أباك أسعف أبي، ووقف له وقفة المدافع المستميت، فلماذا لا تدافع عني؟ لا تسعفني؟

ثم ذكّرته بسوابقه البطولية، ومواقفه العظيمة، وإقدامه في جبهات القتال، وتحطيمه الأُسود، وطحنه الأبطال طحن الرحى. ثم قارنت بين ماضيه وحاضره، وقالت:

(اشتملت شملة الجنين) الجنين المحبوس في غشاء المشيمة، لا يستطيع أن يعمل شيئاً.

٤٢٦

(وقعدت حجرة الظنين) المتّهم، الذي يجلس في بيته فراراً من الناس، وخوفاً أن يلتقي به أحد.

(نقضت قادمة الأجدل) كنت - فيما مضى - تكسّر أجنحة الصقور، وهي بمنزلة العمود الفقري في الطائر.

(وخانك ريش الأعزل) صرت - في الحال - أعزلاً، لا سلاح لك، ضعيفاً حتى اعتدى عليك أفراد ليسوا في العير ولا في النفير، وكأنّها تتعجّب من سكوته في أوّل الأمر وعدم قيامه بطلب الحق، وفي نسخة: (خاتك) أي انقضَّ عليك.

ثم وضعت النقاط على الحروف، وشرحت الموضوع بالتفصيل، فقالت:

(هذا ابن أبي قحافة) كلمة (ابن أبي قحافة) معاكسة ومغايرة تماماً لكلمة (ابن أبي طالب) من حيث المغزى والمفهوم.

أما كان عبد الله بن جذعان صاحب المضيف في الطائف؟

أما كان أبو قحافة يحمل أواني الطعام من المطبخ إلى المضيف؟

أما كان يدعو الناس للطعام بأمر عبد الله بن جذعان.

ابن أبي قحافة (يبزّني نِحْلة أبي) يسلبني عطيّة والدي.

(وبُلغة ابنيَّ) وهي ما يكتفي به ولداي: الحسن والحسين لمعيشتهما من غلاّت فدك العوالي، أو من الخمس والفيء.

(لقد أجهر في خصامي) أعلن في مخاصمتي، وتجاوز الكلام حدّ التفاهم والاستدلال وبلغ حدّ العناد والخصومة، فالحجّة والدليل في المنطق غير مقبول، والتفاهم غير ممكن؛ لأنّه أنكر قانون الميراث، والتوارث بين الأب وابنته.

٤٢٧

(وألفيته الألدَّ في كلامي) لأنّه افترى على الرسول بحديث ينافي القرآن وهو المدّعي، وهو الشاهد، وهو الحاكم، وجعل ذلك الحديث حجّة له ودليلاً على ما يدّعي.

(حتى حبستني قيلة نصرها) إنّ الأنصار وهم الأوس والخزرج ابنا قيلة، وهي أُمّهما، قد تركوا نصرتي بعد مواقفهم في نصرة المسلمين، تركوا نصرتي لأنّ الناس على دين ملوكهم.

(والمهاجرة وصلها) أي امتنع المهاجرون (وهم أهل مكّة) عن وصلي وإسعافي وهنا نكتة لطيفة: في استعمال الوصل في مقابل الهجر.

(وغضَّت الجماعة دوني طرفها) يا للرزيّة، يا للهضمية!.

إنّ بقيّة الناس الحاضرين في المسجد أيضاً أعرضوا عنّي واتّبعوا غيرهم في التخاذل وكأنّهم لا يعرفونني.

(فلا دافع ولا مانع) كي يدافع عنّي، ويضمُّ صوته إلى صوتي، أو يدفع عنّي اعتداء المعتدين، ويمنعهم عن ذلك، وفي نسخة: (ولا شافع).

(خرجت كاظمة، وعدت راغمة) خرجت من البيت إلى المسجد كاظمة للغيظ متجرّعة للألم، ورجعت إلى الدار وقد عجزت عن الانتصار.

(أضرعت خدَّك يوم أضعت حدك) كأنّها تعتبر سكوت عليّعليه‌السلام أمام تلك الأحداث نوعاً من التذلّل بسبب كبت النفس، وعدم استعمال القوّة، وعدم إظهار القدرة.

(افترست الذئاب وافترشت التراب) هذه الجملة تفسير وتفصيل للجملة السابقة؛ لأنّ الرجل البطل المقدام الذي يفترس الذئاب أي يجدّل الأبطال ويقتل الشجعان كيف يبلغ به الأمر إلى درجة أنّه يفترش التراب للجلوس أو النوم، أي ليس له فراش يجلس عليه سوى التراب، وهو منتهى الفاقة والبؤس، وفي بعض النسخ: (افترست الذئاب وافترستك الذباب) أي

٤٢٨

صرت فريسة للضعفاء.

(ما كففت قائلاً ولا أغنيت باطلاً) يمكن أن يكون قولها: (ما كففت ولا أغنيت) بصيغة المتكلّم أي ما كففت أنا، ويمكن أن يكون بصيغة الخطاب أي ما كففت أنت.

وعلى الوجه الأوّل فالمعنى: لم أستطع أن أمنع قائلاً عن قوله، وأن أصرف باطلاً، وفي بعض النسخ: (ولا أغنيت طائلاً) أي ما فعلت شيئاً نافعاً، أي ما ينفعك السكوت والقعود.

وعلى الوجه الثاني: (إنّك لم تدفع عني قائلاً، ولم تصرف عنّي باطلاً).

(ولا خيار لي) أي لا قدرة لي على الدفاع واسترجاع الحق، أو لا اختيار لي في المقاومة والمكافحة أكثر من هذا، لأنّني امرأة، والمرأة محدودة في تصرّفاتها وإمكانياتها.

(ليتني متُّ قبل هينتي ودون ذلّتي) حقّ لها أن تتمنّى الموت قبل أن ترى ذلك الجفاء من أُمّة أبيها، من تلك الأفراد الذين كوَّنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنحهم العِزّ والسيادة، وأنقذهم من شفا جرف الهلكات.

قبل أن تشاهد الذلّ والهوان من ذلك المجتمع الجاف الذي لا يؤمن بالقيم ولا بالكرامة.

(عذيري الله منك عادياً ومنك محامياً) لهذه الجملة احتمالات:

الأوّل: الله يعتذر منك بسبب إساءتي إليك أو إيذائك بهذا النوع من الكلام.

الثاني: عذري أنّك قصّرت في إعانتي وحمايتي. وهناك احتمالات أخرى بعيدة جدّاً.

٤٢٩

(ويلاي في كل شارق) ويلاي: كلمة تقال عند الشدّة والمصيبة فهي إذن تدل على شدّة حال قائلها من حيث التألّم والتوجّع، تقولعليها‌السلام : ويلاي في كل صباح تشرق فيه الشمس.

وفي نسخة: (ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب) أي في كل صباح ومساء وعند كل شروق وكل غروب، بسبب المصيبة، وهي:

(مات العمد ووهن العضد) أي مات الذي كان يسند به ويعتمد عليه في الأمور، وبموت العماد ضعف العضد، أي: بموت الرسول ضعف الإمام أمير المؤمنينعليهما‌السلام وفي نسخة: (وذلَّ العضد).

(شكواي إلى أبي) أي ليس أحد أشكو إليه ما جرى عليَّ سوى أبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(وعدواي إلى ربّي) أي: من الله أطلب النصرة والانتقام.

(اللّهمّ أنت أشدّ قوّة وحولاً) في الدفع والمنع، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

(وأحدُّ بأْساً وتنكيلاً) أي: أشدّ عذاباً وعقوبة.

انتهى كلام الصدّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام حول الأحداث وموقف السلطة والناس منها.

وكان الإمام يستمع إلى شكواها... إلى آلامها... إلى كلماتها المنبعثة من قلب ملتهب ونفس متألّمة!...

الإمام علي يخفّف عنها الآلام

والآن آن للإمام أن يجيبها على كلامها، ويذكر موقفه تجاه تلك القضايا والوقائع التي ألّمت ببنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٤٣٠

فقال لها:

(لا ويل عليكِ) هذا جواب من الإمام على كلامها حيث قالت: (ويلاي) فيقول الإمام لها: (لا ويل عليك) أي لا ينبغي أن تقولي (ويلاي).

(بل الويل لشانئك) لمبغضك الذي خسر الدنيا والآخرة، الويل لعدوك الذي ظلمك، وكسر قلبك وآذاك.

(نهنهي عن نفسك يا ابنة الصفوة) أي: كُفّي وامنعي نفسك عن الحزن والغضب يا ابنة الذي اصطفاه الله واختاره على العالمين.

(وبقيّة النبوّة) أنت بضعة النبي، وقد أُوذي النبي من أُمّته، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أُوذي نبيّ بمثل ما أُوذيت.

أنت - يا فاطمة - بعض من ذلك الكل، وجزء من سيّد الرسل، فاصبري على ما أصابكِ.

ثم إنّهعليه‌السلام ذكر موقفه، وبيّن تكليفه الشرعي اتجاه تلك الأحداث فقال:

(فما ونيتُ عن ديني) أي: ما عجزت عن القيام بما يجب، وما ضعف ديني واعتقادي، أي لم أصنع شيئاً استحق عليه اللوم والعتاب، لأنّني مأمور بالصبر والسكوت؛ لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمرني بالصبر إن لم أجد أعواناً، وليس غصب فدك والعوالي بأعظم من غصب الخلافة والاستيلاء على منصّة الحكم، والجلوس على مسند السلطة.

(ولا أخطأْت مقدوري) أي: ما تركت ما دخل تحت قدرتي وإمكانيتي، كأنّهعليه‌السلام يعتذر عن سبب تقاعده عن نصرتها.

والمقدور - هنا - ليس المقدور العقلي بل المقدور الشرعي، ولنضرب لذلك مثلاً: المريض الذي يضرّه استعمال الماء للاغتسال والوضوء قادر على استعمال الماء عقلاً وعاجزاً شرعاً، وأمير المؤمنينعليه‌السلام كان يستطيع

٤٣١

أن ينهض ويحمل سيفه ويهاجم المغتصبين، ويقتل منهم أفراداً لا يتجاوزون العشرة ويستولي على فدك والعوالي، وعلى الحكم.

أمّا قتل عليّعليه‌السلام يوم بدر حوالي خمسة وثلاثين رجلاً من الشجعان؟ مع العلم أنّ رجال السلطة يومذاك لم يكونوا بأشجع من الذين حضروا يوم بدر لمحاربة رسول الله.

هذه القدرة العقلية المتوفّرة للإمامعليه‌السلام .

وأمّا القدرة الشرعية: فإنّ عليّاً إذا نهض لأجل القضاء على تلك الأفراد فمعنى ذلك وقوع الفتن والمصائب والاضطرابات الداخلية واتساع نطاق الفتنة، وخاصة وأنّ هناك أفراداً يتربّصون بالإسلام وينتهزون الفرصة للإطاحة بذلك الدين، الذي كان غضّاً جديداً لم تستقر أركانه بعد، ولم يضرب بجرانه الأرض.

أضف إلى ذلك وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام بالصبر والسكوت.

إذن: فالأفضل التضحية بفدك والعوالي، والسكوت عن المغتصبين رعايةً للإسلام وحفظاً للدين من الضياع والانهيار.

(فإن كنتِ تريدين البُلغة) أي: إن كان هدفك من مطالبة الأراضي هو البُلغة وهي ما يتبلّغ به من العيش بمقدار الكفاف لك ولأولادك.

(فرزقك مضمون) والضامن هو الله الذي تكفّل رزق كل ذي روح.

(وكفيلك مأمون) وهو الله تعالى لا يخلف وعده فيما تكفّله وضمنه.

(وما أُعدَّ لكِ) من الأجر. وتهيّأ لك من الثواب في الآخرة والعظمة يوم القيامة والدرجات العالية التي أحرزتيها في مقابل هذه المصائب

٤٣٢

والاضطهاد والمظلومية.

(أفضل ممّا قُطع عنكِ) من الأراضي، وأفضل ممّا منعوكِ من حقوقكِ.

(فاحتسبي الله) اصبري طلباً لرضاه.

(فقالت: حسبي الله. وأمسكتْ) امتثلت أمر إمامها، وأطاعت زوجها، وقالت: حسبي الله. أي: الله كافئي وعليه أعتمد في أموري. وسكتت ورضيت (سلام الله عليها).

٤٣٣

خطبَةُ الزّهرَاء في نِساء المـُهاجِرِينَ وَالأنصَار

قال سويد بن غفلة:

لمّا مرضت فاطمةعليها‌السلام المرضة التي توفّيت فيها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار يَعُدْنَها فقلن لها: كيف أصبحتِ من علَّتك يا ابنة رسول الله؟

فحمدت الله، وصلّت على أبيها، ثم قالت:

أصبحتُ - والله - عائفةً لدنياكنَّ (١)

قاليةً لرجالكن (٢)

لفظتُهم بعد أن عجمتهم (٣)

وشنئتهم بعد أن سَبَرتهم (٤)

فقبحاً لفلول الحد (٥)

واللعب بعد الجدّ (٦)

وقرع الصفاة، وصدع القناة (٧)

__________

(١) عائفة: كارهة.

(٢) قالية: مبغضة.

(٣) لفظتهم: رميت بهم. عجمتهم: مضغتهم.

(٤) شنئتهم: أبغضتهم. سبرتهم: عرفت عمقهم، أي تأمّلتهم.

(٥) فلول الحد: ثلمة حدّ السيف.

(٦) الجِدّ - بكسر الجيم -: ضد الهزل واللعب.

(٧) قرع الصفاة: ضرب الضخرة الملساء. وصدع القناة: استرخاء الرمح. وقيل: الصدع: الشق.

٤٣٤

وخطل الآراء، وزلل الأهواء (١)

وبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم

( أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (٢)

لا جرَمَ لقد قلّدتهم ربقتها (٣)

وحمّلتهم أوقتها (٤)

وشننت عليهم عارها (٥)

فجدعاً وعَقراً وسُحقاً للقوم الظالمين (٦) .

ويحهم!!

أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة (٧)

وقواعد النبوّة والدلالة (٨)

ومَهبط الروح الأمين (٩)

والطبين بأُمور الدنيا والدين (١٠)

ألا: ذلك هو الخسران المبين

__________

(١) خطل الآراء: فسادها. وزلل الأهواء: انحراف الميول والرغبات.

(٢) سورة المائدة: آية ٨٠.

(٣) قلّدتهم: جعلت في أعناقهم. ربقتها: حبلها.

(٤) حمّلتهم أوقتها: حمّلتهم الثقل والمسؤولية.

(٥) شننت: أرسلت. والعار: السبّة والعيب.

(٦) الجدع - بفتح الجيم -: قطع الأنف. والعقر - بفتح العين -: الجرح. والسحق: البعد، وكلّها في مقام الدعاء عليهم.

(٧) زحزحوها: نحّوها. والرواسي: الثوابت.

(٨) قواعد البيت: أسسه.

(٩) مهبط الروح الأمين: محل نزول جبرئيل.

(١٠) الطبين: الحاذق الفطن العارف.

٤٣٥

وما الذي نقموا من أبي الحسن (١)

نقموا منه - والله - نكير سيفه (٢)

وقلَّة مبالاته بحتفه (٣)

وشدّة وطأته ونكال وقعته (٤)

وتنمّره في ذات الله عزّ وجل (٥)

والله لو تكافّوا عن زمامٍ نَبَذَه رسول الله إليه لاعتلقه (٦)

ولَسارَ بهم سيراً سُجُحاً (٧)

لا يكلم خشاشُه (٨)

ولا يتعتع راكبه (٩)

ولأوردهم منهلاً نميراً، صافياً روّياً، فضفاضاً تطفح ضفّتاه، ولا يترنّق جانباه (١٠)

ولأصدرهم بِطاناً (١١)

____________________

(١) نقموا منه: عابوا وكرهوا.

(٢) نكير سيفه: لا يعرف سيفه أحداً ولا يفرّق بين الشجاع وغيره.

(٣) الحتف: الهلاك.

(٤) وطأته: أخذته. ونكال وقعته: إصابة صدمته.

(٥) التنمّر: الغضب، والمقصود من ذات الله أي لوجه الله.

(٦) تكافّوا: صرف بعضهم بعضاً. والزمام: مقود البعير. أو الخيط الذي يُشدّ في ثقب أنف البعير.

(٧) السير السجح: السهل اللين.

(٨) لا يكلم: لا يجرح. والخشاش - بكسر الخاء - الخيط الذي يدخل في عظم أنف البعير.

(٩) يتعتع راكبه: يقلق ويتحرّك حركة عنيفة.

(١٠) المنهل: محل ورود الماء. والنمير: الماء العذب السائغ النامي للجسد. والروي: الكثير. والفضفاض: الواسع. تطفح: تمتلئ حتى تفيض. ضفّتاه: جانباه. يترنّق: يتكدّر.

(١١) بطاناً: عظام البطون من كثرة الشرب.

٤٣٦

ونصح لهم سرّاً وإعلاناً

ولم يكن يحلى من الغنى بطائل (١)

ولا يحظى من الدنيا بنائل (٢)

غير ريِّ الناهل (٣)

وشبعة الكافل (٤)

ولَبَانَ لهم الزاهد من الراغب

والصادق من الكاذب

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (٥) .

( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ) (٦) .

ألا هلمَّ واستمع.

وما عشتَ أراك الدهر عجباً!

وإن تعجب فعجبٌ قولهم!!

ليت شعري إلى أيّ سِناد استندوا؟ (٧)

وعلى أي عماد اعتمدوا؟

____________________

(١) يحلى: يصيب ويستفيد. والطائل: كثير الفائدة.

(٢) يحظى: يظفر. والنائل: العطاء.

(٣) الناهل: العطشان.

(٤) الكافل - هنا -: المحتاج إلى الطعام.

(٥) سورة الأعراف: ٩٦.

(٦) سورة الزمر: آية ٥١.

(٧) ليت شعري: ليتني علمت. والسناد - بكسر السين -: ما استندت إليه من حائط أو غيره.

٤٣٧

وبأيَّة عروة تمسَّكوا؟

وعلى أيَّة ذريَّة أقدموا واحتنكوا؟ (١)

لبئس المولى ولبئس العشير.

وبئس للظالمين بَدَلاً.

استبدلوا - والله - الذُّنابا بالقوادم (٢)

والعَجُز بالكاهل (٣)

فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صُنعاً (٤)

( َلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)

ويحهم!!

( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِديَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٥)

أما: لعمري! لقد لقحتْ (٦)

فَنَظِرة ريثما تُنتج (٧)

ثم احتبلوا ملء القعب دماً عبيطاً (٨)

وذعافاً مبيداً (٩)

__________

(١) احتنكوا: استولوا.

(٢) الذناب: ذنب الطائر. القوادم: ريشات في مقدم الجناح.

(٣) العجز - بفتح العين وضم الجيم -: المؤخّر من كل شيء. والكاهل: ما بين الكتفين.

(٤) رغماً: كناية عن الذل. والمعاطس: جمع معطس (مكان العطسة) وهو الأنف.

(٥) سورة يونس: آية ٣٥.

(٦) لقحت: حملت.

(٧) فنظرة: فمهلة. ريثما: مقدار ما. وتنتج: تلد.

(٨) القعب: إناء ضخم. والدم العبيط: الطري.

(٩) الذعاف: السم السريع الفناء. والمبيد: المهلك.

٤٣٨

هنالك يخسر المبطلون

ويعرف التالون غبّ ما أسَّسه الأوّلون (١)

ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً (٢)

واطمئنّوا للفتنة جاشا (٣)

وأبشروا بسيف صارم

وسطوةِ معتد غاشم (٤)

وهرج شامل (٥)

واستبداد من الظالمين (٦)

يَدَع فيئكم زهيداً (٧)

وجمعكم حصيداً (٨)

فيا حسرةً لكم (٩)

وأنّى بكم؟ (١٠)

وقد عميت عليكم (١١)

____________________

(١) التالون: التابعون. والغب: العاقبة.

(٢) طابت نفسه عن كذا: رضيت به غير كارهة.

(٣) الجاش: القلب.

(٤) المعتدي: الجائر. والغاشم: الظالم.

(٥) الهرج: الفوضى، والقتل، واختلاط الأمور.

(٦) الاستبداد: التفرّد بالشيء من غير منازع.

(٧) الفيء: الخراج والغنيمة. وزهيداً: قليلاً.

(٨) جمعكم: زرعكم.

(٩) الحسرة: التلهّف على الشيء الفائت.

(١٠) كيف يصنع بكم.

(١١) عميت: التبست.

٤٣٩

أنُلزِمكموها وأنتم لها كارهون؟؟

قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها على رجالهن.

فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء.

لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد(١) ونُحْكِم العقد لما عَدَلنا إلى غيره!!!

فقالت:

إليكم عنّي!

فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم (٢).

__________

(١) نبرم العهد: نبايع لأبي بكر.

(٢) التعذير: هو التقصير ثم الاعتذار. والتقصير: التواني عن الشيء.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568