أحاديث تحريم النبي متعة النساء

أحاديث تحريم النبي متعة النساء 0%

أحاديث تحريم النبي متعة النساء مؤلف:
الناشر: الحقائق
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 38

أحاديث تحريم النبي متعة النساء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
الناشر: الحقائق
تصنيف: الصفحات: 38
المشاهدات: 24480
تحميل: 5446

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 38 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24480 / تحميل: 5446
الحجم الحجم الحجم
أحاديث تحريم النبي متعة النساء

أحاديث تحريم النبي متعة النساء

مؤلف:
الناشر: الحقائق
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرسائل العشر

في الأحاديث الموضوعة في كتب السنة

( ٥ )

أحاديث

تحريم النبيّ متعة النساء

تأليف :

السيّد علي الحسيني الميلاني

١

بسم الله الرحمن الرحيم

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .

وبعد فإنّ البحث عن المتعتين قديم جداً ، وكتابات السلف والخلف عنهما من النواحي المختلفة كثيرة جداً أيضاً ، وهذه رسالة وجيزة كتبتها بمناسبة أحاديث رووها في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي حرّم متعة النساء ، وعمدتها ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام . منها أنّه قال لابن عباس ـ وقد بلغه أنّه يقول بالمتعة ، واللفظ لمسلم ـ : ( إنّك رجل تائه ، نهانا رسول الله عن متعة النساء يوم خيبر ) وهي أحاديث موضوعة مختلقة ، يعترف بذلك كل مَن ينظر في أسانيدها ومداليلها وينصف ، والله هو الموفِّق .

فنقول :

لا خلاف بين المسلمين في نزول القرآن المبين بالمتعتين ...

أمّا متعة الحج ، فقد قال عزّ وجلّ :( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ

٣

 الْحَرَامِ ) (١)

وأمّا متعة النساء ، فقد قال عزّ وجلّ :

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (٢) .

وكان على ذلك عمل المسلمين ...

حتى قال عمر بعد شطرٍ من خلافته :

( متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ) .

فوقع الخلاف ...

وحار التابعون له ، الجاعلون قوله أصلاً من الأُصول ، كيف يوجّهونه وهو صريح في : قال الله وأقول ؟!

متعة الحج :

ومتعة الحج : أن ينشئ الإنسان بالمتعة إحرامه في أشهر الحج من الميقات ، فيأتي مكّة ، ويطوف بالبيت ، ثم يسعى ، ثم يقصّر ، ويحل من إحرامه ، حتى ينشئ في نفس تلك السفرة إحراما آخر للحج من مكّة ، والأفضل من المسجد الحرام ، ويخرج إلى عرفات ، ثم المشعر إلى آخر أعمال الحج ...

فيكون متمتّعاً بالعمرة إلى الحج .

وإنّما سمّي بهذا الاسم لما فيه من المتعة ، أي اللذة بإباحة محظورات الإحرام ، في تلك المدّة المتخلّلة بين الإحرامين ...

____________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٩٦ .

(٢) سورة النساء ٤ : ٢٤ .

٤

وهذا ما حرّمه عمر وتبعه عليه عثمان ومعاوية وغيرهما ولكنّهم لم ينسبوا التحريم إلى النبي ولم ينقلوا عنه حديثاً .

موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها :

وكان في المقابل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام الحافظ للشريعة المطهّرة ، والذاب عن السنّة المكرّمة :

أخرج أحمد ومسلم عن شقيق قال ـ واللفظ للأوّل ـ : ( كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان علي يأمر بها ، فقال عثمان لعلي : إنّك كذا وكذا ثم قال علي(١) : لقد علمت أنّا تمتّعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال : أجل )(٢) .

وعن سعيد بن المسيّب ، قال : ( اجتمع علي وعثمان بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة فقال له علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنهى عنه ؟! فقال عثمان : دعنا عنك ! فقال علي : إنّي لا أستطيع أن أدعك )(٣) .

وعن مروان بن الحكم ، قال : ( شهدت عثمان وعليّاً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلمّا رأى علي ذلك أهلّ بهما : لبّيك بعمرةٍ وحجّةٍ معاً قال : ما كنت لأدع سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد )(٤) .

____________

(١) لقد أبهم الرواة ما قاله خليفتهم عثمان لعليعليه‌السلام ، كما أبهموا جواب الإمامعليه‌السلام على كلمات عثمان وفي بعض المصادر : ( فقال عثمان لعلي كلمة ) .

(٢) مسند أحمد ١ | ١٥٦ مسند علي بن أبي طالب ، الرقم ٧٥٨ .

(٣) صحيح البخاري ٢/٥٦٩ كتاب الحج باب التمتّع والإقران والإفراد بالحج ، الرقم ١٤٩٤ وصحيح مسلم ٣/٦٨ كتاب الحج باب جواز التمتّع ، ذيل الرقم ١٢٢٣ مسند أحمد ١/٢٢٠ مسند علي بن أبي طالب ، الرقم ١١٥٠ .

(٤) صحيح البخاري كتاب الحج باب التمتّع والإقران والإفراد بالحج ، الرقم ١٤٨٨ مسند أحمد

٥

وعلى ذلك كان أعلام الصحابة ...

*كابن عبّاس فقد أخرج أحمد أنّه قال : ( تمتّع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ) فقال ابن عباس : ما يقول عُريّة(١) !! قال : يقول : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة

فقال : ابن عباس : أراهم سيهلكون أقول : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ويقولون : نهى أبو بكر وعمر ! )(٢) .

*وسعد بن أبي وقّاص فقد أخرج الترمذي : ( عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس ـ وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحج ـ فقال الضحّاك بن قيس : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك فقال سعد : قد صنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصنعناها معه .

قال : هذا حديث صحيح )(٣) .

*وأبي موسى الأشعري فقد أخرج أحمد : ( أنّه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فُتياك : فإنّك لاتدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ! حتى لقيه بعدُ فسأله عن ذلك ، فقال عمر : قد علمت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فعله هو وأصحابه ، ولكنّي كرهت أن يظلوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم )(٤) .

_________

=

١ | ١٥٣ مسند علي بن أبي طالب ، الرقم ٧٣٥ .

(١) تصغير ( عروة ) تحقيراً له .

(٢) مسند أحمد ١ | ٥٥٤ مسند عبد الله بن عباس ، الرقم ٣١١١ .

(٣) سنن الترمذي ٢ | ٥٥٤ كتاب الحج باب ما جاء في التمتّع ، الرقم ٨٢٤ .

(٤) مسند أحمد ١ | ٨١ مسند عمر بن الخطاب ، الرقم ٣٥٣ .

٦

*وجابر بن عبد الله فقد أخرج مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : ( كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث تمتّعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا قام عمر(١) قال : إنّ الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، وأبتّوا(٢) نكاح هذه النساء فلن أُوتى برجلٍ

نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة )(٣) .

*وعبد الله بن عمر فقد أخرج الترمذي : ( أنّ عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج فقال : هي حلال فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أأمر أبي يُتّبع أم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! فقال الرجل : بل أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لقد صنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٤) .

*وعمران بن حصين (٥) ـ وكان شديد الإنكار لذلك حتى في مرض موته ـ فقد أخرج مسلم : ( عن مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فاكتم عَنّي(٦) وإن مت فحدّث بها إن شئت إنّه قد سلّم عليّ واعلم أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________

(١) أي بأمر الخلافة .

(٢) أي : اقطعوا ، اتركوا .

(٣) صحيح مسلم ٣/٥٦ كتاب الحج باب في المتعة بالحج والعمرة ، الرقم ١٢١٧ وذيله .

(٤) سنن الترمذي ٢/٢٢٤ كتاب الحج باب ما جاء في التمتّع ، الرقم ٨٢٥ .

(٥) ذكر كل من ابن عبد البر في الاستيعاب ٣/٢٨٤ وابن حجر في الإصابة ٤/٥٨٤ أنّه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، بل نص ابن القيم في زاد المعاد على كونه أعظم من عثمان ، وذكروا أنّه كان يرى الملائكة وتسلّم عليه ، وهو ما أشار إليه في الحديث بقوله : ( قد سُلّم عليّ ) توفّي سنة ٥٢ بالبصرة .

(٦) لاحظ إلى أين بلغت التقيّة !! .

٧

قد جمع بين حجٍّ وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبيُّ الله فقال رجل برأيه فيها ما شاء )(١) .

قال النووي بشرح أخبار إنكاره : ( وهذه الروايات كلّها متّفقة على أنّ مراد عمران أنّ التمتّع بالعمرة إلى الحج جائز ، وكذلك القِران ، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطّاب منع التمتّع )(٢)

دفاع ابن تيمية ثمّ إقراره بالخطأ :

وذكر شيخ إسلامهم ابن تيمية في الدفاع عن عمر وجوهاً ، كقوله : ( إنّما كان مراد عمر أن يأمر بما هو أفضل ) واستشهد له بما رواه عن ابنه من أنّه ( كان عبد الله بن عمر يأمر بالمتعة ، فيقولون له : إنّ أباك نهى عنها فيقول : إنّ أبي لم يرد ما تقولون ( وحاصل كلامه ما صرح به في آخره حيث قال : ( فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار ، لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : ( أنا أحرمهما ) .

قلت : أمّا أنّ مراده كان الأمر بما هو أفضل ، فتأويل باطل ، وأمّا ما حكاه عن ابن عمر فتحريف لما ثبت عنه في الكتب المعتبرة ، وقال ابن كثير : ( كان ابنه عبد الله يخالفه فيقال له : إنّ أباك كان ينهى عنها ! فيقول : خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء ! قد فعل رسول الله ، أفسنّة رسول الله تُتّبع أم سنّة عمر بن الخطّاب ؟! )(٣) .

____________

(١) صحيح مسلم ٣/٧٠ ـ ٧١ كتاب الحج باب جواز التمتع ذيل ، الرقم ١٢٢٦ وفي الباب من صحيح البخاري ٢/٥٦٩ كتاب الحج باب التمتع ، الرقم ١٤٩٦ وسنن ابن ماجة ٤/٤٥٤ كتاب المناسك باب التمتع بالعمرة إلى الحج ، الرقم ٢٩٧٨ ، وهو عند أحمد في المسند ٥ | ٦٠٠ حديث عمران بن حصين ، الرقم ١٩٣٩٤ .

(٢) المنهاج ٨/١٦٨ .

(٣) تاريخ ابن كثير ٥ | ١٥٩ .

٨

والعمدة إنكاره قول عمر : ( وأنا أُحرّمهما ) وسنذكر جمعاً ممّن رواه ! .

هذا ، وكأنّ ابن تيمية يعلم بأن لا فائدة فيما تكلّفه في توجيه تحريم عمر والدفاع عنه ، فاضطرّ إلى أن يقول :

( فأهل السنّة متّفقون على أنّ كل واحد من الناس يؤخذ بقوله ويترك إلاّ رسول الله ، وإنّ عمر أخطأ ، فهم لا ينزّهون عن الإقرار على الخطأ إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

لكنّه ليس ( خطأ ) من عمر ، بل هو ( إحداث ) كما جاء في الحديث المتقدّم عن أبي موسى الأشعري وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ثم ليختلجنّ دوني ، فأقول :

يا ربّ أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! )(٢) .

ولقائلٍ أن يقول : إنّ الغرض الأصلي من التحريم هو إحياء سنّة الجاهلية ، فإنّهم ( كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض )(٣) .

قال البيهقي : ( والله ما أعمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر الشرك )(٤) .

ولذا صحّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا

____________

(١) منهاج السنّة ٤ | ١٨٢ ـ ١٨٣ .

(٢) أخرجه الحفاظ في باب الحوض منهم البخاري في الصحيح ٥/٢٤٠٥ كتاب الرقاق باب في الحوض ، الرقم ٦٢٠٥ .

(٣) أخرجه البخاري في الصحيح ٢/٥٦٧ كتاب الحج باب التمتع والإقران والإفراد بالحج ، الرقم ١٤٨٩ ومسلم في الصحيح ٣/٨١ ـ ٨٢ كتاب الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج ، الرقم ١٢٤٠ وغيرهما .

(٤) سنن البيهقي ٤ | ٥٦٣ كتاب الحج باب العمرة في أشهر الحج ، الرقم ٨٧٣٢

٩

رسول الله هي لنا أو للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد ) أخرجه أرباب الصحاح كافّة ، وعقد له البخاري في صحيحه باباً .

متعة النساء :

والبحث عن متعة النساء هو الموضوع الأصلي في هذه الرسالة ؛ لأنّهم ينسبون الحرمة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين ، دون متعة الحج .

وهي أن تزوِّج المرأة الحرّة الكاملة نفسها من الرجل المسلم بمهرٍ مسمّىً إلى أجلٍ مسمّىً ، فيقبل الرجل ذلك ، فهذا نكاح المتعة ، أو الزواج المؤقّت ، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر في النكاح الدائم ، من كون العقد جامعاً لجميع شرائط الصحّة ، وعدم وجود المانع من نسبٍ أو سببٍ وغيرهما ، ويجوز فيه الوكالة كما تجوز في الدائم ، ويلحق الولد بالأب كما يلحق به فيه ، وتترتّب عليه سائر الآثار المترتّبة على النكاح الدائم ، من الحرمة والمحرمية والعدّة ...

إلاّ أنّ الافتراق بينهما يكون لا بالطلاق ، بل بانقضاء المدّة أو هبتها من قبل الزوج ، وأنّ العدّة ـ إن لم تكن في سنّ اليأس الشرعي ـ قرءان إن كانت تحيض ، وإلاّ خمسة وأربعون يوماً وأنّه لا توارث بينهما ، ولا نفقة لها عليه وهذه أحكام دلّت عليها الأدلة الخاصة ، ولا تقتضي أن يكون متعة النساء شيئاً في مقابل النكاح مثل ملك اليمين .

ثبوتها بالكتاب والسنّة والإجماع :

وقد دلّ على مشروعيّة هذا النكاح وثبوته في الإسلام :

١ ـ الكتاب :

في قوله عزّ وجلّ :( فما استمتعتم به منهنّ ) (١) وقد روي عن

____________

(١) سورة النساء : ٢٤ .

١٠

جماعة من كبار الصحابة والتابعين ، المرجوع إليهم في قراءة القرآن وأحكامه ، التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، حتى أنّهم كانوا يقرأونها : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل ) ، وكانوا قد كتبوها كذلك في مصاحفهم ، فهي ـ حينئذ ـ نصّ في المتعة ، ومن هؤلاء :

عبد الله بن عباس ، وأُبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدّي ، وقتادة(١) .

بل ذكروا عن ابن عباس قوله : ( والله لأنزلها الله كذلك ـ ثلاث مرات ) .

وعنه وعن أُبي التصريح بكونها غير منسوخة .

بل نصّ القرطبي على أنّ دلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور ، وهذه عبارته : ( وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام )(٢) .

٢ ـ السنّة :

وفي السنّة أحاديث كثيرة دالّة على ذلك ، نكتفي منها بواحد ممّا أخرجه : البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، وغيرهم ، عن عبد الله بن مسعود قال :

( كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لنا نساء فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٣) .

____________

(١) راجع تفاسير : الطبري والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدرّ المنثور ، كلها بتفسير الآية ، وراجع أيضاً : أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ | ٢٠٨ ، سنن البيهقي ٧ | ٣٣٥ ، شرح مسلم ـ للنووي ـ ٩ | ١٥٣ المغني لابن قدامة ٧ | ٥٧١ .

(٢) تفسير القرطبي ٥ | ١٣٠ .

(٣) صحيح البخاري٥/١٩٥٣ كتاب النكاح باب ما يكره من التبتّل والخصاء ، الرقم ٤٧٨٧و٤/١٦٨٧ كتاب

=

١١

ولا يخفى ما يقصده ابن مسعود من قراءة الآية المذكورة بعد نقل الحديث ، فإنّه كان ممّن أنكر على مَن حرّم المتعة .

٣ ـ الإجماع :

فإنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّ ( المتعة ) نكاح نصّ على ذلك القرطبي ، وذكر طائفة من أحكامها ، حيث قال :

( لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق ) ثم نقل عن ابن عطية كيفيّة هذا النكاح وأحكامه(١) .

وكذا الطبري ، فنقل عن السدّي : ( هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجلٍ مسمّى )(٢) .

وعن ابن عبد البرّ في ( التمهيد ) : أجمعوا على أنّ المتعة نكاح ، لا إشهاد فيه ، وأنّه نكاح إلى أجلٍ يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما )(٣) .

تحريم عمر :

وكانت متعة النساء ـ كمتعة الحج ـ حتى وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزمن أبي بكر ، وفي شطر من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتى قال :

( متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ) وقد وردت قولته هذه في كتب الفقه والحديث والتفسير والكلام ، أنظر منها : تفسير الرازي

____________

=

التفسير ( تفسير سورة المائدة ) الرقم ٤٣٣٩ صحيح مسلم ٣/١٩٣ كتاب النكاح باب نكاح المتعة ، الرقم ١٤٠٤ مسند أحمد ١ | ٦٩٢ مسند عبد الله بن مسعود ، الرقم ٣٩٧٦ .

(١) تفسير القرطبي ٥ | ١٣٢ .

(٢) تفسير الطبري ٥/١٨ .

(٣) التمهيد ١١/١٠٢ .

١٢

٢ | ١٦٧ ، شرح معاني الآثار ٣٧٤ ، سنن البيهقي ٧ | ٢٠٦ ، بداية المجتهد ١ | ٣٤٦ ، المحلّى ٧ | ١٠٧ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ | ٢٧٩ ، شرح التجريد للقوشجي الأشعري ، تفسير القرطبي ٢ | ٣٧٠ ، المغني ٧ | ٥٢٧ ، زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ | ٢٠٥ ، الدرّ المنثور ٢ | ١٤١ ، كنز العمّال ٨ |٢٩٣ ، وفيات الأعيان ٥ | ١٩٧ .

ومنهم مَن نصّ على صحّته كالسرخسي ، ومنهم مَن نصّ على ثبوته كابن قيّم الجوزية وفي المحاضرات للراغب الأصبهاني : ( قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمَن اقتديت في جواز المتعة ؟ قال : بعمر بن الخطّاب فقال : كيف هذا وعمر كان أشد الناس فيها ؟! قال : لأنّ الخبر الصحيح قد أتى أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله أحلاّ لكم متعتين وإنّي أحرّمهما عليكم وأُعاقب عليهما ؛ فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه ) .

وفي بعض الروايات : أنّ النهي كان عن المتعتين وحيّ على خير العمل(١) .

وعن عطاء ، عن جابر بن عبد الله : ( استمتعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها فقالت : نعم قال : مَن أشهد ؟ قال عطاء : لا أدري قال : أُمّي أم وليها قال : فهلاّ غيرها ؟!

فذلك حين نهى عنها )(٢) .

ومثله أخبار أُخرى ، وفي بعضها التهديد بالرجم(٣) .

____________

(١) كذا في شرح التجريد للقوشجي ( مطاعن عمر ) : ٤٨٤ .

(٢) صحيح مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة ، ذيل الرقم ١٤٠٥ ، مسند أحمد ٤ |٢٣٧ ، مسند جابر بن عبد الله ، الرقم ١٣٨٥٦ ، سنن البيهقي ٧ | ٣٨٨ كتاب الصداق باب ما يجوز أن يكون مهراً ، الرقم ١٤٣٦٨ ، والقصّة هذه في المصنف لعبد الرزاق ٧ | ٤٩٧ باب المتعة ، الرقم ١٤٠٢١ .

(٣) بل عنه أنّه قال : ( لا أوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجلٍ إلاّ رجمته ولو أدركته ميتاً لرجمت قبره ) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٥ | ١٥٣ .

١٣

فالذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطّاب

وفي خبر : أنّ رجلاً قدم من الشام ، فمكث مع امرأة إلى ما شاء الله أن يمكث ، ثم إنّه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته ؟ قال : فعلته مع رسول الله ، ثم لم ينهانا عنه حتى قبضه الله ثم مع أبي بكر ، فلم ينهانا حتى قبضه الله ، ثم معك ، فلم تحدث لنا فيه نهياً فقال عمر : أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهيٍ لرجمتك )(١) .

ومن هنا ترى أنّه في جميع الأخبار ينسبون النهي إلى عمر ، يقولون : ( فلمّا كان عمر نهانا عنهما ) و ( نهى عنها عمر ) و ( قال رجل برأيه ما شاء ) ونحو ذلك ، ولو كان ثمّة نهي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان لنسبة النهي وما ترتّب عليه من الآثار الفاسدة إلى عمر وجه ، كما هو واضح وقد جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله : ( لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي )(٢) وعن ابن عباس : ( ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي )(٣) .

ومن هنا جعل تحريم المتعة من أوّليّات عمر بن الخطّاب(٤) .

بل إنّ عمر نفسه يقول : ( كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما ) فلا يخبر عن نهيٍ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب بل إنّه لم يكذب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت ، بل لما قال له : ( ثم معك

____________

(١) كنز العمّال ١٦ | ٢١٨ كتاب النكاح باب المتعة ، الرقم ٤٥٧١٨ .

(٢) المصنّف ـ لعبد الرزاق بن همام ـ ٧ | ٥٠٠ باب المتعة الرقم ١٤٠٢٩ ، تفسير الطبري ٥ | ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ | ٢٥١ ، تفسير الرازي ١٠ | ٥٢ .

(٣) تفسير القرطبي ٥ | ١٣٠ ومنهم مَن رواه بلفظ ( شفا ) أي قليل أنظر : النهاية ٢/٤٣٧ وتاج العروس ١٩/٥٧٨ وغيرهما من كتب اللغة .

(٤) تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ ١٣٧ .

١٤

فلم تحدث لنا فيه نهياً ) اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة ولا يخفى ما تدل عليه كلمة ( تحدث )

موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها :

ثم إنّه وإن تابع عمر في تحريمه بعض القوم كعبد الله بن الزبير ، لكن ثبت على القول بحليّة المتعة ـ تبعاً للقرآن والسنّة ـ أعلام الصحابة ، وعلى رأسهم مولانا أمير المؤمنين وأهل البيتعليهم‌السلام ... قال ابن حزم :

( وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من السلف ، منهم من الصحابة : أسماء بنت أبي بكر ، وجابر بن عبد الله ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ومعبد ابنا أُميّة بن خلف .

ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر ) .

قال : ( ومن التابعين : طاووس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله )(١) .

ولم يذكر ابن حزم عمران بن حصين وبعض الصحابة الآخرين : وذكر ذلك القرطبي وأضاف عن ابن عبد البر : ( أصحاب ابن عباس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس )(٢) .

ومن أشهر فقهاء مكّة المكرّمة القائلين بحليّة المتعة : عبد الملك بن عبد العزيز ،

____________

(١) المحلّى ٩ | ١٢٩ .

(٢) تفسير القرطبي ٥ | ١٣٣ .

١٥

المعروف بابن جريج المكّي ، المتوفّى سنة ١٤٩ هـ ، وهو من كبار الفقهاء وأعلام التابعين وثقات المحدّثين ومن رجال الصحيحين ، فقد ذكروا أنّه تزوّج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة .

وذكر ابن خلّكان أنّ المأمون أمر أيام خلافته أن ينادى بحليّة المتعة قال :

فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء ، فوجداه يستاك يقول ـ وهو متغيظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله ، وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما قال : ومَن أنت يا جعل حتى تنهى عمّا فعله رسول الله وأبو بكر ؟! فأراد محمد بن منصور أن يكلّمه ، فأومأ إليه أبو العيناء وقال : رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلّمه نحن ؟! ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوّفه من الفتنة ، ولم يزل به حتى صرف رأيه )(١) .

الأقوال في الدفاع عن عمر :

وجاء دور المدافعين والموجّهين الذين يتعبون أنفسهم في هذا السبيل كما هو شأنهم في كل قضية من هذا القبيل حيث الحكم ثابت بالكتاب والسنّة وبالضرورة من الدين والخليفة يخالف بكل صراحة حكم ربّ العالمين ...

لكنّهم اختلفوا إلى طوائف بين قائلٍ بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي حرّمها ، وقائل بأنّ عمر هو الذي حرّمها وقائل بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي نسخ حكم الإباحة ، لكن لم يعلم به إلاّ عمر !! .

أمّا القول الأخير فهو للفخر الرازي ، فقد قال : ( فلم يبق إلاّ أن يقال : كان مراده أنّ المتعة كانت مباحة في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________

(١) وفيات الأعيان ٦ | ١٤٩ ـ ١٥٠ بترجمة يحيى بن أكثم .

١٦

وأنا أنهى عنه لما ثبت عندي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخها )(١) .

وقال النووي بعد قولة عمر :

( محمول على أنّ الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ )(٢)

وأمّا القولان الأوّلان فقد ذكرهما ابن قيّم الجوزية(٣)

لكن اختلف أصحاب القول الأوّل في وقت تحريم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أقوال سبعة(٤) :

١ ـ أنّه يوم خيبر وهذا قول طائفة ، منهم الشافعي .

٢ ـ أنّه في عمرة القضاء .

٣ ـ أنّه عام فتح مكّة وهذا قول ابن عيينة وطائفة .

٤ ـ أنّه في أوطاس .

٥ ـ أنّه عام حنين قال ابن القيم : وهذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتصال غزاة حنين بالفتح

قلت : وسأذكر الحديث فيه .

٦ ـ أنّه عام تبوك : وسأذكر الحديث فيه .

٧ ـ أنّه عام حجّة الوداع .

قال ابن القيّم : ( وهو وهم من بعض الرواة ، سافر فيه وهمه من فتح مكّة إلى حجّة الوداع وسفر الوهم من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ،

____________

(١) تفسير الرازي ١٠/٥٦ .

(٢) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ٩ | ١٥٧ .

(٣) زاد المعاد ٢ | ١٨٤ ـ ١٨٥ وسنذكر عبارته .

(٤) ذكر منها ابن القيّم أربعة هي : خيبر ، الفتح ، حنين ، حجة الوداع ، انظر كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/١٨٣ ، والثلاثة الأُخرى من فتح الباري في شرح البخاري ٩ | ٢١٠ .

١٧

ومن واقعة إلى واقعة ، كثيراً ما يعرض للحفّاظ فمن دونهم )(١) .

وعمدة ما ذكره أصحاب القول الثاني في وجه تحريم ما أحلّه الله ورسوله ، وبقي الحكم كذلك حتى ذهاب رسول الله إلى ربّه ـ وقد تقرّر أن لا نسخ بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ هو : ( أنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون )(٢) .

فهذه هي الأقوال التي يستخلصها المتتبّع المنقّب من خلال كلماتهم المضطربة وأقوالهم المتعارضة

نقد القول بأنّ النسخ من النبي ولم يعلم به إلاّ عمر :

أمّا القول الثالث ـ وهو أنّ النسخ كان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، ولكن لم يعلم به غير عمر ـ فقد كان الأولى بإمامهم !! الفخر الرازي أن لا يتفوّه به ! إذ كيف يثبت النسخ عند عمر فقط ولا يثبت عند عليعليه‌السلام وجمهور الصحابة ؟! ولماذا خصّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعلم به دونهم ؟! وهلاّ أخبر هو عن هذا النسخ ـ الثابت عنده ! ـ حين قال له ناصحه ، وهو عمران بن سوادة : ( عابت أُمّتك منك أربعاً قال : وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله ، نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحلّها في زمان ضرورة ، ثم رجع الناس إلى السعة )(٣) .

ولماذا لم تقبل الأُمّة منه ذلك وبقي الخلاف حتى اليوم ؟! .

____________

(٢) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ | ١٨٣ .

(٣) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ | ١٨٤

١٨

نقد القول بأنّ التحريم من عمر ويجب اتّباعه :

قال ابن القيّم : ( فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله وأبي بكر ، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحج ؟ .

قيل : الناس في هذا طائفتان :

طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح ، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع ابن سبرة عن أبيه عن جدّه وقد تكلّم فيه ابن معين ولم ير البخاري

إخراج حديثه في صحيحه مع شدّة الحاجة إليه وكونه أصلاً من أُصول الإسلام ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود ، حتى يروي أنّهم فعلوها ويحتج بالآية .

وأيضاً : ولو صحّ لم يقل عمر إنّها كانت على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنها أعاقب عليها ، بل كان يقول إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّمها ونهى عنها قالوا : ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوّة حقّاً .

والطائفة الثانية رأت صحّة حديث سبرة ، ولو لم يصح فقد صحّ حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّم متعة النساء .

فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ، ولم

____________

(١) تاريخ الطبري ـ حوادث سنة ٢٣ هـ ، ٣/٢٩٠ .

١٩

يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر ، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر

وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها وبالله التوفيق )(١) .

أقول : فالقائلون بهذا القول يلتزمون بأنّ التحريم كان من عمر لا من الله ورسوله ، لكنّهم يوجّهون تحريم عمر ، بل ينسبونه إلى الله ورسوله باعتبار أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باتباع ما سنّه الخلفاء الراشدون .

هذا عمدة دليلهم فإذا لم يثبت ( أنّ رسول الله أمر باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون ) لم يبق مناص من الاعتراف بأنّ ما فعله عمر كان ( إحداثاً في الدين ) كما قال غير واحد من الصحابة !

إنّ قوله : ( وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء ) إشارة إلى ما يروونه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي وعضّوا عليها بالنواجذ ) !

لكنّ هذا الحديث من أحاديث ( الرسائل العشر ) هذه !! .

إنّه حديث باطل بجميع أسانيده وطرقه ، ولقد أفصح عن بطلانه بعض كبار الأئمّة كالحافظ ابن القطّان ، المتوفّى سنة ٦٢٨ هـ ، قال ابن حجر بترجمة عبد الرحمان السلمي : ( له في الكتب حديث واحد في الموعظة صحّحه الترمذي قلت : وابن حبّان والحاكم في المستدرك .

وزعم ابن القطّان الفاسي : أنّه لا يصح ، لجهالته )(٢) .

وقد ترجم لابن القطّان وأثنى عليه كبار العلماء(٣)

وبقي القول بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي حرّمها وقد عرفت أنّ

____________

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ | ١٨٤ ـ ١٨٥ .

(٢) تهذيب التهذيب ٦ | ٢١٥ .

(٣) أنظر : تذكرة الحفّاظ ٤ | ١٤٠٧ وطبقات الحفّاظ : ٤٩٨ .

٢٠