مفهوم التقية في الفكر الاسلامي

مفهوم التقية في الفكر الاسلامي0%

مفهوم التقية في الفكر الاسلامي مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 55

مفهوم التقية في الفكر الاسلامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد هاشم الموسوي
تصنيف: الصفحات: 55
المشاهدات: 5882
تحميل: 3452

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 55 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 5882 / تحميل: 3452
الحجم الحجم الحجم
مفهوم التقية في الفكر الاسلامي

مفهوم التقية في الفكر الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العسكريعليهما‌السلام من بعده أشد المعاناة من الحكام العباسيّين الذين عاصروهما.

ولنا أن نقرأ بعضاً من نصوص التاريخ في العهد العباسي لنعرف أساليب الاضطهاد والإرهاب الموجهة ضد أئمة أهل البيت فنفهم جانباً من حياة الاضطهاد والتعسف والإرهاب التي اضطرت أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم إلى الالتزام بالتقيّة في تلك المرحلة.

فقد وصف علي بن ابراهيم أحد أصحاب الإمام الحسن العسكري جانباً من تلك المعاناة بقوله: «اجتمعنا بالعسكر، وترصَّدنا لأبي محمدعليه‌السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه، ألا لا يُسلِّمَنَّ عليَّ أحد، ولا يُشر إليّ بيده، ولا يُومِئ؛ فإنكم لا تأمنون على أنفسكم»(1) .

____________________

(1) المصدر السابق 50: 269.

٤١

ورى أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود وقّاد حمام أبي محمدعليه‌السلام قال: دعاني سيدي أبو محمد، فدفع إليّ خشبة، كأنها رجل باب مدورة طويلة، ملء الكف، فقال: صِرْ بهذه الخشبة إلى العمري، فمضيت، فلمّا صرت إلى بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق، فناداني السّقاء: صح على البغل، فرفعت الخشبة التي كانت معي، فضربت البغل، فانشقّت، فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كُمي، فجعل السقاء يناديني ويشتمني، ويشتم صاحبي، فلما دنوت من الدار راجعاً، استقبلني عيسى الخادم عند الباب، فقال: يقول لك مولاي لِمَ ضربت البغل، وكسرت رجل الباب، فقلت له: يا سيدي، لَمْ أعلم ما في رجل الباب، فقال: ولِمَ احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن

٤٢

تعتذر منه، إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شاتماً فامض لسبيلك التي اُمرت بها، وإياك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرّفه من أنت، فاننا ببلد سوء، ومصر سوء، وامضِ في طريقك، فان أخبارك وأحوالك ترد الينا، فاعلم ذلك»(1) .

وروى محمد بن عبد العزيز البلخي، قال: «أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم، فذا بأبي محمدعليه‌السلام قد أقبل من منزله، يريد دار العامة، فقلت في نفسي: تُرى إن صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه يقتلوني؟ فلمّا دنا مني، أومأ بإصبعه السبابة على فيه: أن اسكت، ورأيته تلك الليلة يقول: إنما هو الكتمان أو القتل، فاتق الله على نفسك»(2) .

____________________

(1) ابن شهرآشوب / مناقب آل أبي طالب 4: 427 - 428.

(2) علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي / كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 218 - 219.

٤٣

ولعل من أهم الوثائق التاريخية المهمة التي تحكي مأساة آل البيت النبوي واضطهاد السلطات الأموية والعباسية لهم هو كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني الذي عاش ما بين (284 - 356 هجري) وقد بلغ حجم الكتاب (460) صفحة من القطع الكبير كرّسها للحديث عن محنة أهل البيت وثوراتهم وسجونهم وأساليب قتلهم. وفي هذا الكتاب تحدّث أبو الفرج سطوراً عن موقف المتوكل العباسي من آل البيت فقال: «وكان المتوكل(1) شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسيء الرأي فيهم، فحسّن له القبيح في معاملتهم،

____________________

(1) عاصر المتوكل العباسي الإمام علياً الهاديعليه‌السلام .

٤٤

فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العبّاس قبله، وكان من ذلك أن كرب قبر الحسينعليه‌السلام وعفّى آثاره ووضع على سائر الطرق مسالح له، لا يجدون أحداً زاره إلاّ أتوه به، فقتله أو أنهكه عقوبة... وكان قد بعث برجل من أصحابه يقال له الديزج، وكان يهودياً فأسلم، إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كل ما حوله، فمضى إلى ذلك وخرّب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكَّل به مسالح، بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلاّ أخذوه ووجهوا به إليه...

ثمّ قال: واستعمل على المدينة ومكّة عمر بن الفرج الرخّجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البرّ بهم، وكان لا يبلغه

٤٥

أن أحداً أبر أَحداً منهم بشيء، وإن قلّ، إلاّ أنهكه عقوبةً، وأثقله غرماً، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه، واحدةً بعد واحدة، ثمّ يرقّعنه، ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر، إلى أن قُتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم، وأحسن اليهم»(1) .

وتحدّث في مورد آخر عن إحدى حالات القتل والتعذيب التي مارسها أبو جعفر المنصور ضد آل علي بن أبي طالب فقال: «أتى بهم أبو جعفر فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقال: أنت الديباج الأصفر؟ قال: نعم.

قال: أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك، ثمّ أمر باسطوانة مبنية فَفُرِقَت، ثمّ

____________________

(1) أبو الفرج الاصفهاني / مقاتل الطالبيين: ص 470 - 478.

٤٦

أُدخلَ فيها، فبنيت عليه، وهو حي»(1) .

إنّ إلقاء نظرة تحليلية وقراءة موضوعية أمينة في تلك النصوص والعيّنات التاريخية التي لا تساوي إلاّ جزءاً يسيراً من سياسة الاضطهاد والتقتيل والسجون والإرهاب والتشريد والملاحقة التي مارسها الأمويون والعباسيون ضد أئمة هل البيت وأنصارهم والمتأثرين بتيارهم الفكري والسياسي، تكشف لنا بوضوح كامل لماذا التزم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم بالتقية، أو الكتمان وإخفاء الموقف الفكري والسياسي المعارض لسياسة السلطة ومتبنياتها.

ولعلنا ندرك بصورة أوضح موجبات التقية الفكرية والسياسية إذا تجاوزنا أحداث التاريخ الماضية وانتقلنا إلى المعارضة الفكرية والسياسية المعاصرة

____________________

(1) ابو الفرج الاصفهاني / مقاتل الطالبيين: ص 181.

٤٧

التي تخوضها الحركات الإسلامية المعارضة والتزامها بالسرّية والتنظيم السري، والتكتم على خططها ومتبنياتها لحماية نفسها من الظلم والتعسف، فما من حركة إسلامية معارضة على امتداد التاريخ الماضي منه والمعاصر تريد تغيير الأوضاع وإصلاح السلطة والمجتمع إلاّ وتتبنى التقية السياسية والتكتم على أفكارها المعارضة لمتبنيات السياسة الظالمة والمنحرفة عن منهج القرآن وسيرة النبوة الخالدة.

وذلك منطق العقل المتوافق مع حكم الشريعة وإقرارها لمبدأ التقية كما قرأنا في الكتاب والسنّة وآراء الفقهاء.

من ذلك كله نفهم أن التقية وسيلة دفاعية ضد الظلم والإرهاب، ومن أجل حماية الحق والحفاظ على الموقف الشرعي السليم.

٤٨

٤٩

التقية ومسؤولية الاصلاح

٥٠

قد يتبادر إلى أذهان البعض ممن لا يستوعب المفاهيم القرآنية وتنظيم الشريعة للعلاقة بين الأحكام والمواقف والأمر الواقع، أن التقية فكرة تحول المسلم إلى إنسان متعايش مع الأمر الواقع مع ما فيه من ظلم وفساد وانحراف، وأنها تربية تفرز الازدواجية واصطناع التوافق، فتقود إلى النفاق، والرضا بكل ما يحيط بها فتنصرف عن مواجهة الظلم ومحاربة الفساد والانحراف تحت ستار الخوف على المال والنفس والكرامة، غير أن هدف التقية هو معاكس لهذا الفهم تماماً، إذ هي شرعت لتمكّن

٥١

المسلم الذي يعيش في ظروف القهر والإرهاب الفكري وأجواء الانحراف المسلطة عليه بالقوة، شرعت لتمكنه من المقاومة والعمل على التغيير بشكل بعيد عن أعين القوى المتحكمة والمتسلطة، فمفهوم التقية، هو مفهوم التكتم والسرية في العمل السياسي والفكري الذي لا يروق للحكام المنحرفين والقوى المعادية للاتجاه السليم.

ومفهوم التقية لا يلغي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يتحول عمل الفرد والجماعة التي ترى الفساد السياسي والفكري ولا تستطيع الإعلان عن مواجهته، يتحول العمل عندها إلى عمل سري، وإعداد بعيد عن أنظار المتسلطين، فإذا توفرت القدرة على التغيير، تم الإعلان عن المواجهة المكشوفة والصراع الواضح لتغيير البناء السياسي والفكري والاجتماعي على أساس منهج القرآن

٥٢

ودعوته.

وعندما تكون التضحية بالمال والنفس مجدية للدفاع عن الحق وإقامة الإسلام، تجب التضحية عندئذٍ، ولا تقية في ذلك، فإن من أهداف الجهاد بالمال والفكر والنفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو مواجهة الأوضاع غير الطبيعية في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان المسلم، لذلك حرّم الفقة الإسلامي التعاون مع الحاكم الظالم الفاسق، إذ كان في هذا التعاون وتولّي الوظائف للسلطة هدم الإسلام وسفك للدماء، ولو كلف الإنسان دمه وماله.

لذلك جاء في قول الإمام الباقرعليه‌السلام : «فإذا بلغ الدم فلا تقية» أي أن من حق المسلم المضطهد والمكرَه أن يستجيب للأوضاع الاجتماعية، ولإرهاب السلطة ويتعاون معها في

٥٣

حدود دفع الضرر الأعظم عن نفسه بالموازنة بين أهون الضررين، فإذا نتج عن تجاوبه وتعاونه مع السلطة الـمُكْرهَةِ له سفك دماء الآخرين وهدم الإسلام، فلا يجاز له التعاون مع الطغاة والظلمة، ولو أدى رفضه إلى قتله وسفك دمه، ومصادرة أمواله.

وهكذا يتضح لنا من خلال التعريف بمفهوم التقية أنه تشريع إسلامي شُرِّع في عهد الدعوة، وفيه نص من الكتاب والسنة، وله دواعيه وموجبات العمل به في مسيرة الحياة البشرية مما دعا أئمة أهل البيت وحركتهم التغييرية إلى العمل بهذا المبدأ لمواجهة السياسة الظالمة والانحراف عن منهج القرآن وقيمه، وليس هو من مبتكرات الفكر الشيعي ولا من مختصاته كما قد يتصور البعض من الناس.

(وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين)

٥٤

الفهرس

تصدير7

تقديم 11

التقية في اللغة14

التقية في الاصطلاح 17

لماذا التقية32

التقية ومسؤولية الاصلاح 50

٥٥