شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم6%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296922 / تحميل: 13648
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شُبُهَات وردود

حول القرآن الكريم

تأليف: الأُستاذ محمّد هادي معرفة

تحقيق: مؤسّسة التمهيد - قم المقدّسة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى مُحمّدٍ وآله الطّاهرين

( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ )

وبعد، فقد صدق الله وَعدَه إذ قال: ( وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) .

كان القرآن مُنذ أوّل يومه ولا يزال موضع عناية ذوي الأحلام الراجحة، والنّفوس الطيّبة، مِن علماء ونُبهاء مُلئت بهم الآفاق، كما كان مطمحُ غواية ذوي الأحقاد الرّديئة والأنفس الخبيثة، لم ترعهم شاكلة القرآن الوضيئة، فطَفِقوا يناوئونه في محاولة مستمرّة لغرض الحطّ مِن كرامته الرّفيعة، أو النّقص من دعائمه القويمة وهيهات ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) .

وكان مِن مضاعفات تلكمُ المحاولات الفّاشلة، أنْ تراكمت هنّاك (في غياهب التيه) شُبُهاتٍ، هي ظلماتٌ بعضها فوق بعض ( وَمَن لّمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ) (٣) .

____________________

(١) فصّلت ٤١: ٤١ - ٤٢.                           (٢) التوبة ٩: ٣٢.

(٣) النور ٢٤: ٤٠.

٣

والشّبُهات حول القرآن - في قديمها أو الحديث مِنها - تتنوّع إلى أنحاء:

١ - مِنها ما يعود إلى التشكيك في كونه وحياً مباشريّاً، تلقّاه نبيُّ الإسلام من ملكوت أعلى، إمّا لعدم إمكانه؛ نظراً لعدم التّوائم بين عالمـَينِ أحدهما أعلى لطيف والآخر أسفل كثيف! وقد أجبنا على ذلك (١) بإمكان الاتّصال بالجانب الرّوحانيّ - حقيقة الإنسان الذاتيّة - مِن الإنسان، إذا كان قد بلغ الكمال واستعدّ روحيّاً للاتصال بالملأ الأعلى.

وإمّا لزعم أنّها مُلتقطات التقطها نبيُّ الإسلام من أفواه الرجال - أهل الكتاب -، كان يلتقي برجال من أهل الدّيانات المعروفة في جزيرة العرب، في رحلاته وأسفاره إلى مختلف البلاد، بل وفي مكّة والحجاز مِمَن آوى إليها من المعتنقين للمسيحيّة، وأبناء اليهود. ( قَالُوا أَسَاطِيرُ الأُوّلِينَ أكْتَبتَهَا فَهِيَ تُمْلَى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (٢) .

أضف إليه ما كان يَستلهم من صميم وعيه المـُطعّم بإيحاءات البيئة الّتي كان يعيشها، كان يَستوحيها من داخل ضميره عندما يختلي بنفسه في غار حِراء، فكان يَستصفي أحسنَ ما تلقّاه، ليُبديه وحْياً من الله، وقرآناً نازلاً من السماء.

هكذا فرضوا فيما زعموا من غير بُرهانٍ أتاهم وسنفصّل الكلام في ذلك.

٢ - ومنها زَعْمُ التأثّر بالبيئة وثقافات جاهليّة كانت ساطيةً حينذاك.

حسبوا أنّ في القرآن الشيء الكثير من رسوم وعادات بائدة، كانت قد تَعارفها العرب، وربّما البشريّة يومذاك، وقد خَضع لها القرآن في كثير مِن تعاليمه وبرامجه، والّتي منها ما يبدو غليظاً أو شديداً، أو متجافياً للحكمة ويتعافاه العقل الرشيد، فيما تقدّمت رَكْبُ البشريّة فيما بعد، وأخذوا من عقوبات الإسلام دليلاً على ذلك فيما وهموا!

٣ - ومنها ما حَسِبوه متهافتاً مِن إيهام التّناقض في القرآن، ولو كان مِن عند الله لم يوجد فيه هذا الاختلاف!، هكذا حسبوا حسابهم لا عن مُداقّة!

٤ - ومنها احتمال وجود اللحن في القرآن، إمّا تأريخيّاً أو أدبيّاً، أو متنافياً مع بداهة العلم، فيما توهّموا عِبر الخيال!

____________________

(١) في الجزء الأَوّل من التمهيد.                                    (٢) الفرقان ٢٥: ٥.

٤

٥ - ومنها احتمال التحريف في نصّه الكريم، والّذي يُذْهِب بحجيّته وإمكان الاستناد إليه، فيما حسبه أهل الظاهر المقلّدة، ممّن كانت تهمّهم الرواية وتُعوزهم الدراية!

إلى غير ذلك من تساويل شيطانيّة، حِيكت حول هذا الكتاب الإلهي العزيز الذي ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِه تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) . ومُنذ أمد غير قصير قُمنا بجمع تلك السفاسف والأقاويل، لنأتي عليها بما أوتينا من حول وقوّة ( مَا تَذَرُ مِن شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ ) (٢) وهو توفيق ربّاني نَحمده عليه.

ولننظر فيما سطّروه بهذا الصدد تِباعاً حسبَ الترتيب.

____________________

(١) فصّلت ٤١: ٤٢.                                  (٢) الذاريات ٥١: ٤٢.

٥

الباب الأول

هل للقرآن من مصادر؟

( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى )

سؤالٌ أثارته شاكلة المستشرقين الأجانب

لكنّه رجع قول قد قاله رجال من قبلهم:

( قَالُوا أَسَاطِيرُ الأُوّلِينَ أكَْتَبتَهَا فَهِيَ تُمْلَى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )

(الفرقان ٢٥: ٥)

٦

الوحي مصدر القرآن الوحيد!

( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى )

قال تعالى: ( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَى‏ * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى‏ * ثُمّ دَنَا فَتَدَلّى‏ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى‏ إِلَى‏ عَبْدِهِ مَا أَوْحَى‏ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى‏ * أَفَتُمارُونَهُ عَلَى‏ مَا يَرَى ) (١) .

كانت الدّلائل على أنّ القرآن كلّه - بلفظه ونَظمه ومحتواه جميعاً - كلام ربّ العالمين، وافرةً وظافرةً، وقد تكفّل عرضها مباحثُ الإعجاز القرآني باستيفاء وإحكام (٢) . كما وأصبحت سفاسف المعاكسين لذلك الاتّجاه الناصع، هباءً منثوراً تذروه عواصف الرياح.

والآن، فلنشهد تَجوالهم الحديث في هذا الميدان الرهيب:

وليُعلم أنّ عمدة مستند القول باستيحاء القرآن تعاليمه الدينيّة من زُبُر الأُوّلين، هو: تواجد التّوافق - نسبيّاً - بين شريعة الإسلام وشرائع سالفة.

لكن هذا لا يجدي نفعاً بعد اعترافنا بوحدة أصول الشرائع، وأنّها جميعاً مُستقاة مِن عينٍ واحدة: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى‏ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّه ِ ) (٣) .

____________________

(١) النجم ٥٣: ٤ - ٢١.                             (٢) قد استوفينا البحث عنها في التمهيد، ج ٤ و ٥ و ٦.

(٣) آل عمران ٣: ٦٤.

٧

هذا فضلاً عن وجود التّخالف الفاحش بين أكدار أحاطت بتلك الكتب على أثر التّحريف، وقداسةٍ زاكيةٍ حَظي بها القرآن الكريم، ولا يزال مصوناً في حراسته تعالى: ( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١)

هذا إجمال الكلام في ذلك ولنَخُض في تفصّيل الحديث:

كتب الكثير مِن الكتّاب المستشرقين عن نبيّ الإسلام والقرآن، حسب أساليبهم في التحقّيق عن سائر الأديان، حيثُ لا يرون لها صلة بوحي السماء، فكان من الطّبيعي في عرفهم، أنْ يلتمسوا من هنا وهناك مصادر، غذّت تلكمُ الشرائع في طول التّأريخ.

وحتّى مَن تظاهر مِنهم بالمسيحيّة يعتنقونها شكليّاً، وليس عن صدق عقيدة.

غير أنّ المسيحيّة - ولو شكليّاً - كانت من الدّوافع الحافزة للبغي على الإسلام، وللنّظر إليه نظرة سوء، وهذا ما يسمّى بالاستشراق الدِّيني الّذي قام به أبناء الفاتيكان، كان أَوّل روّاده من رجال الكنيسة وعلماء اللاّهوت، حيث ظلّوا المشرفين على هذه الحركة، والمـُسيّرين لها طوال القرنَينِ الأخيرَينِ، وكان الهدف من ذلك:

١ - الطعن في الإسلام وتشويه حقائقه.

٢ - حماية النّصارى من خطر الإسلام، بالحيلولة بينهم، وبين رؤية حقائقه الناصعة وآياته البيّنة اللاّئحة.

٣ - محاولة تنصّير المسلمين، ولا أقلّ من تضعّيف العقيدة في نفوسهم.

أضف إلى ذلك دوافع استعماريّة ثقافيّة وسياسيّة وتجاريّة، تحول دون خلوص مهنة الاستشراق - استطلاع تأريخ الثقافة الشرقيّة بسلام - ومِن ثَمّ فقد أُسيء بهم الظنّ، في كثير ما يبدونه من نظر.

جاء في قصّة الحضارة: وكان في بلاد العرب كثيرون من المسيحيّين، وكان منهم عدد قليلٌ في مكّة، وكان مُحمّد على صلة وثيقة بواحد منهم على الأقل، هو ورقة بن نوفل ابن عمّ خديجة، الّذي كان مُطّلعاً على كُتُب اليهود والمسيحيّين المقدّسة. وكثيراً مّا كان مُحمّد يزور المدينة، الّتي مات فيها والده عبد الله، ولعلّه قد التقى هناك ببعض اليهود وكانوا

____________________

(١) الحجر ١٥: ٩.

٨

كثيرين فيها. وتدلّ كثير من آيات القرآن على إعجابه بأخلاق المسيحيّين، وبما في دين اليهود من نزعة إلى التّوحيد، وبما عاد على المسيحيّة واليهوديّة من قوّة كبيرة؛ لأنّ لكلتيهما كتاباً مقدّساً تعتقد أنّه موحى من عند الله.

قال: ولعلّه قد بدا له أنّ ما يسود جزيرة العرب من شِرك، ومن عبادة للأوثان، ومن فساد خُلُقي، ومن حروب بين القبائل وتفكّك سياسي، نقول: لعلّه قد بدا له أنّ حالَ بلاد العرب إذا قورنت بما تأمر به المسيحيّة واليهوديّة حالٌ بدائيّة، لا تُشرِّف ساكنيها، ولهذا أحسّ بالحاجة إلى دينٍ جديد. ولعلّه أحسّ بالحاجة إلى دين يؤلّف بين هذه الجماعات المتباغضة المتعادية، ويَخلق منها أُمّةً قويّةً سليمةً، دينٌ يسموا بأخلاقهم عمّا أَلِفه البدو من شريعة العنف والانتقام، ولكنّه قائمٌ على أوامر مُنزَّلة لا يُنازع فيها إنسان. ولعلّ هذه الأفكار نفسها قد طافت بعقل غيره من الناس، فنحن نسمع عن قيام عدد من المتنبّئين في بلاد العرب في بداية القرن السابع، وقد تأثّر كثير من العرب بعقيدة المسيح المنتظر التي يؤمن بها اليهود، وكان هؤلاء أيضاً ينتظرون بفارغ الصّبر مجيء رسولٍ من عند الله. وكانت في البلاد شيعة من العرب تُدعى بالحنفيّة أبت أنْ تقرّ بالإلوهية لأصنام الكعبة، وقامت تنادي بإلهٍ واحد، يجب أنْ يكون البشر جميعاً عبيداً له، وأن يعبدوه راضين (هم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل)، كانوا قد أيقنوا أنّ ما هم عليه من الوثنيّة ليس بشيء، فتفرّقوا في البلاد يلتمسون الحنيفيّة دين إبراهيم (عليه السلام)...

وكان مُحمّد - كما كان كلّ داعٍ ناجح في دعوته - النّاطق بلسان أهل زمانه والمعبّر عن حاجاتهم وآمالهم... (١) .

ويقول الأسقف يوسف درّة الحدّاد: (٢) استفاد القرآن من مصادر شتّى أهمّها الكتاب المقدّس ولا سيّما كتاب موسى، وذلك بشهادة القرآن ذاته:

____________________

(١) ول ديورانت: قصّة الحضارة ج ١٣، ص ٢٣ و ٢٤، ترجمتها العربية.

(٢) مارس رتبة الكهنوتيّة في الكنيسة اللبنانيّة عام ١٩٣٩ م، ثُمّ انقطع زُهاء عشرين عاماً يبحث عن شؤون الإسلام والقرآن على أسلوبه الكهنوتي، حاول التقارن والتقارب بين القرآن وكُتب العهدَين، ليجعل الأخيرة منابع للقرآن ومصادره في كلّ ما ينسبه إلى وحي السماء. توفي سنة ١٩٧٩ م.

٩

( إِنّ هذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولَى‏ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (١) .

( أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى‏ * وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى‏ * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ‏ ) (٢) .

( وَإِنّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُن لَهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٣) .

قال: فآية مُحمّد الأُولى هي مطابقة قرآنه للكتب السابقة عليه. وآيته الثانية استشهاده بعلماء بني إسرائيل وشهادتهم له بصحّة هذه المطابقة. ولكن ما الصلة بين القرآن وكونه في زُبُر الأوّلين؟! هذا هو سرّ مُحمّد! فيكون مِن ثَمّ أنّه نزل في زُبُر الأوّلين بلُغة أعجميّة يجهلوها، ثُمّ وصل إلى مُحمّد بواسطة علماء بني إسرائيل، فأنذر به مُحمّد بلسان عربيّ مبين.

فأصل القرآن مُنزّلٌ في زُبُر الأوّلين، وهذا يوحي بصلة القرآن بمصدره الكتابيّ زُبُر الأوّلين، أي صُحفهم وكتبهم.

وأيضاً فإنّ شهادة علماء أهل الكتاب بصحّة ما في القرآن، لم تكن إلاّ؛ لأنّهم كانوا شركاء هذا الوحي المولود؛ ذلك لأنّ الوحي التّنزيليّ أمر شخصيّ لا يعرفه غير صاحبه فحسب.

والآية ( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى‏ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهذَا كِتَابٌ مُصَدّقٌ لّسَاناً عَرَبِيّاً ) (٤) فيها صراحة بأنّه تتلمذ لدى كتاب موسى وجعله في قالب لسان العرب، الأمر الّذي يجعل من القرآن نُسخة عربيّة مُترجمة عن الكتاب الإمام.

( كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (٥) التفصّيل هنا يعنى: النّقل من الأصل الأعجمي إلى العربي، فالقرآن موحى، والتفصّيل العربي للكتاب منزّل؛ لأنّ الأصل وحي منزّل... (٦) .

وعلى هذا الغِرار جرى كلّ من (تسدال) و (ماسيه) و(أندريه) و(لامنز) و(جولد تسيهر) و(نولديكه) (٧) إلى أنّ القرآن استفاد كثيراً مِن زُبُر الأوّلين، وحجّتهم في ذلك

____________________

(١) الأعلى ٨٧: ١٨ و ١٩.                            (٢) النجم ٥٣: ٣٦ - ٣٨.

(٣) الشعراء ٢٦: ١٩٦ و ١٩٧.                      (٤) الأحقاف ٤٦: ١٢.

(٥) فصّلت ٤١: ٣.

(٦) دروس قرآنيّة ليوسف درّة الحدّاد، ج ٢، ص ١٧٣ - ١٨٨ (القرآن والكتاب) بيئة القرآن الكتابيّة، فصل ١١ (هل للقرآن من مصادر؟) منشورات المكتبة البوليسيّة - لبنان ١٩٨٢م.

(٧) آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره لعمر رضوان، ج١، صفحات ٢٧٢ - ٢٩٠ و٣٣٥.

١٠

محضر التّشابه بين تعاليم القرآن وسائر الصّحف. فالقصص والحِكم في القرآن هي الّتي جاءت في كُتب اليهود، وكذا قضايا جاءت في الأناجيل وحتّى في تعاليم زرادشت والبرهميّة، في مثل حديث المعراج، ونعيم الآخرة والجحيم، والصراط والافتتاح بالبسملة، والصلوات الخمس وأمثالها مِن طُقُوس عباديّة وكذا مسألة شهادة كلّ نبيّ بالآتي بعده، كلّها مأخوذة من كتب سالفة كانت معهودة لدى العرب.

زعموا أنّ القرآن صورة تلموديّة، وصلت إلى نبيّ الإسلام عن طريق علماء اليهود، وسائر أهل الكتاب ممّن كانت لهم صلة قريبة بجزيرة العرب، فكان مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) يلتقي بهم قبل أنْ يُعلن نُبوّته، ويأخذ منهم الكثير من أُصول الشّريعة.

يقول (وِل ديورانت): وجديرٌ بالذكر أنّ الشّريعة الإسلاميّة لها شَبه بشريعة اليهود... ثُمّ جَعل يسرد قضايا مشتركة بين القرآن والعَهدَينِ ويَعدّ منها مسألة التوحيد والنبوّة، والإيمان والإنابة، ويوم الحساب والجنّة والنّار، زاعماً أنّها من تأثير اليهوديّة على دين الإسلام. وكذا كلمة التّوحيد - لا إله إلاّ اللّه - مأخوذة من كلمة إسرائيليّة: أَلا فاسمع يا إسرائيل وحدك، والبسمَلَة مأخوذة أيضاً من تلمود، ولفظة (الرحمان) معرّبة من (رحمانا) العِبريّة... إلى غيرها من تعابير جاءت في الإسلام مُنحدرة عن أصل يهودي، الأمر الّذي جعل البعض يتصوّر أنّ مُحمّداً كان عارفاً بمصادر يهوديّة وكانت هي مستقاه في تأليف القرآن... (١)

شرائع إبراهيميّة منحدِرة عن أصل واحد

نحن المسلمون نعتقد في الشرائع الإلهيّة أجمع أنّها مُنحدِرة عن أصلٍ واحد، ومُنبعِثة من مَنهل عَذبٍ فارد، تهدف جميعاً إلى كلمة التّوحيد وتوحّيد الكلمة، والإخلاص في العمل الصّالح والتحلّي بمكارم الأخلاق، من غير اختلافٍ في الجذور ولا في الفروع المتصاعدة. ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا

____________________

(١) - تاريخ التّمدّن (قصّة الحضارة) الفارسيّة، لمؤلّفه ول ديورانت، مجلّد ٤، ص٢٣٦ - ٢٣٨، عصر الإيمان، الفصل التاسع وراجع قصّة الحضارة، ج١٣، ص ٢٢، فيه إلمامة إلى ذلك.

١١

وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ... ) (١) .

إذنْ، فالدِّين واحد والشّريعة واحدة، والأحكام والتكاليف تهدف إلى غرضٍ واحد وهو كمال الإنسان، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) (٢) ، يعني: أنّ الدِّين كلّه - من آدم فإلى الخاتم - هو الإسلام أي التسلّيم للّه والإخلاص في عبادته محضاً.

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٣) .

الإسلام هو الدّين الشّامل، فمَن حاد عنه فقد حاد عن الجادّة الوسطى، وضلّ الطريق في نهاية المسير، وهكذا تأدّب المسلمون بالإيمان بجميع الأنبياء من غير ما فارق: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٤) .

وهذا منطق القرآن يدعو إلى كلمة التّوحيد وتوحيد الكلمة وأنّ لا تفرقة بين الأديان مادام التّسليم للّه ربّ العالمين؛ وبذلك يكون الاهتداء والاتحاد، وفي غيره الضّلال والشّقاق، ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) (٥) .

وفي ذلك ردّ وتشنّيع بشأن اليهود والنصارى، أولئك الّذين يَدعُون إلى الحياد والانحياز ( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ) (٦) ، أي قالت اليهود كونوا منحازين على اليهوديّة لا غيرها حتى تهتدوا! وقالت النصارى كونوا حياداً على النّصرانيّة لا غيرها حتى تهتدوا!

والقرآن يردّ عليهم جميعاً، ويدعو إلى الالتفاف حول الحنيفيّة الإبراهيميّة: ( قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٧) ، ( صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) (٨) .

نعم، صِبغة اللّه شاملة وكافلة للإسعاد بالبشريّة جمعاء، الأمر الذي يعتنقه المسلمون أجمع، والحمد للّه.

____________________

(١) الشورى ٤٢: ١٣.                                  (٢) آل عمران ٣: ١٩.

(٣) آل عمران ٣: ٨٥.                                  (٤) البقرة ٢: ١٣٦.

(٥) البقرة ٢: ١٣٧.                                     (٦) البقرة ٢: ١٣٥.

(٧) البقرة ٢: ١٣٥.                                     (٨) البقرة ٢: ١٣٨.

١٢

وحدة المنشأ هو السّبب للتّوافق على المنهج

وبعد، فإنّ ائتلاف الأديان السماويّة واتّحاد كلمتها، لابدّ أنْ يكون عن سببٍ معقول، وهذا يحتمل أحد وجوهٍ ثلاثة:

١ - إمّا لوحدة المنشأ؛ حيثُ الجميع منبعث مِن أصلٍ واحد، فكان التّشابه في الفروع المتصاعدة طبيعيّاً.

٢ - أو لأنّ البعض مُتّخذٌ من البعض، فكان التّشاكل نتيجة ذاك التّبادل يداً بيد.

٣ - أو جاء التّماثل عن مصادفةٍ اتفاقيّة وليس عن علّةٍ حكيمة.

ولا شكّ أنّ الأخير مرفوض بعد مُضادّة الصّدفة مع الحِكمة السّاطية في عالم التدبّير.

بقي الوجهان الأوّلان، فلنتساءل القوم: ما بالهم تغافلوا عن الوجه الأَوّل الرّصين، وتواكبوا جميعاً على الوجه الهجين؟! إنّ هذا لشيءٌ مُريب!

هذا، والشّواهد متضافرة، تدعم الشقّة الأُولى لتهدم الأُخرى من أساس:

أوّلاً: صراحة القرآن نفسه بأنّه مُوحى إلى نبيّ الإسلام وحياً مباشريّاً، نزل عليه ليكون للعالمين نذيراً، فكيف الاستشهاد بالقرآن لإثبات خلافه؟! إنّ هذا إلاّ تناقضٌ في الفهم، واجتهاد في مقابلة النصّ الصريح!

ثانياً: معارف فخيمة قدّمها القرآن إلى البشريّة، بحثاً وراء فلسفة الوجود ومعرفة الإنسان ذاته، لم يَكد يدانيها أيّة فكرة عن الحياة كانت البشريّة قد وصل إليها لحدّ ذاك العهد، فكيف بالهزائل الممسوخة الّتي شُحنت بها كُتب العهدَينِ؟!

ثالثاً: تعاليم راقية عرضها القرآن لا تتجانس مع ضآلة الأساطير المـُسطَّرة في كتب العهدَينِ، وهل يكون ذاك الرفيع مستقىً من هذا الوضيع؟!

إلى غيرها من دلائل سوف يوافيك تفصّيلها.

١٣

القرآن يشهد بأنّه مُوحى

وأمّا إنْ كنّا نستنطق القرآن، فإنّه يشهد بكونه مُوحى إلى نبيّ الإسلام مُحمّد (صلّى اللّه عليه وآله)، كما أُوحي إلى النبيّين من قبله: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) (١) .

( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (٢) .

والآيات بهذا الشأن كثيرة ناطقة صريحاً بكون القرآن إلى نبيّ الإسلام وحياً مباشريّاً؛ لينذر قومه ومَن بلغ كافّة.

أمّا أنّه (صلّى اللّه عليه وآله) تلقّاه (التقطه) من كُتب السالفِينَ وتعلّمه من علماء بني إسرائيل فهذا شيءٌ غريب، يأباه نسج القرآن الحكيم.

القرآن في زُبُر الأوّلين

وأمّا ما تذرّع به صاحبنا الأسقف درّة، فملامح الوهن عليّه بادية بوضوح:

قوله تعالى: ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) (٣) .

هذا إشارة إلى نصائح تقدّمت الآية ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) ، وذلك تأكيدٌ على أنّ ما جاء به مُحمّد (صلّى اللّه عليه وآله)، لم يكن بِدعاً ممّا جاء به سائر الرسل ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ) (٤) ، فليس الّذي جاء به نبيّ الإسلام جديداً لا سابقة له في رسالات اللّه، الأمر الّذي يستدعيه طبيعة وحي السماء

____________________

(١) - النساء ٤: ١٦٣ - ١٦٦.

(٢) - الأنعام ٦: ١٩.

(٣) - الأعلى ٨٧: ١٨ و١٩.

(٤) - الأحقاف ٤٦: ٩.

١٤

العامّ وفي كلّ الأدوار، مِن آدم فإلى الخاتم، فإنّ شريعة اللّه واحدة، لا يختلف بعضها عن بعض، فالإشارة راجعة إلى محتويات الكتاب، توالى نزولها حسب توالي بعثة الأنبياء، فالنّصائح والإرشادات تكرّرت مع تكرّر الأجيال، هذا ما تعنيه الآية لا ما زعمه صاحبنا الأسقف!

وهكذا قوله تعالى: ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) (١) .

يعود الضمير إلى مَن وقف في وجه الدّعوة مُستهزِئاً، بأنْ سوف يتحمّل آثام الآخرين، إنْ لم يؤمنوا بهذا الحديث، فيردّ عليهم القرآن: ألم يبلغهم أنّ كلّ إنسان سوف يُكافىء حسب عمله، ولا تزرُ وازرةٌ وِزر أُخرى؟ فإنْ لم يَعيروا القرآن اهتماماً فليَعيروا اهتمامهم لما جاء في الصُحُف الأُولى، وَهلاّ بلغهم ذلك وقد شاع وذاع خبره منذ حين؟!، وهكذا سائر الآيات تَروم هذا المعنى لا غير!

( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (٢)

وآية أُخرى على صدق الدعوة المـُحمّديّة: أنّ الراسخين في العلم من أهل الكتاب، يشهدون بصدقها ممّا عرفوا من الحقّ:

( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ (أي من أهل الكتاب) وَالْمُؤْمِنُونَ (أي من أهل الإسلام) يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك ) (٣) .

( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (٤) ، وهؤلاء هم القساوسة والرّهبان الّذين لا يستكبرون؛ ومِن ثَمَّ فهم خاضعون للحقّ أين وجدوه، وبالفعل فقد وجدوه في حظيرة الإسلام.

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ (أيّها الكافرون بالقرآن) وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (ممّن آمن برسالة الإسلام) عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) (٥) .

____________________

(١) النجم ٥٣: ٣٦ و٣٧.

(٢) الشعراء ٢٦: ١٩٧.

(٣) النساء ٤: ١٦٢.

(٤) المائدة ٥: ٨٣.

(٥) الأحقاف ٤٦: ١٠.

١٥

الضمير في قوله (على مثله) يعود إلى القرآن، يعني: أنّ مِنْ علماء بني إسرائيل مَن يشهد بأنّ تعاليم القرآن تماماً مثل تعاليم التّوراة الّتي أنزلها اللّه على موسى؛ ولذا آمن به لِما قد لَمس فيه من الحقّ المتطابق مع شريعة اللّه في الغابرين.

وكثير من علماء أهل الكتاب آمنوا بصدق رسالة الإسلام فور بُلوغ الدعوة إليّهم؛ حيث وجدوا ضالّتهم المنشودة في القرآن فآمنوا به، فكانت شهادة عمليّة إلى جنب تصرّيحهم بذلك علناً على الملأ من بني إسرائيل.

وهذا هو معنى شهادة علماء بني إسرائيل بصدق الدعوة، حيث وجدوها متطابقة مع معايير الحقّ الّذي عندهم، لا ما حسبه صاحبنا الأسقف بعد أربعة عشر قَرناً أنّه مقتبسٌ من كتبهم ومُتلقّى من أفواههم هم!! الأمر الّذي لم يقله أولئك الأنجاب وقد أنصفوا الحقّ الصريح! ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) (١) ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ) (٢) .

وهذه المعرفة ناشئة عن لمس الحقيقة في الدعوة ذاتها، وِفقاً لمعايير وافتهم على أيدي الرُسل من قبلُ، وقد لمسها أمثال صاحبنا الأُسقف اليوم أيضاً ولكن ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) (٣) كالذين من قبلهم ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٤) ممّن حاول إخفاء الحقيقة - قديماً وحديثاً - فضلّوا وأضلّوا وما كانوا مُهتدين.

مقارنة عابرة بين القرآن وكُتب سالفة مُحرّفة

معارف فخيمة امتاز بها الإسلام

والآن، فلنقارن - شيئاً - بين ما جاء في القرآن من معارف وتعاليم، كانت في قمّة الشّموخ والعَظمة، وبين ما ذكرته سائر الكُتب، أو بلغتها الفكرة البشريّة في قصورٍ بالغ، وليكون برهاناً قاطعاً على أنّ هذا الهزيل، لا يصلح لأنْ يكون مستنداً لذلك الفخيم!

____________________

(١) الأنعام ٦: ١١٤.

(٢) الأنعام ٦: ٢٠.

(٣) النمل ٢٧: ١٤.

(٤) البقرة ٢: ٨٩.

١٦

جلائل صفات اللّه في القرآن

جاء وصفه تعالى في القرآن ما يَفوق الفكر البشري آنذاك، بلْ ولولا القرآن لما تسنّى للبشريّة أنْ تبلغه على مدى الزمان. حيث أدقّ الوصف ما وصف الله نفسه في كلامه العزيز (القرآن الكريم وليس في غيره إطلاقاً).

جاء في سورة الحشر: ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) .

وفي سورة التوحيد: ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (٢) .

وفي سورة الرعد: ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) (٣) .

وفي سورة الشورى: ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٤) .

وفي سورة البقرة: ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٥) .

إلى غيرها مِن جلائل صفات زَخَر بها القرآن الكريم، واختلى عنها سائر الكتب، اللّهمّ إلاّ النَزر اليسير، فيا تُرى هل يصلح أنْ يكون هذا النَزر اليسير منشأ لذلك الجمّ الغفير؟!

وكلّ واحدة من هذه الصفات تنمّ عن حقيقة ملحوظة في الذات المقدّسة هي منشأ

____________________

(١) الحشر ٥٩: ٢٤ - ٢٢.

(٢) الإخلاص ١١٢.

(٣) الرعد ١٣: ٩.

(٤) الشورى ٤٢: ١١ و ١٢.

(٥) البقرة ٢: ٢٥٥.

١٧

لآثار وبركات فاضت بها سلسلة الوجود، وقد شرحها العلماء الأكابر مِلء موسوعات كبار.

وصْفُه تعالى كما في التوراة

وأدنى مراجعة لكُتب العهدَينِ تكفي للإشراف على مدى الوهن في وصفه تعالى، بما يجعله في مرتبة أخسّ مخلوق، ويتصرّف تصرّفات لا تليق بساحة قُدسه الرفيع.

تلك قصّة بدء الخليقة جاءت في سِفر التكوين مشوّهة شائنة: تجد الإله الخالق المتعالي هناك، إلهاً يخشى منافسة مخلوقٍ له، فيُدبّر له المكائد في خداعٍ فاضح.

جاء فيها: إنّ الرّبّ الإله لمـّا أسكن آدم وزوجه حوّاء في جنّة عدن، رخّص لهما الأكل من جميع شجر الجنّة، وأمّا شجرة معرفة الخير والشرّ فلا يأكُلا منها، وماكرهما في ذلك قائلاً: (لأنّك - خطاباً لآدم - يوم تأكل منها موتاً تموت) (١) .

وهي كِذبة حاول خداعهما بذلك؛ لئلاّ يُصبحا عارفَينِ كالإله ويُنافسا سلطانه، الأمر الّذي صادَقَهما فيه إبليس وقال لهما: (لن تموتا، بل الله عالم أنّه يوم تأكلان منه، تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشرّ)! (٢)

وحينما أكلا منها تبيّن صدق إبليس وكذب الإله - وحاشاه -، فانفتحت أعينهما وشَعرا بأنّهما عُريانان، فجعلا يَخيطان لأنفسهما مآزر من ورق التّين.

وفي هذا الأثناء جاء الإله يتمشّى بأرجله في الجنّة، إذ سمعا الصوت فاختبآ وراء شجرة؛ لئلاّ يُفتضح أمرهما، وناداهما الربّ: أين أنتما؟ فقال آدم: ها نحن هنا فخشيت لأنّي عريان فاختبأت!

فهنا عرف الربّ أنّهما أكلا من الشجرة، وأصبحا عارفين للخير والشرّ فقال: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا، والآن لعلّه يمدّ يده، ويتناول من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد، فطردهما مِن الجنّة وأقام حرساً عليها لئلاّ يقربا منها.

____________________

(١) سِفر التكوين، إصحاح ٢ / ١٧.

(٢) المصدر: ٣ / ٤ و ٥.

١٨

هكذا إله التوراة يخشى منافسة مخلوق صنعه بيده، فيُماكر و يُخاتل كي يصرفه عنها، ويجهل ويكذِّب كِذبةً عارمةً، افتُضِحت لفورها على يد إبليس، منافسه الآخر! الأمر الذي يشفّ عن عجز وضَعف، مضافاً إلى الوهن في التّدبير والعياذ بالله!

* * *

هذا، والقرآن يعلّل المنع (من تناول الشّجرة) بشقاءٍ (عناء في الحياة) سوف ينتظرهما لو أكلا منها، منعاً إرشاديّاً لصالح أنفسهما: ( فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) (١) ، أي تقع في مَشاقّ الحياة بعد هذا الرّغد في العيش الهنيء.

وإبليس هو الذي ماكَرَهما وكَذّب كِذبته الفاضحة: ( قَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) (٢) .

فالّذي كذّب وافتضح هو إبليس، كما جاء في القرآن، على عكس ما جاء في التوراة!

وفارقٌ آخر: كان آدم وحوّاء متلبّسين بلباس يستر سوءاتهما، قبل أنْ يَغويهما الشيطان، لينزع عنهما لباسهما ويريهما سوءاتهما (٣) .

وهذا على عكس التّوراة (المـُصطنعة) تفرضهما عُريانَينِ من غير شُعور بالعَراء، حتّى إذا ذاقا الشجرة، فعند ذلك شعرا بالعَراء وحاولا التستّر بورق الجنّة.

فكان الله قد خلقهما عُريانين من غير أنْ يشعرا بالخجل والحياء كسائر الحيوان، فجاء إبليس ليخرجهما من العَمَه إلى العقل الرشيد!

وفارق ثالث: القرآن يُمجّد الإله برحمته الواسعة على العباد، وحتّى الذين أسرفوا على أنفسهم أنْ لا يقنطوا من رحمة الله ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٤) .

وبالفعل فقد تاب الله على آدم واجتباه، مع ما فَرَط منه من النسيان ومخالفة وصيّة الله ( ثُمَّ

____________________

(١) طه ٢٠: ١١٧.

(٢) الأعراف ٧: ٢٠ - ٢٢.

(٣) إشارة إلى الآية ٢٧ من سورة الأعراف.

(٤) الزمر ٣٩: ٥٣.

١٩

اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) ، (١) ووعده الرّحمة المتواصلة، والعناية الشاملة طول حياته، وحياة ذراريه في الأرض ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) .

وهذا يُعطي امتداد بركات الله على أهل الأرض أبداً، على خلاف ما ذكرته التوراة بامتداد سخطه تعالى على آدم، وجَعْل الأرض ملعونة عليّه، وعلى زوجه وذراريهما عِبر الحياة أبداً (ملعونةٌ الأرض بسببك) (٣) .

نعم كان الإله - حسب وصف القرآن - غفوراً ودوداً رؤوفاً بعباده، وحسب وصف التوراة: حقوداً عنوداً شديد الانتقام!

فأين ذاك التوافق المزعوم، ليجعل مصطنعات اليهود أصلاً تفرّع منه القرآن؟!

الله يصول ويجول ضدّ بني آدم

ومسرحاً آخر تُرينا التوراة كيف حشّد الإله الربّ، جموعه لمكافحة بني آدم: فرّق شملهم وبلبل ألسنتهم، فلا يجتمعوا ولا يَتوازروا، ولا يتعارف بعضهم إلى بعض، ولا يتعاونوا في حياتهم الاجتماعيّة... لماذا؟؛ لأنّه كان - وحاشاه - يخاف سَطوتهم فيثوروا ضدّ مطامع الإله!!

جاء في سِفر التّكوين: كان بنو الإنسان على لسانٍ واحد متفرّقين على وجه الأرض، فحاولوا التجمّع وبناء مدينة في أرض شنعار - بين دجلة والفرات من أرض العراق - (٤) فنزل الربّ لينظر بناء المدينة والبرج - برج بابل - ولكن هابه ذلك وخاف سطوتهم، فعَمد إلى تدمّير المدينة وتفرّيق الألسن، فلا يستطيع أحدهم أن يجتمع مع الآخر ليتفاوض معه، فبدّدهم الربّ من هناك على وجه الأرض ومنعهم من البنيان (٥) .

____________________

(١) طه ٢٠: ١٢٢.

(٢) البقرة ٢: ٣٨.

(٣) سِفر التكوين، إصحاح ٣ / ١٧.

(٤) عرفت باسم بابل عاصمة الكلدانيّين ممّا يلي الحلّة الفيحاء.

(٥) سِفر التكوين، إصحاح ١١.

٢٠

قوله :( نحن ) : هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم ، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها ، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ؛ لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت ، وقيل ضمت ؛ لان موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و( مصلحون ) خبره .

قوله تعالى :( ألا ) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب ، وقيل معناها حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهذا في غاية البعد .

قوله :( هم المفسدون ) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن ، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ؛ لان الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .

قوله تعالى :( وإذا قيل لهم آمنوا ) القائم مقام المفعول هو القول ، ويفسره آمنوا ؛ لان الامر والنهى قول .

قوله :( كما آمن الناس ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف : أى إيمانا مثل إيمان الناس ، ومثله ـ كما آمن السفهاء ـ .

قوله :( السفهاء ألا إنهم ) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه : أحدها تحقيقهما وهو الاصل ، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى ، والثالث تليين الاولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية ، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو ، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ؛ لان ذلك تقريب من الالف ، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة ، وأجازه قوم .

قوله تعالى :( لقوا الذين آمنوا ) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحركت القاف بالضم تبعا للواو ، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت ، وقرأ ابن السميقع : لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة " .

٢١

قوله :( خلوا إلى ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة ، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة .

قوله :( إنا معكم ) الاصل : إننا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خففت ، كقوله تعالى : " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ، أى كائنون معكم .

قوله تعالى :( مستهزء‌ون ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك : يرمون ، ويضم الزاى ، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم " .

قوله تعالى :( يعمهون ) هو حال من الهاء والميم في يمدهم ، وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا ، وإن شئت بيعمهون ، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم ؛ لان العامل الواحد لا يعمل في حالين .

قوله تعالى :( اشتروا الضلالة ) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو .

فإن قلت : فالواو هنا متحركة .

قيل : حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة ، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان ، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله : لو استطعنا ، وقيل ضمت ؛ لان الضمة هنا أخف من الكسرة ؛ لانها من جنس الواو ، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت ؛ لانها ضمير فاعل ، فهى مثل التاء في قمت ، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن ، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو : أثؤب ، ومنهم من يفتحها للتخفيف ، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين ، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين ، وهو ضعيف ؛ لان قبلها فتحة ، والفتحة لا تدل عليها .

٢٢

قوله تعالى :( مثلهم كمثل ) ابتداء وخبر ، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ .

قوله :( الذى استوقد ) الذى هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده ، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان : أحدهما هو جنس مثل : من وما : فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع ، والثانى أنه أراد الذين ، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله :

" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال : أولئك هم المتقون ، واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقر بمعنى قر ، وقيل استوقد استدعى الايقاد .

قوله تعالى : ( فلما أضاء‌ت ) لما هنا اسم ، وهى ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى ، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل : إذا ، وأضاء‌ت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به ، وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاء‌ت النار وأضاء‌ت بمعنى ، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا ، وفى " ما " ثلاثة أوجه : أحدها هى بمعنى الذى ، والثانى هى نكرة موصوفة ، أى مكانا حوله ، والثالث هى زائدة .

قوله :( ذهب الله بنورهم ) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له ، والتقدير أذهب الله نورهم ، ومثله في القرآن كثير ، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد ، أى ذهبت ومعى زيد .

قوله تعالى :( وتركهم في ظلمات ) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ؛ لان المعنى صيرهم ، وليس المراد به الترك هو الاهمال ، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات ، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا ، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى ، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الاول .

قوله تعالى :( صم بكم ) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف : أى هم صم ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون .

٢٣

قوله تعالى :( فهم لا يرجعون ) جملة مستأنفة ، وقيل موضعها حال وهو خطأ ؛ لان ما بعد الفاء لا يكون حالا ؛ لان الفاء ترتب ، والاحوال لا ترتيب فيها ، ويرجعون فعل لازم ، أى لا ينتهون عن باطلهم ، أو لايرجعون إلى الحق ، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره : فهم لايردون جوابا ، مثل قوله :" إنه على رجعه لقادر " .

قوله تعالى :( أو كصيب ) في " أو " أربعة أوجه : أحدها أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب ، كقوله : " إلى مائة ألف أو يزيدون " : أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم ، والثانى أنها للتخيير : أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم ، والثالث أنها للاباحة ، والرابع أنها للابهام ، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيب ، ومثله قوله تعالى " كونوا هوداأو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى ، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو ، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله: " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره : أو مثلهم كمثل صيب ، وفى الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيب ، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون ، والمعنى على ذلك ؛ لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر ، وأصل صيب : صيوب على فيعل ، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها ، ومثله: مين وهين ، وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل ، وهو خطأ ؛ لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل( من السماء ) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب ؛ لان التقدير : كمطر صيب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ، ومن لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف : أى كصيب كائن من السماء ، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، ونظائره تقاس عليه ( فيه ظلمات ) الهاء تعود على صيب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ؛ لانه قد قوى بكونه صفة لصيب ، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير ، والجملة في موضع جر صفة لصيب ، والجمهور على ضم اللام ، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام ، والرعد مصدر رعد يرعد ، والبرق مصدر أيضا ، وهما على ذلك موحدتان هنا ، ويجوز أن يكون الرعد

٢٤

والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم : رجل عدل وصوم( يجعلون ) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب ، وأن يكون مستأنفا ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد ؛ لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعده من الشذوذ ( من الصواعق ) أى من صوت الصواعق( حذر الموت ) مفعول له ، وقيل مصدر : أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به( محيط ) إصله محوط ؛ لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء .

قوله تعالى :( يكاد ) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها ، ولذلك لم تدخل عليه أن ؛ لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو ، والاصل : يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه ، كدت بضم الكاف ، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا ، ولكنه قارب الوقوع ، وموضع( يخطف ) نصب ؛ لانه خبر كاد ، والمعنى : قارب البرق خطف الابصار ، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى :( إلا من خطف الخطفة ) وفيه قراء‌ات شاذة : إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء ، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والاصل : يختطف ، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء ، والثالثة كذلك ، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل ، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع ، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا ، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين ( كلما ) هى هنا ظرف ، وكذلك كل موضع كان لها جواب ، و " ما " مصدرية ، والزمان محذوف أى كل وقت إضاء‌ة ، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت ، والعائد محذوف : أى كل وقت أضاء لهم فيه ، والعامل في كل جوابها ، و( فيه ) أى في ضوئه والمعنى بضوئه ، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها ، والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء( شاء ) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره : شئت شيئا ، وقالوا : أشأته أى حملته على أن يشاء( لذهب بسمعهم ) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به ، وعلى كل متعلق ب‍( قدير ) في موضع نصب .

٢٥

قوله تعالى :( ياأيها الناس ) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام ، وبنيت ؛ لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه ؛ لان الاصل أن تباشر " يا " الناس ، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه ؛ لانه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء ، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز : يازيد الظريف ، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لايلزم ذكرها( من قبلكم ) من هنا لابتداء الغاية في الزمان ، والتقدير : والذين خلقهم من قبل خلقكم ، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه( لعلكم ) متعلق في المعنى باعبدوا ، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى ، والاصل توتقيون ، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره ، فوزنه الآن تفتعون .

قوله تعالى : ( الذى جعل ) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعنى ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذى ، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض ، وفراشا حال ، ومثله : والسماء بناء ، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين ، وهما الارض وفراشا ومثله : والسماء بناء ، ولكم متعلق بجعل ، أى لاجلكم( من السماء ) متعلق بأنزل ، وهى لابتداء غاية المكان ، ويجوز أن يكون حالا ، والتقدير : ماء كائنا من السماء ، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف ، والاصل في ماء موه لقولهم : ماهت الركية تموه ، وفى الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس ( من الثمرات ) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و( لكم ) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر( فلا تجعلوا ) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين ، والانداد جمع ند ونديد ( وأنتم تعلمون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال ، ومفعول تعلمون محذوف ، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى .

٢٦

قوله تعالى :( وإن كنتم ) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول : أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك ، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ، إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لاتدل على حدث( مما نزلنا ) في موضع جر صفة لريب : أى ريب كائن مما نزلنا ، والعائد على " ما " محذوف : أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، ويجوز أن يتعلق " من " بريب : أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا( فأتوا ) أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء ؛ لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية ، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله : الذى ايتمن ، فتصيرها ياء في اللفظ ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله : ياصالح أوتنا ، ومنهم من يقول : ذن لى( من مثله ) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم ، فيكون من للابتداء ، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه "( وادعوا ) لام الكلمة محذوف ؛ لانه حذف في الواحد دليلا

على السكون الذى هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة( من دون الله ) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداء‌كم منفردين عن الله أو عن أنصار الله .

قوله تعالى :( فإن لم تفعلوا ) الجزم بلم لا بإن ؛ لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " ( وقودها الناس ) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب ، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ، ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس ، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس ( أعدت ) جملة في موضع الحال من النار ، والعامل فيها فاتقوا

٢٧

ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء : أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال ، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس .

قوله تعالى : ( أن لهم جنات ) فتحت أن هاهنا ؛ لان التقدير لهم ، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر ؛ لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه ، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة ؛ لانه موضع تزاد فيه ، فكأنها ملفوظ بها ، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا( تجرى من تحتها الانهار ) الجملة في موضع نصب صفة للجنات ، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن ، من تحتها الخبر ولابتحتها ؛ لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها ، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف ، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها( كلما رزقوا منها ) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام ، ويجوز أن يكون حالا من الجنات ؛ لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها ، وهو قوله منها( رزقنا من قبل ) أى رزقناه فحذف العائد ، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة ؛ لان التقدير من قبل هذا( وأتوا به ) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك ، وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و( متشابها ) حال من الهاء في به( ولهم فيها أزواج ) أزواج مبتدأ ولهم الخبر ، وفيها ظرف للاستقرار ، ولايكون فيها الخبر ؛ لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم و ( فيها ) الثانية تتعلق ب‍( خالدون ) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم ، والعامل فيها معنى الاستقرار .

قوله تعالى :( لايستحيى ) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين ، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياء‌ان ، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء ، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم ، ووزنه على هذا يستفع ، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت ، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد( أن يضرب ) أى من أن يضرب ، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل

٢٨

( ما ) حرف زائد للتوكيد و( بعوضة ) بدل من مثلا ، وقيل مانكرة موصوفة ، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى ، ويحذف المبتدأ ، أى الذى هو بعوضة ، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره : مثلا هو بعوضة( فما فوقها ) الفاء للعطف ، ومانكرة موصوفة ، أو بمنزلة الذى ، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار ، والمعطوف عليه بعوضة( أما ) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط ، ويذكر لتفصيل ماأجمل ، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره ، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون ، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر ، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط( من ربهم ) في موضع نصب على الحال : والتقدير : أنه ثابت أو مستقر من ربهم ، والعامل معنى الحق ، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه( ماذا ) فيه قولان : أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذى و( أراد ) صلة له ، والعائد محذوف ، والذى وصلته خبر المبتدإ ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام ، وموضعه نصب بأراد ، ولاضمير في الفعل ، والتقدير أى شئ أراد الله( مثلا ) تمييز : أى من مثل ، ويجوز أن يكون حالا من هذا : أى متمثلا أو متمثلا به ، فيكون حالا من اسم الله( يضل ) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله ، ويجوز أن يكون مستأنفا( إلا الفاسقين ) مفعول يضل ، وليس بمنصوب على الاستثناء ؛ لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا .

قوله تعالى : ( الذين ينقضون ) في موضع نصب صفة للفاسقين ، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى ، وان يكون رفعا على الخبر ، أى هم الذين ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبرقوله : " أولئك هم الخاسرون " ( من بعد ) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك ، وزائدة على رأى من لم يجزه ، وهو مشكل على أصله ؛ لانه لايجيز زيادة من في الواجب( ميثاقه ) مصدر بمعنى الايثاق ، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد ، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل ، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول( ماأمر ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة ، و( أن يوصل ) في موضع جر بدلا من الهاء ، أى يوصله ، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل

٢٩

الاشتمال تقديره : ويقطعون وصل ماأمر الله به ، ويجوز أن يكون في موضع رفع : أى هو أن يوصل ( أولئك ) مبتدأ و( هم ) مبتدأ ثان أو فصل ، و ( الخاسرون ) الخبر .

قوله تعالى :( كيف تكفرون بالله ) كيف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه تكفرون ، وصاحب الحال الضمير في تكفرون ، والتقدير : أمعاندين تكفرون ، ونحو ذلك ، وتكفرون يتعدى بحرف الجر ، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا( وكنتم ) قد معه مضمرة والجملة حال( ثم إليه ) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله" فأحياكم " .

قوله تعالى :( جميعا ) حال في معنى مجتمعا( فسواهن ) إنما جمع الضمير ؛ لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة( سبع سموات ) سبع منصوب على البدل من الضمير ، وقيل التقدير : فسوى منهن سبع سموات ، كقوله : واختار موسى قومه ـ فيكون مفعولا به ، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا( وهو ) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم ، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت ، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو ، ويقرأ بالضم على الاصل .

قوله تعالى :( وإذ قال ) هو مفعول به تقديره : واذكر إذ قال : وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك ، وقيل إذ زائدة و ( للملائكة ) مختلف في واحدها وأصلها .

فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل ؛ لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر :

وغلام أرسلته أمه

بألوك فبذلنا ماسأل

فالهمزة فاء الكلمة ، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا : ملاك قال الشاعر :

فلست لانسى ولكن لملاك

تنزل من جو السماء يصوب

فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة .

٣٠

وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة ، وأصل ملك : ملاك من غير نقل ، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت ، فوزنه الآن مفاعلة ، وقال آخرون عين الكلمة واو ، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه ، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك : ملاك مثل معاذ ، ثم حذفت عينه تخفيفا ، فيكون أصل ملائكة : ملاوكة ، مثل مقاولة ، فأبدلت الواو همزة ، كما أبدلت واو مصائب .

وقال آخرون : ملك فعل من الملك ، وهى القوة ، فالميم أصل ، ولاحذف فيه ، لكنه جمع على فعائلة شاذا( جاعل ) يراد به الاستقبال فلذلك عمل ، ويجوز أن يكون بمعنى خالق ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون( في الارض ) هو الثانى( خليفة ) فعيلة بمعنى فاعل ، أى يخلف غيره ، وزيدت الهاء للمبالغة( أتجعل ) الهمزة للاسترشاد ، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل ، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم ، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير( يسفك ) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء ، وقد قرئ بضمها وهى لغتان ، ويقرأ بالتشديد للتكثير ، وهمزة( الدماء ) منقلبة عن ياء ؛ لان الاصل دمى ؛ لانهم قالوا دميان( بحمدك ) في موضع الحال تقديره : نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك( ونقدس لك ) أى لاجلك ، ويجوز أن تكون اللام زائدة : أى نقدسك ، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله( إني أعلم ) الاصل إننى ، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية ، هذا هو الصحيح ، وأعلم : يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا ، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل ، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم : هؤلاء حواج بيت الله ، بالنصب والجر ، وسقط التنوين ؛ لان هذا الاسم لاينصرف ، فإن قلت : أفعل لاينصب مفعولا .

قيل : إن كانت من معه مرادة لم ينصب ، وأعلم هنا بمعنى عالم ، ويجوز أن يريد بأعلم : أعلم منكم ، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم ، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله " .

٣١

قوله تعالى :( وعلم ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال ، وقوى ذلك إضمار الفاعل ، وقرئ " وعلم آدم " على مالم يسم فاعله ، وآدم أفعل ، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل ؛ لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة ، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا ، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم ، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى( ثم عرضهم ) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير ( هؤلاء إن كنتم ) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل ، ويقرأ بهمزة واحدة ، قيل المحذوفة هى الاولى ؛ لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى ، وقيل المحذوفة الثانية ؛ لان الثقل بها حصل ، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس ، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف .

قوله تعالى :( سبحانك ) سبحان اسم واقع موقع المصدر ، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ، ولايكاد يستعمل إلا مضافا ؛ لان الاضافة تبين من المعظم ، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف ، والالف والنون في آخره مثل عثمان ، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به ؛ لانه المسبح ، ويجوز أن يكون فاعلا ؛ لان المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره : سبحت الله تسبيحا ( إلا ماعلمتنا ) مامصدرية أى إلا علما علمتناه ، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم ، كقولك لاإله إلا الله ، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى ، ويكون علم بمعنى معلوم : أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه ، ولايجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم ؛ لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لايبنى( إنك أنت العليم ) أنت مبتدأ والعليم خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب ، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد ؛ لانها لو وقعت لكانت بدلا ، وإياك لم يؤكد بها ، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب ، و( الحكيم ) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة ، وهو صحيح ؛ لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى ، والعليم بمعنى العالم ، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم ، وأن يكون بمعنى المحكم .

٣٢

قوله تعالى :( أنبئهم ) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل ، وبالياء على تليين الهمزة ، ولم نقلبها قلبا قياسيا ؛ لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت ، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولاياء ، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا ، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، وإلى الثانى بحرف الجر ، وهو قوله :( بأسمائهم ) وقد يتعدى بعن كقولك : أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى: " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه ،( وأعلم ماتبدون ) مستأنف وليس بمحكى بقوله :( ألم أقل لكم ) ويجوز أن يكون محكيا أيضا ، فيكون في موضع نصب ، وتبدون وزنه تفعون ، والمحذوف منه لامه وهى واو ؛ لانه من بدا يبدو ، والاصل في الياء التى في( إنى ) أن تحرك بالفتح ؛ لانها اسم مضمر على حرف واحد ، فتحرك مثل الكاف في إنك ، فمن حركها أخرجها على الاصل ، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة .

قوله تعالى :( للملائكة اسجدوا ) الجمهور على كسر التاء ، وقرئ بضمها وهى قراء‌ة ضعيفة جدا ، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ ، وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء ، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة ، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم ، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف ، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت : أفى سوأة أنتنه ، بفتح التاء ، وكأنها نوت الوقف على التاء ، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة( إلا إبليس ) استثناء منقطع ؛ لانه لم يكن من الملائكة ، وقيل هو متصل ؛ لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف ، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف ، وأنه لانظير له في الاسماء ، وهذا بعيد ، على أن في الاسماء مثله نحو : إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه ، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره : ترك السجود كارها له ومستكبرا( وكان من الكافرين ) مستأنف ، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا .

قوله :( اسكن أنت وزوجك ) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه ، والاصل في( كل ) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ،

٣٣

ومثله خذ ، ولايقاس عليه ، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر ، وحكى سيبويه أو كل شاذا( منها ) أى من ثمرتها ، فحذف المضاف ، وموضعه نصب بالفعل قبله ، ومن لابتداء الغاية و( رغدا ) صفة مصدر محذوف : أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : كلا مستطيبين متهنئين( حيث ) ظرف مكان ، والعامل فيه كلا ، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به ؛ لان الجنة مفعول وليس بظرف ؛ لانك تقول سكنت البصرة وسكنت الدار ، بمعنى نزلت ، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت( هذه الشجرة ) الهاء بدل من الياء في هذى ؛ لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى ، والياء للمؤنث مع الذال لاغير ، والهاء بدل منها ؛ لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه ، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج( فتكونا ) جواب النهى ؛ لان التقدير : إن تقربا تكونا ، وحذف النون هنا علامة النصب ؛ لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف .

قوله تعالى : ( فأزلهما ) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف : أى حملها على الزلة ، ويقرأ" فأزلهما " أى نحاهما ، وهو من قولك : زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته ، وألفه منقلبة عن واو( مما كانا فيه ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة : أى من نعيم أو عيش( اهبطوا ) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة ، وقرئ بضمها ، وهى لغة ( بعضكم لبعض عدو ) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين ، واللام متعلقة بعدو ؛ لان التقدير بعضكم عدو لبعض ، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر ، ويجوز أن يكون صفة لعدو ، فلما تقدم عليه صار حالا ، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو ، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال : " فإنهم عدو لى "( ولكم في الارض مستقر ) يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون حالا أيضا ، وتقديره : اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار ، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار ، و( إلى حين ) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع ؛ لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين .

٣٤

قوله تعالى :( فتلقى آدم ) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات ، وبالعكس ؛ لان كل ماتلقاك فقد تلقيته ، و( من ربه ) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى ، ويكون لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره : كلمات كائنة من ربه ، فلما قدمها انتصبت على الحال( إنه هو التواب ) هو هاهنا مثل أنت في " إنك أنت العليم الحكيم " وقد ذكر قوله( منها جميعا ) حال : أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة ، بحيث يشتركون في الهبوط( فإما ) إن حرف شرط ، وما حرف مؤكد له ، و( يأتينكم ) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية ، والفعل يصير بها مبنيا أبدا ، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس ؛ لان زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد ، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون ، وجواب الشرط( فمن تبع ) وجوابه ، ومن في موضع رفع بالابتداء ، والخبر تبع ، وفيه ضمير فاعل يرجع على من ، وموضع تبع جزم بمن .

والجواب( فلا خوف عليهم ) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط ، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت : من يقم أكرم زيدا جاز ، ولو قلت : من يقم زيدا أكرمه ، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز .

وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب ، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من ، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه ، والرفع والتنوين هنا أوجه

من البناء على الفتح لوجهين : أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع ، وهو قوله :( ولاهم ) ؛ لانه معرفة ، ولا لاتعمل في المعارف ، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان ، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو : قام زيد وعمرا كلمته ، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل ، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل والوجه الثانى من جهة المعنى ، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية وليس المراد ذلك ، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة .

فإن قيل : لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير ، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير .

٣٥

قيل : الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره : لاخوف كثير عليهم فيتوهم ثبوت الياء القليل ، وهو عكس ماقدر في السؤال .

فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا( هداى ) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة ، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت .

قوله :( بآياتنا ) الاصل في آية : أية ؛ لان فاء‌ها همزة وعينها ولامها ياء ان ؛ لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء ، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال ، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة ، ولو كانت عينها واوا لقالوا : آواء ، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس .

ومثله غاية وثاية ، وقيل أصلها أييه ، ثم قلبت الياء الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها ، وقبل أصلها أيية بفتح الاولى والثانية ، ثم فعل في الياء ماذكرنا وكلا الوجهين فيه نظر ؛ لان حكم الياء‌ين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف .

وقيل أصلها أيية على فاعلة ، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة ، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة ، وهذا ضعيف ؛ لان التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة( أولئك ) مبتدأ و( أصحاب النار ) خبره ، و( هم فيها خالدون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب ، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار ؛ لان في الجملة ضميرا يعود عليها ، ويكون العامل في الحال معنى الاضافة ، أو اللام المقدرة .

قوله تعالى :( يابنى إسرائيل ) إسرائيل لاينصرف ؛ لانه علم أعجمى ، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة ، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام ، ومنهم من يقول كذلك ، لا أنه يقلب الهمزة ياء ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء ومنهم من يحذفها فيقول إسرال ، ومنهم من يقول إسرائين بالنون ، وبنى جمع ابن جمع جمع السلامة ، وليس بسالم في الحقيقة ؛ لانه لم يسلم لفظ واحده في جمعه ، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين ، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو .

وقال قوم : لامه ياء ولاحجة في البنوة ؛ لانهم قد قالوا الفتوة وهى من الياء( أنعمت عليكم ) الاصل أنعمت بها ، ليكون الضمير عائدا على الموصول ، فحذفت حرف الجر

٣٦

فصار أنعمتها ، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله : " أهذا الذى بعث الله رسولا "( وأوفوا ) يقال في الماضى وفى ووفى وأوفى ، ومن هنا قرئ( أوف بعهدكم ) وأوف بالتخفيف والتشديد( وإياى ) منصوب بفعل محذوف دل عليه( فارهبون ) تقديره : وارهبوا إياى فارهبون ، ولايجوز أن يكون منصوبا بارهبون ؛ لانه قد تعدى إلى مفعوله .

قوله :( مصدقا ) حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت ، و( معكم ) منصوب على الظرف ، والعامل فيه الاستقرار( أول ) هى أفعل وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه ، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى ، وأصلها وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما ، ولم تخرج على الاصل كما خرج وقتت ووجوه كراهية اجتماع الواوين

وقال بعض الكوفيين : أصل الكلمة من وأل : يأل إذا نجا فأصلها أوأل ، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الاولى فيها .

وهذا ليس بقياس ، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف ، وقال بعضهم من آل يئول ، فأصل الكلمة أول ، ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو ، ثم عمل فيها ماعمل في الوجه الذى قبله فوزنه الآن أعفل( كافر ) لفظه واحد وهو في معنى الجمع : أى أول الكفار كما يقول هو أحسن رجل ، وقيل التقدير : أول فريق كافر .

قوله تعالى :( وتكتموا الحق ) هو مجزوم بالعطف على : ولاتلبسوا ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو أى لاتجمعوا بينهما كقولك لاتأكل السمك وتشرب اللبن( وأنتم تعلمون ) في موضع نصب على الحال ، والعامل لاتلبسوا وتكتموا .

قوله تعالى :( وأقيموا الصلاة ) أصل أقيموا أقوموا فعمل فيه ماذكرناه في قوله :" ويقيمون الصلاة " في أول السورة( وآتوا الزكاة ) أصله آتيوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين ، ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه ، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم : زكا الشئ يزكو ، وقالوا في الجمع زكوات( مع الراكعين ) ظرف .

قوله تعالى :( وتنسون ) أصله تنسيون ، ثم عمل فيه ماذكرناه في قوله تعالى :" اشتروا الضلالة " ( أفلا تعقلون ) استفهام في معنى التوبيخ ولاموضع له .

٣٧

قوله تعالى :( واستعينوا ) أصله استعونوا ، وقد ذكر في الفاتحة( وإنها ) الضمير للصلاة ، وقيل للاستعانة ؛ لان استعينوا يدل عليها ، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها ، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود( إلا على الخاشعين ) في موضع نصب بكبيرة ، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل ؛ لانه ليس قبلها مايتعلق بكبيرة ليستثنى منه. فهو كقولك هو كبير على زيد .

قوله تعالى :( الذين يظنون ) صفة للخاشعين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعنى ، ورفع بإضمارهم( أنهم ) أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين لتضمنه مايتعلق به الظن وهو اللقاء .

وذكر من أسند إليه اللقاء .

وقال الاخفش : أن وماعملت فيه مفعول واحد ، وهو مصدر ، والمفعول الثانى محذوف تقديره : يظنون لقاء الله واقعا( ملاقوا ) أصله ملاقيوا ، ثم عمل فيه ماذكرنا في غير موضع وحذفت النون تخفيفا ؛ لانه نكرة إذا كان مستقبلا ، ولما حذفها أضاف( إليه ) الهاء ترجع إلى الله ، وقيل إلى اللقاء الذى دل عليه ملاقوا .

قوله تعالى :( وأنى فضلتكم ) في موضع نصب تقديره : واذكروا تفضيلى إياكم : قوله تعالى :( واتقوا يوما ) يوما هنا مفعول به ؛ لان الامر بالتقوى لايقع في يوم القيامة ، والتقدير : واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك( لاتجزى نفس ) الجملة في موضع نصب صفة اليوم ، والعائد محذوف تقديره : تجزى فيه .

ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه ؛ لان الظروف يتسع فيها ، ويجوز فيها مالايجوز في غيرها ، وقال غيره تحذف " في " فتصير تجزيه ، فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد ذلك( عن نفس ) في موضع نصب بتجزى ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، على أن يكون التقدير : شيئا عن نفس و( شيئا ) هنا في حكم المصدر ؛ لانه وقع موقع جزاء ، وهو كثير في القرآن ؛ لان الجزاء شئ فوضع العام موضع الخاص( ولايقبل منها شفاعة ولايؤخذ منها عدل ) أى فيه وكذلك( ولاهم ينصرون ) ، ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل ، فلما قدم انتصب على الحال ، ويقبل يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة ، وبالياء ؛ لانه غير حقيقى ، وحسن ذلك للفصل .

٣٨

قوله تعالى :( وإذ نجيناكم ) إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتى ، وكذلك : وإذ فرقنا ، وإذ واعدنا ، وإذ قلتم ياموسى ، وماكان مثله من العطوف( من آل فرعون ) أصل آل : أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل : آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ؛ لان التصغير يرد إلى الاصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الالف واوا ، ولم يرده إلى الاصل ، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله ، وقيل أصل آل : أول ، من آل يئول ؛ لان الانسان : يئول إلى أهله ، وفرعون أعجمى معرفة( يسومونكم ) في موضع نصب على الحال من آل( سوء العذاب ) مفعول به ؛ لان يسومونكم متعد إلى مفعولين ، يقال : سمته الخسف : أى ألزمته الذل( يذبحون ) في موضع حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الاولى ؛ لان حالين فصاعدا لاتكون عن شئ واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لايعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم ، والجمهور على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف( بلاء ) الهمزة بدل من واو ؛ لان الفعل منه بلوته ، ومنه قوله :" ولنبلونكم " ( من ربكم ) في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف .

قوله تعالى: ( فرقنا بكم البحر ) بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول أول ، والباء هنا في معنى اللام ، ويجوز أن يكون التقدير ، بسببكم ، ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد ، فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى " وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر " ويجوز أن تكون الباء للحال : أى فرقنا البحر وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة( وأنتم تنظرون ) في موضع الحال والعامل أغرقنا .

قوله تعالى :( واعدنا موسى ) وعد يتعدى إلى مفعولين تقول : وعدت زيدا مكان كذا ويوم كذا ، فالمفعول الاول موسى ، و( أربعين ) المفعول الثانى ، وفى الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في أربعين ، ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله وعاقبت اللص ، وقيل هو من ذلك ؛ لان الوعد من الله والقبول من موسى فصار كالوعد منه ، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل ، وموسى مفعل من أوسيت

٣٩

رأسه إذا حلقته ، فهو مثل أعطى فهو معطى ، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق .

فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ماقبلها ، وموسى اسم النبى لايقضى عليه بالاشتقاق ؛ لانه أعجمى ، وإنما يشتق موسى الحديد( ثم اتخذتم العجل ) أى إلها فحذف المفعول الثانى ومثله " باتخاذكم العجل " ، وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ، كقوله تعالى : " وقالوا اتخذ الله ولدا " وكقولك : اتخذت دارا وثوبا وماأشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الاظهار على الاصل( من بعده ) أى من بعد انطلاقه فحذف المضاف .

قوله تعالى :( لعلكم ) اللام الاولى أصل عند جماعة ، وإنما تحذف تخفيفا في قولك علك ، وقيل هى زائدة والاصل علك ، ولعل حرف والحذف تصرف والحرف بعيد منه .

قوله تعالى :( والفرقان ) هو في الاصل مصدر مثل الرجحان ، والغفران ، وقد جعل اسما للقرآن .

قوله تعالى :( لقومه ) اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ماقبلها ، وتزاد عليها ياء في اللفظ ؛ لانها خفية لاتبين كل البيان بالكسر وحده ، فإن كان قبلها ياء مثل عليه فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء ؛ لان الهاء خفية ضعيفة ، فإذا كان قبلها ياء وبعدها ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين ، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها واو في اللفظ ، نحو : إنه وغلامه لما ذكرنا( ياقوم ) حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة ، وهذا يجوز في النداء خاصة ؛ لانه لايلبس ، ومنهم من يثبت الياء ساكنة ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ماقبلها ، ومنهم من يقول : ياقوم بضم الميم( إلى بارئكم ) القراء‌ة بكسر الهمزة ؛ لان كسرها إعراب ، وروى عن أبى عمرو تسكينها فرار من توالى الحركات ، وسيبويه لايثبت هذه الرواية ، وكان يقول : إن الراوى لم يضبط عن أبى عمرو ؛ لان أبا عمرو اختلس الحركة فظن السامع أنه سكن( ذلكم ) قال بعضهم : الاصل ذانكم ؛ لان المقدم ذكره التوبة والقتل ، فأوقع المفرد موقع التثنية ؛ لان ذا يحتمل الجميع ، وهذا ليس بشئ لان قوله فاقتلوا تفسير التوبة فهو واحد( فتاب عليكم ) في الكلام حذف تقديره : ففعلتم فتاب عليكم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578