شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم0%

شبهات وردود حول القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 578

شبهات وردود حول القرآن الكريم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الأستاذ محمد هادي معرفة
تصنيف: الصفحات: 578
المشاهدات: 265330
تحميل: 11468

توضيحات:

شبهات وردود حول القرآن الكريم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 578 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265330 / تحميل: 11468
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود حول القرآن الكريم

شبهات وردود حول القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ونتيجةً على ما سبق، كان تفضيل الرجل على المرأة بدرجة ناظراً إلى جهة قِوامته في الأسرة، وهذه القِوامة تعود إلى خصائص في تكوين الرجل ووظيفته التي خوّلها له عرف الحياة الزوجيّة، فنعود نقرأ الآية: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) في تكوينه ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) حسب وظيفتهم العائليّة.

قال الشيخ مُحمّد عبده: وأمّا قوله تعالى: ( وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ ) فهو يُوجب على المرأة شيئاً وعلى الرجل أشياء؛ ذلك أنّ هذه الدرجة هي درجة الرئاسة والقيام على المصالح المفسَّرة بقوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) فالحياة الزوجيّة حياة اجتماعيّة، ولا تقوم مصلحة هذه الحياة إلاّ برئيس مُطاع، والرجل أَحقُّ بالرئاسة؛ لأنّه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوّته وماله، ومِن ثَمّ كان هو المـُطالب شَرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها (1) .

وقد فسّر العلاّمة الطباطبائي ( المعروف ) في الآية (2) بما عرفه الناس واستأنسوا به وِفق فطرتهم الأصيلة، فكان مِن المعروف أيضاً أنْ يَتفاضل الرجل على المرأة بدرجة، حَسب ما منحت الفطرة لكلٍّ مِنهما من استعدادات وقُوى و صلاحيّات ووظائف في حياتهما الاجتماعيّة... وشرح ذلك شرحاً مستوفىً على أصول متينة، فراجع (3) .

تفضيل البنين على البنات

قالوا: إنّ في القرآن كثيراً من تعابير جاء فيها التنويه بشأن البنين وتفضيلهم على البنات، الأمر الذي يدلّ على تأثّره بالبيئة العربيّة الجاهلة؛ حيث كانوا يئدون البنات خَشية العار. ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) (4) .

نرى أنّ القرآن الكريم قد شنّع القوم على فكرتهم هذه الجاهلة ووَبَّخَهم في الفَرْقِ بين البنين والبنات أشدّ تشنيع وتوبيخ.

____________________

(1) تفسير المنار، ج 2، ص 380، وج 5، ص 67.

(2) في قوله تعالى ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، البقرة 2: 228.

(3) تفسير الميزان، ج 2، ص 243 و 273 - 291.

(4) النحل 16: 58 و 59.

١٢١

ولكن مع ذلك قد نجد في القرآن مواضع فيها بعض المـُرافَقة مع القوم؟!

فقد كانت العرب ترى من الملائكة إناثاً وأنّهنّ بنات الله سبحانه: ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (1) .

فجاء التشنيع في هذه الآيات من ناحيتين: أوّلاً: زعموا من الملائكة إناثاً، وثانياً: أنّهنّ بناته تعالى من صُلبه وأنّه تعالى وَلَدَهنّ!

وجرياً مع عادة العرب في الازدراء بشأن البنات يستنكر عليهم: كيف اصطفى البنات على البنين؟! ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ) (2) أي قسمة غير عادلة ( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) (3) .

وفي هذه الآية جاء الفارق بين الذكر والأنثى ناشئاً من جبلّتهما، لتكون المرأة بدافع من فطرتها الأُنوثيّة تنجذب إلى الزبارج أكثر من اهتمامها بواقعيّات الأُمور، ومن جانب آخر هي ذات طبيعة رقيقة لا تُقاوِم تجاه الكوارث، فتنفعل فورَ اصطدامها بمضطلمات الحوادث، فهي بذات فطرتها ونشأتها غير صالحة لمقابلة شدائد الحياة وعاجزة عن حلّ متشابك المعضلات، فقد جمعت بين الظرافة والضَعف، على عكس الرجل الذي يملك صَلابة وقوّة إرادة.

ومِن ثَمّ تعقّبت الآية بالاستنكار على مزعومتهم في الملائكة أنّهم إناث: ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) (4) .

وقد عبّر القرآن عن الملائكة بصفة الذُّكور: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم ْفَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

____________________

(1) الصافّات 37: 149 - 155.

(2) النجم 53: 21 و 22.

(3) الزخرف 43: 16 - 18.

(4) الزخرف 43: 19.

١٢٢

وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا... ) (1) ، والضمائر كلّها جمع ذُكور، وهكذا في سائر مواضع القرآن (2) .

ومِن ثَمّ وجّه إليهم التوبيخ اللاذع: ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ) (3).

كلّ ذلك إن دلّ فإنّما يدلّ على ازدراءٍ بشأن الأُنثى، جرى عليه العرب وجاراهم القرآن.

لكن ليس في شيءٍ من هذه التعابير اللاّذعة الموبِّخة للعرب أيّ تعيير أو شائنة بشأن المرأة في ذات نفسها، لا تصريحاً ولا تلويحاً، وإنّما توجّه التشنيع على العرب بالذات في نظرتهم الخاطئة بشأن الملائكة، وأنّهم إناث، وبنات لله سبحانه ( أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ ) (4) وأنّ وُلْدَه بنات (5) ، ومِن ثَمّ يُسَمّون الملائكةَ تسمية الأُنثى (6) ، الأمر الذي يدلّ على سَفاهة عقولهم وغايةِ جَهْلِهم بما وراء سِتار الغيب؛ ذلك مبلغهم مِن العلم وإنْ هم إلاّ يخرصون.

والذي يبدو عليه أثر السفاهة أنّهم نسبوا إلى الله ما يكرهونه لأنفسهم، فجعلوا لأنفسهم المـُفضّل من الوُلْد، وأمّا المـُشنَّع فجعلوه لله سبحانه، وهي قِسمة غير عادلة حتّى في غياهب أوهام الخيال.

فكان موضع التشنيع هو هذا التقسيم غير العادل حتّى في مفروض الأوهام، الأمر الذي ليس فيه أيّ تقرير للتفضيل المزعوم أو اعتراف به في واقع الأمر! فلم تكن هناك مجاراةٌ، وإنّما هي منابذة صريحة على أصول الجَدل في محاورة الكلام.

* * *

____________________

(1) البقرة 2: 30 - 34.

(2) وسنتكلّم عن مواضع جاء التعبير فيها بالتأنيث في مثل المدبّرات ونحوها.

(3) الإسراء 17: 40.

(4) الصافّات 37: 151 و 152.

(5) الزخرف 43: 16 - 18.

(6) النجم 53: 27.

١٢٣

وأمّا التعبير بجمع المـُؤنث السالم (بالألف والتاء) في قوله تعالى: ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) (1) ، وكذا قوله: ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ) إلى قوله: ( فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً ) (2) وقوله: ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) (3) بناءاً على أنّ المراد هم الملائكة القائمة بهذه الأمور، فتأويل ذلك كلّه أنّه باعتبار كون الموصوف هم الجماعات؛ لأنّ القائم بهذه الأمور هم جماعات الملائكة لا الآحاد، فكما أنّ الجماعة تُجمع على الجماعات، كذلك الجماعة النازعة تُجمع على النازعات، وهلمـّ جرّاً، كما أنّ الشخصيّة أيضاً تُجمع على الشخصيّات، وليس كلّ جمع بالألف والتاء دليلاً على تأنيث المفرد كما في جمع القياس على القياسات، وكلّ اسم مفرد - في المصدر قياساً وفي غيره سماعاً - إذا جاوز ثلاثة حروف يُجمع بالألف والتاء، كالتعريفات والامتيازات، ومن السُّماعي نحو السماوات وسُرادِقات وسِجِلاّت وغير ذلك.

ومِن ثَمّ عاد ضمير الجمع المـُذكّر إلى المعقِّبات ( يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) ، وهو دليل على عدم تحتّم الجمع بالألف والتاء خاصّاً بالإناث.

ولأبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني هنا كلام - نقله الفخر الرازي - يُرجِّح عدم كون هذه الجُموع أوصافاً للملائكة، وإنّما هي أوصاف للأَيدي والسهام والخيول والإبل في ساحة القتال... (4) .

للذكر مثل حظّ الأُنثيين

ممّا أثار النقاش حول نظرة الإسلام عن المرأة هي مسألة إرثُها نصف إرث الرجل، وربّما كان الجَدل عنيفاً في أوساط أُمَميّة وفي مؤتمرات عالميّة حول قضية المرأة، وممّا توافق عليه مُمَثِّلو الدول الإسلاميّة مع خصومهم هو أنّ الإسلام أقرّ للمرأة ميراثها إجماليّاً

____________________

(1) النازعات 79: 1 - 5.

(2) المرسلات 77: 1 - 5.

(3) الرعد 13: 11.

(4) تفسير الكبير، ج 31، ص 31، وتفسير أبي مسلم، ص 351 - 352.

١٢٤

تجاه الأَنظمة القديمة وبعض الأنظمة القبائليّة القائلة بحرمانها من الإرث رأساً، واقتنعوا بهذا القَدَر مِن التوافق بشأن إرث المرأة، مع الغضّ - حاليّاً - عن المقدار وسائر الجوانب الّتي يُفصّلها الإسلام.

لكنَّ الإسلام باعتباره شريعة الله الخالدة الجامعة الشاملة قد قال كلمته الأخيرة ولا مجال للمـُحاباة فيما حَكَم به الإسلام حُكمَه الباتّ الصريح الأبدي، ونحن نرى أيَّ تَوافق - يستلزم تنازلاً مّا عن الأُسُس الإسلاميّة - مداهنةً وتراجعاً أمام هجمات العدوّ الجاهل، الأمر الذي يبدو على مُحيّاه الوهن والضَعف المـَقيت.

إنّ البيئة التي يَرسمها الإسلام للحياة الاجتماعيّة - سواء في صورتها الصُغرى (الأُسرة) أو الكبرى العامّة - تجعل من وظائف الرجل أثقل، وإنّ مسؤوليّته في حمل أعباء الحياة أشمل، حسبَما أُوتيَ مِن قدرةٍ وتفكيرٍ أوسع، فكان بطبيعة الحال أنْ يُجعل نصيبُه مِن الميراث أكثر.

إنّه تعالى يرفض أوّلاً تلك العادات الجاهليّة التي كانت تَحرم النساء عن الميراث ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) (1) وبذلك أَبطَلَ عادةً جاهليّةً كانت مُتحكِّمةً في نفوس أبناء الجزيرة، بل وفي أوساط أُمَميّة كانت سائدةً في أكثر أرجاء العالم المتحضّر يومذاك.

رُوي عن ابن عبّاس أنّه لمـّا نزلت الآية ثَقُلت على نفوسٍ جاهلة، فجعلوا يتخافتون فيما بينهم أنْ اسكتوا عن هذا الحديث فلعلّ رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله) ينساه، أو نقول له فيغيّره، فجاء بعضهم إليه وقال: كيف تُعطى الجاريةُ مِن الميراث وهي لم تركب الفرس ولم تُقاتل؟ وهم لا يُعطونها ولا الأطفال الصِغار إلاّ لمـَن استطاع الركوب والقتال! (2) .

وبعد ذلك يأتي دور تعيين نصيبها من الميراث: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ) (3) ، إنّ الله هو الذي يُوصي، وهو الذي يَفرض، فمِن عند الله ترد التنظيمات

____________________

(1) النساء 4: 7.

(2) جامع البيان، ج 4، ص 185.

(3) النساء 4: 11.

١٢٥

والشرائع والقوانين، وعن الله يتلقّى الناس في أخصّ شؤونهم في الحياة، وهذا هو الدِّين، فليس هناك دِينٌ للناس إذا لم يتلقّوا في شؤون حياتهم كلِّها مِن الله وحده، وليس هناك إسلام إذا هم تلقّوا في أيّ أمرٍ من هذه الأمور - جلّ أو حَقُر - مِن مصدرٍ آخر، إنّما يكون الشرك أو الكفر، وتكون الجاهليّة التي جاء الإسلام ليَقتلع جُذورها من حياة الناس.

فليس للناس أنْ يقولوا: إنّما نختار لأنفسنا ولذُرّياتنا ونحن أعرف بمصالحنا.. فهذا - فوق أنّه باطل - هو في الوقت ذاته تَوقّح وتَبجّح وتَعالٍ على الله وادّعاء لا يَزعَمُه إلاّ مُتوقِّح جَهول.

وعليه، فليس الأمر في هذا أمر مُحاباة لجنسٍ على حساب جنس؛ إنّما الأمر تَوازُن وعَدل بين أعباء الرجل وأعباء المرأة في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي، فالرجل يتزوّج امرأةً يُكلَّف إعالتها وإعالة أبنائها منه في كلِّ حالة، وهي معه وهي مُعفاة من هذه التكاليف، أمّا هي، فإمّا أنْ تقوم بنفسها فقط، وإمّا أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء، وليست مُكلَّفةً نفقة لزوج ولا للأبناء في أيّ حال.

فالرجل مُكلَّف - على الأقلّ - ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي - أي النظام الذي رسمه لنا الإسلام - ومِن ثَمّ يبدو العَدْل كما يبدو التناسق بين الغُنْم والغُرم في هذا التوزيع الحكيم، فما دامت الحياة التي نَعيشُها في ظلّ الإسلام مُخطَّطَةً وِفق هذه الحِكمة الرشيدة، فهذا التوزيع يتطابق مع هذا المـُخطَّط ما دُمنا نعترف به ونستسلم لقيادته، ويبدو كلّ نقاش في هذا التوزيع جهالةً من ناحيةٍ، وسوءَ أدبٍ مع الله من ناحيةٍ أخرى، وزَعزَعةً للنظام الاجتماعي والأسري، لا تستقيمُ معها حياةٌ حَسب مُعتقدنا ونحن مسلمون، والتجربة العنيفة التي تجرَّعتها سائر الأُمَمِ ولا تزال هي خير شاهِدةٍ على اعتدال هذا النظام وانسجامه مع فطرة الإنسان وتكوينه في الحياة.

محاولات فاشلة

هنا وفي يومنا الحاضر نُجابِهُ محاولاتٍ يبدو الفشل في مُحيّاها، بعد حِيادها عن منهج فهمِ النصّ على ما رسمته طريقة الاستنباط من كتاب الله، فمِن قائل: إنّ النصّ الوارد

١٢٦

في القرآن الكريم جاء بلفظ التَوصية: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ) (1) ، والإيصاء ترغيب في الأمر وليس فرضاً واجباً؛ ولعلّ الشرائط الزمنيّة حينذاك كانت تستدعي هذا التفاضل المندوب إليه ولكن في وقتها، الأمر الذي لا يُحتِّم الحكم لا بصورةِ فرضٍ ولا بشكلٍ دائم على الإطلاق!

قالوا: واليوم، حيث تغيّرت الشرائط وتبّدلت الأحوال البيئيّة والاجتماعيّة العامّة فلا أرضيّة لهذا التفاضل، ولا هو يتناسب مع الأوضاع الراهنة المتغايرة مع الوضع القديم، لا سيّما والأمر لم يكن فرضاً بل مجرّد نَدبٍ، فلا مُقتضى في الوقت الحاضر للأخذ بهذا الأمر الذي كان راجحاً في ظرفه ولا رجحان له اليوم!

وقائل آخر: إنّه على فَرضِ إرادة الفريضة لكن التداوم لا مجال له بعد ملاحظة رَهنِ أحكام الشريعة - في قسمها المتغيّر - بأوقاتها وظروفها الخاصّة حيث المصالح المـُقتضية حينذاك والمـُنتفية في الحال الحاضر.

هذا القائل يرى مِن أحكام الشريعة على نوعين: ثابتة ومتغيِّرة، فالثابتة هي التي أصدرها صاحب الشريعة بشكلٍ عامّ شامل أبديّ؛ حيث ابتنائها على مصالح هي ثابتة لا تتغيّر مع الأبد وفي جميع الأحوال ومختلف الأوضاع، وذلك في مثل العبادات، الأمر الذي يختلف الحال فيه في مثل المعاملات والانتظامات، المتقيّدة بمصالح هي وقتيّة وفي تحوّل على مسرح الحياة، ففي هذا تكون الأصول ثابتة أمّا الفروع والتفاصيل فهي رَهْنُ شرائط الزمان، فيجوز التصرّف فيها حسب المـُقتَضَيات المؤاتية ولكن في ضوء تلك الأصول ومع الحفاظ عليها جذريّاً فحسب!

قلت: أمّا المـَزعُومة الأُولى فهي مُخالَفَةٌ صَريحةٌ لنصّ الكتاب العزيز؛ حيث تبتدئ آيات المواريث بلفظة الإيصاء، وتنتهي بما يجعل من هذا الإيصاء فرضاً مِن الله لا مجال للتخلّف عنه ( وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ * تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ

____________________

(1) النساء 4: 11.

١٢٧

حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (1) .

يعني: أنّ هذه الوصيّة من الله نافِذة لا مجال للتخلّف عنها؛ لأنّها تبيين لحدود الله التي مَن تعدّاها فسوف يُدخِله ناراً وله عذابٌ مُهين، والعذاب المـُهين هنا إشارة إلى أنّ المتجاوز لحريم الشريعة قد أطاح بكرامةِ نفسه وسقط حيث مستوى المـَهانة الفظيعة.

أفَبعد هذا التأكيد على الأخذ بما أوصى الله بشأن المِيراث يتجرّأ ذو مُسْكَةٍ على التلاعب بنصّ الكتاب، اللّهمّ إلاّ إذا فَقََدَ وعيه.

ثُمّ الذي يُفضَح مِن مُوضع هذه المـَزعُومة، أنّ لفظة الإيصاء بتصاريفها كلّها جاءت في القرآن بمعنى الإلزام والإيجاب، (2) قال ابن منظور: وقوله عزّ وجلّ: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) معناه: يَفرضُ عليكم؛ لأنّ الوصيّة مِن الله إنّما هي فَرضٌ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ) (3) وهذا مِن الفَرضِ المـُحكم علينا (4) .

وأمّا المـَزعومة الأخيرة فهي بمكانِ الوَهن، بعد أنْ كان الأصل في التشريع هي الأبديّة والشمول، أخْذاً بِعموم الخطاب وشمول إطلاقه لجميع الأجيال والأحوال والأزمان، وهي قاعدة أصوليّة مُطّردة، وإلى ذلك ينظر قوله (عليه السلام): (حلال مُحمّدٍ حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة) (5) اللّهمّ إلاّ إذا ثبت بدليلٍ خاصّ أنّ الحكم الذي أصدره النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) كان لمصلحةٍ استدعاها سياسة التدبير الحاضرة حينذاك، فيبقى قَيد تلك الشرائط ولا يَعمّ ولا يستديم على الإطلاق، وهذا بحاجة إلى دليل قاطع يُخرجه عن عموم الأصل المتقدّم، على أنّ ذلك خاصّ بالأحكام الصادرة عن مقام السياسة النبويّة وتكون مِن سُنَنِه، لا مِن فرائض الله الناصّ عليها في الكتاب.

____________________

(1) النساء 4: 12 - 14.

(2) راجع: البقرة: 132، الشورى: 13، الأنعام: 151 - 153، النساء: 131، الأحقاف: 15، وغيرها.

(3) الأنعام 6: 151.

(4) لسان العرب لابن منظور، ج 15، ص 395.

(5) راجع: الكافي، ج 1، ص 58، رقم 19.

١٢٨

فالذي جاء في القرآن من الفرائض والأحكام هي من الثابتات مع الأبد بإجماع الأُمّة وإطباق كلمات العلماء جميعاً، فقد اتّفقت كلمتهم على أنّ ما جاء في القرآن من تشريع وفرائض وأحكام هي أبديّة مسجّلة على كاهل الدهر مع الأبد.

وعليه، فمَن كان يَحمل في طيِّه العقيدة بأنّ القرآن كلام سماويّ نزل من عند اللّه وأنّ ما فيه هي أحكام وفرائض فَرضَها اللّه تعالى للبشريّة جَمعاء على طُول الدهر، فلا مجال له أنْ يُحدِّث نفسه بما شاء، وأمّا إذا لا يعتقد ذلك ويَرى أنّها أحكام صادرة مِن عقليّة بشريّة أرضيّة لفّقتها - والعياذ باللّه - ذهنيّة مُحمّد (صلّى اللّه عليه وآله) حسبَما رآه في وقتهِ - وإنْ كان نَسَبها إلى اللّه في ظاهرِ تعبيره كما يراه هؤلاء المـُتحذلِقون - فليتحدّثوا بما شاءوا إلى مالا نهاية مِن هُراءات، ولا كلام لنا معهم ونَذَرهم في طُغيانهم يَعمَهون.

دية المرأة على النصف!

وإذ قد عرفنا موضع كلّ مِن الرجل والمرأة في الحياة العائليّة وِفق ما رَسَمها الإسلام، نعرف مَبلغ الخسارة التي تتحمّلُها على أَثر فِقدان عضوها من ذكرٍ أو أُنثى، إنّها إذا افتقدت أنثى فقد خَسِرتْ كافِلةَ العائلة ومربِّيتَها التي تفيض عليها بالعطف والحَنان وفي رِفقٍ ومُداراةٍ، أمّا إذا افتقدت ذكراً فقد خَسِرت حاميها وكافلَ مؤونتِها، وخَسِرت أضعافَ ما خَسِرت عند فِقدان أُنثى.

والدية جُبران للخَسارة إلى حدٍّ ممكن ومعقول، ومِن ثَمّ تحاسب على قَدَر ما خَسِره المـُجنى عليه عرفيّاً، وقد قدّره الشارع الحكيم بمقادير هو أعلم بتكافئها مع مقادير الخسارة الواردة، فليس هناك تفضيل وإنّما هو تدبير إلهٍ حكيم.

والمـَزعومة في حديث المواريث جَرَت هنا أيضاً وهي كأُختها مرفوضة ولا سيّما على وجه التنبيه الأخير.

والغريب - هنا - ما شذَّ عن بعض المـُعاصرينَ مِن القول بتساوي دية المرأة مع الرجلِ إطلاقاً، سواء كان في النفس أو الطَّرف؛ نظراً لإطلاق أدلّة الدية وعدم دليل معتبر

١٢٩

على التفريق فيما حَسب، وهكذا زَعْمُ التساوي في القِصاص من غير ردّ التفاضل (1) ، وهو خلاف إجماع الفقهاء عامّتهم وخاصّتهم:

قال ابن رُشْد الأندلسي: واتّفقوا على أنّ دية المرأة نصفُ دية الرجل في النفس، واختلفوا في الشِّجاج وأعضائها، فقال جمهور فقهاء المدينة: تساوي المرأة الرجل في عقلها والشِّجَاج والأعضاء إلى أنْ تبلغ ثُلُث الدية، فإذا بلغت ثُلُث الدية عادت ديتُها إلى النصف مِن دية الرجل، أعني دية أعضائها مِن أعضائه. ومِثال ذلك أنّ في كلّ إصبعٍ مِن أصابعها عشراً مِن الإبل، وفي اثنين منها عشرون، وفي ثلاثة ثلاثون، وفي أربعة عشرون.

وقال بعض الفقهاء: على النصف مطلقاً قياساً، وسأل ربيعة بن أبي عبد الرحمان - المعروف بربيعة الرأي - سعيد بن المـُسيّب: كم في أربعٍ مِن أصابعها؟ قال: عشرون، قال ربيعة: قلت: حين عَظُم جُرحُها واشتدّت بليّتُها نَقَص عقلُها (أي ديتها)! قال سعيد: أَعراقيٌّ أنت؟ [ حيث تقيس ] قلت: بل عالِم متثبِّت أو جاهِل متعلِّم، فقال سعيد: هي السُنّة (2) .

رَوَوْا عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنّ دية المرأة على النصف من دية الرجل).

ورَوَوا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (المرأة تُعاقِل الرجل إلى ثُلُث الدية) (3) .

قال عَميد الطائفة الشيخ المفيد أبو عبد اللّه مُحمّد بن مُحمّد بن النعمان: والمرأة تُساوي الرجل في دِيات الأعضاء والجوارح حتّى تَبلغ ثُلُث الدية، فإذا بلغته رجعت إلى النصف من دِيات الرجال، مثال ذلك: أنّ في إصبعِ الرَّجُل إذا قُطعت عشراً من الإبل، وكذلك في إصبع المرأة سواء، وفي الإصبعين منهما عشرون، وفي ثلاث أصابع منهما ثلاثون، وفي أربع أصابع الرجل أربعون من الإبل، وفي المرأة عشرون؛ لأنّها زادت على الثُلُث فرجعت بعد الزيادة إلى أصل دية المرأة - وهي النصف من دِيات الرجال - ثُمّ على الحساب كلّما زادت أصابِعُها وجوارحها وأعضاؤها على الثُلُث رجعت إلى النصف... قال:

____________________

(1) منتخب الأحكام ليوسف الصانعي، ص249، م797.

(2) بداية المجتهد لابن رُشد، ج2، ص460.

(3) الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، ج5، ص371.

١٣٠

وبذلك ثَبَتت السُنّة عن نبيّ الهدى (صلّى اللّه عليه وآله) وبه تواترت الأخبار عن الأئمة مِن آله (عليهم السلام) (1) .

وبذلك صرّحت صحيحة أبان عن الصادق (عليه السلام) وقد أجاب الإمام في دفع استغراب أبان ما أجابَ سعيد بن المسيّب لربيعة الرأي، قال (عليه السلام): (يا أبان، إنّك أخذتني بالقياس، والسُنّة إذا قِيست مُحِق الدِّين) (2) .

وقال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي: دية المرأة نصف دية الرجل، وبه قال جميع الفقهاء، وقال ابن عليّة والأصم - مِن العامّة -: هما سواء في الدية، قال: دليلنا إجماع الفِرقة. وأيضاً رُوي عن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) ذلك، وروى معاذ نحوَ هذا عن رسول اللّه، وهو إجماع الأُمّة، وروى ذلك عن عليّ عليه الصلاة والسلام.

قال: المرأة تُعاقل الرجل إلى ثُلُث ديتها في الأَرُوش المـُقدَّرة، فإذا بلغته فعلى النصف... قال: دليلنا إجماع الفِرقة وأخبارهم. وفسّر السُنّة في كلام سعيد بسُنّة النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) وإجماع الصحابة والتابعين (3) .

وقال السيّد العاملي: وإجماعنا محصّل ومحكّي في كلام جماعة، وفي الرياض: أنّ حكايتَه مستفيضة حدّ الاستفاضة مضافاً إلى الصِّحاح المستفيضة وغيرها مِن المـُعتَبَرة التي كادت تكون مُتواترةً، ولم يُنقل الخلاف عن أحدٍ مِن علماء المسلمين سِوى ما عن ابن عليّة والأصمّ على ما حكاه الشيخ (4) .

أمّا الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فبالغة حدّ التواتر وفيها الصِّحاح وذوات الاعتبار على حدّ الاستفاضة كما ذكره السيّد الطباطبائي صاحب الرياض.

روى محمّد بن يعقوب الكُليني بإسناده الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ودية المرأة نصف دية الرجل) (5) .

وأيضاً بإسناده الصحيح عنه (عليه السلام) في رجلٍ قَتَل امرأةً متعمِّداً، قال: (إنْ شاء أهلُها أنْ

____________________

(1) المقنعة للمفيد، ص764، ووسائل الشيعة، ج29، ص353.

(2) وسائل الشيعة، ج29، ص352، باب 44 من أبواب دِيات الأعضاء.

(3) كتاب الخلاف للطوسي، ج2، ص390 - 391، مسألة 63 و64.

(4) مفتاح الكرامة للسيّد العالمي، ج10، 368.

(5) الكافي، ج7، ص298، رقم 1، ووسائل الشيعة، ج29، ص205، باب 5 من أبواب الديات.

١٣١

يَقتُلوه ويؤَدُّوا إلى أهلِه نصفَ الدية، وإنْ شاءوا أخذوا نصفَ الدية: خمسة آلاف درهم) (1) .

وفي الصحيح أيضاً: سُئل عن رجلٍ قتل امرأةً خطأً، قال: (عليه الدية خمسة آلاف درهم) (2) .

وروى الشيخ بإسنادٍ صحيح عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في الرجل يَقتل المرأة، قال: (إنْ شاءَ أولياؤُها قَتَلوه وغَرِموا خمسةَ آلاف درهم لأولياء المقتول، وإن شاءوا أخذوا خمسة آلاف درهم من القاتل) (3) .

وأَورَد الحرّ العاملي في الباب 5 من أبواب الديات (4) والباب 33 من أبواب القِصاص في النفس (5) أحاديث متضافرة جلّها صِحاح في أنّ دية المرأة نصفُ دية الرجل سواء في الخطأ أو العَمْد، وكذلك في ردِّ التفاضل إذا كان القاتل رجلاً.

وأورد في الباب 44 من أبواب دِيات الأعضاء (6) والباب 3 من أبواب دِيات الشِّجَاج والجِراحات (7) أنّ المرأة تُعاقل الرجل إلى أن تبلغ ثُلُث الدية فإذا جاوزت الثُلُث رجعت إلى النصف، حديثٌ متضافر بل متواتر.

وعليه، فلا مجال للتشكيك في المسألة من الناحية الفقهيّة حَسَب ضوابط الأُصول.

المرأة في مجال الشهادة

قال تعالى: ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) (8) .

كانت شهادةُ رجلٍ واحدٍ تعادل شهادة امرأتين، ولماذا؟

وجاء التعليل في الآية بأنّ إحداهما قد تَضِلّ فيما تَحمّلته حين الأداء، فكانت

____________________

(1) الكافي، ص299، رقم 4.

(2) المصدر: رقم 5.

(3) تهذيب الأحكام للطوسي، ج10، ص182، رقم 713.

(4) وسائل الشيعة، ج29، ص205 - 206 وفيه أربعة أحاديث، ط آل البيت.

(5) المصدر: ص80 - 87 وفيه 21 حديثاً.

(6) المصدر: ص352 - 353 وفيه ثلاثة أحاديث.

(7) المصدر: ص383 - 384 وفيه حديثان.

(8) البقرة 2: 282.

١٣٢

الأُخرى هي التي تذكِّرُها ما غاب عنها، فكانت شهادة المرأتين بتذكّر إحداهما للأُخرى، بمَنزلة شهادةِ رجلٍ واحد.

وذلك أنّ المرأة أكثر عُرضَةٍ للنسيان فيما لا يعود إلى إلى شؤون نفسها بالذات ممّا لا يُهمُّها في حياتها الأُنوثيّة، فربّما لا تضبط تفاصيل ما تحمّلته بجميع خصوصيّاته وجزئيّاته ولا سيّما إذا بَعُد عهد الأداء عن عهد التحمّل، فكانت كلّ واحدةٍ منهما تُذَكِّر الأُخرى ما ضلَّ عنها، وبذلك تَكمُل شهادتُهما معاً كشهادةٍ واحدة بتلفيقِ بعضها مع بعض وضمِّ بعضِها إلى بعض، بتفاعل الذاكِرَتَينِ وتعاملِهما بعضاً إلى بعض، الأمر الذي لا يجوز في شهادة الرجال، فلو اختلفت الشهادات ولو في بعض الخصوصيّات فَقَدت اعتبارُها؛ ومِن ثَمّ جاز التفريق في شهادة الشهود لغرض الاستيثاق.

قال الشيخ مُحمّد عَبدَه: إنّ اللّه تعالى جَعَلَ شهادة المرأتين شهادةً واحدة، فإذا تَرَكَت إحداهما شيئاً مِن الشهادة كأن نَسَيتْه أو ضلَّ عنها تُذَكِّرُها الأُخرى وتَتمّ شهادتُها، وللقاضي بلْ عليه أنْ يسأل إحداهما بحضور الأُخرى ويعتدّ بجُزءِ الشهادة مِن إحداهما وبباقيها مِن الأُخرى، قال: هذا هو الواجب وإنْ كان القُضاة لا يَعمَلون بِه جَهلاً منهم.

وأمّا الرجال فلا يجوز له أنْ يُعامِلَهم بذلك، بل عليه أنْ يُفرّق بينهم، فإن قصّر أحد الشاهِدَينِ أو نسيَ فليس للآخر أنْ يُذكِّره، وإذا ترك شيئاً تكون الشهادة باطلة، يعني إذا تَرك شيئاً ممّا يُبيِّن الحقَّ فكانت شهادته وحده غير كافية لبيانه فإنّه لا يعتدّ بها ولا بشهادة الآخر وإنْ بُيّنت (1) .

وقالوا في سبب ذلك: إنّ المرأة ليس من شأنها الاهتمام بالأُمور الماليّة ونحوها مِن المـُعاوضَات؛ فلذلك تكون ذاكرتُها فيها ضعيفةً، ولا تكون كذلك في الأُمور المنزليّة التي هي شُغلُها فإنّها فيها أقوى ذاكِرةً مِن الرجُل، يعني أنّ مِن طَبْعِ البشر - ذُكراناً وإناثاً - أنْ يَقوى تذكّرُهم للأُمور التي تُهمّهم ويَكثُر اشتغالهم بها، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال الماليّة، فإنّه قليل لا يعوَّل عليه، والأحكام العامّة إنّما تُناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها (2) .

____________________

(1) تفسير المنار، ج3، ص125.

(2) المصدر: ص124.

١٣٣

نعم، المرأة إنّما تَهتمّ اهتمامها البالغ بما يَعود إلى ذات نفسها وإلى ما يرتبط وشؤونها الأُنوثيّة وزبارج الحياة، ولا تُعير بشؤون خارج حياتها الأُنوثيّة الزُخرفيّة ذلك الاهتمام، وتبعاً لذلك يكون عَمَلُ ذاكِرتِها - على غِرار سائر قُواها العقلانيّة والجسمانيّة - في هذا الجانب ينمو ويشتد، وبنفس النسبة يأخذ في الضَعف والوَهن في الجانب الآخر.

وفي دراسة عميقة بشأن حالة المرأة النفسيّة جاءت في آية أُخرى: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) (1) ، وهو مِن أدقِّ التعابير في معرفة النفس بشأن المرأة: إنّما تَرى كمالَها في جمالِها، وترى جمالَها في زبارج حُليِّها مِن ذهبٍ وفضةٍ وأحجارٍ كريمةٍ، ومِن ثَمّ في مظطلمات الحياة ومُصطَدَماتها تظلّ حائرةً، وربّما تضيق عليها الحال فلا يمكنها الإعراب عمّا في ضميرها أو تَتَلجلجُ ويَضطرِبُ لها المـَقال.

ولذلك نَرى الشريعة قد أفسحت لها المجال واكتفت بشهادتِهنّ لوحدِهنّ في أُمور تخصُّ شؤون النساء - في مثل الولادة والحَمل والحيض وما شابه - ممّا ليس للرجال فيها شأن.

* * *

وهكذا ذَكَر سيّد قطب في تفسير الآية، قال: إنّما دعا الرجال؛ لأنّهم هم الذين يُزاوِلون الأعمال عادةً في المجتمع المسلم السويّ الذي لا تحتاج المرأة فيه أنْ تَعمل لتعيش، وتهدر جانب أُمومتِها وأُنوثتِها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانيّة - وهي الطُفولة الناشِئة المـُمثِّلة لجيل المستقبل - في مقابل لقُيمات أو دُرَيهِمَات تنالها مِن العملِ، كما تَضطرُّ إلى ذلك المرأةُ في المجتمع النَّكِد المـُنحَرِف الذي نعيش فيه اليوم!

ولكن لماذا امرأتان؟ إنّ النصّ لا يَدَعَنا نَحدِس، ففي مجال التشريع يكون النصّ محدَّداً واضحاً مُعلَّلاً ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) ، والضَّلال هنا يَنشأ مِن أسباب كثيرة، فقد ينشأ مِن قلّةِ خُبرة المرأة بموضوع التعاقد، ممّا يجعلها لا تستوعب كلّ دقائقه وملابساته بحيث تؤدي عنه شهادتَها دقيقة عند الاقتضاء، فتُذكِّرها الأُخرى بالتعاون معاً على تَذَكُّر ملابسات الموضوع كلّه، وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعاليّة،

____________________

(1) الزخرف 43: 18.

١٣٤

فإنّها بوظيفتها الأُموميّة شديدةُ الاستجابة الوجدانيّة الانفعاليّة لتلبية مطالب طفلها بسرعةٍ وحيويّةٍ لا تَرجع فيهما إلى تفكير بطيء، وهذه الطبيعة لا تتجزّأ، فالمرأة شخصيّة موحَّدة، هذا طابعها حين تكون امرأة سَويّة، بينما الشهادة على التعاقد بحاجة إلى تجرّد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثّر ولا إيحاء، ووجود امرأتين فيه ضَمانة أنْ تُذكِّر أحداهما الأُخرى - إذا جَرَفها الانفعال - فتتذكّر وتفي إلى الوقائع المجرّدة (1) .

ويعود السرّ في ذلك كلّه، إلى نقص الضبط فيهنّ، لأسبابٍ تَرجع إلى طبيعتها الأُنوثيّة، قال الطبرسي: لأنّ النسيان يَغلب على النساء أكثر ممّا يَغلب على الرجال (2) ، أي في مثل الأُمور التي لا تَمسّ شؤونها البيتيّة وتربية الأولاد.

نكتة أدبيّة في الآية

أمّا لماذا تكرّرت لفظة (إحداهما)؟ أَما كان يكفي أن يقول: ( أنْ تَضِلَّ إحداهما فتذكّرها الأُخرى ) ؟

لكن نظراً لفَحوى الآية كان هذا التعبير غير وافٍ بمفادها؛ إذ هذا التعبير إنّما يعني: أنّ إحداهما إذا نسيت شيئاً ممّا تحمّلته فإنّ الأُخرى تُذكِّرها، وهذا ليس مقصود الآية، بل المقصود: أنّ كلتيهما عُرضةٌ للخطأ والنسيان، فتقوم كلّ واحدة منهما بتَتميم أو تكميل ما نَقُص مِن شهادة صاحبتها، فهذا التعامل والتفاعل في شهادتِهما، وتكامل شهادة كلّ منهما بشهادة الأُخرى تُعدّ شهادةً واحدةً كاملةً في مقابل شهادة الرجل الكاملة بوحدتها.

ومِن ثَمَّ وَجَب إعادة (إحداهما) - بلفظه لا بضميره - لإفادة هذا المعنى (3) .

وذكر الطبرسي وجهاً آخر نقله عن الوزير الأديب الحسين بن علي المغربي وهو أنّ المعنى: أنْ تضِلَّ إحدى الشهادَتَين عن إحدى المرأتين فتُذكِّرها بها المرأة الأُخرى، فجعل (إحدى الأُولى للشهادة والثانية للمرأة، قال: معناه أنْ تضِلَّ إحدى الشهادتين أي تضيع بالنسيان، فتذكّر إحدى المرأتين الأُخرى)، وبذلك لم يتكرّر اللفظ.

____________________

(1) راجع: في ظِلال القرآن لسيّد قطب، المجلّد الأوّل، ص493 مع اختزالٍ يسير.

(2) راجع: مجمع البيان، ج1، ص398، وتفسير القاسمي، ج1، ص635.

(3) راجع: تفسير المنار لمـُحمّد عبده، ج3، ص123.

١٣٥

وأيّده الطبرسي بأنّ نسيان الشهادة لا يُسمّى ضَلالاً، ولا يُسمّى ناسي الشهادة ضالاًّ؛ لأنّ الضَّلال معناه الضَّياع، والمرأة لا تضيع، ويقال للشهادة ضَلّت إذا ضاعت، كما قال سبحانه: ( قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ) (1) أي ضاعوا منّا (2) ، ومثله ( لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ) (3) .

لكن الزمخشري فسرّ الآية على ظاهرها، قال: ( أنْ تَضِلَّ إحداهما ) أنْ لا تهتدي إحداهما للشهادة بأنْ تنساها، مِن قولهم: ضلّ الطريقَ، إذا لم يهتد إليه (4) ، فيكون الضَّلال هنا بمعنى عدم الاهتداء.

وقوله تعالى: ( ضَلُّوا عَنَّا ) أي ذهبوا عنّا وافتقدناهم، فلا يَقْدِرون على الدفع عنّا وبَطَلت عبادتنا إيّاهم (5) ، وقوله: أي لا يذهب عليه شيء (6) ، بمعنى: لا يَفقده ولا يَغيب عنه.

وقد فسّر الراغب (الضَّلال) في الآية بمعنى النسيان (7) .

المرأة في مجال القضاء

القضاء باعتباره مَنصِباً رسميّاً لفصل الخصومات في النظام الإسلامي الحاكم وهو مَنصِب خطير وذو مسؤوليّة جسيمة فإنّه لا يَصلح للمرأة - وهي ذات نفسيّة مُرهَفة - أنْ تتصدّى له، على غِرار سائر المسؤوليّات الخطيرة ممّا هو مِن شؤون الولاية العامّة، الخاصّة بوليّ أمر المسلمين.

وبذلك اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّ القضاء مِن شؤون الولاية الكبرى الخاصّة بإمام المسلمين (8) ، وكلّ شان مِن شؤون الولاية الكبرى في الحُكم الإسلامي لا يجوز إيكالُه إلى

____________________

(1) الأعراف 7: 37.

(2) مجمع البيان، ج2، ص398.

(3) طه 20: 52، والآية ذَكرها الشيخ مُحمّد عبده تأييداً للطبرسي حسب الظاهر.

(4) الكشّاف، ج1، ص326.

(5) مجمع البيان، ج4، 416.

(6) المصدر: ج7، ص13.

(7) أي في قوله تعالى: البقرة 2: 282.

(8) قال الشهيد السعيد أبو عبد اللّه مُحمّد بن مكي العاملي: وهو (القضاء) ولاية شرعيّة على الحُكم في المصالح العامّة مِن قِبل الإمام، الدروس الشرعيّة، ص168.

١٣٦

امرأة ولا تَصلح لحمل عِبئِه الثقيل، وقد أَنكر النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) على قومٍ (يُريد بهم الفُرس يومذاك) (1) وَلّوا أمرَهم امرأةً وأنذرهم بعدم الفَلاح، قال: (لن يُفلِح قومٌ وَلّوا أمرَهم امرأةً) (2) .

وقد أوصى النبيُّ إلى علي (عليهما السلام) ومِن جملتها ما جاء بشأن النساء: (ولا تُوَلّى القضاء) (3) ، وفي حديث عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (ولا تُوَلّى المرأةُ القضاء ولا تُوَلّى الإمارة) (4) ، والعُمدة إجماع الفقهاء على ذلك لم يخالف فيه أحد (5) .

وعُلِّل ذلك بما ورد في القرآن في وَصفِ شأنهنّ بأنّهنّ مُرهَفات الحال، رقيقات البال، فاقِدات تلك الصَّلابة التي تتناسب ومَنصِب القضاء، قال تعالى: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) (6) ؛ إنّها لنُعومَة بالِها ورقّة خاطرها سريعةُ الانفعال، تحنّ إلى العطف والحنان أكثر ممّا تحنّ إلى الحزم والعقل الرشيد؛ ولذلك قال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) فيما كَتَبه إلى ابنه الحسن(عليه السلام): (ولا تُمَلِّكِ المرأةَ مِن أمرِها ما جَاوَز نفسها، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقَهرمانة) (7) ، إشارة إلى ما جاء في الآية الكريمة مِن نُعومة حال المرأة بما يُفقِدُها صلاحيّة التصَلّب أمام فَصل الخُصومات.

وللبحث هنا جوانب حقّقناها في دراساتنا الفقهيّة بشكلٍ مُستَوعَب، فليراجع هناك.

المرأة في مجال الحضانة

اشتَهَر القول بأنّ حقَّ حضانتِها بشأن وِلْدِها البنين ينتهي بانتهاء أَمَدِ الرَّضّاعة وهي السَّنتان، أمّا في البنات فبانقضاء سبع سنين.

لكنَّ أبا جعفر الصدُوق جعل أَمَد حضانتِها ما لم تتزوّج، مِن غير فَرقٍ بين البنين

____________________

(1) حيث وَلّوا أمرَهم حينذاك امرأةً (بوراندخت) هي ابنة خسرو برويز.

(2) سُنَن البيهقي، ج10، ص118، ومسند أحمد بن حنبل، ج5، ص38 و43 و47 و51 بألفاظ وتعابير متقاربة.

(3) مَن لا يحضره الفقيه للصدوق، ج4، ص263.

(4) بحار الأنوار، ج100، باب جوامع أحكام النساء، ص254، رقم 1.

(5) لذلك شرح طويل عرضناه في مجال الفقه.

(6) الزخرف 43: 18.

(7) نهج البلاغة، كتاب رقم 31، ص405.

١٣٧

والبنات (1) ، وذَكَر في جامِعِه حديثاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) سُئل عن رجُلٍ طلّق امرأته وبينهما وَلَد، أيّهما أحقّ به؟ قال: (المرأة ما لم تتزوّج) (2) ، والوَلَد يُطلق على الذكر والأنثى.

وذكر ابن الجُنيد الإسكافي (ت 381) - وكان مُعاصراً للصدوق -: أنّ الأُمّ أحقّ بالصبيّ إلى سبع سنين، فلو جاوَزها ولم يَبلُغ رُشْدَ عقله بَقيَ على حضانة الأُمّ حتّى يَرشُد، وأمّا البنت فالأُمّ أحقّ بها مِن غير تحديد بالسنّ، ما لم تتزوج الأُمّ (3) .

وقال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت460) في المبسوط: الطفل ما لم يُميِّز يكون في حضانة الأُمّ والنفقة على أبيه، فإذا مَيّز فيما إذا بَلَغ سبع أو ثماني سنين فما فوقها إلى البلوغ، فإنْ كان ذكراً فالأب أحقّ به، وإنْ كانت أنثى فالأُمّ أحقّ بها أيضاً ما لم تتزوّج الأُمّ، واستند في ذلك إلى روايات الأصحاب، وهكذا ذَكَر في كتاب الخلاف (4) .

وذَكَر قريباً منه القاضي ابن البرّاج الطرابلسي (ت 481) (5) ، وهو مِن أعلام فقهاء الإماميّة المـَرمُوقين.

والرواية الوحيدة ذات السند الصحيح في الباب وقد عَمِل بها الأصحاب هي ما رواه الصدوق بإسناده إلى عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أيّوب بن نوح - كوفيّ ثقة - قال: كَتَب إليه (الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)) بعضُ أصحابه: أنّه كانت لي امرأة ولي منها وَلَد وَخَلَّيتُ سبيلَها، فَكَتب (عليه السلام) في جوابه: (المرأة أحقّ بالوَلَد إلى أنْ يَبلغ سبع سنين، إلاّ أنْ تشاء المرأة) (6) .

وهكذا ابن إدريس في المـُستطرفات بالإسناد إلى أيوب، قال: كَتبتُ إليه: جُعِلتُ فِداك، رجل تزوّج امرأةً فوَلَدت مِنه ثُمّ فارَقَها، متى يجب له أنْ يأخذ وَلَدَه؟ فكتب (عليه السلام) (إذا صَار له سبع سنين، فإنْ أَخَذَه فَلَه وإنْ تَرَكه فَلَه) (7) .

هاتان روايتان صحيحتا الإسناد، جَعَلتا حقَّ الحضانة للأُمّ بشأن وَلَدها إلى سبع

____________________

(1) ذكره العلاّمة في المختلف، ج7، ص306.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص275، باب 127، رقم 2.

(3) المختلف للعلاّمة، ج7، ص307.

(4) المبسوط للطوسي، ج6، ص39، والخلاف، كتاب النفقات، ج2، ص335، مسألة 36.

(5) راجع: كتابه المهذب، ج2، ص352.

(6) وسائل الشيعة، ج21، ص472، رقم 6 و7.

(7) المصدر: رقم 6 و7.

١٣٨

سنين، ذكراً أو أُنثى. ولا معارض لهما ولا تقييد، فالعمل بهما متعيّن.

ولذلك قال السيّد مُحمّد العاملي صاحب المدارك: والذي يقتضيه الوقوف مع الرواية الصحيحة أنّ الأُمّ أحقّ بالوَلَد إلى أنْ يَبلُغ سبع سنين مطلقاً (1) .

ومِن الفقهاء المعاصرين سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي طاب ثراه اختار هذا الرأي وجَعَل حقّ الحضانة للأُمّ إلى سبع سنين سواء في البنين والبنات (2) .

وهذا هو أيضاً مُقتضى قوله تعالى: ( لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) (3) ، بعد أن كان ذلك حُكماً عامّاً يشمل جميع أنحاء الإضرار بها مِن جانب وَلَدِها، إذا فُصِل عنها بعد الفِطام. وقد فصّلنا الكلام عن ذلك في مجال الفقه.

الطلاق والعِدّة والعدد

ممّا أُخِذ على الإسلام وعلى القرآن بالذات إطلاق سَراح الرجُل بشأن المرأة، في الطلاق والإمساك، وإعضالِها عن أنْ تَملُك نفسها إلاّ حيث شاء الزوج، حقّاً قانونياً له دونَها، الأمر الذي يَجعلُها مُهانةً لا وزن لها في الحياة الزوجيّة ما دامت لا تَعدو مُتعةً للرجل يَعبث بها حسبَما شاء!

وهذا مِن الأثر المتبقي مِن أعرافٍ جاهليّةٍ أُولى، قام الإسلام بتعديلها وربّما آخِذاً بجانبها ولكن في شيءٍ يسيرٍ لم يرفعْها إلى حيثُ كرامتها الإنسانيّة العليا!

قال الشيخ مُحمّد عَبده: كان للعرب في الجاهليّة طَلاق ومُراجعة في العِدّة، ولم يكن للطلاق حدّ ولا عدد، فإن كان لمـُغاضَبَةٍ عارِضَةٍ عاد الزوج واستقامت عشرته، وإنْ كان لمـُضارّة المرأة رَاجَعَ قبل انقضاء العِدّة واستأنف طلاقاً، ثُمّ يعود إلى ذلك المرّة بعد المرّة أو يفيء ويَسكُن غضبُه، فكأنّ المرأة اُلعوبة بيد الرجل يُضارُّها بالطَلاق ما شاء أنْ يضارَّها، فكان ذلك ممّا أصلحه الإسلام مْن أمور الاجتماع (4) .

____________________

(1) نهاية المرام للعاملي، ج 1، ص 468.

(2) منهاج الصالحين، ج 2، ص 321، مسألة 9، فصل 9 في أحكام الأولاد.

(3) البقرة 2: 233.

(4) راجع: تفسير المنار، ج 2، ص 381.

١٣٩

وذَكَر في سبب نزول الآيات 228 - 232 من سورة البقرة بهذا الشأن: أنّ الرجل كان يُطلِّق امرأته ما شاء أنْ يُطلّقها وهي امرأته إذا ارتَجَعَها وهي في العِدّة وإنْ طلّقها مِئة مرّة وأكثر، حتّى قال رجل لامرأته: والله لا أُطلِّقك فَتَبيني، ولا آويك أبداً! قالت: وكيف ذلك؟ قال: أُطلِّقك، فكلّما همّتْ عِدّتُك أنْ تنقضي راجعتُكِ، فذهبت المرأة حتّى دخلت على عائشة فأخبرتها، فصبرت عائشة حتّى جاء النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) فأخبرته بذلك، فسكت النبيّ هُنيئة حتّى نزل القرآن: ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ... ) إلى آخر الآيات (1) .

حاوَلَ بعضُ الكُتّاب العصريّين أنْ يجعل من التشريعات الإسلاميّة متأثِّرةً بعض التأثّر بتقاليدٍ كانت سائدة ذلك العهد، فهو وإنْ كان قام بتعديلات خطيرة في تقاليد العرب لكنّه مع ذلك اضطرّ إلى الرضوخ لبعض تقاليدهم جرياً مع مُقتضيات الزمان، ومنها أَمر الطلاق حيث جَعَله بيد الرجل وِفْقاً مع عُرف القوم السائد! قال: ولا سيّما إذا ما لا حظنا أنّ التشريعات الإسلاميّة في مثل هذه الشؤون إمضائيّة وليست تأسيسيّة كما هو معروف (2) .

* * *

ولنا أنْ نتساءل: هل تَنازل الإسلام في تشريعاته الأُولى - ولو في جوانبٍ منها - إلى حيث مستوى ثقافة ذلك العهد وتلاؤماً مع مُقتضيات عصره حتّى تُصبح صالحةً للتغيير مع تطوّر الزمان؟

الجواب: كلاّ، ولا سيّما التشريعات التي جاءت نصّاً في القرآن الكريم.

الإسلام جاء بثقافة جديدة شاملة ليَرفض كلّ تقاليد جاهليّة كانت سائدة ذلك اليوم، وأَلبَسها ثوب الخلود (حلال مُحمّدٍ حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة) (3) ، إلاّ ما كان من قبيل التدبير في الشؤون السياسيّة لإدارة البلاد وِفق شرائط الزمان على ما أسلفنا؛ ومِن ثَمّ كانت التشريعات الإسلاميّة مُنذ البدء تنقسم إلى قسمين

____________________

(1) الدرّ المنثور، ج 1، ص 662، ومجمع البيان، ج 2، ص 329.

(2) الدكتور حسين مهربور أخصّائي في الحقوق، مجلّة (نامه مفيد)، العدد 21، ص 161.

(3) راجع: صحيحة زرارة في الكافي، ج 1، ص 58، رقم 19.

١٤٠