تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 203398
تحميل: 37830

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203398 / تحميل: 37830
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حق النظر فيعرفوا نبوته، ويعرفوا [به] صحة ما ناطه بعليعليه‌السلام من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، وصاروا خائفين وجلين من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وذويه ومن مخالفيهم، لا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه، فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبة محمد والمؤمنين، ولا محبة اليهود وسائر الكافرين.

لانهم به وبهم يظهرون لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من موالاته وموالاة أخيه عليعليه‌السلام ومعاداة أعدائهم اليهود [والنصارى] والنواصب.

كما يظهرون لهم من معاداة محمد وعلي صلوات الله عليهما وموالاة(١) أعدائهم، فهم يقدرون فيهم أن نفاقهم معهم كنفاقهم مع محمد وعلي صلوات الله عليهما.

(ولكن لا يعلمون) أن الامر كذلك(٢) ، وأن الله يطلع نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أسرارهم فيخسهم(٣) ويلعنهم ويسقطهم(٤) قوله عزوجل: " واذا لقوا الذين آمنو قالوا آمنا واذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ": ١٤ و ١٥

٦٣ - [قال الامام]عليه‌السلام : قال موسى بن جعفرعليهما‌السلام : " وإذا لقوا " هؤلاء الناكثون للبيعة، المواطؤن(٥) على مخالفة عليعليه‌السلام ودفع الامر عنه.

(الذين آمنوا قالوا آمنا) كايمانكم، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار

____________________

(١) " معاداة " البحار.أى أعداء اليهود والنصارى، ومرجع الضمير في المتن: الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه.

(٢) " ليس كذلك " البحار.

(٣) شئ خساس ومخسوس: تافه مرذول، وفى " ص " فيخيبهم، وفى " ط " فيحسهم، والحس: القتل الذريع، وفى البحار: فيخسأهم.

(٤) عنه تأويل الايات: ١ / ٤٠ ح ١١، والبحار: ٣٧ / ١٤٧ ذ ح ٣٦، والبرهان: ١ / ٦٢ ح ١ إلى قوله: كما يظهرون لهم من معاداة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلىعليه‌السلام .

(٥) " المواظبون " ب، س، ط، خ ل / أ.

(*)

١٢١

قالوا لهم: آمنا بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسلمنا له بيعة عليعليه‌السلام وفضله، وانقدنا(١) الامره كما آمنتم.

وإن أولهم، وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه، فاذا لقوهم اشمأزوا منهم، وقالوا: هؤلاء أصحاب الساحر والاهوج - يعنون محمدا وعليا صلوات الله عليهما -.

ثم يقول بعضهم [لبعض]: احترزوا منهم لا يقفون(٢) من فلتات(٣) كلامكم على كفر محمد فيما قاله في علي، فينموا عليكم فيكون فيه هلاككم، فيقول أولهم: انظروا إلي كيف أسخر منهم، وأكف عاديتهم عنكم.

فاذا التقوا، قال أولهم: مرحبا بسلمان ابن الاسلام الذي قال فيه محمد سيد الانام " لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجلا من أبناء فارس، هذا أفضلهم " يعنيك.

وقال فيه:(سلمان منا أهل البيت)، فقرنه بجبرئيل الذي قال له(٤) يوم العباء [لما] قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنا منكم؟ فقال: " وأنت منا "، حتى ارتقى جبرئيل إلى الملكوت الاعلى يفتخر على أهله [و] يقول: من مثلي بخ بخ، وأنا من أهل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم يقول للمقداد: [و] مرحبا بك يا مقداد، أنت الذي قال فيك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي المقداد أخوك في الدين وقد قد منك، فكأنه بعضك، حبا لك.

وبغضا لاعدائك(٥) وموالاة لاوليائك، لكن ملائكة السماوات والحجب أكثر حبا لك منك لعليعليه‌السلام ، وأشد بغضا على أعدائك منك على أعداء عليعليه‌السلام - فطوباك ثم طوباك.

ثم يقول لابى ذر: مرحبا بك يا أبا ذر [و] أنت الذي قال فيك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

قيل: بماذا فضله الله تعالى بهذا وشرفه؟

____________________

(١) انقاد، انقيادا: خضع وأذعن، " وأنفذنا " ب، ط، وبعض المصادر.

(٢) " يفقهون " أ.

(٣) فلتات الكلام: زلاته وهفواته.

(٤) " فيه " ب، ط.

(٥) " تعصبا على أعدائك " س، ص.

(*)

١٢٢

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لانه كان بفضل علي أخي رسول الله قوالا، وله في كل الاحوال مداحا، ولشانئيه وأعدائه شانئا، ولاوليائه وأحبائه مواليا، [و] سوف يجعله الله عزوجل في الجنان من أفضل سكانها، ويخدمه مالا يعرف عدده إلا الله من وصائفها وغلمانها وولدانها.

ثم يقول لعمار بن ياسر: أهلا وسهلا ومرحبا بك يا عمار، نلت بموالاة أخي رسول الله - مع أنك وادع، رافه(١) لا تزيد على المكتوبات والمسنونات من سائر العبادات - مالا يناله الكاد بدنه ليلا ونهارا، يعني الليل قياما والنهار صياما، والباذل أمواله وإن كانت جميع [أموال] الدنيا له.

مرحبا بك قد رضيك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي أخيه مصافيا، وعنه مناويا حتى أخبر أنك ستقتل في محبته، وتحشر يوم القيامة في خيار زمرته، وفقني الله تعالى لمثل عملك وعمل أصحابك ممن يوفر على خدمة محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخي محمد علي ولي الله، ومعاداة أعدائهما بالعداوة، ومصافات أوليائهما بالموالاة والمتابعة(٢) سوف يسعدنا الله يومنا هذا إذا التقيناكم.

فيقبل(٣) سلمان وأصحابه ظاهرهم كما أمرهم الله، ويجوزون عنهم.

فيقول الاول لاصحابه: كيف رأيتم سخريتي بهؤلاء، وكفي(٤) عاديتهم عني وعنكم؟ ! فيقولون: لاتزال(٥) بخير ما عشت لنا.

فيقول لهم: فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا(٦) الفرصة فيهم مثل هذا فان اللبيب العاقل من(تجرع على)(٧) الغصة حتى ينال الفرصة.

____________________

(١) وادع: أى ساكن، هادئ، ورفه العيش: لان، وطاب، فهو رافه، ورفيه.

(٢) " المشايعة " ب، س، ص، ط.

(٣) " فيقول " أ، وبعض المصادر، وهو تصحيف.

(٤) " وكيف كففت " ص.

(٥) " نزال " البحار: ٦.

(٦) " تنتهز " أ.

(٧) " يتجرع " أ.

(*)

١٢٣

ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أداه إليهم عن الله عزوجل من ذكرو تفضيل أمير المؤمنينعليه‌السلام ونصبه إماما على كافة المكلفين(١) " قالوا - لهم - إنا معكم إنما نحن " على ما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الامر إن كانت لمحمد كائنة، فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم وترونا نجترئ عليهم من مداراتهم ف‍ " إنما نحن مستهزؤن " بهم.

فقال الله عزوجل: يا محمد " الله يستهزئ بهم " [و] يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة " ويمدهم في طغيانهم " يمهلهم ويتأنى(٢) بهم برفقه، ويدعوهم إلى التوبة، ويعدهم إذا تابوا(٣) المغفرة، [وهم] يعمهون " لا ينزعون(٤) عن قبيح، ولا يتركون أذى لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه.

قال الامام العالمعليه‌السلام : فأما استهزاء الله تعالى بهم في الدنيا فهو أنه - مع أجرائه اياهم على ظاهر أحكام المسلمين لاظهارهم ما يظهرونه من السمع والطاعة، والموافقة - يأمر(٥) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتعريض لهم حتى لا يخفى على المخلصين من المراد بذلك التعريض، ويأمره بلعنهم.

وأما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله عزوجل إذا أقرهم(٦) في دار اللعنة والهوان وعذبهم بتلك الالوان العجيبة من العذاب، وأقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله صفي الملك الديان، أطلعهم على هؤلاء المستهزئين الذين كانوا يستهزؤن

____________________

(١) " المسلمين " البحار: ٦.

(٢) تأنى بالامر: ترفق.

(٣) " أنابوا " ب، ص، ط، والبحار: ٨ ط حجر.وكلاهما بمعنى.

(٤) نزع عن كذا: كف وانتهى عنه." يرعوون " س، ص، ط، والبحار.وهى بمعناها.

(٥) " يأمرهم " ب، ط.

(٦) " أقر المنافقين المعادين لعلى " البحار: ٨.

(*)

١٢٤

بهم في الدنيا حتى يروا ماهم فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات، فتكون لذتهم وسرورهم بشماتتهم بهم، كما [كان] لدتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربهم.

فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين والمنافقين بأسمائهم وصفاتهم، وهم على أصناف: منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه.ومنهم من هو بين مخالب سباعها تعبث به وتفترسه.

ومنهم من هو تحت سياط زبانيتها وأعمدتها ومرزباتها(١) تقع من أيديها عليه [ما] تشدد في عذابه، وتعظم خزيه ونكاله.

ومنهم من هو في بحار حميمها يغرق، ويسحب فيها.

ومنهم من هو في غسلينها وغساقها يزجره فيها زبانيتها.

ومنهم من هو في سائر أصناف عذابها.

والكافرون والمنافقون ينظرون، فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون - لما كانوا من موالاة محمد وعلي وآلهما صلوات الله عليهم يعتقدون - ويرون: منهم من هو على فرشها يتقلب.

ومنهم من هو في فواكهها يرتع.

ومنهم من هو في غرفها أو في بساتينها [أ] ومنتزهاتها يتبحبح(٢) ، والحور العين والوصفاء والولدان والجواري والغلمان قائمون بحضرتهم، وطائفون بالخدمة حواليهم، وملائكة الله عزوجل يأتونهم من عند ربهم بالحباء والكرامات وعجائب التحف والهدايا والمبرات، يقولون [لهم]: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

____________________

(١) المرزبة - بالتخفيف -: المطرقة الكبيرة التى تكون للحداد.

(٢) تبحبح: اذا تمكن وتوسط المنزل والمقام.

(*)

١٢٥

فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين المنافقين: يا فلان ! ويا فلان ! ويا فلان ! - حتى ينادونهم بأسمائهم - ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون؟ هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم، وتلحقوا بنا في نعيمها.

فيقولون: يا ويلنا أنى لنا هذا؟ [ف‍] يقول المؤمنون: انظروا إلى هذه الابواب.

فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون، ويقدرون أنهم يتمكنون أن يتخلصوا إليها، فيأخذون بالسباحة في بحار حميمها، وعدوا بين أيدي زبانيتها وهم يلحقونهم ويضربونهم بأعمدتهم ومرزباتهم وسياطهم، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك وهذه الاصناف من العذاب تمسهم، حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الابواب وجدوها مردومة عنهم وتدهدههم(١) الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم.

ويستلقي أولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزئين بهم فذلك قول الله تعالى(الله يستهزئ بهم) وقوله عزوجل:(فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون)(٢) وقوله عزوجل: " اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ": ١٦

٦٤ - [قال الامام]عليه‌السلام : قال الامام العالم موسى بن جعفرعليهما‌السلام :(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) باعوا دين الله واعتاضوا منه الكفر بالله(فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة، لانهم اشتروا النار وأصناف عذابها بالجنة

____________________

(١) " تزهدهم " أ." دهدهم " ب، ط.

الزهد والزهادة: الاعراض عن الشئ احتقارا له.

ودهده الحجر: دحرجه.

(٢) عنه البحار: ٦ / ٥١ ضمن ح ٢، وج ٨ / ٢٩٨ ح ٥٢، وج ٨ / ٢١٩ ط.

حجر، والبرهان: ١ / ٦٢.

والاية الاخيرة: ٣٤ و ٣٥ من سورة المطففين.

(*)

١٢٦

التي كانت معدة لهم لو آمنوا(وماكانوا مهتدين) إلى الحق والصواب.

فلما أنزل الله عزوجل هذه الآية حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوم، فقالوا: يا رسول الله سبحان الرازق، ألم تر فلانا كان يسير البضاعة، خفيف ذات اليد، خرج مع قوم يخدمهم في البحر فرعوا له حق خدمته، وحملوه معهم إلى الصين وعينوا له يسيرا من مالهم، قسطوه على أنفسهم له، وجمعوه فاشتروا له [به](١) بضاعة من هناك فسلمت فربح الواحد عشرة.

فهو اليوم من مياسير أهل المدينة؟ وقال قوم آخرون بحضرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله ألم تر فلانا كانت حسنة حاله، كثيرة أمواله، جميلة أسبابه، وافرة خيراته وشمله مجتمع، أبى إلا طلب الاموال الجمة، فحمله الحرص على أن تهور، فركب البحر في وقت هيجانه، والسفينة غير وثيقة، والملاحون غير فارهين إلى أن توسط البحر حتى لعبت بسفينته ريح [عاصف] فأزعجتها إلى الشاطئ، وفتقتها(٢) في ليل مظلم وذهبت أمواله، وسلم بحشاشة نفسه(٣) فقيرا وقيرا(٤) ينظر إلى الدنيا حسرة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أخبركم بأحسن من الاول حالا، وبأسوأ من الثاني حالا؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما أحسن من الاول حالا فرجل اعتقد صدقا بمحمد [رسول الله]، وصدقا في إعظام علي أخي رسول الله ووليه، وثمرة قلبه ومحض طاعته، فشكر له ربه ونبيه ووصي نبيه فجمع الله تعالى له بذلك خير الدنيا والاخرة، ورزقه لسانا لآلاء الله تعالى ذاكرا، وقلبا لنعمائه شاكرا، وبأحكامه راضيا، وعلى احتمال مكاره أعداء محمد وآله نفسه موطنا، لاجرم أن الله عزوجل سماه عظيما في ملكوت أرضه وسماواته، وحباه

____________________

(١) من البحار والحلية.

(٢) " فتتها " أ، ص.

(٣) " بحشاشته " ص، ط، والبحار: ٦٨.

والحشاشة: رمق بقية الحياة والروح.

(٤) أى ذليلا مهانا.

وفى " ط " قتيرا.

(*)

١٢٧

برضوانه وكراماته، فكانت تجارة هذا أربح، وغنيمته أكثر وأعظم.

وأما أسوأ من الثاني حالا فرجل أعطى أخا محمد رسول الله بيعته، وأظهر له موافقته وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، ثم نكث بعد ذلك وخالف(١) ووالى عليه أعداء‌ه، فختم له بسوء أعماله فصار إلى عذاب لايبيد ولا ينفد، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.

محبة علىعليه‌السلام وآله

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : معاشر عباد الله عليكم بخدمة من أكرمه الله بالارتضاء، واجتباه بالاصطفاء، وجعله أفضل أهل الارض والسماء بعد محمد سيد الانبياء علي بن أبي طالبعليه‌السلام وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وقضاء حقوق إخوانكم الذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركاؤكم.

فان رعاية علي أحسن من رعاية هؤلاء التجار الخارجين بصاحبكم - الذي ذكرتموه - إلى الصين الذي عرضوه للغناء(٢) وأعانوه بالثراء(٣) .

أما أن من شيعة علي لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفة سيئاته(٤) من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار التيارة(٥) تقول الخلائق: هلك هذا العبد، فلا يشكون أنه من الهالكين، وفي عذاب الله من الخالدين.

فيأتيه النداء من قبل الله عزوجل: يا أيها العبد الخاطئ [الجاني] هذه الذنوب الموبقات، فهل بازائها حسنات تكافئها، فتدخل جنة الله برحمة الله؟ أو تزيد عليها فتدخلها بوعدالله؟ يقول العبد: لا أدري.

____________________

(١) " خالفه " ب، ط.

(٢) " للغى " ط.

(٣) " بالشراء " خ ل.

(٤) " ميزانه " ب، ط.

(٥) " السيارة " أ، والبحار: ٨.

يقال: قطع عرقا تيارا أى سريع الجرية.

(لسان العرب: ٤ / ٩(٧)(*)

١٢٨

فيقول منادى ربنا عزوجل: فان ربي يقول: ناد في عرصات القيامة: ألا إني فلان بن فلان، من أهل بلد كذا [وكذا]، قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بازائها، فأي أهل هذا المحشر كان لي عنده يد أو عارفة فليغثني بمجازاتي عنها، فهذا أو ان شدة حاجتي إليها.

فينادي الرجل بذلك، فأول من يجيبه علي بن أبي طالبعليه‌السلام لبيك لبيك [لبيك] أيها الممتحن في محبتي، المظلوم بعداوتي.ثم يأتي هو ومعه عدد كثير وجم غفير، وإن كانوا أقل عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات.

فيقول ذلك العدد: يا أمير المؤمنين نحن إخوانه المؤمنون، كان بنا بارا، ولنا مكرما وفي معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا، وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له.

فيقول عليعليه‌السلام : فبماذا تدخلون جنة ربكم؟ فيقولون: برحمته الواسعة التي لا يعدمها من والاك، ووالى آلك، يا أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيأتي النداء من قبل الله عزوجل: يا أخا رسول الله هؤلاء اخوانه المؤمنون قد بذلوا له، فانت ماذا تبذل له؟ فاني أنا الحاكم(١) ، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك، وما بينه وبين عبادي(٢) من الظلامات، فلابد من فصل الحكم بينه وبينهم.

فيقول علىعليه‌السلام : يا رب أفعل ما تأمرني.

فيقول الله عزوجل: [يا علي] اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله.

فيضمن لهم عليعليه‌السلام ذلك، ويقول لهم: اقترحوا علي ما شئتم أعطكموه عوضا عن ظلاماتكم قبله.

فيقولون: يا أخا رسول الله تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك

____________________

(١) " الحكم " ص، التأويل، والبحار.

(٢) " العباد " أ.

(*)

١٢٩

ليلة بيتوتتك على فراش محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيقول عليعليه‌السلام : قد وهبت ذلك لكم.

فيقول الله عزوجل: فانظروا يا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي [بن أبي طالبعليه‌السلام ] فداء لصاحبه من ظلاماتكم.

ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها، فيكون من ذلك ما يرضي الله عزوجل به خصماء أولئك المؤمنين.

ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال(١) بشر.

فيقولون: يا ربنا هل بقي من جناتك شئ؟ إذا كان هذا كله لنا، فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والانبياء والصديقين والشهداء والصالحين؟ ويخيل إليهم عند ذلك أن الجنة بأسرها قد جعلت لهم.

فيأتي النداء من قبل الله عزوجل: يا عبادي هذا ثواب نفس من أنفاس علي [ابن أبي طالب] الذي قد اقترحتموه عليه، قد جعله لكم، فخذوه وانظروا، فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوضهم عليعليه‌السلام عنه إلى تلك الجنان، ثم يرون ما يضيفه الله عزوجل إلى ممالك عليعليه‌السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليه الموالي له، مما شاء الله عزوجل من الاضعاف التي لا يعرفها غيره.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " أذلك خير نزلا؟ أم شجرة الزقوم "(٢) المعدة لمخالفي أخي ووصيي علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٣)

____________________

(١) " قلب " ب، س، ط.

(٢) الصافات: ٦٢.

(٣) عنه البحار: ٨ / ٥٩ ح ٨٢ وج ٦٨ / ١٠٦ ح ٢٠، وتأويل الايات: ١ / ٩٠ ح ٧٨ من قوله: معاشر عباد الله، وحلية الابرار: ١ / ٣٠٣ الباب ١٧، والبرهان: ١ / ٦٤ ح ١(قطعة).

(*)

١٣٠

قوله عزوجل: " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاء‌ت ماحوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمى فهم لا يرجعون ": ١٧

٦٥ - قال الامام [عليه‌السلام : قال] موسى بن جعفرعليها‌السلام : مثل هؤلاء المنافقين كمثل الذي استوقد نارا أبصر بها ماحوله، فلما أبصر ذهب الله بنورها بريح أرسلها عليها فأطفأها، أو بمطر.

كذلك مثل هؤلاء المنافقين الناكثين لما أخذ الله تعالى عليهم من البيعة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام أعطوا ظاهرا بشهادة: أن لا إله إلا إلله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا وليه ووصيه ووارثه وخليفته في إمته، وقاضي ديونه، ومنجز عداته، والقائم بسياسة عباد الله مقامه، فورث مواريث المسلمين بها [ونكح في المسلمين بها] ووالوه من أجلها، وأحسنوا عنه الدفاع بسببها، واتخذوه أخا يصونونه مما يصونون عنه أنفسهم بسماعهم منه(١) لها.

فلما جاء‌ه الموت وقع في حكم رب العالمين، العالم بالاسرار، الذي لا يخفى عليه خافية فأخذهم العذاب بباطن كفرهم، فذلك حين ذهب نورهم، وصاروا في ظلمات [عذاب الله، ظلمات] أحكام الآخرة، لا يرون منها خروجا، ولا يجدون عنها محيصا.

ثم قال: " صم " يعني يصمون في الآخرة في عذابها." بكم " يبكمون هناك بين أطباق نيرانها " عمي " يعمون هناك.

____________________

(١) قال المجلسى -رحمه‌الله -: الضمير في " منه " راجع إلى أميرالمؤمنين، وفى " لها " إلى الانفس، أى بأنهم كانوا يسمعون منهعليه‌السلام ماينفع أنفسهم من المعارف والاحكام والمواعظ.

أو ضمير سماعهم راجع إلى المسلمين، وضمير منه إلى المنافق.

وضمير لها إلى الشهادة، أى اتخاذهم له أخا بسبب أنهم سمعوا منه الشهادة.

(*)

١٣١

وذلك نظير قوله عزوجل " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا "(١)

والبرهان: ١ / ٦٤ ح ١، والاية الاخيرة: ٩٧ من سورة الاسراء.

ما يتمثل للمنافقين عند حضور ملك الموت

٦٦ - قال الامام(٢) عليه‌السلام : عن أبيه، عن جده، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ما من عبد ولا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في الظاهر، ونكثها في الباطن وأقام على نفاقه إلا وإذا جاء‌ه ملك الموت ليقبض روحه تمثل له إبليس وأعوانه.

وتمثل النيران وأصناف عذابها(٣) لعينيه وقلبه ومقاعده(٤) من مضايقها.

وتمثل له أيضا الجنان ومنازله فيها لو كان بقي على إيمانه، ووفى ببيعته(٥) فيقول له ملك الموت: انظر فتلك الجنان التي لا يقدر(٦) قدر سرائها(٧) وبهجتها وسرورها إلا الله رب العالمين كانت معدة لك، فلو كنت بقيت على ولايتك لاخي محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إليها مصيرك يوم فصل القضاء، لكنك(نكثت وخالفت) فتلك النيران وأصناف عذابها وزبانيتها ومرزباتها وأفاعيها الفاغرة أفواهها، وعقاربها الناصبة أذنابها، وسباعها الشائلة(٨) مخالبها، وسائر أصناف عذابها هو لك وإليها مصيرك.

____________________

(١) عنه البحار: ٨ / ٣٨٦ ط.حجر.

(٢) " العالم " س، التأويل، البحار ٨، والبرهان.

(٣) " عقابها " س، ص، البحار: ٨ والبرهان، " عفاريتها " البحار: ٢٤، " عقاربها " التأويل.

وفى " ب، ط " لعينه وسمعه بدل " لعينيه ".

(٤) " تقاعده " أ، " معاقده " البحار: ٨.

(٥) " وفى بيعته " الاصل.

(٦) " يقادر " التأويل والبحار.

(٧) " مسراتها " ب، ط.

(٨) " السائلة " ب، ط.

والشائلة: المرتفعة.

قال ابن الاثير في النهاية: ٢ / ٤٣٤.

في صفتهصلى‌الله‌عليه‌وآله " سائل الاطراف " أى ممتدها.

(*)

١٣٢

فعند ذلك يقول: " يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا "(١) فقبلت ما أمرني والتزمت من موالاة عليعليه‌السلام ما ألزمني(٢) قوله عزوجل: " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه واذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ان الله على كل شئ قدير ": ١٩ - ٢٠.

٦٧ - قال الامام(٣) عليه‌السلام : ثم ضرب الله عزوجل مثلا آخر للمنافقين [فقال]: مثل ما خوطبوا به من هذا القرآن الذي أنزلنا عليك يا محمد، مشتملا على بيان توحيدي، وإيضاح حجة نبوتك، والدليل الباهر القاهر على استحقاق أخيك علي ابن أبي طالبعليه‌السلام للموقف الذي وقفته، والمحل الذي أحللته، والرتبة التي رفعته إليها، والسياسة التي قلدته إياها فهي " كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق " قال: يا محمد كما أن في هذا لمطر هذه الاشياء، ومن ابتلى به خاف، فكذلك هؤلاء في ردهم لبيعة عليعليه‌السلام ، وخوفهم أن تعثر أنت يا محمد على نفاقهم كمن هو في مثل هذا المطر والرعد والبرق، يخاف أن يخلع الرعد فؤاده، أو ينزل البرق بالصاعقة(٤) عليه، فكذلك هؤلاء يخافون أن تعثر على كفرهم، فتوجب قتلهم، واستيصالهم " يجعلون أصابعهم في آذانهم(٥) من الصواعق حذر الموت ".

____________________

(١) الفرقان: ٢٧.

(٢) عنه تاويل الايات: ١ / ٣٧٣ ح ٧، والبحار: ٢٤ / ١٨ ح ٣٠، وج ٨ / ٣٨٧ ط.

حجر والبرهان: ١ / ٦٥ ح ٢، وج ٣ / ١٦٥ ح ٨.

(٣) " العالم " البحار: ٨ ط.حجر، والبرهان.

(٤) " والصاعقة " ب، ط، والبرهان.

(٥) زاد في " ط " لئلا يخلع قلوبهم.

(*)

١٣٣

كما يجعل هؤلاء المبتلون بهذا الرعد [والبرق] أصابعهم في آذانهم لئلا يخلع صوت الرعد أفئدتهم، فكذلك يجعلون أصابعهم في آذانهم إذا سمعوا لعنك لمن نكث البيعة ووعيدك لهم إذا علمت أحوالهم(يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) لئلا يسمعوا لعنك [ولا] وعيدك فتغير ألوانهم فيستدل أصحابك أنهم هم المعنيون باللعن والوعيد، لما قد ظهر من التغير والاضطراب عليهم، فتقوى التهمة عليهم، فلا يأمنون هلاكهم بذلك على يدك وفي حكمك.

ثم قال: " والله محيط بالكافرين " مقتدر عليهم، لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم وأبدى لك أسرارهم، وأمرك بقتلهم.

ثم قال: " يكاد البرق يخطف أبصارهم " وهذا مثل قوم ابتلوا ببرق فلم يغضوا عنه أبصارهم، ولم يستروا منه وجوههم لتسلم عيونهم من تلالئه، ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق، ولكنهم نظروا إلى نفس البرق فكاد يخطف أبصارهم.

فكذلك هؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة الدالة على نبوتك الموضحة عن صدقك في نصب أخيك عليعليه‌السلام إماما.

ويكاد ما يشاهدونه منك يا محمد، ومن أخيك علي من المعجزات الدالات على أن أمرك وأمره هو الحق الذي لا ريب فيه، ثم هم مع ذلك لا ينظرون في دلائل ما يشاهدون من آيات القرآن، وآياتك، وآيات أخيك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، يكاد ذهابهم عن الحق في حججك يبطل عليهم سائر ماقد علموه(١) من الاشياء التي يعرفونها لان من جحد حقا واحدا، أداه ذلك الجحود إلى أن يجحد كل حق، فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق عليه، كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره.

ثم قال: " كلما أضاء لهم مشوا فيه "

____________________

(١) (٢) " علموه " أ، ص." علموا " البحار.

(*)

١٣٤

إذا ظهر ما قد اعتقدوا أنه هو الحجة مشوا فيه: ثبتوا عليه.

وهؤلاء كانوا إذا أنتجت(١) خيولهم الاناث، ونساؤهم الذكور، وحملت نخيلهم وزكت زروعهم، وربحت(٢) تجارتهم، وكثرت الالبان في ضروع جذوعهم(٣) قالوا: يوشك أن يكون هذا ببركة بيعتنا لعليعليه‌السلام إنه مبخوت مدال [فبذلك] ينبغي أن نعطيه ظاهر الطاعة لنعيش في دولته.

" واذا أظلم عليهم قاموا " أي [وإذا] أنتجت خيولهم الذكور، ونساؤهم الاناث، ولم يربحوا في تجارتهم ولا حملت نخيلهم، ولا زكت زروعهم، وقفوا وقالوا: هذا بشؤم هذه البيعة التي بايعناها عليا، والتصديق الذي صدقنا محمدا.

وهو نظير ما قال الله عزوجل: يا محمد(إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك).

قال الله تعالى:(قل كل من عند الله)(٤) بحكمه النافذ وقضائه، ليس ذلك لشؤمي ولا ليمني.

ثم قال الله عزوجل " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " حتى [لا] يتهيأ لهم الاحتراز من أن تقف على كفرهم أنت وأصحابك المؤمنون وتوجب قتلهم(إن الله على كل شئ قدير) لا يعجزه شئ(٥)

____________________

(١) " نتجت " ب، ط.

يقال: نتجت وأنتجت البهيمة ولدا: وضعته وولدته.

(٢) " نمت " أ، س، ص.

(٣) " ضروعهم " ب، س، ص، ط، والبحار، البرهان وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شابا فتيا، فهو من الابل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والماعز ما دخل في السنة الثانية..ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير.(النهاية: ١ / ٢٥٠).

(٤) النساء: ٧٨.

(٥) عنه البحار: ٨ / ٣٨٦ ط.

حجر، والبرهان: ١ / ٦٦ ح ١.

(*)

١٣٥

قوله عزوجل: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ": ٢١.

٦٨ - [قال الامامعليه‌السلام :] قال علي بن الحسينعليهما‌السلام في قوله تعالى: " يا أيها الناس " يعني سائر [الناس] المكلفين من ولد آدمعليه‌السلام .

" اعبدوا ربكم " أي أطيعوا(١) ربكم من حيث أمركم من أن تعتقدوا أن لا إله إلا الله(٢) وحده لا شريك له، ولا شبيه ولا مثل [له] عدل لا يجور، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حكيم لا يخطل، وأن محمدا عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن آل محمد أفضل آل النبيين، وأن عليا أفضل آل محمد، وأن أصحاب محمد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين.

[وأن أمة محمد أفضل أمم المرسلين](٣) .

كيفية خلق الانسان وتطوراته

٦٩ - ثم قال الله عزوجل:(الذي خلقكم) [اعبدوا الذي خلقكم] من نطفة من ماء مهين، فجعله في قرار مكين، إلى قدر معلوم، فقدره، فنعم القادر الله رب العالمين.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن النطفة تثبت في [قرار] الرحم أربعين يوما نطفة، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ثم تجعل(بعده عظاما)(٤) ثم تكسى لحما، ثم يلبس الله فوقه جلدا، ثم ينبت عليه شعرا، ثم يبعث الله عزوجل إليه ملك الارحام، فيقال له: أكتب أجله وعمله ورزقه، وشقيا يكون أو سعيدا.

فيقول الملك: يا رب أني لي بعلم ذلك؟

____________________

(١) " أجيبوا " س.

(٢) " هو " ب، س، ط.

(٣) عنه تأويل الايات: ١ / ٤٠ ح ١٣، والبحار: ٦٨ / ٢٨٦ صدر ح ٤٤، والبرهان: ١ / ٦٦ صدر ح ١.

(٤) " عظما " البحار: ٣٨.

(*)

١٣٦

فيقال له: استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ.

فيستمليه منهم(١) .

شكاية بريدة من علىعليه‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورده عليه

٧٠ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [و] إن ممن كتب أجله وعمله ورزقه وسعادة خاتمته علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كتبوا من عمله أنه لا يعمل ذنبا أبدا إلى أن يموت.

قال: وذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم شكاه بريدة، وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث جيشا ذات يوم لغزاة، أمر عليهم علياعليه‌السلام ، وما بعث جيشا قط فيهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلا جعله أميرهم.

فلما غنموا رغب عليعليه‌السلام [في] أن يشتري من جملة الغنائم جارية يجعل ثمنها في جملة الغنائم، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الاسلمي،(٢) وزايداه.

فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه، انتظر(٣) إلى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك.

فلما رجعوا(٤) إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تواطئا على أن يقول ذلك بريدة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقف بريدة قدام(٥) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال:

____________________

(١) عنه البحار: ٣٨ / ٦٦ صدر ح ٦، ج ٦٠ / ٣٦٠ ح ٤٩، والبرهان: ١ / ٦٦ ضمن ح ١ قطعة.

(٢) ظاهر التفسير أن حاطبا وبريدة قد اشتركا في هذه المكايدة، ولكن يلاحظ من قولهعليه‌السلام : " يوم شكاه بريدة " وما أظهره الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من جفائه له، أن أساس المشكلة ومحور الاثم هو بريدة، وهذا لا يمنع أن يكون حاطبا وغيره من الذين في قلوبهم مرض قد كايدوا، وزايدوا علياعليه‌السلام . وقد روى المفيد في الارشاد هذه القصة دون أن يذكر حاطبا الذى له قصة اخرى رواها المفيد في الارشاد أيضا. انظر ارشاد المفيد: ٧٦ وص ٩٣.

(٣) " نظر اليهما " أ، ب، ص، ط.

(٤) " رجعا " التأويل، والبحار.

(٥) " أمام " ب، س، ط.

(*)

١٣٧

يا رسول الله ألم تر أن علي بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين؟ فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم جاء عن يمينه(١) فقالها، فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (فجاء‌ه عن يساره وقالها، فأعرض عنه، وجاء من خلفه فقالها، فأعرض عنه)(٢) ثم عاد إلى بين يديه، فقالها.

فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غضبا لم ير قبله ولا بعده غضب مثله، وتغير لونه وتربد(٣) وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال: مالك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم؟ أما سمعت الله عزوجل يقول: " ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا "(٤) قال بريدة: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما علمت أنني(٥) قصدتك بأذى.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي؟ أما علمت أن عليا مني أنا منه، وأن من آذى عليا فقد آذاني [ومن آذاني] فقد آذى الله، ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم؟ ! يا بريدة أنت أعلم أم الله عزوجل؟ أنت أعلم أم قراء اللوح المحفوظ؟ أنت أعلم أم ملك الارحام؟

____________________

(١) " فجاء عن يساره " أ.

(٢) " فجاء خلفه فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " أ.

(٣) " تزبد " ب، س، ط، البحار، والبرهان.

أربد وجهه وتربد: احمر حمرة فيها سواد عند الغضب.

وتزبد الانسان: اذا غضب وظهر على صماغيه زبدتان.

(لسان العرب: ٣ / ١٧٠ و ١٩(٣).

(٤) الاحزاب: ٥٧ - ٥٨.

(٥) " علمتنى " س، ص.

(*)

١٣٨

قال بريدة: بل الله أعلم، وقراء اللوح المحفوظ أعلم، وملك الارحام أعلم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأنت أعلم يا بريدة؟ أم حفظة علي بن أبي طالب؟ قال: بل حفظة علي بن أبي طالب.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكيف تخطئه وتلومه وتوبخه وتشنع عليه في فعله، وهذا جبرئيل أخبرني، عن حفظة عليعليه‌السلام أنه ما كتبوا عليه قط خطيئة منذ [يوم] ولد وهذا ملك الارحام حدثني أنهم كتبوا قبل أن يولد، حين استحكم في بطن أمه، أنه لا يكون منه خطيئة أبدا، وهؤلاء قراء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة أسري بي أنهم وجدوا في اللوح المحفوظ " علي المعصوم من كل خطأ وزلة ".

فكيف تخطئه [أنت] يا بريدة وقد صوبه رب العالمين والملائكة المقربون؟(١) يا بريدة لا تعرض لعلي بخلاف الحسن الجميل، فانه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، [وسيد الصالحين](٢) وفارس المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وقسيم الجنة والنار، يقول يوم القيامة للنار: هذا لي وهذا لك.

ثم قال: يا بريدة أترى ليس لعلي من الحق عليكم معاشر المسلمين، ألا تكايدوه(٣) ولا تعاندوه ولا تزايدوه؟ هيهات [هيهات](٤) إن قدر علي عند الله تعالى أعظم من قدره عندكم، أولا أخبركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فان الله يبعث يوم القيامة أقواما تمتلئ(٥) من جهة السيئات موازينهم فيقال لهم: هذه السيئات فأين الحسنات؟ وإلا فقد عطبتم(٦) فيقولون: يا ربنا ما نعرف لنا حسنات.

فاذا النداء من قبل الله عزوجل: " لئن لم تعرفوا لانفسكم - عبادي - حسنات فاني أعرفها لكم، وأوفرها عليكم ".

____________________

(١) " من المقربين " أ.

(٢) من البحار.

(٣) " تكابدوه " ط.

(٤) من البرهان.

(٥) ما تمنلى " ب، ط.

(٦) أى هلكتم.

وفى البحار: عصيتم.

(*)

١٣٩

ثم تأتي الريح برقعة صغيرة [و] تطرحها في كفة حسناتهم، فترجح بسيئاتهم بأكثر مما بين السماء والارض، فيقال لاحدهم: خذ بيد أبيك وأمك وإخوانك وأخواتك وخاصتك وقراباتك وأخذانك ومعارفك، فأدخلهم الجنة.

فيقول أهل المحشر: يا ربنا أما الذنوب فقد عرفناها، فماذا كانت حسناتهم؟ فيقول الله عزوجل: يا عبادي، مشى أحدهم ببقية دين عليه لاخيه إلى أخيه فقال: خذها فاني أحبك بحبك(١) لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له الآخر: قد تركتها لك بحبك لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ولك من مالي ما شئت.

فشكر الله تعالى ذلك لهما فحط به خطاياهما، وجعل ذلك في حشو صحائفهما وموازينهما، وأوجب لهما ولو الديهما ولذريتهما(٢) الجنة.

ثم قال: يا بريدة إن من يدخل النار ببغض علي أكثر من حصى الخذف(٣) التي يرمي بها عند الجمرات، فاياك أن تكون منهم.

فذلك قوله تبارك وتعالى: " اعبدوا ربكم الذي خلقكم " [أي] اعبدوه بتعظيم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

(٤) (الذي خلقكم) نسما، وسواكم من بعد ذلك، وصوركم، فأحسن صوركم(٥)

٧١ - ثم قال عزوجل: " والذين من قبلكم "

____________________

(١) " لحيبك " أ.

(٢) " لذويهما " ب، س، ط.

(٣) " الحذف " أ." الخدف " ب، ط.وكلاهما تصحيف.

قال ابن الاثير في النهاية: ٢ / ١٦: ومنه حديث رمى الجمار " علكيم بمثل حصى الخذف " أى صغارا.

(٤) وهذا عين ما ذكره الامام على بن الحسينعليهما‌السلام في صدر الحديث: ٦٨ " أطيعوا ربكم من حيث أمركم أن تعتقدوا أن.و..و..".ومعلوم أن من أعظم شعائر الله عزوجل تعظيم الرسول والامام - من الله تعالى - باطاعة أوامرهم، واتباعهم، والسير على سنتهم لتحقيق عبادته من حيث مر به سبحانه وتعالى.

(٥) عنه تأويل الايات: ٢ / ٤٦٥ ح ٣٧، والبحار: ٣٨ / ٦٦ ح ٦، وج ٦٨ / ١٠٩ ح ٢١(قطعة) وص ٢٨٧ قطعة ضمن ح ٤٤، والبرهان: ٣ / ٣٣٧ ح ٣.

(*)

١٤٠