تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 201741
تحميل: 37629

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201741 / تحميل: 37629
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

فيهما أو في أحدهما فأكله، فاعلموا أنه غير من تظنون، وإنما الحلية وافقت الحلية والصورة ساوت الصورة، وإن لم يكن الامر كذلك ولم يأكل منهما شيئا، فاعلموا أنه هو، فاحتالوا له [في] تطهير الارض منه لتسلم لليهود دولتهم.

قال: فجاء‌وا إلى أبي طالب(١) فصادفوه ودعوه إلى دعوة لهم فلما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قدموا إليه وإلى أبي طالب والملا من قريش دجاجة مسمنة كانوا قد وقذوها(٢) وشووها، فجعل أبوطالب وسائر قريش يأكلون منها ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمد يده نحوها فيعدل بها يمنة ويسرة، ثم أماما، ثم خلفا، ثم فوقا ثم تحتا لا تصيبها يدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقالوا: مالك يا محمد لا تأكل منها؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر اليهود قد جهدت(٣) أن أتناول منها، وهذه يدي يعدل بها عنها وما أراها إلا حراما يصونني ربي عزوجل عنها.

فقالوا: ماهي إلا حلال فدعنا نلقمك [منها].

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فافعلوا إن قدرتم.

فذهبوا ليأخذوا منها، ويطعموه، فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات كما كانت يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعدل عنها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [ف‍] هذه قد منعت منها، فأتوني بغيرها إن كانت لكم.

فجاء‌وه بدجاجة أخرى مسمنة مشوية قد أخذوها، لجار لهم غائب - لم يكونوا اشتروها - وعمدوا إلى أن يردوا عليه ثمنها إذا حضر، فتناول منها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقمة، فلما ذهب ليرفعها ثقلت عليه، وفصلت(٤) حتى سقطت من يده، وكلما ذهب

____________________

(١) " بعض أبى طالب " أ.

(٢) أى ضربوها ضربا شديدا حتى ماتت.وفى " أ " قدوها.

(٣) " جحدت " أ.وهو تصحيف.

(٤) " نصلت " س، ص، البحار: ١٧.

وفصلت: خرجت.الاخرى بمعناها.

(*)

١٦١

يرفع ما قد تناوله بعدها ثقلت وسقطت.

فقالوا: يا محمد فما بال هذه لا تأكل منها؟ [ف‍] قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه أيضا قد منعت منها، وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عزوجل عنها.

قالوا: ماهي من شبهة، فدعنا نلقمك منها.

قال: فافعلوا إن قدرتم عليه.

فلما(١) تناولوا لقمة ليلقموه ثقلت كذلك في أيديهم [ثم سقطت] ولم يقدروا أن يلقموها(٢) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو(٣) ما قلت لكم: هذه شبهة يصونني ربي عزوجل عنها.

فتعجبت قريش من ذلك، وكان ذلك مما يقيمهم على اعتقاد عداوته إلى أن أظهروها لما أظهره الله عزوجل بالنبوة، وأغرتهم اليهود أيضا فقالت لهم اليهود: أي شئ يرد عليكم(٤) من هذا الطفل؟ ! مانراه إلا يسالبكم نعمكم وأرواحكم(٥) [و](٦) سوف يكون لهذا شأن عظيم(٧)

اتفاق اليهود على قتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٨٠ - وقال امير المؤمنين على بن ابى طالبعليه‌السلام : فتواطأت اليهود على قتله في طريقه على جبل حراء [وهم سبعون رجلا، فعمدوا إلى سيوفهم فسموها، ثم قعدوا له ذات [يوم] غلس في طريقه على جبل حراء.

____________________

(١) " فكلما " ب، وبعض المصادر.

(٢) " يرفعوها " ب، ط.

(٣) " هى " أ.

(٤) أقول: " يرد " بالتخفيف: اذا أتى بشئ، لا بالتشديد كما قال المجلسى(ره): على بناء المجهول أى لا يرد عليكم شيئا ذهب عنكم، أو على بناء المعلوم أى لا ينفعكم...

(٥) " وأزواجكم " أ.

(٦) من الحلية.

(٧) عنه البحار: ١٧ / ٣١١ ضمن ح ١٥، وحلية الابرار: ١ / ٣٣.

(*)

١٦٢

فلما صعده، صعدوا إليه، وسلوا سيوفهم وهم سبعون رجلا من أشد(١) اليهود وأجلدهم وذوي النجدة منهم، فلما أهووا بها إليه ليضربوه بها إلتقى طرفا الجبل بينهم وبينه فانضما، وصار ذلك حائلا بينهم وبين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم، فغمدوها، فانفرج الطرفان بعدما كانا انضما، فسلوا بعد سيوفهم وقصدوه.

فلما هموا بارسالها عليه انضم طرفا الجبل، وحيل(٢) بينهم وبينه فغمدوها، ثم ينفرجان فيسلونها إلى أن بلغ إلى ذروة الجبل، وكان ذلك سبعا(٣) وأربعين مرة.

فصعدوا الجبل وداروا خلفه ليقصدوه بالقتل، فطال عليهم الطريق، ومد الله عزوجل الجبل فأبطأوا عنه حتى فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذكره وثنائه على ربه واعتباره بعبره.

ثم انحدر عن الجبل، فانحدروا خلفه ولحقوه، وسلوا سيوفهم عليه ليضربوه بها، فانضم طرفا الجبل، وحال بينهم وبينه فغمدوها، ثم انفرج فسلوها، ثم انضم فغمدوها، وكان ذلك سبعا وأربعين مرة، كلما انفرج سلوها، فاذا(٤) انضم غمدوها.

فلما كان في آخر مرة، وقد قارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله القرار، سلوا سيوفهم عليه فانضم طرفا الجبل، وضغطهم [الجبل] ورضضهم، ومازال يضغطهم حتى ماتوا أجمعين.

ثم نودي: يا محمد انظر خلفك إلى بغاتك بالسوء(٥) ماذا صنع بهم ربهم.

فنظر فاذا طرفا الجبل مما يليه، منضمان، فلما [نظر] انفرج الطرفان [و] سقط أولئك القوم وسيوفهم بأيديهم، وقد هشمت وجوههم وظهورهم وجنوبهم وأفخاذهم وسوقهم وأرجلهم، وخروا موتى تشخب أوداجهم دما.

____________________

(١) " أشداء " أ، ص.

(٢) " حال " أ." يحول " س.

(٣) " تسعا " أ.

(٤) " فان " ب، ط.

(٥) " السوء " ب، ط، والبحار.

(*)

١٦٣

وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك الموضع سالما مكفيا(١) مصونا محفوظا، تناديه الجبال وما عليها من الاحجار والاشجار: هنيئا لك يا محمد نصرة الله عزوجل لك على أعدائك بنا، وسينصرك [الله] إذا ظهر أمرك على جبابرة امتك وعتاتهم بعلي بن أبي طالب، وتسديده ٢) لاظهار دينك وإعزازه وإكرام أوليائك، وقمع أعدائك [و] سيجعله تاليك وثانيك ونفسك التي بين جنبيك، وسمعك الذي به تسمع، وبصرك الذي به تبصر، ويدك التي بها تبطش، ورجلك التي عليها تعتمد، وسيقضي عنك ديونك، ويفي عنك عداتك، وسيكون جمال امتك، وزين أهل ملتك، وسيسعد ربك عزوجل به محبيه، ويهلك به شانئيه(٣)(٤)

حديث الشجرتين

٨١ - قال على بن محمدعليه‌السلام : وأما الشجرتان اللتان تلاصقتا، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات يوم في طريق له [ما] بين مكة والمدينة، وفي عسكره منافقون من المدينة وكافرون من مكة، ومنافقون منها(٥) وكانوا يتحدثون فيما بينهم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الطيبين وأصحابه الخيرين فقال بعضهم لبعض: يأكل كما نأكل، وينفض كرشه من الغائط والبول كما ننفض ويدعي أنه رسول الله ! فقال بعض مردة المنافقين: هذه صحراء ملساء(٦) لاتعمدن النظر إلى استه إذا قعد

____________________

(١) " مكنفا " أ.كنف الشئ: صانه وحفظه.وفى " س " محوطا بدل " محفوظا ".

(٢) " وتشد يده " ب، ط." ويشد يده " البحار.وسدده: أرشده إلى الصواب.

(٣) " شانئه " أ.

(٤) عنه البحار: ١٧ / ٣١٣ ضمن ح ١٥، وحلية الابرار: ٣٥، ومدينة المعاجز: ٤٨.

(٥) " لها " س، والبحار.

(٦) " علياء " ط.

(*)

١٦٤

لحاجته حتى أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منا أم لا؟ فقال آخر(١) : لكنك إن ذهبت تنظر منعه حياؤه من أن يقعد، فانه أشد حياء من الجارية، العذراء الممتنعة المحرمة.

قال: فعرف الله عزوجل ذلك نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لزيد بن ثابت: إذهب إلى تينك الشجرتين المتباعدتين - يؤمي إلى شجرتين بعيدتين قد أوغلتا في المفازة، وبعدتا عن الطريق قدر ميل - فقف بينهما وناد: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركما أن تلتصقا وتنضما، ليقضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلفكما حاجته.

ففعل ذلك زيد، فقال(١) : فوالذي بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق نبيا إن الشجرتين انقلعتا باصولهما من مواضعهما، وسعت كل واحدة منهما إلى الاخرى، سعي المتحابين كل واحد منهما إلى الآخر، [و] التقيا بعد طول غيبة(٣) وشدة اشتياق، ثم تلاصقتا وانضمتا انضمام متحابين في فراش في صميم الشتاء(٤) .

فقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلفهما، فقال اولئك المنافقون: قد استتر عنا.

فقال بعضهم لبعض: فدوروا خلفه لننظر إليه.

فذهبوا يدورون خلفه، فدارت الشجرتان كلما داروا، فمنعتاهم من النظر إلى عورته.

فقالوا: تعالوا نتحلق حوله لتراه طائفة منا.

فلما ذهبوا يتحلقون تحلقت الشجرتان، فأحاطتا به كالانبوبة حتى فرغ وتوضأ، وخرج من هناك وعاد إلى العسكر وقال لزيد بن ثابت: عد إلى الشجرتين وقل لهما: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركما

____________________

(١) " الاخر " أ.

(٢) " وقال له " ب، ط.

(٣) " مدة " أ.

(٤) كنى " زيد " بهذا الوصف للدلالة على عدم وجود أى منفذ أو فرجة بين الشجرتين.

(*)

١٦٥

أن تعودا إلى أماكنكما.فقال لهما، فسعت كل واحدة منهما إلى موضعها(١) - والذي بعثه بالحق نبيا - سعي الهارب الناجي بنفسه من راكض شاهر سيفه خلفه، حتى عادت كل شجرة إلى موضعها.

فقال المنافقون: قد امتنع محمد من أن يبدي لنا عورته، وأن ننظر إلى استه فتعالوا ننظر إلى ما خرج منه لنعلم أنه ونحن سيان، فجاؤا إلى الموضع فلم يروا شيئا البتة، لا عينا ولا أثرا.

قال: وعجب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك، فنودوا من السماء: أوعجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلى الاخرى، إن سعي الملائكة بكرامات الله عزوجل إلى [محبي] محمد ومحبي علي أشد من سعى هاتين الشجرتين إحداهما إلى الاخرى، وإن تنكب(٢) نفحات النار يوم القيامة عن محبي علي والمتبرئين من أعدائه أشد من تنكب هاتين الشجرتين إحداهما عن الاخرى(٣)

نظير المعجزة المذكورة لعليعليه‌السلام

٨٢ - وقال على بن محمد(٤) عليهما‌السلام : وقد كان نظير هذا(٥) لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام لما رجع من صفين وسقى القوم(٦) من الماء الذي تحت الصخرة التي قلبها، ذهب ليقعد إلى حاجته، فقال بعض منافقي عسكره: سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه فانه يدعي مرتبة النبي لاخبر أصحابه(٧) بكذبه.

____________________

(١) " موضعهما " الاصل والبحار، وما في المتن من مدينة المعاجز.

(٢) تنكب عنه: تجنبه واعتزله.

(٣) عنه البحار: ١٧ / ٣١٤ ضمن ح ١٥، ومدينة المعاجز: ٧٨، واثبات الهداة: ٢ / ١٥٦ ح ٩٩(قطعة) ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٥ ح ٧(قطعة).

(٤) " محمد بن على " أ.

(٥) " نظيرها " أ.

(٦) " المؤمنين " أ.

(٧) " أصحابى " س، ص.

(*)

١٦٦

فقال عليعليه‌السلام لقنبر: يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها - وقد كان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما: أن وصي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركما أن تتلاصقا.

فقال قنبر: يا أمير المؤمنين أويبلغهما صوتي؟ فقال عليعليه‌السلام : إن الذي يبلغ بصر عينك إلى السماء وبينك وبينها [مسير] خمسمائة عام، سيبلغهما صوتك.

فذهب فنادى(١) فسعت إحداهما إلى الاخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتد إليه شوقه، وانضمتا(٢) .

فقال قوم من منافقي العسكر: إن عليا يضاهي في سحره رسول الله(٣) ابن عمه ! ما ذاك رسول الله ولا هذا إمام، وإنما هما(٤) ساحران ! لكنا سندور من خلفه لننظر إلى عورته وما يخرج منه.

فأوصل الله عزوجل ذلك إلى اذن عليعليه‌السلام من قبلهم(٥) فقال - جهرا -: يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وظنوا أنه لا يمتنع(٦) منهم إلا بالشجرتين، فارجع إلى الشجرتين وقل لهما: إن وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركما أن تعودا إلى مكانيكما.

ففعل ما أمره به، فانقلعتا وعدت(٧) كل واحدة منهما تفارق الاخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل، ثم ذهب عليعليه‌السلام ورفع ثوبه ليقعد، وقد مضى جماعة من المنافقين لينظروا إليه، فلما رفع ثوبه أعمى الله تعالى أبصارهم، فلم يبصروا شيئا فولوا عنه وجوههم، فأبصروا كما كانوا يبصرون.

ثم نظروا إلى جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلى جهته ويعمون، ويصرفون عنه

____________________

(١) " ينادى " ب، ط.

(٢) " وانضما " أ، والبحار.

(٣) كذا في الاصل والبحار، والظاهر انه تعبير " الراوى " احتراما، فالمعروف استعمال اسم " محمد " من قبل المنافقين.

(٤) " وانهما " ح، ط.

(٥) " قيلهم " أ.وكذا التى تاتى.

(٦) " يمنع " ب، ط.

(٧) " عادت " ب، ط.

(*)

١٦٧

وجوههم ويبصرون، إلى أن فرغ عليعليه‌السلام وقام ورجع، وذلك ثمانون مرة من كل واحد منهم.

ثم ذهبوا ينظرون ما خرج منه، فاعتقلوا في مواضعهم، فلم يقدروا أن يروها(١) فاذا انصرفوا أمكنهم الانصراف، أصابهم ذلك مائة مرة حتى نودي فيهم بالرحيل [فرحلوا] وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا عتوا وطغيانا وتماديا في كفرهم وعنادهم.

فقال بعضهم لبعض: انظروا إلى هذا العجب ! من هذه آياته ومعجزاته، يعجز عن معاوية وعمرو(٢) ويزيد !؟(٣) فأوصل الله عزوجل ذلك من قبلهم إلى اذنه.

فقال عليعليه‌السلام : يا ملائكة ربي ائتوني بمعاوية وعمرو ويزيد.

فنظروا في الهواء(٤) فاذا ملائكة كأنهم الشرط السودان(٥) [و] قد علق كل واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلى حضرته، فاذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد [ف‍] قال عليعليه‌السلام : تعالوا فانظروا إليهم، أما(٦) لو شئت لقتلتهم، ولكني انظرهم كما أنظر الله عزوجل إبليس إلى يوم الوقت المعلوم إن الذي ترونه بصاحبكم ليس بعجز(٧) ولا ذل، ولكنه محنة من الله عزوجل لكم لينظر كيف تعملون، ولئن طعنتم على عليعليه‌السلام فقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم

____________________

(١) " يريموها " أ، ب، س، ط، رام الشئ: أراده

(٢) " عمر " أ، ب، ط، وكذا بعدها.وما في المتن أظهر بقرينة قرينيه.

(٣) أقول: ان اطلاق اسم " يزيد " رغم صغر سنه وقتذاك، هو كما يبدو مبالغة المنافقين في وصف عجز أمير المؤمنينعليه‌السلام حتى لكأنه يعجز عن يزيد " الطفل " بماله من حاشية.

(٤) " فنظر إلى هؤلاء " أ.وهو تصحيف.

(٥) " السوداء " أ.

وشرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم.

والسودان - جمع أسود - جيل من الناس.

(٦) " أنا " ب، ط.

(٧) " لعجز " ب، ص، ط، والبحار.

(*)

١٦٨

على رسول رب العالمين.

فقالوا: إن من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة، ورجع كيف يحتاج إلى أن يهرب ويدخل الغار، ويأتي [إلى] المدينة من مكة في أحد عشر يوما؟ [قال] وإنما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء الله، وأوصيائهم وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون، وليظهر حجته(١) عليكم(٢)

حديث الثقفى، وشهادة الشجرة

٨٣ - وقال على بن محمد صلوات الله عليهما: وأما دعاؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشجرة: فان رجلا من ثقيف كان أطب الناس يقال له: الحارث بن كلدة الثقفي، جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمد جئت لاداويك من جنونك، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا علي يدي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا حارث أنت تفعل أفعال المجانين، وتنسبني إلى الجنون؟ ! قال الحارث: وماذا فعلته من أفعال المجانين؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نسبتك إياي إلى الجنون من غير محنة منك ولا تجربة، ولا نظر في صدقي أو كذبي.

فقال الحارث: أو ليس قد عرفت كذبك وجنونك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها(٣) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقولك لا تقدر لها، فعل المجانين، لانك لم تقل: لم قلت كذا؟ ولا طالبتني بحجة، فعجزت عنها.

فقال الحارث: صدقت أنا أمتحن أمرك بآية اطالبك بها، إن كنت نبيا فادع تلك الشجرة - وأشار لشجرة عظيمة بعيد عمقها - فان أتتك علمت أنك رسول الله وشهدت

____________________

(١) " الحجة " ب، ط.

(٢) عنه البحار: ٤٢ / ٢٩ ح ٨، ومدينة المعاجز: ٧٨، واثبات الهداة: ٤ / ٥٩٤ ح ٢٨٧.

(٣) " عليها " أ.

(*)

١٦٩

لك بذلك وإلا فأنت [ذلك] المجنون الذي قيل لي.

فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده إلى تلك الشجرة، وأشار إليها: أن تعالي: فانقلعت الشجرة باصولها وعروقها، وجعلت تخد في الارض اخدودا عظيما كالنهر حتى دنت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقفت بين يديه، ونادت بصوت فصيح: ها أنا ذا يا رسول الله [صلى الله عليك] ما تأمرني؟ فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : دعوتك(١) لتشهدي لي بالنبوة بعد شهادتك لله بالتوحيد ثم تشهدي [بعد شهادتك لي] لعليعليه‌السلام هذا بالامامة، وأنه سندي وظهري وعضدي وفخري [وعزي]، ولولاه ما خلق الله عزوجل شيئا مما خلق.

فنادت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله، أرسلك بالحق بشيرا [ونذيرا] وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، وأشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك [و] أوفر خلق الله من الدين حظا، وأجزلهم من الاسلام نصيبا، وأنه سندك وظهرك [و] قامع أعدائك، وناصر أوليائك [و] باب علومك في أمتك، وأشهد أن أولياء‌ك الذين يوالونه ويعادون أعداء‌ه حشو الجنة، وأن أعداء‌ك الذين يوالون أعداء‌ه ويعادون أولياء‌ه حشو النار.

فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحارث بن كلدة فقال: يا حارث أو مجنونا يعد من هذه آياته؟ فقال الحارث بن كلدة: لا والله يا رسول الله، ولكني أشهد أنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، وحسن إسلامه(٢)

____________________

(١) " أدعوك " أ.

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٣١٦ ضمن ح ١٥، وحلية الابرار: ١ / ٣١٠، ومدينة المعاجز: ٥٨.

(*)

١٧٠

حديث الطبيب اليونانى مع امير المؤمنينعليه‌السلام

٨٤ - قال على بن الحسينعليهما‌السلام : ولامير المؤمنينعليه‌السلام نظيرها: كان قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال له: يا أبا الحسن بلغني خبر صاحبك، وأن به جنونا وجئت لاعالجه ! فلحقته وقد مضى لسبيله، وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي: إنك ابن عمه وصهره، وأرى [بك] صفارا قد علاك وساقين دقيقين ما أراهما تقلانك.

فأما الصفار فعندي دواؤه، وأما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي، وتقلله ولا تكثره، وفيما تحمله على ظهرك، وتحتضنه بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما، فان ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما(١) [فاتئد].

وأما الصفار فدواؤه عندي وهو هذا - وأخرج دواء - وقال: هذا لا يؤذيك و لا يخيسك(٢) ولكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا(٣) ثم يزيل صفارك.

فقال له على بن ابى طالبعليه‌السلام : قد ذكرت نفع هذا الدواء(٤) لصفاري، فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا - وأشار [بيده] إلى دواء معه - وقال: إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من ساعته، وإن كان لاصفار به صار به صفار حتى يموت في يومه فقال على بن ابى طالبعليه‌السلام : فأرني هذا الضار.

فأعطاه [إياه].

____________________

(١) " انقصامهما " أ.وكلاهما بمعنى الكسر.

(٢) خاس الشئ: تغير وفسد وأنتن.

والخيس أيضا الغم، كما أنه يتضمن معنى الحبس اذ المخيس هو السجن(انظر لسان العرب: ٦ / ٧(٤).

" يحبسك " أ.

(٣) " يوما " أ.

(٤) " هذا الدواء ونفعه " أ.

(*)

١٧١

فقال [له]: كم قدر هذا؟ فقال: قدر مثقالين سم ناقع، قدر كل حبة منه يقتل رجلا.

فتناوله عليعليه‌السلام فقمحه(١) وعرق عرقا خفيفا، وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: الآن اؤخذ بابن بأبي طالب ويقال: قتلته(٢) ولا يقبل مني قولي إنه لهو الجاني على نفسه.

فتبسم عليعليه‌السلام وقال: يا عبدالله أصح ما كنت(بدنا الآن)(٣) لم يضرني مازعمت أنه سم، فغمض عينيك.

فغمض، ثم قال: افتح عينيك.

ففتح، ونظر إلى وجه عليعليه‌السلام فاذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة(٤) فارتعد الرجل مما رآه.

وتبسم عليعليه‌السلام وقال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي؟ فقال الرجل: والله فكأنك لست من رأيت قبل، كنت مصفرا(٥) فأنت الان مورد.

قال على بن أبي طالبعليه‌السلام : فزال عني الصفار بسمك الذي زعمت أنه قاتلي وأما ساقاي هاتان - ومد رجليه وكشف عن ساقيه - فانك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدنى في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، وأنا اريك(٦) أن طب الله عزوجل خلاف طبك، وضرب بيده إلى اسطوانه خشب عظيمة، على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان إحداهما فوق الاخرى، وحركها واحتملهما(٧) فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : صبوا عليه ماء. فصبوا عليه [ماء] فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا. فقال له عليعليه‌السلام : هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما، أني(٨) طبك هذا يا

____________________

(١) " فلمجه " أ. قمحه: أخذه في راسته فلطعه، ولمجه: أكله بأطراف فمه.

(٢) " قتله " أ، والبحار.

(٣) " به فالان " أ.

(٤) " مشوب بحمرة " أ.

(٥) " مصفارا " أ، والبحار: ٤٢، " صفارا " ب، ط." مضارا " الاحتجاج.

(٦) " أدلك " ب، ص، ط.

(٧) " أو احتملها " ب، ط والبحار: ٤٢.

" واحتملها " البحار: ١٠.

" فاحتملها " الاحتجاج.

(٨) " أفى " س، ص.

(*)

١٧٢

يوناني ! [فقال اليوناني:](١) أمثلك كان محمد؟ فقال عليعليه‌السلام : وهل علمي إلا من علمه(٢) وعقلي إلا من عقله، وقوتي إلا من قوته؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب، فقال له: إن كان بك جنون داويتك ! فقال له محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتحب أن اريك آية تعلم بها غناي عن طبك، وحاجتك إلى طبي؟ قال: نعم، قال: أي آية تريد؟ قال: تدعو ذلك العذق - وأشار إلى نخلة سحوق - فدعاها، فانقلع أصلها من الارض وهي تخد [في] الارض خدا، حتى وقفت بين يديه فقال له: أكفاك [ذا]؟ قال: لا، قال: فتريد ماذا؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاء‌ت منه، وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها.

فقال اليوناني لامير المؤمنينعليه‌السلام : هذا الذي تذكره عن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله غائب عني، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك، أنا أتباعد عنك فادعني، وأنا لا أختار الاجابة، فان جئت بي إليك فهي آية.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا إنما يكون لك وحدك، لانك تعلم من نفسك أنك لم ترد، وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا، أو ممن أمرته [ب‍] أن يباشرك، أو ممن قصد إلى ذلك(٣) وإن لم آمره إلا مايكون من قدرة الله تعالى القاهر، وأنت يا يوناني يمكنك [أن تدعي] ويمكن غيرك أن يقول: إني [قد](٤) واطأتك على ذلك، فاقترح إن كنت مقترحا ماهو آية لجميع العالمين.

فقال له اليوناني: إن جعلت الاقتراح إلي، فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها، وتباعد ما بينها، ثم تجمعها وتعيدها كما كانت.

فقال عليعليه‌السلام : هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلى النخلة - فقل لها: إن

____________________

(١) من الاحتجاج والبحار.

(٢) " وهل " ب، ط، وكذا بعده.

(٣) " اختيارك " الاحتجاج." اجبارك " البحار: ١٠.

(٤) من البحار: ٤٢.

(*)

١٧٣

وصي محمد [رسول الله] يأمر أجزاء‌ك، أن تتفرق وتتباعد.

فذهب فقال لها، فتفاصلت وتهافتت وتفرقت(١) وتصاغرت أجزاؤها، حتى لم ير لها عين ولا أثر، حتى كأن لم يكن هناك [أثر] نخلة قط، فارتعدت فرائص اليوناني، وقال: يا وصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول، فأعطني الاخر، فامرها أن تجتمع وتعود كما كانت.

فقال: أنت رسولي إليها فعد(٢) فقل لها: يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرك أن تجتمعي(وكما كنت تعودي)(٣) .

فنادى اليوناني فقال ذلك، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور(٤) ثم جعلت تجتمع جزء‌ا جزء‌ا منها حتى تصور لها القضبان والاوراق وأصول السعف وشماريخ الاعذاق، ثم تألفت، وتجمعت(٥) واستطالت وعرضت واستقر أصلها في مقرها وتمكن عليها ساقها، وتركب على الساق قضبانها، وعلى القضبان أوراقها، وفي أمكنتها أعذاقها، و [قد] كانت في الابتداء شماريخها متجردة لبعدها من أوان الرطب والبسر والخلال.

فقال اليوناني: واخرى احبها: أن تخرج شماريخها خلالها، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب(٦) وبلوغ أناه(٧) ليؤكل وتطعمني، ومن حضرك منها.

فقال عليعليه‌السلام : [و] أنت رسولي إليها بذلك، فمرها به.

فقال لها اليوناني ما أمره أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأخلت وأبسرت، واصفرت، واحمرت وأرطبت(٨) وثقلت أعذاقها برطبها.

____________________

(١) " تنافرت " أ." تنثرت " ص، الاحتجاج والبحار: ١٠.

(٢) " بعد " ص، ط.

(٣) " كما كنت وأن تعودى " أ، ب، ص، ط.

(٤) " المبثوت " ب، س، ط.

بث الغبار: هيجه.

(٥) " اجتمعت " أ.

(٦) " ترطب " س، ص.

(٧) أى: أوانه.

(٨) " وترطبت " ب، س، ص، ط، والمصادر.

(*)

١٧٤

فقال اليوناني: [و] اخرى احبها: تقرب بين(١) يدي أعذاقها، أو تطول يدي لتناولها(٢) وأحب شئ إلي [أن] تنزل إلي إحداهما، وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : مد يدك التي تريد أن تنالها(٣) وقل: " يا مقرب البعيد قرب يدي منها " واقبض الاخرى التي تريد أن تنزل العذق إليها وقل: " يا مسهل العسير سهل لي تناول ما تباعد(٤) عني منها " ففعل ذلك، وقاله فطالت يمناه، فوصلت إلى العذق، وانحطت الاعذاق الاخر، فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها(٥) .

ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنك إن أكلت [منها](٦) ثم لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله [عزوجل لك] من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالهم.

فقال اليوناني: إني إن كفرت بعدما رأيت فقد بالغت في العناد، وتناهيت في التعرض للهلاك، أشهد أنك من خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن(٧) الله، فمرني بما تشاء اطعك.

قال علىعليه‌السلام : آمرك أن تقر لله بالوحدانية، وتشهد له بالجود والحكمة، وتنزهه عن العبث والفساد وعن ظلم الاماء والعباد، وتشهد أن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أنا وصيه سيد الانام، وأفضل رتبة أهل دار السلام، وتشهد أن عليا الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما أولاك، خير خلق الله بعد [نبيه] محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحق خلق الله بمقام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده، وبالقيام بشرائعه وأحكامه وتشهد أن أولياء‌ه أولياء

____________________

(١) " ليقرب من " ب، ط، " أن تقرب من " الاحتجاج.

(٢) " لتنالها " المصادر.

(٣) " تناولها " أ، ب، ص، ط.

(٤) " تبعد " ب، س، ط.

(٥) " أعذاقها " ص، والعرجون أصل العذق الذى يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد أن تقطع عنه الشماريخ.

(٦) من البحار: ١٠.

(٧) " من " أ.

(*)

١٧٥

الله، وأن أعداء‌ه أعداء الله، وأن المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك، المساعدين لك على ما به أمرتك خير(١) امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وصفوة شيعة عليعليه‌السلام .

الامر بالمواساة مع الاخوان

وآمرك أن تواسي(٢) إخوانك [المؤمنين] المطابقين لك على تصديق، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وتصديقي والانقياد له ولي، مما(٣) رزقك الله وفضلك على من فضلك به منهم، تسد فاقتهم، وتجبر كسرهم وخلتهم، ومن كان منهم في درجتك في(٤) الايمان ساويته(٥) في مالك بنفسك، ومن كان منهم فاضلا عليك في دينك، آثرته بمالك على نفسك حتى يعلم الله منك أن دينه آثر عندك من مالك، وأن أولياء‌ه أكرم عليك من أهلك وعيالك.

وآمرك أن تصون دينك وعلمنا الذي أو دعناك وأسرارنا التي حملناك، فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد، ويقابلك من أجلها بالشتم واللعن والتناول من العرض والبدن(٦) ، ولا تفش سرنا إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا، ويعرض(٧) أولياء‌نا لنوادر(٨) الجهال.

الامر بالتقية

وآمرك أن تستعمل التقية في دينك فان الله عزوجل يقول:(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة)(٩) .

____________________

(١) " خيرة " ب، س، ط.

(٢) " توالى " أ.

(٣) " فيما " ب، ط.

(٤) " من " أ.

(٥) " تساويه " أ.

(٦) " وآلهتك " أ.

(٧) " وتعرض " أ، و " لاتعرض " الاحتجاج.

(٨) " ليوازر " أ." لبوادر " ص.

(٩) آل عمران: ٢٨.

(*)

١٧٦

وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا علينا إن ألجأك الخوف إليه [و] في إظهار البراء‌ة منا إن حملك الوجل عليه [و] في ترك الصلوات المكتوبات إذا خشيت على حشاشتك(١) الافات والعاهات، فان تفضيلك أعداء‌نا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهارك براء‌تك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا، ولئن تتبرأ منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا(٢) بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامك ومالك(٣) الذي به قوامها(٤) ، وجاهها الذي به تماسكها، وتصون من عرف بك وعرفت به من أوليائنا وإخواننا وأخواتنا من بعد ذلك بشهور وسنين إلى أن تنفرج تلك الكربة وتزول [به] تلك الغمة(٥) فان ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين.

وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها، فانك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض لنعمتك ونعمتهم للزوال، مذل لهم(٦) في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك الله باعزازهم(٧) فانك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك وإخوانك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا(٨)

____________________

(١) الحشاشة: بقية الروح.

(٢) " موالى " أ.

(٣) " دوامها، ومالك " أ." قوامها ومالها " ص، وبعض المصادر.

(٤) " قيامها " ب، ط، وبعض المصادر.

(٥) " النقمة " أ.

(٦) " لك ولهم " ب، ص، ط.

(٧) " باعزاز دينه واعزازهم " أ.

(٨) عنه حلية الابرار: ١ / ٣١١، ومدينة المعاجز: ٥٨، والبحار: ٦٢ / ١٥٨ ح ٢(قطعة) وعنه الوسائل: ١١ / ٤٧٨ ح ١(قطعة) والبحار: ١٠ / ٧٠ ح ١، وج ٤٢ / ٤٥ ح ١٨ وعن الاحتجاج: ١ / ٣٤٢.

وأخرجه في البحار: ٧٤ / ٢٢١ ح ١، وج ٧٥ / ٤١٨ ح ٧٣ عن الاحتجاج قطعة.

وأورد قطعة منه في مناقب آل أبى طالب: ٢١ / ٣٠١.

(*)

١٧٧

حديث تكلم الذراع المسمومة مع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله

٨٥ - وأما كلام الذراع المسمومة فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله له جاء‌ته امرأة من اليهود قد أظهرت الايمان، ومعها ذراع مسمومة مشوية فوضعتها بين يديه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما هذه ! قالت له: بأبي أنت وامي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر، فاني علمتهم رجالا جلدا، وهذا حمل كان لي ربيته أعده كالولد لي، وعلمت أن أحب الطعام إليك الشواء، وأحب الشواء إليك الذراع، فنذرت لله لئن [سلمك الله منهم لاذبحنه ولاطعمنك من شواء ذراعه، والان فقد] سلمك الله منهم وأظفرك بهم، فجئت بهذا لافي بنذري.

وكان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله البراء بن معرور(١) وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ائتوا بخبز.

فاتي به فمد البراء بن معرور يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه.

فقال له علي بن أبي طالبعليه‌السلام : يا براء لا تتقدم [على] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال له البراء - وكان أعرابيا -: يا علي كأنك تبخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ! فقال علىعليه‌السلام : ما ابخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكني ابجله واوقره، ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول، ولا فعل، ولا أكل ولا شرب.

فقال البراء: ما ابخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) كذا في الاصل والبحار والمستدرك، والبراء بن معرور هو أبوبشر الانصارى الخزرجى أحد النقباء ليلة العقبة، وهو ابن عمة سعد بن معاذ، مات في صفر قبل قدوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة بشهر.

(سير أعلام النبلاء: ١ / ٢٦(٧).

والقصة مروية في ولده " بشر " الذى توفى مسموما بتلك الشاة.

راجع الخرائج والجرائح: ١٠٨ ح ١٨٠ وتخريجاته.

أقول: لعله سقط اسم " بشر " من الراوى أو النسخة فبقى التصحيف على حاله والله أعلم.

(*)

١٧٨

فقال علىعليه‌السلام : ما لذلك قلت، ولكن هذا جاء‌ت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فاذا أكلته بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت(١) إلى نفسك.

يقول عليعليه‌السلام هذا والبراء يلوك اللقمة إذ أنطق الله الذراع فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فاني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ولم يرفع إلى ميتا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ايتوني بالمرأة.

فاتي بها، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: وترتني وترا عظيما: قتلت أبي وعمي وأخي وزوجي وابني ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول، وقد وعد فتح مكة والنصر(٢) والظفر، فسيمنعه(٣) الله ويحفظه منه ولن يضره.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيتها المرأة لقد صدقت.

ثم قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يضرك موت البراء فانما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفى شره وسمه.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ادع لي فلانا [وفلانا].

وذكر قوما من خيار أصحابه منهم سلمان والمقداد وعمار وصهيب وأبوذر وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعليعليه‌السلام حاضر معهم.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اقعدوا وتحلقوا عليه.

فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال: " [بسم الله الرحمن الرحيم] بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ، ولا داء في الارض، ولا في السماء وهو السميع العليم ".

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلوا على اسم الله.

فأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأكلوا حتى شبعوا، ثم

____________________

(١) " وكلك " أ.

(٢) " النصرة " أ.وهى النصر وحسن المعونة.

(٣) " فيمنعه أ، ط، والبحار.منعه: حامى عنه.

(*)

١٧٩

شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست.

فلما كان في اليوم الثاني جئ(١) بها فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أليس هؤلاء أكلوا [ذلك] السم بحضرتك؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن فقد أيقنت أنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله [حقا] وحسن إسلامها.(٢) .

٨٦ - قال على بن الحسينعليهما‌السلام : ولقد حدثني أبي، عن جدي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حملت إليه جنازة البراء بن معرور ليصلي عليه قال: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يا رسول الله إنه ذهب في حاجة رجل من المسلمين إلى قبا.

فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصل عليه، قالوا: يا رسول الله مالك لا تصلي عليه؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزوجل أمرني أن أؤخر الصلاة عليه إلى أن يحضر [ه] علي، فيجعله في حل مما كلمه به بحضرة(٣) رسول الله ليجعل الله موته بهذا السم كفارة له.

فقال بعض من كان حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشاهد الكلام الذي تكلم به البراء: يا رسول الله إنما كان مزحا مازح به علياعليه‌السلام لم يكن منه جدا فيؤاخذه الله عزوجل بذلك.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كان ذلك منه جدا لاحبط الله تعالى أعماله كلها، ولو كان تصدق بمل‌ء مابين الثرى إلى العرش ذهبا وفضة، ولكنه كان مزحا، وهو في حل من(٤) ذلك، إلا أن رسول الله يريد أن لايعتقد أحد منكم أن عليا واجد(٥) عليه، فيجدد بحضرتكم إحلاله(٦) ويستغفر له ليزيده الله عزوجل بذلك قربة ورفعة في جنانه(٧) .

____________________

(١) " جاء " أ، والبحار.

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٣١٧ ضمن ح ١٥، ومستدرك الوسائل: ٣ / ٨٤ ح ١٠ وص ٨ ح ١(قطعة).

(٣) " في حضرة " أ.

(٤) " في " خ ل.

(٥) أى غاضب.

(٦) " اجلالا له " ب، ط.وهو تصحيف.

(٧) " جناته " ب، ط.

(*)

١٨٠