تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 201761
تحميل: 37634

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201761 / تحميل: 37634
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

فلم يلبث أن حضر عليعليه‌السلام ، فوقف قبالة الجنازة، وقال: رحمك الله يا براء فلقد كنت صواما [قواما] ولقد مت في سبيل الله.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كان أحد من الموتى يستغني عن صلاة رسول الله لاستغنى صاحبكم هذا بدعاء عليعليه‌السلام [له](١) ثم قام فصلى عليه ودفن.

فلما انصرف وقعد في العزاء قال: أنتم يا أولياء البراء(٢) بالتهنئة أولى منكم بالتعزية لان صاحبكم عقد له في الحجب قباب من السماء الدنيا إلى السماء السابعة، وبالحجب كلها إلى الكرسي إلى ساق العرش لروحه التي عرج بها فيها، ثم ذهب بها إلى روض(٣) الجنان، وتلقاها كل من كان [فيها](٤) من خزانها، واطلع عليه(٥) كل من كان فيها من حور حسانها.

وقالوا بأجمعهم له(٦) : طوباك [طوباك] يا روح البراء، إنتظر عليك(٧) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياعليه‌السلام حتى ترحم عليك علي واستغفر لك، أما إن حملة(عرش ربنا حدثونا)(٨) عن ربنا أنه قال: يا عبدي الميت في سبيلي، ولو كان عليك(٩) من الذنوب بعدد الحصى والثرى، وقطر المطر وورق الشجر، وعدد شعور الحيوانات ولحظاتهم وأنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم، لكانت مغفورة بدعاء علي لك.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فتعرضوا يا عباد الله لدعاء علي لكم، ولا تتعرضوا لدعاء عليعليه‌السلام عليكم، فان من دعا عليه أهلكه الله، ولو كانت حسناته عدد ما خلق الله كما أن من دعا له أسعده [الله] ولو كانت سيئاته [ب‍] عدد ما خلق الله(١٠)

____________________

(١) " فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " أ.وما بين من البحار.

(٢) " الله " خ ل.

(٣) " ربض " ب، س، ط والبحار. والربض - بضم الراء -: وسط الشئ. وبالفتح: كل ما يؤوى ويستراح اليه من مال وأهل وبيت.

(٤) من البحار (٥) " اليه " ب، ط والبحار.

(٦) " قولا عقله الله وفهمه " الاصل. وما في المتن من البحار.

(٧) " اليك " ب، س، ط.

(٨) " العرش حدثوا " أ.

(٩) " لك " أ، ب، س، ط.

(١٠) عنه البحار: ١٧ / ٣١٩ ضمن ح ١٥.

(*)

١٨١

كلام الذئب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٨٧ - وأما كلام الذئب له: فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم إذ جاء‌ه راع ترتعد فرائصه قد استفزعه العجب، فلما رآه [رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ] من بعيد قال لاصحابه: إن لصاحبكم هذا شأنا عجيبا.

فلما وقف قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حدثنا بما أزعجك.

قال الراعي: يا رسول الله أمر عجيب ! كنت في غنمي إذ جاء(١) ذئب فحمل حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه.

ثم جاء إلى الجانب الايمن(٢) ، فتناول منه حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه [ثم جاء إلى الجانب الايسر فتناول حملا فرميته، بمقلاعي فانتزعته](٣) [ثم جاء إلى الجانب الآخر فتناول حملا فرميته بمقلاعي فانتزعته منه] ثم جاء الخامسة هو وانثاه يريد أن يتناول(٤) حملا فأردت أن أرميه فأقعى على ذنبه وقال. أما تستحيي [أن] تحول بيني وبين رزق قد قسمه الله تعالى لي.

أفما أحتاج أنا إلي غذاء أتغذى به؟ فقلت: ما أعجب هذا ! ذئب أعجم يكلمني [ب‍] كلام الادميين. فقال لي الذئب: ألا(٥) أنبئك بما هو أعجب من كلامي لك؟ محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول رب العالمين بين الحرتين(٦) ، يحدث الناس بأنباء ما قد سبق من الاولين

____________________

(١) " جاء‌نى " ب، ط.

(٢) " الايسر " أ.

(٣) من البحار.

(٤) " يريدان أن يتناولا " الاصل.وما في المتن كما في البحار.

(٥) " انى " ط.

(٦) الحرتان: حرة واقم، وحرة ليلى.

(مجمع البحرين: ٣ / ٢٦(٤).

قال الحموى: حرة واقم: احدى حرتى المدينة وهى الشرقية سميت برجل من العماليق اسمه واقم...

وقيل: اسم أطم من آطام المدينة اليه تضاف الحرة.وفيها كانت وقعة الحرة المشهورة ...وحرة ليلى: لبنى مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بفيض..يطؤها الحاج في طريقهم إلى المدينة..(معجم البلدان: ٢ / ٢٤٧ وص ٢٤(٩) والحرة في الاصل اسم لكل أرض ذات حجارة سوداء.

(*)

١٨٢

ومالم يأت من الاخرين.

ثم اليهود مع علمهم بصدقه، ووجودهم(١) له في كتب رب العالمين بأنه أصدق الصادقين وأفضل الفاضلين يكذبونه ويجحدونه وهو بين الحرتين، وهو الشفاء النافع، ويحك يا راعي آمن به تأمن من عذاب الله، وأسلم له [تسلم] من سوء العذاب الاليم.

فقلت له: والله لقد عجبت من كلامك، واستحييت من منعي لك ما تعاطيت أكله فدونك غنمي، فكل منها ماشئت لا ادافعك [ولا امانعك].

فقال لي الذئب: يا عبدالله احمد الله إذ(٢) كنت ممن يعتبر بآيات الله، وينقاد لامره لكن الشقي كل الشقي من يشاهد آيات محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في أخيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام وما يؤديه عن الله عزوجل من فضائله، ومايراه من وفور حظه من العلم الذي لا نظير له [فيه]، والزهد الذى لا يحاذيه أحد فيه، والشجاعة التى لا عدل له فيها ونصرته للاسلام التي لاحظ لاحد فيها مثل حظه.

ثم يرى مع ذلك كله رسول الله يأمر بموالاته وموالاة أوليائه والتبري من أعدائه ويخبر(٣) أن الله تعالى لا يتقبل من أحد عملا وإن جل وعظم ممن يخالفه، ثم هو مع ذلك يخالفه، ويدفعه(٤) عن حقه ويظلمه، ويوالي أعداء‌ه، ويعادي أولياء‌ه إن هذا لاعجب من منعك إياي.

قال الراعي: فقلت [له]: أيها الذئب أو كائن هذا؟ قال: بلى(٥) ، و [ما] هو أعظم منه سوف يقتلونه باطلا، ويقتلون أولاده(٦) ويسبون حرمهم، و [هم] مع ذلك يزعمون

____________________

(١) أى وجدوا اسمه الشريف ونعته وصفتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب رب العالمين.

(٢) " ان " ط.

(٣) " يخبره " ب، ص، ط.

(٤) " يدافعه " ب، ط.

(٥) " بل " أ.

(٦) " ولده " ب، ط، والبحار: ١٧.

" ذريته " البحار: ٧.

(*)

١٨٣

أنهم مسلمون، فدعواهم(١) أنهم على دين الاسلام مع صنيعهم هذا بسادة [أهل] الاسلام أعجب من منعك لي.

لاجرم أن الله تعالى قد جعلنا معاشر الذئاب - أنا ونظرائي [من] المؤمنين - نمزقهم في النيران يوم فصل القضاء، وجعل في تعذيبهم شهواتنا، وفي شدائد آلامهم لذاتنا.

قال الراعي: فقلت: والله لو لا هذه الغنم [بعضها لي] وبعضها أمانة في رقبتي لقصدت محمدا حتى أراه.

فقال لي الذئب: يا عبدالله امض إلى محمد، واترك علي غنمك لارعاها لك.

فقلت: كيف أثق بأمانتك؟ فقال لى: يا عبدالله إن الذي أنطقني [ب‍] ما سمعت هو الذي يجعلني قويا أمينا عليها، أو لست مؤمنا بمحمد، مسلما له ما أخبر به عن الله تعالى في أخيه علي؟ فامض لشأنك فاني راعيك، والله عزوجل ثم ملائكته المقربون رعاة [لي] إذ كنت خادما لولي عليعليه‌السلام .فتركت غنمي على الذئب والذئبة وجئتك يا رسول الله.

فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وجوه القوم، وفيها ما يتهلل سرورا [به](٢) وتصديقا، وفيها ما تعبس شكا فيه وتكذيبا، يسر المنافقون(٣) إلى أمثالهم: هذا قد واطأه محمد على هذا الحديث ليختدع(٤) به الضعفاء الجهال.

فتبسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال: لئن شككتم أنتم فيه فقد(٥) تيقنته أنا وصاحبي الكائن معي في أشرف(٦) المحال من عرش الملك الجبار، والمطوف به معي في أنهار

____________________

(١) " بدعواهم " الاصل.

وما في المتن كما في البحار.

(٢) من البحار.

(٣) " ويسر منافقون " البحار.

(٤) " ليخدع " أ، ص.

(٥) " لقد " أ." قد " ب، ط.

(٦) " أشراف " أ.

(*)

١٨٤

الحيوان من دار القرار، والذي هو تلوي في قيادة الاخيار، والمتردد معي في الاصلاب(١) الزاكيات، والمتقلب معي في الارحام(٢) الطاهرات، والراكض معي في مسالك الفضل، والذي كسي ما كسيته(٣) من العلم والحلم والعقل وشقيقي الذي انفصل مني عند الخروج إلى صلب عبدالله وصلب أبي طالب، وعديلي في اقتناء المحامد والمناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام آمنت به أنا والصديق الاكبر، وساقي أوليائي من نهر الكوثر آمنت به أنا والفاروق الاعظم، وناصر أوليائي السيد الاكرم آمنت به أنا، ومن جعله الله محنة لاولاد الغي و [رحمة لاولاد] الرشد، وجعله للموالين له أفضل العدة آمنت به أنا، ومن جعله الله لديني قواما، ولعلومي علاما، وفي الحروب(٤) مقداما وعلى أعدائي ضرغاما، أسدا قمقاما.

آمنت به أنا ومن سبق الناس إلا الايمان، فتقدمهم إلى رضا الرحمن، وتفرد دونهم بقمع أهل الطغيان، وقطع بحججه وواضح بيانه معاذير أهل البهتان آمنت به أنا وعلي بن أبي طالب الذي جعله الله لي سمعا وبصرا، ويدا ومؤيدا وسندا وعضدا، لا ابالي [ب‍] من خالفني إذا وافقني، ولا أحفل(٥) بمن خذلني إذا وازرني، ولا أكترث(٦) بمن ازور(٧) عني إذا ساعدني.

____________________

(١) و (٢) في الاصل: الارحام بدل الاصلاب، وبالعكس.

(٣) " كسوته " أ.كسا(يكسو كسوا) الثوب فلان: ألبسه اياه.كسى يكسى الثوب: لبسه.

(٤) " الحرب " أ.

(٥) " أخذل " أ.

(٦) " يقال: هو لا يكترث لهذا الامر: أى لا يعبا به ولا يبالى.

(٧) الازورار عن الشئ: العدول عنه.

(*)

١٨٥

آمنت به أنا ومن زين الله به الجنان وبمحبيه، وملا طبقات النيران بمبغضيه وشانئيه، ولم يجعل أحدا من أمتي يكافيه ولا يدانيه، لن يضرني عبوس المتعبسين(١) منكم إذا تهلل وجهه، ولا إعراض المعرضين(٢) منكم إذا خلص لي وده.

ذاك علي بن أبي طالب، الذي لو كفر الخلق كلهم من أهل السماوات والارضين لنصر الله عزوجل به وحده هذا الدين، والذي لو عاداه الخلق كلهم لبرز إليهم أجمعين، باذلا روحه في نصرة كلمة [الله] رب العالمين، وتسفيل كلمات إبليس اللعين.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا الراعي لم يبعد شاهده، فهلموا بنا إلى قطيعه ننظر إلى الذئبين فان كلمانا(٣) ووجدناهما يرعيان غنمه، وإلا كنا على رأس أمرنا(٤) .

فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جماعة كثيرة من المهاجرين والانصار، فلما رأوا القطيع من بعيد، قال الراعي: ذلك قطيعي.

فقال المنافقون: فأين الذئبان؟ فلما قربوا، رأوا الذنئبين يطوفان حول الغنم يردان عنها(٥) كل شئ يفسدها(٦) فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتحبون أن تعلموا أن الذئب ماعنى غيري بكلامه؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: احيطوا بي حتي لا يراني الذئبان، فأحاطوا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للراعي: يا راعي قل للذئب: من محمد الذي ذكرته من بين هؤلاء؟ [فقال الراعي للذئب ماقاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ].

قال: فجاء الذئب إلى واحد منهم وتنحى عنه، ثم جاء إلى آخر وتنحى عنه فما زال كذلك حتى دخل وسطهم، فوصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو وأنثاه، وقالا:

____________________

(١) " المعبس " أ، والبحار.

(٢) " المعرض " أ، والبحار.

(٣) " كانا " أ.

(٤) قال المجلسىرحمه‌الله : أى ان لم نشاهد ذلك لا يبطل أمرنا، بل نكون على ماكنا عليه من الدلائل والمعجزات.

(٥) " ويذودان " ب، ط.

(٦) " يبعدها " أ.

(*)

١٨٦

السلام عليك يا رسول رب العالمين(١) وسيد الخلق أجمعين.

ووضعها خدودهما على التراب، ومرغاها(٢) بين يديه، وقالا: نحن كنا دعاة إليك، بعثنا إليك هذا الراعي وأخبرناه بخبرك.

فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المنافقين معه فقال: ما للكافرين عن هذا محيص، ولا للمنافقين عن هذا موئل ولا معدل.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه واحدة، قد علمتم صدق الراعي فيها، أفتحبون(٣) أن تعلموا صدقه في الثانية؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: أحيطوا بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ففعلوا، ثم نادى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيها الذئبان إن هذا محمد، قد أشرتما للقوم إليه وعينتما عليه، فأشيرا وعينا(٤) علي بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه.

قال: فجاء الذئبان، وتخللا القوم، وجعلا يتأملان الوجوه والاقدام، فكل من تأملاه أعرضا عنه، حتى بلغا علياعليه‌السلام فلما تأملاه مرغا في التراب أبدانهما، ووضعا [على الارض] بين يديه خدودهما، وقالا: السلام عليك يا حليف الندى(٥) ، ومعدن النهى(٦) ، ومحل الحجى(٧) [وعالما] بما في الصحف الاولى [و] وصي المصطفى.

السلام عليك يا من أسعد الله به محبيه، وأشقى بعداوته شانئيه وجعله سيد آل محمد وذويه.

السلام عليك يا من لو أحبه أهل الارض كما يحبه أهل السماء لصاروا خيار الاصفياء، ويا من لو أحسن بأقل قليل من أنفق في سبيل الله ما بين العرش إلى الثرى

____________________

(١) " الله " أ." الله رب العالمين " البحار.

(٢) " ومرغاهما " أ.

(٣) " أتحبون " ب، ط.

(٤) " وأعينا على " أ.

(٥) أى ملازم الجود لا يفارقه كما لا يفارق الحليف صاحبه.

(٦) أى العقل.

(٧) أى العقل والفطنة.

(*)

١٨٧

لانقلب بأعظم الخزي والمقت من العلي الاعلى.

قال: فعجب أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين كانوا معه، وقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن لعلي هذا المحل من السباع مع محله منك(١) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكيف لو رأيتم محله من سائر الحيوانات المبثوثات في البر والبحر، وفي السماوات والارض، والحجب والعرش والكرسي، والله لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهى لمثال علي المنصوب بحضرتهم - ليشيعوا(٢) بالنظر إليه بدلا من النظر إلى علي كلما اشتاقوا إليه - ما يصغر(٣) في جنبه تواضع هذين الذئبين.

وكيف لا يتواضع الاملاك وغيرهم من العقلاء لعليعليه‌السلام ؟ وهذا رب العزة قد آلى(على نفسه)(٤) قسما حقا: لا يتواضع أحد لعلىعليه‌السلام قدر(٥) شعرة إلا رفعه الله في علو الجنان(٦) مسيرة مائة ألف سنة.

وإن التواضع الذي تشاهدون، يسير قليل في جنب هذه الجلالة والرفعة اللتين عنهما تخبرون(٧)(٨)

____________________

(١) " عندك " أ.

(٢) " ليشبعوا " ب، ص، ط، والبحار.وشايعه شياعا وشيعه: تابعه.

(٣) " يصغى " أ.تقول: أصغى حقه: اذا نقصه.

(٤) " بنفسه " أ.

(٥) " قيس " س، البحار.

(٦) " الجلال " أ.

(٧) " تحيرون " أ." تجزون " ص.

(٨) عنه البحار: ٧ / ٢٧٤ ح ٤٩(قطعة)، وج ١٧ / ٣٢١ ضمن ح ١٥، ومدينة المعاجز: ٤٢.

وأورد مثله في ثاقب المناقب: ٣٩(مخطوط) عن أبى سعيد الخدرى باختصار.

(*)

١٨٨

حديث حنين العود، وفيه ما يدل على فضل علىعليه‌السلام

٨٨ - وأما حنين العود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها، فقال له بعض أصحابه(١) : يا رسول الله إن الناس قد كثروا، وأنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت.فلو(٢) أذنت [في] أن نعمل لك منبرا له مراق ترقاها فيراك الناس إذا الناس إذا خطبت.فأذن في ذلك.

فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع، فتجاوزه إلى المنبر فصعده، فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى، وأن أنين الحبلى، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا.

فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك نزل عن المنبر، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، وقال: اسكن فما تجاوزك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تهاونا بك، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله.

فهدأ حنينه وأنينه، وعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى منبره، ثم قال: معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين، ويحزن لبعده عنه وفي عباد الله - الظالمين أنفسهم - من لا يبالي: قرب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعد [و](٣) لولا أني ما احتضنت هذا الجذع، ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه [وأنينه] إلى يوم القيامة.

وإن من عباد الله وإمائة لمن(٤) يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين [الطاهرين] منطويا، أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله؟

____________________

(١) " أهله " ب، س، ط

(٢) " فان " ب، ط.

(٣) من البحار.

(٤) " لم " أ.

(*)

١٨٩

كيف هدأ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح يده عليه؟ قالوا بلى: يا رسول الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذى بعثني بالحق نبيا، إن حنين خزان الجنان وحور عينها وسائر قصورها ومنازلها إلى من يتولى(١) محمدا وعليا وآلهما الطيبين ويبرأ(٢) من أعدائهم، لاشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله.

وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم، ما يرد عليهم من صلاة أحدكم - معاشر شيعتنا - على محمد وآله الطيبين، أو صلاته لله(٣) نافلة، أو صوم أو صدقة.

وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل [بهم] من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين، ومعونتهم لهم على دهرهم، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لا تستعجلوا صاحبكم، فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان باسداء المعروف إلى إخوانه(٤) المؤمنين.

وأعظم من ذلك - مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا - ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية واستعمالهم(٥) التورية ليسلموا بها من كفرة عباد الله وفسقتهم(٦) فحينئذ يقول خزان الحنان وحورها: لنصبرن على شوقنا إليهم [وحنيننا](٧) كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم، وكما يتجرعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لايقدرون على دفع مضرته.

فعند ذلك يناديهم ربنا عزوجل: " يا سكان جناني ويا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم، ولكن ليستكملوا(٨) نصيبهم من كرامتي بمواساتهم

____________________

(١) " يتوالى " أ، ب، ص، ط. " توالى " البحار: ٦٨. " يوالى " البحار: ٨ و ١٧.

(٢) " يتبرأ " أ، ب، س، ط. " تبرأ " البحار: ٦٨.

(٣) " صلوات " أ." صلاة " البحار.

(٤) " اخوانهم " الاصل.وما في المتن كما في البحار.

(٥) " استعمالها " ب، ط.

(٦) " فسقهم " أ.

(٧) ليس في البحار.وفى " أ " وحنيننا اليهم.

(٨) " الا ليستعملوا " أ.

(*)

١٩٠

إخوانهم المؤمنين، والاخذ بأيدي الملهوفين، والتنفيس عن المكروبين، وبالصبر على التقية من الفاسقين والكافرين، حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي(١) نقلتهم إليكم على أسر الاحوال وأغبطها فابشروا ".

فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم(٢) .

قلب السم على اليهود

٨٩ - وأما قلب الله السم على اليهود الذين قصدوه [به] - وأهلكهم(٣) الله به - فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما ظهر بالمدينة اشتد حسد " ابن أبي "(٤) له، فدبر عليه أن عليه أن يحفر له حفيرة

____________________

(١) " كرامتى " ب، ط

(٢) عنه البحار: ٨ / ١٦٣ ح ١٠٦، وج ١٧ / ٣٢٦ ضمن ح ١٥، وج ٦٨ / ٣٣ ح ٧٠.وروى مثله في الخرائج والجرائح: ٨٣(مخلوط) باختصار.

(٣) " واهلاكهم " ط.

(٤) لا غرابة في أن يذكر " ابن ابى " المنافق هنا ويقترن اسمه باليهود بل في قوله: " اشتد حسده زيادة على حسدهم " لطف، فما ذكر في كتب السيرة والتاريخ الا وتبعه موقف له مشهود مع اليهود: عن عاصم بن عمر " أن بنى قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ..فحاصرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نزلوا على حكمه فقام عبدالله ابن ابى بن سلول إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمكنه الله منهم.

فقال: يامحمد أحسن في موالى - وكانوا حلفاء الخزرج -..فقال النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله : هم لك، خلوهم لعنهم الله ولعنهم معه ".

وعن عبادة بن الوليد قال " لما حاربت بنو قينقاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تشبث بأمرهم عبدالله بن ابى وقام دونهم.."(دلائل النبوة: ٣ / ١٧٤، ابن الاثير: ٢ / ١٣(٨).

وفى الكامل لابن الاثير: ٢ / ١١٢: جاء أبوقيس الاسلت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلقيه عبدالله بن أبى المنافق فقال: كرهت قتال الخزرج..وعلى الجملة لا تخفى هويته على أحد، فعن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن كفار قريش كتبوا إلى ابن ابى، من كان يعبد معه الاوثان من الاوس والخزرج ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر..فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود.(دلائل النبوة: ٣ / ١٧(٨).

١٩١

في مجلس من مجالس داره، ويبسط فوقها بساطا، وينصب في أسفل الحفيرة أسنة رماح ونصب(١) سكاكين مسمومة، وشد أحد(٢) جوانب البساط والفراش إلى الحائط ليدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخواصه مع عليعليه‌السلام ، فاذا وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجله على البساط وقع في الحفيرة، وكان قد نصب في داره، وخبأ رجالا بسيوف مشهورة يخرجون على عليعليه‌السلام ومن معه عند وقوع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحفيرة فيقتلونهم بها ودبر أنه إن(٣) لم ينشط للقعود على ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم(٤) المسموم ليموت هو وأصحابه معه جميعا.

فجاء‌ه جبرئيلعليه‌السلام وأخبره بذلك، وقال له: إن الله يأمرك أن تقعد حيث يقعدك وتأكل مما يطعمك، فانه مظهر عليك آياته، ومهلك أكثر من تواطأ على ذلك فيك.

فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقعد(٥) على البساط، وقعدوا عن يمينه وشماله وحواليه، ولم يقع في الحفيرة، فتعجب ابن ابي ونظر، فاذا قد صار ما تحت البساط أرضا ملتئمة.

وأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياعليه‌السلام وصحبهما بالطعام المسموم، فلما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضع يده في الطعام قال: يا علي أرق(٦) هذا الطعام بالرقية النافعة.

فقال عليعليه‌السلام : " بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لايضر مع اسمه شئ [ولا داء] في الارض ولا في السماء، وهو السميع العليم ".

ثم أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام ومن معهما حتى شبعوا.

ثم جاء أصحاب عبدالله بن ابي وخواصه، فأكلوا فضلات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) " ينصب " ب، س، ط.

(٢) " آخر " أ.

(٣) " لو " ب.

(٤) " الطعام " أ.

(٥) " وعلىعليه‌السلام وأصحابهما وقعدا " ب، ط.

(٦) من الرقية، وهى العوذة.

(*)

١٩٢

وصحبه، ظنا منهم(١) أنه قد غلط ولم يجعل فيه سما(٢) لما رأوا محمدا وصحبه لم يصبهم مكروه.

وجاء‌ت بنت عبدالله بن ابي إلى ذلك المجلس المحفور تحته، المنصوب فيه ما نصب، وهي كانت دبرت ذلك، ونظرت فاذا ما تحت البساط أرض ملتئمة، فجلست على البساط واثقة، فأعاد الله الحفيرة بما فيها فسقطت فيها وهلكت، فوقعت الصيحة.

فقال عبدالله بن ابي: إياكم [و] أن تقولوا أنها سقطت في الحفيرة، فيعلم محمد ما كنا دبرناه عليه.

فبكوا [وقالوا:] ماتت العروس - وبعلة عرسها كانوا دعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - ومات القوم الذين أكلوا فضلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فسأل‍ [- ه] رسول الله عن سبب موت الابنة والقوم؟ فقال ابن ابي: سقطت من السطح، ولحق القوم تخمة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [الله](٣) أعلم بماذا ماتوا.

وتغافل عنهم(٤)

نظير المعجزة المذكورة لعليعليه‌السلام

٩٠ - قال على بن الحسينعليهما‌السلام : وكان نظيرها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام مع جد بن قيس(٥) وكان تالي عبدالله بن ابي في النفاق، كما أن(٦) علي تالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكمال والجمال والجلال.

____________________

(١) " ظنوا " س، ط.

(٢) " سموما " ب، س، ط، والبحار.

(٣) من البحار.

(٤) عنه البحار: ١٧ / ٣٢٨ ضمن ح ١٥، ومدينة المعاجز: ٧٩.

(٥) كان من رؤساء المنافقين، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل لك في جلاد بنى الاصفر؟ فقال: والله لقد عرف قومى حبى للنساء، وأخشى أن لا أصبر على نساء بنى الاصفر، فان رأيت أن تأذن لى ولا تفتنى. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى " ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى " التوبة: ٤٩.

(انظر تاريخ الطبرى: ٢ / ٢٧(٧)

(٦) " كان " ب، ط.

(*)

١٩٣

وتفرد جد مع عبدالله بن ابي - بعد هذه القصة(١) التي سلم الله منها محمدا وصحبه وقلبها على عبدالله بن ابي - فقال له: إن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ماهر بالسحر، وليس عليعليه‌السلام كمثله، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوة بعد أن تتقدم في تنبيش(٢) أصل حائط بستانك، ثم يقف رجال خلف الحائط بخشب يعتمدون بها على الحائط، ويدفعونه على عليعليه‌السلام [ومن معه] ليموتوا تحته.

فجلس علىعليه‌السلام تحت الحائط(٣) فتلقاه بيسراه ودفعه(٤) وكان الطعام بين أيديهم فقال عليعليه‌السلام : كلوا بسم الله.

وجعل يأكل معهم حتى أكلوا وفرغوا، وهو يمسك الحائط بشماله - والحائط ثلاثون ذراعا طوله في خمسة [عشر] ذراعا سمكه، في ذراعين غلظه - فجعل أصحاب عليعليه‌السلام - وهم يأكلون - يقولون: يا أخا رسول الله أفتحامي هذا و [أنت](٥) تأكل؟ فانك تتعب في حبسك هذا الحائط عنا.

فقال علىعليه‌السلام : إني لست أجد له من المس بيساري إلا أقل مما أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني.

وهرب جد بن قيس، وخشي أن يكون علي قد مات وصحبه، وإن محمدا يطلبه لينتقم منه، واختبأ عند عبدالله بن ابي، فبلغهم أن عليا قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه، وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا.

فقال أبوالشرور وأبوالدواهي اللذان كانا أصل التدبير في ذلك: إن عليا قد مهر بسحر محمد فلا سبيل لنا عليه.

فلما فرغ القوم مال عليعليه‌السلام على الحائط بيساره(٦) فأقامه وسواه، ورأب(٧)

____________________

(١) أى قصة قلب السم على اليهود وسقوط بنت ابن ابى في الحفرة، وفى " ص " القضية.

(٢) " تنفيش " أ." تفتيش " ب، ص، ط.وكلاهما تصحيف من في المتن.

(٣) أضاف في " أ " ويدفعونه.

(٤) " وأوقفه " البحار.

(٥) من البحار.

(٦) " بيسراه " ب، ط.

(٧) أى أصلح.

(*)

١٩٤

صدعه، ولام(١) شعبه، وخرج هو والقوم(٢) .

فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال [له]: يا أبا الحسن ضاهيت اليوم أخي الخضر لما أقام الجدار، وما سهل الله ذلك له إلا بدعائه بنا أهل البيت.(٣)

تكثير الله القليل من الطعام

٩١ - وأما تكثير الله القليل من الطعام لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوما جالسا هو وأصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين والانصار إذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن شدقي يتحلب، وأجدني أشتهي حريرة مدوسة(٤) ملبقة بسمن وعسل.

فقال علىعليه‌السلام : وأنا أشتهي ما يشتهيه(٥) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابي الفصيل: ماذا تشتهي أنت؟ قال: خاصرة حمل مشوي.

وقال لابي الشرور وأبي الدواهي(٦) :(ماذا تشتهيان أنتما)(٧) ؟ قالا: صدر حمل مشوي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أي عبد مؤمن يضيف اليوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبه ويطعمهم شهواتهم؟

____________________

(١) لام الشئ: أصلحه، جمعه وشده.

(٢) زاد في ص والبحار: من تحته.

(٣) عنه البحار: ٤٢ / ٣١ ح ٩، ومدينة المعاجز: ٨٠، ومناقب آل أبى طالب: ٢ / ٢٩٣(قطعة) واثبات الهداة: ٤ / ٥٩٤ ح ٢٨٨(قطعة).

(٤) " مدقسة " أ. قال المجلسىرحمه‌الله : الدوس: الوطى بالرجل، واخراج الحب من السنبل، ولعل المراد هنا المبالغة في التقية أو الدق أو الخلط. وقال ابن الاثير في النهاية: ٤ / ٢٢٦: لبقها، خلطها خلطا شديدا.

(٥) " يشتهى " أ.

(٦) " الفضيل " الاصل. قال المجلسىرحمه‌الله : وأبوالفصيل: أبوبكر، وكان يكنى به لموافقة البكر والفصيل في المعنى، وأبوالشرور: عمر، وأبوالدواهى: عثمان، وفى الاخير [كما سيأتى] يحتمل أن يكون المراد بأبى الشرور: أبابكر على الترتيب إلى معاوية أو عمر على الترتيب إلى معاوية، ثم على هذا أبوالنكث اما أبوبكر أو طلحة بترك ذكر أبى بكر (٧) " وأنتما فماذا تشتهيان " ب، ط.

(*)

١٩٥

فقال عبدالله بن ابي: هذا والله اليوم الذي نكيد فيه محمدا وصحبه [ومحبيه] ونقتله، ونخلص العباد والبلاد منه، وقال: يا رسول الله أنا اضيفكم، عندي شئ من بر وسمن وعسل، وعندي حمل أشوبه لكم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فافعل.

فذهب عبدالله بن ابي، وأكثر السم في ذلك البر الملبق بالسمن والعسل، وفي ذلك الحمل المشوي، ثم عاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: هلموا إلى ما اشتهيتم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا ومن؟ قال ابن ابي: أنت وعلي وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار.

فأشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي الشرور وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النكث وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يابن ابي دون هؤلاء؟ [ف‍] قال ابن ابي: نعم دون هؤلاء.

وكره أن يكونوا معه(١) لانهم كانوا مواطئين لابن ابي على النفاق.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لي في شئ استبد به دون هؤلاء، ودون المهاجرين والانصار الحاضرين لي.

فقال عبدالله يا رسول الله إن [لي] الشئ القليل، لا يشبع(٢) أكثر من أربعة(٣) إلى خمسة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبدالله إن الله أنزل مائدة على عيسىعليه‌السلام وبارك له في [أربعة] أرغفة وسميكات حتى أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة.

فقال: شأنك.

ثم نادى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يامعشر المهاجرين والانصار هلموا إلى مائدة(٤) عبدالله بن ابي.

فجاء‌وا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم سبعة(٥) آلاف وثمانمائة.

____________________

(١) " معهم " أ.

(٢) " لا يسع " ب، س، ص، ط.

(٣) " عشرة " البحار.

(٤) " مأدبة " ب، ط.

(٥) " ستة " ب، س، ط.

(*)

١٩٦

فقال عبدالله لاصحاب له: كيف نصنع؟ هذا محمد وصحبه(١) وإنما نريد أن نقتل محمدا ونفرا من أصحابه، ولكن إذا مات محمد وقع بأس هؤلاء بينهم، فلا يلتقي(٢) منهم اثنان في طريق.

وبعث ابن ابي إلى أصحابه والمتعصبين له ليتسلحوا ويجتمعوا، وقال: ماهو إلا أن يموت محمد حتى يلقانا(٣) أصحابه، ويتهالكوا.

فلما دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله داره، أومأ عبدالله إلى بيت له صغير، فقال: يا رسول الله أنت وهؤلاء الاربعة يعني عليا وسلمان والمقداد وعمارا في هذا البيت، والباقون(٤) في الدار والحجرة والبستان، ويقف منهم قوم على الباب حتى يفرغ [منهم] أقوام ويخرجون، ثم يدخل بعدهم أقوام.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الذي يبارك في هذا الطعام القليل ليبارك في هذا البيت الصغير الضيق، ادخل يا علي ويا سلمان ويا مقداد ويا عمار، [و] ادخلوا معاشر المهاجرين والانصار.

فدخلوا أجمعين وقعدوا(٥) حلقة واحدة كما يستديرون حول ترابيع الكعبة، وإذا البيت قد وسعهم أجمعين حتى أن بين كل رجلين منهم موضع رجل.

فدخل عبدالله بن ابي فرأي [عجبا] عجيبا من سعة البيت الذي كان ضيقا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ائتنا بما عملته.فجاء‌ه بالحريرة الملبقة بالسمن والعسل، و [ب‍] الحمل المشوي.

فقال ابن ابي: يا رسول الله كل أنت أولا قبلهم، ثم ليأكل صحبك هؤلاء: علي ومن معه، ثم يطعم(٦) هؤلاء.

____________________

(١) " أصحابه " ب، ط.

(٢) " يبقى " ب، ط.

(٣) " يبقانى " أ." يبقى " ب، س، ص، ط.وما في المتن من البحار.

(٤) " وهؤلاء الباقون " ب، س، ص، ط.

(٥) " جعلوا " ب، ط.

(٦) " نطعم " ب، ط.

(*)

١٩٧

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كذلك [أفعل].

فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على الطعام ووضع عليعليه‌السلام يده معه.

فقال ابن ابي: ألم يكن الامر على أن تأكل مع أصحابك وتفرد رسول الله(١) ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبدالله إن عليا أعلم بالله و [ب‍] رسوله منك، إن الله ما فرق فيما مضى بين علي ومحمد، ولا يفرق فيما يأتي أيضا بينهما، إن عليا كان وأنا معه نورا واحدا، عرضنا الله عزوجل على أهل سماواته وأرضه(٢) وسائر حجبه وجنانه وهوامه(٣) وأخذ عليهم لنا العهود والمواثيق ليكونن لنا ولاوليائنا موالين ولاعدائنا معادين، ولمن نحبه محبين، ولمن نبغضه مبغضين، ما زالت إرادتنا واحدة ولا تزال، لا اريد إلا مايريد، [ولا يريد إلا ما اريد] يسرني ما يسره(٤) ويؤلمني ما يؤلمه فدع يا ابن ابي علي بن أبي طالب(٥) فانه أعلم بنفسه وبي منك.

قال ابن ابي: نعم يا رسول الله. وأفضى إلى جد ومعتب، فقال: أردنا واحدا فصار إثنين، الآن يموتان جميعا، وتكفى شرهما، هذا لخيبتهما(٦) وسعادتنا، فلو بقي علي بعده لعله كان يجادل(٧) أصحابنا هؤلاء، و عبدالله بن ابي قد جمع جميع أصحابه ومتعصبيه حول داره ليضعوا السيف(٨) على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ مات بالسم. ثم وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام يديهما في الحريرة الملبقة بالسمن والعسل فأكلا حتى شبعا، ثم وضع من اشتهى خاصرة الحمل، ومن اشتهى صدره(منهم فأكلا)(٩) حتى شبعا، وعبدالله ينظر ويظن أن لا يلبثهم السم، فاذاهم لا يزدادون إلا نشاطا.

____________________

(١) " يأكل على مع أصحابك " البحار.

(٢) " أرضيه " البحار.

(٣) " هوائه " ب، س، ط، والبحار.

(٤) " يسوء‌نى ما يسوء‌ه " ب، ط.

(٥) " عليا " ب، ط، والبحار.

(٦) " ونكفاهما جمعيا وهذا لحينهما " س، ص، والبحار.

(٧) " يجالد " البحار. جادله: خاصمه. وجالده بالسيف: ضاربه به.

(٨) " ليقعوا " أ، ب، ص، ط.

(٩) " بينهما وأكلا " ب، ط.

(*)

١٩٨

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هات الحمل.

فلما جاء به، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أبا الحسن ضع الحمل في وسط البيت.

فوضعه [في وسط البيت تناله أيديهم]، فقال عبدالله، يا رسول الله كيف تناله أيديهم؟ ! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الذي وسع هذا البيت، وعظمه حتى وسع جماعتهم وفضل عنهم، هو الذي يطيل أيديهم [حتى تنال هذا الحمل، قال:] فأطال الله تعالى أيديهم حتى نالت ذلك، فتناولوا منه وبارك الله في ذلك الحمل حتى وسعهم وأشبعهم وكفاهم، فاذا هو بعد أكلهم لم يبق منه إلا عظامه(١) .

فلما فرغوا منه طرح عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منديلا له، ثم قال: يا علي اطرح عليه(٢) الحريرة الملبقة بالسمن والعسل.

ففعل، فأكلوا منه حتى شبعوا كلهم وأنفدوه(٣) .

ثم قالوا: يا رسول الله نحتاج إلى لبن أو شراب نشربه عليه.

فقال رسول الله: إن صاحبكم أكرم على الله من عيسىعليه‌السلام ، أحيا الله تعالى له الموتى، وسيفعل [الله] ذلك لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . ثم بسط منديله ومسح يديه عليه و قال:(اللهم كما باركت فيها فأطعمتنا من لحمها، فبارك فيها واسقنا من لبنها).

قال: فتحركت، وبركت، وقامت، وامتلا ضرعها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ائتوني بأزقاق وظروف وأوعية ومزادات(٤) فجاء‌وا بها فملاها، وسقاهم حتى شربوا ورووا.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لا أني أخاف أن يفتتن(٥) بها أمتي كما افتتن بنو

____________________

(١) " عظاما " أ.

(٢) " منديلك على " أ.

(٣) " وأبعدوه " أ. أنفد الشئ: أفناه.

(٤) المزادة: هى الظرف الذى يحمل فيه الماء كالقربة.

(٥) " يفتن " أ. افتتن: وقع في الفتنة.

(*)

١٩٩

إسرائيل بالعجل فاتخذوه ربا من دون الله تعالى لتركتها تسعى في أرض الله، وتأكل من حشائشها، ولكن اللهم أعدها عظاما كما أنشأتها.

فعادت عظاما [مأكولا] ما عليها من اللحم شئ، وهم ينظرون.

قال: فجعل أصحاب رسول الله يتذاكرون(١) بعد ذلك توسعة [الله تعالى] البيت [بعد ضيقه] و [في] تكثيره الطعام ودفعه غائلة السم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني إذا تذكرت ذلك البيت كيف وسعه الله بعد ضيقه وفي تكثير ذلك الطعام بعد قلته، وفي ذلك السم كيف أزال الله تعالى غائلته عن محمد ومن دونه(٢) وكيف وسعه [وكثره] ! أذكر ما يزيده الله تعالى في منازل شيعتنا وخيراتهم في جنات عدن وفي الفردوس.

إن في(٣) شيعتنا لمن يهب الله له في الجنان من الدرجات والمنازل والخيرات ما [لا] يكون الدنيا وخيراتها في جنبها [إلا] كالرملة في البادية الفضفاضة، فما هو إلا أن يرى أخا له مؤمنا فقيرا فيتواضع له ويكرمه ويعينه [ويمونه] ويصونه عن بذل وجهه له، حتى يرى الملائكة الموكلين بتلك المنازل والقصور [و] قد تضاعفت حتى صارت في الزيادة كما كان هذا الزائد في هذا البيت الصغير الذي رأيتموه فيها صار إليه من كبره وعظمه وسعته.

فيقول الملائكة: يا ربنا لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل، فامددنا(٤) بأملاك يعاونوننا.

فيقول الله: ماكنت لا حملكم ما لاتطيقون، فكم تريدون مددا؟

____________________

(١) " يتذكرون " ب، ط، وتذاكروا الشئ: ذكروه.

(٢) " وعن ذويه " البحار.

(٣) " من " ب، س، ط، والبحار: ٨.

(٤) يقال: أمددته بمدد: أى قويته وأعنته به.

(*)

٢٠٠