تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 201750
تحميل: 37631

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201750 / تحميل: 37631
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

فيقول [له]: أو تراهم؟ هؤلاء ساداتك وأئمتك، هم هناك جلاسك(١) واناسك [أ] فما ترضى بهم بدلا مما(٢) تفارق ههنا؟ فيقول: بلى وربي.

فذلك ما قال الله عزوجل:(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا)(٣) فما أمامكم من الاهوال فقد كفيتموها(ولا تحزنوا) على ما تخلفونه من الذراري والعيال [والاموال]، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم(وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) هذه منازلكم، وهؤلاء ساداتكم واناسكم وجلاسكم(٤) .(٥) ثم قال الله عزوجل: " يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين " ١١٨ - قال الامامعليه‌السلام : قال: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أن بعثت موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوة، فهديناهم(٦) إلى نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصية [علي] وإمامة عترته الطيبين.

وأخذنا عليكم(٧) بذلك العهود والمواثيق التي إن وفيتم بها كنتم ملوكا في جنانه مستحقين(٨) لكراماته ورضوانه.

(وأني فضلتكم على العالمين) هناك، أي فعلته بأسلافكم، فضلتهم دينا ودنيا:

____________________

(١) " جلساؤك " أ. والجلاس: جمع الجليس.والاناس - جمع الانس - من تأنس به.

(٢) " ممن " أ.

(٣) فصلت: ٣٠.

(٤) " جلساؤكم " خ ل.

(٥) عنه تأويل الايات: ٢ / ٥٣٧ ح ١، والمحتضر: ٢٢، والبحار: ٦ / ١٧٦ ضمن ح ٢ وج ٢٤ / ٢٦ ح ٤، وج ٧١ / ٣٦٦ ذ ح ١٣(قطعة) والبرهان: ٤ / ١١١ ح ١٢، ومدينة المعاجز: ١٨٧.

(٦) " فهديناكم " أ." فهدينا " ب، ط.

(٧) " عليهم " أ.والمقصود أوفوا بعهدى الذى أخذته عليكم بلسان أنبيائكم وأسلافكم لتؤمنن بمحمد.

(٨) " المستحقين " أ، ب، س، ط، والبرهان.

(*)

٢٤١

أما تفضيلهم في الدين فلقبولهم نبوة محمد [وولاية علي](١) وآلهما الطيبين.

وأما [تفضيلهم] في الدنيا فبأن ظللت(٢) عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المن والسلوى وسقيتهم من حجر ماء‌ا عذبا، وفلقت لهم البحر، فأنجيتهم وأغرقت أعداء‌هم فرعون وقومه، وفضلتهم بذلك [على] عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم، وحادوا عن سبيلهم ثم قال الله عزوجل [لهم]: فاذا كنت [قد] فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان لقبولهم ولايه محمد وآله، فبالحري(٣) أن أزيدكم فضلا في هذا الزمان إذا أنتم وفيتم بما آخذ من العهد والميثاق عليكم.(٤)

١١٩ - ثم قال الله عزوجل:(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لا تدفع عنها عذابا قد استحقته(٥) عند النزع.

(ولا يقبل منها شفاعة) يشفع(٦) لها بتأخير الموت عنها.

(ولا يؤخذ منها عدل) لا يقبل [منها] فداء [ب‍] مكانه يمات(٧) ويترك هو.

بيان الاعراف، ووقوف المعصومينعليه‌السلام

قال الصادقعليه‌السلام : وهذا [اليوم] يوم الموت، فان الشفاعة والفداء لا يغني عنه.

فأما في القيامة، فانا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن(٨) على الاعراف بين الجنة والنار " محمد(٩) وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام والطيبون من

____________________

(١) " ولاية محمد وعلى " أ، س، ص، ق، د، والبرهان." ولاية محمد " ب، ط.وما في المتن من البحار.

(٢) " فضللت " أ.

(٣) " فبالاحرى " البحار: ٩. الحرى: الخليق والجدير والمناسب. والاحرى: الاولى.

(٤) عنه البحار: ٩ / ٣١١ ضمن ح ١٠، وج ٢٤ / ٦٢ ح ٤٧، وفيه: من العهود والمواثيق عليكم.

والبرهان: ١ / ٩٥ صدر ح ٤.

(٥) " استحقه " أ، س، والبحار: ٩.

(٦) " من يشفع " التأويل.

(٧) " يموت الفداء " التأويل.

(٨) " لنكونن " أ.

(٩) " بمحمد " أ.

(*)

٢٤٢

آلهم " فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات - ممن كان منهم مقصرا(١) - في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في(٢) العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلى يوم القيامة فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور صيدها، فيزفونهم إلى الجنة زفا.

وإنا لنبعث على آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام(٣) فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا.

وسيؤتى [ب‍] الواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن قد حاز(٤) الولاية والتقية وحقوق إخوانه، ويوقف بازائه مابين مائة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار.

فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة، وأولئك(٥) النصاب النار.

وذلك ما قال الله عزوجل:(ربما يود الذين كفروا) يعني بالولاية(لو كانوا مسلمين)(٦) في الدنيا منقادين للامامة، ليجعل مخالفوهم فداء‌هم من النار(٧) .

(٨) ثم قال الله عزوجل: " واذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناء‌كم ويستحيون نساء‌كم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم ": ٤٩

١٢٠ - قال الامامعليه‌السلام : قال تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل(إذ نجيناكم)

____________________

(١) " مضطرا " أ.

(٢) " إلى " أ.

(٣) " كالهمام " خ ل.

(٤) " صان " التأويل والبحار." خار " أ. حاز الشئ: ضمه، حصل عليه. وصان الشئ: حفظه. وخار: فتر وضعف.

(٥) " هؤلاء " ب، ط، والبرهان.

(٦) الحجر: ٢.

(٧) كذا في التأويل، وفى الاصل: من النار فداء‌هم.

(٨) عنه تأويل الايات: ١ / ٥٥ ح ٣٢، والبحار: ٨ / ٤٤ ح ٤٥ وص ٣٣٧ ح ١٣، وج ٩ / ٣١١ ذ ح ١٠، والبرهان: ١ / ٩٥ ضمن ح ٤، وج ٢ / ٣٢٥ ح ٤.

(*)

٢٤٣

أنجينا أسلافكم(من آل فرعون) وهم الذين كانوا يدنون إليه بقرابته(١) وبدينه ومذهبه(يسومونكم) كانوا بعذبونكم(سوء العذاب) شدة العذاب كانوا يحملونه عليكم.

فضل الصلاة على النبى وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال: وكان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون يكلفهم عمل البناء والطين ويخاف أن يهربوا عن العمل، فأمر بتقييدهم(٢) فكانوا ينقلون ذلك الطين على السلاليم إلى السطوح: فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن(٣) ولا يحلفون بهم(٤) إلى أن أوحى الله عزوجل إلى موسىعليه‌السلام : قل لهم: لا يبتدؤن عملا إلا بالصلاة على محمد وآله الطيبين ليخف عليهم.

فكانوا يفعلون ذلك، فيخف عليهم.

وأمر كل من سقط وزمن ممن نسي الصلاة على محمد وآله الطيبين أن يقولها على نفسه إن أمكنه - أي الصلاة على محمد وآله - أو يقال عليه إن لم يمكنه، فانه يقوم ولا يضره ذلك(٥) ففعلوها، فسلموا.

(يذبحون أبناء‌كم) وذلك لما قيل لفرعون: إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك، وزوال ملكك.

فأمر بذبح أبنائهم، فكانت الواحدة [منهن] تصانع(٦) القوابل عن نفسها - لئلا

____________________

(١) " بالقرابة " ب، ط.

(٢) " بقيدهم " خ ل.

(٣) زمن - بالميم المكسورة -: أصابته الزمانة وهى العاهة.

(٤) " يفلجون " أ، لا يحفل: لا يبالي. وفلج له: حكم له على خصمه.

(٥) " ولاتقلبه يد " س، ق، د، البحار.

يريد: أنه يقوم من غير أن تقلبه يد ويداويه أحد.

(٦) المصانعة: المداراة، الرشوة.

(*)

٢٤٤

ينم(١) عليها - [ويتم] حملها، ثم تلقي ولدها في صحراء، أو غار جبل، أو مكان غامض وتقول عليه عشر مرات الصلاة على محمد وآله، فيقيض الله [له] ملكا يربيه، ويدر من اصبع له لبنا يمصه، ومن اصبع طعاما [لينا] يتغذاه إلى أن نشأ بنو إسرائيل وكان من سلم منهم ونشأ أكثر ممن قتل.

(ويستحيون نساء‌كم) يبقونهن(٢) ويتخذونهن إماء، فضجوا إلى موسى وقالوا: يفترعون(٣) بناتنا وأخواتنا.

فأمر الله تلك البنات كلما رابهن(٤) ريب من ذلك صلين على محمد وآله الطيبين فكان الله يرد عنهن أولئك الرجال، إما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه فلم يفترش منهن أمرأة، بل دفع الله عزوجل ذلك عنهن بصلاتهن(٥) على محمد وآله الطيبين.

ثم قال الله عزوجل:(وفي ذلكم) أي في ذلك الانجاء الذي أنجاكم منهم(٦) ربكم(بلاء) نعمة(من ربكم عظيم) كبير.

قال الله عزوجل: يا بني إسرائيل اذكروا إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم ويخف بالصلاة على محمد وآله الطيبين، أفما تعلمون أنكم إذا شاهدتموه، وآمنتم به كانت النعمة عليكم أعظم [وأفضل] وفضل الله عليكم [أكثر] وأجزل؟(٧)

____________________

(١) " هم " أ " يتم " خ ل. ينم: من النميمة وهى نقل الحديث من قوم إلى قوم. وهم بالشئ: عزم عليه وقصده.

(٢) " يثقونهن " أ.

(٣) " يفترشون " ب، ط، والبحار: ٩٤، والبرهان. افترشه: وطئه، وتسمى المرأة فراشا لان الرجل يفترشها.

والافتراع: ازالة البكارة.

(٤) " رآهن " أ، والبحار: ١٣.

رابه ريبا: رأى منه ما يكرهه.

(٥) " لصلاتهن " ب، ط.

(٦) " منه " ب، ط.

(٧) عنه البحار: ١٣ / ٤٧ ح ١٦، وج ٩٤ / ٦١ ح ٤٨، والبرهان: ١ / ٩٦ ح ١.

(*)

٢٤٥

قوله عزوجل: " واذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون.

واذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون.

ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ": ٥٠ - ٥٣.

١٢١ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل: واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقا ينقطع بعضه من بعض " فأنجيناكم " هناك وأغرقنا(١) فرعون وقومه " وأنتم تنظرون " إليهم وهم يغرقون

نجاة بنى اسرائيل لاقرارهم ولاية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتجديدها

وذلك أن موسىعليه‌السلام لما انتهى إلى البحر، أوحى الله عزوجل إليه: قل لبني إسرائيل: جددوا توحيدي وأمروا(٢) بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي وإمائي، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد وآله الطيبين، وقولوا: اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء.فان الماء يتحول لكم أرضا.فقال لهم موسى ذلك.

فقالوا: أتورد علينا ما نكره، وهل فررنا(٣) من [آل] فرعون إلا من خوف الموت؟ وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟ فقال لموسىعليه‌السلام كالب بن يوحنا(٤) - وهو على دابة له، وكان ذلك الخليج

____________________

(١) " أفرقنا " أ.أ فرق غنمه: أضلها وأضاعها.

(٢) " أقروا " ب، ط، والبرهان.

(٣) " فردنا " أ.فرد - بالفتح - عن الشئ: تنحى واعتزل.

(٤) " يوقيا " أ.وذكره الطبرى في الجزء الاول من تاريخه - وفى أماكن متعددة منه -: كالب بن يوفنا، وفى العرائس: كالب بن يوقتا.وهو ختن موسىعليه‌السلام .

(*)

٢٤٦

أربعة فراسخ -: يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل(١) الماء؟ فقال: نعم.

قال: وأنت تأمرني به؟ قال: بلى.

[قال:](٢) فوقف وجدد على نفسه من توحيد الله ونبوة محمد وولاية علي بن أبي طالب والطيبين من آلهما ما أمره به، ثم قال: اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء.

ثم أقحم فرسه، فركض على متن الماء، وإذا الماء من تحته كأرض لينة حتى بلغ آخر الخليج، ثم عاد راكضا، ثم قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان، ومغاليق أبواب النيران، ومنزل(٣) الارزاق، وجالب على عباد الله وإمائه رضى [الرحمن] المهيمن الخلاق.

فأبوا، وقالوا: [نحن] لا نسير إلا على الارض.

فأوحى الله إلى موسى:(أن اضرب بعصاك البحر)(٤) وقل: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما فلقته.

ففعل، فانفلق، وظهرت الارض إلى آخر الخليج.

فقال موسىعليه‌السلام : ادخلوها، قالوا: الارض وحلة نخاف أن نرسب فيها.

فقال الله عزوجل: يا موسى قل: اللهم بحق محمد وآله الطيبين جففها.

فقالها، فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت.

وقال موسى: ادخلوها.

فقالوا: يا نبي الله نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني عشر أبا، وإن دخلنا رام كل فريق منا تقدم صاحبه، ولا نأمن وقوع الشر بيننا، فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لامنا ما نخافه.

____________________

(١) " تقوله وتدخل " أ.

(٢) من البحار.

(٣) " متنزل " ب، ط." مستنزل " س، ص، ق، د.

(٤) الشعراء: ٦٣.

(*)

٢٤٧

فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك الموضع، ويقول: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بين الارض لنا وأمط(١) الماء عنا. فصار فيه تمام اثني عشر طريقا، وجف قرار الارض بريح الصبا فقال: ادخلوها. فقالوا: كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين. فقال الله عزوجل: فاضرب كل طود(٢) من الماء بين هذه السكك. فضرب وقال: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت في هذا الماء طيقانا(٣) واسعة يرى بعضهم بعضا [منها](٤) ، فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضا [منها](٥) ثم دخلوها. فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه، فدحل بعضهم، فلما دخل آخرهم، وهم أولهم بالخروج أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم، فغرقوا، وأصحاب موسى ينظرون إليهم فذلك قوله عزوجل:(وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) إليهم.

قال الله عزوجل لبني إسرائيل في عهد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودعاء موسى، دعاء تقرب بهم [إلى الله](٦) أفلا تعقلون أن عليكم الايمان بمحمد وآله إذ [قد] شاهدتموه الآن؟(٧) .

١٢٢ - ثم قال الله عزوجل:(وإذ واعدنا موسى(٨) أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل

____________________

(١) أى أبعد.

(٢) " خلود " أ.والخوالد والاطواد: الجبال.

(٣) " طبقات " أ، والبحار.وكذا التى تلى، والطاق: ما عطف من الابنية أى جعل كالقوس من قنطرة ونافذة.

ج طاقات وطيقان.

(٤) و(٥) و (٦) من التأويل والبحار: ١٣.

(٧) عنه تأويل الايات: ١ / ٥٦ ح ٣٣، والبحار: ١٣ / ١٣٨ ح ٣٤٥، وج ٩٤ / ٦ ح ٨ والبرهان: ١ / ٩٦ ح ١ ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٧٢ ح ١٠.

(٨) " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشرفتم ميقات ربه أربعين ليلة " الاعراف: ١٤٢.

والتمام خلاف النقصأقول: في الاية تصريح بأن الميعاد الاصل كان ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، فقوله " أربعين ليلة " محمول على هذا التفصيل. ولنا بيان حول الجمع بين الايتين في كتابنا " المدخل إلى التفسير الموضوعى للقرآن الكريم ": ٢ / ١٢٩ - ١٣١، فراجع. وانظر متن الحديث، يجوز أن يرجع اليه قوله أمره الله عزوجل أن يأتى للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل، وظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب..(إلى أن قال:) وصم عشرا..ففعل ذلك موسى، وكان وعدالله عزوجل أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة فأعطاه اياه.

(*)

٢٤٨

من بعده وأنتم ظالمون).

قال الامامعليه‌السلام : كان موسى بن عمرانعليه‌السلام يقول لبني إسرائيل: إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداء‌كم آتيكم بكتاب من ربكم، يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله.

فلما فرج الله تعالى عنهم، أمره الله عزوجل أن يأتي للميعاد، ويصوم ثلاثين يوما عند، أصل الجبل، وظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب.

فصام موسى ثلاثين يوما [عند أصل الجبل] فلما كان في آخر الايام(١) استاك(٢)

____________________

(١) " آخر اليوم " البحار. اقول: لم يقل " أواخر " ولا " آخر جميع " الايام، ولا " فصام ثلاثين يوما في آخر الايام ".

وعلى الجملة فلا دلالة على أنه استاك غير اليوم الاخير، ولا على أن السواك أفطر صيامه. وأما أنه قال: " يصوم عشرا اخر " لا يوما واحدا، ولا ثلاثين يوما، فليس لنا في حكم الله أن نقول: لماذا يصوم عشرا اخر كما يكون في كفارة الافطار في رمضان أو قضائه ستين يوما، أو دونه، فراجع وتدبر.

(٢) لا ريب أن موسىعليه‌السلام وجد اثر صيامه خلوفا في فمه، وزعم أن الخلوف غير طيب، وينافى مناجاة الله تعالى، فقال: " اجلك عن المناجاة لخلوف الصائم " فاشتغل بالاستياك عن مناجاته اجلالا له عزوجل. ويظهر من قوله تعالى " أما علمت " أن موسىعليه‌السلام وقت ذاك لم يتذكر أن خصوصهذا الخلوف - اثرالصيام - عند الله أطيب. قال الصادقعليه‌السلام : أوحى الله عزوجل إلى موسىعليه‌السلام : ما يمنعك من مناجاتى؟ فقال: يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم. فأوحى اليه: لخلوف فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك. انظر: الكافى: ٤ / ٦٤ ح ١٣، ومن لايحضره الفقيه: ٢ / ٧٦ ح ١٧٧٩، وفضائل الاشهر الثلاثة: ١٢١ ح ١٢٢. بقى الكلام في أن الرواية تنافى مااتفق على ان السواك ممدوح، وأن الصائم يستاك ولا بأس به.. اقول: بيان ذلك أنه روى ان السواك والطيب من سنن المرسلين، وأنه مطهرة للفم مرضاة للرب، ومفرحة للملائكة وأن المصلى مادام يكون في الصلاة فهو واقف بين يدى الله تعالى يناجيه. وأنه كان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله يستاك لكل صلاة، وقال: لو لا أن أشق على امتى لامرتهم بالسواك. مع أن السواك سنة للوضوء، ولك صلاة، وعند قراء‌ة القرآن، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " نظفوا طريق القرآن. قيل: يا رسول الله وما طريق القرآن؟ قال: أفواهكم. قيل: بماذا؟ قال: بالسواك ". وبالجملة: لا ريب اذن في فضل الاستياك، وأنه تطيب، ولا يتطيب ريح المستاك بمثل ريح المسك. ولكن في هذه الرواية - مؤيدة برواية الكلينى في الكافى المتقدم ذكرها نكتة مهمة في خطاب موسىعليه‌السلام : " أما علمت أن خلوف فم الصائم - بما هو صائم - أطيب عندالله - في مناجاته لا عند الناس - من ريح المسك ". ففى هذا تصريح بأن لهذا الخلوف فضلا واختصاصا لايناله فضل التطيب بالاستياك والمسك. كيف لا وخلوف فم الصائم اثر اصطباره لعبادة ربه وشعاره فيما أمسك وأجهد بنفسه مخلصا. الا ترى في قوله تعالى: " سيما هم في وجوهم من أثر السجود " الفتح: ٢٩ دلالة واضحة على مطلوبية أثر السجود، وصفرة الوجه من أثر قيام الليل واحيائه بالعبادة، وأما سمعت فضل زيارة الحسينعليه‌السلام للمسافر القادم وهو شعث أغبر على من زاره متطيبا. فالحاصل أنه لامنافاة بينهما ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. واما قوله: " هل يستاك الصائم؟ قال لا بأس به " فان ظاهر سؤال السائل أنه لايحتمل وجوبه بل منعه، فيريد هل يفطر الصائم أم لا؟ فالجواب " أنه لابأس به " فتدبروا غتنم. (*)

٢٤٩

قبل الفطر.(١) فأوحى الله عزوجل [إليه] يا موسى(١) أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ صم عشرا اخر(٣) ولاتستك(٤) عند الافطار.

ففعل ذلك موسىعليه‌السلام .وكان وعد الله عزوجل أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة، فأعطاه إياه.

فجاء السامرى فشبه على مستضعفي(٥) بني إسرائيل، وقال:

____________________

(١) اقول: كيف يستاك الصائم قبل الافطار، ويزيل خلوف فمه اثر اصطباره لعبادة ربه؟ ! وكان له أحد الفرحتين عند الافطار، اذله أن يتوجه إلى ربه الذى قال: " الصوم لى وأنا اجزى به " ثم يقول فيما يناجى ربه " اللهم لك صمت، وعلى رزقك افطرت، وعليك توكلت ".

(٢) هنا تقدير حسب رواياتنا: " أوحى الله تعالى إلى موسى: ما يمنعك من مناجاتى؟ فقال: يارب اجلك لخلوف فم الصائم فأوحى الله تعالى: لخلوف فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك " انظر الكافى والفقيه وفضائل الاشهر الثلاثة المتقدم ذكرها.

(٣) انظر تعليقتنا على قوله " آخر الايام " ص رقم..

(٤) وذلك لان خلوف فمه أطيب عندالله من ريح المسك، وفيه اشارة وتحذير عما استاك موسى من خلوف فمه قبل الفطر آخر الايام.

(٥) يظهر منه أن بنى اسرائيل وقتئذ لم يكونوا منحصرين بهؤلاء الذين افتتنوا هذه الفتنة الكبرى الالهية التى طبع على قلوبهم فأضلهم السامرى، بل ربما كان فيهم من لم يؤمن بهم، ويراعون هارون خليفة موسى كما يدل عليه ص ٢٥٥.الا ترى انه لما رجع موسى اليه وعاتبه قائلا: يا هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعنى، أفعصيت أمرى؟ قال: "...انى خشيت أن تقول فرقت بين بنى اسرائيل ولم ترقب قولى." ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى، فلا تشمت بى الاعداء ولاتجعلنى مع القوم الظالمين " الاعراف: ١٥٠ فسلام على نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ قال: " يا على أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبى بعدى " وسلام على مولانا وسيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام اذ مر على قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله متمثلا بتلك بالاية الشريفة.

انظر كتابنا " المدخل إلى التفسير الموضوعى للقرآن الكريم: " ٢ / ١٣٨.

(*)

٢٥٠

وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون(١) أخطأ موسى ربه، وقد أتاكم ربكم، أراد أن يريكم: أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه وأنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه.

فأظهر لهم العجل الذي كان عمله فقالوا له: فكيف يكون العجل إلهنا؟ قال لهم: إنما هذا العجل يكلمكم منه(٢) ربكم كما كلم موسى من الشجرة فالاله(٣) في العجل كما كان في الشجرة.فضلوا بذلك وأضلوا.

[فلما رجع موسى إلى قومه قال:](٤) يا أيها العجل أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل وقال: عز ربنا عن أن يكون العجل حاويا له، أو شئ من الشجرة والامكنة عليه مشتملا، لا والله يا موسى ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط وحفر في الجانب الآخر في الارض، وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره، وتكلم بما تكلم لما قال:(هذا إلهكم وإله موسى)(٥) يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء بعبادتي، وإتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين، وجحودهم بموالاتهم(٦) وبنبوة النبي محمد ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها.

____________________

(١) أقول: أيها الاخ لا تعجب مما قالوا في هذه الفتنة الكبيرة، فان الله تعالى قال: انا فتنا قومك من بعدك، وقال هارون: ان هى الا فتنتك تضل بها من تشاء " كما لا تعجب من أصحاب الرأى والقياس، وقل أعوذ بالله من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون.

(٢) هذا يسند التكلم إلى الرب من طرف العجل - دون العجل - كما تكلم الرب من الشجرة - دون الشجرة - قال تعالى: " أولم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " الاعراف: ١٤٨.نعم لما رجع موسى إلى العجل واستنطقه، نطق، وقال موسى..فلاحظ.

(٣) " فلما سمعوا منه كلاما قالوا له انه " البحار.

(٤) " فقال موسى " أ، ب، ص، ط.

(٥) طه: ٨٨.

(٦) " لموالاتهم " الاصل، والتأويل.

(*)

٢٥١

قال الله عزوجل: فاذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي(١) فما تخافون من الخذلان الاكبر في معاندتكم(٢) لمحمد وعلي وقد شاهدتموهما، وتبينتم آياتهما ودلائلهما؟ ثم قال الله عزوجل:(ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل، لعلكم يا أيها الكائنون في عصر محمد من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم.

[ثم] قالعليه‌السلام : وإنما عفى الله عزوجل عنهم لانهم دعوا الله بمحمد وآله الطاهرين، وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطيبين.فعند ذلكرحمهم‌الله ، وعفا عنهم.(٣)

١٢٣ - ثم قال الله عزوجل:(وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) قال الامامعليه‌السلام : واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب وهو التوراة الذي أخذ على بني إسرائيل الايمان به، والانقياد لما يوجبه، والفرقان آتيناه أيضا فرق به [ما] بين الحق والباطل، وفرق [ما] بين المحقين والمبطلين.

وذلك أنه لما أكرمهم الله تعالى بالكتاب والايمان به، والانقياد له، أوحى الله بعد ذلك إلى موسىعليه‌السلام : يا موسى هذا الكتاب قد أقروا به، وقد بقي الفرقان، فرق ما بين المؤمنين والكافرين، والمحقين والمبطلين، فجدد عليهم العهد به، فاني قد آليت على نفسي قسما حقا لا أتقبل من أحد إيمانا ولا عملا إلا مع الايمان به.

____________________

(١) " وآله " ب، ط.

(٢) " معاداتكم " أ.

(٣) عنه تأويل الايات: ١ / ٥٧ ح ٣٤(قطعة)، والبحار: ١٣ / ٢٣٠ ح ٤٢ إلى قوله " ودلائلهما " وص ٢٣٢ صدر ح ٤٣(قطعة)، والبرهان: ١ / ٩٧ ضمن ح ١.

(*)

٢٥٢

قال موسىعليه‌السلام : ما هو يا رب؟ قال الله عزوجل: يا موسى تأخذ على بني إسرائيل: أن محمدا خير البشر(١) وسيد المرسلين.وأن أخاه ووصيه عليا خير الوصيين.وأن أولياء‌ه الذين يقيمهم سادة الخلق.

وأن شيعته المنقادين له، المسلمين له ولاوامره ونواهيه ولخلفائه، نجوم الفردوس الاعلى، وملوك جنات عدن.

قال: فأخذ عليهم موسىعليه‌السلام ذلك، فمنهم من اعتقده حقا، ومنهم من أعطاه بلسانه دون قلبه، فكان المعتقد منهم حقا يلوح على جبينه نور مبين ومن أعطى بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور.

فذلك الفرقان الذي أعطاه الله عزوجل موسىعليه‌السلام وهو فرق [ما] بين المحقين والمبطلين.

ثم قال الله عزوجل:(لعلكم تهتدون) أي لعلكم تعلمون أن الذي [به] يشرف العبد عند الله عزوجل هو اعتقاد الولاية، كما شرف به أسلافكم(٢) قوله عزوجل: " واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم.واذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون.ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون: " ٥٤ - ٥٦

____________________

(١) " النبيين " ب، س، ط، والبرهان.

(٢) عنه تأويل الايات: ١ / ٥٨ ح ٣٥، والبحار: ١٣ / ٢٣٣ ضمن ح ٤٣، والبرهان: ١ / ٩٨ ضمن ح ١.

(*)

٢٥٣

١٢٤ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل: واذكروا يا بني إسرائيل(إذ قال موسى لقومه) عبدة العجل(يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم) أضررتم بها(باتخاذكم العجل) إلها(فتوبوا إلى بارئكم) الذي برأكم وصوركم(فاقتلوا أنفسكم) بقتل بعضكم بعضا، يقتل من لم يعبد العجل من عبده(ذلكم خير لكم) ذلكم القتل خير لكم(عند بارئكم) من أن تعيشوا في الدنيا وهو لم يغفر لكم، فيتم في الحياة الدنيا حياتكم(١) ويكون إلى النار مصيركم، وإذا قتلتم وأنتم تائبون جعل الله عزوجل القتل كفارتكم، وجعل الجنة منزلتكم(٢) ومقيلكم.

ثم قال الله عزوجل(فتاب عليكم) قبل توبتكم، قبل استيفاء القتل لجماعتكم وقبل إتيانه على كافتكم، وأمهلكم للتوبة، واستبقاكم للطاعة(إنه هو التواب الرحيم) قال: وذلك أن موسىعليه‌السلام لما أبطل الله عزوجل على يديه أمر العجل، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري، فأمر موسىعليه‌السلام أن يقتل من لم يعبده من عبده، تبرأ أكثرهم وقالوا: لم نعبده.

فقال الله عزوجل لموسىعليه‌السلام : أبرد هذا العجل الذهب بالحديد بردا، ثم ذره في البحر، فمن شرب من مائه اسودت شفتاه وأنفه، وبان ذنبه.ففعل فبان العابدون للعجل.فأمر الله اثني عشر ألفا(٣) أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم.

ونادى مناديه: ألا لعن الله أحدا أبقاهم بيد أو رجل، ولعن الله من تأمل المقتول لعله تبينه حميما أو قريبا فيتوقاه، ويتعداه إلى الاجنبي، فاستسلم المقتولون.

فقال القاتلون: نحن أعظم مصيبة منهم، نقتل بأيدينا آباء‌نا [وأمهاتنا](٤) وأبناء‌نا

____________________

(١) " خيرتكم " ب، س، ص، ط، والبرهان." خيراتكم " البحار: ١٣.

(٢) " منزلكم " س، البحار، والبرهان.

(٣) وهم الذين لم يعبدوا العجل كما سيأتى.

(٤) من البحار.

(*)

٢٥٤

وإخواننا وقراباتنا، ونحن لم نعبد، فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة.

فأوحى الله تعالى إلى موسى: يا موسى [إني] إنما امتحنتهم بذلك لانهم(ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل، ولم)(١) يهجروهم، ولم يعادوهم(٢) على ذلك.

قل لهم: من دعا الله بمحمد وآله الطيبين، يسهل عليه قتل المستحقين للقتل بذنوبهم.

فقالوها، فسهل عليهم [ذلك]، ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما.

ارتفاع القتل عن بنى اسرائيل بتوسلهم بمحمد وآله

فلما استحر(٣) القتل فيهم، وهم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، وفق الله بعضهم فقال لبعضهم والقتل لم يفض بعد إليهم.

فقال: أو ليس الله قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا يخيب معه طلبة ولا يرد به مسألة، وهكذا توسلت الانبياء والرسل، فما لنا لا نتوسل [بهم](٤) ؟ ! قال: فاجتمعوا وضجوا: يا ربنا بجاه محمد الاكرم، وبجاه علي الافضل الاعظم، وبجاه فاطمة الفضلى، وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد النبيين، وسيدي شباب أهل الجنة أجمعين، وبجاه الذرية الطيبين الطاهرين(٥) من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبنا، وغفرت لنا هفواتنا، وأزلت هذا القتل عنا.

فذاك حين نودي موسىعليه‌السلام من السماء: أن كف القتل، فقد سألني بعضهم مسألة وأقسم علي قسما، لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل، وسألوا العصمة لعصمتهم حتى لا يعبدوه.

ولو أقسم علي بها إبليس لهديته.

____________________

(١) " اعتزلوهم ولما عبدوا العجل لم " أ، س، ص.

(٢) " يعاندوهم " ب، ط.

(٣) أى اشتد.وفى ص، والبحار: استمر.

(٤) من البحار.

(٥) " ذريته الطيبة " أ.

(*)

٢٥٥

ولو أقسم بها [علي] نمرود [أ] وفرعون لنجيته.

فرفع عنهم القتل، فجعلوا يقولون: يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى كان الله يقينا شر الفتنة، ويعصمنا بأفضل العصمة؟ !(١) .

١٢٥ - ثم قال الله عزوجل: " واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة":٥٥ قال: أسلافكم(فأخذتكم الصاعقة) أخذت أسلافكم [الصاعقة](وأنتم تنظرون) إليهم(ثم بعثناكم) بعثنا أسلافكم(من بعد موتكم) من بعد موت أسلافكم(لعلكم تشكرون) [الحياة] أي لعل أسلافكم يشكرون الحياة، التي فيها يتوبون ويقلعون، وإلى ربهم ينيبون، لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النار مصيرهم، وهم فيها خالدون.

قال [الامامعليه‌السلام ]: وذلك أن موسىعليه‌السلام لما أراد أن يأخذ عليهم عهدا بالفرقان [فرق] ما بين المحقين والمبطلين لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بنبوته ولعليعليه‌السلام بامامته، وللائمة الطاهرين بامامتهم، قالوا:(لن نؤمن لك) أن هذا أمر ربك(حتى نرى الله جهرة) عيانا يخبرنا بذلك.

فأخذتهم الصاعقة معاينة وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم.

وقال الله عزوجل: ياموسى إني أنا المكرم لاوليائي، المصدقين بأصفيائي ولا أبالي، وكذلك أنا المعذب لاعدائي، الدافعين حقوق أصفيائي ولا أبالي.

فقال موسىعليه‌السلام للباقين الذين لم يصعقوا: ماذا تقولون؟ أتقبلون وتعترفون؟ وإلا فأنتم بهؤلاء لا حقون.

قالوا: يا موسى لا ندري ما حل بهم ولماذا أصابتهم؟ كانت الصاعقة ما أصابتهم لاجلك، إلا أنها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب

____________________

(١) عنه تأويل الايات: ١ / ٥٩ ح ٣٦(قطعة).

والبحار: ١٣ / ٢٣٣ ضمن ح ٤٣، وج ٩٤ / ٧ ح ٩، والبرهان: ١ / ٩٨ ح ١ ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٧٢ ح ١١(قطعة).

٢٥٦

البر والفاجر، فان كانت إنما أصابتهم لردهم عليك في أمر محمد وعلي وآلهما فاسأل الله ربك بمحمد وآله هؤلاء الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابهم [ما أصابهم].

فدعا الله عزوجل بهم موسىعليه‌السلام ، فأحياهم الله عزوجل فقال موسىعليه‌السلام : سلوهم لماذا أصابهم؟ فسألوهم، فقالوا: يا بني إسرائيل أصابنا ما أصابنا لابائنا اعتقاد إمامة علي بعد اعتقادنا بنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سماواته وحجبه وعرشه وكرسيه وجنانه ونيرانه، فما رأينا أنفذ أمرا في جميع تلك الممالك وأعظم سلطانا من محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وإنا لما متنا بهذه الصاعقة ذهب بنا إلى النيران.فناداهم محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام: كفوا عن هؤلاء عذابكم.فهؤلاء يحيون بمسألة سائل [يسأل] ربنا عزوجل بنا وبآلنا الطيبين.

وذلك حين لم يقذفونا [بعد] في الهاوية، وأخرونا إلى أن بعثنا بدعائك يا موسى بن عمران بمحمد وآله الطيبين.

فقال الله عزوجل لاهل عصر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاذا كان بالدعاء بمحمد وآله الطيبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم أفما يجب عليكم أن لا تتعرضوا لمثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله عزوجل؟(١) قوله عزوجل: " وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون": ٥٧

١٢٦ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل: " و " اذكروا يا بني إسرائيل إذ(ظللنا

____________________

(١) عنه تأويل الايات: ١ / ٦٠ ح ٣٧، والبحار: ١٣ / ٢٣٥ ضمن ح ٤٣، وج ٢٦ / ٣٢٨ ح ١١، والبرهان: ١ / ٩٩ ح ١.

(*)

٢٥٧

عليكم الغمام) لما كنتم في النيه يقيكم حر الشمس وبرد القمر(١) .

(وأنزلنا عليكم المن والسلوى) المن: الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه والسلوى: السماني طير، أطيب طير لحما، يسترسل لهم فيصطادونه.

قال الله عزوجل [لهم]:(كلوا من طيبات ما رزقناكم) واشكروا نعمتي وعظموا من عظمته، ووقروا من وقرته ممن أخذت عليكم العهود والمواثيق [لهم] محمد وآله الطيبين.

قال الله عزوجل: " وما ظلمونا " لما بدلوا، وقالوا غير ما أمروا [به] ولم يفوا

____________________

(١) " الفجر " خ ل.لا ريب أن مغزى القصة هو تنبيه الغافلين عما أعطاهم الله تعالى من نعمة تظليل الغمام لدفع أذى الحر نهارا والبرد ليلا.ومنه يظهر أن القمر وبرده - قبال الشمس وحرها - ان هو الا اشارة لتلك الساعات - المعبر عنها بالليل - التى تنحجب فيها أشعة الشمس، بما فيها من خاصية الحرارة.كيف لا وأن البرد عام خلال تلك الساعات.ولا علاقة للقمر، طلع أم أفل، محاقا كان أم هلالا أم بدرا أم بينهما كما هو ملموس.

ثم ان الحرارة - بمختلف درجاتها، ومهما كان مصدرها: شمس، نار، كهرباء - قبال البرودة - بدرجاتها المختلفه إلى حد الزمهرير - نظير النور والظلمة، والبصر والعمى قال تعالى: " لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا " الانسان:١٣.

وقال: " وما يستوى الاعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور " فاطر: ٢١.

ومعلوم أنه اذا حجبت أشعة الشمس بسترما - غمامة أو غيرها - سوف تنكسر حدة حرارتها ويقل بذلك اكتساب الحرارة نهارا، وبالتالى فليس من كميات كبيرة للحرارة ستفقد ليلا - طبقا لخاصية الارض في سرعة اكتساب وفقد الحرارة - الامر الذى يشعر الانسان بأنه لا تباين بين درجتى الحرارة ليلا ونهارا.

وبعد، فان الشمس مصدر للحرارة والطاقة بضرورة الحس والتجربة وأما القمر فلعل الله يحدث بعد ذلك فيه " لاهله " علما.

(*)

٢٥٨

بما عليه عوهدوا، لان كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا، كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " يضرون بها بكفرهم(١) وتبديلهم.

ثم [قالعليه‌السلام :] قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عباد الله عليكم باعتقاد ولا يتنا أهل البيت و [أن] لا تفرقوا بيننا، وانظروا كيف وسع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجة ليسهل عليكم معرفة الحق، ثم وسع لكم في التقية لتسلموا من شرور الخلق، ثم إن بدلتم وغيرتم عرض عليكم التوبة وقبلها منكم، فكونوا لنعماء الله شاكرين(٢) .

قوله عزوجل: " واذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين.

فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.

واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين.

واذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباء‌وا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.

ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ": ٥٨ ٦٢

١٢٧ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل " إذ قلنا " لاسلافكم: " ادخلوا هذه القرية " - وهي " أريحا " من بلاد الشام، وذلك حين خرجوا

____________________

(١) " لكفرهم " البحار.

(٢) عنه تأويل الايات: ١ / ٦١ ح ٣٨، والبحار: ١٣ / ١٨٢ صدر ح ١٩، والبرهان: ١ / ١٠١ ح ١.

(*)

٢٥٩

من التيه " فكوا منها " من القرية - " حيث شئتم رغدا " واسعا، بلا تعب [ولا نصب] " وادخلوا الباب " باب القرية " سجدا ".

مثل الله تعالى على الباب مثال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال، ويجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما.

" وقولوا حطة " أي قولوا: إن سجودنا لله تعالى تعظيما لمثال محمد وعلي واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا.

قال الله عزوجل: " نغفر لكم " [أي] بهذا الفعل " خطاياكم " السالفة، ونزيل عنكم آثامكم الماضية.

" وسنزيد المحسنين " من كان منكم(١) لم يقارف(٢) الذنوب التي قارفها من خالف الولاية، [وثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية] فانا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات وذلك قوله عزوجل " وسنزيد المحسنين".(٣) .

١٢٨ - قوله عزوجل:(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم " إنهم لم يسجدوا كما أمروا، ولا قالوا ما أمروا، ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم وقالوا: هطا سمقانا - أي(٤) حنطة حمراء نتقوتها(٥) - أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول.

قال الله تعالى:(فأنزلنا على الذين ظلموا) غيروا وبدلوا ما قيل لهم، ولم ينقادوا لولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين الطاهرين

____________________

(١) " فيكم " ص، التأويل، والبحار.

(٢) قرف الذنب واقترفه: اذا عمله.

وقارف الذنب: اذا داناه ولا صقه.

(النهاية: ٤ / ٤(٥)

(٣) عنه تأويل الايات: ١ / ٦٢ ح ٣٩، والبحار: ١٣ / ١٨٣ ضمن ح ١٩، والبرهان: ١ / ١٠٢ صدر ح ١.

(٤) " خطا شمقاتا يعنى " أ.

(٥) " تنفقونها " أ.

(*)

٢٦٠