تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 203491
تحميل: 37842

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203491 / تحميل: 37842
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

ولو سألني بعد ما افتضح، وتاب إلى، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن انسى الناس فعله - بعدما ألطف لاوليائه فيعفونه عن القصاص - لفعلت، فكان لا يعيره بفعله أحد ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل(١) اوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم وأعدل بالمنع على من أشاء، وأنا العزيز الحكيم.

فلما ذبحوها قال الله تعالى:(فذبحوها وما كادوا يفعلون) فأرادوا أن لايفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكن اللجاج(٢) حملهم على ذلك، واتهامهم لموسىعليه‌السلام حدأهم(٣) عليه.

[قال:] فضجوا إلى موسىعليه‌السلام وقالوا: فتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا(٤) فادع الله لنا بسعة الرزق.

فقال موسىعليه‌السلام : ويحكم ما أعمى قلوبكم؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء [الفتى] المقتول المنشور، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم والتمتع بحواسه وسائر بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما، وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما(٥) ليسد فاقتكم، ويجبر كسركم، ويسد خلتكم؟ فقالوا: اللهم إليك التجأنا، وعلى فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم.

فأوحى الله إليه: ياموسى قل لهم: ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا - لموضع عينه - وجه أرضها قليلا، ثم يستخرجوا ماهناك، فانه عشرة آلاف ألف دينار، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود

____________________

(١) أى التوسل بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الطيبين.وفى " ب، س، ط، ق، د، والبرهان " فضلى.

(٢) أى الالحاح.

(٣) " جرهم " ب، ط، حدأ: لجأ.

(٤) كناية عن الافلاس الذى أصابهم.

(٥) " وسيلتهما " أ، س، ص، ق، د.

(*)

٢٨١

أحوالهم إلى ما كانت [عليه] ثم ليتقاسموا بعد ذلك مايفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة(١) لتتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين، واعتقادهم لتفضيلهم.

فذلك ما قال الله عزوجل:(وإذ قتلتم نفسا فادارء‌تم فيها) اختلفتم فيها وتدارأتم، ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض، ودرأه عن نفسه وذويه(والله مخرج) مظهر(ما كنتم تكتمون) ما كان من خبر القاتل، وماكنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسىعليه‌السلام باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه.

(فقلنا اضربوه ببعضها) ببعض البقرة(كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والاخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له.

أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الاصلاب والارحام حيا.

وأما في الاخرة فان الله تعالى ينزل بين نفختي الصور - بعد ما ينفخ النفخة الاولى من دوين(٢) السماء الدنيا - من البحر المسجور الذي قال الله تعالى [فيه](والبحر المسجور)(٣) وهي(٤) مني كمني الرجال، فيمطر ذلك على الارض فيلقى الماء المني مع الاموات البالية فينبتون من الارض ويحيون.

ثم قال الله عزوجل:(ويريكم آياته) سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ونبوة موسىعليه‌السلام نبيه، وفضل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على الخلائق سيد إمائه وعبيده، وتبيينه(٥) فضله وفضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين.(لعلكم تعقلون) [تعتبرون و] تتفكرون أن الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر

____________________

(١) " الخمسه " أ.

(٢) " دون " ب، ط.

(٣) الطور: ٦.

(٤) " هو " ب، ط، ق، د." وهى من " البحار.

(٥) " وتثبت " التأويل والبرهان.

(*)

٢٨٢

الخلق إلا بالحكمة، ولا يختار محمدا وآله إلا لانهم أفضل ذوي الالباب(١) قوله عزوجل: " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وماالله بغافل عما تعملون: " ٧٤

١٤١ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل:(ثم قست قلوبكم) عست(٢) وجفت ويبست من الخير والرحمة [قلوبكم] معاشر اليهود(من بعد ذلك) من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسىعليه‌السلام ، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد.

(فهي كالحجارة) اليابسة لا ترشح برطوبة، ولا ينتفض(٣) منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق الله تعالى تؤدون، ولا [من] أموالكم ولا من مواشيها تتصدقون، ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون، ولا الضيف تقرؤن، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشئ من الانسانية تعاشرون وتعاملون.

(أو أشد قسوة) إنما هي في قساوة الاحجار(أو أشد قسوة) أبهم على السامعين ولم يبين لهم، كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت، بل يريد [به] أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ماذا أكل، وإن كان يعلم أنه قد أكل.

وليس معناه: بل أشد قسوة، لان هذا استدراك غلط، وهو عزوجل يرتفع [عن]

____________________

(١) عنه تأويل الايات: ١ / ٦٧ ح ٤٤ باختصار، والبحار: ٦ / ٣٢٩ ح ١٣(قطعة)، وج ٧ / ٤٣ ح ١٩(قطعة)، وج ١٣ / ٢٦٦ ح ٧، وج ٦٠ / ٣٥٨ ح ٤٦(قطعة)، والبرهان: ١ / ١٠٨ ح ١.

(٢) " عبست " أ، " عصت " ص." عنت " ط." غشت " البرهان.عسى النبات عساء وعسوا: غلظ ويبس.

(٣) نفض الكرم: تفتحت عناقيده.

(*)

٢٨٣

أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط، لانه العالم بما كان وبما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص.

ولا يريد به أيضا: فهي كالحجارة أو أشد أي وأشد قسوة، لان هذا تكذيب الاول بالثاني، لانه قال:(فهي كالحجارة) في الشدة لا أشد منها ولا ألين، فاذا قال بعد ذلك:(أو أشد) فقد رجع عن قوله الاول: أنها ليست بأشد، وهذا مثل أن يقول: لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير.

فأبهم عزوجل في الاول حيث قال:(أو أشد).

وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله:(أو أشد قسوة) ولكن بقوله تعالى:(وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار) أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير [يا يهود] وفي الحجارة ما يتفجر منه الانهار فيجئ بالخير والغياث لبني آدم.

(وإن منها) من الحجارة(لما يشقق فيخرج منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء فهو خير منها دون الانهار التي يتفجر من بعضها، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج [منها] قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيرا.

ثم قال الله تعالى:(وإن منها) يعني من الحجارة(لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسامي أوليائه: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم صلى الله عليهم، وليس في قلوبكم شئ من هذه الخيرات.

(وما الله بغافل عما تعملون) بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم وليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، ويؤلم عقابكم.

وهذا الذى [قد] وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء:(أم لهم نصيب من الملك فاذا لا يؤتون الناس نفيرا)(١) .

____________________

(١) النساء: ٥٣.

(*)

٢٨٤

وما وصف به الاحجار ههنا نحو ما وصف(١) في قوله تعالى:(لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله)(٢) وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والنواصب، واليهود جمعوا الامرين واقترفوا الخطيئتين(٣) فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال جماعة من رؤسائهم، وذوي الالسن والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، إن فيها خيرا كثيرا: نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما الخير ما اريد به وجه الله تعالى، وعمل على ما أمر الله تعالى [به].

فأما ما اريد به الرياء والسمعة أو معاندة رسول الله، وإظهار الغنى(٤) له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير، بل هو الشر الخالص، ووبال على صاحبه، يعذبه الله به أشد العذاب.

فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا، ونحن نقول: بل ما ننفقه إلا لابطال أمرك ودفع رياستك(٥) ولتفريق أصحابك عنك وهو الجهاد الاعظم، نؤمل به من الله الثواب الاجل الاجسم، وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعاوى، فأي فضل لك علينا؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم، فتكشف عن تمويه المبطلين، وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ولكن يقيم عليكم حجة الله تعالى التي لا يمكنكم دفاعها، ولا تطيقون الامتناع من

____________________

(١) " وصف الله به " أ.

(٢) الحشر: ٢١.

(٣) " الخطيرين " أ.

" الخطيئتين الخطرين " ب، ط.

(٤) " العناد " البحار.

(٥) " ورفع رسالتك " أ، والبرهان.

(*)

٢٨٥

موجبها ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم، وقلتم: إنه متكلف مصنوع محتال فيه، معمول أو متواطأ عليه، فاذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأتي بحيلة ومقدمات، فما الذي تقترحون؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم، ويزيد في بصائر المؤمنين منكم.

قالوا: قد أنصفتنا يا محمد، فان وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف، وإلا فأنت أول راجع من دعواك للنبوة، وداخل في غمار(١) الامة، ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك، وظهور الباطل في دعواك فيما ترومه من جهتك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصدق ينبئ عنكم(٢) لا الوعيد، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون.

معجزة عظيمة من معجزات النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله باقتراح اليهود

فقالوا: يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء، ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل، وإحقاق الحق، وأن الاحجار ألين من قلوبنا، وأطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا، فهلم بنا إلى بعضها، فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا فان نطق بتصديقك فأنت المحق، يلزمنا اتباعك، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك، فاعلم بانك المبطل في دعواك، المعاند لهواك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده، ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه، فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده.

____________________

(١) أى جماعة الناس ولفيفهم.

(٢) " بينى وبينكم " البحار: ٩.

قال الميدانى في مجمع الامثال: ٣٩٨ رقم ٢١١١ " الصدق ينبئ عنك لا الوعيد " يقول: انما ينبئ عدوك عنك أن تصدقه في المحاربة وغيرها لا أن توعده ولا تنفذ لما توعد به.

(*)

٢٨٦

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للجبل: إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله عزوجل.

وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم، وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته.

وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة [مكانا] عليا، لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم، وتكذيبهم وجحدهم لقول محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فتحرك الجبل وتزلزل، وفاض منه الماء ونادى: يا محمد أشهد أنك رسول [الله] رب العالمين، وسيد الخلائق أجمعين.

وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة، لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجيرا.

وأشهد أن هولاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك(١) من الفرية على رب العالمين ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأسألك أيها الجبل، أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه(٢) منك بجاه محمد وآله الطيبين؟ الذين بهم نجى الله تعالى نوحاعليه‌السلام من الكرب العظيم، وبرد الله النار على إبراهيمعليه‌السلام وجعلها عليه سلاما(٣) ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير، لم ير ذلك الطاغية مثله لاحد من ملوك الارض أجمعين وأنبت حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة، وغمر ما حوله من أنواع المنثور(٤) بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة.

____________________

(١) " يعرفونك " ب، ط." يقذفونك " التأويل والبحار.

قرف على القوم: بغى عليهم وكذب.

(٢) " التمسته " أ، والبرهان.

(٣) " بردا وسلاما " أ، ص، والبرهان.

(٤) " النور " البحار: ١٢.

وج ١٧." الميثور " أ.تصحيف ظ.

والمنثور: نبات ذو زهر ذكى الرائحة.

(*)

٢٨٧

قال الجبل: بلى، أشهد لك يا محمد بذلك، وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قردة وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، وأن يقلب النيران جليدا، والجليد نيرانا لفعل، أو يهبط السماء إلى الارض، أو يرفع الارض إلى السماء لفعل، أو يصير أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل وأنه قد جعل الارض والسماء طوعك، والجبال والبحار تنصرف بأمرك، وسائر ما خلق الله من الرياح والصواعق وجوارح الانسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة، وما أمرتها [به] من شئ ائتمرت.

فقال اليهود: يا محمد أعلينا تلبس وتشبه؟ ! قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل، فهم ينطقون بهذا الكلام، ونحن لا ندري(١) أنسمع من الرجال أم من الجبل !؟ لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح(٢) في عقولهم، فان كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار، وامر هذا الجبل أن ينقلع من أصله، فيسير إليك إلى هناك، فاذا حضرك - ونحن نشاهده -.

فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى، فاذا أصل الجبل قلته وقلته أصله، لنعلم أنه من الله لا يتفق بمواطأة، ولا بمعاونة مموهين متمردين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال -: يا أيها الحجر تدحرج.

فتدحرج، ثم قال لمخاطبه: خذه وقربه من اذنك، فسيعيد عليك ما سمعت فان هذا جزء من ذلك الجبل.

فأخذه الرجل، فأدناه إلى اذنه، فنطق به الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من

____________________

(١) " ولا تعرف أنحن " ط.

(٢) " قال المجلسى(ره): أى تتمكن وتستقر في عقولهم، من قولهم: بحبح في المكان أى تمكن فيه، وفى بعض النسخ بالنونين والجيمين من قولهم: تنجنج: اذا تحرك وتجبره(*)

٢٨٨

تصديق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما ذكره عن قلوب اليهود، وفيما أخبر به من أن نفقاتهم في دفع أمر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله باطل، ووبال عليهم.

فقال [له] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك [ويوهمك أنه يكلمك؟] قال: لا، فاتني بما اقترحت في الجبل.

فتباعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فضاء واسع، ثم نادى الجبل: يا أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين الذين بجاههم(ومسألة عباد الله)(١) بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة [هائلة] في قوم صالحعليه‌السلام حتى صاروا كهشيم المحتظر، لما انقلعت من مكانك باذن الله، وجئت إلى حضرتي هذه - ووضع يده على الارض بين يديه.

[قال:] فتزلزل الجبل وسار كالقارح(٢) الهملاج حتى [صار بين يديه، و] دنا من إصبعه أصله فلزق(٣) بها، ووقف ونادى: [ها] أنا سامع لك مطيع يا رسول(رب العالمين)(٤) وإن رغمت انوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هؤلاء [المعاندين] اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك، فتصير نصفين، ثم ينحط أعلاك، ويرتفع أسفلك، فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك.

فقال الجبل: أفتأمرني بذلك يا رسول الله رب العالمين؟ قال: بلى.

فانقطع [الجبل] نصفين وانحط أعلاه إلى الارض، وارتفع أسلفه(٥) فوق أعلاه

____________________

(١) " عاذ عباد الله، وبهم الوسيلة إلى الله، و " أ.

(٢) " فصار كالفرس " أ.

القارح: ذو الحافر من الدواب الذى انتهى به السن.

ودابة هملاج: حسنة السير في سرعة وتبختر.

(٣) " فلصق " أ.

وكلاهما بمعنى واحد.

(٤) " الله " أ.

(٥) " أصله " ب، ط، والبرهان.

(*)

٢٨٩

فصار فرعه أصله، وأصله فرعه.

ثم نادى الجبل: معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به مؤمنون !؟ فنظر اليهود بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: ما عن هذا محيص.

وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت(١) يؤتى له، والمبخوت يتأتى له العجائب فلا يغرنكم ما تشاهدون [منه].

فناداهم الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسىعليه‌السلام هلا قلتم لموسى: إن قلب العصا ثعبانا، وانفلاق البحر طرقا، ووقوف الجبل كالظلة(٢) فوقكم إنك يؤتى لك(٣) يأتيك جدك(٤) بالعجائب، فلا يغرنا ما نشاهده منك.

فألقمتهم الجبال - بمقالتها - الصخور، ولزمتهم(٥) حجة رب العالمين(٦) قوله عزوجل: " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله

____________________

(١) البخت: كلمة فارسية، وهى الحظ، والمبخوت الذى يؤاتيه حظه بما يريد.

(٢) " كأنه المظلة " أ.

(٣) " انما تأتى لك لانك مؤاتى لك " ب، س، ص، ط.

قال العلامة المجلسى(ره): المؤاتى بالهمز وقد يقلب واوا من المؤاتات وهى حسن المطاوعة والموافقة.

(٤) بالجيم المفتوحة: حظك.

(٥) " فالتقمتهم الجبل بمقالتها(و / ظ) الصخور وألزمتهم " أ." فالتقمهم الجبل بمقالتهم الزور ولزمتهم " التأويل.

(٦) عنه مناقب آل أبى طالب: ٩٢(قطعة)، وتأويل الايات: ١ / ٧٠ ح ٤٥ باختصار، والبحار: ٩ / ٣١٢ ح ١١، وج ١٢ / ٤٠ ح ٢٨(قطعة)، وج ١٧ / ٣٣٥ ضمن ح ١٦، وج ٧٠ / ١٦١ ح ١٨ صدره والبرهان: ١ / ١١٢ ح ١.وأورده في الخرائج والجرائح: ٢٦٥(مخطوط) باختصار(*)

٢٩٠

عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون.

أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ": ٧٥ - ٧٧

١٤٢ - قال الامامعليه‌السلام : فلما بهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء اليهود بمعجزته، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته(١) في حجته، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته فقالوا: يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، وأن عليا أخاك هو الوصي والولي.

وكانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون [لهم:] إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من(٢) مكروهه، وأعون لنا على اصطلامه(٣) واصطلام أصحابه، لانهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم، ولا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداء‌هم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الاعداء عليهم.

وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، ويعاينونه من معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على سوء اعتقادهم، وقبح [أخلاقهم و] دخلاتهم(٤) وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد وواضح بيناته، وباهر معجزاته.

فقال عزوجل: يا محمد(أفتطمعون) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين(أن يؤمنوا لكم) هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم، أن يؤمنوا لكم، ويصدقوكم بقلوبهم، ويبدوا في

____________________

(١) أى رده.

(٢) " على دفع " ب، س، ط، ق، د، والبرهان.

(٣) أى استئصاله.

(٤) دخلة الرجل ودخلته ودخيلته ودخيله: نيته ومذهبه وخلده وبطانته، لان ذلك كله يداخله.

(لسان العرب: ١١ / ٢٤٠)(*)

٢٩١

الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.

(وقد كان فريق منهم) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل(يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور سيناء، وأوامره ونواهيه(ثم يحرفونه) عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراء‌هم من سائر بني إسرائيل(من بعد ما عقلوه) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون(وهم يعلمون) أنهم في قيلهم كاذبون.

وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، ووقفوا على أوامره، ونواهيه، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم، فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم وصدقوا في نياتهم.

وأما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه القضية فانهم قالوا لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا، وأتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن [لا تفعلوه، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن] ترتكبوه وتواقعوه.

[هذا] وهم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون.

ثم أظهر الله تعالى(على نفاقهم الآخر)(١) مع جهلهم.

فقال عزوجل:(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأباذر وعمارا قالوا آمنا كايمانكم، إيمانا بنبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مقرونا [بالايمان] بامامة أخيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وبأنه أخوه الهادي، ووزيره [الموالي](٢) وخليفته على امته ومنجز عدته، والوافي بذمته(٣) والناهض بأعباء سياسته، وقيم الخلق، والذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم - إن أطاعوه - رضى الرحمن.

وأن خلفاء‌ه من بعده هم النجوم الزاهرة، والاقمار المنيرة، والشموس المضيئة

____________________

(١) " نفاقهم على الاخرين " البحار: ١٧.

(٢) " المؤاتى " البحار: ٩، وج ٧٠، ق، د.

" الموافى " البحار: ١٧.

(٣) " بدينه " خ ل.

(*)

٢٩٢

الباهرة، وأن أولياهم أولياء الله، وأن أعداء‌هم أعداء الله.

ويقول بعضهم: نشهد أن محمدا صاحب المعجزات، ومقيم الدلالات الواضحات.

هو الذى لما تواطأت قريش على قتله، وطلبوه فقدا(١) لروحه أيبس الله تعالى أيديهم فلم تعمل، وأرجلهم فلم تنهض، حتى رجعوا عنه خائبين(٢) مغلوبين، ولو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين.

وهو الذى لما جاء‌ته قريش، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه، وشهد له بنبوته، وشهد لاخيه علي بامامته، ولاوليائه من بعده بوراثته والقيام بسياسته وإمامته.

وهو الذى لما ألجأته قريش إلى الشعب ووكلو ببابه من يمنع من إيصال قوت(٣) ومن خروج أحد عنه، خوفا أن يطلب لهم قوتا، غذى هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى، وكل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الاطعمات الطيبات، ومن أصناف الحلاوات، وكساهم أحسن الكسوات، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أظهرهم إذا رآهم وقد ضاق لضيق فجهم(٤) صدورهم.

قال بيده(٥) هكذا بيمناه إلى الجبال، وهكذا بيسراه إلى الجبال، وقال لها: اندقعي.

فتندفع، وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا يرى طرفاها، ثم يقول بيده هكذا، ويقول: أطلعي يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره(٦) ما أودعكموها الله من الاشجار والثمار [والانهار] وأنواع الزهر والنبات، فتطلع من الاشجار الباسقة، والرياحين المونقة، والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والابصار وتنجلي به الهموم والغموم والافكار، ويعلمون أنه ليس

____________________

(١) " قصدا " ب، س، ط، ق، د.

فقدته فقدا: عدمته فهو مفقود.

(٢) " خاسئين " أ.أى مدحورين.

(٣) " قوت الله " ب، ط.

(٤) الفج: الطريق الواسع بين جبلين.

والمراد الشعب الذى كانوا فيه.

(٥) قال بيده: أهوى بها.

(٦) " أصحابه " ط.

(*)

٢٩٣

لاحد من ملوك الارض مثل صحرائهم على ما تشتمل عليهم من عجائب أشجارها، وتهدل أثمارها، واطراد أنهارها، وغضارة رياحينها، وحسن نباتها.

رسالة أبى جهل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والجواب عنها

ومحمد هو الذي لما جاء‌ه رسول أبى جهل يتهدده ويقول: يا محمد إن الخبوط(١) التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة، ورمت بك إلى يثرب، وإنها لا تزال بك [حتى] تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك(٢) إلى أن تفسدها على أهلها، وتصليهم حر نار تعديك طورك، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك، ودفع ضررك وبلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك(٣) خوفه لان يهلك بهلاكك، و [تعطب] عياله بعطبك(٤) ، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك، وبفقر متبعيك(٥) ، إذ يعتقدون أن أعداء‌ك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك واصطلموهم باصطلامهم لك، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب، كما يأتون على أموالك وعيالك، وقد أعذر من أنذر(٦) وبالغ من أوضح.

____________________

(١) كذا في أكثر النسخ، وفى " ب، ط، ق، د، الاحتجاج، والبحار " خيوط.، ولم أجد(لها أصلا في كتب اللغة، اللهم الا اذا كانت كناية عن الجنون كما هو متعارف باللهجة العامية.والخبطه - بفتح الخاء - من تخبطه الشيطان اذا مسه بخيل أو جنون.ج خبط - بكسر الخاء وفتح الباء - وخبط - بضم الخاء وفتح الباء -.

والخباط: داء كالجنون وليس به، ولعل ما في المتن تصحيف لهذا.

(٢) " يبلغك " أ، س، ط، ق، د.أى يجهدك.

(٣) " مظاهرتك " ب، ط.وكلاهما بمعنى واحد.

(٤) العطب: الهلاك.

(٥) " شيعتك " أ، والاحتجاج.

(٦) أى من حذرك ما يحل بك فقد أعذر اليك، أصار معذروا عندك.

(*)

٢٩٤

اديت هذه الرسالة إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة(١) أصحابه وعامة الكفار به من يهود بني إسرائيل، وهكذا أمر الرسول، ليجنبوا(٢) المؤمنين ويغروا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للرسول: قد أطريت(٣) مقالتك؟ واستكملت رسالتك؟ قال: بلى.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله فاسمع الجواب: إن أبا جهل بالمكاره والعطب يهددني، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق، والقبول من الله أحق، لن يضر محمدا من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله عزوجل، ويتفضل بجوده وكرمه عليه.

قل له: يا أباجهل إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك(٤) الشيطان، وأنا اجيبك بما ألقاه في خاطري(٥) الرحمن: إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعة وعشرين [يوما] وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، وستلقى أنت وعتبة وشيبة والوليد، وفلان وفلان - وذكر عددا من قريش - في " قليب بدر " مقتلين أقتل منكم سبعين، وآسر منكم سبعين، أحملهم على الفداء [العظيم] الثقيل.

ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود [والنصارى] وسائر الاخلاط(٦) : ألا تحبون أن اريكم مصرع كل واحد من هؤلاء؟ [قالوا: بلى.

قال:](٧) هلموا إلى بدر فان هناك الملتقى والمحشر، وهناك البلاء الاكبر، لاضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لاتزيد ولاتنقص، ولا تتغير ولاتتقدم، ولا

____________________

(١) " أكابر " خ ل، ط.

(٢) " ليجبن " الاحتجاج، والبحار.

جنبه الشئ: أبعده عنه.

(٣) " أطويت " أ.

(٤) بالتحريك: البال والقلب.

(٥) " خلدى " أ.

والخاطر: ما يخطر بالقلب من أمر أو تدبير.

(٦) " الاخلاء " أ، والبرهان.

(٧) من الاحتجاج والبحار.

(*)

٢٩٥

تتأخر لحظة، ولا قليلا ولا كثيرا.

فلم يخف ذلك على أحد منهم، ولم يحبه إلا علي بن أبي طالب وحده، وقال: نعم، بسم الله.

فقال الباقون: نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات، فلا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون؟ قالوا: نحن نريد أن نستقر في بيوتنا، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في أدعائه محيل.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا نصب عليكم في المسير إلى هناك، اخطوا خطوة واحدة فان الله يطوى الارض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك.

فقال المؤمنون: صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلنتشرف بهذه الآية.

وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمد، وتصير دعواه حجة عليه، وفاضحة له في كذبه.

قال: فخطا القوم خطوة، ثم الثانية، فاذاهم عند بئر بدر فعجبوا، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: اجعلوا البئر العلامة، واذرعوا من عندها كذا ذرعا.

فذرعوا، فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي حهل، يجرحه فلان الانصاري ويجهز عليه عبدالله بن مسعود أضعف أصحابي.

ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر [ثم جانب آخر، ثم جانب آخر] كذا وكذا ذراعا وذراعا، وذكر أعداد الاذرع مختلفة.

فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : هذا مصرع عتبة، وذلك مصرع شيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان - إلى أن(سمى تمام)(٢) سبعين منهم بأسمائهم - وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم، ونسب المنسوبين إلى الآباء منهم، ونسب الموالي منهم

____________________

(١) " محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله " أ، ب، ط.

(٢) " ذكر " أ.

(*)

٢٩٦

إلى مواليهم.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أوقفتم على ما أخبرتكم به؟ قالوا: بلى.

قال(إن ذلك لحق)(١) كائن بعد ثمانية وعشرين يوما [من اليوم](٢) في اليوم التاسع والعشرين وعدا من الله مفعولا، وقضاء حتما لازما.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم.

فقالوا: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمعنا، ووعينا ولا ننسى.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الكتابة [أفضل و] أذكر لكم.

فقالوا يارسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأين الدواة والكتف؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك للملائكة، ثم قال: ياملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف، واجعلوا في كم(٣) كل واحد منهم كتفا من ذلك.

ثم قال: معاشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها وأخرجوه واقرؤوه.

فتأملوها فاذا في كم كل واحد منهم صحيفة، قرأها، وإذا فيها ذكر ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك سواء، لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر.

فقال: أعيدوها في أكمامكم، تكن حجة عليكم، وشرفا للمؤمنين منكم، وحجة على الكافرين(٤) .

فكانت معهم.

فلما كان يوم بدر جرت الامور كلها [ببدر، ووجدوها] كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يزيد ولا ينقص(٥) قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم، ووكلوا باطنهم إلى خالقهم.

فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض قالوا: أي شئ صنعتم؟ أخبرتموهم بما

____________________

(١) " وذاك " أ.

(٢) من البحار.

(٣) أى مدخل اليد ومخرجها من الثواب.

(٤) " أعدائكم " أكثر النسخ والاحتجاج والبحار.

(٥) " لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر " ب، ط، والبرهان.

(*)

٢٩٧

فتح الله عليكم من الدلالات على صدق نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمامة أخيه عليعليه‌السلام (ليحاجوكم به عند ربكم) بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموه فلم تؤمنوا به ولم تطيعوه.

وقدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له(١) عليهم حجة في غيرها ثم قال عزوجل:(أفلا تعقلون) أن [هذا] الذي تخبرونهم(٢) [به] مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حجة عليكم عند ربكم؟ ! قال الله عزوجل:(أولا يعلمون)؟ يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لاخوانهم: " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ":(أن الله يعلم ما يسرون) من عداوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ويضمرونه من أن إظهارهم الايمان به أمكن لهم من اصطلامه وإبارة(٤) أصحابه(وما يعلنون) من الايمان ظاهرا ليؤنسوهم، ويقفوا به على أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرهم.

وأن الله لما علم ذلك دبر لمحمد تمام أمره، وبلوغ غاية ما أراده الله ببعثه وأنه يتم أمره، وأن نفاقهم وكيادهم لا يضره(٥) قوله عزوجل: " ومنهم اميون لايعلمون الكتاب الا أمانى وان هم الا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ": ٧٨-٧٩

____________________

(١) " لهم " أ، البحار ١٧، والبرهان.

(٢) " يخبرونهم " أ، والبحار: ٩، وج.٧.

(٣) " عداوته " أ.

(٤) " ابادة " البحار: ٩ وج ٧٠ والبرهان.وكلاهما بمعنى " الاهلاك "

(٥) عنه البحار: ٩ / ٣١٦ ح ١٢ باختصار، وج ١٧ / ٣٣٩ ضمن ح ١٦، وج ٧٠ / ١٦٦ ضمن ح ١٨ باختصار، واثبات الهداة: ٢ / ١٥ ح ٢٠٩(قطعة) والبرهان: ١ / ١١٥ ح ١ وعنه في البحار: ١٩ / ٢٦٥ ح ٦ وعن الاحتجاج: ١ / ٤٠(قطعة).

(*)

٢٩٨

١٤٣ - قال الامامعليه‌السلام : [ثم] قال الله عزوجل: يا محمد ومن هؤلاء اليهود(اميون) لا يقرؤون [الكتاب] ولا يكتبون، كالامي منسوب إلى امه(١) أي هو كما خرج من بطن امه لايقرأ ولا يكتب(لا يعلمون الكتاب) المنزل من السماء ولا المكذب(٢) به، ولا يميزون بينهما(إلا أماني) أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم: [إن] هذا كتاب الله وكلامه، لايعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف مافيه(وإن هم إلا يظنون)، أي(٣) مايقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في نبوته، وإمامة عليعليه‌السلام سيد عترته، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم.

قال: فقال رجل للصادقعليه‌السلام : فاذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماء‌هم؟ فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقالعليه‌السلام : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة، أما من حيث أنهم استووا، فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماء‌هم كما [قد] ذم عوامهم.وأما من حيث أنهم افترقوا فلا.

قال: بين لي ذلك يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! قالعليه‌السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماء‌هم بالكذب الصراح، وبأكل الحرام وبالرشاء، وبتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات.

وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم.

وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل

____________________

(١) " الام " البحار: ٩ وج ٧٠،.

(٢) " المتكذب " البحار.

(٣) " الا " أ والبرهان.

(*)

٢٩٩

ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمهم [الله] لما قلدوا من قد عرفوا، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، ولا تصديقه في حكايته، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى، وأشهر من أن لاتظهر لهم.

وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لاصلاح أمره مستحقا، وبالترفق(١) بالبر والاحسان على من تعصبوا له، وإن كان للاذلال والاهانة مستحقا.

فمن قلد من عوامنا [من] مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه.

وذلك لايكون إلا [في] بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فان من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا، ولا كرامة لهم، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل(٢) عنا أهل البيت لذلك، لان الفسقة يتحملون عنا، فهم يحرفونه بأسره لجهلهم، ويضعون الاشياء على غير [مواضعها و] وجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا(٣) من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.

____________________

(١) " بالتوقير " ب." بالتوفر " س، ص." بالترفرف " الاحتجاج، البحار: ٢ والبرهان.وهى كناية عن اللطف.

(٢) حمل العلم: نقله ورواه.

(٣) " ليحرزوا " ب، ط.

(*)

٣٠٠