تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 201739
تحميل: 37629

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201739 / تحميل: 37629
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

وإن الخضر وإلياسعليهما‌السلام يلتقيان في كل موسم، فاذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات.وإن ذلك شعار شيعتي(١) ، وبه يمتاز أعدائي من أوليائي يوم خروج قائمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال الباقرعليه‌السلام : لما أمر العباس بسد الابواب، وأذن لعليعليه‌السلام في ترك بابه جاء العباس وغيره من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا رسول الله ما بال علي يدخل ويخرج؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذلك إلى الله فسلموا له تعالى حكمه، هذا جبرئيل جاء‌ني عن الله عزوجل بذلك.

ثم أخذه ما كان يأخذه إذا نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال: يا عباس يا عم رسول الله إن جبرئيل يخبرني عن الله جل جلاله أن عليا لم يفارقك في وحدتك، وأنسك في وحشتك، فلا تفارقه في مسجدك لو رأيت عليا - وهو يتضور(٢) على فراش محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله واقيا روحه بروحه، متعرضا لاعدائه، مستسلما لهم أن يقتلوه شر قتلة - لعلمت أنه يستحق من محمد الكرامة والتفضيل، ومن الله تعالى التعظيم والتبجيل - إن عليا قد انفرد عن الخلق في البيتوتة على فراش محمد ووقاية روحه بروحه فأفرده الله تعالى دونهم بسلو كه في مسجده - لو رأيت عليا - يا عم رسول الله - وعظيم منزلته عند رب العالمين، وشريف محله عند ملائكته المقربين، وعظيم شأنه في أعلى عليين لاستقللت ما تراه له ههنا.إياك يا عم رسول الله وأن تجد(٣) له في قلبك مكروها فتصير كأخيك أبي لهب فانكما شقيقان.

يا عم رسول الله لو أبغض عليا أهل السماوات والارضين لاهلكهم الله ببغضه، ولو أحبه الكفار أجمعون لاثابهم الله عن محبته بالخاتمة(٤) المحمودة بأن يوفقهم للايمان

____________________

(١) " شعاث سيفى " ب، ط.

(٢) " يتصور " أ.أي يمتثل ويظهر نفسه كالرسول اشتياقا ورغبة.

(٣) " تتخذ " أ.

(٤) " بالخلقة " البحار.

(*)

٢١

ثم يدخلهم الجنة برحمته.

يا عم رسول الله إن شأن علي عظيم، إن حال علي جليل، إن وزن علي ثقيل [ و ] ما وضع حب علي في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلا رجح على حسناته.

فقال العباس: قد سلمت ورضيت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عم انظر إلى السماء.

فنظر العباس، فقال: ماذا ترى يا عباس؟ فقال: أرى شمسا طالعة نقية من سماء صافية جلية.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عم رسول الله إن حسن تسليمك لما وهب الله عزوجل لعلي [ من ] الفضيلة أحسن من هذه الشمس في [ هذه ] السماء، وعظم بركة هذا التسليم عليك أعظم وأكثر(١) من عظم بركة هذه الشمس على النبات والحبوب والثمار حيث تنضجها وتنميها [ وتربيها ]، واعلم أنه قد صافاك بتسليمك لعلي قبيلة(٢) من الملائكة المقربين أكثر عددا من قطر المطر وورق الشجر ورمل عالج، وعدد شعور الحيوانات وأصناف النباتات، وعدد خطى بني آدم وأنفاسهم وألفاظهم وألحاظهم كل يقولون: اللهم صل على العباس عم نبيك في تسليمه لنبيك فضل أخيه علي.

فاحمد الله واشكره، فلقد عظم ربحك، وجلت رتبتك في ملكوت السماوات.(٣) قوله عزوجل: " بسم الله الرحمن الرحيم "

٥ - [ قال الامامعليه‌السلام : ] " الله " هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق [ و] عند انقطاع الرجاء من كل من دونه وتقطع(٤) الاسباب من جميع من سواه فيقول: بسم الله [ الرحمن الرحيم ] أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة

____________________

(١) " أكبر " ب، ط.

(٢) " فضيلة " ب، ط.

(٣) عنه البحار: ٣٩ / ٢٢ ح ٩ وج ٨٦ / ٢٦٠ ح ٢٩(قطعة)، وفى الوسائل: ١ / ٤٨٩ ح ٢١ وج ٤ / ٨٤٨ ح ١(قطعة).

(٤) " قطع " ب، ط.

(*)

٢٢

إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي.

٦ - قال الامامعليه‌السلام وهو ما قال رجل للصادقعليه‌السلام : يابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني.

فقال [ له ](١) : يا عبدالله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى.

فقال: هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟(٢) قال: بلى.

قال: فهل تعلق قلبك هنا لك أن شيئا من الاشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى. قال الصادقعليه‌السلام : فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حين لامنجي، وعلى الاغاثة حين لا مغيث(٣) .

الافتتاح بالتسمية عند كل فعل

٧ - وقال الصادقعليه‌السلام : ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا " بسم الله الرحمن الرحيم " فيمتحنه الله بمكروه، لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه، ويمحو(٤) عنه وصمة تقصيره عند تركه قول " بسم الله [ الرحمن الرحيم ].

لقد دخل عبدالله بن يحيى على أمير المؤمنينعليه‌السلام وبين يديه كرسي فأمره بالجلوس، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه، فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم

____________________

(١) من المعانى والتوحيد، وفي " ب، ط " الامامعليه‌السلام .

(٢) " ولا ساجة نعينك " أ.والساج: خشب يجلب من الهند، واحدته ساجة.(لسان العرب: ٢ / ٣٠٣).

(٣) عنه البحار: ٩٢ / ٢٤٠ ح ٤٨، وعنه الوسائل: ٤ / ١١٩٣ صدر ح ٢، والبحار: ٣ / ٤١ ح ١٦ وعن التوحيد: ٢٣٠ صدر ح ٥(باسناده عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد، وعلى بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ).ورواه أيضا في معانى الاخبار: ٤ ح ٢.

وأخرجه في البحار: ٤ / ١٨٢ ح ٧ والبرهان: ١ / ٤٤ صدر ح ٨ عن التوحيد والمعانى.

(٤) " يمحق " التوحيد.

(*)

٢٣

فأمر أمير المؤميننعليه‌السلام بماء، فغسل عنه ذلك الدم.

ثم قال: أدن مني فدنا منه، فوضع يده على موضحته - وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر [له] معه - ومسح يده عليها، وتفل فيها [ فما هو إلا أن فعل ذلك ] حتى اندمل وصار كأنه لم يصبه شئ قط.

ثم قال أمير المؤميننعليه‌السلام : يا عبدالله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم(١) لتسلم [لهم ](٢) طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها.

فقال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ! [ و ] إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا؟ قال: نعم أما سمعت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر؟ يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم [ به ] من المحن، وبما يغفره لهم، فان الله إن الله تعالى يقول:(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)(٣) حتى إذا وردوا القيامة، تو فرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم.(٤) وان أعداء محمد وأعداء‌نا(٥) يجازيهم على طاعة تكون منهم في الدنيا - وإن كان لا وزن لها لانه لا إخلاص معها - حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وخيار أصحابه، فقذفوا لذلك في النار.

ولقد سمعت محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع [ لله مؤمن ] والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه، ولكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الارض، فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها، لان ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج حيث لا يقد رعليه، فآيسته الاطباء من نفسه وقالوا [ له ]: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست(٦) بأخلد من أصحاب(٧)

____________________

(١) " بمحنتهم " ب، ط.

(٢) " بهم " البحار: ٦٧.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) " طاعتهم وعبادتهم " أ.

(٥) " أعداء آل محمد " البحار.

(٦) " فما أنت " أ.

(٧) " أهل " أ.

(*)

٢٤

القبور، فان شفاء‌ك في هذه السمكة التي اشتهيتها، ولا سبيل إليها.

فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج [ البحر ب‍ ] تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له [ تلك السمكة ](١) فأكلها، فبرء من مرضه، وبقي في ملكه(٢) سنين بعدها.

ثم ان ذلك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، واشتهى تلك السمكة، ووصفها له الاطباء.

فقالوا: طب نفسا، فهذا أوانها تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ.

فبعث الله ذلك الملك وأمره أن يزعج جنس تلك السمكة [ كله ] من الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فيؤخذ(٣) حتى مات المؤمن من شهوته، لعدم دوائه.

فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد [ في الارض ] حتى كادوا يفتنون لان الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل إليه، وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا.

فأوحى الله عزوجل إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الارض: إني أنا الله الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، ولا ينفعني ما أمنع، ولا أظلم أحدا مثقال ذرة، فأما الكافر فانما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها، ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا علي أن لا أبطل لاحد(٤) حسنة حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره.

ومنعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه أردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة، إعدام ذلك الدواء، ليأتين ولا ذنب عليه، فيدخل الجنة.

فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فان رأيت(٥) أن

____________________

(١) من البحار.

(٢) " مملكته " ب، ط.

(٣) " ولم يقدر عليه ولم يؤخذ " أ، " فلم توجد " البحار.

(٤) " لعبد " أ.

(٥) " أردت " البحار.

(*)

٢٥

تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا الملجس، حتى لا أعود إلى مثله.

قال: تركك حين جلست أن تقول: " بسم الله الرحمن الرحيم " فجعل(١) الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك.

أما علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حدثني عن الله عزوجل أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر " بسم الله"(٢) فيه فهو أبتر.

فقلت: بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها.

قال: إذا تحصن(٣) بذلك وتسعد.

ثم قال عبدالله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ما تفسير " بسم الله الرحمن الرحيم "؟ قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا [ و ] يقول: [ بسم الله أي: بهذا الاسم أعمل هذا العمل.

فكل أمر(٤) يعمله يبدأ فيه ب‍ ](٥) " بسم الله الرحمن الرحيم " فانه يبارك له فيه(٦) .

٨ - قال الامام محمد بن على الباقرعليه‌السلام : دخل محمد بن [ على بن ](٧) مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام وهو كئيب حزين فقال له زين العابدينعليه‌السلام : ما بالك مهموما مغموما؟ قال: يا بن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت [ به ] من جهة حساد(نعمتي، والطامعين)(٨) في، وممن أرجوه وممن قد أحسنت إليه فيخلف ظني.

____________________

(١) " فعجل " أ.

(٢) " لم يسم الله " خ ل.

(٣)(" تحظى " ب، ط.

(٤) " عمل " خ ل.

(٥) ليس في البحار.

(٦) عنه البحار: ٩٢ / ٢٤٠ ضمن ح ٤٨، والجواهر السنية: ١٧٠، والبرهان: ١ / ٤٥ ح ١١ وفى الوسائل: ٤ / ١١٩٤ ح ٤، والبحار: ٦٧ / ٢٣٢ ح ٤٨، وج ٧٦ / ٣٠٥ ح ١(قطعة) وعنه(قطعة) في الوسائل المذكور ضمن ح ٢ وعن التوحيد: ٢٣١ ضمن ح ٥ باسناده عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد، عن على بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علىعليهما‌السلام . وأخرجه في نور الثقلين: ١ / ٦ ح ٢٠(قطعة) عن التوحيد.

(٧) من البحار.

(٨) " نعمى، والطاغين " أ.

(*)

٢٦

فقال له على بن الحسين [ زين العابدين ]عليهما‌السلام : إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.

قال الزهرى: يا بن رسول الله إني احسن إليهم بما يبدر من كلامي.

قال على بن الحسينعليهما‌السلام : هيهات هيهات إياك وأن تعجب من نفسك بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل من تسمعه(١) نكرأ أمكنك أن توسعه عذرا.

ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه.

ثم قال: يا زهري وما عليك أن(٢) تجعل المسلمين [ منك ] بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم [ منك ] بمنزلة ولدك، وتجعل تربك(٣) منهم بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء تحب أن تظلم؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره.

وإن عرض لك إبليس - لعنه الله - بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان والعمل الصالح، فهو خير مني وإن كان أصغر منك، فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي، وفي شك من أمره، فمالي أدع يقيني لشكي(٤) وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل أحدثوه(٥) وإن رأيت منهم(جفاء وانقباضا عنك قل: هذا الذي)(٦) أحدثته فانك إذا فعلت ذلك، سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.

____________________

(١) " أسمعته " ظ.

(٢) " الا أن " ب، ط.

(٣) ترب الرجل: الذى ولد معه.

(٤) " بشكى " ب، ط.

(٥) " أخذوا به " ب، ط، والبحار.

(٦) " لذنب " خ ل والبحار.

(*)

٢٧

واعلم: أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا، وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففا، وإن كان إليهم محتاجا، فانما أهل الدنيا(يعشقون الاموال)(١) ، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها أو من بعضها كان أعز [ عليهم ] وأكرم(٢) .

٩ - قالعليه‌السلام : ثم قال إليه رجل فقال: يا ابن رسول الله أخبرني ما معنى " بسم الله الرحمن الرحيم "؟ فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : حدثني أبي، عن أخيه، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أن رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم " الله الرحمن الرحيم " ما معناه؟ فقالعليه‌السلام : إن قولك: " الله " أعظم الاسماء(٣) - من أسماء الله تعالى - وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يتسمى به غير الله، ولم يتسم به مخلوق.

فقال الرجل: فما تفسير قوله تعالى: " الله "؟ فقالعليه‌السلام : هو الذى يتأله إليه عند الحوائج(٤) والشدائد كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه، وتقطع الاسباب من كل من سواه وذلك أن كل مترئس(٥) في هذه الدنيا أو متعظم فيها، وإن عظم غناؤه وطغيانه و(٦) كثرت حوائج من دونه إليه، فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم.

وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه.

أما تسمع الله عزوجل يقول: " قل أرأيتكم أن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم

____________________

(١) " يعيشون أموال الدنيا " أ.

(٢) عنه البحار: ٧١ / ٢٢٩ ح ٦، وج ٩٢ / ٢٤٢ ضمن ح ٤٨، وفي ج ١ / ٩٤ ح ٢٦ قطعة.

(٣) " اسم " البرهان.

(٤) " الاحتياج " خ ل.

(٥) " رئيس " أ، " مترائس " خ ل.

(٦) " اذا " أ.

(*)

٢٨

صادقين بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون "(١) فقال الله تعالى لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي إنى قد ألزمتكم الحاجة إلى في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت، فالي فافزعوا في كل أمر تأخذون به وترجون تمامه، وبلوغ غايته، فاني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم [ فأنا أحق من سئل، وأولى من تضرع إليه ] فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير: " بسم الله الرحمن الرحيم " أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره، المغيث إذا استغيث، [ و ] المجيب إذا دعي " الرحمن " الذي يرحم ببسط(٢) الرزق علينا " الرحيم " بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا: خفف الله علينا الدين، وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه.

ثم قال رسول اللهعليه‌السلام : من أحزنه أمر تعاطاه فقال: " بسم الله الرحمن الرحيم " وهو مخلص لله عزوجل ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجتة الدنياوية(٣) وإما ما يعد له عنده، ويدخر(٤) لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين(٥)

____________________

(١) الانعام: ٤٠ - ٤١

(٢) " ويبسط " أ.

(٣) " في الدنيا " التوحيد والبرهان.

(٤) " ويدخره " أ.

(٥) عنه البحار: ٩٢ / ٢٤٤ ضمن ح ٤٨، ورواه الصدوق في التوحيد: ٢٣١ ضمن ح ٥ باسناده عن محمد بن القاسم..، عنه البرهان: ١ / ٤٥ ضمن ح ٨، والوسائل: ٤ / ١١٩٣ ضمن ح ١(قطعة)(*)

٢٩

فضل فاتحة الكتاب

١٠ - وقال الحسن [ بن علي ]عليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وإن " بسم الله الرحمن الرحيم " آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم.

[ قال ]: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن الله عزوجل قال لي: يا محمد " ولقد اتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم "(١) فأفرد الامتنان [ علي ] بفاتحة الكتاب، وجعلها بازاء القرآن العظيم وأن فاتحة الكتاب أشرف(٢) ما في كنوز العرش.

وأن الله تعالى خص بها محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وشرفه [ بها ](٣) ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمانعليه‌السلام فانه أعطاه منها " بسم الله الرحمن الرحيم " ألا ترى أنه يحكي عن بلقيس حين قالت: " انى القى إلى كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم "(٤) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين، منقادا لامرهم، مؤمنا بظاهرهم وباطنهم، أعطاه الله عزوجل بكل حرف منها حسنة، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع قارئا يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فانه غنيمة لا يذهبن أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة(٥)

____________________

(١) الحجر: ٨٧.

(٢) " أعظم وأشرف مما " ب، ط.

(٣) من البرهان.

(٤) النمل: ٢٨ - ٢٩.

(٥) أمالى الصدوق: ١٤٨ ح ٢، وعيون أخبار الرضا: ١ / ٢٣٥ ح ٦٠ باسناده عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد بن زياد، وعلى بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن ابن علىعليهما‌السلام ، عنهما الوسائل: ٤ / ٧٤٦ ح ٩، والبحار: ٩٢ / ٢٢٧ ح ٥ والبرهان: ١ / ٣١ ح ٣ وج ٢ / ٣٥٣ ح ٢(قطعة) وعن تفسير الامام، وعن الاخير تأويل الايات: ١ / ٢٣ ح ١، والبحار: ٩٢ / ٢٤٥ ضمن ح ٤٨، وج ١٤ / ١٢٨ ح ١٤(قطعة).

(*)

٣٠

تفسير الحمد

١١ - قوله تعالى: " الحمد لله رب العالمين " قال الامامعليه‌السلام : جاء رجل إلى الرضاعليه‌السلام فقال: يا بن رسول الله أخبرني عن قوله عزوجل " الحمد لله رب العالمين " ما تفسيره؟ قالعليه‌السلام : لقد حدثني أبي، عن جدي عن الباقر، عن زين العابدينعليهم‌السلام أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرني عن قوله عزوجل " الحمد لله رب العالمين " ما تفسيره؟ فقال: " الحمد لله " هو أن عرف الله عباده بعض نعمه عليهم جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل، لانها أكثر من أن تحصى أو تعرف فقال لهم: قولوا: " الحمد لله " على ما أنعم به(١) علينا.

(رب العالمين)(٢) وهم الجماعات(٣) من كل مخلوق، من الجمادات، والحيوانات: فأما الحيوانات، فهو يقلبها في قدرته، ويغذوها من رزقه، ويحوطها(٤) بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته.

وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته، يمسك ما اتصل منها أن يتهافت، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق(٥) ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا باذنه، ويمسك الارض أن تنخسف إلا بأمره، إنه بعباده رؤوف رحيم.

قالعليه‌السلام : و(رب العالمين) مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم، إليهم، من حيث يعلمون، ومن حيث لايعلمون.

____________________

(١) " الله " البرهان.

(٢) أضاف في الاصل: يعنى مالك العالمين وليس في المصادر.

(٣) " الجماعة " ب، ط.

(٤) حاطه يحوطه حوطها وحياطة: اذا حفظه وصانه، وذب عنه.

(٥) " يتلاحق " أ.

(*)

٣١

فالرزق مقسوم، وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا، ليس لتقوى متق بزائده، ولا لفجور فاجر بناقصه، وبينه وبينه ستر(١) وهو طالبه.ولو أن أحدكم يفر من(٢) رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت.

قال [ أمير المؤمنينعليه‌السلام ]: فقال الله تعالى لهم: قولوا " الحمد لله " على ما أنعم به علينا، وذكرنا به من خير في كتب الاولين من قبل أن نكون.

ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد لما فضله وفضلهم، وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم [ به على غيرهم ].

تفضيل امة محمد على جميع الامم

وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لما بعث الله عزوجل موسى بن عمران واصطفاه نجيا وفلق له البحر فنجى بني إسرائيل، وأعطاه التوراة والالواح، رأى مكانه من ربه عزوجل فقال: يارب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي.

فقال الله عزوجل: يا موسى أما علمت أن محمدا أفضل عندى من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟ قال موسى: يا رب فان كان محمد أكرم(٣) عندك من جميع خلقك، فهل في آل الانبياء أكرم من آلي؟ قال الله عزوجل: يا موسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين(٤) كفضل محمد على جميع المرسلين؟(٥) فقال: يا رب فان كان آل محمد عندك كذلك، فهل في صحابة الانبياء أكرم [ عندك ] من صحابتي؟

____________________

(١) كذا في خ ل، وفى الاصل: شبر.

(٢) " يتربص " في الاصل، والتربص: المكث والانتظار.وهو تصحيف.

(٣) " أفضل " ب، ط.٤،

(٥) " المرسلين "، " النبيين " أ،(*)

٣٢

قال الله عزوجل: يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين و [ ك‍ ] فضل محمد على جميع المرسلين؟ فقال موسى: يارب فان كان محمد وآله وصحبه كما وصفت، فهل في امم الانبياء أفضل عندك من امتي؟ ظللت عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال الله تعالى: يا موسى أما علمت أن فضل امة محمد على جميع الامم كفضلي(١) علي جميع خلقي؟ قال موسى: يارب ليتني كنت أراهم.

(فأوحى الله تعالى إليه)(٢) : يا موسى إنك لن تراهم، فليس هذا أو ان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنة(٣) جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون(٤) ، أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ قال: نعم يا إلهي: [ نداء الرب سبحانه وتعالى امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ] قال [ الله جل وجلاله ](٥) : قم بين يدي، واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي السيد الملك الجليل، ففعل ذلك موسى.

فنادى [ الملك ] ربنا عزوجل يا أمة محمد.

فأجابوه كلهم، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام امهاتهم: " لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك ".

____________________

(١) كذا في الاصل، وفي المصادر: كفضله.

(٢) " فقال الله عزوجل " أ.

(٣) الجنات " العيون.

(٤) " يتبحبحون " أ، البحار ج ٢٦ والتأويل.وتبحبح به: فخر.

(٥) من المصادر.

(*)

٣٣

قال فجعل الله تعالى تلك الاجابة منهم شعار الحج(١) ثم نادى ربنا عزوجل: يا امة محمد إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي، وعفوي قبل(٢) عقابي، فقد استجبت لكم من قبل أن تدعوني، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني، من لقيني منكم بشهادة(٣) : أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأن محمدا عبده ورسوله، صادق في أقواله، محق في أفعاله(٤) وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ووليه، يلتزم طاعته [ كما يلتزم طاعة ] محمد وأن أولياء‌ه(٥) المصطفين الاخيار المطهرين المباينين(٦) بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه، أدخلته جنتي، إن كانت ذنوبه مثل زبد البحر.

قال: فلما بعث الله عزوجل نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا محمد " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا "(٧) امتك بهذه الكرامة.

ثم قال عزوجل لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل: الحمد لله رب العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة.

وقال لامته: [ و ] قولوا أنتم: الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل(٨)

____________________

(١) " الحاج " العيون والبرهان.

(٢) " سبق " ب، ط.

(٣) " يشهد " أ، البحار ج ٩٢ والبرهان ج ٣.

(٤) " أحواله " ب، ط.

(٥) " أولادهما " خ ل." ذريته " التأويل.

(٦) " الميامين " ب، وبعض المصادر." اللابسين / أودهما " خ ل." المنبئين " العيون.

" المبلغين " بشارة المصطفى: والمباينة: المفارقة.

أى المفارقين والممتازين عن الخلق بعجائب الله.

(٧) القصص: ٤٦.

(٨) عنه البحار: ٩٢ / ٢٤٥ ضمن ح ٤٨ وج ٢٦ / ٢٧٤ ح ١٧، وتأويل الايات: ١ / ٤١٨ ح ١٢.

وعنه البحار: ٩٢ / ٢٢٤ ح ٢ وعن عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٢٠ ح ٣٠.

وعنه الوسائل: ٩ / ٥٤ ح ٥ وعن عيون أخبار الرضا.

وعلل الشرائع: ٢ / ٤١٦ ح ٣ ومن لا يحضره الفقيه: ٢ / ٣٢٧ ح ٢٥٨٦(باسناده عن محمد بن القاسم...) ورواه الطبرى في بشارة المصطفى: ٢٦٢.

وأخرجه البحار: ١٣ / ٣٣٠ ح ١٨ عن العيون والعلل، وفي ج ٩٩ / ١٨٥ ح ١٦ عن العيون والعلل والمعانى وفى البرهان: ١ / ٤٩ ح ١٨ وج ٣ / ٢٢٨ ح ٤(قطعة) عن ابن بابويه.

٣٤

قوله عزوجل: " الرحمن الرحيم ".

١٢ - قال الامامعليه‌السلام : " الرحمن ": العاطف على خلقه بالرزق، لايقطع عنهم مواد رزقه، وإن انقطعوا عن طاعته.

" الرحيم " بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرفق بهم في دعائهم إلى موافقته.

قال: وإن أمير المؤميننعليه‌السلام قال: " الرحمن " هو العاطف على خلقه بالرزق.

قال: ومن رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض والتعذي جعل تلك القوة في امه، ورققها(١) عليه لتقوم بتربيته وحضانته، فان قسا قلب ام من الامهات أوجب تربية هذا الطفل [ وحضانته ](٢) على سائر المؤمنين، ولما سلب بعض الحيوانات قوة التربية لاولادها، والقيام بمصالحها، جعل تلك القوة في الاولاد لتنهض حين تولد وتسير إلى رزقها المسبب(٣) لها.

قالعليه‌السلام : وتفسير قوله عزوجل " الرحمن ": أن قوله " الرحمن " مشتق من الرحمة(٤) سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: قال الله عزوجل: أنا " الرحمن ".

وهي [ من ](٥) الرحم شققت لها إسما من إسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته.

ثم قال عليعليه‌السلام : أو تدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن، ومن قطعها قطعه الرحمن؟ فقيل يا أمير المؤمنين: حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباء‌هم(٦)

____________________

(١) " رفقها " ب، ط.

(٢) من البحار.

(٣) " المبيت " ب، ط.وبيت الشئ: دبره ليلا.

(٤) " الرحم " البحار.

(٥) من التأويل.

(٦) " آباء‌هم " البحار: ٩٢.

(*)

٣٥

ويصلوا أرحامهم.

فقال لهم: أيحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين، وأن يعظموا من حقره الله، وأوجب احتقاره من الكافرين؟ قالوا: لا، ولكنه حثهم على صلة أرحامهم المؤمنين.

قال: فقال: أوجب حقوق أرحامهم، لاتصالهم بآبائهم وامهاتهم؟ قلت: بلى يا أخا رسول الله.

قال: فهم إذن إنما يقضون فيهم(١) حقوق الآباء والامهات.

قلت: بلى يا أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: فآباؤهم وامهاتهم إنما غذوهم في الدنيا ووقوهم مكارهها، وهي نعمة زائلة، ومكروه ينقضي، ورسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي، ووقاهم مكروها مؤبدا لا يبيد، فأي النعمتين أعظم؟ قلت: نعمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم وأجل وأكبر.

قال: فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغر [ الله ](٢) حقه، ولا يحث على قضاء حق من كبر [ الله ](٣) حقه؟ قلت: لا يجوز ذلك.

قال: فاذا حق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم من حق الوالدين، وحق رحمه أيضا أعظم من حق رحمهما، فرحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) أولى بالصلة، وأعظم في القطيعة فالويل كل الويل لمن قطعها، والويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها.

أوما علمت أن رحمة رحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرمة رسول الله، وأن حرمة رسول الله حرمة الله تعالى، وأن الله أعظم حقا من كل منعم سواه، وأن كل منعم سواه إنما أنعم حيث قيضه لذلك(٥) ربه، ووفقه له.

أما علمت ما قال الله تعالى لموسى بن عمران؟ قلت: بأبي أنت وأمي ما الذي قال له؟

____________________

(١) " فيه " ب، ط.

(٢)، (٣) من البحار.

(٤) زاد في البحار: ٩٢: أيضا أعظم وأحق من رحمها، فرحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٥) " له ذلك " البحار.

(*)

٣٦

قالعليه‌السلام : قال الله تعالى: يا موسى أتدري ما بلغت برحمتي(١) إياك؟ فقال موسى: أنت أرحم بي من أبي وامي.

قال الله تعالى: يا موسى وإنما رحمتك امك لفضل رحمتي، فأنا الذي رققتها(٢) عليك، وطيبت قلبها لتترك طيب وسنها(٣) لتربيتك، ولو لم أفعل ذلك بها لكانت هي وسائر النساء(٤) سواء.

ما يكون كفارة للذنوب

يا موسى أتدري أن عبدا من عبادي(٥) يكون له ذنوب وخطايا تبلغ أعنان السماء فأغفرها له، ولا أبالي؟ قال: يا رب وكيف لا تبالي؟ قال تعالى: لخصلة شريفة تكون في عبدي احبها، وهي أن يحب إخوانه الفقراء المؤمنين، ويتعاهدهم، ويساوي نفسه بهم، ولا يتكبر عليهم.فاذا فعل ذلك غفرت له ذنوبه، ولا ابالي.

يا موسى إن الفخر(٦) ردائي والكبرياء إزاري، من نازعني في شئ منهما عذبته بناري.

يا موسى إن من إعظام جلالي إكرام العبد الذي أنلته حظا من [ حطام ](٧) الدنيا عبدا من عبادي مؤمنا.

قصرت يديه في الدنيا، فان تكبر عليه فقد استخف بعظيم جلالي.

____________________

(١) " من رحمتى " أ." رحمتى " البحار.

(٢) " رفقها " ب، ط.

(٣) " نومها " خ ل.والوسن: أول النوم.

(٤) " الناس " ب، ط.

(٥) زاد في " ب، ط " مؤمنا.

(٦) " العظمة " ب، ط.

(٧) من البحار.

(*)

٣٧

الحث على صلة رحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ثم قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الرحم التي اشتقها الله عزوجل من رحمته بقوله: أنا(١) " الرحمن " هي(٢) رحم محمد(٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن من إعظام الله إعظام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن من إعظام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إعظام رحم محمد، وإن كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد(٤) وإن إعظامهم من إعظام محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فالويل لمن استخف بشئ من حرمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطوبى لمن عظم حرمته، وأكرم رحمه ووصلها.(٥) قوله عزوجل: " الرحيم "

١٣ - قال الامامعليه‌السلام : وأما قوله تعالى " الرحيم "(فان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:)(٦) رحيم بعباده المؤمنين، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها(٧) يتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها، وتحنو الامهات من الحيوانات على أولادها.

شفاعة المؤمنين

فاذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة [ الواحدة ] إلى تسعة وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتى أن الواحد ليجئ إلى مؤمن من الشيعة، فيقول: اشفع لي. فيقول: وأي حق لك علي؟ فيقول: سقيتك يوما ماء‌ا.فيذكر ذلك، فيشفع له، فيشفع فيه، ويجيئه آخر فيقول: إن لي عليك حقا، فاشفع لي. فيقول: وما حقك علي؟ فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار. فيشفع له، فيشفع فيه، ولا يزال يشفع

____________________

(١) " من قوله " البحار: ٩٢.

(٢) " وهي الرحم " أ.

(٣)، (٤) " آل محمد " ب، ط.

(٥) عنه البحار: ٩٢ / ٢٤٨ ضمن ح ٤٨، وج ٢٣ / ٢٦٦ ح ١٢ وتأويل الايات: ١ / ٢٤ ح ٣ قطعة.

(٦) " معناه أنه " البحار: ٩٢.

(٧) " فيها " ب، ط.

(*)

٣٨

حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه، فان المؤمن أكرم على الله مما تظنون(١) قوله عزوجل: " مالك يوم الدين.

١٤ - قال الامامعليه‌السلام :(مالك يوم الدين) أي قادر على إقامة يوم الدين، وهو يوم الحساب، قادر على تقديمه على وقته، وتأخيره بعد وقته، وهو المالك أيضا في يوم الدين، فهو يقضي بالحق، لا يملك الحكم والقضاء في ذلك اليوم من يظلم ويجور، كما في الدنيا من يملك الاحكام.

قال: وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام (يوم الدين)(٢) هو يوم الحساب.

وقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ألا اخبركم بأكيس(٣) الكيسين وأحمق الحمقى؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: أكيس الكيسين من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت، وأن أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله تعالى الاماني.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكيف يحاسب الرجل نفسه؟ قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه فقال: يا نفس(٤) إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا، والله تعالى يسألك عنه فيما أفنيته، فما الذي عملت فيه؟ أذكرت الله أم حمدتيه؟ أقضيت حوائج(٥) مؤمن؟ أنفست عنه كربة؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه(٦) ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أأعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟ فيذكر ما كان منه.

____________________

(١) عنه تأويل الايات: ١ / ٢٥ ح ٤ والبحار ٩٢ / ٢٥٠ ضمن ح ٤٨ وج ٨ / ٤٤ ح ٤٤.

(٢) " مالك يوم الدين قال) أ.

(٣) أى أعقل.

(٤) " فيقول يا نفسى " أ.

(٥) " حق " أخ، التأويل والبحار.

(٦) " مخلفه " أ.

(*)

٣٩

فان ذكر أنه جرى منه خير، حمد الله تعالى، وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيرا، إستغفر الله تعالى، وعزم على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد وآله الطيبين، وعرض بيعة أمير المؤمينن عليعليه‌السلام على نفسه، وقبوله لها، وإعادة لعن أعدائه وشانئيه ودافعيه عن حقه(١) فاذا فعل ذلك قال الله عزوجل: لست أناقشك في شئ من الذنوب مع موالاتك أوليائي، ومعاداتك أعدائي(٢) قوله عزوجل: " اياك نعبد واياك نستعين ".

١٥ - قال الامامعليه‌السلام (إياك نعبد وإياك نستيعن) قال الله تعالى: قولوا: يا أيها الخلق المنعم عليهم.

" إياك نعبد " أيها المنعم علينا، ونطيعك مخلصين مع التذلل والخضوع(٣) بلا رياء، ولا سمعة.

" واياك نستعين " منك: نسأل المعونة على طاعتك لنؤديها كماأمرت، ونتقي من دنيانا مانهيت عنه، ونعتصم - من الشيطان الرجيم، ومن سائر مردة الجن والانس من المضلين، ومن المؤذين الظالمين - بعصمتك(٤) .

١٦ - وقال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام من العظيم الشقاء؟ قال: رجل ترك الدنيا للدنيا، ففاتته الدنيا وخسر الآخرة، ورجل تعبد واجتهد وصام رئاء(٥) الناس فذاك الذي حرم لذات الدنيا، ولحقه التعب الذي لو كان به مخلصا لاستحق ثوابه، فورد الآخرة وهو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه، فيجده هباء‌ا منثورا.

____________________

(١) " حقوقه " المصادر.

(٢) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ٩٤ تأويل الايات: ١ / ٢٦ ح ٦، والبحار: ٧٠ / ٦٩ ح ١٦، وج ٩٢ / ٢٥٠ ضمن ح ٤٨.

(٣) " الخشوع " التنبيه، البحار.

(٤) عنه تنبيه الخواطر: ٢ / ٩٥، وتأويل الايات: ١ / ٢٧ ح ٧، والبحار: ٧ / ٢١٦، وج ٩٢ / ٢٥١ ضمن ح ٤٨.

(٥) التظاهر بخير دون حقيقة.

(*)

٤٠