تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 203858
تحميل: 37880

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203858 / تحميل: 37880
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

(...)(١) عند الرضاعليه‌السلام ، فدخل اليه رجل فقال: يابن رسول الله لقد رأيت اليوم شيئا [عجيبا] عجبت منه: رجل كان معنا يظهر لنا أنه من الموالين لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله المتبرئين من أعدائهم.

ورأيته اليوم، وعليه ثياب قد خلعت عليه وهو ذا يطاف به ببغداد وينادي المنادون بين يديه، معاشر الناس اسمعوا توبة هذا الرافضي.

ثم يقولون له: قل.

فيقول: خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " أبا بكر "(٢) .

فاذا قال(٣) ذلك ضجوا، وقالوا: قد تاب، وفضل أبا بكر على علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله.

فقال الرضاعليه‌السلام : إذا خلوت فأعد علي هذا الحديث.

فلما أن خلا أعاد عليه فلقال له: إنما لم افسر لك معنى كلام [هذا] الرجل بحضرة هذا الخلق المنكوس، كراهة أن ينقل إليهم، فيعرفوه ويؤذوه.

____________________

(١) في الاصل: " كنا ".

أقول: فيه تصحيف ما مضمونه " كان الناس " وذلك للتصريح في أول الكلام بأن مجلس الرضاعليه‌السلام هذا كان بحضرة الاعداء، بقرينة ما قاله الرضاعليه‌السلام - كما سيأتى - " اذا خلوت فأعد على هذا الحديث..انما لم افسر بحضرة هذا الخلق المنكوس كراهة أن ينقل.

" وعلى هذا فكيف يقول الراوى للحديث - عن مجلس الرضاعليه‌السلام ، وبحضور هؤلاء الخلق المنكوس من أعداء آل محمد -: " كنا "؟ ! أضف إلى ذلك أن الراوى كان أعرف منا وأدرى بأنه ما كان الامامعليه‌السلام بحضرة الرضا أو معهم.فلاحظ تعليقتنا السابقة.

وأما في الاحتجاج: ٢ / ٢٣٥ وعنه البحار فأخذه باليقين، قال: وبالاسناد الذى تكرر عن أبى الحسن العسكرىعليه‌السلام قال: دخل على أبى الحسن الرضاعليه‌السلام رجل..

(٢) نصب باعتباره نداء‌ا لابى بكر، وليس خبرا " لخير الناس " وهذا ما فسره الامامعليه‌السلام فلاحظ.

(٣) " فعل " ب، س، ص، ط، والبحار: ٧٥.

(*)

٣٦١

لم يقل الرجل: خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " أبوبكر " فيكون قد فضل أبابكر على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولكن قال: خير الناس بعد رسول الله " أبابكر " فجعله نداء‌ا لابي بكر، ليرضى به من يمشي بين يديه من بعض هؤلاء الجهلة ليتوارى من شرورهم، إن الله تعالى جعل هذا التورية مما رحم به شيعتنا ومحبينا(١) .

٢٥٠ - قال: وقال رجل لمحمد بن علىعليهما‌السلام : يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مررت اليوم بالكرخ فقالوا: هذا نديم محمد بن علي إمام الرافضة، فاسألوه من خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فان قال: علي.فاقتلوه، وإن قال: أبوبكر.فدعوه فانثال علي منهم خلق عظيم وقالوا لى: من خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقلت مجيبا لهم: خير(٢) الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبوبكر وعمر وعثمان وسكت ولم أذكر عليا.

فقال بعضهم: قد زاد علينا، نحن نقول ههنا: وعلي ! فقلت لهم: في هذا نظر، لا أقول هذا.

فقالوا بينهم: إن هذا أشد تعصبا للسنة منا، قد غلطنا عليه.

ونجوت هذا منهم فهل علي يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا حرج؟ وإنما أردت أخير [الناس]؟ أي أهو خير؟ - إستفهاما لا إخبارا -.

فقال محمد بن علىعليهما‌السلام : قد شكر الله لك بجوابك هذا، وكتب لك أجره وأثبته لك في الكتاب الحكيم، وأوجب لك بكل حرف من حروف ألفاظك بجوابك هذا لم ما يعجز عنه أماني المتمنين ولا يبلغه آمال الآملين(٣) .

٢٥١ - قال: وجاء رجل إلى على بن محمدعليهما‌السلام وقال: يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بليت اليوم بقوم من عوام البلد أخذوني فقالوا: أنت لا تقول بامامة أبي بكر بن أبي

____________________

(١) عنه البحار: ٧٥ / ٤٠٤ ضمن ح ٤٢، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٦ ح ٨، ورواه في الاحتجاج: ٢ / ٢٣٥ باسناده عن العسكرىعليه‌السلام ، عنه البحار: ٧١ / ١٥ ح ٢٩.

(٢) " أخير " البحار: ٧٥.

(٣) عنه البحار: ٧٥ / ٤٠٥ ضمن ح ٤٢، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٢٧٦ ضمن ح ٩.

(*)

٣٦٢

قحافة؟ فخفتهم يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وأردت أن أقول: [لا، قلت:] بلى، أقولها للتقية.

فقال لي بعضهم - ووضع يده على فمي - وقال: أنت لا تتكلم إلا بمخرقة(١) أجب عما القنك. قلت: قل.

فقال لي: أتقول أن أبابكر بن أبي قحافة هو الامام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حق عدل، ولم يكن لعلي في الامامة حق البتة؟ قلت: نعم، وأنا اريد نعما من الانعام: الابل والبقر والغنم.

فقال: [لا] أقنع بهذا حتى تحلف، قل: والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب(العدل) المدرك المهلك العالم من السر ما يعلم من العلانية. فقلت: نعم واريد نعما من الانعام.

فقال: لا أقنع منك إلا بأن تقول: أبوبكر بن أبي قحافة هو الامام والله الذي لا إله إلا هو.

وساق اليمين، فقلت: أبوبكر بن أبي قحافة إمام - أي هو إمام من ائتم به واتخذه إماما - والله الذي لا إله إلا هو، ومضيت في صفات الله.

فقنعوا بهذا مني وجزوني خيرا ونجوت منهم، فكيف حالي عند الله؟ قال: خير حال، قد أوجب الله لك مرافقتنا في أعلى عليين لحسن تقيتك(٢) .

٢٥٢ - قال أبويعقوب وعلى(٣) : حضرنا عند الحسن بن علي أبي القائمعليهم‌السلام فقال له بعض أصحابه: جاء‌ني رجل من إخواننا الشيعة قد امتحن بجهال العامة يمتحنونه في الامامة، ويحلفونه(وقال: كيف)(٤) نصنع حتى نتخلص منهم؟ فقلت له: كيف يقولون؟ قال: يقولون لي أتقول: إن فلانا هو الامام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فلا بد لي من أن أقول: نعم.وإلا أثخنوني ضربا، فاذا قلت: نعم. قالوا لي: [قل:] والله.

فقلت له: قل: نعم.وتريد به نعما من الابل والبقر والغنم.

فاذا(٥) قالوا: [قل] والله

____________________

(١) " بمخوفة " أ، والمستدرك.المخرقة: الكذب والاختلاق.

(٢) عنه البحار: والمستدركين السابقين.

(٣) وهما راويا هذا التفسير.

(٤) " فكيف " أ، والمستدرك.

(٥) "(و) قلت فاذا " ب، ط، والبحار: ٧١.

(*)

٣٦٣

فقل: ولى(١) أي ولى - تريد - عن أمر كذا، فانهم لا يميزون، وقد سلمت.

فقال لي: فان حققوا علي وقالوا: قل: والله، وبين الهاء؟ فقلت: قل: والله - برفع الهاء - فانه لايكون يمينا إذا لم يخفض الهاء.فذهب ثم رجع إلي فقال: عرضوا علي وحلفوني، وقلت كما لقنتني.

فقال له الحسنعليه‌السلام : أنت كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الدال على الخير كفاعله " لقد كتب الله لصاحبك بتقيته بعدد كل من استعمل التقية من شيعتنا وموالينا ومحبينا حسنه، وبعدد كل من ترك التقية منهم حسنة، أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب مائة سنة لغفرت، ولك بارشادك إياه مثل ماله(٢) .

٢٥٣ - وأما قوله عزوجل:(أقيموا الصلوة) فهو أقيموا الصلاة بتمام ركوعها وسجودها و [حفظ](٣) مواقيتها، وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق أتدرون ما تلك الحقوق؟ فهي إتباعها بالصلاة على محمد وعلي وآلهماعليهم‌السلام منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله، والقوام بحقوق الله، والنصار لدين الله(٤) .

٢٥٤ - " وآتوا الزكاة " من المال والجاه وقوة البدن: فمن المال مواساة إخوانكم المؤمنين، ومن الجاه إيصالهم إلى ما يتقاعسون عنه لضعفهم عن حوائجهم المترددة(٥) في صدورهم.

____________________

(١) " والله " البحار.أى بالهاء الساكنة المضمرة، فكأنك تقول: ولى.

(٢) عنه البحار: ٧٥ / ٤٠٦ ضمن ح ٤٢، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٣٧٦ ح ١٠، وأخرجه في البحار: ٧١ / ١٦ ح ٣٠ عن الاحتجاج: ٢ / ٢٦٦.

(٣) من التأويل.

(٤) عنه تأويل الايات: ١ / ٧٥ ح ٥٠، والوسائل: ٦ / ١٥٤ ضمن ح ١٣، والبحار: ٨٥ / ٢٨٥ صدر ح ١٢، والبرهان: ١ / ١٢٣ ح ١٨ ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٣٤ صدر ح ٣.

(٥) " المقررة " البحار.

(*)

٣٦٤

وبالقوة معونة أخ لك قد سقط حماره أو جمله في صحراء أو طريق، وهو يستغيث فلا يغاث تعينه حتى حمل عليه متاعه، وتركبه [عليه] وتنهضه حتى تلحقه القافلة، وأنت في ذلك كله معتقد لموالاة محمد وآله الطيبين.

فان الله يزكي أعمالك ويضاعفها بموالاتك لهم، وبراء‌تك من أعدائهم(١) .

٢٥٥ - قال الله تعالى:(ثم توليتم إلا قليلا منكم) يا معاشر اليهود المأخوذ عليكم(٢) من هذه العهود كما أخذ على أسلافكم(وأنتم معرضون) عن أمر الله عزوجل الذي فرضه(٣) .

٢٥٦ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العبد إذا أصبح، أو الامة إذا أصبحت، أقبل الله تعالى عليه وملائكته - ليستقبل ربه عزوجل بصلاته - فيوجه إليه رحمته ويفيض عليه كرامته، فان وفى بما أخذ عليه، فأدى الصلاة على ما فرضت، قال الله تعالى للملائكة خزان جنانه وحملة عرشه: قد وفى عبدي هذا، ففوا له.

وإن لم يف، قال الله تعالى: لم يف عبدي هذا، وأنا الحليم(٤) الكريم، فان تاب تبت عليه، وإن أقبل على طاعتي أقبلت عليه برضواني ورحمتي.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [قال الله تعالى:] وإن كسل عما اريد، قصرت في قصوره حسنا وبهاء‌ا وجلالا، وشهرت في الجنان بأن صاحبها مقصر.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وذلك أن الله عزوجل أمر جبرئيل ليلة المعراج فعرض علي قصور الجنان، فرأيتها من الذهب والفضة، ملاطها المسك والعنبر، غير أني رأيت لبعضها شرفا عالية، ولم أر لبعضها.

فقلت: يا حبيبي جبرئيل ما بال هذه بلا شرف كما لسائر تلك القصور؟

____________________

(١) عنه البحار: ٧٤ / ٢٢٨ ح ٢٣، وج ٩٦ / ٩ ح ٥، والبرهان: ١ / ١٢٢ ح ٢٠، ومستدرك الوسائل: ١ / ٥١٢ ح ١.

(٢) كذا استظهرناها، وفى الاصل والبرهان: عليهم.

(٣) عنه البرهان: ١ / ١٢٣ ح ٢١.

(٤) " الحكيم " ق، د.

(*)

٣٦٥

فقال: يا محمد هذه قصور المصلين فرائضهم، الذين يكسلون عن الصلاة عليك وعلى آلك بعدها.

فان بعث مادة لبناء الشرف من الصلاة على محمد وآله الطيبين [بنيت له الشرف] وإلا بقيت هكذا، حتى(١) يعرف سكان الجنان أن القصر الذي لا شرف له هو الذي كسل صاحبه بعد صلاته عن الصلاة على محمد وآله الطيبين.

ورأيت فيها قصورا منيفة(٢) مشرقة(٣) عجيبة الحسن، ليس لها أمامها دهليز ولا بين أيديها(٤) بستان، ولا خلفها، فقلت: مابال هذه القصور لا دهيلز بين أيديها؟ ولا بستان خلف قصرها؟ فقال: يا محمد هذه قصور المصلين [الصلوات] الخمس، الذين يبذلون بعض وسعهم في قضاء حقوق إخوانهم المؤمنين دون جميعها، فلذلك قصورهم مسترة(٥) بغير دهيلز أمامها، وغير بستان خلفها.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا فلا تتكلوا على الولاية وحدها، وأدوا ما بعدها من فرائض الله، وقضاء حقوق الاخوان، واستعمال التقية، فانهما اللذان يتممان الاعمال ويقصران بها(٦) .

____________________

(١) " فيقال حين " ب، س، ط، والبحار: ٨٦.فيقال حتى " ص، البحار: ٨، ٨٥، والمستدرك.

(٢) " منيعه " أ، ب، ط، البحار، والمستدرك.جبل منيف: مرتفع مشرف.

وحصن منيع: يتعذر الوصول اليه.

(٣) " مشرفة " ق، د.

(٤) " يديها " أكثر النسخ والبحار والمستدرك وكذا التى بعدها.

واليد: الطريق.

(٥) " مستعمرة " ط." مستترة " المستدرك.

وليس في البحار: ٨.

استعمره في المكان: جعله يعمره.

(٦) عنه البحار: ٨ / ١٨٠ ضمن ح ١٣٧، وج ٧٤ / ٢٢٨ ح ٢٣، وج ٨٥ / ٢٨٥ ضمن ح ١٢ وج ٨٦ / ٥٧ ح ٦١، ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٣٤ ضمن ح ٣، ص ٣٤٢ ح ٣.

(*)

٣٦٦

قوله عزوجل: " واذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماء‌كم ولاتخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم و تخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادهم وهو محرم عليكم اخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزى في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * اولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ": ٨٤ - ٨٦

٢٥٧ - قال الامامعليه‌السلام :(وإذ أخذنا ميثاقكم) واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا ميثاقكم [أي أخذنا ميثاقكم] على أسلافكم، وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم(لا تسفكون دماء‌كم) لا يسفك بعضكم دماء بعض(ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم(ثم أقررتم) بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم، والتزمتموه كما التزموه(وأنتم تشهدون) بذلك على أسلافكم وأنفسكم.

(ثم أنتم) معاشر اليهود(تقتلون أنفسكم) يقتل بعضكم بعضا [على إخراج من يخرجونه من ديارهم](وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) غصبا وقهرا(تظاهرون عليهم) تظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم، وقتل من تقتلونه منهم بغير حق(بالاثم والعدوان) بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون(١) .

(وإن يأتوكم) يعني هؤلاء الذين تخرجونهم - أن تروموا إخراجهم وقتلهم ظلما - إن يأتوكم(أسارى) قدأسرهم أعداؤكم وأعداؤهم(تفادوهم) من

____________________

(١) " تتظافرون " أ، ق، د، وكلاهما بمعنى واحد.

(*)

٣٦٧

الاعداء بأموالكم(وهو محرم عليكم إخراجهم) أعاد قوله عزوجل(إخراجهم) ولم يقتصر على أن يقول: " وهو محرم عليكم " لانه لو قال ذلك لرأى أن المحرم إنما هو مفاداتهم(١) .

ثم قال عزوجل:(أفتؤمنون ببعض الكتاب) وهو الذي أوجب عليكم المفادات(وتكفرون ببعض) وهو الذي حرم قتلهم وإخراجهم، فقال: فاذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والاخراج من الديار كما فرض فداء الاسراء، فما بالكم تطيعون في بعض، وتعصون في بعض؟ كأنكم ببعض كافرون، وببعض مؤمنون.

ثم قال عزوجل:(فما جزاء من يفعل ذلك منكم) يا معاشر اليهود(إلا خزي) ذل(في الحيوة الدنيا) جزية تضرب عليه، يذل بها(ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) إلى جنس أشد العذاب، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم(وما الله بغافل عما تعملون) يعمل(٢) هؤلاء اليهود.

ثم وصفهم فقال عزوجل:(أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالآخرة) رضوا بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله(فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) لا ينصرهم أحد يرفع(٣) عنهم العذاب(٤) .

٢٥٨ - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - لما نزلت هذه الآية في اليهود، هؤلاء اليهود [الذين](٥) نقضوا عهد الله، وكذبوا رسل الله، وقتلوا أولياء(٦) الله -: أفلا أنبئكم

____________________

(١) قيل " وهو محرم " الضمير للشأن أو مبهم يفسره " اخراجهم " أو لمصدر يخرجون، واخراجهم تأكيد(أو بدل، أو بيان).

انظر تفسير البيضاوى: ١ / ١٦٨، تفسير الرازى: ٣ / ١٧٣ تفسير شبر: ٥٢، وغيرهم.

(٢) " أى بعمل " أ.

(٣) " يدفع " بعض النسخ والبحار.

(٤) عنه البحار: ٩ / ١٨٠ ح ٨، وج ٧٥ / ٣١٦ ح ٤٠، والبرهان: ١ / ١٢٣ صدر ح ١.

(٥) من البحار.

(٦) " أنبياء " ب، ط.

(*)

٣٦٨

بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي، يقتلون أفاضل ذريتي وأطائب أرومتي، ويبدلون شريعتي وسنتي، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى.

ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم، يحرفهم(١) [بسيوف أوليائه] إلى نار جهنم.

ثواب الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم.

ألا وصلى الله على الباكين على الحسين بن عليعليهما‌السلام رحمة وشفقة، واللاعنبن لاعدائهم والمتلئين عليهم غيظا وحنقا ألا وإن الراضين بقتل الحسينعليه‌السلام شركاء قتلته.

ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

[ألا] إن الله ليأمر الملائكة المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسينعليه‌السلام إلى الخزان في الجنان، فيمزجونها بماء الحيوان، فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها.

وإن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين(٢) لقتل الحسينعليه‌السلام ويلقونها

____________________

(١) " يحرقهم " أ، ص، والبحار: ٤٤." يجرفهم " ب، والبرهان.

يحرفهم: يميلهم، ويجعلهم على حرف(أى جانب).

والجرف: أخذك الشئ عن وجه الارض بالمجرفة.

(٢) كما هو معروف فان البكاء والضحك ان هو الا سلسلة عمليات زفيرية يعقبها شهيق طويل تحت تأثير انفعالات نفسية معينة، ولكل من البكاء والضحك تأثير على الغدد الخاصةبافراز الدمع، فأصبح علامة للفرح والحزن حتى أن العرب زعمت أن دمع الباكلى من شدة السرور باردة، ودمع الباكى من الحزن حارة(مجمع البحرين: ٣ / ٤٥(٥).

والعلم أثبت أن الملوحة تكون أكثر تركيزا في دموع البكاء منها في دموع الضحك.

أقول: فليس ان هملت العين في الفرح والحزن عجبا، لكن العجب لمن أنكر ذلك.

٣٦٩

في الهاوية، ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها، فتزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها، يشدد بها على المنقولين(١) إليها من أعداء آل محمد عذابهم(٢) .

٢٥٩ - فقام ثوبان مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله متى قيام الساعة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ماذا أعددت لها إذ تسأل عنها؟ فقال ثوبان: يا رسول الله ما أعددت لها كثير عمل إلا أني أحب الله ورسوله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وإلى ماذا بلغ حبك لرسول الله؟ قال: والذي بعثك بالحق نبيا إن في قلبي من محبتك مالو قطعت بالسيوف، ونشرت بالمناشير، وقرضت بالمقاريض، واحرقت بالنيران، وطحنت بأرحاء(٣) الحجارة كان أحب إلي وأسهل علي من أن أجد لك في قلبي غشا أو دغلا(٤) أو بغضا أو لاحد من أهل بيتك وأصحابك(٥) .

وأحب الخلق إلي بعدك أحبهم لك، وأبغضهم إلي من لا يحبك [ويبغضك ويبغض أحدا ممن تحبه(٦) .

يا رسول الله هذا ما عندي من حبك وحب من يحبك] وبغض من يبغضك أو يبغض أحدا ممن تحبه، فان قبل هذا مني فقد سعدت، وإن أريد مني عمل غيره، فما أعلم لي عملا أعتمده وأعتد به غير هذا، وأحبكم جميعا

____________________

(١) " المقبولين " أ، س، ص." المقتولين " ب، ط.وما في المتن من البحار.

(٢) عنه البحار: ٨ / ٣١١ ح ٧٩(قطعة)، وج ٤٤ / ٣٠٤ ح ١٧، والبرهان: ١ / ١٢٣ ذ ح ١.

(٣) الرحا: التى يطحن بها.

(٤) " دخلا " أ.الدخل - بالخاء الساكنة - الريبة.أدغل الشئ: أدخل فيه ما يخالفه ويفسده.

(٥) " أصحابك ومن أهل بيتك ومن غيرهم " الاصل.وما في المتن من البحار.

(٦) " من أصحابك " س، ص، ق، د، والبحار.

(*)

٣٧٠

أنت وأصحابك، وإن كنت لا اطيقهم في أعمالهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبشر فان المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب.

يا ثوبان لو أن عليك من الذنوب مل‌ء ما بين الثرى إلى العرش لا نحسرت وزالت عنك يهذا الموالاة أسرع من انحدار الظل(١) عن الصخرة الملساء المستوية إذا طلعت عليها(٢) الشمس، ومن انحسار الشمس(٣) إذا غابت عنها الشمس(٤) .

قوله عزوجل: " ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاء‌كم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون " ٨٧

٢٦٠ - قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل - وهو يخاطب هؤلاء اليهود الذين أظهر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله المعجزات لهم عند تلك الجبال ويوبخهم -:(ولقد آتينا موسى الكتاب) التوراة المشتمل على أحكامنا، وعلى ذكر فضل محمد وعلي وآلهما الطيبين، وإمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام وخلفائه بعده، وشرف أحوال المسلمين له، وسوء أحوال المخالفين عليه.(وقفينا من بعده بالرسل) جعلنا رسولا في أثر رسول.

(وآتينا) أعطينا(عيسى ابن مريم البينات) الايات الواضحات [مثل]: إحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، والانباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم(وأيدناه بروح القدس) وهو جبرئيلعليه‌السلام ، وذلك حين رفعه من روزنة بيته

____________________

(١) " انحسار " س، ط، ق، د وهذا التشبيه الرائع يفسر ظاهرة فيزيائية تناولتها قوانين الضوء وسرعته بالتفصيل ومنها عكس الاجسام الصقيلة الضوء أسرع من غيرها، علما أن سرعة الضوء هى(٣٠٠٠٠٠) كم / ثانية.

(٢) " عليه " البحار.

(٣) أى ذهب شعاعها.

(٤) عنه البحار: ٢٧ / ١٠٠ ح ٦١.

(*)

٣٧١

إلى السماء، وألقى شبهه على من رام(١) قتله(٢) فقتل بدلا منه، وقيل: هو المسيح(٣) .

____________________

(١) " انظر إلى شبه عيسى وقتيله الذى رام أن يقتل دونه " " رام " اما من " روم، يروم الشئ " طلبه.

واما من " رأم، يرأم " اذا أحب شيئا وألفه فقد رئمه. ورام شيئا: أراد شيئا، عطف عليه، كما ترأم الام ولدها، والناقة حوارها فتشمه وتترشفه. واما من " ريم، يريم " اذا برح وزال من مكانه. أقول: محصل ما يستفاد من الروايات في الاية: شبه لهم " النساء: ١٥٧ أن عيسى وحواريه اجتمعوا في بيت، فاحاط بهم بعيث يهودا رأس اليهود ليقتلوا عيسىعليه‌السلام فاستنصرهم وطلب منهم فداء، وقالعليه‌السلام : أيكم يشرى نفسه يلقى عليه شبحى فيقتل ويصلب، بثمن الجنة، ويكون معى في درجتى؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله - أى أنا أشرى نفسى فداء‌ا لك، ليلقى على شبحك واقتل واصلب-. فقالعليه‌السلام : فانت هوذا - أى المجزى بالعهد -.فرام، وبرح من مكانه، كما ترأم الام ولدها فتشمه وتترشفه، وخرج اليهم.فالقى عليه شبح عيسى، فشبه لهم، فأخذوه، وقتلوه، وصلبوه.

فقتل بدلا منه، وقيل: " هو المسيح " روى القمى في تفسيره: ٩٣ عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: " ان عيسى وعد أصحابه ليلة رفعه الله اليه فاجتمعوا اليه عند المساء، وهم اثنا عشر رجلا، فأدخلهم بيتا، ثم خرج اليهم من عين في زاوية البيت، وهو ينفض رأسه من الماء فقال: ان الله أوحى إلى أنه رافعى اليه الساعة، ومطهرى من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبحى فيقتل ويصلب، ويكون معى في درجتى؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هو ذا.. " وفى تفسير الطبرى: ٦ / ١٢ عن وهب بن منبه: " فقال عيسىعليه‌السلام لاصحابه: من يشرى نفسه منكم اليوم بالجنة؟ فقال رجل منهم اسمه " سرجس ": أنا. فخرج اليهم فقال: أنا عيسى، فأخذوه، وقتلوه، وصلبوه ". راجع حديث ابن عباس في الدر المنثور: ٢ / ٢٣٨ وتفسير الطبرى، والبحار: ١٤ / ٣٣٥ - ٣٤٥ باب رفع عيسىعليه‌السلام إلى السماء و..

(٢) قال تعالى: " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد " البقرة: ٢٠٧ أقول: انظر روايات الفريقين في أنها نزلت في علىعليه‌السلام - وهو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آية المباهلة - شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، آثر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحياة على نفسه ليلة ذهابه إلى الغار، ولبس ثوب رسول الله وبات على فراشه، وكان المشركون قد أحاطوا بداره أرادوا قتله، ورموه بالحجارة، وهم يتوهمون أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) عنه البحار: ٩ / ٣٢٠ ح ١٣، وج: ١٤ / ٣٣٨ ح ١٠(قطعة)، وج ٧٠ / ١٧٠ ح ١٩، والبرهان: ١ / ١٢٤ ح ١.

٣٧٢

ذكر المقايسة بين آيات عيسىعليه‌السلام ومعجزات نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال الامامعليه‌السلام : ما أظهر الله عزوجل لنبى تقدم آيه إلا وقد جعل لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام مثلها وأعظم منها.

قيل: يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأي شئ جعل لمحمد وعليعليهما‌السلام ما يعدل آيات عيسى: من إحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، والانباء بما يأكلون وما يدخرون؟ قالعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمشي بمكة وأخوه عليعليه‌السلام يمشي معه وعمه أبولهب خلفه - يرمي عقبه بالاحجار وقد أدماه - ينادي معاشر قريش: هذا ساحر كذاب فافقدوه(١) واهجروه(٢) واجتنبوه.

وحرش عليه أوباش(٣) قريش، فتبعوهما ويرمونهما(بالاحجار فما منها)(٤) حجر أصابه إلا وأصاب علياعليه‌السلام .

فقال بعضهم: يا علي ألست المتعصب لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمقاتل عنه، والشجاع الذي لا نظير لك مع حداثة سنك، وأنك لم تشاهد الحروب، ما بالك لا تنصر محمدا

____________________

(١) يريد فاقتلوه.

قال ابن منظور في لسان العرب: ٣ / ٣٣٧: وفى حديث الحسن " اغيلمة حيارى تفاقدوا " يدعو عليهم بالموت، وأن يفقد بعضهم بعضا.

وفى البحار: فاقذفوه.

(٢) " واحجروه " أ، الحجر: المنع مطلقا.

(٣) الاوباش: سفلة الناس وأخلاطهم.

(٤) " بهامتهما وما " أ.

(*)

٣٧٣

ولا تدفع عنه؟ فناداهم علىعليه‌السلام " معاشر أوباش قريش لا أطيع محمدا بمعصيتي له، لو أمرني لرأيتم العجب".

وما زالوا يتبعونه حتى خرج من مكة فأقبلت الاحجار على حالها تتدحرج، فقالوا: الان تشدخ(١) هذه الاحجار محمدا وعليا ونتخلص منهما.

وتنحت قريش عنه خوفا على أنفسهم من تلك الاحجار، فرأوا تلك الاحجار قد أقبلت على محمد وعليعليهما‌السلام ، كل حجر منها ينادي: السلام عليك يا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف.

السلام عليك يا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف.

السلام عليك يا رسول رب العالمين.وخير الخلق أجمعين.

السلام عليك يا سيد الوصيين ويا خليفة رسول رب العالمين.

وسمعها جماعات قريش فوجموا(٢) فقال عشرة من مردتهم وعناتهم: ما هذه الاحجار تكلمهما، ولكنهم رجال في حفرة بحضرة الاحجار، قد خبأهم محمد تحت الارض فهي تكلمهما لغيرنا ويختدعنا.

فأقبلت عند ذلك أحجار عشرة من تلك الصخور، وتحلقت وارتفعت فوق العشرة المتكلمين بهذا الكلام، فما زالت تقع بهاماتهم وترتفع وترضضها حتى ما بقي من العشرة أحد إلا سال دماغه ودماؤه من منخريه، وتخلخل رأسه وهامته ويافوخه(٣) فجاء أهلوهم وعشائرهم يبكون ويضجون، يقولون: أشد من مصابنا بهؤلاء تبجح محمد وتبذخه(٤) بأنهم قتلوا بهذه الاحجار [فصار ذلك] آية له ودلالة ومعجزة.

____________________

(١) الشدخ: الكسر.

(٢) وجم: سكت عجز عن التكلم من شدة الغيظ أو الخوف.

(٣) اليافوخ: ملتقى عظم مقدم الرأس ومؤخره.

(٤) التبجح: اظهار الفرح.

والتبذح: اظهار التكبر والعلو.

(*)

٣٧٤

فأنطق الله عزوجل جنائزهم [فقالت](١) : صدق محمد وما كذب، وكذبتم وما صدقتم.

واضطربت الجنائز، ورمت من عليها، وسقطوا على الارض ونادت: ما كنا لننقاد ليحمل علينا أعداء الله إلى عذاب الله.

فقال أبوجهل(لعنه الله): إنما سحر محمد هذه الجنائز كما سحر تلك الاحجار والجلاميد والصخور، حتى وجد منها من النطق ما وجد، فان كانت - قتل هذه الاحجار هؤلاء - لمحمد آية له وتصديقا لقوله، وتثبيتا لامره، فقالوا له: يسأل من خلقهم أن يحييهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن قد سمعت اقتراح الجاهلين، وهؤلاء عشرة قتلى، كم جرحت بهذه الاحجار التي رمانا بها القوم يا علي؟ قال علىعليه‌السلام : جرحت(أربع جراحات)(٢) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قد جرحت أنا ست جراحات، فليسأل كل واحد منا ربه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته.

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لستة منهم فنشروا، ودعا عليعليه‌السلام لاربعة منهم فنشروا.

ثم نادى المحيون: معاشر المسلمين إن لمحمد وعلي شأنا عظيما في الممالك التي كنا فيها، لقد رأينا لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مثالا على سرير عند البيت المعمور، وعند العرش، ولعليعليه‌السلام مثالا عند البيت المعمور وعند الكرسي وأملاك السماوات والحجب وأملاك العرش يحفون بهما ويعظمونهما ويصلون عليهما، ويصدرون عن أوامرهما، ويقسمون بهما على الله عزوجل لحوائجهم إذا سألوه بهما.

فآمن منهم سبعة نفر، وغلب الشقاء على الآخرين(٣) .

____________________

(١) استظهرها في " س ".

(٢) " ثلاث جراحات في كعبى، قال: يا على جرحت أربعة جراحات " بعض النسخ.وما في المتن هو الصحيح، بقرينة أنها عشرة أحجار.

(٣) عنه البحار: ١٧ / ٢٥٩ صدر ح ٥، ومدينة المعاجز: ٤٦ ح ٨٨، واثبات الهداة ٢ / ١٥٩ ح ٦٠٦ مجملا.

(*)

٣٧٥

اشارة إلى حديث العباء‌ة

٢٦١ - وأما تأييد الله عزوجل لعيسىعليه‌السلام بروح القدس، فان جبرئيل هو الذي لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهو قد اشتمل بعباء‌ته القطوانية(١) على نفسه وعلى علي وفاطمة والحسين والحسنعليهم‌السلام وقال: " اللهم هؤلاء أهلي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، محب لمن أحبهم، ومبغض لمن أبغضهم، فكن لمن حاربهم حربا، ولمن سالمهم سلما، ولمن أحبهم محبا، ولمن أبغضهم مبغضا ".

فقال الله عزوجل: " قد أجبتك إلى ذلك يا محمد ".

فرفعت ام سلمة جانب العباء‌ة لتدخل، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير.

وجاء جبرئيلعليه‌السلام متدبرا(٢) وقال: يا رسول الله اجعلني منكم ! قال: أنت منا.

قال: أفأرفع العباء‌ة وأدخل معكم؟ قال: بلى.

فدخل في العباء‌ة، ثم خرج وصعد إلى السماء إلى الملكوت الاعلى، وقد تضاعف حسنه وبهاؤه.

وقالت الملائكة: قد رجعت بجمال خلاف ما ذهبت به من عندنا ! قال: وكيف لا أكون كذلك وقد شرفت بأن جعلت من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته؟ ! قالت الاملاك في ملكوت السماوات والحجب والكرسي والعرش: حق لك هذا الشرف أن تكون كما قلت.

وكان عليعليه‌السلام معه جبرئيل عن يمينه في الحروب، وميكائيل عن يساره وإسرافيل خلفه، وملك الموت(٣) أمامه(٤) .

____________________

(١) أى البيضاء القصيرة المخمل، وقطوان موضع بالكوفة، منه الاكسية.

(٢) " مدثرا " أغلب النسخ والبحار.تدبر الامر: نظر في عواقبه وتفكر فيه.

(٣) " عزرائيل " ط.

(٤) عنه البحار: ١٧ / ٢٦١ ضمن ح ٥، ج ٢٦ / ٣٤٣ ح ١٥.

(*)

٣٧٦

٢٦٢ - وأما ابراء الاكمه والابرص، والانباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان بمكة قالوا: يا محمد إن ربنا هبل، الذى يشفي مرضانا، وينقذ هلكانا، ويعالج جرحانا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " كذبتم، ما يفعل هبل من ذلك شيئا، بل الله تعالى يفعل بكم ما يشاء من ذلك.

قالعليه‌السلام : فكبر هذا على مردتهم، فقالوا: يا محمد ما أخوفنا عليك من هبل أن يضربك باللقوة(١) والفالج والجذام والعمى، وضروب العاهات لدعائك إلى خلافه.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لن يقدر على شئ مما ذكرتموه إلا الله عزوجل.

قالوا: يا محمد فان كان لك رب تعبده لا رب سواه، فاسأله أن يضربنا بهذه الآفات التي ذكرناها لك حتى نسأل نحن هبل أن يبرأنا منها، لتعلم أن هبل هو شريك ربك الذي إليه تومي وتشير.

فجاء‌ه جبرئيلعليه‌السلام فقال: ادع أنت على بعضهم، وليدع علي على بعض.

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عشرين منهم، ودعا عليصلى‌الله‌عليه‌وآله على عشرة.

فلم يريموا(٢) مواضعهم حتى برصوا وجذموا وفلجوا ولقوا وعموا، وانفصلت عنهم الايدي والارجل، ولم يبق في شئ من أبدانهم عضو صحيح إلا ألسنتهم وآذانهم، فلما أصابهم ذلك صيربهم إلى هبل ودعوه ليشفيهم، وقالوا: دعا على هولاء محمد وعلي، ففعل بهم ما ترى فاشفهم.

فناداهم هبل: يا أعداء الله وأي قدرة لي على شئ من الاشياء؟ والذى بعثه إلى الخلق أجمعين، وجعله أفضل النبيين والمرسلين، لو دعا علي لتهافتت أعضائي وتفاصلت أجزائي، واحتملتني الرياح وتذروا إياي حتى لا يرى لشئ مني عين ولا أثر، يفعل الله ذلك بي حتى يكون أكبر جزء مني دون عشر عشير خردلة.

____________________

(١) داء يصيب الوجه، يعوج منه الشدق إلى احد جانبى العنق.

(٢) " يبرحوا " أ، وكلاهما بمعنى واحد.

(*)

٣٧٧

فلما سمعوا ذلك من هبل ضجوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا: قد انقطع الرجاء عمن سواك، فأغثنا وادع الله لاصحابنا، فانهم لايعودون إلى أذاك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : شفاؤهم يأتيهم من حيث أتاهم داؤهم، عشرون علي وعشرة على علي.

فجاء‌وا بعشرين، فأقاموهم بين يديه، وبعشرة أقاموهم بين يدي عليعليه‌السلام .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للعشرين: غضوا أعينكم، وقولوا: اللهم بجاه من بجاهه ابتليتنا، فعافنا بمحمد وعلي والطيبين من آلهما.

وكذلك قال عليعليه‌السلام للعشرة الذين بين يديه.

فقالوها، فقاموا فكأنما انشطوا من عقال، ما بأحد منهم نكبة(١) وهو أصح مما كان قبل أن اصيب بما اصيب.

فآمن الثلاثون وبضع أهليهم، وغلب الشقاء على [أكثر] الباقين(٢) .

٢٦٣ - وأما الانباء بما كانوا يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - لما برؤا - قال لهم: آمنوا.

فقالوا: آمنا.

فقال: ألا أزيدكم بصيرة؟ قالوا: بلى.

قال: أخبركم بما تغذى به هؤلاء وتداووا؟ [فقالوا: قل يا رسول الله.

فقال:] تغذى فلان بكذا، وتداوى فلان بكذا، وبقي عنده كذا حتى ذكرهم أجمعين، ثم قال: ياملائكة ربي احضروني بقايا غذائهم ودوائهم على أطباقهم وسفرهم.

فأحضرت الملائكة ذلك، وأنزلت من السماء بقايا طعام اولئك ودوائهم.

فقالوا: هذه البقايا من المأكول كذا، والمداوى به كذا.

ثم قال: يا أيها الطعام أخبرنا، كم اكل منك؟ فقال الطعام: اكل مني كذا، وترك مني كذا، وهو ما ترون.

____________________

(١) " نكتة " ب، ط.والنكتة: الاثر.

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٢٦٢ ضمن ح ٥، ومدينه المعاجز: ٤٧ ضمن ح ٨٨، واثبات الهداة: ٢ / ١٥٨ ضمن ح ٦٠٦(قطعة).

(*)

٣٧٨

وقال بعض ذلك الطعام: أكل صاحبي [هذا] مني كذا وبقي مني كذا،(وجاء به)(١) الخادم فأكل مني كذا، وأنا الباقي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فمن أنا؟ فقال الطعام والدواء: أنت رسول الله صلى الله عليك وآلك.

قال: فمن هذا؟ - يشير إلى عليعليه‌السلام - فقال الطعام والدواء: هذا أخوك سيد الاولين والآخرين، ووزيرك أفضل الوزراء، وخليفتك سيد الخلفاء(٢) .

٢٦٤ - ثم وجه الله العذل(٣) نحو اليهود - المذكورين - في قوله تعالى:(ثم قست قلوبكم)(٤) (أفكلما جاء‌كم رسول بما لا تهوى أنفسكم) فأخذ عهودكم ومواثيقكم بما لا تحبون من بذل الطاعة لاولياء الله الافضلين وعباده المنتجبين محمد وآله الطاهرين لما قالوا لكم كما أداه إليكم أسلافكم الذين قيل لهم: إن ولاية محمد [وآل محمد] هي الغرض الاقصى والمراد الافضل، ما خلق الله أحدا من خلقه ولا بعث أحدا من رسله إلا ليدعوهم إلى ولاية محمد وعلي وخلفائهعليهم‌السلام ويأخذ به عليهم العهد ليقيموا عليه وليعمل به سائر عوام الامم.

فلهذا(استكبرتم) كما استكبر أوائلكم حتى قتلوا زكريا ويحيى، واستكبرتم أنتم حتى رمتم قتل محمد وعليعليهما‌السلام فخيب الله تعالى سعيكم ورد في نحوركم كيدكم وأما قوله عزوجل:(تقتلون) فمعناه قتلتم، كما تقول من توبخه ويلك كم(٥) تكذب وكم تمخرق(٦) ؟ ولا تريد ما [لم] يفعله بعد، وإنما تريد: كم(٧) فعلت، وأنت عليه موطن(٨) .

____________________

(١) " وخانه " أ، س.

(٢) التخريجة السابقة.

(٣) أى الملامة.

(٤) زاد في الاصل " الاية والقصة " والظاهر أنها من اضافات النساخ.وقد تقدمت الاية والقصة ص ٢٨٣ ح ١٤١ الاية: ٧٤، فراجع.

(٥) " لم " س، ص وكذا ما يأتى.

(٦) المخرقة: الكذب والاختلاق.

(٧) " لم " ق، د.

(٨) عنه البحار: ٢٦ / ٢٩٠ ح ٤٩، وج ٧٣ / ١٨٣، والبرهان: ١ / ١٢٤ ح ١.

(*)

٣٧٩

واقعة ليلة العقبة

٢٦٥ - قال الامامعليه‌السلام : ولقد رامت الفجره الكفرة ليلة العقبة قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [على العقبة] ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالبعليه‌السلام فما قدروا على مغالبة ربهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام لما فخم من أمره، وعظم من شأنه.

من ذلك: أنه لما خرج من المدينة - وقد كان خلفه عليها(١) قال له(٢) : إن جبرئيل أتاني وقال لي: يا محمد إن العلي الاعلى يقرئك(٣) السلام ويقول لك: يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم علي، أو يخرج علي وتقيم أنت، لابد من ذلك، فان عليا قد ندبته لاحدى اثنتين، لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما، وعظيم ثوابه غيري.

فلما خلفه، أكثر المنافقون [الطعن] فيه، فقالوا(٤) : مله وسئمه، وكره صحبته فتبعه عليعليه‌السلام حتى لحقه - وقد وجد(٥) مما قالوا فيه –

حديث المنزلة

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أشخصك عن مركزك؟ قال: بلغني عن الناس كذا وكذا.

فقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "(٦) .

____________________

(١) " عليا " أ.

(٢) " وقال " أ، الاحتجاج، البحار، البرهان، ومدينة المعاجز.

(٣) " يقرأ عليك " أ، ص.

(٤) " قال أكثر المنافقين " أ.وفى البحار " الاقوال " بدل " الطعن ".

(٥) أى حزن.وزاد عليها في الاحتجاج: غما شديدا.

(٦) حديث المنزلة هذا، هو من الاحاديث المتواترة، روته الخاصة والعامة باسانيد متعددة، وقد قمنا باستقصائه عند تحقيقنا لكتاب " مائة منقبة " المنقبة ٥٧ فراجع.

(*)

٣٨٠