تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 201769
تحميل: 37636

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201769 / تحميل: 37636
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

الله تعالى عما أصابهم(١) .

ثم عفا عن مضر وقال: " اللهم افرج عنهم " فعاد إليهم الخصب والدعة والرفاهية.

فذلك قوله عزوجل فيهم يعدد(عليهم نعمه(٢) ):(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(٣) .

٢٨٨ - وقال أمير المؤمنين(٤) عليه‌السلام : وأما الطمس لاموال قوم فرعون فقد كان مثله آية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام ، وذلك أن شيخا كبيرا جاء بابنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والشيخ يبكي ويقول: يا رسول الله ابني هذا غذوته صغيرا، وصنته(٥) طفلا عزيزا، وأعنته(٦) بمالي كثيرا حتى [إذا] اشتد أزره، وقوي ظهره، وكثر ماله، وفنيت قوتي، وذهب مالي عليه وصرت من الضعف إلى ماترى قعد(٧) بي، فلا يواسيني بالقوت الممسك لرمقي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للشاب: ماذا تقول: قال يا رسول الله لا فضل معي عن قوتي وقوت عيالي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للوالد: ماذا تقول؟ قال: يا رسول الله إن له أنابير(٨) حنطة وشعير وتمر وزبيب، و [بدر](٩) الدراهم والدنانير وهو غني.

____________________

(١) " أصابها " ق، د.

(٢) " نعمهم " ب، ص.

(٣) عنه البحار: ١٧ / ٢٧١ ضمن ح ٦ والبرهان: ٢ / ٣٢ ضمن ح ٤، واثبات الهداة: ٢ / ١٦١ ضمن ح ٦٠٧ باختصار، وأورد مثله ابن شهر اشوب في مناقب آل أبى طالب: ١ / ١٠٦ مرسلا عن الضحاك، عنه البرهان: ٤ / ١٦٠ ح ١.والاية الاخيرة من سورة قريش: ٤.

(٤) " قال الامام " البحار.وزاد قبلها في البرهان: قال الامامعليه‌السلام .

(٥) " مننته " أ، ق. " ضمنته " س، ص. " منته " البحار. المنة: الاحسان. وصانه: حفظه. وضمن الشئ: كفله، ومانه، يمونه: احتمل مؤونته.

(٦) " أغنيته " أ.

(٧) يقال: تقاعد به فلان: اذا لم يخرج اليه من حقه. " فعدل " ب، س، ص، ط، د.

(٨) جمع أنبار: وهو بيت التاجر الذي تنضد فيه الغلال والمتاع.

(٩) بفتح الدال، جمع بدرة، والبدرة من المال: كمية عظيمة منه، عشرة آلاف درهم.

٤٢١

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للابن: ما تقول؟ قال الابن: يا رسول الله مالي شئ مما قال.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إتق الله يافتى، وأحسن إلى والدك المحسن إليك يحسن الله إليك، قال: لا شئ لي.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فنحن نعطيه عنك في هذا الشهر، فأعطه أنت فيما بعده وقال لاسامة: أعط الشيخ مائة درهم نفقة شهر لنفسه وعياله.

ففعل.

فلما كان رأس الشهر جاء الشيخ والغلام، فقال الغلام: لا شئ لي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لك مال كثير، ولكنك تمسي اليوم وأنت فقير وقير؟؟؟، أفقر من أبيك هذا، لا شئ لك.

فانصرف الشاب، فاذا جيران أنابيره قد اجتمعوا عليه يقولون: حول هذه الانابير عنا.

فجاء إلى أنابيره، فاذا الحنطة والشعير والتمر والزبيب قد نتن جميعه، وفسد وهلك، وأخذوه بتحويل ذلك عن جوارهم، فاكترى اجراء بأموال كثيرة فحولوها وأخرجوها بعيدا عن المدينة.

ثم ذهب ليخرج إليهم الكراء من أكياسه التي فيها دراهمه ودنانيره فاذا هي [قد] طمست ومسخت حجارة، وأخذه الحمالون بالاجرة، فباع ماكان له من كسوة وفرش ودار وأعطاها في الكراء، وخرج من ذلك كله صفرا، ثم بقي فقيرا وقيرا(١) لا يهتدي إلى قوت يومه، فسقم لذلك جسده وضني(٢) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها العاقون للاباء والامهات اعتبروا، واعلموا أنه كما طمس في الدنيا على أمواله فكذلك جعل بدل ما كان اعد له في الجنة من الدرجات معدا له في النار من الدركات(٣) .

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تعالى ذم اليهود بعبادة العجل من دون الله بعد

____________________

(١) " وقترا " ق.

والوقير: الذليل المهان.

(٢) أى مرض فتمكن منه الضعف والهزال.

(٣) جمع دركة، وهى الدرجة اذا اعتبرت النزول: ويقابلها الدرجة للصاعد.

٤٢٢

رؤيتهم لتلك الآيات، فاياكم وأن تضاهوهم(١) في ذلك.

وقالوا: وكيف نضاهيهم يا رسول الله؟ قال: بأن تطيعوا مخلوقا في معصية الله وتتوكلوا عليه من دون الله، فتكونوا قد ضاهيتموهم(٢) .

٢٨٩ - قال الامامعليه‌السلام : وأما نظيره لعلي بن أبي طالب فان رجلا من محبيه كتب إليه من الشام: يا أمير المؤمنين أنا بعيالي مثقل(٣) وعليهم إن خرجت خائف وبأموالي التي - اخلفها إن خرجت - ضنين(٤) ، واحب اللحاق بك، والكون في جملتك، والحفوف(٥) في خدمتك، فجد لي يا أمير المؤمنين.

فبعث إليه عليعليه‌السلام : إجمع أهلك وعيالك وحصل عندهم مالك، وصل على ذلك كله على محمد وآله الطيبين، ثم قل: " اللهم هذه كلها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليك علي بن أبي طالب " ثم قم وانهض إلي.

ففعل الرجل ذلك، واخبر معاوية بهربه إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فأمر معاوية أن يسبى عياله ويسترقوا، وأن ينهب ماله.

فذهبوا، فألقى الله تعالى عليهم شبه عيال معاوية، وشبه أخص حاشية ليزيد(٦) ابن معاوية يقولون: نحن أخذنا هذا المال وهو لنا، وأما عياله فقد استرققناهم وبعثناهم إلى السوق.

فكفوا لما رأوا ذلك.

____________________

(١) المضاهاة: المشابهة. وقد تهمز.

(٢) عنه البحار: ١٧ / ٢٧١ ذ ح ٦، والبرهان: ٢ / ١٩٤ ح ١، واثبات الهداه: ٢ / ١٦١ ح ٦٠٨ باختصار.

(٣) " مشتغل " ب، ط.

(٤) " ظنين، وأخر " البحار. ضنين: بخيل. ظنين: متهم، أو قليل الحيلة.

(٥) حفه بكذا: أحاطه به." الحقوق " البحار.

قال المجلسى - رحمة الله عليه -: هو التحرك والاضطراب، " الحفوق " ق، د، وفى بعض النسخ بالفاء‌ين.

(٦) " وحاشيته أخص حاشية كيزيد " أ.

ولا يخفى عل ذى الاربة أن لابناء الملوك من الحاشية والخواص ما يقارب حاشية الملك نفسه، ودون أن يكون لسنى العمر اعتبار في ذلك فاحفظ.

٤٢٣

وعرف الله عياله أنه قد ألقى عليهم شبه عيال معاوية وعيال خاصة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن يسرقها اللصوص، فمسخ الله المال عقارب وحيات، كلما قصد اللصوص ليأخذوا منه لدغوا ولسعوا، فمات منهم قوم، وضني آخرون، ودفع الله عن ماله بذلك إلى أن قال عليعليه‌السلام يوما للرجل: أتحب أن يأتيك عيالك ومالك؟ قال: بلى.

قال علىعليه‌السلام : اللهم ائت بهم.

فاذا هم بحضرة الرجل لا يفقد من جميع عياله وماله شيئا.

فأخبروه بما ألقى الله تعالى من شبه عيال معاوية وخاصته وحاشية يزيد عليهم وبما مسخه من أموله عقارب وحيات تلسع اللص الذي يريد أخذ شئ منه.

قال على على السلام: إن الله ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته، ولبعض الكافرين ليبالغ في الاعذار إليه(١) .

٢٩٠ - قوله عزوجل: " واذا اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين ": ٩٣ قال الامامعليه‌السلام : قال الله عزوجل: واذكروا إذ فعلنا ذلك بأسلافكم لما أبوا قبول ماجاء‌هم به موسىعليه‌السلام : من دين الله وأحكامه، ومن الامر بتفضيل محمد وعلي صلوات الله عليهما وخلفائهما على سائر الخلق(خذوا ما آتيناكم) قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم من هذه الفرائض(بقوة) قد جعلناها لكم، مكناكم بها، وأزحنا عللكم(٢) في تركيبها فيكم

____________________

(١) عنه البحار: ٤٢ / ٣٩ ح ١٣، والبرهان: ٢ / ١٩٤ ح ٢، ومدينة المعاجز: ٧١ ح ١٨٠.

(٢) " أرحنا عليكم " أ.

٤٢٤

(واسمعوا) مايقال لكم و [ما] تؤمرون به.

(قالوا سمعنا) قولك(وعصينا) أمرك، أي إنهم عصوا بعد، وأضمروا في الحال أيضا العصيان(واشربوا في قلوبهم العجل) امروا بشرب العجل الذي كان قد ذرأت سحالته(١) في الماء الذي اامروا بشربه ليتبين من عبده ممن لم يعبده(بكفرهم) لاجل كفرهم امروا بذلك.

(قل) يا محمد:(بئسما يأمركم به إيمانكم) بموسى كفركم بمحمد وعلي وأولياء الله من أهلهما(٢) (إن كنتم مؤمنين) بتوراة موسى، ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بالتوراة الكفر بمحمد وعليعليهما‌السلام (٣) .

٢٩١ - قال الامامعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تعالى ذكر بني إسرائيل في عصر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أحوال آبائهم الذين كانوا في أيام موسىعليه‌السلام كيف أخذ عليهم العهد والميثاق لمحمد وعلي وآلهما الطيبين المنتجبين للخلافة على الخلائق ولاصحابهما وشيعتهما وسائر امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:(وإذ أخذنا ميثاقكم) اذكروا إذ أخذنا ميثاق آبائكم(ورفعنا فوقكم الطور) الجبل لما أبوا قبول ما اريد منهم والاعتراف به(خذوا ما آتيناكم) أعطيناكم(بقوة) [يعني] بالقوة التي أعطيناكم تصلح [لكم] لذلك(واسمعوا) أي أطيعوا فيه.

(قالوا سمعنا) بآذاننا(وعصينا) بقلوبنا.

فأما في الظاهر فأعطوا كلهم الطاعة(٤) داخرين صاغرين، ثم قال:(واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه من ذلك إلى قلوبهم.

____________________

(١) السحالة: برادة الذهب أو الفضة.وتقدمت قصته بالتفصيل ص ٢٥٤، فراجع.

(٢) " آلهما " البرهان.

(٣) عنه البحار: ١٣ / ٢٣٨ صدر ح ٤٨، والبرهان: ١ / ١٣٠ صدر ح ١.

(٤) " الجزية " أ، ط، والبرهان.وهو تصحيف على ما يفصله في آخر صفحة ٤٢٧.

٤٢٥

وقال: إن بني إسرائيل لما رجع إليهم موسى - وقد عبدوا العجل - تلقوه بالرجوع عن ذلك، فقال لهم موسى: من الذي عبده منكم حتى انفذ فيه حكم الله؟ خافوا من حكم الله الذي ينفذه فيهم، فجحدوا أن يكونوا عبدوه، وجعل كل واحد منهم يقول: أنا لم أعبده وإنما عبده غيري ووشى(١) بعضهم ببعض.

- فكذلك(٢) ماحكى الله عزوجل عن موسى من قوله للسامري:(وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا)(٣) - فأمره الله، فبرده بالمبارد، وأخذ سحالته فذرأها في البحر العذب، ثم قال لهم: اشربوا منه.

فشربوا، فكل من كان عبده اسودت شفتاه وأنفه(ممن كان أبيض اللون ومن كان منهم أسود اللون)(٤) ابيضت شفتاه وأنفه، فعند ذلك أنفذ فيهم حكم الله.

ثم قال الله تعالى للموجودين من بني إسرائيل في عصر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على لسانه:(قل) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك بعد سماعهم ما اخذ على أوائلهم(٥) لك ولاخيك علي ولآلكما ولشيعتكما:(بئسما يأمركم به إيمانكم) أن تكفروا [بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ] وتستخفوا بحق علي وآله وشيعته(إن كنتم مؤمنين) كما تزعمون بموسىعليه‌السلام والتوراة.

قالعليه‌السلام : وذلك أن موسىعليه‌السلام [كان] وعد بني إسرائيل أنه يأتيهم من عند الله بكتاب يشتمل على أوامره ونواهيه وحدوده وفرائضه بعد أن ينجيهم الله تعالى من فرعون وقومه، فلما نجاهم الله وصاروا بقرب الشام، جاء‌هم بالكتاب من عند الله كما وعدهم وكان فيه: " إني لا أتقبل عملا ممن لم(٦) يعظم محمدا وعليا وآلهما الطيبين ولم يكرم أصحابهما وشيعتهما ومحبيهما؟؟؟ حق تكريمهم، يا عبادى ألا فاشهدوا بأن محمدا خير

____________________

(١) أى نم عليه وسعى به.

(٢) " فلذلك " أ، البحار.

(٣) طه: ٩٧.

(٤) " فمن كان لم يعبده " أ.

(٥) المكذبين " أ.

(٦) " لا " ص، والبحار.

٤٢٦

خليقتي، وأفضل بريتي، وأن عليا أخوه وصفيه(١) ووراث علمه، خليفته في امته وخير من يخلفه بعده، وأن آل محمد أفضل آل النبيين، وأصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل أصحاب(٢) المرسلين، وامة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خير الامم أجمعين ".

فقال بنو اسرائيل: لا نقبل هذا يا موسى، هذا عظيم، ثقيل(٣) علينا، بل نقبل من هذه الشرائع ما يخف علينا، وإذا قبلناها قلنا: إن نبينا أفضل نبي، وآله أفضل آل وصحابته أفضل صحابة، ونحن امته أفضل من امة محمد، ولسنا نعترف لقوم بالفضل لانراهم ولا نعرفهم.

رفع الطور فوق رؤوس بنى اسرائيل

فأمر الله تعالى جبرئيل، فقطع بجناح من أجنحته من جبل من جبال فلسطين على قدر معسكر موسىعليه‌السلام وكان طوله في عرضه فرسخا في فرسخ.

ثم جاء به فوقه على رؤوسهم، وقال(٤) : إما أن تقبلوا ما أتاكم به موسىعليه‌السلام ، وإما وضعت عليكم الجبل فطحطحتكم(٥) تحته.

فلحقهم من الجزع والهلع ما يلحق أمثالهم ممن قوبل هذه المقابلة، فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ قال موسى: اسجدوا لله على جباهكم، ثم عفروا خدودكم اليمنى ثم اليسرى في التراب، وقولوا: يا ربنا سمعنا وأطعنا وقبلنا واعترفنا وسلمنا ورضينا ".

قال: ففعلوا هذا الذي قال لهم موسى قولا وفعلا، غير أن كثيرا منهم خالف قلبه ظاهر أفعاله وقال بقلبه " سمعنا وعصينا " مخالفا لما قاله بلسانه، وعفروا خدودهم اليمنى [بالتراب] وليس قصدهم التذلل لله عزوجل، والندم على ما كان منهم من الخلاف

____________________

(١) " وصيه " البحار.

(٢) " صحابة " س، ط،، د والبحار.

(٣) " يثقل " ب، ق، د، البحار.

(٤) " فقال جبرئيلعليه‌السلام " أ.

(٥) أى أهلكتكم.

٤٢٧

ولكنهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم الجبل أم لا، ثم عفروا خدودهم اليسرى ينظرون كذلك، ولم يفعلوا ذلك كما امروا.

فقال جبرئيل لموسىعليه‌السلام أما إن أكثرهم لله تعالى عاصون، ولكن الله عزوجل أمرني أن اازيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا، فان الله تعالى إنما يطالبهم في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم، وإبقاء الذمة لهم، وإنما أمرهم إلى الله في الآخرة يعذبهم على عقودهم وضمائرهم.

فنظر القوم إلى الجبل وقد صار قطعتين: قطعة منه صارت لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد وترقى حتى خرقت(١) السماوات، وهم ينظرون إليها إلى أن صارت إلى حيث لا تلحقها أبصارهم، وقطعة صارت نارا ووقعت على الارض بحضرتهم، فخرقتها(٢) ودخلتها وغابت عن عيونهم.

فقالوا: ماهذان المفترقان من الجبل؟ فرق(٣) صعد لؤلؤا وفرق انحط نارا؟ قال لهم موسى: أما القطعة التى صعدت في الهواء فانها وصلت إلى السماء وخرقتها إلى أن لحقت بالجنة.

فاضعفت أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله، وأمر الله أن تبنى منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومنازل ومساكن مشتملة على أنواع النعم التي وعد بها المتقين من عباده، من الاشجار والبساتين والثمار، والحور الحسان، والمخلدين من الولدان كاللالئ المنثورة وسائر نعيم الجنة وخيراتها.

وأما القطعة التى انحطت إلى الارض فخرقتها ثم التي تليها إلى أن لحقت بجهنم فاضعفت أضعافا كثيرة، وأمر الله تعالى أن تبنى منها للكافرين بما في هذا الكتاب، قصور ودور ومساكن ومنازل مشتملة على أنواع العذاب التي وعدها للكافرين من عباده

____________________

(١) يقال خرق المفازة: قطعها حتى بلغ أقصاها.

(٢) أى شقتها.

(٣) أى بعض.

والفرق الفلق من الشئ اذا انفلق منه، ومنه قوله تعالى " فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم " الشعراء: ٦٣.

(لسان العرب: ١٠ / ٣٠٠).

٤٢٨

من بحار نيرانها، وحياض غسلينها وغساقها، وأودية قيحها ودمائها وصديدها، وزبانيتها بمرزباتها، وأشجار زقومها، وضريعها وحياتها [وعقاربها] وأفاعيها، وقيودها وأغلالها وسلاسلها وأنكالها(١) وسائر أنواع البلايا والعذاب المعد فيها.

ثم قال محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبني إسرائيل: أفلا تخافون عقاب ربكم في جحدكم لهذه الفضائل التي اختص بها محمدا وعليا وآلهما الطيبين؟(٢)

في أن للرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المعجزات ماكان للانبياءعليهم‌السلام

٢٩٢ - فقيل لامير المؤمنينعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين فهذه آية موسى في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما امروا به، فهل كان لمحمد آية مثلها؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إي والذي بعثه بالحق نبيا، ما من آية كانت لاحد من الانبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا وقد كان لمحمد مثلها وأفضل منها، ولقد كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نظير هذه الآية إلى آيات اخر ظهرت له.

وذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أظهر بمكة دعوته، وأبان - عن الله عزوجل - مراده، رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب إمكانهم(٣) ولقد قصدته يوما - وإني كنت أول الناس إسلاما، بعث يوم الاثنين، وصليت معه يوم الثلاثاء: وبقيت معه اصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الاسلام وأيد الله تعالى دينه من بعد - فجاء‌ه قوم من المشركين فقالوا له: يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين ثم أنك لا ترضى بذلك حتى تزعم

____________________

(١) جمع نكل - بكسر النون - وهو القيد الشديد من أى شئ.

(٢) عنه البحار: ٨ / ١٦٥ ح ١٠٨(قطعة)، وج ١٣ / ٢٣٨ ح ٤٨، البرهان ١ / ١٣٠ ح ١ إلى قوله(انفذ فيهم حكم الله) واثبات الهداة: ٣ / ٥٧٦ ح ٦٦٥(قطعة).

(٣) " مكائدهم " الاحتجاج.

٤٢٩

أنك سيدهم وأفضلهم، ولئن كنت نبيأ فأتنا بآية كما تذكره عن الانبياء قبلك: مثال نوح الذي جاء بالغرق، ونجا في سفينته مع المؤمنين.

وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما.

وموسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين.

وعيسى الذي كان ينبئه بما يأكلون و [ما] يدخرون في بيوتهم.

وصار هؤلاء المشركون فرقا أربعة: هذه تقول: أظهر لنا(١) آية نوحعليه‌السلام .

وهذه تقول: أظهر لنا آية موسىعليه‌السلام .

وهذه تقول: أظهر لنا آية إبراهيمعليه‌السلام .

وهذه تقول: أظهر لنا آية عيسىعليه‌السلام .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما أنا نذير مبين، آتيتكم بآية مبينة: هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والامم وسائر العرب عن معارضته، وهو بلغتكم فهو حجة بينة(٢) عليكم وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي، فما على الرسول إلا البلاغ المبين إلى المقرين(٣) بحجة صدقه، وآية حقه، وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه مايقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيا يقترحون؟ فجاء‌ه جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، ويقول: إني ساظهر لهم هذه الآيات، وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم، ولكني اريهم زيادة في الاعذار والايضاح لحججك.

فقل لهؤلاء المقترحين لاية نوح: امضوا إلى جبل أبي قبيس، فاذا بلغتم سفحه(٤) فسترون آية نوح، فاذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه.

____________________

(١) " لى " أغلب النسخ، وكذا ما يأتى.

(٢) " الله وحجة نبيه " البحار.

(٣) " المقربين " أ، ب، ص، ط.

(٤) " سفحته " الاصل.

السفح: عرض الجبل، وقيل: أصله.

٤٣٠

وقل للفريق [الثانى] المقترحين لآية إبراهيمعليه‌السلام : امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة، فسترون آية إبراهيم في النار، فاذا غشيكم البلاء فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة، وترد عنكم النار.

وقل للفريق الثالث: وأنتم المقترحين لآية موسى، امضوا إلى ظل الكعبة فسترون آية موسىعليه‌السلام ، وسينجيكم هناك عمي حمزة.

وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبوجهل: وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك(١) أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة، فان الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي.

فقال أبوجهل للفرق الثلاثة: قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد.

ماكان مثل آية نوحعليه‌السلام

فذهبت الفرقة الاولى إلى حضرة(٢) جبل أبي قبيس، فلما صاروا [في الارض] إلى جانب الجبل نبع الماء من تحتهم، ونزل من السماء الماء من فوقهم من غير غمامة ولا سحاب، وكثر حتى بلغ أفواههم فألجمها، وألجأهم إلى صعود الجبل إذ لم يجدوا ملجأ(٣) سواه، فجعلوا يصعدون الجبل والماء يعلو من تحتهم إلى أن بلغوا ذروته، وارتفع الماء حتى ألجمهم(٤) وهم على قلة الجبل، وأيقنوا بالغرق إذ لم يكن لهم مفر.

فرأوا علياعليه‌السلام واقفا على متن الماء فوق قلة الجبل، وعن يمينه طفل وعن يساره طفل، فناداهم عليعليه‌السلام .

خذوا بيدي انجيكم، أو بيد من شئتم من هذين الطفلين، فلم يجدوا بدا من ذلك فبعضهم أخذ بيد عليعليه‌السلام ، وبعضهم أخذ بيد أحد الطفلين، وبعضهم أخذ بيد الطفل

____________________

(١) يقال: اتصل به خبر فلان: علمه.

(٢) أى قرب وجنب.

(٣) " منجى " ب، ق، د، والبحار.

(٤) " ألجأهم " ق.

يقال: ألجم الماء فلانا: بلغ فاه.

٤٣١

الآخر، وجعلوا ينزلون بهم من الجبل والماء ينزل وينحط من بين أيديهم حتى أوصلوهم إلى القرار، والماء يدخل بعضه في الارض، ويرتفع بعضه إلى السماء حتى عادوا كهيئتهم إلى قرار الارض.

فجاء علىعليه‌السلام [بهم] إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يبكون ويقولون: نشهد إنك سيد المرسلين، وخير الخلق أجمعين، رأينا مثل طوفان نوح وخلصنا هذاوطفلان كانا معه لسنا نراهما الآن.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنهما سيكونان، هما الحسن والحسين سيولدان لاخي هذا، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما، اعلموا أن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها خلق كثير، وأن سفينة نجاتها آل محمد: علي هذا وولداه اللذان رأيتموهما سيكونان وسائر أفاضل أهلي(١) فمن ركب هذه السفينة نجا، ومن تخلف عنها غرق.

[ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :] وكذلك الآخرة جنتها(٢) ونارها كالبحر، وهؤلاء سفن امتي يعبرون بمحبيهم وأوليائهم إلى الجنة.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسمعت هذا يا أبا جهل؟ قال: بلى حتى أنظر [إلى] الفرقة الثانية والثالثة.

ماكان مثل آية ابراهيمعليه‌السلام

وجاء‌ت الفرقة الثانية يبكون ويقولون: نشهد إنك رسول رب العالمين، وسيد الخلق أجمعين، مضينا إلى صحراء ملساء، ونحن نتذاكر بيننا قولك، فنظرنا إلى السماء قد تشققت(٣) بجمر النيران تتناثر عنها، ورأينا الارض قد تصدعت ولهب النيران

____________________

(١) " أهل بيتى " أ، ص، ط.

(٢) " حميمها " البحار.

(٣) " انشقت " ص.

٤٣٢

يخرج منها.

فما زالت كذلك حتى طبقت الارض وملاتها، ومسنا من شدة حرها حتى سمعنا لجلودنا نشيشا(١) من شدة حرها، وأيقنا بالاشتواء والاحتراق [وعجبنا بتأخر رؤيتنا](٢) بتلك النيران.

فبينا نحن كذلك إذ رفع لنا في الهواء شخص امرأة قد أرخت خمارها، فتدلى طرفه إلينا بحيث تناله أيدينا، وإذا مناد من السماء ينادينا: إن أردتم النجاة فتمسكوا ببعض أهداب هذا الخمار.

فتعلق كل واحد منا بهدبة من أهداب ذلك الخمار، فرفعتنا في الهواء ونحن نشق جمر النيران ولهبها لا يمسنا شررها(٣) ولا يؤذينا جمرها(٤) ولا نثقل على الهدبة التي تعلقنا بها، ولا تنقطع(٥) الاهداب في أيدينا على دقتها.

فما زالت كذلك حتى جازت بنا تلك النيران، ثم وضع كل واحد منا في صحن داره سالما معافي، ثم خرجنا فالتقينا، فجئناك عالمين بأنه لا محيص عن دينك، ولا معدل عنك، وأنت أفضل من لجئ إليه، واعتمد بعد الله عليه، صادق في أقوالك حكيم في أفعالك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابي جهل: هذه الفرقة الثانية قد أراهم الله آياته(٦) .

قال أبوجهل: حتى أنظر الفرقة الثالثة وأسمع مقالتها.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذه الفرقة الثانية لما آمنوا: يا عباد الله إن الله أغاثكم بتلك المرأة أتدرون من هي؟ قالوا: لا.

____________________

(١) النشيش: صوت الماء - وغيره - اذا على.

(٢) كذا في أغلب نسخ الاصل، وفى بعضها غير منقوطة، وفى " ص ": وعجبنا لتأخر ذوبنا وليس في البحار.

والمراد ظاهرا: تعجبهم لاستمرارهم أحياء‌ا مع شدة هذه الحرارة.

(٣) " شرورها " أ، ق، الشرر: ما يتطاير من النار.

(٤) " حرها " ص، والبحار.

(٥) " تنعتق " د.

(٦) " آية ابراهيمعليه‌السلام " البحار.

٤٣٣

قال: تلك تكون ابنتي فاطمة، وهي سيدة نساء العالمين.

إن الله تعالى إذا بعث الخلائق من الاولين والآخرين نادى منادي ربنا من تحت عرشه: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين على الصراط.

[فيغض الخلائق كلهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط] لا يبقى أحد في القيامة إلا غض بصره عنها إلا محمد وعلي والحسن والحسين والطاهرون من أولادهم فانهم محارمها(١) فاذا دخلت الجنة بقي مرطها(٢) ممدودا على الصراط، طرف منه بيدها وهي في الجنة، وطرف في عرصات القيامة.

فينادي منادي ربنا: يا أيها المحبون لفاطمة تعلقوا بأهداب مرط فاطمة سيدة نساء العالمين، فلا يبقى محب لفاطمة إلا تعلق بهدبة من أهداب مرطها، حتى يتعلق بها أكثر من ألف فئام وألف فئام [وألف فئام].

قالوا: وكم فئام واحد يا رسول الله؟ قال: ألف ألف من الناس.

ماكان مثل آية موسىعليه‌السلام

قال: ثم جاء‌ت الفرقة الثالثة باكين يقولون: نشهد يا محمد إنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، وأن عليا أفضل الوصيين، وأن آلك أفضل آل النبيين، وصحابتك خير صحابة المرسلين، وأن أمتك خير الامم أجمعين، رأينا من آياتك مالا محيص لنا عنها، ومن معجزاتك مالا مذهب لنا سواها.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما الذي رأيتم؟ قالوا: كنا قعودا في ظل الكعبة نتذاكر أمرك، ونستهزئ بخبرك، وأنك ذكرت أن لك مثل آية موسى، فبينا نحن كذلك

____________________

(١) " أولادها " البحار: ٨.

(٢) المرط - بكسر الميم -: كساء من صوف ونحوه يؤتزر به.

٤٣٤

إذا ارتفعت الكعبة عن موضعها وصارت فوق رؤوسنا فركدنا(١) في مواضعنا ولم نقدر أن نريمها(٢) .

فجاء عمك حمزة فتناول(٢) بزج رمحه - هكذا(٤) - تحتها، فتناولها واحتبسها - على عظمها - فوقنا في الهواء.

ثم قال لنا: اخرجوا.

فخرجنا من تحتها، فقال: ابدوا.

فبعدنا عنها، ثم أخرج سنان الرمح من تحتها، فنزلت إلى موضعها واستقرت، فجئنا لذلك(٥) مسلمين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابي جهل: هذه الفرقة الثالثة قد جاء‌تك وأخبرتك بما شاهدت.

فقال أبوجهل: لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا، أم حقق لهم، أم خيل إليهم فان رأيت أنا ما اقترحه عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمني الايمان بك وإلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء.

فقال رسول الله صلى الله عليه آله: يا أبا جهل فان كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم، فكيف تصدق بمآثر(٦) آبائك وأجدادك، ومساوئ أسلاف أعدائك؟ وكيف تصدق عن الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها؟ هل المخبرون عنها(٧) إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه(٨) إلا كان بازائهم من يكذبهم ويخبر

____________________

(١) " فركزنا " ص، والبحار.

قال المجلسى -رحمه‌الله -: ركزت الرمع أى غرزته في الارض، وفى بعض النسخ بالدال المهملة من الركود بمعنى السكون والهدوء، انتهى.

أقول: كلاهما بمعنى الثبات في المكان.

(٢) أى نفارقها ونبتعد عنها.

(٣) " وقال " ص، والبحار." فشال " ب.

قال بيده: أهوى بها وأخذ.

(٤) " رمحك هذا " ب، س، والزج - بالضم - الحديدة التى في أسفل الرمح.

(٥) " فجئناك بذلك " س، ص، ق، د.

(٦) " بما آثر " أ، ط.

(٧) " عن ذلك " ب، ص، ق، د، والبحار.

(٨) " يخوضونه " أ.

تخرص: افترى وكذب.

٤٣٥

بضد إخبارهم؟ ألا وكل فرقة من هؤلاء محجوجون(١) بما شاهدوا، وأنت يا أباجهل محجوج بما سمعت ممن شاهد.

ثم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الفرقة الثالثة فقال لهم: هذا حمزة عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلغه الله تعالى المنازل الرفيعة والدرجات العالية، وأكرمه بالفضائل لشدة حبه لمحمد وعلي بن أبي طالب، أما إن حمزة(عم محمد)(٢) لينحي جهنم [يوم القيامة](٣) عن محبيه كما نحى عنكم اليوم الكعبة أن تقع عليكم.

قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه ليرى يوم القيامة إلى جانب الصراط جم(٤) كثير من الناس لا يعرف عددهم إلا الله تعالى، هم كانوا محبي حمزة، وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام، فتحول حيطان [النار] بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنة فيقولون: يا حمزة قد ترى ما نحن فيه ! فيقول حمزة لرسول الله ولعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي ! فيقول محمد رسول الله لعلي ولي الله: يا علي أعن عمك على إغاثة أوليائه واستنقاذهم من النار، فيأتي علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله تعالى في الدنيا، فيناوله إياه، ويقول: يا عم رسول الله وعم أخي رسول الله، ذد(٥) الجحيم عن أوليائك برمحك هذا(الذي كنت)(٦) تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله.

فيناول حمزة الرمح بيده، فيضع زجه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلى الجنة على الصراط، ويدفعها [دفعة] فينحيها مسيرة خمسمائة عام، ثم يقول

____________________

(١) المحجوج: المغلوب بالحجة.

(٢) " عمى " ب، س، د.

(٣) من البحار.وفى " ص " يوما.

(٤) " عالم " س، ص، ق، د، والبحار.

(٥) أى ادفع واطرد." رد " ق، د.

(٦) " كما " س، ص، والبحار." كما كنت " ق، د.

٤٣٦

لاوليائه [و] المحبين الذي كانوا له في الدنيا: اعبروا.

فيعبرون على الصراط آمنين سالمين، قد انزاحت عنهم النيران، وبعدت عنهم الاهوال، ويردون الجنة غانمين ظافرين.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابي جهل: يا أبا جهل هذه الفرقة الثالثة قد شاهدت آيات الله ومعجزات رسول الله وبقي الذي لك، فأي آية تريد؟ قال أبوجهل: آية عيسى بن مريم كما زعمت أنه كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فأخبرني بما أكلت اليوم، وما ادخرته في بيتي، وزدني على ذلك بأن تحدثني بما صنعته بعد أكلي لما أكلت، كما زعمت أن الله زادك في المرتبة فوق عيسى.

ماكان مثل آية عيسىعليه‌السلام

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ماأكلت وما ادخرت فاخبرك به، وأخبرك بما فعلته في خلال أكلك، وما فعلته بعد أكلك، وهذا يوم يفضحك الله عزوجل فيه باقتراحك فان آمنت بالله لم تضرك هذه الفضيحة، وإن أصررت على كفرك أضيف لك إلى فضيحة الدنيا وخزيها خزي الآخرة الذي لايبيد ولا ينفد ولا يتناهى.

قال: وما هو؟ قال رسول الله قعدت يا أبا جهل تتناول من دجاجة مسمنة أسمطتها(١) فلما وضعت يدك عليها استأذن عليك أخوك(٢) أبو البختري بن هشام، فأشفقت عليه(٣) أن يأكل منها

____________________

(١) أى شويتها." استطبتها " ب، س، ص، ق، د، والبحار.

(٢) غير خفى أن أباجهل مخزومى، والبخترى أسدى، وانما اطلق لفظ " أخوك " لا للنسب أو لاتحاد اسم الاب: " هشام " - كما قد يتوهم البعض - بل لان الكفر ملة واحدة كما أن المؤمنين اخوة، لا في النسب أو القومية والعشيرة، وانما هى في العقيدة والفضيلة الالهية(الدين) كما قال تعالى: " انما المؤمنون اخوة " الحجرات: ١٠، وفى الخطاب لمريم " يا اخت هارون " مريم: ٢٨.

(٣) أى خفت وحذرت وحرصت.

٤٣٧

وبخلت، فوضعتها تحت ذيلك، وأرخيت عليها ذيلك حتى انصرف عنك.

فقال أبوجهل: كذبت يا محمد، ما من هذا قليل ولا كثير، ولا أكلت من دجاجة ولا ادخرت منه شيئا، فما الذي فعلته بعد أكلي الذي زعمته؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان عندك ثلاثمائة دينار لك، وعشرة آلاف دينار ودائع الناس عندك: المائة، والمائتان، والخمسائة، والسبعمائة، والالف، ونحو ذلك إلى تمام عشرة آلاف، مال كل واحد في صرة، وكنت قد عزمت على أن تختانهم(١) وقد كنت جحدتهم ومنعتهم، واليوم لما أكلت من هذه الدجاجة أكلت زورها(٢) وادخرت الباقي، ودفنت هذا المال أجمع مسرورا فرحا باختيانك عباد الله، واثقا بأنه قد حصل لك، وتدبير الله في ذلك خلاف تدبيرك.

فقال أبوجهل: وهذا أيضا يا محمد، فما أصبت منه قليلا ولا كثيرا، وما دفنت شيئا، ولقد سرقت(٣) تلك العشرة آلاف دينار الودائع التي كانت عندي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا جهل ما هذا من تلقائي فتكذبني، وإنما هذا جبرئيل الروح الامين يخبرني به عن رب العالمين، وعليه تصحيح شهادته وتحقيق مقالته.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هلم(٤) يا جبرئيل بالدجاجة التي أكل منها.

فاذا الدجاجة بين يدي رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتعرفها يا أبا جهل؟ فقال أبوجهل: ما أعرفها وما اخبرت عن شئ، ومثل هذه الدجاجة المأكول بعضها في الدنيا كثير.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيتها الدجاجة إن أبا جهل قد كذب محمدا على جبرئيل، وكذب جبرئيل على رب العالمين، فاشهدي لمحمد بالتصديق، وعلى أبي جهل بالتكذيب، فنطقت

____________________

(١) أى تخونهم، واختان المال: سرقه.

(٢) أى أعلى وسط الصدر.وفى بعض النسخ " ذروتها " وذروة كل شئ أعلاه.

(٣) على بناء المجهول.

(٤) أى تعال.

٤٣٨

وقالت: أشهد يا محمد(١) أنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، وأن أبا جهل هذا عدو الله المعاند الجاحد للحق الذي يعلمه، أكل مني هذا الجانب، وادخر الباقي وقد أخبرته بذلك، وأحضرتنيه فكذب به، فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين فانه مع كفره بخيل، استأذن عليه أخوه فوضعني تحت ذيله إشفاقا من أن يصيب مني أخوه، فأنت يا رسول الله أصدق الصادق من الخلق أجمعين، وأبوجهل الكذاب المفتري اللعين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [أما] كفاك ما شاهدت؟ !(٢) آمن لتكون آمنا من عذاب الله عزوجل، قال أبوجهل: إني لاظن أن هذا تخييل وإيهام.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل تفرق بين مشاهدتك لهذا وسماعك لكلامها، وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعك لكلامهم؟ قال أبوجهل: لا.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فما يدريك أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل؟ قال أبوجهل: ماهو تخييل.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ولا هذا تخييل، وإلا فكيف تصحح أنك ترى في العالم شيئا أوثق منه(٣) ؟ [قال:] ثم وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على الموضع المأكول من الدجاجة، فمسح يده عليها، فعاد اللحم عليه أوفر ما كان.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا جهل أرأيت هذه الآية؟ قال: يا محمد [قد] توهمت شيئا، ولا اوقته.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل فأتنا بالاموال التي دفنها هذا المعاند للحق لعله يؤمن.

فاذا هو بالصرر بين يديه كلها [في كل صرة] ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله إلى تمام عشرة آلاف دينار وثلاثمائة دينار(٤) .

____________________

(١) " أن لا اله الا الله يا محمد و " أ، ط.

(٢) " شهدت " س، ص، ط.

(٣) " واثق " أ.

(٤) " مثقال " الاصل وهو تصحيف كما يأتى ٤٤٠.

٤٣٩

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وأبوجهل ينظر إليه - صرة منها فقال: ائتوني بفلان بن فلان.

فاتي به - وهو صاحبها - فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هاكها يا فلان [هذا] ماقد اختانك فيه أبوجهل.

فرد عليه ماله، ودعا بآخر، ثم بآخر حتى رد العشرة آلاف كلها على أربابها، وفضح عندهم أبوجهل، وبقيت الثلاثمائة دينار بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال رسول الله: الآن آمن لتأخذ الثلاثمائة دينار، ويبارك الله لك فيها حتى تصير أيسر قريش.

فقال: لا اومن، ولكن آخذها وهي مالي، فلما ذهب ليأخذها صاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدجاجة: دونك أبا جهل، فكفيه عن الدنانير، وخذيه.

فوثبت الدجاجة على أبي جهل، فتناولته بمخالبها ورفعته في الهواء، وطارت به إلى سطح لبيته فوضعته عليه، ودفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الدنانير إلى بعض فقراء المؤمنين ثم نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه فقال لهم: معاشر أصحاب محمد هذه أية أظهرها ربنا عزوجل لابي جهل، فعاند، وهذا الطير الذي حيي يصير من طيور الجنة الطيارة(١) عليكم فيها، فان فيها طيورا كالبخاتي(٢) عليها من [جميع] أنواع المواشي(٣) تطير بين سماء الجنة وأرضها، فاذا تمنى مؤمن محب للنبي وآله الاكل [من شئ] منها، وقع ذلك بعينه بين يديه، فتناثر ريشه وانسمط(٤) وانشوى وانطبخ، فأكل من جانب منه [قديدا(٥) ومن جانب منه] مشويا بلا نار

____________________

(١) " الطائرة " ص.

(٢) البخاتى والبخت: جمع بختى، وهى جمال طوال الاعناق، والبختى أيضا: الابل الخراسانى.

(٣) الشية: ما خالف اللون من جميع الجسد وفى جميع الدواب، وأصله من الوشى والهاء عوض من الواو الذاهبة من أوله كالزنة والوزن، ويقال: وشيت الثوب أشيه وشيا وشية ووشيته توشية، شدد للكثرة، فهو موشى وموشى، والوشى في اللون خلط لون بلون وكذلك في الكلام.

لسان العرب: ١٥ / ٣٩٢.

(٤) " أملط " أ، ط، أى لا ريش عليه.

وسمط الجدى: نقاء من الصوف وشواه.

(٥) قدد اللحم: جعله قطعا وجففه.

٤٤٠