تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 203864
تحميل: 37881

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203864 / تحميل: 37881
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وأميره على جميع الورى، وأشهد أن عليا أخوه وصفيه، ووصيه القائم بأمره المنجز لعداته، المؤدي لاماناته، الموضح لآياته وبيناته والدافع(١) للاباطيل بدلائله(٢) ومعجزاته، وأشهد أنكما اللذان بشر بكما موسى ومن قبله من الانبياء ودل عليكما المختارون من الاصفياء.

ثم قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قد تمت الحجج، وانزاحت العلل، وانقطعت المعاذير فلا عذر لي إن تأخرت عنك، ولا خير في إن تركت التعصب لك.

ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت(٣) وإنهم إن سمعوا باسلامي(وقعوا في)(٤) فاخبأني عندك [فاطلبهم فاذا جاء‌وك فاسألهم عن حالي ورتبتي بينهم لتسمع قولهم في قبل أن يعلموا(٥) باسلامي، وبعده لتعلم أحوالهم.

فخبأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته، ثم دعا قوما من اليهود، فحضروه وعرض عليهم أمره فأبوا، فقال [رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ]: بمن ترضون حكما بيني وبينكم؟ قالوا: بعبدالله بن سلام.

قال: وأي رجل هو؟ قالوا: رئيسنا وابن رئيسنا، وسيدنا وابن سيدنا، وعالمنا وابن عالمنا، وورعنا وابن ورعنا، وزاهدنا وابن زاهدنا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أرأيتم إن آمن بي أتؤمنون(٦) ؟ قالوا: قد أعاذه الله من ذلك ثم أعادها، فأعادوها، فقال: اخرج عليهم يا عبدالله [بن سلام] وأظهر ما قد أظهره

____________________

(١) " الدامغ " ب، دمغ الحق الباطل: محقه وأبطله.

(٢) " بدلالاته " أ.

(٣) أى كذب وافتراء.

(٤) " لانكروا بمرتبتى في علم التوراة وبتعظيمهم بى وسندية قولى عندهم " أ.

وقع في فلان: سبه وعابه واغتابه.

(٥) " يسمعوا " أ.

(٦) " أترضون " ب.

٤٦١

الله لك من أمر محمد.

فخرج عليهم وهو يقول: أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، و [أشهد] وأن محمدا عبده ورسوله المذكور في التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله، المدلول فيها عليه وعلى أخيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فلما سمعوه يقول ذلك قالوا: يا محمد، سفيهنا وابن سفيهنا، وشرنا وابن شرنا وفاسقنا وابن فاسقنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، كان غائبا عنا، فكرهنا أن نغتابه.

فقال عبدالله: فهذا الذي كنت أخافه يا رسول الله.

ثم إن عبدالله حسن إسلامه ولحقه القصد الشديد من جيرانه من اليهود، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حمارة القيظ في مسجده يوما إذ دخل عليه عبدالله بن سلام.

و [قد] كان بلال أذن للصلاة والناس بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وجه عبدالله فرآه متغيرا، وإلى عينيه دامعتين، فقال: مالك يا عبدالله؟.

فقال يا رسول الله قصدتني اليهود، وأساء‌ت جواري وكل ماعون لي استعاروه مني كسروه وأتلفوه، وما استعرت منهم منعونيه، ثم زاد أمرهم بعد هذا، فقد اجتمعوا وتواطؤوا وتحالفوا على أن لا يجالسني أحد منهم، ولا يبايعني ولا يشاورني(١) ولا يكلمني ولا يخالطني، وقد تقدموا بذلك إلى من في منزلي، فليس يكلمني أهلي وكل جيراننا يهود، وقد استوحشت منهم، فليس لي [من] أنس بهم، والمسافة ما بيننا وبين مسجدك هذا ومنزلك بعيدة، فليس يمكنني في كل وقت يلحقني ضيق صدر منهم أن أقصد مسجدك أو منزلك.

فلما سمع ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غشيه ما كان يغشاه عند نزول الوحي عليه من تعظيم أمر الله تعالى، ثم سري عنه(٢) وقد انزل عليه:

____________________

(١) " يشاربنى " أ." يشارينى " ق، البحار.

(٢) أى زال عنه ما كان يجده.

٤٦٢

(أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.

ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزن الله هم الغالبون)(١) .

قال: يا عبدالله بن سلام(إنما وليكم الله) ناصركم الله على اليهود القاصدين بالسوء لك(ورسوله) [انما] وليك وناصرك(والذين آمنوا الذين - صفتهم أنهم - يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أي وهم في ركوعهم.

ثم قال: يا عبدالله بن سلام(ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) من يتولاهم، ووالى أولياء‌هم، وعادى أعداء‌هم، ولجأ عند المهمات إلى الله ثم إليهم(فان حزب الله) جنده(هم الغالبون) لليهود وسائر الكافرين، أي فلا يهمنك يابن سلام، فان الله تعالى [هو ناصرك](٢) وهؤلاء أنصارك، وهو كافيك شرور أعدائك وذائد عنك مكايدهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبدالله بن سلام أبشر، فقد جعل الله لك أولياء خيرا منهم: الله، ورسوله(٣) ، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم راكعون.

فقال عبدالله بن سلام: [يا رسول الله] من هؤلاء الذين آمنوا؟ فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئا الآن؟ قال: نعم ذلك المصلي، أشار إلى بأصبعه: أن خذ الخاتم.

فأخذته فنظرت إليه والى الخاتم، فاذا هو خاتم علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر، هذا وليكم [بعدي] وأولى الناس بالناس بعدي

____________________

(١) المائدة: ٥٥ - ٥٦.

(٢) استظهرها في " ق ".

(٣) " ورسوله محمد " ص، ط.

٤٦٣

علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

قال: ثم لم يلبث عبدالله إلا يسيرا حتى مرض بعض جيرانه، وافتقر وباع داره، فلم يجد(٢) لها مشتريا غير عبدالله، واسر آخر من جيرانه فالجئ إلي بيع داره، فلم يجد [لها] مشتريا غير عبدالله، ثم لم يبق من جيرانه من اليهود أحد إلا دهته داهية، واحتاج - من أجلها - إلى بيع داره، فملك عبدالله تلك المحلة، وقلع الله شأفة(٣) اليهود، وحول عبدالله إلى تلك الدور قوما من خيار المهاجرين، وكانوا له أناسا وجلاسا، ورد الله كيد اليهود في نحورهم، وطيب الله عيش عبدالله بايمانه برسول الله وموالاته لعلي ولي الله، عليهما الصلاة والسلام(٤) .

قوله عزوجل: " أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ": ١٠٠ ٣٠٢ - قال الامامعليه‌السلام : قال الباقرعليه‌السلام : قال الله عزوجل وهو يوبخ هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكر عنادهم، وهؤلاء النصاب الذين نكثوا ما اخذ من العهد عليهم فقال:

____________________

(١) قال الطبرسى في مجمع البيان: ٣ / ٢١٠: وفى رواية عطا، قال عبدالله بن سلام: يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمة وهو راكع، فنحن نتولاه.

أقول: ذكر المحدثون والرواة أحداث هذه القصة في العديد من الكتب وبألفاظ مختلفة وأسانيد متعددة وتناقلته الخاصة والعامة، منها: فرات في تفسيره: ٣٩.

الخوارزمى في مناقبه: ١٨٦، عنه كشف الغمة: ١ / ٣٠١ والحسكانى في شواهد التنزيل: ١ / ١٨٥، بشارة المصطفى: ٢٦٦، مصباح الانوار: ٨(مخطوط)، وتجد تفصيل ذلك في احقاق الحق: ٢ / ٣٩٩ - ٤٠٦، وج ٣ / ٥٠٢ - ٥١١ فراجع.

(٢) " يكن " ص، ق، والبحار.

(٣) " شاكة " أ." شانئيه " ب، ط.

الشأفة: الاصل أو العداوة، والشاكة: الحدة.

(٤) عنه البحار: ٩ / ٣٢٦ ضمن ح ١٦، ومدينة المعاجز: ٧٣ ح ١٨٥(قطعة).

٤٦٤

(أو كلما عاهدوا عهدا) واثقوا وعاقدوا ليكونوا لمحمد طائعين، ولعلي بعده مؤتمرين، وإلى أمره صابرين(١) (نبذه) نبذ العهد(فريق منهم) وخالفه. قال الله:(بل أكثرهم) أكثر هؤلاء اليهود والنواصب(لا يؤمنون) أي في مستقبل أعمارهم لا يرعون(٢) ، ولا يتوبون(٣) مع مشاهدتهم للايات ومعاينتهم للدلالات(٤) ..

٣٠٣ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا الله عباد الله، واثبتوا على ما أمركم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من توحيد الله، ومن الايمان بنبوة محمد رسول الله، ومن الاعتقاد بولاية علي ولي الله، ولا يغرنكم صلاتكم وصيامكم وعبادتكم السالفة، إنها لا تنفعكم إن خالفتم العهد والميثاق فمن وفى وفي له، وتفضل [بالجلال و] بالافضال عليه، ومن نكث فانما ينكث على نفسه، والله ولي الانتقام منه، وإنما الاعمال بخواتيمها.

قصة ليلة المبيت

هذه وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكل أصحابه، وبها أوصى حين صار إلى الغار. فان الله تعالى قد أوحى إليه: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن أبا جهل والملا من قريش قد دبروا يريدون قتلك، وآمرك أن تبيت عليا في موضعك، وقال لك: إن منزلته منزلة إسماعيل(٥) الذبيح من إبراهيم الخليل يجعل نفسه لنفسك فداء‌ا، وروحه لروحك وقاء‌ا، وآمرك(٦) أن تستصحب أبا بكر،

____________________

(١) " صائرين " ص، ط، ق، د، والبرهان.

(٢) " يرغبون " خ ل، رعى الامر: نظر إلى ماذا يصير.

(٣) " يتولون " أ.

(٤) عنه البحار: ٩ / ٣٢٩ ضمن ح ١٦، والبرهان: ١ / ١٣٥ ح ١.

(٥) " اسحاق " ب، س، ط.وهو تصحيف.

(٦) لم نعثر في غير هذا الكتاب على دليل الوحى، والامر بهذا الاستصحاب، ولا غرابة في هذا بعد أن كان للنبىصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخفى ولا يصاحبه، فلعله استصحيه ليكونشاهدا لايات الله عزوجل في جعله كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هى العليا، وانزاله السكينة على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وحده، وتأييده بالجنود..كما أنه لا فضل في التسمية " بالصحبة " لانها قد تحصل من الولى والعدو، والمؤمن والكافر، قال تعالى مخبرا عن مؤمن وكافر اصطحبا " قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك..." الكهف: ٣٧.

وقال تعالى في قصة يوسفعليه‌السلام : " يا صاحبى السجن " يوسف: ٤١. وقال تعالى: " ماضل صاحبكم وماغوى " النجم: ٢ بل لا فضل في مطلق التسمية، كما أن موسىعليه‌السلام ، ترك هارون ولم يستصحبه في ميقات ربه، قال تعالى: " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال..أتهلكنا بما فعل السفهاء منا. " الاعراف: ١٥٥، فما كان استصحاب الرسول الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله له تفضيلا على من تركه في فراشه، زد على ذلك النهى الموجه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبى بكر بقوله " لا تحزن " بل لا دليل على أنه سكن قلبه، أو أنزل الله السكينة عليه كما من على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك مع انه " ثانى اثنين اذهما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه " التوبة: ٤٠ فأخبر أنه أنزل السكينة عليه دون أبى بكر، ولم يذكر أبا بكر في السكينة، كما أخبر في موطن آخر أنه أنزل السكينة على الرسول وعلى المؤمنين، قال تعالى "...ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين " التوبة: ٢٦. وقوله تعالى " ان الله معنا " أى عالم ومطلع على حالنا،.فلاحظ.

٤٦٥

فانه إن(١) آنسك وساعدك ووازرك وثبت على مايعاهدك ويعاقدك، كان في الجنة من رفقائك، وفي غرفاتها من خلصائك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : أرضيت أن اطلب فلا اوجد وتوجد، فلعله أن يبادر اليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت أن تكون روحي لروحك وقاء‌ا، ونفسي لنفسك

____________________

(١) تدبر معنى " ان " الشرطية وجوابها " كان " ! وفى الشرط وتعليق الجزاء عليه، لطف وتنبيه، أما ترى قوله تعالى " لئن اشركت ليحبطن عملك " الزمر: ٦٥ خطابا للرسول الاعظم، أفضل الخلق، وخير البشر.

سيأتى مثل ذلك ص ٤٦٨.

٤٦٦

فداء‌ا، بل قد رضيت أن تكون روحي ونفسي فداء‌ا لاخ لك أو قريب أو لبعض الحيوانات تمتهنها(١) وهل أحب الحياة إلا لخدمتك(٢) والتصرف بين أمرك ونهيك ولمحبة أوليائك، ونصرة أصفيائك، ومجاهدة أعدائك؟ لو لا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة.

فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام وقال له: يا أبا حسن قد قرأ علي كلامك هذا الموكلون باللوح المحفوظ، وقرأوا علي ما أعد الله [به] لك من ثوابه في دار القرار مالم يسمع بمثله السامعون، ولا أرى مثله الراؤون، ولا خطر مثله ببال المتفكرين.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابى بكر: أرضيت أن تكون معي يا أبابكر تطلب كما اطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ماأدعيه، فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبوبكر: يا رسول الله أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح، ولا فرج متيح(٣) وكان في ذلك محبتك لكان ذلك أحب إلي من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع ممالك(٤) ملوكها في مخالفتك، وهل أنا(٥) ومالي وولدي إلا فداؤك؟

____________________

(١) من المهانة: الحقارة والصغر.

ولا عجب من خير البشر على بن أبي طالبعليه‌السلام يؤثر رضا حبيب الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويسلم له نفسه فداء فيما يرضاه، لا ملقا ولا تزلفا ولا رياء، فأطلق شعاره تعبيرا عن حبه فقال: هل احب الحياة الا لخدمتك، و..ولولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة"، فلا هم لهعليه‌السلام غير رضاه وفى أى شاء، ولا يريد أن يفدى نفسه في الاخس وان لم يشأ ولن يشاء.

وقد آثرنا من رجال الدين والعلم يقولون تحية لامامنا الغائب " عج ": أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

(٢) " بخدمتك " أ.

(٣) " منج " س، ص، تاح له الشئ: تهيأ.

(٤) " مماليك " أ.

(٥) " ماأهلى " ب، س، د.

٤٦٧

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا جرم إن(١) اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقا لما جرى على لسانك، جعلك مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، وبمنزلة الروح من البدن، كعلي الذي هو مني كذلك، وعلي فوق ذلك لزيادة فضائله وشريف خصاله.

يا أبابكر إن من عاهد الله ثم لم ينكث ولم يغير، ولم يبدل ولم يحسد من قد أبانه(٢) الله بالتفضيل فهو معنا في الرفيق الاعلى، وإذا أنت مضيت على طريقة يحبها منك ربك، ولم تتبعها بما يسخطه، ووافيته بها إذا بعثك بين يديه، كنت لولاية الله مستحقا، ولمرافقتنا في تلك الجنان مستوجبا.

انظر أبابكر فنظر في آفاق السماء، فرأى أملاكا من نار على أفراس من نار، بأيديهم رماح من نار، كل ينادي: يا محمد مرنا بأمرك في [أعدائك و] مخالفيك نطحطحهم.

ثم قال: تسمع على الارض.

فتسمع فاذا هي تنادي: يا محمد مرني بأمرك في أعدائك أمتثل أمرك.

ثم قال: تسمع على الجبال، فتسمعها تنادي: يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نهلكهم.

ثم قال: تسمع على البحار، فاحضرت البحار بحضرته، وصاحت أمواجها تنادي(٣) : يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نمتثله.

ثم سمع السماء والارض والجبال والبحار كل يقول: [يا محمد](٤) ما أمرك ربك بدخول الغار لعجزك عن الكفار، ولكن إمتحانا وابتلاء‌ا ليتخلص(٥) الخبيث من

____________________

(١) تدبر معناها - وما أدراك مامعناها - وجوابها " جعلك "، انظر تعليقتنا هامش: ١ ص ٤٦٦(٢) " أثابه " خ ل.

(٣) " وقالت " س، ط، د.

(٤) من البحار.

(٥) أى ليتميز.

٤٦٨

الطيب من عباده وإمائه بأناتك(١) وصبرك وحلمك عنهم.

يا محمد من وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان، ومن نكث فعلى نفسه ينكث وهو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا علي أنت مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، والروح من البدن، حببت إلي كالماء البارد إلى ذي الغلة الصادي(٢) .

ثم قال له: يا أبا حسن تغش ببردتي، فاذا أتاك الكافرون يخاطبونك، فان الله يقرن بك توفيقه، وبه تجيبهم.

فلما جاء أبوجهل، والقوم شاهرون سيوفهم، قال لهم أبوجهل: لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر، ولكن ارموه بالاحجار لينتبه بها، ثم اقتلوه، فرموه بأحجار ثقال صائبة.

فكشف عن رأسه، فقال: ماذا شأنكم؟ وعرفوه، فاذا هو عليعليه‌السلام .

فقال لهم أبوجهل: أما ترون محمدا كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به وينجو محمد، لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه بمنع عنه كما يزعم؟ فقال عليعليه‌السلام : ألي(٣) تقول هذا يا أبا جهل؟ بل الله تعالى قد أعطاني من العقل مالو قسم على جميع حمقاء الدنيا ومجانينها لصاروا به عقلاء، ومن القوة مالو قسم على جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء، ومن الشجاعة مالو قسم على جميع جبناء الدنيا لصاروا [به] شجعانا، ومن الحلم ما لو قسم على جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء.

ولو لا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن لا أحدث حدثا حتى ألقاه لكان لي ولكم شأن، ولا قتلنكم قتلا.

____________________

(١) الاناة: الوقار والحلم، الانتظار والتمهل.

(٢) أى الشديد العطش، والغلة - بالضم - حرارة العطش.

(٣) " أنى " أ.

٤٦٩

ويلك يا أبا جهل - عليك اللعنة - إن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله قد استأذنه في طريقه السماء والارض والبحار والجبال في إهلاككم فأبى إلا أن يرفق بكم، ويداريكم؟؟ ليؤمن من في علم الله أنه يؤمن منكم، ويخرج مؤمنون من أصلاب وأرحام كافرين وكافرات أحب الله تعالى أن لا يقطعهم عن كرامته باصطلامهم(١) .

ولو لا ذلك لاهلككم ربكم، إن الله هو الغني، وأنتم الفقراء، لا يدعوكم إلى طاعته وأنتم مضطرون، بل مكنكم مما كلفكم فقطع معاذيركم.

فغضب أبوالبختري بن هشام فقصده بسيفه، فرأى الجبال قد أقبلت لتقع عليه والارض قد انشقت لتخسف به، ورأى أمواج البحار نحوه مقبلة لتغرقه في البحر ورأى السماء انحطت لتقع عليه، فسقط سيفه وخر مغشيا عليه واحتمل، ويقول أبوجهل: دير به(٢) لصفراء هاجت به.

يريد أن يلبس على من معه أمره.

فلما التقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليعليه‌السلام قال: يا علي إن الله رفع صوتك في مخاطبتك أباجهل إلى العلو، وبلغه إلى الجنان، فقال من فيها من الخزان والحور الحسان: من هذا المتعصب لمحمد إذ قد كذبوه وهجروه؟ قيل لهم: هذا النائب عنه، والبائت على فراشه يجعل نفسه لنفسه وقاء‌ا، وروحه لروحه فداء‌ا.

فقال الخزان والحور الحسان: يا ربنا فاجعلنا خزانه.

وقالت الحور: فاجعلنا نساء‌ه.

فقال الله تعالى لهم: أنتم له، ولمن يختاره هو من أوليائه ومحبيه يقسمكم عليهم - بأمر الله - على من هو أعلم به من الصلاح، أرضيتم؟ قالوا: بلى ربنا وسيدنا(٣) .

____________________

(١) أى باستئصالهم." باصطلامكم " ب، ط.

(٢) أى أخذه الدوار، وهو دوران يأخذ بالرأس، تعرفه العامة بالدوخة.

(٣) عنه البحار: ٩ / ٣٢٩ ذ ح ١٦(قطعة)، وج ١٩ / ٨٠ ح ٣٤، ومدينة المعاجز: ٧٥ ح ١٨٨ واثبات الهداة: ٤ / ٥٩٦ ح ٢٩١(قطعة).

٤٧٠

قوله عزوجل: " ولما جاء‌هم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وماهم بضارين به من أحد الا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون " ١٠١ - ١٠٢.

٣٠٤ - قال الامامعليه‌السلام : قال الصادقعليه‌السلام :(ولما جاء‌هم) جاء هؤلاء اليهود ومن يليهم من النواصب(رسول(١) من عند الله [مصدق لما معهم]) القرآن مشتملا على [وصف] فضل محمد وعلي، وإيجاب ولايتهما، وولاية أوليائهما، وعداوة أعدائهما(نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب [كتاب الله]) اليهود التوراة وكتب أنبياء اللهعليهم‌السلام (وراء ظهورهم) وتركوا العمل بما فيها وحسدوا محمدا على نبوته، وعليا على وصيته، وجحدوا على ما وقفوا عليه من فضائلهما(كأنهم لا يعلمون) فعلوا من جحد ذلك والرد له فعل من لا يعلم، مع علمهم بأنه حق.

(واتبعوا) هؤلاء اليهود والنواصب(ما تتلوا) ما تقرأ(الشياطين على ملك سليمان) وزعموا أن " سليمان " بذلك السحر والنيرنجات(٢) نال ماناله من الملك العظيم قصدوهم به عن كتاب(٣) الله، وذلك أن اليهود الملحدين والنواصب المشاركين لهم في

____________________

(١) " كتاب " الاصل.وما في المتن كما في البحار.

(٢) النيرنج - بالكسر - اخذ كالسحر وليس به.

(القاموس المحيط ١: / ٢٠(٩).

والاخذة - بالهمزة المضمومة -: رقية كالسحر يؤخذ بها.

(٣) " سبيل " البحار.

٤٧١

إلحادهم لما سمعوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشاهدوا منه ومن عليعليه‌السلام المعجزات التي أظهرها الله تعالى لهم على أيديهما(١) ، أفضى بعض اليهود والنصاب إلى بعض وقالوا: ما محمد إلا طالب دنيا بحيل ومخاريق وسحر ونيرنجات تعلمها، وعلم علياعليه‌السلام بعضها، فهو يريد أن يتملك علينا في حياته، ويعقد(٢) الملك لعلي بعده، وليس مايقوله عن الله تعالى بشئ، إنما هو قوله فيعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسحر والنيرنجات التي يستعملها، وأوفر الناس كان حظا من هذا السحر " سليمان بن داود " الذي ملك بسحره الدنيا كلها من(٣) الجن والانس والشياطين، ونحن إذا تعلمنا بعض ماكان تعلمه(٤) سليمان، تمكنا من إظهار مثل ما يظهره محمد وعلي، وادعينا لانفسنا ما يجعله محمد لعلي، وقد استغنينا عن الانقياد لعلي.

فحينئذ ذم الله تعالى الجميع من اليهود والنواصب فقال الله عزوجل:(نبذوا كتاب الله) الآمر بولاية محمد وعلي(وراء ظهورهم) فلم يعملوا به(واتبعوا ما تتلوا) كفرة(الشياطين) من السحر والنيرنجات(على ملك سليمان) الذين يزعمون أن سليمان به ملك ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس ونستغني عن الانقياد لعليعليه‌السلام .

قالوا: وكان سليمان كافرا ساحرا ماهرا، بسحره ملك ماملك، وقدر على ماقدر فرد الله تعالى عليهم فقال:(وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون(ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) أي بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان كفروا، ثم قال:(وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) قال: كفر الشياطين بتعليمهم

____________________

(١) " عليهما " ب، س، ق، د، ط.

(٢) عقد له على القوم: جعله رئيسا عليهم.

(٣) " و " أ، ب، س، ط.

(٤) " يعلمه " ب.

٤٧٢

الناس السحر، وبتعليمهم إياهم بما أنزل الله على الملكين ببال هاروت وماروت - اسم الملكين -.

قال الصادقعليه‌السلام : وكان بعد نوحعليه‌السلام قد كثر السحرة والمموهون، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكرما يسحر به السحرة، وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم.

فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله، وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه، ونهاهم أن يسحروا به الناس.

وهذا كما يدل على السم ماهو، وعلى مايدفع به غائلة السم(١) ، ثم يقال للمتعلم ذلك: هذا السم، فمن رأيته سم(٢) فادفع غائلته بكذا، وإياك أن تقتل بالسم أحدا.

ثم قال:(وما يعلمان من أحد) وهو أن ذلك النبى أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلمانهم ما علمهما الله تعالى من ذلك ويعظاهم(٣) فقال الله تعالى:(وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وإبطاله(حتى يقولا) للمتعلم:(إنما نحن فتنة): إمتحان.

للعباد ليطيعوا الله عزوجل فيما يتعلمون من هذا، ويبطلوا به كيد الساحر(٤) ، ولا يسحروا لهم(٥) .

(فلا تكفر) باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا [بك] أنك به تحيي وتميت، وتفعل مالا يقدر عليه إلا الله تعالى، فان ذلك كفر.

قال الله تعالى:(فيتعلمون) يعنى طالبي السحر(منهما) يعنى مما كتبت الشياطين

____________________

(١) أى مضرته وشره.

(٢) " رانه السم " أ.

ران: غلب.

(٣) " أعطاهم " س، ص،.

(٤) " السحر " أ، ب، س، ط.

(٥) " بهم " خ ل.

٤٧٣

على ملك سليمان من النيرنجات، وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، يتعلمون من هذين الصنفين.

(ما يفرقون به بين المرء وزوجه) هذا من يتعلم للاضرار(١) بالناس، يتعلمون التفريق بضروب الحيل والتمائم والايهام أنه قد دفن(٢) [كذا] وعمل كذا ليجلب(٣) قلب المرأة عن الرجل، وقلب الرجل عن المرأة، ويؤدي إلى الفراق بينهما.

ثم قال الله عزوجل:(وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله) أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا باذن الله، بتخلية(٤) الله وعلمه، فانه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر.

ثم قال:(ويتعلمون مايضرهم ولا ينفعهم) لانهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا، فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه، بل ينسلخون عن دين الله بذلك.

(ولقد علموا)(٥) هؤلاء المتعلمون(لمن اشتريه) بدينه(٦) الذي ينسلخ عنه بتعلمه(ماله في الآخرة من خلاق) من نصيب في ثواب الجنة(٧) (ولبئس ما شروا به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب(لو كانوا يعلمون) أي لو كانوا يعلمون أنهم قد باعوا الآخرة، وتركوا نصيبهم من الجنة، لان المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول، ولا إله، ولا بعث، ولا نشور.

فقال:(ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) لانهم يعتقدون أن لا آخرة، فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا، وإن كان

____________________

(١) " الاضرار " أ، والعيون.

(٢) زاد في العيون والبحار: في موضع.

(٣) " ليحبب " ب، س، ق، د والبحار." يغضب " ص، والبرهان.

(٤) خلى تخلية الامر وعنه: تركه.

(٥) " علم " الاصل والبحار.

(٦) أى استبدل السحر بدينه.واللام في " لمن " للابتداء علقت " علموا " عن العمل.

(٧) زاد بعدها في " أ، ط، العيون، والبحار ": ثم قال(عزوجل).

٤٧٤

[بعد الدنيا] آخرة فهم مع كفرهم بها لاخلاق لهم فيها.

ثم قال:(ولبئس ماشروا به أنفسهم) باعوا به أنفسهم بالعذاب، إذا باعوا الآخرة بالدنيا ورهنوا بالعذاب [الدائم](١) أنفسهم(لو كانوا يعلمون) أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به.

فلما(٢) تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا، عذبهم(٣) على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحق.

قال أبويعقوب وأبوالحسن(٤) : قلنا للحسن أبي القائمعليه‌السلام : فان قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا، وأنهما افتتنا بالزهرة، وأرادا الزنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النفس المحرمة، وأن الله تعالى يعذبهما ببابل، وأن السحرة منهما يتعلمون السحر وأن الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة.

فقال الامامعليه‌السلام : معاذ الله من ذلك، إن ملائكة الله تعالى معصومون [من الخطأ] محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى، فقال الله عزوجل فيهم:(لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون)(٥) وقال تعالى:(وله من في السموات والارض ومن عنده - يعني الملائكة - لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون.

يسبحون الليل والنهار لا يفترون).وقال في الملائكة(بل عباد مكرمون.

لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) إلى قوله(وهم من خشيته مشفقون)(٦) .

ثم قال: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء‌ه على الارض وكانوا كالانبياء في الدنيا وكالائمة، فيكون من الانبياء والائمة قتل النفس وفعل الزنا !؟

____________________

(١) من العيون والبحار.

(٢) " و " أ، س، ط.

(٣) كذا في العيون " انى لاعذبهم " ب، س، ص، ط." لاعذبنهم " أ، ق، د، " عذابهم " البحار.

(٤) هما راويا التفسير.

(٥) التحريم: ٦.

(٦) الانبياء: ١٩ - ٢٨.

٤٧٥

ثم قال: أو لست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر؟ أو ليس الله يقول:(وما أرسلنا من قبلك - يعني إلى الخلق - إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى)(١) فأخبر الله أنه لم يبعث الملائكة إلى الارض ليكونوا أئمة وحكاما، وإنما ارسلو إلى أنبياء الله.

قالا: قلنا لهعليه‌السلام : فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟ فقال: لا، بل كان من الجن، أما تسمعان أن الله تعالى يقول:(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن)(٢) .

فأخبر أنه كان من الجن، وهو الذي قال الله تعالى:(والجان خلقناه من قبل من نار السموم)(٣) .

وقال الامامعليه‌السلام : حدثني أبي، عن جدي، عن الرضا، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن عليعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن الله اختارنا معاشر آل محمد، واختار النبيين واختار الملائكة المقربين، وما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، وينقطعون به عن عصمته، وينضمون(٤) به إلى المستحقين لعذابه ونقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روي لنا أن علياعليه‌السلام لما نص عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية والامامة، عرض الله في السماوات ولايته على فئام(٥) وفئام من الملائكة، فأبوها فمسخهم الله ضفادع.

____________________

(١) يوسف: ١٠٩.

(٢) الكهف: ٥٠.

(٣) الحجر: ٢٧.

(٤) " ينتسبون " العيون، والبحار.

(٥) " فئام من الناس " العيون والبحار.وذكرها ثلاثا في ق، د.

٤٧٦

فقال: معاذ الله هؤلاء المكذبون [لنا، المفترون](١) علينا، الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله إلى الخلق، أفيكون منهم الكفر بالله؟ قلنا: لا.

قال: فكذلك الملائكة، إن شأن الملائكة عظيم، وإن خطبهم لجليل(٢) .

قوله عزوجل " يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ": ١٠٤

٣٠٥ - قال الامامعليه‌السلام : قال موسى بن جعفرعليهما‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم المدينة كثر حوله المهاجرون والانصار، وكثرت عليه المسائل، وكانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أن الله تعالى كان قال لهم:(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)(٣) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم رحيما، وعليهم عطوفا، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا حتى أنه كان ينظر إلى كل من يخاطبه، فيعمل(٤) على أن يكون صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرتفعا على صوته ليزيل عنه ما توعده الله [به] من إحباط أعماله، حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما وهو خلف حائط بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه بأرفع من صوته، يريد أن لا يأثم الاعرابي بارتفاع صوته

____________________

(١) من العيون والبحار.

(٢) عنه البحار: ٩ / ٣٣٠ ح ١٧ قطعة وج ٦٣ / ٩٥ ح ٥٥ وص ٢١٢ ح ٤٧ قطعة، والبرهان: ١ / ١٣٥ ح ١ وص ١٣٦ ح ١، وعنه البحار: ٥٩ / ٣١٩ ح ٣ وعن عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٦٦ ح ١ باسناده عن المفسر الجرجانى، عن...، عن الصادقعليه‌السلام وأخرجه في البرهان: ٢ / ٢٧٦ ح ١(قطعة) عن العيون.

(٣) الحجرات: ٢.

(٤) " فيعمد " ص، ط.

٤٧٧

فقال له الاعرابي: أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخا العرب إن بابها مفتوح لابن آدم لا يسد حتى تطلع الشمس من مغربها، وذلك قوله تعالى:(هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك، يوم يأتي بعض آيات ربك - وهو طلوع الشمس من مغربها - لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)(١) .

وقال موسى بن جعفرعليهما‌السلام : وكانت هذه اللفظة:(راعنا) من ألفاظ المسلمين الذين يخاطبون بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولون: راعنا، أي إرع أحوالنا، واسمع منا كما نسمع منك.

وكان في لغة اليهود معناها: اسمع.لا سمعت.

فلما سمع اليهود، المسلمين يخاطبون بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقولون: راعنا ويخاطبون بها، قالوا: إنا كنا نشتم محمدا إلى الآن سرا، فتعالوا الآن نشتمه جهرا.

وكانوا يخاطبون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون: راعنا، ويريدون شتمه.

ففطن(٢) لهم سعد بن معاذ الانصاري، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، أراكم تريدون سب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتوهمونا أنكم تجرون في مخاطبته مجرانا، والله لاسمعتها من أحد منكم إلا ضربت عنقه، ولو لا أني أكره أن أقدم عليكم قبل التقدم والاستيذان له ولاخيه ووصيه على بن أبي طالبعليه‌السلام القيم بامور الامة نائبا عنه فيها، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا.

فأنزل الله: يا محمد(من الذين هادوا يحرقون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين - إلى قوله - فلا يؤمنون إلا قليلا)(٣) .

وأنزل(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) يعنى فانها لفظة(٤) يتوصل بها

____________________

(١) الانعام: ١٥٨.

(٢) فطن للامر وبه واليه: أدركه، فهمه.

(٣) النساء: ٤٦.

(٤) " بأنها اللفظة التى " ق.

٤٧٨

أعداؤكم من اليهود إلى شتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشتمكم.

وقولوا:(انظرنا)، أي قولوا بهذه اللفظة، لا بلفظة راعنا، فأنه ليس فيها ما في قولكم: راعنا، ولا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم كما يمكنهم بقولهم راعنا(واسمعوا) إذا قال لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قولا وأطيعوا.

(وللكافرين) يعنى اليهود الشاتمين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (عذاب أليم) وجيع في الدنيا إن عادوا بشتمهم، وفي الآخرة بالخلود في النار(١) .

مدح سعد بن معاذ

٣٠٦ - ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عباد الله هذا سعد بن معاذ من خيار عباد الله آثر رضى الله على سخط قراباته وأصهاره من اليهود، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وغضب لمحمد رسول الله، ولعلي ولي الله ووصي رسول الله، أن يخاطبا بما لا يليق بجلالتهما، فشكر الله له تعصبه(٢) لمحمد وعلي، وبوأه في الجنة منازل كريمة، وهيأ له فيها خيرات واسعة لا تأتي الالسن على وصفها، ولا القلوب على توهمها(٣) والفكر فيها، ولسلكة من مناديل موائده(٤) في الجنة خير من الدنيا بما فيها من زينتها ولجينها وجواهرها، وسائر أموالها ونعيمها.

فمن أراد أن يكون فيها رفيقه وخليطه، فليتحمل(٥) غضب الاصدقاء والقرابات وليؤثر عليهم رضى الله في الغضب لرسول الله [محمد].

____________________

(١) عنه البحار: ٦ / ٣٤ ح ٤٦ قطعة، ج ٩ / ٣٣١ ح ١٨، والبرهان: ١ / ١٣٨ ح ١، ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٥١ ح ٤ باب ٩٢.

(٢) " لغضبه " ص.

(٣) " توسمها " خ ل.

توسم الشئ: تفرسه.

(٤) " وموائد نعمتها " أ، ب، ط، والبرهان.

(٥) " فليحتمل " س، ص، د.

٤٧٩

وليغضب إذا رأى الحق متروكا، ورأى الباطل معمولا به، وإياكم والتهون(١) فيه مع التمكن القدرة وزوال التقية، فان الله تعالى لا يقبل لكم عذرا عند ذلك(٢) .

في ذم ترك الامر بالمعروف

٣٠٧ - ولقد أوحى الله فيما مضى قبلكم إلى جبرئيل، وأمره أن يخسف ببلد يشتمل على الكفار والفجار فقال جبرئيل: يارب أخسف بهم إلا بفلان الزاهد؟ ليعرف ماذا يأمر الله به.

فقال الله عزوجل: بل اخسف بفلان قبلهم.

فسأل ربه، فقال: يا رب عرفني لم ذلك وهو زاهد عابد؟ قال: مكنت له وأقدرته، فهو لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، وكان يتوفر على حبهم في غضبي لهم.

فقالوا: يا رسول الله وكيف بنا ونحن لا نقدر على إنكار ما نشاهده من منكر؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليعمنكم عقاب الله، ثم قال: من رأى منكم منكرا فلينكره بيده إن استطاع، فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه إنه لذلك كاره(٣) .

٣٠٨ - فلما مات سعد بن معاذ بعد أن شفى من بني قريظة بأن قتلوا أجمعين، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يرحمك الله يا سعد، فلقد كنت شجا(٤) في حلوق الكافرين، لو بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه في بيضة المسلمين(٥) كعجل قوم موسى.

____________________

(١) " الهوينا " ب، س، ص، ق، والبحار، هون عليه الامر: سهله وخففه.

والهوينا: التؤدة والرفق.

(٢) عنه البحار: ٩ / ٣٣٣ ذ ح ١٨، وج ٢٢ / ١١٤ ضمن ح ٨٥(قطعة).

(٣) عنه الوسائل: ١١ / ٤٠٦ ح ١٢، والبحار: ١٠٠ / ٨٥ ح ٥٧.

(٤) الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، والهم والحزن.

(٥) " الاسلام " ص، والبحار.

بيضة القوم: ساحتهم.

٤٨٠