تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 203489
تحميل: 37842

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203489 / تحميل: 37842
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

فيقع ثوابه وعقابه - بجهله بما لبس عليه - بغير مستحقه(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.

وإن أعظم طهور الصلاة - التي لا يقبل الصلاة إلا به، ولا شئ من الطاعات مع فقده - موالاة محمد، وأنه سيد المرسلين، وموالاة علي، وأنه سيد الوصيين وموالاة أوليائهما، ومعاداة أعدائهما.

ثواب الوضوء

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العبد إذا توضأ فغسل وجهه، تناثرت [عنه] ذنوب وجهه.

وإذا غسل يديه إلى المرفقين تناثرت عنه ذنوب يديه.

وإذا مسح برأسه تناثرت عنه ذنوب رأسه.

وإذا مسح رجليه - أو غسلها للتقية - تناثرت عنه ذنوب رجليه.

وإن قال في أول وضوئه " بسم الله الرحمن الرحيم " طهرت أعضاؤه كلها من الذنوب.

وإن قال في آخر وضوئه أو غسله من الجنابة: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك، وأشهد أن عليا وليك وخليفتك بعد نبيك على خليقتك، وإن أولياء‌ه وأوصياء‌ه خلفاؤك" تحاتت(٢) عنه ذنوبه كلها كما يتحات ورق الشجر، وخلق الله بعدد كل قطرة من

____________________

(١) عنه الوسائل: ٦ / ١٥٤ ح ١٣ و ١٤(قطعة)، والبحار: ٧ / ٢٦٩ ح ٥١(قطعة) وج ٧٤ / ٣٠٩ صدر ح ٦٣، وج ٨٤ / ٢٤٤ ح ٣٤ قطعة، وج ٩٦ / ٦٨ ح ٤١(قطعة) والبرهان: ١ / ١٤٢ ح ١، ومستدرك الوسائل: ٢ / ٤١١ باب ٣٣ ح ٣.

(٢) أى تساقطت: " تجانبت " ق، د.وكذا التى تلى.

٥٢١

قطرات وضوئه أو غسله ملكا يسبح الله ويقدسه ويهلله ويكبره، ويصلي على محمد وآله الطيبين، وثواب ذلك لهذا المتوضئ، ثم يأمر الله بوضوئه أو غسله فيختم عليه بخاتم من خواتم رب العزة، ثم يرفع تحت العرش حيث لا تناله اللصوص، ولا يلحقه السوس(١) ولا يفسده الاعداء، حتى يرد عليه ويسلم إليه، أو في(٢) ماهو أحوج، وأفقر مايكون إليه، فيعطى بذلك في الجنة مالا يحصيه العادون ولا يعي عليه الحافظون، ويغفر الله له جميع ذنوبه حتى تكون صلاته نافلة(٣) .

ثواب الصلاة

وإذا توجه إلى مصلاه ليصلي قال الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي أما ترون هذا عبدي كيف قد انقطع عن جميع الخلائق إلي، وأمل رحمتي وجودي ورأفتي؟ اشهدكم أني أختصه برحمتي وكراماتي.

فاذا رفع يديه وقال: " الله أكبر " وأثني على الله تعالى بعده قال الله لملائكته: أما ترون عبدي هذا كيف كبرني وعظمني ونزهني عن أن يكون لي شريك، أو شبيه أو نظير، ورفع يديه تبرؤا(٤) عما يقوله أعدائي من الاشراك بي؟ أشهدكم يا ملائكتي أني ساكبره واعظمه في دار جلالي، وانزهه في متنزهات دار كرامتي وابرئه من آثامه وذنوبه من عذاب جهنم نيرانها.

فاذا قال:(بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين) فقرأ فاتحة الكتاب

____________________

(١) هو دود يقع في الصوف والخشب والثياب ونحوها.والظاهر أن اللصوص، والسوس، والاعداء كناية عن الشياطين.

(٢) " أوفر " ص، والبحار.

(٣) عنه الوسائل: ١ / ٢٧٩ ح ٢٠ و ٢١، والبحار: ٨٠ / ٣١٦ ح ٧ وج ٨٤ / ٢٢٣ ح ٨ قطعة، والبرهان: ١ / ١٤٢ ذ ح ١ قطعة، واثبات الهداة: ٣ / ٥٧٦ ح ٦٧ قطعة، ومستدرك الوسائل: ١ / ٤١ ح ٨.

(٤) " وتبرأ " المستدرك.

٥٢٢

وسورة، قال الله تعالى لملائكته: أما ترون عبدي هذا كيف تلذذ بقراء‌ة كلامي؟ اشهدكم [يا] ملائكتي لاقولن له يوم القيامة: إقرأ في جناني، وارق درجاتها(١) فلا يزال يقرأ ويرقى درجة بعدد كل حرف: درجة من ذهب، ودرجة من فضة، ودرجة من لؤلؤ، ودرجة من جوهر، ودرجة من زبرجد أخضر، ودرجة من زمرد أخضر، ودرجة من نور رب العالمين(٢) .

فاذا ركع قال الله لملائكته: يا ملائكتي أما ترونه كيف تواضع لجلال عظمتي؟ اشهدكم لاعظمنه في دار كبريائي، وجلالي.

فاذا رفع راسه من الركوع، قال الله تعالى: أما ترونه يا ملائكتي كيف يقول: أترفع على(٣) أعدائك كما أتواضع لاوليائك، وأنتصب لخدمتك؟ اشهدكم يا ملائكتي لاجعلن جميل العاقبة(٤) له ولاصيرنه إلى جناني.

فاذا سجد قال الله [تعالى لملائكته]: يا ملائكتي أما ترونه كيف تواضع بعد ارتفاعه وقال: إني وإن كنت جليلا مكينا في دنياك، فأنا ذليل عند الحق إذا ظهر لي؟ سوف أرفعه بالحق وأدفع(٥) به الباطل.

فاذا رفع رأسه من السجدة الاولى، قال الله تعالى: يا ملائكتي أما ترونه كيف قال: وإني وإن تواضعت لك فسوف أخلط الانتصاب في طاعتك بالذل بين يديك فاذا سجد ثانية قال الله عزوجل: يا ملائكتي أما ترون عبدي هذا كيف عاد إلى التواضع لي؟ لاعيدن إليه رحمتي.

فاذا رفع رأسه قائما، قال الله: يا ملائكتي لارفعنه بتواضعه كما ارتفع إلى صلاته.

ثم لا يزال يقول الله لملائكته هكذا في كل ركعة.

____________________

(١) " درجاتى " البحار، والمستدرك

(٢) " العزة " ب، ص، البحار، والمستدرك.

(٣) " ارتفع عن " ص، البحار والمستدرك.

(٤) " خير العافية / العافية " ب، س، ص، ق، د.

(٥) " أدمغ " أ، س، ق، د.

٥٢٣

حتى إذا قعد للتشهد الاول والتشهد الثاني، قال الله تعالى: يا ملائكتي قد قضى خدمتي وعبادتي، وقعد يثني علي، ويصلي على محمد نبيي، لاثنين عليه في ملكوت السماوات والارض، ولاصلين على روحه في الارواح.

فاذا صلى على أمير المؤمنينعليه‌السلام في صلاته قال [الله له]: لاصلين عليك كما صليت عليه، ولاجعلنه شفيعك كما استشفعت به.

فاذا سلم من صلاته سلم الله عليه وسلم عليه ملائكته(١) .

ثواب اعطاء الزكاة

٣٢٠ - وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " وآتوا الزكاة " من أموالكم المستحقين لها من الفقراء والضعفاء لاتبخسوهم ولا توكسوهم(٢) ، ولا تيمموا الخبيث(٣) أن تعطوهم، فان من أعطى الزكاة من ماله طيبة بها نفسه، أعطاه الله بكل حبة منها قصرا في الجنة من ذهب وقصرا من فضة، وقصرا من لؤلؤ، وقصرا من زبرجد، وقصرا من زمرد، وقصرا من جوهر، وقصرا من نور رب العالمين.

وأيما عبد التفت في صلاته، قال الله تعالى: يا عبدي إلى أين تقصد؟ ومن تطلب؟ أربا غيري تريد؟ أو رقيبا سواي تطلب؟ أو جوادا خلاي تبتغي؟ أناأكرم الاكرمين وأجود الاجودين، وأفضل المعطين، اثيبك ثوابا لا يحصى قدره، فأقبل علي، فاني عليك مقبل، وملائكتي عليك مقبلون.

فان أقبل زال عنه إثم ماكان منه، وإن التفت بعد(٤) أعاد الله [له] مقالته، فان أقبل

____________________

(١) عنه البحار: ٨ / ١٨١ ح ٣٨(قطعة)، وج ٨٢ / ٢٢١ ح ٤٢، وج ٨٥ / ٢٨٦ ح ١٣ قطعة ومستدرك الوسائل: ١ / ١٨٠ ح ٥.

(٢) وكس الشئ: نقصه.

(٣) زاد في " ب، س، ط " بالطيب.

تيمم الامر: توخاه وتعمده.

(٤) " ثانية " البحار.

٥٢٤

زال عنه اثم ماكان منه، وإن التفت ثالثة أعاد الله له مقالته، فان أقبل على صلاته غفر [الله] له ماتقدم من ذنبه.

وإن التفت رابعة أعرض الله عنه، وأعرضت الملائكة عنه، ويقول: وليتك يا عبدي ما توليت.

وإن قصر في الزكاة قال الله تعالى: يا عبدي أتبخلني؟ أم تتهمني؟ أم تظن أني عاجز غير قادر على إثابتك؟ سوف يرد عليك يوم تكون فيه أحوج المحتاجين إن أديتها كما أمرت، وسوف يرد عليك إن بخلت يوم تكون فيه أخسر الخاسرين.

قالعليه‌السلام : فسمع ذلك المسلمون فقالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عباد الله أطيعوا الله في أداء الصلوات المكتوبات، والزكوات المفروضات، وتقربوا بعد ذلك إلى الله بنوافل الطاعات، فان الله عزوجل يعظم به المثوبات، والذي بعثني بالحق نبيا إن عبدا من عباد الله ليقف يوم القيامة موقفا يخرج عليه من لهب النار أعظم من جميع جبال الدنيا، حتى مايكون بينه وبينها حائل، بينا هو كذلك قد تحير إذ تطاير من الهواء رغيف أو حبة(١) قد واسى بها أخا مؤمنا على إضافته، فتنزل حواليه، فتصير كأعظم الجبال مستديرا حواليه، تصد عنه ذلك اللهب، فلا يصيبه من حرها ولا دخانها شئ، إلى أن يدخل الجنة.

قيل: يا رسول الله وعلى هذا تنفع مواساته لاخيه المؤمن؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إي والذي بعثني بالحق نبيا إنه لينفع بعض المواسين(٢) بأعظم من هذا، وربما جاء يوم القيامة من تمثل له سيئاته [وحسناته] وإساء‌ته إلى إخوانه المؤمنين - وهي التي تعظم وتتضاعف فتمتلئ بها صحائفه - وتفرق حسناته على خصمائه المؤمنين المظلومين بيده ولسانه، فيتحير ويحتاج إلى حسنات توازي(٣) سيئاته.

____________________

(١) " حبة فضة " ق، د، ط.

(٢) " المؤمنين " ب، والبحار.

(٣) " توارى " ص.

وارى الشئ: أخفاه وستره.

٥٢٥

فيأتيه أخ له مؤمن - قد كان أحسن إليه في الدنيا - فيقول له: قد وهبت لك جميع حسناتي بازاء ماكان منك إلي في الدنيا، فيغفر الله له بها، ويقول لهذا المؤمن: فأنت بماذا تدخل جنتي؟ فيقول: برحمتك يا رب ! فيقول الله: عزوجل: جدت عليه بجميع حسناتك، ونحن أولى بالجود منك والكرم، قد تقبلتها عن أخيك وقد رددتها عليك وأضعفتها لك.

فهو من أفاضل أهل الجنان(١) .

قوله عزوجل: وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يخزنون " ١١١ و ١١٢

٣٢١ - قال الامامعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام " وقالوا " يعني اليهود والنصارى: قالت اليهود " لن يدخل الجنة إلا من كان هودا " أي يهوديا.

وقوله " أو نصارى " يعني وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.

قال امير المؤمنينعليه‌السلام : وقد قال غيرهم: قالت الدهرية: الاشياء لا بدء لها، وهي دائمة، ومن خالفنا في هذا ضال مخطئ [مفصل](٢) .

____________________

(١) عنه البحار: ٧ / ٣٠٠ ضمن ح ٥١: وج ٧٤ / ٣١٠ ذ ح ٦٣، وج ٨٤ / ٢٤٤ ح ٣٤ قطعة وج ٩٦ / ٩ ح ٦ قطعة، ومستدرك السوائل: ١ / ٤٠٦ باب ٢٤ ح ١ قطعة وص ٥٠٦ باب ١ ح ١٤ قطعة.

(٢) من البحار والبرهان، ذهبت الدهرية إلى أن العالم قديم زمانى، وقالوا: ان الاشياء دائمة الوجود لم تزل ولا تزال، بل بعضهم أنكروا الحوادث اليومية أيضا وذهبوا إلى الكمون والبروز لتصحيح قدم الحوادث اليومية، وأنكروا وجود مالم تدركه الحواس الخمس، ولذا أنكروا وجود الصانع لعدم ادراك الحواس له تعالى، وقالوا وجودالموجودات من الطبائع المتعاقبة لا إلى نهاية.

اذا تقرر هذا فاعلم أن الظاهر أن المطلوب أولا اثبات الحدوث الزمانى، فان الظاهر من " البدء " البدء الزمانى، ويؤيده قوله [كما سيأتى] " وهى دائمة لم تزل ولا تزال ".

ذكره المجلسى -رحمه‌الله -.

٥٢٦

وقالت الثنوية: النور والظلمة هما المدبران، ومن خالفنا في هذا ضل.

وقال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضل(١) .

فقال الله تعالى: " تلك أمانيهم " التي يتمنونها " قل - لهم - هاتوا برهانكم " على مقالتكم " إن كنتم صادقين "(٢) .

في ان الجدال على قسمين

٣٢٢ - وقال الصادقعليه‌السلام - وقد ذكرنا عنده الجدال في الدين، وأن رسول الله والائمةعليهم‌السلام قد نهوا عنه - فقال الصادقعليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله عزوجل يقول: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن(٣) " وقوله تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن "(٤) .

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه(٥) العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: " وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى " وقال الله تعالى: " تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين "؟ فجعل علم الصدق والايمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟

____________________

(١) لزيادة الاطلاع، راجع الملل والنحل: ١ / ٢٤٤، وج ٢ / ٢٣٥.

(٢) عنه البحار: ٩ / ٢٥٥ صدر ح ١، والبرهان: ١ / ١٤٣ صدر ح ١.

(٣) العنكبوت: ٤٦.

(٤) النحل: ١٢٥.

(٥) " ذكره " ص.

٥٢٧

فقيل: يابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن، والتي ليست بأحسن؟ قال: أما الجدال بغير التي هي أحسن، فان تجادل مبطلا، فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة، لانك لا تدري كيف التخلص منه، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين.

أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجة له على باطله(١) .

وأما الضعفاء فتغم(٢) قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.

وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياء‌ه له، فقال الله تعالى حاكيا عنه:(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم).

فقال الله في الرد عليه:(قل - يا محمد - يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا أنتم منه توقدون)(٣) .

فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟ قال الله تعالى:(قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من أعادته.

ثم قال:(الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا) أي إذا كان قد كمن(٤)

____________________

(١) " لهم على باطلهم " أ، ط.

(٢) " فتعمى " البحار: ٩.

(٣) زاد في الاصل والاحتجاج " إلى آخر السورة ".

والايات: ٧٨ - ٨٠ من سورة يس.

(٤) كمن الشئ: خفى، ضد برز.

٥٢٨

النار الحارة في الشجر الاخضر الرطب يستخرجها، فعرفكم أنه على إعادة ما بلى أقدر(١) .

ثم قال:(أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم)(٢) أي إذا كان خلق السماوات والارض أعظم(٣) وأبعد في أوهامكم وقدركم(٤) أن تقدروا عليه من إعادة البالي(٥) فكيف جوزتم من الله خلق هذا الاعجب عندكم والاصعب لديكم ولم تجوزوا ماهو أسهل عندكم من إعادة البالي؟ فقال الصادقعليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لان فيها قطع عذر(٦) الكافرين وإزالة شبههم.

وأما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لانك مثله، جحد هو حقا، وجحدت أنت حقا آخر.

قال [أبومحمد الحسن العسكرىعليه‌السلام ]: فقام إليه رجل وقال: يابن رسول الله أفجادل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال الصادقعليه‌السلام : مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظن به مخالفة الله، أو ليس الله تعالى قد قال:(وجادلهم بالتي هي أحسن)؟ وقال:(قل يحييها الذي أنشأها أول مرة).

____________________

(١) قال الطبرسى -رحمه‌الله - بصدر الاية: أى جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة يعنى بذلك " المرخ والعفار " وهما شجران تتخذ الاعراب زنودها منها فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الاخضر الذى هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة حتى اذا احتاج الانسان حك بعضه ببعض فخرج منه النار، وينقدح، قدر على الاعادة، وتقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار.

قال الكلبى: كل شجر تنقدح منه النار الا العناب.

(مجمع البيان: ٨ / ٤٣(٥).

(٢) يس: ٨١.

(٣) " أعظم درجة " ب، ط.

(٤) - محركة - أى طاقتكم، أو بسكون الدال أى: قوتكم.

(٥) " الثانى " أ، وكذا التى بعدها.

(٦) " عرى " أ، ب، ق، د " دعوى " ص.

٥٢٩

لمن ضرب الله مثلا، أفتظن أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالف ما أمره الله، فلم يجادل بما أمره الله به، ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به؟ ! [احتجاج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجداله ومناظرته:] ٣٢٣ - ولقد حدثني أبي الباقرعليه‌السلام ، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل خمسة أديان: اليهود والنصارى، والدهرية، والثنوية ومشركوا العرب.

فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت النصارى: نحن نقول، إن المسيح ابن الله اتحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الدهرية: نحن نقول: الاشياء لابدء لها وهي دائمة، وقد جئناك لتنظر ما تقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الثنوية: نحن نقول: إن النور والظلمة هما المدبران، وقد جئناك للنظر ماتقول، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقال مشركو العرب: نحن نقول إن أوثاننا آلهة(١) وقد جئناك للنظر ما تقول فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : آمنت بالله وحده لا شريك له، وكفرت بكل(٢) معبود سواه.

ثم قال لهم: إن الله تعالى بعثني كافة للناس(٣) بشيرا ونذيرا، حجة على العالمين

____________________

(١) " الهتنا " ب، ط.

(٢) " بالجبت [والطاغوت] وبكل " ط، والاحتجاج.

(٣) " قد بعثنى إلى الخلق كافة " أ.

٥٣٠

وسيرد الله كيد من يكيد دينه في نحره.

ثم قال لليهود: أجئتموني لاقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا: لا.

قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله؟ قالوا: لانه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل به هذا إلا لانه ابنه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاء‌هم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه باحياء التوراة، فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة، لانكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الولادة(١) على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الامهات الاولاد بوطئ آبائهم لهن، فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن له خالقا صنعه وابتدعه.

قالوا: لسنا نعني هذا، فان هذا كفر كما ذكرت، ولكنا نعني أنه ابنه على معنى(٢) الكرامة، وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره: يا بني، وإنه ابني.

لا على إثبات ولادته منه، لانه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه وكذلك لما فعل بعزير ما فعل، كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهذا ما قلته لكم: إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة لموسى أولى، وإن الله تعالى يفضح كل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته.

إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم، لانكم قلتم(٣) :

____________________

(١) " الدلالة " ب، س، الاحتجاج.

(٢) " وجه " ق.

(٣) " زعمتم " ص والبرهان.

٥٣١

إن عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه: يا بني، وهذا ابني لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لاجنبي آخر: هذا أخي ولآخر: هذا شيخي، وأبي، ولآخر: هذا سيدي، على سبيل الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فاذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لانه قد زاده في الكرامة على ما لعزيز، كما أن من زاد رجلا في الاكرام فقال له: يا سيدي ويا شيخي وياعمي ويا رئيسي ويا أميري على طريق الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله، أو شيخا، أو عما أو رئيسا، أو سيدا أو أميرا؟ لانه قد زاده في الاكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي، أو يا رئيسي، أو يا أميري.

قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا.

فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدكم الله.

ثم أقبلصلى‌الله‌عليه‌وآله على النصارى فقال لهم: وأنتم قلتم: إن القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه(١) ما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله؟ أو معنى(٢) قولكم: " إنه اتحدبه " أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فان أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم، لآن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم(٣) لان المحدث أيضا محال أن يصير قديما، وإن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه

____________________

(١) " اتخذ المسيح(ابنه) ابنا " أ، ص، والبرهان.

(٢) " معناكم في " الاصل، وما في المتن كما في الاحتجاج والبحار.

(٣) " أبطلتم " أ، والبرهان.

أحال الرجل: أتى بالمحال وتكلم به.

٥٣٢

على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عيسى، وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله، لانه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين، وهذا خلاف مابدأتم تقولونه.

قال: فقالت النصارى: يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الاشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتخذه ولد ا على جهة الكرامة.

فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه.

ثم أعادصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحد منهم، فقال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل الله؟ [قال: قد قلنا ذلك.

فقال:] فاذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسى ابن الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهما لم يشتبها، لان قولنا: إن إبراهيم خليل الله، فانما هو مشتق من الخلة والخلة(١) : فأما الخلة فانما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك لما أريد قذفه في النار، فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيلعليه‌السلام وقال له: أدرك عبدي.

فجاء‌ه فلقيه في الهواء، فقال: كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك.

فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه.

فسماه خليله أي، فقيره ومحتاجه، والمنقطع إليه عمن سواه.

وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل [به] معانيه، ووقف على أسرار لم(٢) يقف عليها غيره كان معناه العالم به وباموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله

____________________

(١) قال المجلسى -رحمه‌الله -: " الخلة والخلة " الاولى - بالفتح - وهى بمعنى الفقر والحاجة والثانية - بالضم - وهى بمعنى غاية الصداقة والمحبة، اشتق من الخلال لان المحبة تخللت قلبه فصارت خلاله، أى في باطنه، وقد ذكر اللغويون أنه يحتمل كون الخليل مشتقا من الخلة - بالفتح والضم -.

(٢) " أسراره ولم " أ، س، ص، والبرهان.

٥٣٣

بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأن من يلده الرجل، وإن أهانه وأقصاه، لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لان معنى الولادة قائم.

ثم إن وجب - لانه قال الله: ابراهيم خليلي - أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إن عيسى ابنه، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى: إنه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا إن موسى أيضا ابنه، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود.

فقال بعضهم: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال: أذهب إلى أبي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فان كنتم بذلك الكتاب تعملون، فان فيه: " أذهب إلى أبي وأبيكم " فقولوا: إن جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا [المعنى] الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له، لانكم قلتم: إنما قلنا: إنه ابنه لانه تعالى اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى: " أذهب إلى أبي وأبيكم " فبطل أن يكون الاختصاص(١) لعيسى، لانه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها لانه إذا قال: " أبي وأبيكم " فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى: أذهب إلى آدم وإلى نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبوكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا قال: فسكتت النصارى، وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في أمورنا.

ثم اقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول

____________________

(١) " تكون البنوة للاختصاص " أ، ط.

٥٣٤

بأن الاشياء لابدء لها وهي دائمة لم تزل، ولا تزال؟ فقالوا: لانا لا نحكم إلا بما نشاهد، ولم نجد للاشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء ولا فناء فحكمنا بأنها لا تزال.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفوجدتم لها قدما، أم وجدتم لها بقاء أبد الآباد؟ فان قلتم: إنكم قد وجدتم ذلك أثبتم(١) لانفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية، ولا تزالون كذلك ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم(٢) العالمون الذين يشاهدونكم.

قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الاباد.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاء‌ها أولى من تارك التميز لها مثلكم، يحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لانه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآباد.

أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم.

فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا: نعم.

قال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا: لا.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما، ويكون الثاني جاريا(٤) بعده.

قالوا: كذلك هو.

فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار(٥) .لم تشاهدوهما، فلا تنكروا

____________________

(١) " اتهمتم " أ.

" أنهضتم " الاحتجاج.

" أفهمتم " البرهان.

(٢) " وكذبتم " أ، ب، ص.

(٣) " منقطع " أ، ص.

(٤) " حادثا " أ، ب، ط.

(٥) قال العلامة المجلسى -رحمه‌الله - تدرجصلى‌الله‌عليه‌وآله في الاحتجاج فنزلهم أولا عن مرتبة الانكار إلى مدرجة الشك بهذا الكلام، وحاصله: أنكم كثيرا ما تحكمون بأشياء لم تروها كحكمكم هذا بعدم اجتماع الليل والنهار فيما سبق من الازمان، فليس لكم أن تجعلوا عدم مشاهدتكم لشئ حجة للجزم بانكاره.

٥٣٥

لله قدرة(١) ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتقولون ما قبلكم(٢) من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فان قلتم: غير متناه فكيف(٣) وصل إليكم آخر بلا نهاية لاوله؟ وإن قلتم: إنه متناه أم غير فقد كان ولا(٤) شئ منهما بقديم.

قالوا: نعم.

____________________

(١) قال المجلسى -رحمه‌الله - أى فلا تنكروا أن الاشياء مقدورة لله تعالى، وأن الله خالقها أولا تنكروا قدرة الله على احداثها من كتم العدم ومن غير مادة، ثم أخذصلى‌الله‌عليه‌وآله في اقامة البرهان على حدوثها وهو يحتمل وجهين: الاول: أن يكون إلى آخر الكلام برهانا واحدا، حاصله أنه لا يخلو من أن يكون الليل والنهار أى الزمان غير متناه من طرف الازل منتهيا الينا، أو متناهيا من طرف الازل أيضا، فعلى الثانى فالاشياء لحدوثها لابد لها من صانع يتقدمها ضرورة فهذا معنى قوله [وسيأتى تباعا]: " فقد كان ولا شئ منهما " أى كان الصانع قبل وجود شئ منهما.

ثم أخذصلى‌الله‌عليه‌وآله في ابطال الشق الاول بأنكم انما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع، والعقل السليم يحكم بأن القديم الذى لا يحتاج إلى صانع لابد أن يكون مباينا في الصفات والحالات للحادث الذى يحتاج إلى الصانع، والعقل السليم يحكم بأن القديم الذى لايحتاج إلى صانع لابد أن يكون مباينا في الصفات والحالات للحادث الذى يحتاج إلى الصانع، مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز عن الحادث في شئ من التغيرات والصفات والحالات، أو المعنى أن ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب واعتوار الصفات المتضادة عليه وكونها في معرض الانحلال والزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه وعدم احتياجه إلى الصانع: فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا.

الثانى: أن يكون قوله:(أتقولون) إلى قوله:(قال لهم أقلتم) برهانا واحدا بأن يكون قوله:(فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لاوله) ابطالا للشق الاول بالاحالة على الدلائل التى اقيمت على ابطال الامور الغير المتناهية المترتبة، بناء على عدم اشتراط وجودها معا في اجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين، ويكون بعد ذلك دليلا واحدا كما مر سياقه ويمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على اثبات الصانع بأن يكون المراد بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(حكمتم بحدوث ماتقدم من ليل ونهار) لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل ونهار يكفى لاحتياجها إلى الصانع ولا ينفعكم قدم طبيعة الزمان، فان كل ليل وكل نهار لحدوثه بشخصه يكفى لاثبات ذلك.

(٢) " تقدم " أ، ص، والبرهان.

(٣) " فقد " الاحتجاج

(٤) " حادثا فلا " أ.

٥٣٦

قال لهم: أقلتم أن العالم قديم ليس بمحدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به، وبمعنى ما جحدتموه؟ قالوا: نعم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهذا الذي نشاهده من الاشياء بعضها إلى بعض مفتخر، لانه لا قوام للبعض الا بما يتصل به، ألا ترى أن البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض والا لم يتسق، ولم يستحكم، وكذلك سائر ما ترون.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاذا كان هذا المحتاج - بعضه إلى بعض لقوته(١) وتمامه - هو القديم، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون؟ وماذا كانت تكون صفته؟ قال: فبهتوا [وتحيروا] وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها الا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا(٢) وقالوا: سننظر في أمرنا.

ثم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الثنوية - الذين قالوا: النور والظلمة هما المدبران - فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟ فقالوا: لانا وجدنا العالم صنفين: خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضد الشر، فأنكرنا أن يكون فاعل [واحد] يفعل الشئ وضده، بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمة ونورا.

فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا، وحمرة وصفرة، وخضرة وزرقة؟ وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منهما في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم.

قال: فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الالوان غير فاعل الضد الاخر؟ ! قال: فسكتوا.

____________________

(١) " لقوامه "أ، س، ط.

(٢) أى سكتوا وعجزوا." فرجعوا " البرهان.

٥٣٧

ثم قال: وكيف اختلط النور والظلمة(١) ، وهذا من طبعه الصعود، وهذه من طبعها النزول؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرفا يمشي اليه والاخر غربا أكان يجوز [عندكم](٢) أن يلتقيا ماداما سائرين على وجوههما؟ قالوا: لا.

قال: فوجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الاخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ماهو محال أن يمتزج؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان، فقالوا: سننظر في امورنا.

ثم أقبل على مشركي العرب فقال: وأنتم فلم عبدتم الاصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى.

فقال: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا: لا.

____________________

(١) قال العلامة المجلسى ره: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(وكيف اختلط هذا النور والظلمة) اشارة إلى ماذكره المانوية من الثنوية وهو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين.أحدهما نور، والاخر ظلمة، وانهما أبديان لم يزالا ولا يزالان.ثم اختلفوا في المزاج وسببه فقال بعضهم: كان ذلك بالخبط والاتفاق.

وقال بعضهم وجوها ركيكة اخرى، وقالوا: جميع أجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل، فرد النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم بأنكم اذا اعترفتم بأن النور يقتضى بطبعه الصعود والظلمة تقتضى بطبعها النزول ولا تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع والامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما واختلاطهما ليحصل هذا العالم؟ وكيف يتأتى الخبط والاتفاق مع كون الطبيعتين قاسرتين لهما على الافتراق؟ وتفصيل القول وبسط الكلام في أمثال ذلك يوجب الخروج عن موضوع الكتاب، وانما نكتفى باشارات مقنعة لاولى الالباب.

(٢) من الاحتجاج.

٥٣٨

قال: فأنتم الذين تنحتونها بأيديكم؟ [قالوا: نعم.

قال:] فلئن تعبدكم هي - لو كان يجوز منها العبادة - أحرى من أن تعبدوها اذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم؟ قال: فلما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا اختلفوا: فقال بعضهم: ان الله قد يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه، نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا.

وقال آخرون منهم: ان هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله.

وقال آخرون [منهم]: ان الله لما خلق آدم، وأمر الملائكة بالسجود له(١) ، كنا نحن أحق بالسجود لادم من الملائكة، ففاتنا ذلك، فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لادم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود - بزعمكم - إلى جهة مكة ففعلتم، ثم نصبتم في غير ذلك البلد [بأيديكم] محاريب سجدتم اليها، وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدكم في الكعبة إلى الله تعالى لا اليها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم - وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يخاطب الذين قالوا: ان الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا - فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذلك الشئ؟ فأي فرق بينه اذن وبين سائر مايحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته؟

____________________

(١) زاد في ص، والاحتجاج: فسجدوا تقربا الله.

٥٣٩

ولم صار(هذا المحلول)(١) فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عزوجل لا يزال كما لم يزل؟ فاذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم(٢) أن تصفوه بالزوال [والحدوث].

وأما ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء، فان ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلك يغير(٣) الذات، فان(جاز أن يتغير)(٤) ذات الباري تعالى بحلوله في شئ جاز أن يتغير(٥) بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التى تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثا - عن الله تعالى عن ذلك -.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.

قال: فسكت القوم، وقالوا: سننظر في أمورنا.

ثم أقبل على الفريق الثاني فقال لهم: أخبرونا عنكم اذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب - بالسجود لها - فما الذي أبقيتم لرب العالمين؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لايساوى به عبده؟ أرأيتم ملكا عظيما اذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع للكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا: نعم.

قال: أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له

____________________

(١) " الحال " أ، ص.

(٢) " أثبتم لربكم " أ.

(٣) " متغير " ب، س، ق، د، الاحتجاج.

(٤) " كان لا(لم) يتغير " ب، س، ق، د الاحتجاج والبحار.

(٥) " لا يتغير " س، ق، د، الاحتجاج والبحار.

٥٤٠