تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري0%

تفسير الإمام العسكري مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 684

تفسير الإمام العسكري

مؤلف: الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
تصنيف:

الصفحات: 684
المشاهدات: 203497
تحميل: 37842

توضيحات:

تفسير الإمام العسكري
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 684 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203497 / تحميل: 37842
الحجم الحجم الحجم
تفسير الإمام العسكري

تفسير الإمام العسكري

مؤلف:
العربية

فجعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام أصدق الصادقين وأفضل المؤمنين، فأما محمد فأفضل رجال العالمين، وأما علي فهو نفس محمد أفضل رجال العالمين بعده، وأما فاطمة فأفضل نساء العالمين.

وأماالحسن والحسين فسيدا شباب أهل الجنة إلا ما كان من ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكرياعليهم‌السلام فان الله تعالى ما ألحق صبيانا برجال كاملي العقول إلا هؤلاء الاربعة: عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، والحسن، والحسينعليهم‌السلام : أما عيسى فان الله تعالى حكى قصته وقال " فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا "(١) قال الله عزوجل حاكيا عن عيسىعليه‌السلام : (قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)(٢) الآية.

وقال في قصة يحيى (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا)(٣) .

قال: لم نخلق أحدا قبله اسمه يحيى، فحكى الله قصته إلى قوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا)(٤) قال: ومن ذلك الحكم أنه كان صبيا فقال له الصبيان: هلم نلعب.

فقال: اوه والله ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا للجد لامر عظيم.

ثم قال (وحنانا من لدنا) يعني تحننا ورحمة على والديه وسائر عبادنا (وزكوة) يعني طهارة لمن آمن به وصدقه (وكان تقيا) يتقي الشرور والمعاصي (وبرا بوالديه) محسنا إليهما مطيعا لهما (ولم يكن جبارا عصيا) يقتل على الغضب ويضرب على الغضب، لكنه ما من عبد، عبدالله عزوجل إلا وقد أخطأ أو هم بخطأ(٥) ماخلا يحيى بن زكريا، فانه لم يذنب، ولم يهم بذنب.

ثم قال الله عزوجل:

____________________

(١) و (٢) مريم: ٢٩ - ٣٠.

(٣) و (٤) مريم: ٧ - ١٢.

(٥) " بخطيئة " ب، ط، والبحار.

٦٦١

(وسلام عليه ويوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)(١) .

وقال في قصة يحيى وزكريا: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)(٢) يعني لما رأى زكريا عند مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقال لها: (يا مريم أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وأيقن زكريا أنه من عند الله، إذ كان لا يدخل عليها أحد غيره، قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، لقادر أن يهب لي ولدا، وإن كنت شيخا، وكانت امرأتي عاقرا، فهنالك دعا زكريا ربه فقال: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء).

قال الله عزوجل: (فنادته الملائكة) يعني نادت زكريا.

(وهو قائم يصلي في المحراب: إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) قال: مصدقا يصدق يحيى بعيسىعليهما‌السلام : (وسيدا) يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته (وحصورا) وهو الذي لا يأتي النساء (ونبيا من الصالحين)(٣) وقال: وكان أول تصديق يحيى بعيسىعليهما‌السلام أن زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره، يصعد إليها يسلم، فاذا نزل أقفل عليها، ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح.

فلما وجد مريم قد حبلت ساء‌ه ذلك، وقال في نفسه: ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت، الآن أفتضح في بني إسرائيل، لا يشكون أني أحبلتها.فجاء إلى امرأته، فقال لها ذلك، فقالت:

____________________

(١) مريم: ١٥.

(٢) آل عمران: ٣٨.

(٣) الايات من سورة آل عمران: ٣٧ - ٣٩.

٦٦٢

يا زكريا لا تخف فان الله لا يصنع بك إلا خيرا.

وائتني بمريم أنظر إليها، وأسألها عن حالها، فجاء بها زكريا إلى امرأته، فكفى الله مريم مؤونة الجواب عن السؤال ولما دخلت إلى اختها - وهي الكبرى ومريم الصغرى - لم تقم إليها امرأة زكريا فأذن الله ليحيى وهو في بطن امة فنخس(١) بيده - في بطنها - وأزعجها ونادى امه(٢) : تدخل إليك سيدة نساء العالمين، مشتملة على سيد رجال العالمين، فلا تقومين إليها؟ ! فانزعجت، وقامت إليها، وسجد يحيى وهو في بطن امه لعيسى بن مريم.

فذلك أول تصديقه له، فذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحسن وفي الحسينعليهما‌السلام إنهما سيدا شباب أهل الجنة إلا ما كان من ابني الخالة " عيسى ويحيى ".

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هؤلاء الاربعة عيسى ويحيى والحسن والحسين وهب الله لهم الحكم، وأبانهم بالصدق من الكاذبين، فجعلهم من أفضل الصادقين في زمانهم، وألحقهم بالرجال الفاضلين البالغين.

وفاطمةعليهما‌السلام جعلها من أفضل الصادقين لما ميز الصادقين من الكاذبين.

وعليعليه‌السلام جعله نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومحمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعله أفضل خلق الله عزوجل.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لله عزوجل خيارا من كل ما خلقه، فله من البقاع خيار، وله من الليالي [خيار]، و [من] الايام خيار، وله من الشهور خيار، وله من عباده خيار، وله من خيارهم خيار: فأما خياره من البقاع فمكة، والمدينة، وبيت المقدس، وإن صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والمسجد الاقصى - يعني

____________________

(١) نخسه: أزعجه وهيجه.

(٢) " وناداها يا أمة " ب، ط.

٦٦٣

مكة وبيت المقدس(١) -.

وأما خياره من الليالي فليالي الجمع، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر، وليلتا العيد.

وأما خياره من الايام فأيام الجمع، والاعياد.

وأما خياره من الشهور فرجب، وشعبان، وشهر رمضان.

وأما خياره من عباده فولد آدم، وخياره من ولد آدم من اختارهم على علم منه بهم، فان الله عزوجل لما اختار خلقه، اختار ولد آدم، ثم اختار من ولد آدم العرب ثم اختار من العرب مضر، ثم اختار من مضر قريشا، ثم اختار من قريش هاشما

____________________

(١) أقول: تلاحظ أن ترتيب الذكر بين المساجد هنا ظاهر في الفضل بينها، وأن الرواية ناظرة إلى تعيين درجة الفضل بين الصلاة فيها.

وعلى هذا جعل مقياس الفضل بين مسجد النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره ألفا في غير المسجدين وسكت عن بيان الفضل بينه وبينهما.

نعم روى معاوية بن عمار قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام لابن أبى يعفور: " أكثر الصلاة في مسجد رسول الله، فان رسول الله قال: صلاة في مسجدى هذا كألف صلاة في مسجد غيره الا المسجد الحرام، فان صلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدى " (كامل الزيارات: ٢٠، عنه البحار: ٩٩ / ٣٨٢ ح ١٢.

وأما فضل مسجد النبى على المسجد الاقصى ففي رواياتنا هو أيضا أفضل من المسجد الاقصى بعشرة درجات، لا ألفا، فراجع.

نعم في رواية (سنن ابن ماجة: ١ / ٤٥٣ ح ١٤١(٣) عن أنس فهو يعدله ولا فضل بينهما.

ولا يخفى أنه سكت أيضا عن ذكر رابع المساجد الاربع أعنى مسجد الكوفة - وما أدراك ما مسجد الكوفة؟ عجبا، مشرف محرابه بثار الله المولود في الكعبة - راجع البحار: ٩٧ / ٤٧ ح ٣٤ والوسائل وجامع أحاديث الشيعة - باب فضل مسجد الكوفة -.والمحصل أن درجة الفضل بين مسجد النبى وغيره ألف الا في المسجد الاقصى، فهى عشرة لا ألف، وأما المسجد الحرام فهو الافضل منه بألف.

٦٦٤

ثم اختارني من هاشم(١) ، وأهل بيتي كذلك، فمن أحب العرب فيحبني واحبهم، ومن أبغض العرب فيبغضي وابغضهم(٢) .

فضائل شهر رمضان

وإن الله عزوجل اختار من الشهور شهر رجب، وشعبان، وشهر رمضان: فشعبان أفضل الشهور إلا مما كان من شهر رمضان، فانه أفضل منه، وإن الله عزوجل ينزل في شهر رمضان من الرحمة ألف ضعف ما ينزل في سائر الشهور، ويحشر شهر رمضان في أحسن صورة، فيقيمه [في القيامة] على قلة(٣) لا يخفى وهو عليها على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر، فيخلع عليه من كسوة الجنة وخلعها وأنواع سندسها وثيابها، حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، ولا يعي علم مقداره اذن ولا يفهم(٤) كنهه قلب.

ثم يقال للمنادي من بطنان العرش: ناد ! فينادي: يا معشر الخلائق أما تعرفون هذا؟ فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا وسعديك، أما إننا لا نعرفه.

ثم يقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به منكم؟ وما أكثر من شقي به؟ ألا فليأته كل مؤمن له، معظم بطاعة الله فيه، فليأخذ حظه من هذه الخلع فتقاسموها بينكم على قدر طاعتكم الله، وجدكم.

قال: فيأتيه المؤمنون الذين كانوا لله [فيه] مطيعين، فيأخذون من تلك الخلع

____________________

(١) زاد في " ب " قال الشاعر:

لله في عالمه صفوة

وصفوة الخلق بنو هاشم

وصفوة الصفوة من هاشم

محمد الطهر أبوالقاسم

(٢) " فبحبى أحبهم...فببغضى أبغضهم " البحار.

(٣) التل من الارض: قطعة أرفع قليلا مما حولها." قلعة " ب، ط." تلعة " البحار، وهى ما علا من الارض.

(٤) " يعرف " ب، ط.

٦٦٥

على مقادير طاعتهم [التي كانت] في الدنيا.فمنهم من يأخذ ألف خلعة، ومنهم من يأخذ عشرة آلاف.

ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك وأقل، فيشرفهم الله تعالى بكراماته.

ألا وإن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنين وله موحدين، وبفضل هذا الشهر معترفين، فيأخذونها، ويلبسونها، فتنقلب على أبدانهم مقطعات(١) نيران، وسرابيل قطران، يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة(٢) من تلك الثياب أفعى وعقرب وحية، وقد تناولوا من تلك الثياب أعدادا مختلفة على قدر إجرامهم: كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر.

فمنهم الآخذ ألف ثوب، ومنهم الآخذ عشرة آلاف ثوب، ومنهم من يأخذ أكثر من ذلك، وإنها لاثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال، ولولا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل والعذاب.

ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة في تلك السرابيل من القطران ومقطعات النيران أفعى وحية وعقرب وأسد ونمر وكلب من سباع النار، فهذه تنهشه، وهذه تلدغه وهذا يفترسه، وهذا يمزقه وهذا يقطعه.

يقولون: يا ويلنا مالنا تحولت علينا [هذه الثياب، وقد كانت من سندس واستبرق وأنواع خيار ثياب الجنة تحولت علينا] مقطعات النيران، وسرابيل قطران وهي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة؟ ! فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان وكنتم تعصون، وكانوا يعفون وكنتم تزنون، وكانوا يخشون ربهم وكنتم تجترئون، وكانوا يتقون السرقة وكنتم تسرقون، وكانوا يتقون ظلم عباد الله وكنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة !

____________________

(١) المقطعات: القصار من الثياب.

(٢) أى خيط.

٦٦٦

وهذه نتائج أفعالكم القبيحة.

فهم في الجنة خالدون لا يشيبون فيها ولا يهرمون، ولا يحولون عنها ولا يخرجون ولا يقلقون فيها ولا يغتمون، بل هم فيها مسرورون، فرحون، مبتهجون، آمنون، مطمئنون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وأنتم في النار خالدون، تعذبون فيها وتهانون، ومن نيرانها إلى زمهريرها تنقلون، وفي حميمها تغمسون، ومن زقومها تطعمون، وبمقامعها(١) تقمعون وبضروب عذابها تعاقبون لا أحياء أنتم فيها ولاتموتون أبد الآبدين، إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين، فخرج منها بشفاعة محمد أفضل النبيين بعد [مس] العذاب الاليم والنكال الشديد.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عباد الله فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، وكم من شقي هناك، ألا انبئكم بمثل محمد وآله؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور.

وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام في آل محمد كأفضل أيام شعبان ولياليه، وهو ليلة النصف ويومه.

وسائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله وطبقات، فأجدهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد.

ألا انبئكم برجل قد جعله الله من آل محمد كأوائل أيام [رجب من أوائل أيام] شعبان؟: قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: هو(٢) الذي يهتز عرش الرحمن بموته(٣) ، وتستبشر الملائكة في السماوات

____________________

(١) القمعة: خشبة أو حديدة يضرب بها الانسان لذل.

(٢) " منهم " أ، ب، ص، والبحار.

(٣) تقدم بيانه ص ١٥٠ هامش ٢، فراجع.

٦٦٧

بقدومه، وتخدمه في عرصات القيامة وفى الجنان من الملائكة ألف ضعف عدد أهل الدنيا من أول الدهر(١) إلى آخره، ولا يميته الله في هذه الدنيا حتى يشفيه من أعدائه ويشفي صاحبا له، وأخا في الله مساعدا له على تعظيم آل محمد.

قالوا: ومن ذلك يا رسول الله؟.

قال: ها هو مقبل عليكم غضبانا، فأسألوه عن غضبه، فان غضبه لآل محمد خصوصا لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

فطمح(٢) القوم بأعناقهم، وشخصوا بأبصارهم، ونظروا، فاذا أول طالع عليهم " سعد بن معاذ " وهو غضبان، فأقبل، فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: يا سعد أما إن غضب الله لما غضبت له أشد، فما الذي أغضبك؟ حدثنا بما قلته في غضبك حتى احدثك بما قالته الملائكة لمن قلت له، وما قالته الملائكة لله عزوجل وأجابها الله عزوجل به.

فقال سعد: بأبي أنت وامي يا رسول الله، بينا أنا جالس على بابي، وبحضرتي نفر من أصحابي الانصار، إذ تمادى رجلان من الانصار، فرأيت في أحدهما النفاق فكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرهما، وأردت أن يتكافا فلم يتكافا، وتماديا في شرهما حتى تواثبا إلى أن جرد كل واحد منهما السيف على صاحبه، فأخذ هذا سيفه وتسره، وهذا سيفه وترسه وتجاولا(٣) وتضاربا، فجعل كل واحد منهما يتقي سيف صاحبه بدرقته(٤) ، وكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتد إلي يد خاطئة، وقلت في نفسي: اللهم انصر أحبهما لنبيك وآله.

____________________

(١) " الدنيا " س.

(٢) طمح ببصره: استشرف له، وأصله قولهم: جبل طامح أى عال مشرف.

(٣) جاوله: طارده ودافعه.

(٤) أى بترسه.

٦٦٨

فما زالا يتجاولان ولا يتمكن واحد منهما من الاخر إلى أن طلع علينا أخوك علي ابن أبي طالبعليه‌السلام فصحت بهما: هذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام لم توقراه؟ فوقراه وتكافا، فهذا أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضل آل محمد.فأما أحدهما، فانه لما سمع مقالتي رمى بسيفه ودرقته من يده.

وأما الاخر فلم يحفل بذلك، فتمكن لاستسلام صاحبه منه، فقطعه بسيفه قطعا أصابه بنيف وعشرين ضربة، فغضبت عليه، ووجدت(١) من ذلك وجدا شديدا، وقلت له: يا عبدالله بئس العبد أنت لم توقر أخا رسول الله، وأثخنت بالجراح من وقره، وقد كان ذلك قرنا(٢) كفيا بدفاعك عن نفسه، وما تمكنت منه إلا بتوقيره أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فما الذي صنع علي بن أبي طالبعليه‌السلام لما كف صاحبك وتعدى عليه الآخر؟ قال: جعل ينظر إليه وهو يضربه بسيفه، لا يقول شيئا، ولا يمنعه ثم جاز وتركهما، وإن ذلك المضروب لعله باخر رمق.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سعد لعلك تقدر(٣) أن ذلك الباغي المتعدي ظافر إنه ما ظفر، يغنم من ظفر بظلم؟ ! إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنياه، إنه لا يحصد(٤) من المر حلو، ولا من الحلو مر.

وأما غضبك لذلك المظلوم على ذلك الظالم فغضب الله له أشد من ذلك وغضب الملائكة [على ذلك الظالم لذلك المظلوم](٥) .

وأما كف علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن نصرة ذلك المظلوم، فان ذلك لما أراد الله من إظهار آيات محمد في ذلك، لا احدثك يا سعد بما قال الله وقالته الملائكة.

____________________

(١) أى غضبت.

(٢) " قويا " أ، ب، ط، والقرن: من يقاومك في علم أو قتال.

(٣) " ظننت " البحار.

(٤) " يحصل " أ، س.

(٥) من البحار.

٦٦٩

لذلك الظالم ولذلك المظلوم ولك، حتى تأتيني بالرجل المثخن(١) فترى فيه آيات الله المصدقة لمحمد.

فقال سعد: يا رسول الله، وكيف آتي به وعنقه متعلقة بجلدة رقيقة(٢) ويده ورجله كذلك، وإن حركته تميزت أعضاؤه وتفاصلت؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سعد إن الذي ينشئ السحاب ولا شئ منه حتى يتكاثف، ويطبق أكناف السماء وآفاتها ثم يلاشيه من بعد حتى يضمحل فلا ترى منه شيئا، لقادر - إن تميزت تلك الاعضاء - أن يؤلفها من بعد، كما ألفها إذ لم تكن شيئا.

قال سعد: صدقت يا رسول الله.

وذهب، فجاء بالرجل، ووضعه بين يدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بآخر رمق فلما وضعه انفصل رأسه عن كتفه، ويده عن زنده، وفخذه عن أصله.

فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرأس في موضعه، واليد والرجل في موضعهما، ثم تفل على الرجل، ومسح يده على مواضع جراحاته وقال: اللهم أنت المحيي للاموات، والمميت للاحياء، والقادر على ما تشاء، وعبدك هذا مثخن بهذه الجراحات لتوقيره لاخي رسول الله علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، اللهم فأنزل عليه شفاء من شفائك، ودواء من دوائك، وعافية من عافيتك.

قال: فوالذي بعثه بالحق نبيا، إنه لما قال ذلك التأمت الاعضاء، والتصقت وتراجعت الدماء إلى عروقها، وقام قائما سويا سالما صحيحا، لا بلية به، ولا يظهر على بدنه أثر جراحة، كأنه ما اصيب بشئ ألبتة(٣) .

ثم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على سعد وأصحابه فقال: الآن بعد ظهور آيات الله لتصديق محمد، احدثكم بما قالت الملائكة لك ولصاحبك هذا ولذلك الظالم،

____________________

(١) " الممتحن " أ.وكذا في المواضع التالية.

(٢) " رقبته " ص.

(٣) أى مطلقا.

٦٧٠

إنك لما قلت لهذا العبد: أحسنت في كفك عن القتال توقيرا لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام أخي محمد رسول الله، كما قلت لصاحبه: أسأت في تعديك على من كف عنك توقيرا لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام وقد كان لك قرنا كفيا(١) كفوا، قالت الملائكة كلها له: بئس ما صنعت [يا عدو الله] وبئس العبد أنت في تعديك على من كف عن دفعك عن نفسه توقيرا لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام أخي محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

[وقال الله عزوجل: بئس العبد أنت يا عبدي في تعديك على من كف عنك توقيرا لاخي محمد] ثم لعنه الله من فوق العرش، وصلى عليك يا سعد في حثك على توقير علي بن أبي طالبعليه‌السلام وعلى صاحبك في قبوله منك.

ثم قالت الملائكة: يا ربنا لو أذنت [لنا] لانتقمنا من هذا المتعدي.

فقال الله عزوجل: يا عبادي سوف امكن سعد بن معاذ بن الانتقام منهم(٢) ، وأشفي غيظه حتى ينال فيهم بغيته، وامكن هذا المظلوم من ذلك الظالم وذويه بما هو أحب إليهما(٣) من إهلاككم لهذا المتعدي، إني أعلم ما لا تعلمون.

فقالت الملائكة: يا ربنا أفتأذن لنا أن ننزل إلى هذا المثخن بالجراحات من شراب الجنة وريحانها لينزل به عليه الشفاء؟ فقال الله عزوجل: سوف أجعل له أفضل من ذلك ريق محمد - ينفث منه عليه - ومسح يده عليه، فيأتيه الشفاء والعافية، يا عبادي إني أنا المالك للشفاء، والاحياء والاماتة، والاغناء، والافقار، والاسقام، والصحة، والرفع، والخفض، والاهانة والاعزاز دونكم ودون سائر خلقي.

قالت الملائكة: كذلك أنت يا ربنا.

____________________

(١) " وفيا " ص، والبحار.

(٢) الظاهر أن المتعدى - والذى راى سعد فيه النفاق - كان مدفوعا من بنى قريظة على ما سيأتى.

(٣) " اليه " البحار.

٦٧١

فقال سعد: يا رسول الله قد اصيب أكحلي(١) هذا، وربما ينفجر منه الدم وأخاف الموت والضعف قبل أن أشفي من بني قريظة.

[فمسح عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده فبرأ إلى أن شفا الله صدره من بني قريظة](٢) فقتلوا عن آخرهم.

وغنمت أموالهم وسبيت ذراريهم، ثم انفجر كلمه(٣) ومات، وصار إلى رضوان الله عزوجل.

فلما رقأ(٤) دمه [من جراحاته] قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سعد سوف يشفي الله [بك] غيظ المؤمنين، ويزداد لك غيظ المنافقين.

فلم يلبث [إلا] يسيرا حتى كان حكم سعد في بني قريظة لما نزلوا [بحكمه] وهم تسع(٥) مائة وخمسون رجلا جلدا(٦) .

شبابا ضرابين بالسيف فقال: أرضيتم بحكمي؟ قالوا: بلى.

وهم يتوهمون أنه يستبقيهم(٧) لما كان بينه وبنيهم من الرحم والرضاع والصهر قال: فضعوا أسلحتكم، فوضعوها، قال: اعتزلوا، فاعتزلوا، قال: سلموا حصنكم.فسلموه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : احكم فيهم يا سعد.

فقال: قد حكمت فيهم بأن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم وتغنم أموالهم فلما سل المسلمون سيوفهم ليضعوا - عليهم(٨) قال سعد: لا اريد هكذا يا رسول الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف تريد؟ اقترح، ولا تقترح العذاب، فان الله كتب الاحسان في كل شئ حتى في القتل.

____________________

(١) الاكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده.

(٢) " فدعا رسول الله فبقى حتى حكم في بنى قريظة " البحار.

(٣) أى جرحه." دمه " البحار.

(٤) أى جف وانقطع." وفى " البحار، تصحيف ظ.

(٤) " سبع " ب.

(٦) الجلد: الشديد القوى.

(٧) " يستفتيهم " أ.

(٨) " ليضعوها فيهم " ظ.

وضع السلاح في العدو: قاتلهم.

وضع السيف: ضرب به.

٦٧٢

قال: يا رسول الله لا أقترح العذاب إلا على واحد، وهو الذي تعدى على صاحبنا هذا، لما كف عنه توقيرا لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ورده نفاقه(١) إلى إخوانه من اليهود فهو منهم، يؤتى واحد واحد منهم نضربه بسيف مرهف(٢) إلا ذاك، فانه يعذب به فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سعد، ألا من اقترح على عدوه عذابا باطلا، فقد اقترحت أنت عذابا حقا.

فقال سعد للفتى: قم بسيفك هذا إلى صاحبك المتعدي عليك، فاقتص منه.

قال: تقدم إليه فما زال يضربه بسيفه حتى ضربه بنيف(٣) وعشرين ضربة كما كان ضربه [هو] فقال: هذا عدد ما ضربني به فقد كفاني.

ثم ضرب عنقه، ثم جعل الفتى يضرب أعناق قوم يبعدون عنه، ويترك قوما يقربون في المسافة منه ثم كف وقال: دونكم.

فقال سعد: فأعطني السيف، فأعطاه، فلم يميز أحدا، وقتل كل من كان أقرب إليه حتى قتل عددا منهم، ثم مل(٤) ورمى بالسيف وقال: دونكم.فما زال القوم يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للفتى: ما بالك قتلت من بعد في المسافة عنك وتركت من قرب؟ فقال: يا رسول الله كنت أتنكب عن(٥) القرابات وآخذ في الاجنبي.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد كان فيهم من كان ليس لك بقرابة وتركته، قال: يا رسول الله كان لهم على أياد في الجاهلية، فكرهت أن أتولى قتلهم، ولهم علي تلك الايادي.

____________________

(١) " بغاه " أ، وليس في البحار.

(٢) " مرهق " أ س، ط " مرصف " ب، سيف مرهف: محدد مرقق الحد.

والرصيف: المحكم قال المجلسى ره: سيف مرهف على بناء المفعول من الافعال، أى مرقق ليكون أسرع في القتل.

(٣) " سبعة " ب، ط.

(٤) أى مضى وخرج بتأن وتدرج." مل " ب، ص، ط.

(٥) تنكب عنه: عدل عنه، تجنبه.

٦٧٣

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنك لو شفعت إلينا فيهم لشفعناك.

فقال: يا رسول الله ماكنت لادرأ(١) عذاب الله من أعدائه، وإن كنت أكره أن أتولاه بنفسي.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسعد: وأنت فما بالك لم تميز أحدا.

قال: يارسول الله عاديتهم في الله، وأبغضتهم في الله، فلا اريد مراقبة غيرك وغير محبيك، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سعد أنت من الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.

فلما فرغ من آخرهم انفجر كلمه ومات.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا ولي من أولياء الله حقا، اهتز عرش الرحمن لموته(٢) ولمنزله في الجنة أفضل من الدنيا وما فيها، إلى سائر ما يكرم به فيها، حباه الله ما حباه(٣) .

قوله عزوجل: " ممن ترضون من الشهداء " ٢٨٢.

٣٧٥ - قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (ممن ترضون من الشهداء) ممن ترضون دينه وأمانته، وصلاحه وعفته، وتيقظه(٤) فيما يشهد به، وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميز، ولا محصل، ولا كل محصل مميز صالح، وإن من عباد الله لمن هو أهل [الجنة] لصلاحه وعفته لو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه(٥) .

فاذا كان صالحا عفيفا، مميزا محصلا، مجانبا للمعصية والهوى والميل والتحامل

____________________

(١) أى لا دفع.

(٢) تقدم ص ١٥٠ و ٦٦٥ وله بيان.

(٣) عنه - قطع - في الوسائل: ١٨ / ١٩٨ ح ٥ وص ٢٥٧ ح ١٥، والبحار: ٧ / ١٩٠ ح ٥٢، ج ٨ / ١٦٦ ح ١١١، وج ٣٧ / ٤٨ - ٥٩ ح ٢٧، وج ٩١ / ١٢٦ ح ٢٣، وج ٩٦ / ٣٧٣ ح ٦١ وج ٩٧ / ٦٥ ح ٢، وج ١٠٣ / ٢٥٩ ح ١١، وج ١٠٤ / ٣٠٤ ح ١٠ والبرهان: ١ / ٢٦٣ ح ٣، ومستدرك الوسائل: ١ / ٣٧٦ باب ٤٧ ح ٤ وص ٥٧٦ باب ١١ ح ١٤، وج ٢ / ١٤٢ باب ١٢ ح ٤.

(٤) " وتيقنه " ب.

(٥) عنه الوسائل: ١٨ / ٢٩٥ ح ٢٣.

٦٧٤

فذلكم الرجل الفاضل، فيه فتمسكوا، وبهديه فاقتدوا، وإن انقطع عنكم المطر فاستمطروا به، وإن امتنع عليكم النبات فاستخرجوا به النبات، وإن تعذر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق، فان ذلك ممن لا يخيب طلبه، ولا ترد مسألته.

وقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحكم بين الناس بالبينات والايمان في الدعاوي، فكثرت المطالبات والمظالم.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس إنما أنا بشر، وأنتم تختصمون، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته [من بعض](١) وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذنه، فانما أقطع له قطعة من النار(٢)

في كيفية حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٧٦ - وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تخاصم إليه رجلان في حق، قال للم

لك بينة(٣) ؟ فان أقام بينة يرضاها ويعرفها، أمضى(٤) الحكم على المدعى عليه، وإن لم يكن له بينة، حلف(٥) المدعى عليه بالله ما لهذا قبله ذلك الذي إدعاه ولا شئ منه، وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر، قال للشهود: أين قبائلكما؟ فيصفان، أين سوقكما؟ فيصفان، أين منزلكما؟ فيصفان.

ثم يقيم الخصوم والشهود بين يديه، ثم يأمر فيكتب أسامي المدعي والمدعى عليه والشهود ويصف ما شهدوا به ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثم مثل ذلك إلى [رجل] آخر من خيار أصحابه، فيقول:

____________________

(١) من الوسائل، وألحن فلانا القول فلحنه: أفهمه اياه، ففهمه.

(٢) عنه الوسائل: ١٨ / ١٦٩ ح ٣.

(٣) " حجة " الوسائل.

(٤) في بعض النسخ والوسائل: أنفذ.وكلاهما بمعنى.

(٥) " أحلف " ب، ط.

٦٧٥

ليذهب كل واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما وأسواقهما أو محالهما والربض(١) الذي ينزلانه، فليسأل عنهما، فيذهبان ويسألان.

فان أتوا خيرا، أو ذكروا فضلا، رجعا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبراه به، وأحضر القوم الذين أثنوا(٢) عليهما، وأحضر الشهود، وقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان، وهذا فلان بن فلان، أتعرفونهما؟ فيقولون: نعم.

فيقول: إن فلانا وفلانا جاء‌ني منكم فيهما بنبأ جميل، وذكر صالح، أفكما قالا؟ فاذا قالوا: نعم.

قضى حينئذ بشهادتهما على المدعى عليه.

وإن رجعا بخبر سئ، ونبأ قبيح دعا بهم، فقال لهم: أتعرفون فلاناوفلانا؟ فيقولون: نعم.

فيقول: اقعدوا حتى يحضرا.

فيقعدون، فيحضرهما، فيقول للقوم: أهما هما؟ فيقولون: نعم.

فاذا ثبت عنده ذلك، لم يهتك ستر الشاهدين(٣) ، ولا عابهما ولا بخهما، ولكن يدعو الخصوم إلى الصلح، فلا يزال بهم حتى يصطلحوا لئلا يفتضح الشهود، ويستر عليهم، وكان رؤوفا عطوفا متحننا على امته.

فان كان الشهود من أخلاط الناس، غرباء لا يعرفون، ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار أقبل على المدعى عليه فقال: ما تقول فيهما.

فان قال: ما عرفت إلا خيرا، غير أنهما قد غلطا فيما شهدا علي، أنفذ عليه شهادتهما.

فان جرحهما(٤) ، وطعن عليهما، أصلح بين الخصم وخصمه، وأحلف المدعى عليه، وقطع الخصومة بينهما(٥) .

____________________

(١) الربض: مسكن القوم.

(٢) " أنبثوا " ب، ط.

وكذا ما يأتى، انبث: انتشر، وأثنى عليه: مدحه.

(٣) " سترا بشاهدين " الوسائل.

(٤) أى عابهما وتنقصهما.

(٥) عنه الوسائل: ١٨ / ١٧٤

٦٧٦

قوله عزوجل: " أن تضل احديهما فتذكر احديهما الاخرى ": ٢٨٢.

٣٧٧ - قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام في قوله: (أن تضل إحديهما فتذكر إحديهما الاخرى) قال: إذا ضلت إحداهما عن الشهادة ونسيتها، ذكرت إحداهما بها الاخرى فاستقامتا في أداء الشهادة.

عدل الله شهادة امرأتين بشهادة رجل، لنقصان عقولهن ودينهن.

ثم قالعليه‌السلام : معاشر النساء خلقتن ناقصات العقول، فاحترزن من الغلط في الشهادة فان الله تعالى يعظم ثواب المتحفظين(١) والمتحفظات في الشهادة.

ولقد سمعت محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ما من امرأتين احترزتا في الشهادة فذكرت إحداهما الاخرى حتى تقيما الحق، وتنفيا الباطل إلا إذا بعثهما الله يوم القيامة عظم ثوابهما، ولا يزال يصب عليهما النعيم ويذكرهما الملائكة ماكان من طاعتهما في الدنيا، وما كانتا فيه من أنواع الهموم فيها، و [ما] أزاله الله عنهما حتى خلدهما في الجنان.

وإن فيهن لمن تبعث يوم القيامة، فيؤتي بها قبل أن تعطى كتابها، فترى السيئات بها محيطة، وترى حسناتها قليلة، فيقال لها: يا أمة الله هذه سيئاتك، فأين حسناتك؟ فتقول: لا أذكر حسناتي.

فيقول الله لحفظتها: يا ملائكتي تذاكروا حسناتها وتذكروا خيراتها؟؟.

فيتذاكرون حسناتها.

يقول الملك الذي على اليمن للملك الذي على الشمال: أما تذكر من حسناتها كذا وكذا؟.

فيقول: بلى، ولكني أذكر من سيائتها كذا وكذا، فيعدد.

فيقول الملك الذي على اليمين له: أفما تذكر توبتها منها؟ قال لا أذكر.

____________________

(١) تحفظ: احترز.

٦٧٧

قال: أما تذكر أنها وصاحبتها تذاكرتا الشهادة التي كانت عندهما حتى اتفقتا وشهدتا [بها] ولم يأخذهما في الله لومة لائم؟ فيقول: بلى.

فيقول الملك الذي على اليمين للذي على الشمال: أما إن تلك الشهادة منهما توبة ماحية لسالف ذنوبهما، ثم تعطيان كتابهما بأيمانهما، فتجدان حسناتهما كلها مكتوبة [فيه] وسيئاتهما كلها.

ثم تجد في آخره: يا أمتي أقمت الشهادة بالحق للضعفاء على المبطلين، ولم تأخذك في الله لومة لائم، فصيرت لك ذلك كفارة لذنوبك الماضية، ومحوا لخطيئاتك السالفة(١)(٢) .

قوله عزوجل: " ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا ": ٢٨٢.

٣٧٨ - قال امير المؤمنينعليه‌السلام في قوله عزوجل: (ولا يأب الشهداء إذا مادعوا) قال: من كان في عنقه شهادة، فلا يأب إذا دعي لاقامتها، وليقمها ولينصح فيها ولا يأخذه فيها لومة لائم، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر(٣) .

٣٧٩ - وفى خبر آخر (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا).

قال: نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده.

(ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فانه آثم قلبه) يعني كافر قلبه.(٤)

____________________

(١) إلى هنا تنتهى نسخة " ص ".

(٢) عنه الوسائل: ١٨ / ٢٤٥ ح ١، والبحار: ١٠٤ / ٣٠٧ ذ ح ١٠.

(٣) عنه البحار: ١٠٤ / ٣١٣ ح ٢٢.

(٤) عنه البحار: ١٠٤ / ٣١٣ ح ٢٣.

٦٧٨

هذا آخر ما وجد من تفسير الامام الهمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه وعلي آبائه الطيبين، وابنه القائم المنتظر المهدي - عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه - صلوات الله الملك العلي.

وأسال الله عزوجل أن يرزقني الوصول إلى تمام ذلك التفسير الفريد الذي هو ككتاب الله الحميد المجيد في جلالة قدره، وعظم منزلته.

لاني قد وجدت في ذلك التفسير من أسرار علوم محمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن أخبارهم العجيبة، وآثارهم الغريبة، وأقوالهم الشريفة، وأحوالهم اللطيفة، ما لم يوجد في كتاب إلا ما التقط منه.

(تم الكتاب بعون الله وقدرته) [ونحمده جل وعلا إذ وفقنا لاتمام هذا الكتاب، وإخراجه محققا بهذه الصورة وكان الله شاكرا عليما].

وأنا العبد السيد محمد باقر نجل آية الله السيد المرتضى الموحد الابطحى الاصفهانى.

٦٧٩

الفهرس

تفسير الإمام العسكري الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهم‌السلام ١

التقديم ٣

منهج التحقيق ٧

شكر وتقدير ٨

آداب قراء‌ة القرآن ١٧

سد الابواب عن المسجد دون باب على عليه‌السلام ١٨

الافتتاح بالتسمية عند كل فعل ٢٣

فضل فاتحة الكتاب ٣٠

تفسير الحمد ٣١

تفضيل امة محمد على جميع الامم ٣٢

ما يكون كفارة للذنوب ٣٧

الحث على صلة رحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعة المؤمنين ٣٨

أعظم الطاعات ٤٣

فضل سورة البقرة ٦١

التوسل إلى الله بمحمد وآله ٦٩

في أن الاعمال لا تقبل الا بالولاية ٧٧

مستحق الزكاة، وعدم جواز دفعها إلى المخالف ٨٠

استحباب صيانة العرض بالمال فضل اعانة المجاهدين ثواب القرض ٨١

ثواب نصر الضعفاء والمظلومين ٨٢

رد غيبة المؤمن ٨٣

عبادة على عليه‌السلام ٨٤

٦٨٠