البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 138779
تحميل: 6604

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138779 / تحميل: 6604
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

نزل أقامَ الصلاة)، وفي رواية له من هذا الوجه (فأذن بالزوراء قبلَ خروجه ليُعلم الناسَ انَّ الجمعة قد حضرت)، ونحوه في مرسل مكحول المتقدم.

وفي (صحيح مسلم) من حديث أنس: «انَّ نبيَّ اللّه وأصحابه كانوا بالزوراء، والزوراء بالمدينة عند السوق»(١) .

فانتَ ترى - أيُّها القارئ الكريم - من خلال هذهِ الأقوال انَّ (الزوراء) التي كانت موضعاً يؤتى النداء الجديد بالقرب منه، ليست ببعيدة في جميع معاينها المتقدمة عن باب المسجد النبوي الذي يؤذن من عنده لصلاة الجمعة بالأذان الشرعي المسنون.

فلماذا إذن ضمُّ النداءِ إلى النداء، والخروج عن تعاليم الشريعة السمحاء؟!

ثانياً : لو سلمنا أنَّ هناكَ كثرة سكانية قد حصلت لأهل المدينة آنذاك، ولو افترضنا أنَّ ( الزوراء) كانت موضعاً بعيداً عن المسجد النبوي، وانَّ هناكَ ضرورة قائمة لاعلام البقية المتبقية من المسلمين بشروع صلاة الجمعة، فانَّ الأمر لا يشفع أيضاً في قبول تبرير هذهِ (البدعة) بما ذُكر ولا بغيره من ألوان الانتحالات والأعذار، إذ إنَّ من الممكن أن يتعددَ المؤذنونَ، ويلبّوا هذهِ الحاجة من دونِ أن يتكرر النداء، ويُعمد إلى التشريع في مقابل السنة الثابتة.

وتعدد المؤذنين لصلاةٍ واحدةٍ أمر جائز ومسنون، وقد أفتى به علماء العامة في كتبهم، ورووا له ما صحَّ من الأخبار.

قال في (الشرح الكبير):

«ولا تستحب الزيادة على مؤذنّين كما روي انَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له بلال وابن اُم مكتوم، إلا أن تدعو الحاجة فيجوز، فانَّه قد روي عن عثمانرضي‌الله‌عنه انّه، اتخذَ أربعةَ مؤذنين، وإذا كانوا أكثر من واحد، وكان الواحد يُسمعُ الناسَ، فالمستحب أن يؤذِّنَ واحدٌ بعد واحد، كما روي عن مؤذني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان الإعلام لا يحصل بواحدٍ أذَّنوا على

____________________

(١) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج: ٢، ص: ٣٩٤ .

٣٢١

حسب الحاجة، إما أن يؤذِّن كلُّ واحدٍ في ناحيةٍ، أو دفعةٍ واحدةٍ في موضعٍ واحد»(١) .

وقال في (المغني):

«وان كانَ الاعلام لا يحصل بواحدٍ أذَّنوا على حسب ما يحتاج إليه، إمّا أن يؤذِّن كلُّ واحدٍ في منارة، أو ناحية، أو دفعة واحدة في موضعٍ واحد.

قال أحمد: إن أذَّن عدةٌ في منارة فلا بأسَ، وإن خافوا من تأذين واحدٍ بعد الآخر فواتَ أول الوقت، أذَّنوا جميعاً دفعةً واحدة»(٢) .

وقال العلامة (الاميني) في (الغدير):

«ولا أجدُ خلافاً في جواز تعدد المؤذنين، بل رتَّبوا عليه أحكاماً مثل قولهم: هل الحكاية المستحبة أو الواجبة كما قيل تتعدد بتعدد المؤذنين أم لا؟ وقولهم: إذا أذَّن المؤذن الأول، هل للامام أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده، أو له أن يخرج ويقطع من بعد أذانه؟ وقولهم: إذا تعدد المؤذنونَ لهم أن يؤذّن واحد بعد واحد، أو يؤذّن كلهم في أول الوقت»(٣) .

ثالثاً: إنَّ هناك تجمعات كبيرة وهائلة حصلت في مقاطع زمنية متعددة من تاريخ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في الغزوات وغيرها، ومن أبرزها التجمع الذي حَصَلَ في غدير خم عند النص على خلافة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وقبل ذلك في أثناء أداء مناسك الحج. ولكنَّنا نرى أنَّه على الرغم من كثرة الناس الذين رافقوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يُعهد بأنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد أمرَ بتشريع أذانين قط، الأمر الذي يدل على أن قضية الأذان للصلاة قضية لا ترتبط بكثرة الناس ولا بغيرها من الأسباب.

قال العلامة (الاميني) في (الغدير):

____________________

(١) ابن قدامة المقدسي، الشرح الكبير، ج: ١، ص: ٤١٩، وانظر: ابن مسلم، الجامع الصحيح، ج: ٢، ص: ٣.

(٢) موفق الدين بن قدامة، المغني، ج: ١، ص: ٤٤٥.

(٣) عبد الحسين الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج: ٨، ص: ١٢٧.

٣٢٢

وعند خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصاب الناس بالمدينة جُدَري (بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما)، أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحج معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومَعَ ذلكَ كانَ معه جموع لا يعلمها إلا اللّه تعالى، وقد يُقال: خرج معه تسعونَ ألف، ويُقال مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل مائة ألف وعشرونَ ألفاً، وقيل مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويُقال أكثر من ذلك، وهذهِ عدّة من خرجَ معه، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك، كالمقيمين بمكة، والذينَ أتوا من اليمن مَعَ علي (أمير المؤمنين) وأبي موسى»(١) .

رابعاً: قد قيل بأنَّ العلة تخصص وتعمم على حدٍ سواء، فإذا كانت الكثرة السكّانية المدّعاة سبباً لاختلاق نداءٍ ثانٍ يجمع الناس إلى الصلاة، ويعلمهم بدخول وقتها، فلماذا لا يكون ذلك بشأن الفرائض اليومية، ولماذا هذا التخصيص بصلاة الجمعة دون الغير، علماً بأنَّ التجمع للفرائض اليومية لم يكن بأقل من التجمع لصلاة الجمعة، لعدم وجود كثرة في مساجد المدينة آنذاك ليتفرق الناس فيها؟!

خامساً: لو سلَّمنا جدلاً انَّ هناك كثرةً في المدينة قد دعت إلى نداءٍ ثانٍ لصلاة الجمعة، فما بال بقية المناطق والبلدان الاسلامية الاُخرى التي اتخذت هذا الأمرَ سنّةً، وتعاملت معه من باب الالزام؟!

وكيف نبرر مشروعية هذا النداء (الذي هو مختلق من الأصل) لمنطقةٍ صغيرة لا تضم الا مجموعة قليلة من الناس يمكن أن يتحقق بها النصاب الكامل لأداء هذهِ الصلاة؟!

انظر - أيها القارئ الكريم - إلى ما يقوله (ابن حجر) حرفياً في (فتح الباري): «والذي يظهرُ أنَّ الناس أخذوا بفعلِ عثمان في جميع البلادِ إذ ذاكَ لكونِهِ خليفةً مطاع

____________________

(١) عبد الحسين الاميني، الغدير، ج: ١، ص: ٩، عن السيرة الحلبية، ج: ٣، ص: ٢٨٣، وسيرة أحمد زيني دحلان، ج: ٣، ص: ٣، وتاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع، وتذكرة خواص الامة، ص: ١٨، ودائرة المعارف لفريد وجدي، ج: ٣، ص: ٥٤٢.

٣٢٣

الأمر»(١) .

وعلى أية حال فانَّه سواء أصحَّ وجود كثرة في نفوس المسلمين آنذاك أم لم يصح، فانَّ القول بأنَّ النداء الثاني (بدعة) لا محيصَ عنه، لأنَّه اُدخل في الدين من خارج حدوده، وتعاليمه المشروعة، ولو أنَّ بطون الكتب والأسفار مُلئت بالتبريرات لهذا الأمر لما كان هناك أدنى شفاعة لقبول جواز تشريعه بشكل مطلق.

إنَّ الامور العبادية في الشريعة المقدسة - بما فيها الأذان - اُمور توقيفية لا يصح الأخذُ بها إلا من قبل الشارع المقدَّس، ولا تصح الزيادة أو النقيصة فيها بأي حال من الأحوال، وذلك لأنَّها شُرِّعت بنحوٍ يسدُّ حاجةَ الانسان مهما تقدَّمَ به الزمن، وتغيّرت ظروف الحياة من حوله، وهذا هو أحد أسرار إعجاز الشريعة الاسلامية ودوامها، كما تقدمت الاشارةُ إليه في صدر هذهِ الدراسة.

فمثلاً وردَ في الشريعة وجوب قصر الصلاة الرباعية في السفر إلى ركعتين، وعُيّنت المسافة التي يتم في حدودها قصر الصلاة، وكانَ ملحوظاً لدى الشريعة أنَّ هذهِ المسافة التي يقطعها الانسان في ذلك الوقت بوسائل النقل المتاحة قد تستغرق يوماً كاملاً أو ينقص أو يزيد عن ذلك بمقدار، وأنَّ نفس هذهِ المسافة سوفَ يقطعها الانسانُ المتمدِّن خلالَ دقائق معدودة، عند تقدم الزمن وانفتاح مجالات المعرفة وآفاق العلم أمامه، إلا اننا مَعَ ذلك نرى أنَّ الشريعة الاسلامية قد جعلت هذا الحكم أمراً عبادياً ثابتاً، لا يقبل التغيير والتبديل، ولم تسمح بأن تمدَّ إليه يدُ التعديل مهما كان موقعها ومركزها، باعتبار انّ هذا الأمر أمر عبادي توقيفي يلبّي حاجة ثابتةً في نفس الانسانِ، لا تربطها أية علاقة بالامور المستجدة والمتطورة من حوله.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأذان، فقد تمَّ تشريع أذانٍ واحدٍ باجماع المسلمين قاطبةً، وقد لاحظت الشريعة المقدسة من خلال هذا الأمر حاجة الانسان الثابتة التي لا

____________________

(١) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج: ٢، ص: ٣٩٤، وراجع: نيل الاوطار للشوكاني، ج: ٣، ص: ٢٦٣.

٣٢٤

تتأثز بالظروف المحيطة به، وانَّ هذا التشريع يفي بتلبية هذهِ الحاجة، مهما تطورت حياة الانسان، وتقدم العلم به، واختلفت طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، ولذا فانَّ أي تغيير في هذا الامر سوف يدخل في حيِّز (الابتداع) من دون تردد، ويكون من أبرز مصاديقه وموارده، فسواء أكثر الناس أم لم يكثروا، فانَّ الأذان المشروع واحد، كما ثبت عن طريق الدليل الشرعي القاطع، وسيبقى واحداً إلى آخر لحظة في الحياة.

ثمَّ انَّ هذا النداء المبتدع، ونتيجة لاختراقه غطاء الحصانة الشرعية، وإصرار البعض على قبوله، ومحاولة تبرير تشريعه. قد صارَ مدعاةً للتخبط وتضارب الأقوال والافعال، ونشوء البدع الاضافية، والتجر على اللّهِ ورسوله، والتلاعب بتعاليم الاسلام المقدسة، وفقَ الميول والرغبات والأهواء.

قال في (شرح التاج الجامع للاصول) بخصوص هذا النداء:

«وعندي انّه يتأكّد عمله، فانَّ الناسَ في الأرياف ليس معهم ساعات، وربما يكونونَ في أعمالهم في ضواحي البلاد والحقول، ويعتمدونَ في الذهاب للجمعة على سماع التذكير من المؤذِّن قبل الزوال، واعتادوا ذلك».

ثم يضيف:

«ولو قيل بوجوبه لم يبعد، لتوقف الواجب، وهو الذهاب للجمعة عليه، ولقوله تعالى:( وَمَن أَحَسنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللّهَ وعَمِلَ صالِحاً ) (١) ، ولحديث: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله، واللّه أعلم»(٢) !!

فما هو رأيكَ بهذهِ الطريقة من الاستدلال - أيُّها القارئ المنصف - وهل تعتقد أنَّ مثل هذا الأمر لو تمَّ في بقية التعاليم السماوية، وجرى في أحكام اللّه المنزلة، أنَّه سوفَ يبُقي للتشريع قدسيته وحرمته؟!

____________________

(١) فصلت: ٣٣.

(٢) منصور علي ناصيف، التاج الجامع للاصول في أحاديث الرسول، ج: ١، ص: ٢١٨، وقت الجمعة والنداء.

٣٢٥

وتعالَ معنا - أيها القارئ - لنطالع معاً ما قاله شارح (سنن الترمذي) لنرى ما فُتح على ديننا من جرّاء هذهِ التشريعات من باب، وما ابتُليَ به من مُصاب!

يقول (أحمد محمد شاكر):

«ولفظ (الثالث) أوجبَ شبهةً عجيبة، فقد نَقَل القاضي أبو بكر العربي (ج: ٢، ص: ٣٠٥) انّه كان بالمغرب يؤذّن ثلاثة من المؤذنين، بجهل المفتين، فانَّهم لما سمعوا انَّها ثلاثة لم يفهموا أنَّ الاقامة هي النداء الثالث، فجمعوها وجعلوها ثلاثة غفلةً وجهلاً بالسنة»!!

ويضيف إلى ذلك:

«في رواية عند أبي داود في هذا الحديث (كان يؤذَّن بينَ يدي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جلسَ على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد)، فظنَّ العوام، بل كثير من أهل العلم أنَّ هذا الأذان يكونُ أمامَ الخطيب مواجهةً، فجعلوا مقامَ المؤذّن في مواجهة الخطيب، على كرسي أو غيره، وصارَ هذا الأذان تقليداً صرفاً، لا فائدةَ له في دعوة الناسِ إلى الصلاة، وإعلامهم حضورها، كما هو الأصل في الأذان والشأنُ فيه، وحرصوا على ذلكَ حتى لينكرونَ على مَن يفعل غيره.

واتّباع السنة أن يكونَ على المنارة أو عند باب المسجد، ليكونَ إعلاماً لمن لم يحضر، وحرصوا على إبقاء الأذان قبل خروج الامام، وقد زالت الحاجةُ إليه، لأنَّ المدينةَ لم يكن بها إلا المسجد النبوي، وكانَ الناس كلهم يجتمعونَ فيه، وكثروا عن أن يسمعوا الأذان عندَ باب المسجد، فزاد عثمان الأذانَ الأول، ليُعلم مَن بالسوق ومَن حولَه حضورَ الصلاة».

ثمَّ يرى الشارحُ بأن لا ضرورةَ الانَ إلى هذا النداء باعتبار كثرة المؤذنين وكثرة المنائر!!؟ فيقول:

«أمّا الآن وقد كثرت المساجد، وبُنيت فيها المنارات، وصارَ الناس يعرفون وقتَ

٣٢٦

الصلاة بأذان المؤذن على المنارة: فانّا نرى أن يُكتفى بهذا الأذان، وأن يكونَ عند خروج الامام، اتّباعاً للسنة، أو يؤمر المؤذنونَ عند خروج الامام أن يؤذنوا على أبواب المساجد»(١) .

وقال الشافعي:

«واُحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الامام المسجد، ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له، أو الأرض، فإذا فَعَل أخَذَ المؤذن في الأذان، فإذا فرغَ قامَ فخطبَ لا يزيدُ عليه».

وأضاف:

«وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ اليَّ»(٢) .

فأحدهم يضع والآخر يرفع، وكأنَّ الدينَ الحنيف ليس فيه أصل يُقتفى أو سنة تُتّبع!

ومما وقَعَ فيه المدافعون عن هذا النداء من تهافت، ما ذكروه من نسبة ابتداع هذا النداء إلى هشام بن عبد الملك، وانَّه نَقَل الأذان إلى المنارة، واتفقوا على نعت عمل هشام هذا بالابتداع، ولم تطاوعهم ألسنتهم على القول بانَّ (عثمان) هو المبتدع لهذا النداء.

جاءَ في (الاعتصام) ما نصه:

«قال ابن رشد، الاذان بينَ يدي الامام في الجمعة مكروه لأنَّه محدث، قال: وأول مَن أحدثه هشام بن عبد الملك:

وانما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا زالت الشمس وخرج رقي المنبر، فإذا رآه المؤذنونَ - وكانوا ثلاثة - قاموا فأذَّنوا في المشرفة واحداً بعد واحدٍ، كما يؤذَّن في غير الجمعة، فإذا فرغوا أخذ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته، ثم تلاه أبو بكر وعمر رضي ‌الله ‌عنهما، فزاد عثمانُرضي‌الله‌عنه

____________________

(١) سنن الترمذي، بشرح: أحمد محمد شاكر، ج: ٢، ص: ٣٩٣.

(٢) الشافعي، الاُم، ج: ١، ص: ٢٢٤، وقت الاذان للجمعة.

٣٢٧

لما كثر الناس أذاناً بالزوراء عند زوال الشمس، يؤذَّن للناس فيه بذلك انَّ الصلاة قد حضرت، وتَركَ الأذان بالمشرفة بعد جلوسه على المنبر على ما كان عليه، فاستمر الأمر على ذلكَ إلى زمانِ هشام، فنقَل الأذان الذي كانَ بالزوراء إلى المشرفة، ونَقَل الأذانَ الذي كانَ بالمشرفة بينَ يديه، وأمرهم أن يؤذِّنوا صفاً، وتلاه على ذلكَ مَن بعدَهُ من الخلفاء إلى زماننا هذا، قال ابن رشد: وهو بدعة»(١) .

فإذا كان نقل (هشام بن عبد الملك) للأذان الذي كانَ بالزوراء إلى المشرفة، ونقل الأذان الذي كانَ بالمشرفة إلى ما بينَ يديه (بدعة) على ما صُرِّح به، فما ظنك بأصل إحداث هذا النداء على (الزوراء) الذي دلَّ الدليل القاطع وحسب اعتراف الجميع بعدم وجوده في زمن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!!

____________________

(١) أبو اسحق الشاطبي، الاعتصام، ج: ٢، ص: ١٦.

٣٢٨

٣٢٩

الفصل الثاني : حديث سنّة الخلفاء الراشدين

الحديث ذريعة لنفي الابتداع.

نظرة في الحديث.

١ - ضعف الحديث واحتمال الوضع فيه.

أ - ضعف سند الحديث.

ب - إنتهاء اسانيد الحديث جميعاً الى راوٍ واحد.

ح - اشتراك مضمون الحديث مع احاديث أخرى مقطوعة الوضع.

٢ - الخلفاء الراشدون هم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

أدلة ومؤيدات:

أ - الامام عليعليه‌السلام يرفض المبايعة على سيرة الشيخين.

ب - الخلاف بين الخلفاء الأربعة يناقض الأمر باتباعهم جميعاً.

- الخلاف بين عليعليه‌السلام والخلفاء الثلاثة.

- الخلاف بين الخلفاء الثلاثة.

ج - إرادة الخلفاء الأربعة تتنافى مع إنكار النص.

د - حجم الحديث لا يتناسب مَعَ موقع الخلافة في الاسلام.

ه‍ - أئمة أهل البيتعليهم‌السلام خلفاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص منه.

٣٣٠

الحديث ذريعة لنفي الابتداع

إنَّ الكثير من الدعوات التي يطلقها البعض لنفي (الابتداع) عن مثل (التراويح) و (النداء الثالث يوم الجمعة)، وغيرها من البدع المحدثة، تستند أساساً إلى حديث (سنة الخلفاء الراشدين)، وتصح نسبة هذهِ الأعمال إلى الشريعة الاسلامية من هذا المنطق، على الرغم من تلك المهاترات والتناقضات التي وقع فيها المدافعون عن هذهِ (البدع)، وعلى الرغم مما جرَّته تلك (المحدثات) على عقائدِ المسلمين من دخائل وتقولات وأباطيل.

بل رأينا أنَّ بعضهم كان يناقش في أمر تشريع تلك المحدثات، ويطرح الآراء الفقهية المخالفة، على الرغم من بقاء إصراره على هذا الحديث كما هو الأمر في (النداء الثاني) على ما تقدَّم، فلماذا لا يعض على هذهِ السنة المزعومة المدافعونَ عنها أولاً لكي يأمروا الناسَ باتّباعها بعدَ ذلك؟!

إنّ حديث (سنة الخلفاء الراشدين) يستحق منّها وقفةً متأنية، ننظر فيها إلى سندهِ أولاً، ومضمونه ثانياً، لأنَّه أصبح يمثل الخط الخلفي العام في مواجهة المتعصبين مَعَ أهل الحق والبصيرة، وصارَ الذريعة التي يتشبث بها كلّ مَن تُعييه الحججُ، وتُسدُّ في وجهه المنافذ، لتبرير دعوات الضلال، وبدع المبتدعين.

وقبل أن ندخل في صميم البحث عن هذا الحديث لا بأس بأن نطالع بعض الأقوال التي تستند في تبرير مثل هذهِ (البدع) إلى حديث (سنة الخلفاء الراشدين)، وتعتبره السند الأخير في توجيه القول بمشروعية تلك (المحدثات)، من بعد أن تعجز من

٣٣١

الاجابة على الاشكالات التي تثار حول تلكَ الأعمال وتوكّد عدم ارتباطها المطلق بالدين.

يقول الشيخ (الفوزان) نافياً أن يكون (النداء الثاني) (بدعةً) في أحد فتاواه:

«والأذان الأول يوم الجمعة أمَرَ به أمير المؤمنين عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه ثالث الخلفاء الراشدين، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين»(١) .

ويقول الشيخ (عبد العزيز عيسى) بهذا الصدد:

«الحكم الشرعي بهذا الأمر يستشهد بقوله تعالى:( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ من يَومِ الجُمُعَةِ فَاسعَوا إِلى ذَكرِ اللّهِ وَذَرُوا الَبيعَ ذلكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتمُ تَعَلمُون ) (٢) ، والمراد بالنداء في هذهِ الآية الكريمة هذا النداء الثاني الذي كان يؤدّى بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج فجلس على المنبر، فانَّه كان يؤذن بين يديه قبل الشروع في الخطبة، وأما النداء الأول الذي زاده الخليفة الراشد عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه ، فانّما كانَ لكثرة الناس، وكانَ الغرض منه الاعلام بدخول الوقت، ليتأهب المسلمون بالتوجه إلى المسجد لسماع الخطبة، وذلكَ بعد اتساع المدينة وكثرة أهلها، فإذا سمعوا النداء أقبلوا حتى إذا جلسَ عثمان على المنبر أذَّنَ المؤذِّن، ثم يخطب عثمان، روى البخاري عن السائب بن يزيدرضي‌الله‌عنه قال: ما كانَ لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا مؤذن واحد، إذا خرج - أي من حجرته - أذَّن، وإذا نَزَلَ - أي من فوق المنبر - أقام، وأبو بكر وعمر كذلك، فلما كان عثمان، وكثر الناس، زاد النداء الثالث على دارٍ في السوق يُقال لها الزوراء، فإذا خرجَ أذَّنَ، وإذا نَزَلَ أقام، وانّما سمي في الحديث ثالثاً لانَّه أضافه إلى الاقامة، ومن هذا يتضح لنا مشروعية كلٍّ من الحالتين.

فمن أخذَ بما كان متبعاً في عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر فحسن، ومَن أخَذَ

____________________

(١) مجلة (المسلمون)، ٢٧ نوفمبر - ١٩٩٢ م - العدد: ٤٠٨.

(٢) الجمعة: ٩.

٣٣٢

بما كان متبعاً في عهد عثمان فلا بأسَ ولا حَرَجَ عليه في ذلك»(١) .

ويقول (سعيد حوّى) في (الاساس في السنة وفقهها):

«ألا ترى انَّ اجماع الصحابة على جمع عمر الناس في صلاة التراويح على امامٍ واحدٍ وجعلها عشرين، وقول عمر (نعمت البدعة هذه)، وكل ذلكَ قد صحَّ عن عمر وعن الصحابة، ألا ترى انَّ الذين يضللون عمر بسبب ذلك قد دخلوا في دائرة الضلال، فعمر من الخلفاء الراشدين المهديين الذين اُمرنا بالاقتداء بهم، والاقتداء بهديهم»(٢) .

وجاءَ في كتاب (البدعة) للدكتور (عزت علي عطية) ما نصه:

«قرن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة الخلفاء الراشدين بسنته. ففي حديث العرباض بن سارية قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضّوا عليها بالنواجذ).

وانما أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعهم، لانّه علم أنهم لا يخطئون فيما يستخرجونه بالاجتهاد، ولانّه علم أنَّ بعض سنته لا يثبت إلا في عصرهم.

وعلى ذلك فالقول: (بأنَّ كل اجتهاد وقياس من الخلفاء الراشدين يخالف السنة الصحيحة لا ينبغي أن يتمسك به) هو قول بغير علم. إذ كيف يأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع ما يخالف سنته؟ وكيف تحدث المخالفة بين ما أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعه وبين سنته؟.»(٣) .

«وفي الصحيح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الامور) فأعطى الحديث - كما ترى - أنَّ ما سنَّه الخلفاء الراشدون لاحق بسنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنَّ ما سنّوه لا يعدو أحدَ أمرَين: إما أن يكون مقصوداً بدليل شرعي، فذلك سنّة لا بدعة، وإمّا بغير دليل -

____________________

(١) مجلة المسلمون، نفس العدد السابق.

(٢) سعيد حوّى، الأساس في السنّة وفقهها، ص: ٣٥٤.

(٣) د. عزت علي عطية، البدعة: تحديدها وموقف الاسلام منها، ص: ١٤٩.

٣٣٣

ومعاذ اللّه من ذلك - ولكنَّ هذا الحديث دليل على إثباته سنة، إذ قد أٌبته ذلك صاحب الشريعةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

فمن الملاحظ انَّ عمليات الاستدلال التي تمَّ بموجبها نفي (الابتداع) عن (النداء الثاني يوم الجمعة) وعن صلاة (التراويح) في النصوص المتقدمة قد استندت بشكل واضح على حديث (سنة الخلفاء الراشدين)، واتخذته أساساً مفروغاً عنه، وأرسلت ذلكَ بشكل عابرٍ من دون النظر إلى خلفيات الأمر الذي تم بشأنه هذا الاستدلال.

ومن الطبيعي انَّ هذهِ الطريقة لا تكلِّف الباحث أو المفتي عناءً طويلاً لكي يظفر بنتائج الاحكام الشرعية، كما انّها لا تجعله يقف عند الزوايا الحرجة التي تُثار حول الكثير من الامور المنسوبة إلى أبي بكر وعمر وعثمان مما هو خارج عن حياط الشرع المبين.

ومن الغريب حقاً انَّ هؤلاء القوم يسمحونَ لأنفسهم بركوب هذا النمط من الاستدلال على نحو الاستئثار والاستقلال، في الوقت الذي لا يَدَعونَ فيه أية فرصة من هذا القبيل للطرف الآخر لكي يمارس منهجه الاستدلالي على ضوء مبانيه ومرتكزاته الخاصة.

فمن الجائز لديهم الأخذ بسنة (الخلفاء الراشدين)، بل وضرورة العض عليها بالنواجذ، في مختلف الرؤى والاحكام، اعتماداً على حديث مروي عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ما فيه، بينما ليسَ من الجائز في وجهة نظرهم أن يأخذ أتباع مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام بخط أئمتهم ونهجهم، على الرغم من تواتر الروايات الدالة على وجوب الرجوع اليهم وأخذ معالم الدين عنهمعليهم‌السلام .

كما أنَّ من المفترض لديهم أن يؤمن الآخرون بكل ما وَرَدَ من طرقهم الخاصة، ويعدّونَ الخارجَ عن ذلك خارجاً عن الدين وتعاليم شريعة سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بينما لا

____________________

(١) أبو إسحق الشاطبي، الاعتصام، ج: ١، ص: ١٨٧.

٣٣٤

يرونَ أنَّ الواجب عليهم الايمان والاذعان لما رواه الآخرون بأي شكل كان، وليسَ في ذلكَ خروج لهم عن الدين فالدين هو ما يريدونه وما يكتبونه بطريقتهم الخاصة، لا ما يعتقده ويكتبه الآخرون!!

إنَّ هذا لوحده كافٍ لأن يدعونا إلى التوقف في منهجهم في التعامل مَعَ أحكام الشريعة الاسلامية المقدسة، والنظر في أصل الحديث الذي زعموا فيه الارجاع إلى (سنة الخلفاء الراشدين)، وشيدوا على أساسه اُصول عقائدهم، واُسس أحكامهم في مختلف الجوانب والمجالات.

فالى حيث حديث (سنة الخلفاء الراشدين) ندعوك - أيها القارئ الكريم - أن تُلقي معنا فيه نظرة بانصاف!!

نظرةٌ في الحديث

جاءَ في اُمهات الكتب الحديثية لدى أبناء العامة بأسانيد مختلفة:

«عن عرباض بن سارية قال: صلّى بنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الفجر، ثمَّ وعظنا موعظةً بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول اللّه كأنَّها موعظة مودِّعٍ فأوصنا، فقال: اُوصيكم بتقوى اللّه والسمعِ والطاعة وإن كانَ عبداً حبشياً، فانَّه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ»(١) .

____________________

(١) الدارمي، سنن الدارمي، ج: ١، ص: ٥٧، ح: ٥٩، باب اتباع السنة.

وسنن أبي داود، ج: ٤، ص: ٢٠٠، باب: لزوم السنة، ح: ٤٦٠٧، وفيه (وسنة الخلفاء المهديين الراشدين).

وسنن التزمذي، المجلد الخامس، كتاب العلم، ص: ٤٣، باب: ١٦، ح: ٢٦٧٦.

وسنن ابن ماجة، ج: ١، ص: ١٦، ح: ٤٣، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.

ومسند أحمد، ج: ٥، ص: ١٠٩، ح: ١٦٦٩٢، وح: ١٦٦٩٤، وح: ١٦٦٩٥.

وكنز العمال، ج: ٦، ص: ٥٥، ح: ١٤٨١٨، وفيه: (ولا تنازعوا الأمَر أهله، وان كانَ عبداً أسودَ، عليكم بما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاءِ الراشدين المهديين).

وتلبيس ابليس، تحقيق: الدكتور الجميلي، ص: ٢١.

٣٣٥

فيُدّعى انَّ المراد من (الخلفاء الراشدين) الوارد ذكرهم في هذا الحديث هم (أبو بكر) و(عمر) و(عثمان) والامام عليعليه‌السلام ، وانَّ هذا الحديث قد نصَّ على وجوب اتّباعهم، والأخذ بسنتهم، وجعلوا ذلكَ من المسلَّمات المفروغ عنها، والتي لا ينبغي أن تخضع للنقاش والتحقيق.

ونحن نعتقد بأنَّ هذا الحديث لا يمتلك أهلية الدلالة على المعنى المذكور، ولا ينهض للوفاء بذلك الأمل الكبير الذي عُقد عليه!

ولنا على إثبات صحة ما نذهُب إليه طريقان:

الطريق الأول : إننا نعتقد بأنَّ هذا الحديث من الأحاديث الضعيفة جداً، ولعلَّه أيضاً من الاحاديث الموضوعة في عصر متأخر عن زمن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمنسوبة إليه بغير حق، على غرار المئات من الأحاديث الاُخرى التي وضعها الواضعون بدوافع مختلفة، وسوف نبيِّن القرائن التي توجِّه الحديث نحو هذا المسار.

الطريق الثاني : انَّنا على فرض التسليم لصحة الحديث، والتنازل عن القرائن التي أقمناها على ضعفه، فانَّنا سوفَ نثبت انّه ليس المقصود من (الخلفاء الراشدين) فيه ما قصدَهُ أبناء العامة، وانَّما المقصود منهم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٣٦

الطريق الاول : ضعف الحديث واحتمال الوضع فيه

هناك ثلاث قرائن أساسية تدل على كون حديث (سنة الخلفاء الراشدين) حديثاً ضعيفاً وساقطاً عن الاعتبار هي:

أ - ضعف سند الحديث.

ب - إنتهاء أسانيد الحديث جميعاً إلى راوٍ واحد.

ج - إشتراك مضمون الحديث مع أحاديث اُخرى مقطوعة الوضع.

وسوفَ نقوم باستعراض هذهِ القرائن الثلاث على الترتيب بنحوٍ من الايجاز:

أ - ضعفُ سَندِ الحديث

وردَ حديث (سنة الخلفاء الراشدين) في كتب أبناء العامة بأسانيد محدودة، يمكن حصرها بالسلاسل الستة التالية ليس غير:

السلسلة الاولى : عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن ساورية(١) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة، ج: ١، ص: ١٦، وفيه (حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا عبد الملك بن الصباح السلمي، حدثنا ثور بن يزيد.). وفي سنن الترمذي، ج: ٥، كتاب العلم، ص: ٤٣، باب: ١٦، وفيه: (حدثنا الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا: حدثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد. وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر، عن عرباض بن سارية).

وفي سنن الدارمي، ج: ١، ص: ٥٧، وفيه: (أخبرنا أبو عاصم، أخبرنا ثور بن يزيد.).

وفي مسند أحمد: ج: ٥، ص: ١٠٩، وفيه: (حدثنا عبد اللّه، حدثني أبي، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ثور.

وحدثنا عبد اللّه، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد.).

وفي سنن أبي داود، ج: ٤، ص: ٢٠٠، وفيه: (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد.).

وفي مستدرك الحاكم، ج: ١، ص: ٩٦ - ٩٧، وفيه: (حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا عاصم، حدثنا ثور بن يزيد.).

٣٣٧

وهذهِ السلسلة تُعدُّ من أوثق وأشهر السلاسل التي يعتمد عليها المتمسكون بحديث (سنة الخلفاء الراشدين)، وتناقلتها أغلب كتبهم الحديثية المعتبرة، وقد وقع في هذهِ السلسلة (ثور بن يزيد) الذي نقل عنه (ابن حجر) في (تهذيب التهذيب) أنَّه كان يبغض أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام ، ويصرِّح عن ذلك بالقول: «لا اُحب رجلاً قتل جدي»، وذلكَ لأنَّ جدَّه قد قُتل في صفين إلى صف معاوية بن أبي سفيان في حربه مَعَ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

جاءَ في (تهذيب التهذيب) ما نصُّه:

«ويُقال انَّه كان قدرياً، وكان جدُّه قُتل يوم صفين مَعَ معاوية، فكان ثور إذا ذكر علياً قال: لا اُحبُّ رجلاً قتل جدّي»(١) .

ونحن نظن انَّ هذا وحدَه كافٍ في وجهة نظر جميع الفرق والطوائف الاسلامية لاسقاط عدالة المرء، وردِّ حديثه، وعدم قبول روايته، فممن لا تُقبل روايته بالاتفاق الناصب العداء لأهل بيت النبوة الطاهرينعليهم‌السلام الذين ورد الامر بوجوب محبتهم ومودتهم في صريح قوله تعالى:

____________________

(١) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: ٢، ص: ٣٣.

وانظر: جمال الدين المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج: ٤، ص: ٤٢٥.

٣٣٨

( قُل لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إلا المَوَّدةً في القُربى ) (١) .

وقد وردت الروايات الكثيرة المتظافرة في كتب الفريقين لتشير إلى هذا المعنى أيضاً، وتؤكد على انَّ حبَّ أهل البيتعليهم‌السلام من الايمان، وبغضهم من الكفر والنفاق، ونكتفي هنا بايراد بعض النماذج الواردة في كتب أبناء العامة من هذهِ الأحاديث.

جاءَ في (مستدرك الحاكم) عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال:

«والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله اللّه النار»(٢) .

وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال:

«أحبوا اللّهَ لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبِّ اللّه، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«خيركم خيركم لأهلي من بعدي»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انَّه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام :

«أنا حربٌ لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ينقطع يومَ القيامة كل سبب ونسب إلا سببي ونسبي»(٦) .

فكيف يمكن مَعَ كل هذا أن تُقبل رواية شخصٍ يبغض علياً أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي قررَ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهعليه‌السلام يدور مَعَ الحق أينما دار؟ وأين يا ترى يكون موضع

____________________

(١) الشورى: ٢٣، وقد مرَّت الاشارة إلى المصادر العامية التي بيَّنت سبب نزول الآية الكريمة فيما سبق.

(٢) الحاكم في المستدرك، ج: ٣، ص: ١٥٠.

(٣) الترمذي، سنن الترمذي، ج: ٥، كتاب المناقب، باب: ٣٢ مناقب أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ح: ٣٧٨٩، ص: ٦٢٢.

وانظر: المستدرك للحاكم، ج: ٣، ص: ١٥٠.

(٤) نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد، ج: ٦، ٩، ص: ١٧٤.

(٥) الحاكم في المستدرك، ج: ٣، ص: ١٤٩.

(٦) نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد، ج: ٩، ص: ١٧٣.

٣٣٩

المبغض لأهل البيتعليهم‌السلام من خلال هذهِ الاحاديث وأمثالها؟

هذا كله من جانب، ومن جانب آخر فقد اتفق المؤرخون والعلماء على انَّ (ثور بن يزيد) الراوي لحديث (سنة الخلفاء الراشدين) كان قدرياً، وقد نصّوا على ذلك بشكل صريح.

جاءَ في (تهذيب التهذيب):

«وقال عبد اللّه بن أحمد عن أبيه: ثور بن يزيد الكلاعي كان يرى القدر، كان أهل حمص نفوه لأجل ذلك.»(١) .

وقال أبو مسهر عن عبد اللّه بن سالم:

«أدركتُ أهل حمص، وقد أخرجوا ثور بن يزيد، وأحرقوا داره لكلامه في القدر»(٢) .

«وقال علي بن عياش، عن اسماعيل بن عياش، قال لنا عطاء الخراساني: لا تجالسوا ثور بن يزيد»(٣) .

«وقال أبو توبة الحلبي: حدَّثنا أصحابنا أنَّ ثوراً لقي الأوزاعي، فمدَّ يدَهُ إليه، فأبى الاوزاعي أن يمدَّ يده إليه، وقال: يا ثور، لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنَّه الدين»(٤) .

«وقال عبد اللّه بن موسى: اتقوا ثوراً لا ينطحنكم بقرنيه»(٥) !

____________________

(١) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: ٢، ص: ٣٤، وانظر: شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: ٦، ص: ٣٤٤، وانظر: محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج: ١، ص: ٣٧٤.

(٢) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: ٢، ص: ٣٤، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: ٦، ص: ٣٤٥، وتهذيب الكمال، ج: ٤، ص: ٤٢٧.

(٣) جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: ٤، ص: ٤٢٥.

(٤) شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: ٦، ص: ٣٤٤ - ٣٤٥، وتهذيب الكمال للمزي، ج: ٤، ص: ٤٢٥.

(٥) شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: ٦، ص: ٣٤٥.

٣٤٠