البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 137294
تحميل: 6419

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137294 / تحميل: 6419
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

أجمعوا عليه بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضلاً عن إجماعهم في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخالف فيه أحد من المسلمين، ليكون بعضهم ناجياً وبعضهم هالكاً، ولكنَّ هذا العنوان لا يحق لأحدٍ أن يستدل به، لانَّهم لم يجمعوا على كلِّ شيء مَعَ وجود الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كانوا يناقشون ويعترضون حتى في الاحكام الشرعية كما لا يخفى على أحدٍ ممن راجع السيرة النبوية الشريفة، وان اُريد بعض الاصحاب فكل مجموعة من هذا البعض قد اتبعه جماعة حتى طلحة والزبير ومعاوية وقاتلي عثمان في مواقفهم السياسية وآرائهم الدينية، فأيّ بعضٍ من هؤلاء الاصحاب هو المقصود؟» الى أن يقول:

«ولا نطيل بنقض الحديث لأنَّه متناقض في مضمونه ونتائجه، ولكننا لا نسلِّم بصحته، ولا بصحة مضمونه من الأساس لفساد رواته، ولو سلَّمنا بصدوره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأي نصٍّ فلا بدَّ وأن نفهمه بنحوٍ ينسجم مَعَ كتاب اللّه والقواعد العامة في الشريعة الاسلامية.»(١) .

وكان بسبب من هذهِ الافتراءات والأباطيل أن اُدخلت في معنى التشيع فرق وهمية وخيالية لا واقع لها من الاساس، وقد اُعطيت مسميات مختلفة، ومنحت عناوين لا وجود لها، ونسبت الافتراءات الشنيعة الى كبار صحابة الائمةعليهم‌السلام ، وأقطاب المذهب الشيعي وأعلامه، من أجل الايحاء للمسلمين بأن الشيعة فرقة مشتتة وممزقة، وكثيرة المسالك والتشعبات.

فقد ذكر المقريزي مجموعة كبيرة من الفرق الموهومة والتي لا أساس لها بالاصل من ضمن فرق الشيعة، واختلق لها أسماء من عنده، فجعل (الزرارية) التي يدّعي انها فرقة شيعية تضم اتباع زرارة بن أعين من فرق الشيعة حيث يقول:

«والفرقه العاشرة الزراية أتباع زرارة بن أعين أحد الغلاة في الرفض، وزعم مَعَ ذلكَ أنَّ اللّه تعالى لم يكن في الأول عالماً ولا قادراً حتى اكتسبَ لنفسه جميع ذلك».

____________________

(١) مفيد الفقيه، العقل في اُصول الدين، ص: ٢١ - ٢٢.

٤٠١

ويعدّ من فرق الشيعة أيضاً (الهشامية) فيقول عنهم بأنهم:

«أتباع هشام بن الحكم، ويقال لهم أيضاً الحكمية، ومن قولهم الاله تعالى كنور السبيكة الصافية يتلألأ من جوانبه».

وكذلك جعل من فرق الشيعة فرقةً اُخرى اسماها ب(الجولقية) وافترى حولها الأباطيل، فقال حول أصحابها بأنَّهم:

«أتباع هشام بن سالم الجولقي، وهو من الرافضة أيضاً، ومن شنيع قوله انَّ اللّه تعالى على صورة انسان نصفه الأعلى مجوّف ونصفه الاسفل مصمت، وليس بلحم ودم، بل هو نور ساطع، وله خمس حواس كحواس الانسان ويد ورجل وفم وعين واُذن وشعر أسود.».

وعدَّ منهم كذلك (اليونسية) وقال عنهم بأنَّهم:

«أتباع يونس بن عبد الرحمن القمي، وكلهم من الروافض».

وابتكر فرقة اسماها (الشيطانية) قائلاً عن أتباعها بأنَّهم:

«أتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق، وقد شاركَ المعتزلة والرافضة في جميع مذهبهم وانفرد بأعظم الكفر قاتله اللّه، وهو انَّه زعم انَّ اللّه لا يعلم الشيء حتى يقدّره، وقبل ذلك يستحيل علمه».

وتعليقاً على افتراءات المقريزي هذهِ نكتفي بالاشارة الى بعض ما ذكره العلامة السيد محسن الامين بعد إيراده لهذه الأقوال وغيرها من الانتحالات:

«إنَّ زرارة بن أعين والهشامين ويونس بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان الملقَّب بمؤمن الطاق كلهم ثقات صحيحو العقيدة، متكلمون حذاق، من أجلاء تلاميذ وأصحاب الامامين جعفر بن محمد الصادق وابنه موسى بن جعفر الكاظمعليهما‌السلام ، وعنهما أخذوا، ومنهما تعلَّموا، وبهما اقتدوا في كل علمٍ، لا سيما وصف الباري تعالى بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص، وعصمة سيد الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يمكن أن يعتقدوا

٤٠٢

أمثال هذهِ الخرافات في حقِّه تعالى، ولا في حقِّ نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخذوا عقائدهم عن أئمة أهل البيت الطاهر، معادن العلم والحكمة، ولم ينقل عنهم هذهِ الخرافات ناقل يوثق به، فما نُسب إليهم محض افتراء واختلاق، وتأتي تراجمهم في أبوابها(١) ، وهم مترجمون في كتب رجال الشيعة بكلِ وصفٍ جميل، وهم إماميّة اثنا عشرية، ليس لهم مذهب ولا نحلة خاصة سوى ذلك، ولا أتباع ينسبون اليهم»(٢) .

ويتمادى (المقريزي) في تقسيماته الباطلة، ويختلق فرقاً اُخرى لا واقع لها، وأسماء من دون مسميات بدافع التهجين والتشنيع حيث يقول:

«ومن فرق الروافض الحلوية، والشاعية، والشريكيّة يزعمونَ أنَّ علياً شريك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتناسخية القائلونَ أنَّ الارواح تتناسخ، واللاعنة، والمخطئة الذين يزعمون أنَّ جبرائيل أخطأ، والاسحاقية والخلفية الذين يقولونَ ل اتجوز الصلاة خلف غير الامام، والرجعية القائلونَ سيرجع علي وينتقم من أعدائه، والمتربصة الذين يتربصونَ خروج المهدي، والآمرية، والجبية، والجلالية، والكربية أتباع أبي كريب الضرير، والحزينة أتباع عبد اللّه بن عمر الحزين»(٣) .

ويعلِّق السيد محسن الامين على ذلك بالقول:

«يعلم اللّه انّ هذهِ الاسماء كلَّها لم نسمع بها، ولم نرها في كتب الشيعة، وما هي الا مختلقة لا يُقصد من ذكرها غير التشنيع والتهجين، وهي أسماء بلا مسميات، ولم يذكرها أحد من المؤرخين، ولا نقلها مَن كتب في الملل والنحل من الشيعة إلا الشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب المقالات والفرق المتكفّل لذكر

____________________

(١) المزيد من الاطلاع انظر ترجمة زرارة بن أعين في أعيان الشيعة، المجلد السابع، ص: ٤٦، وهشام بن الحكم، المجلد العاشر، ص: ٢٦٤، وهشام بن سالم، المجلد العاشر، ص: ٢٦٦، ويونس بن عبد الرحمن، المجلد العاشر، ص: ٣٢٦، ومحمد بن النعمان، المجلد العاشر، ص: ٨١.

(٢) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١١، ص: ٢٢.

(٣) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٣.

٤٠٣

فرق الشيعة وغيره»(١) .

ومن الانعكاسات السلبية الخطيرة لرمي كيان التشيع بالابتداع هو محاولة بعض المتعصبين من علماء العامة التشكيك في كل ما يُروى عن طرق الشيعة وخصوصاً الامامية الاثنا عشرية، وعدم الاعتراف المطلق بكتبهم الحديثية، ودرج الاحاديث الجمّة المروية في مصادر الشيعة ضمن عنوان ما يرويه المبتدعون.

يقول (نظام الدين الانصاري) في كتاب (فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت):

«أما المبيحون للكذب فلا تُقبل روايتهم البتة، لأنَّهم لمّا جازَ في دينهم على زعمهم الكذب لا يبالونَ بالارتكاب عليه، ومنهم الروافض الغلاة والاماميّة، فانَّ الكذب فيهم أظهر وأشهر، حتى صاروا مضرب المثِّل في الكذب، وجوَّزوا ارتكاب جميع المعاصي، فلا أمانَ لهم أن يكذبوا على رسول اللّه، ولا هم يبالونَ بالكذب على رسول اللّه وأصحابه، ومَن نظر في كتبهم لم يجد أكثر المرويات إلا موضوعةً مفتراة»(٢) .

ومن الطريف أن نذكر ما علَّق به الشيخ (محمد جواد مغنية) على هذا الكلام فكفانا مؤونة الرد عليه، حيث يقول في كتابه (الشيعة في الميزان):

«واذا كان أكثر روايات الامامية كذباً وافتراءً، فمعنى ذلكَ أنّ التوحيد ونبوة محمّد والبعث والنشر سخف وهراء، ووجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة سراب وهباء، وتحريم الزنا والكذب والسرقة جهل وعماء، لأنَّ روايات الامامية جلّها في ذلك، تعالى اللّه ورسوله علواً كبيراً.

ولا نعرف فرقة من المسلمين تشددت في تحريم الكذب بعامة، وعلى اللّه والرسول بخاصة كالاماميّة، فانَّهم حكموا بخروج مستحلِّه من الاسلام، وأخذوا الصدق في تحديد الايمان، فلقد رووا عن أئمتهم أخباراً تجاوزت حدَّ التواتر: (انَّ الايمان أن تؤثر الصدق

____________________

(١) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٣.

(٢) محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ٨٥، عن كتاب (فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت) المبطوع مَعَ المستصفى سنة ١٣٢٤ هجري، ص: ١٤٠،ج: ٢.

٤٠٤

وان ضرَّك على الكذب وان نفعَكَ)، واختصوا دون سائر الفرق بالقول انَّ تعمّد الكذب على اللّه أو رسوله من المفطرات، وان على هذا الكاذب القضاء والكفّارة، وبالغ جماعة منهم حيث أوجبوا عليه أن يكفّر بالجمع بين عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، واطعام ستين مسكيناً.

هذا ما جاءَ في كتب الامامية، فمن يكون الكذاب الكفّار، الامامية، أو الذي يفتري على الأبرياء الأصفياء»(١) ؟!

ونحن أمام مجموع هذه الافتراءات المتقدمة التي تنطلق جميعها من أساس رمى التشيع بالابتداع، والتي نعتقد يقيناً انها لم تنطلق الا من دوافع الحقد والتعصب، نجد أنفسنا ملزمين بأن نميط اللثام عن حقيقة هذا الأمر بما يتناسب حجماً مَعَ دراستنا الماثلة، وللارتباط الوثيق بين هذا الامر وبين موضوع (الابتداع) الذي تناولناه وسلّطنا الضوء بشيء من التفصيل على حدِّه وقيوده، على أن يكون تناولنا لهذا الموضوع تناولاً مختصراً ننتقل بعده لبيان مجمل الدور الذي قام به أهل البيتعليهم‌السلام في مواجهة (الابتداع) والمحدثات على مرّ التاريخ الذي عاشوا فيهعليهم‌السلام ، ويستطيع القارئ الكريم العود الى الكتب المعدّة لبيان هذا الغرض بالذات للاطلاع على تفاصيل هذا الموضوع وخصوصياته المختلفة(٢) .

____________________

(١) محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ٨٥ - ٨٦.

(٢) لمزيد من الاطلاع يمكن للقارئ الكريم أن يراجع على سبيل المثال: أعيان الشيعة للسيد الامين، ج: ١، ص: ١٨ - ٢٠٩، وأصل الشيعة وأصولها للامام محمد حسين كاشف الغطاء، والشيعة في التاريخ للعلامة الشيخ محمد حسين الزين، وتاريخ الاماميّة وأسلافهم من الشيعة للدكتور عبد الله فيّاض، وتاريخ الفرق الاسلامية للعلامة الشيخ محمد خليل الزين، وهوية التشيع للدكتور الشيخ أحمد الوائلي، والشيعة في الميزان للعلامة الشيخ محمد جواد مغنية، وبحوث في الملل والنحل للعلامة الشيخ جعفر السبحاني، ج: ٦، وتاريخ الشيعة للعلامة الشيخ محمد حسين المظفَّر، وفرق الشيعة للنوبختي، ولماذا نحن شيعة للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين، والانتفاضات الشيعية عبر التاريخ للسيد هاشم معروف الحسني، ص: ١٠ - ٣٥، والتشيع نشأته. معالمه للاستاذ السيد هاشم الموسوي.

وغير ذلك من المصادر الأساسية المدوّنة لبيان هذا المطلب المذكور.

٤٠٥

التشيع في اللغة

يطلق لفظ (الشيعة) في اللغة على الأتباع والأنصار بشكل عام، ثم تضيَّق مدلول هذهِ الكلمة وأصبح يُطلق بعد مجيء الاسلام على أتباع أمير المؤمنين علي وأهل بيتهعليهم‌السلام الى أن اختصَّ بهم، وأصبحوا يُميَّزون ويُعرفون عن غيرهم من الطوائف والفرق الاسلامية الاخرى بهذا اللفظ.

وسوف ننقل للقارئ الكريم عبارات مختلفة من اُمهات الكتب اللغوية، والتي تشير الى المعنى اللغوي اللعام المذكور للفظ الشيعة، وتطور مدلول هذهِ الكلمة وانصرافه الى أتباع علي وأهل بيتهعليهم‌السلام على نحو الخصوص.

١ - لسان العرب : «والشيعة القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قومٍ اجتمعوا على أمرٍ فهم شيعة، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع. والشيعة: أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شيع، وأشياع جمع الجمع، ويقال شايعه كما يقال والاه من الوَلي.

وقد غلبَ هذا الاسم على مَن يتولى علياً وأهل بيته رضوان اللّه عليهم أجمعين وحتى صار لهم اسماً خاصاً، فاذا قيل فلان من الشيعة عُرف انَّه منهم«(١) .

٢ - الصحاح : «وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره، يقال: شايعه، كما يقال والاه من الولي. وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع»(٢) .

٣ - القاموس المحيط : «وشِيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل مَن يتولّى علياً وأهل بيته، حتى صار اسماً لهم خاصاً»(٣) .

____________________

(١) ابن منظور، لسان العرب، ج: ٨، ص: ١٨٨ - ١٨٩.

(٢) الجوهري، الصحاح، ج: ٣، ص: ١٢٤٠.

(٣) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج: ٣، ص: ٤٧.

٤٠٦

٤ - المصباح المنير : «والشيعة: الاتباع والأنصار، وكل قوم اجتمعوا على أمرٍ فهم شيعة»(١) .

٥ - تاج العروس : «وكل مَن عاونَ انساناً وتحزَّب له فهو له شيعة، قال الكميت:

وما لي إلا أحمد شيعة

وما لي الا مشعب الحق مشعب

وقال الازهري: الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوالونهم»(٢) .

٦ - مجمع البحرين : «قوله تعالى:( ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ ) (٣) ، أي: من كلِّ فرقةٍ. قوله:( وَلَقَد أَرسَلنا مَن قَبلِكَ في شِيَعِ الأَوَّلِين ) (٤) ، أي: في فرقهم وطوائفهم.

والشيعة: الفرقة إذا اختلفوا في مذهب وطريقة.

قوله:( وَلَقَد أَهَلَكنا أَشياعَكُم ) (٥) ، أي: أشباهكم ونظراءكم في الكفر. قوله:( كَما فُعِلَ بَأشياعِهِم مِن قَبلُ ) (٦) : أي: بأمثالهم من الشيع الماضية. قوله:( وَإنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبراهيمَ ) (٧) ، قيل: أي وان من شيعة نوح إبراهيم، يعني انه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق.

والشيعة: الآتباع والأعوان والانصار مأخوذ من الشّياع، وهو الحطب الصغار التي تشتعل بالنار، وتعين الحطب الكبار على إيقاد النار، وكل قومٍ اجتمعوا على أمرٍ فهم شيعة، ثم صارت الشيعة جماعة مخصوصة.»(٨) .

فظهر من خلال هذا أنَّ لفظ (الشيعة) و(الشيع) و(الاشياع) الوارد في القرآن

____________________

(١) الفيّومي، المصباح المنير، ص: ٣٢٩.

(٢) الزبيدي، تاج العروس، ج: ٥، ص: ٤٠٥.

(٣) مريم: ٦٩.

(٤) الحجر: ١٠.

(٥) القمر: ٥١.

(٦) سبأ: ٥٤.

(٧) الصافات: ٨٣.

(٨) فخر الدين الطريحي، محمع البحرين، ج: ٤، ص: ٣٥٥ - ٣٥٦.

٤٠٧

الكريم قد استعمل في معناه اللغوي العام الذي أشارت اليه الكتب اللغوية.

التشيع في الاصطلاح

لكي نتعرف على المعنى المصطلح للفظ (الشيعة) و(التشيع) لا بدّ لنا أن نطالع أولاً ما يقوله العلماء والمحققون بهذا الشأن، لكي ننظر بعد ذلك في أبعاد هذا المفهوم، ونستخلص المعنى الواقعي الذي يمثّل صيغة موحَّدة لهذهِ التعاريف التي سوف نرى انها تختلف فيما بينها سعةً وضيقاً، وان كانت تشترك في المعنى الكلّي العام الذي تقدم ذكره في الكتب اللغوية آنفاً عند التعرض لبيان معنى التشيع الخاص، وهو عبارة عن موالاة علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

١ - الشهرستاني: في (الملل والنحل):

«الشيعة هم الذين شايعوا علياًرضي‌الله‌عنه على الخصوص، وقالوا بامامته وخلافته نصّاً ووصيّة، إما جليّاً، وإمّا خفياً، واعتقدوا أنَّ الامامة لا تخرج من أولاده، وان خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا ليست الامامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة، وينتصب الامام بنصبهم، بل هي قضية اُصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسلعليهم‌السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه الى العامة وإرساله».

وأضاف:

«ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الانبياء والائمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولّي والتبري، قولاً، وفعلاً، وعقداً، إلا في حال التقية»(١) .

٢ - ابن حزم : في (الفصل في الملل والاهواء والنحل):

«ومَن وافق الشيعة في أنَّ علياً أفضل الناس بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحقّهم

____________________

(١) الشهرستاني، الملل والنحل، القسم الاول، ص: ١٣١.

٤٠٨

بالامامة، وولده من بعده فهو شيعي، وان خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، فان خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيّاً»(١) .

٣ - أبو الحسن الاشعري : في (مقالات الاسلاميين واختلاف المصلّين):

«وانما قيل لهم الشيعة لأنَّهم شايعوا علياً، ويقدمونه على سائر أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

٤ - النوبختي : في (فرق الشيعة):

«فأول الفرق الشيعة، وهم فرقة علي بن أبي طالبعليه‌السلام المسمَّون بشيعة عليعليه‌السلام في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم اليه والقول بامامته.

منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، ومَن وافق مودته مودّة عليعليه‌السلام ، وهم أول مَن سمي باسم التشيع من هذهِ الامة، لانَّ اسم التشيع قديم شيعة إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين«(٣) .

٥ - الشيخ المفيد:

«الشيعة هم مَن شايع علياً، وقدَّمه على أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واعتقد انَّه الامام بوصية من رسول اللّه وبارادة من اللّه تعالى أيضاً كما يرى الامامية أو وصفاً كما يرى الجارودّية»(٤) .

٦ - الشهيد الثاني : في (شرح اللمعة الدمشقيّة):

____________________

(١) د. عبد اللّه الفياض، تاريخ الامامية وأسلافهم من الشيعة، ص: ٣٤، عن الفصل في الملل والاهواء والنحل، ج: ٢ (طبعة الاوفست، مكتبة المثنى - بغداد)، ص: ١١٣.

(٢) د. عبد اللّه الفياض، تاريخ الامامية، عن مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين، ج: ١، القاهرة، ١٩٥٠ م، ص: ٦٥.

(٣) الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، ص: ١٧ - ١٨، وانظر: المقالات والفرق لسعد بن أبي خلف الاشعري القمي، تحقيق: د. محمد جواد مشكور، ص: ١٥.

(٤) د. أحمد الوئلي، هوية التشيع، ص: ١٢، عن موسوعة العتبات المقدسة، المدخل، ص: ٩١.

٤٠٩

«والشيعة مَن شايع علياً، وقدَّمه على غيره في الامامة، وان لم يوافق على امامة باقي الائمة، فيدخل فيهم الامامية والجارودية من الزيدية والاسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحيّة»(١) .

٧ -محمد جواد مغنية : في (الشيعة في الميزان):

«التشيع هو الايمان بوجود النص من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على علي بالخلافة مَعَ عدم المغالاة فيه ولا في أحد أبنائه»(٢) .

٨ -بطرس البستاني : في (دائرة المعارف):

«الشيعة: فرقة من كبار فرق الاسلام، بايعوا علياًرضي‌الله‌عنه ، وقالوا انَّه الامام بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنص الجلي أو الخفي، واعتقدوا انَّ الامامة لا تخرج عنه وعن أولاده»(٣) .

٩ -محمد فريد وجدي : في (دائرة معارف القرن العشرين):

«الشيعة: هم الذين شايعوا علياً في إمامته، واعتقدوا أنَّ الامامة لا تخرج عن أولاده، قالوا ليست الامامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة بل هي قضية اُصولية، هي ركن الدين، ولا بدَّ أن يكون الرسول قد نصَّ على ذلكَ صريحاً، والشيعة يقولون بعصمة الائمة من الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبرّي قولاً وفعلاً، إلا في حال التقية إذا خافوا بطش الظالم»(٤) .

ومن خلال التمعن في مجموع هذهِ التعاريف التي تعد من أبرز التعاريف التي ذكرت للتشيع من قبل مختلف العلماء والمحققين، نستطيع أن نستخلص مجموعة من الامور الدخيلة في بيان معنى التشيع، وبلورة مفهومه لنا بشكل واضح، وهي:

____________________

(١) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ١٢، عن شرح اللمعة، ج: ٢، ص: ٢٢٨.

(٢) محمد جواب مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ٣٣.

(٣) بطرس البستاني، دائرة المعارف، ج: ١٠، ص: ٦٦١.

(٤) محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين، ج: ٥، ص: ٤٢٤ - ٤٢٥.

٤١٠

١ - انَّ التشيع يعني تولّي أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وتفضيله وتقديمه على الاصحاب كافة في أمر الامامة والخلافة الاسلامية بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ - إنَّ تقديم أمير المؤمنينعليه‌السلام على بقية الأصحاب واستحقاقه لمنصب الامامة، انما ثبت عن طريق الوصية والنص.

٣ - إنَّ النص الذي يعتقده الشيعة في أمير المؤمنينعليه‌السلام إما أن يكون نصاً جلياً أو نصّاً خفياً، ويعرِّف شيخ الطائفة الطوسي كلا النصين بالقول:

«ثم النص ينقسم قسمة اُخرى على ضربين: أحدهما - تفرَّد بنقله الامامية خاصة وان كان في أصحاب الحديث مَن رواه على وجه نقل أخبار الآحار - وهو النص الجلي. والآخر - نقله المؤالف والمخالف، وتلقّاه جميع الامة بالقبول - على اختلاف آرائهم ومذاهبهم - ولم يُقدم أحد منهم على جحده وانكاره من يعتدّ بقوله، وان اختلفوا في تأويله والمراد منه، وهو النص الخفي»(١) .

٤ - إنَّ المغالاة في أمير المؤمنينعليه‌السلام أو في أحدٍ من أهل بيتهعليهم‌السلام لا تنسجم مَعَ معنى التشيع والاتباع، بل هي خروج عنه من الأساس.

٥ - إنَّ الشيعة يقولون بانحصار الامامة في ولد عليعليه‌السلام ، ويقولون بعدم خروجها عن أهل بيتهعليهم‌السلام .

٦ - إنَّ التشيع لا يساوق الايمان بامامة جميع الائمة الاثني عشرعليهم‌السلام من ولد عليعليه‌السلام ، فيدخل في معنى التشيع فرق اُخرى غير الفرقة الامامية الاثني عشرية كالجارودية والواقفية والفطحية. الى آخر ما سوف نذكره من فرق الشيعة بعد قليل إن شاء اللّه تعالى.

٧ - إنَّ الخلاف الواقع بين الفرق والشيعية ينحصر في تشخيص عدد الائمة وأعيانهم بعد الاتفاق على وجود النص.

____________________

(١) أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تلخيص الشافي، ج، ٢، ص: ٤٦.

٤١١

ويناءً على كل هذا نستطيع القول بأن التشيع يعني بكلمة واحدة:

«موالاة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ومشايعته، وتقديمه في أمر الامامة على غيره، وعدم المغالاة فيه أو في أحدٍ من أهل بيتهعليهم‌السلام ، والاعتقاد بأنَّ خلافته مستمدة عن طريق النص الشرعي الجلي أو الخفي، أو المشير اليه باسمه أو يوصفهعليه‌السلام ، وان الامامة منحصرة في أهل بيتهعليهم‌السلام ».

وقد حاول البعض أن يحشر في تعريف التشيع عناصر اضافية اُخرى لتكون بمثابة الثغرات التي يمكن النفوذ من خلالها بسهولة لابعاد التشيع عن واقعه الاسلامي المتأصل، والصاق تهمة اليهودية أو النصرانية أو الزندقة أو المغالاة أو غير ذلك من الافتراءات فيه.

يكشف الشيخ الدكتور (أحمد الوائلي) النقاب عن هذا الأمر بالقول في كتابه القيّم (هوية التشيّع):

«. انَّ الغرض من هذهِ الاشارة هو إلقاء الضوء على نقطة يؤكد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الشيعة وعقائدهم: ألا وهي التاكيد على إدخال آراء أريد لها أن تكون خيوطاً تصل بين التشيع واليهودية، أو النصرانية، أو الزندقة، ومحاولة إيصال التشيع لعرقيات معينة، وهي محاولة لا تخفى على أعين النقّاد بأنَّها غير موضوعية، إنَّ هذهِ المحاولة تريد تصوير التشيع بأنَّه تطوَّر لا كما تتطور العقائد والمذاهب الاخرى، وفي التوسع وقبول الاضافات السليمة نتيجة تبرعم بعض الآراء، وانَّما تطور غير سليم وغير نظيف أفسد مضمون التشيع»(١) .

ثمَّ يؤيّد الشيخ الوائلي ما ذكره بايراد خمسة نماذج من الأقوال التي تعرَّضت لذكر مفهوم التشيع، وبدايات نشوئه، لخمسة من كبار علماء العامة المتأخرين، ويسلِّط الضوء على تلك النقاط التي حاولت أن تبين انَّ التشيع بدأ كفكرة روحية ساذجة ثم تطور

____________________

(١) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ١٣.

٤١٢

بصورة غير مشروعة الى حركة سياسية استقطبت مختلف التيارات المنحرفة، وتأثرت بها، ويقوم بنقاش هذهِ الآراء بموضوعية كاملة، ويكشف تلك المغالطات المزعومة(١) .

فرق الشيعة

وعلى أساس ما استخلصناه من تعريف التشيع فيما سبق نستطيع أن نمتلك ضابطة موضوعية ثابتة يمكن على أساسها دخول هذهِ الفرقة في مفهوم التشيع دون تلك، وسوف نقوم باستعراض سريع للفرق الشيعة التي تنتسب حقّاً الى هذا الكيان وتندرج ضمن مفهومه، وللفرق التي لا يحق لها الدخول فيه والتي حاول البعض حشرها قسراً في مفهوم التشيع واضفاء هذا الاسم عليها لتشويه معالم هذا الكيان، وتجريده عن حقيقة محتواه.

فأمّا أهم الفرق الداخلة في نطاق التشيع فهي:

١ -الكيسانية : وهي الفرقة القائلة بامامة محمد بن الحنفية بعد الامام الحسينعليه‌السلام وزعمت هذه الفرقة أنَّ محمد بن الحنفية هو المهدي المنتظر الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وهو حي لا يموت حتى يظهر الحق، وفي ذلك يقول الشاعر الكيساني كثير عزّه:

ألا انّ الأئمة من قريش

ولاةُ الحق أربعة سواءُ

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاءُ

فسبط سبط أيمان وبرٍّ

وسبط غيَّبته كربلاءُ

وسبط لا يذوق الموتَ حتى

يقود الخيلَ يقدمها اللواءُ

يغيبُ فلا يرى منهم زماناً

برضوى عنده عَسَل وماءُ

____________________

(١) انظر: هوية التشيع للوائلي، ص: ١٣ - ١٩.

٤١٣

٢ -الناووسية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالامام علي بن الحسينعليه‌السلام بعد أبيه، ثم بالامام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام بعد أبيه، ثم بالامام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام بعد أبيه، وتوقفت عند الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، وادّعت انَّه هو الامام المنتظر، وانَّه حي لا يموت.

٣ -الاسماعيلية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالائمةعليهم‌السلام الى الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ثم نقلت الامامة منهعليه‌السلام الى ابنه اسماعيل.

٤ -الفطحية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالائمةعليهم‌السلام أيضاً الى الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ثمَّ نقلت الامامة الى ولده عبد اللّه الأفطح.

٥ -الواقفية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالائمةعليهم‌السلام الى الامام الصادقعليه‌السلام ، ونقلت الامامة - بحق - الى ولده الامام موسى الكاظمعليه‌السلام ، إلا انَّها وقفت عليهعليه‌السلام ، وزعمت انَّه المهدي المنتظر، وانَّه حيّ لا يموت حتى يملك شرق الارض وغربها.

٦ -الاثنا عشرية : وتسمى أيضاً (الامامية) وهم القائلون بامامة الائمة الاثني عشرعليهم‌السلام وهم علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

وقد استند الامامية في اعتقادهم بالائمة الاثني عشرعليهم‌السلام ، واتّباعهم لهم على مجموعة كبيرة من النصوص النبوية، والتي روى أبناء العامة في مصادرهم المعتبرة قسماً منها، حيث ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النص بكون الائمة من قريش، وكونهم اثني عشر اماماً. وقد مرّ ذكر شطر من هذه الاحاديث فيما سبق.

هذه هي أهم الفرق التي تدخل في معنى التشيع وضمن إطاره العام.

وأمّا الفرق التي لا يصح إدخالها ضمن هذا الاطار، ولا يجوز عدّها فرقاً شيعية،

٤١٤

ولا تصح نسبتها الى هذا الكيان بأية صورة من الصور فهي:

١ - كل فرقة تدّعي المغالاة في حق عليعليه‌السلام أو أحد أبنائه، كالمغالين الذين ألّهوا علياًعليه‌السلام ، وقد عمدعليه‌السلام الى قتلهم بالدخان لاستئصال هذه الحالة الشاذة من جسد الامة الاسلامية، واجتثاث جذورها من الاساس، فمعنى التشيع يأبى حشر المغالين ضمن فرق الشيعة، لأنَّ التشيع كما قدَّمنا ينصرف الى موالاة عليعليه‌السلام وأهل بيتهعليهم‌السلام واعتباره إماماً منصوباً عن طرق النص الشرعي لاكمال شوط رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحمل راية المسيرة الاسلامية التي صدع بتعاليمها الوحي من السماء.

يقول الدكتور (عبد اللّه الفياض) في كتابه (تاريخ الاماميّة):

«ففرق الزيدية التي تساهلت بقضية أفضلية الامام علي على سائر الصحابة، وجماعات الغلاة التي خرجت عن حدِّ الامامة الى الربوبية يصعب حشرها في إطار التشيع العام»(١) .

ويقول الشيخ (محمد جواد مغنية) في (الشيعة في الميزان):

«أما المغالاة في علي وصفاته، أو تكفير خصومه السياسيين وما الى ذلك فلا يمتّ الى التشيع بسبب.

والذي يدّلنا على انَّ لفظ الشيعة عَلَم على مَن يؤمن بأنَّ علياً هو الخليفة بنص النبي ما قاله فقهاء الامامية في كتب التشريع من انّه إذا أوصى رجل بمالٍ للشيعة، أو وقفَ عقاراً عليهم، يُعطى لمن قدَّم علياً في الامامة على غيره بعد النبي، ولا يُعطى للمغالين (كتاب المسالك للشهيد الثاني، ج: ١، باب الوقف)»(٢) .

ومما يؤسف له أنَّ بعض كتب الملل والنحل تساهلت كثيراً في هذا الامر الخطير، وأدرجت الغلاة من ضمن طوائف الشيعة بشكل مسلَّم، وراحت تذكر خصوصياتهم

____________________

(١) د. عبد اللّه الفياض، تاريخ الامامية وأسلافهم من الشيعة، ص: ٣٤.

(٢) محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ١٥.

٤١٥

وصفاتهم وتوكّد على انتمائهم الى خط التشيع العام.

وقد استُغل هذا الأمر أبشع استغلال في رمي الشيعة بمختلف الاباطيل، والخلط بينها وبين الحق الذي لا غبار عليه.

فنرى انَّ الدكتور أحمد أمين يشهر هذه الورقة في وجه التشيع حيث يقول: «ولم يكتفِ غلاة الشيعة في علي بأنَّه أفضل الخلق بعد النبي وانه معصوم بل منهم مَن ألَّهه»(١) .

ويضرب محمد ثابت المصري على نفس هذه الوَتر في كتابه (جولة في ربوع الشرق الأدنى) حيث يقول: «ومن الشيعة قسم أوجب النبوة بعد النبي فقالوا بأنَّ الشبه بين محمد وعلي كانَ قريباً لدرجة أنَّ جبرائيل أخطأ، وتلكَ فئة الغالية أو الغلاة، ومنهم مَن قال بأنَّ جبرائيل تعمَّد ذلك»(٢) .

وينحى محمد فريد وجدي في دائرة معارفه منحى مَن زجَّ بالغلاة ضمن فرق الشيعة من مؤرخي العامة بقصد التشنيع والتهجين والتشويه، فيقول مضيفاً الى ذلك بعض المفتعلات: «وهم خمس فرق كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة وغلاة، وإسماعيلية وبعضهم يميل في الاصول الى الاعتزال، وبعضهم الي السنة، وبعضهم الى التشبيه(٣) »!

ومن العجيب حقاً انّه في الوقت الذي يتبرأ فيه الشيعة الامامية الاثنا عشرية من المغالين أشدَّ التبرؤ، ويعدّون المغالي في عليعليه‌السلام أو أحد أبنائه خارجاً عن الدين بشكل واضح وصريح في جميع كتبهم ومصنفاتهم نجد انَّ السمعاني وغيره من المتعصبين يقذف نفس الامامية بالغلو، فيقول في كتابه (الانساب) ما نصه:

«الامامية جماعة من غلاة الشيعة، وانّما لُقّبوا بهذا اللقب لأنَّهم يرونَ الامامة لعلي

____________________

(١) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٥٢، عن فجر الاسلام لأحمد أمين ص: ٣٣٠.

(٢) محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٧٢، عن كتاب جولة في ربوع الشرق الأدني، لمحمد ثابت المصري، مصر، الطبعة الثانية، ١٣٥٤ ه‍. ق، ١٩٣٦ م.

(٣) محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين، ج: ٥، ص: ٤٢٥.

٤١٦

وأولاده، ويعتقدون انّه لا بدَّ للناس من الامام، وينتظرون إماماً سيخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً»(١) .

فهل ترى فيما ذكره السمعاني من عقائد الامامية غلوّاً، وهو في مقام الذم والتشنيع واستقصاء النقائص والعثرات؟! فلماذا هذا الافتراء على المسلمين الموحدِين بغير حقٍّ، ولماذا هذا التلفيق والابتعاد عن روح التآخي والانصاف؟!

وللنظر الى ما ينقله (الزبيدي) في (تاج العروس) عن الحافظ الذي يقطر كلامه حقداً على الشيعة الامامية حيث يقول حول الشيعة:

«وقال الحافظ وهم أئمة لا يحصون مبتدعة وغلاتهم الامامية المنتظرية»(٢) .

٢ - يخرج من فرق التشيع أيضاً كل فرقة لا تقول بثبوت الامامة عن طريق النص، كما في بعض فرق الزيدية التي تدّهي انقعاد الامامة بالاختيار.

يقول السيد (محسن الامين) في (أعيان الشيعة) حول فرقة الزيدية:

«قالت الزيدية انَّ الامامة تكون بالاختيار فمن اختير صار إماماً واجب الطاعة، ولا يشترط أن يكون معصوماً، ولا أفضل أهل زمانه، وانّما يشترط أن يكون من ولد فاطمة، وأن يكون شجاعاً عالماً يخرج بالسيف»(٣) .

وأما بقية فرق الزيدية التي تقول بثبوت الامامة عن طريق النص، فهي داخلة في الاطار العام لمفهوم(التشيع) أيضاً.

وقد بدأ اسم الشيعة ينصرف في الفترات المتأخرة الى الامامية الاثني عشرية، التي تمثل المصداق البارز لهذا اللفظ، باعتبارها الفرقة المتقدمة التي تمثّل روح التشيع وجوهره، وهي الفرقة الارسخ بقاءً والاوسع انتشاراً في بقاع الأرض المختلفة.

____________________

(١) انظر: محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٠، نقلاً عن أنساب السمعاني.

(٢) الزبيدي، تاج العروس،: ج: ٥، ص: ٤٠٥.

(٣) محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ٣٦، عن أعيان الشيعة، القسم الثاني من الجزء الاول، ص: ١٣، طبعة ١٩٦٠ م.

٤١٧

ومن جانب آخر نرى انَّ أغلب الفرق الشيعية التي ذكرناها آنفاً إما أن تكون قد انقرضت، وإمّا أن تكون موجودة ضمن دوائر ضيقة ومحدودة.

فمثلاً نجد انَّ الفرقة الكيسانية قد انقرضت بشكل كامل، ولم يبقَ لها أي أثر، فيقول الشيخ (المفيد) حول الفرقة الكيسانية في كتاب (العيون والمحاسن):

«ولا بقية للكيسانية جملة، وقد انقرضوا، حتى لا يُعرف منهم في هذا الزمان أحد»(١) .

والفرقة الناووسية أيضاً بادت ولا يوجد منها الآن أيّ أحد.

وكذلك الامر في الفرقتين الفطحية والواقفية فهما فرقتان بائدتان أيضاً(٢) .

وأماّ الفرقة الاسماعيلية، وفرق الزيدية التي تعتقد وجود النص ولا تقول بالمغالاة فهي وإن كانت موجودة في هذا العصر، إلا انَّ الاسماعيلية والزيدية تُعرفان باسمهما الخاص غالباً، على الرغم من كونهما فرقتين من فرق الشيعة أيضاً، وقد نشأ هذا الانصراف والتخصيص نتيجة لكثرة الاستعمال.

ولذا فانَّ اسم الشيعة ينصرف الآن الى الامامية الاثني عشرية على نحو الغلبة أو الخصوص، يقول العلامة السيد (محسن الامين):

«والموجود اليوم من فرق الشيعة هم الامامية الاثنا عشرية، وهم الاكثر عدداً، والزيدية والاسماعيلية (البهرة)»(٣) .

ويقول العلامة (محمد حسين الزين):

«وانَّ المعاني الحقيقية التي قدمناها للتشيع الحق، لا تخوّل أحداً أن يطلق اسم الشيعة على غير الاثني عشرية، وأكثر الزيدية والاسماعيلية، وبعض الفطحية والواقفية، وبما أن الزيدية اليوم ومثلهم الاسماعيلية لا يُعرفون الا بهذين الانتسابين، وبما

____________________

(١) محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ٣٣.

(٢) محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص: ٣٣ - ٣٤.

(٣) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٠.

٤١٨

انَّ الفطحيّة والواقفية لا وجود لهم في هذا العصر، انحصر اسم الشيعة بالشيعة الامامية الاثني عشرية واختصَّ بهم«(١) .

نشأة التشيُّع

اختلفت الآراء في مسألة نشأة التشيع، وذهبَ أكثر علماء العامة الى كون التشيع قد نشأ بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتشعبت الاقوال في ذلك فمنهم مَن يدّعي نشأته يوم السقيفة، وآخر يقول بعد مقتل عثمان وثالث يذهب الى انه نشأ في يوم صفين. وذهب آخرون الى انَّه نشأ بتحركات سياسية من قبل شخصية يهودية يقال له (ابن سبأ)، أو انَّ التشيع فارسي الأصل. إلى غير ذلك من الآراء.

ونلاحظ أنَّ الغالبية من هذه الاراء تتجه في المسار الذي يحاول أن يهيّيء الارضية الملائمة لرمي التشيع بالابتداع، والقول بأنَّه أمر محدث ليس له أي ارتباط بالدين، وقد نشأ في العصور المتأخرة عن عصر الرسالة، وجاء ليحمل بين طيّاته عوامل التخريب وعناصر التفرقة والشقاق بين صفوف الامة الاسلامية.

وبما انَّ حقيقة التشيع من الحقائق التي ضربت جذورها في أعماق التاريخ الاسلامي، وتوغلت الى حيث بدايات الدعوة الى الاسلام، ورافقت مسيرته منذ اللحظات الاولى، طبقاً للمدارك والمستندات التأريخية التي لا تقبل الانكار، وبما أنَّ التشيع قد نما وترعرع في أحضان الرسالة، وبين جوانح الاسلام، وباستمداد من تعاليمه ومبادئه المثلى. فانّا نلاحظ انَّ اولئكَ الذين حاولوا أن يصوّروا نشوء التشيع بعيداً عن واقع الاسلام في مراحله الاولى، لم يكن بوسعهم الابتعاد عن ذلك العصر كثيراً، لئلا يصطدمو بحقائق التأريخ الدامغة، ويقعوا في مهاترة مفضوحة معه. ولذا حاول بعضهم

____________________

(١) محمد حسين الزين، الشيعة في التاريخ، ص: ٣٠ - ٣١.

٤١٩

أن يصور نشوء التشيع في عصر الرسالة الاول بصورة ساذجة وسطحية، وانَّه كان يمثل وجوداً روحياً فحسب، ثم تطور بعد ذلك الى اتجاه آخر، وتحول الى تكتل سياسي، وذهب البعض الآخر إلى انّه نشأ منذ يوم السقيفة بعد وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة، وكأنَّه انبثق في الواقع الاسلامي فجأة من دون أية سابقة أو إعداد.

ومَعَ كل هذا فإنَّ أغلب هذهُ الاقوال تحمل بين طياتها خيوط الاعتراف بوجود كيان شيعي كان يلتف حول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويتعاضد معه في مختلف الرؤى والمواقف على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن نرى في نفس الوقت وجود خيوط اُخرى تفسح المجال واسعاً أمام دخول التأويلات الإضافية التي تحاولِّ أن تبين التشيع بأنَّه موجة فارسية أو تيار سياسي نشأ نتيجةً لظروف تاريخية خاصة، وملابسات مرَّت بالواقع الاسلامي آنذاك.

يقول الدكتور (أحمد أمين) في (فجر الاسلام):

«إنَّ التشيع بدأ بمعنى ساذج، وهو أنَّ علياً أولى من غيره من وجهتين: كفاءته الشخصية، وقرابته للنبي، ولكنَّ هذا التشيع أخذ صيغة جديدة بدخول العناصر الاخرى في الاسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية. وحيث انَّ أكبر عنصر دَخَل في الاسلام الفرس، فلهم أكبر الأثر بالتشيع»(١) .

ويقول الدكتور (كامل مصطفى) في كتابه (الصّلة):

«انَّ التشيع قد عاصر بدء الاسلام باعتباره جوهراً له، وانَّه ظهر كحركة سياسية بعد أن نازع معاوية علياً على الامارة وتدبير شؤون المسلمين، ويتبيَّن بعد ذلكَ أنَّ تبلور الحركة السياسية تحت اسم الشيعة كان قبل قتل الحسينعليه‌السلام مباشرة، وان كانت الحركة سبقت الاصطلاح.

وبذلك يمكننا أن نلخص هذا الفصل في كلمة بيانها انَّ التشيع كان تكتلاً اسلامياً

____________________

(١) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع ص: ١٥، عن فجر الاسلام، ص: ٢٧٦.

٤٢٠