البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 137311
تحميل: 6424

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137311 / تحميل: 6424
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

أفاعيل العباد، وذلكَ في حياة الصادقعليه‌السلام ، وموسىعليه‌السلام يومئذٍ غلام، فلَّما صارا إليه سلَّما عليه، ثم قالا له:

- أخبرنا عن أفاعيل العباد ممَّن هي؟ فقال لهما:

- إن كانت أفاعيل العباد من اللّه دون خلقه، فاللّه أعلى وأعزّ من أن يعذّب عبيده على فعلٍ قد شاركهم فيه، وإن كانت أفاعيل العباد من العباد، فان عذَّبَ فبعدله، وإن غفر فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، ثم أنشأ يقول:

لم تخل أفعالنا اللاتي نُذمُّ بها

احدى ثلاث معانٍ حين نأتيها

إما تفرَّد بارينا بصنعتها

فيسقط الذم عنّا حينَ ننشيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما سوفَ يلحقنا من لائمٍ فيها

أو لم يكن لالهي في جنايتها

ذنبٌ فما الذنب إلا ذنب جانيها

١٢ - وجاءَ في شرح العقائد للمفيد:

«روي عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام أنَّه سُئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة للّه تعالى؟ فقالعليه‌السلام :

- لو كان خالقاً لها لما تبرّأ منها، وقد قال سبحانه:( أنَّ اللّهَ برَيءٌ مِنَ المُشرِكينَ ) (١) ، ولم يُرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنّما تبرّأ من شركهم وقبائحهم»(٢) .

١٣ - وفي الاحتجاج فيما سأله عباية بن ربعي الأسدي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في معنى الاستطاعة:

«فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : تملكها من دون اللّهِ أو مَعَ اللّه؟

فسكت عباية بن ربعي، فقال لهعليه‌السلام :

- قل يا عباية، فقال:

____________________

(١) التوبة: ٣.

(٢) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج: ١، ص: ١٠٠، عن شرح العقائد للمفيد، ص: ١٣.

٤٦١

- وما أقول يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام :

- تقول تملكها باللّه الذي يملكها من دونك، فان ملككها كان ذلكَ من عطائه، وإن سلبكها كان ذلكَ من بلائه، وهو المالك لما ملَّكك، والقادر على ما عليه أقدرك»(١) .

١٤ - وروي في الطرائف أنَّ رجلاً سمع جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن القضاء والقدر فقالعليه‌السلام :

«ما استطعتَ أن تلومَ العبدَ عليه فهو منه، وما لم تستطيع أن تلوم العبد عليه فهو فعل اللّه، ويقول اللّه للعبد: لِمَ عصيتَ؟ لِم فسقتَ؟ لِمَ شربتَ الخمرَ؟ لم زنيتَ؟ فهذا فعل العبد، ولا يقول له: لِمَ مرضتَ؟ لِمَ قصرتَ؟ لم ابيضضتَ؟ لِمَ اسوددتَ؟ لأنَّه من فعل اللّه تعالى؟(٢) .

١٥ - وسئل أميرُ المؤمنينعليه‌السلام عن التوحيد والعدل، فقالعليه‌السلام :

«التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمّه»(٣) .

١٦ - عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عن جدِّه عليعليه‌السلام قال:

«دخلَ رجل من أهل العراق على أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

- أخبرنا عن خروجنا الى أهل الشام أبقضاءٍ من اللّه وقَدرَ؟ فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام :

- أجل يا شيخ، فواللّه ما علوتم تلعةً ولا هبطتم بطن وادٍ إلا بقضاءٍ من اللّه وقَدرَ، فقال الشيخ:

- عند اللّهِ احتسبُ عنائي يا أمير المؤمنين! فقالعليه‌السلام :

- مهلاً يا شيخ، لعلَّكَ تظن قضاءً حتماً وقدراً لازماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مُسيءٍ

____________________

(١) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القران، ج: ١، ص: ١٠٠، عن الاحتجاج، ج: ٢، ص: ٥٥٥.

(٢) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القران، ج: ١، ص: ١٠٣، عن طرائف الحكم، ص: ٣٤٠.

(٣) نهج البلاغة: قصار الحكم / الحكمة: ٤٧٠.

٤٦٢

لائمةٌ، ولا لمحسنٍ محمدةٌ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب، والمذنب أولى بالاحسانمن المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان، وخصماء الرحمن، وقدرية هذهِ الامة ومجوسها.

يا شيخ إنَّ اللّه عزّ وجلّ كلَّف تخييراً، ونهى تحذيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطع مكرها، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً، ذلكَ ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

قال: فنهضَ الشيخ وهو يقول:

أنتَ الامام الذي نرجو بطاعته

يومَ النجاة من الرحمن غفراناً

أوضحتَ من ديننا ما كان ملتبساً

جزاكَ ربُّكَ عنّا فيه إحساناً»(١)

١٧ - عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال:

«الاعمال على ثلاثة أحوال: فرائض، وفضائل، ومعاصي، وأمّا الفرائض فبأمرِ اللّه عزّ وجلّ، وبرضى اللّه، وقضاءِ اللّه، وتقديره، ومشيئته، وعلمه، وأمّا الفضائل فليست بأمرِ اللّه، ولكن برضى اللّه، وبقضاءِ اللّه، وبقدر اللّه، وبمشيئته، وبعلمه، وأمّا المعاصي فليست بأمرِ اللّه، ولكن بقضاءِ اللّه وبقدر اللّه، وبمشيئته، وبعلمه، ثم يعاقب عليها»(٢) .

١٨ - عن الأصبغ بن نباتة قال:

«انَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عدَلَ من عندِ حائطٍ مائلٍ الى حائط آخر، فقيل له:

- يا أمير المؤمنين، أتفرُّ من قضاءِ اللّه؟ فقالعليه‌السلام :

- أفرُّ من قضاءِ اللّه الى قدرِ اللّه عزّ وجلّ»(٣) .

١٩ - عن سفيان بن عيينة عن الزهري قال:

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦٠، ح: ٢٨، ص: ٣٨٠.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦٠، ح: ٩، ص: ٣٦٩ - ٣٧٠.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦٠، ح: ٨، ص: ٣٦٩.

٤٦٣

«قال رجل لعلي بن الحسينعليه‌السلام :

- جعلني اللّه فداك أبقدرٍ يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟ فقالعليه‌السلام :

- انَّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد، فالروح بغير جسدٍ لا تحس، والجسد بغير روحٍ صورة لا حراكَ بها، فإذا اجتمعا قويا وصلحا، كذلك العمل والقدر، فلو لم يكن القدر واقعاً على العمل لم يُعرف الخالق من المخلوق، وكانَ القدر شيئاً لا يُحس، ولو لم يكن العمل بموافقةٍ من القدر لم يمضِ ولم يتمّ، ولكنهما باجتماعها قويا، وللّه فيه العون لعبادِه الصالحين، ثم قالعليه‌السلام :

- الا انَّ من أجور الناس من رأى جوره عدلاً، وعدل المهتدي جوراً، ألا انَّ للعبد أربعة أعين: عينان يبصر بهما أمرَ آخرته، وعينان يبصر بهما أمرَ دنياه، فإذا أراد اللّه عزَّ وجل بعبدٍ خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه، فأبصر بهما الغيب، وإذا أراد غير ذلك تركَ القلبَ بما فيه.

ثم التفتعليه‌السلام الى السائل عن القدر، فقال:

- هذا منه، هذا منه»(١) .

٢٠ - وروي في طرائف الحكم:

«انَّ الحجاج بن يوسف كتب الى الحسن البصري، والى عمرو بن عبيد، والى واصل بن عطاء، والى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم وما وصل اليهم في القضاء والقدر.

فكتب إليه الحسن البصري:

- انَّ أحسن ما انتهى إليَّ ما سمعتُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام انه قال: «أتظنُّ أنِّ الذي نهاكَ دهاكَ؟ وانما دهاك أسفلكَ وأعلاك، واللّه بريء من ذلك».

وكتب إليه عمرو بن عبيد:

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦٠، ح: ٤، ص: ٣٦٦ - ٣٦٧.

٤٦٤

- أحسن ما سمعتُ في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«لو كان الزور في الأصل محتوماً، لكان المزوِّر في القصاص مظلوماً».

وكتب إليه واصل بن عطاء:

- أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«أيدلُّكَ على الطريق، ويأخذ عليكَ المضيق»؟.

وكتبَ اليه الشعبي:

- أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«كلّما استغفرت اللّهَ منه فهو منكَ، وكلّما حمدتَ اللّه عليه فهو منه».

فلما وصلت كتبهم الى الحجاج، ووقف عليها قال:

- لقد أخذوها من عين صافية»(١) .

٢١ - وروي انه سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن القضاء والقدر فقال:

«لا تقولوا: وَكَلهم اللّه الى أنفسهم فتوهنوه، ولا تقولوا أجبرهم على المعاصي فتظلموه، ولكن قولوا: الخير بتوفيق اللّه، والشرّ بخذلان اللّه، وكلّ سابق في علم اللّه»(٢) .

٢٢ - وروي أنَّ رجلاً قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام :

- «فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام :

- الأمر بالطاعة، والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا، وقدره لأعمالنا، وأما غير ذلك فلا تظنّه، فانَّ الظن له محبط للاعمال.

____________________

(١) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج: ١، ص: ١٠٣، عن طرائف الحكم، ص: ٣٢٩.

(٢) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ١، رقم: ١٢٢، ص: ٤٩٢ - ٤٩٣.

٤٦٥

فقال الرجل: فرَّجتَ عني يا أمير المؤمنين فرَّج اللّه عنكَ»(١) .

٢٣ - روي انَّ المأمون سأل الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن قوله تعالى:

( وَلَو شاءَ ربُّكَ لآمَنَ مَن في الأَرضِ كُلُّهُم جَميعاً أَفَأَنتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتّى يَكونُوا مُؤمِنينَ*وَما كَانَ لِنَفسٍ أَن تُؤمِنَ إِلا بإِذنَ اللّهَ ) (٢) . فقال الرضاعليه‌السلام :

-«حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: إنَّ المسلمين قالوا لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أكرهتَ يا رسولَ اللّه مَن قدرتَ عليه من الناس على الاسلام، لكثر عددنا، وقوينا على عدوِّنا، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنتُ لألقى اللّه عزّ وجلّ ببدعةٍ لم يُحدث إليَّ فيها شيئاً، وما أنا من المتكلّفين، فأنزلَ اللّهُ عزّ وجلّ عليه: يا محمد( وَلَو شاءَ ربُّكَ لآمَنَ مَن في الأَرضِ كُلُّهُم جَميع ) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة، ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلكَ بهم لم يستحقّوا منّي ثواباً ولا مدحاً، ولكنّي اُريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرّين، ليستحقوا منّي الزلفى، والكرامة، ودوام الخلود في جنّة الخلد( أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤمِنينَ ) .

وأمّا قوله عزّ وجلّ:( وَمَا كَانَ لِنَفسٍ أَن تُؤمِنَ إِلا بإِذنِ اللّهِ ) ، فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها، ولكن على معنى أنَّها ما كانت لتؤمن إلا باذن اللّه، وإذنُه: أمُره لها بالايمان ما كانت مكلّفة متعبدة، والجاؤُهُ إياها إلى الايمان عند زوال التكليف والتعبدّ عنها.

فقال المأمون:

- فرَّجتَ عنّي يا أبا الحسن، فرَّجَ اللّهُ عنكَ»(٣) .

____________________

(١) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ١، رقم: ١٢١، ص: ٤٩٢.

(٢) يونس: ٩٩ - ١٠٠.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ١٠، باب: ١٩، ح: ٤، ص: ٣٤٢ - ٣٤٣.

٤٦٦

القياس والرأي

١ - عن ابي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام قال:

«انَّ أصحابَ المقاييس طلبوا العلم بالمقائيس، فلم تزدهم المقائيس من الحق الا بعداً، وانَّ دينَ اللّه لا يُصاب بالمقائيس»(١) .

٢ - وعن يونس بن عبد الرحمن قال:

«قلتُ لأبي الحسن الأولعليه‌السلام : بما اُوحّد اللّه؟ فقال:

- يا يونس لا تكونن مبتدعاً، مَن نظر برأيه هلكَ، ومَن ترك أهل بيت نبيِّه ضلَّ، ومَن تركَ كتابَ اللّه وقول نبيه كفر»(٢) .

٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام انَّه قال:

«لا رأي في الدين»(٣) .

٤ - وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انَّه قال:

«إنَّ السنة لا تُقاس، وكيف تقاس السنة، والحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة»(٤) .

٥ - وعن سعيد الاعرج قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّهعليه‌السلام :

- انَّ مَن عندنا ممن يتفقّه يقولون: يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب اللّه، ولا في السنة، نقول فيه برأينا؟ فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام :

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ٧، ص: ٥٦.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٠، ص: ٥٦.

(٣) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ٧٨، ص: ٣٣٣.

(٤) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ٩٥، ص: ٣٣٨.

٤٦٧

- كذبوا، ليس شيء إلا وقد جاءَ في الكتاب، وجاءت فيه السنة»(١) .

٦ - وعن أبي بصير قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّهعليه‌السلام :

- ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب اللّه ولا سنّة، فننظر فيها؟ فقالعليه‌السلام :

- لا، أما انكَ ان أصبتَ لم تؤجرَ، وان أخطأتَ كذبتَ على اللّه عزّ وجلّ»(٢) .

٧ - وعن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام انَّه قال:

«انَّ السنة لا تقاس، ألا ترى انَّ المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ يا أبانٌ إِنَّ السنّة إذا قيست مُحق الدين»(٣) .

٨ - وعن عثمان بن عيسى قال:

«سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام عن القياس، فقال:

- ما لكم والقياس، انَّ اللّه لا يسأل كيف أحلَّ وكيف حرَّم»(٤) .

٩ - وروي عن سماعة انّه قال:

«قلت لأبي الحسنعليه‌السلام :

- إنَّ عندنا مَن قد أدركَ أباكَ وجدَّكَ، وانّ الرجل منّا يبتلى بالشيء لا يكون عندنا فيه شيء، فيقيس؟ فقالعليه‌السلام :

- انما هلكَ مَن كانَ قبلكم حينَ قاسوا»(٥) .

١٠ - وروي عن عليعليه‌السلام انَّه قال:

«مَن نصبَ نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومَن دانَ اللّهَ بالرأي لم يزل

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٤٧، ص: ٣٠٤.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١١، ص: ٥٦.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٥، ص: ٥٧.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٦، ص: ٥٧.

(٥) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ٨٦، ص: ٣٣٥.

٤٦٨

دهره في ارتماس»(١) .

١١ - وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انه قال:

«مَن أفتى الناسَ برأيه، فقد دانَ اللّه بما لا يعلم، ومَن دانَ اللّهَ بما لا يعلم، فقد ضادَّ اللّهَ حيث أحلَّ وحرَّم فيما لا يعلم»(٢) .

١٢ - وعن عيسى بن عبد اللّه القرشي قال:

«دَخَل أبو حنيفة على أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فقال له:

- يا أبا حنيفة! بلغني انَّكَ تقيس؟ قال:

- نعم، فقالعليه‌السلام :

- لا تقس، فانَّ أول مَن قاس ابليس حين قال: خلقتني من نارٍ وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار، عرف فضل ما بينَ النورين، وصفاء أحدهما على الآخر»(٣) .

١٣ - عن عبد الرحمن بن سالم قال:

«دخل ابن شبرمة وأبو حنيفة على الصادقعليه‌السلام ، فقال لأبي حنيفة:

- اتقِ اللّه ولا تقس الدين برأيكَ، فانَّ أول مَن قاسَ ابليس، إذ أمره اللّه تعالى بالسجود، فقال: أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين، ثم قالعليه‌السلام :

- هل تُحسن أن تقيس رأسكَ من جسدك؟ قال:

- لا، فقالعليه‌السلام :

- فأخبرني عن الملوحة في العينين، والمرارة في الاذنين، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين، لأي شيء جعل ذلك؟ قال:

- لا أدري، فقالعليه‌السلام :

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٧، ص: ٥٧ - ٥٨.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٧، ص: ٥٨.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ٢٠، ص: ٥٨.

٤٦٩

- إنَّ اللّه تعالى خلقَ العينين فجعلهما شحمتين، وجعل الملوحة فيهما منّاً على بني آدم، ولولا ذلكَ لذابتا، وجعل المرارةَ في الاذنين منّاً منه على بني آدم، ولولا ذلك لقحمت الدّواب فأكلت دماغه، وجعل الماء في المنخرين ليصعد النفس وينزل، ويجد منه الريح الطيّبة والرديئة، وجَعَل العذوبة في الشفتين ليجد ابنُ آدم لذّة مطعمه ومشربه.

ثم قالعليه‌السلام له:

- أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها ايمان، قال:

- لا أدري، فقالعليه‌السلام :

- لا اله الا اللّه، ثم قالعليه‌السلام :

- أيّما أعظم عند اللّه تعالى: القتل أو الزنا؟ فقال: بل القتل، قالعليه‌السلام :

- فانَّ اللّه تعالى قد رضي في القتل بشاهدين، ولم يرضَ في الزنا إلا بأربعة.

ثم قالعليه‌السلام :

- إنَّ الشاهد على الزنا شهد على اثنين، وفي القتل على واحد، لأنَّ القتل فعل واحد، والزنا فعلان، ثم قالعليه‌السلام :

- أيّما أعظم عند اللّه: الصوم أو الصلاة؟ قال:

- لا، بل الصلاة، فقالعليه‌السلام :

- فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ ثم قالعليه‌السلام :

- لأنَّها تخرج إلى صلاة فتداومها، ولا تخرج إلى صوم، ثم قالعليه‌السلام :

- المرأة أضعف أم الرجل؟ قال:

- المرأة، فقالعليه‌السلام :

- فما بال المرأة وهي ضعيفة لها سهم واحد، والرجل وهو قوي له سهمان، ثم قالعليه‌السلام :

- لأنَّ الرجل يُجبر على الانفاق على المرأة، ولا تُجبر المرأة على الانفاق على

٤٧٠

الرجل.

ثم قالعليه‌السلام :

- البول أقذر أم المني؟ قال:

- البول، فقالعليه‌السلام :

- يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد أوجب اللّه تعالى الغسل من المني دون البول، ثم قالعليه‌السلام :

- لأنَّ المني اختيار، ويخرج من جميع الجسد، ويكون في الأيام، والبول ضرورة ويكون في اليوم مرّات.

قال أبو حنيفة:

- كيف يخرج من جميع الجسد، واللّه يقول:( يَخرُحُ مِن بَين الصُّلبِ والترائِبِ ) (١) .

فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام :

- فهل قال: لا يخرج من هذين الموضعين؟.»(٢) .

١٤ - وجاءَ في دعائم الاسلام:

«انَّ أبا عبد اللّه الصادقعليه‌السلام قال لأبي حنيفة وقد دخل عليه:

- يا نعمان، ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصّاً في كتاب اللّه، ولا خبراً عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال:

- أقيسه على ما وجدتُ من ذلك، فقالعليه‌السلام له:

- أول مَن قاسَ ابليس فأخطأ، إذ أمره اللّه عزّ وجلّ بالسجود لآدمعليه‌السلام فقال: أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلفته من طين، فرأى أنَّ النار أشرف عنصراً من الطين،

____________________

(١) الطارق: ٧.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ١٠، باب: ١٣، ص: ٢١٢ - ٢١٣.

٤٧١

فخلَّده ذلكَ في العذاب المهين.

- يا نعمان: أيهما أطهر المني أو البول؟ قال:

- المني، قالعليه‌السلام :

- فقد جعل اللّه عزّ وجلّ في البول الوضوء، وفي المني الغسل، ولو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول.

وأيّهما أعظم عند اللّه الزنا أم قتل النفس؟ قال:

- قتل النفس، قالعليه‌السلام :

- فقد جعل اللّه عزّ وجلّ في قتل النفس الشاهدين، وفي الزنا أربعة، ولو كان على القياس لكان الأربعة الشهداء في القتل لانه أعظم.

وأيهما أعظم عند اللّه الصلاة أم الصوم؟ قال:

- الصلاة، قالعليه‌السلام :

- فقد أمر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحائض بأن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولو كانَ على القياس، لكان الواجب أن تقضي الصلاة، فاتقِ اللّه يا نعمان ولا تقس، فانّا نقف غداً نحن وأنتَ ومَن خالفنا بين يدي اللّه عزّ وجلّ، فيسألنا عن قولنا ويسألهم عن قولهم، فنقول: قلنا: قال اللّه وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقول أنتَ وأصحابك: رأينا وقسنا، فيفعل بنا وبكم ما يشاء»(١) .

١٥ - وعن ابن الحجاج قال:

«قال لي أبو عبد اللّهعليه‌السلام :

- إياكَ وخصلتين فيهما هلكَ من هلك: إياك أن تفتي الناس برأيكَ، أو تدين بما لا تعلم»(٢) .

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ١٠، باب: ١٣، ح: ٢٢، ص: ٢٢١.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ١٦، ح: ٢٢، ص: ١١٨.

٤٧٢

١٦ - وقد ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انَّه قال:

«ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلكَ القضية بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم تجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم، فيصّوب آراءهم جميعاً، والههم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم اللّه سبحانه بالاختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل اللّه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل اللّه ديناً تامّاً فقصّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبليغه وأدائه؟ واللّه سبحانه يقول:

( ما فَرَّطنا في الكِتابِ مِن شَيءٍ ) (١) وفيه( تِبياناً لِكُلّ شَيءٍ ) (٢) ، وذكر أنّ الكتابَ يصدّق بعضه بعضاً، وانه لا اختلافَ فيه، فقال سبحانه:

( وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثيراً ) (٣) ، وانَّ القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تُكشف الظلمات إلا به»(٤) .

١٧ - وروي عن البزنطي انّه قال:

«قلتُ للرضاعليه‌السلام :

- جعلتُ فداك إنَّ بعض أصحابنا يقولون: نسمع الأمرَ يحكى عنكَ وعن آبائكعليهم‌السلام فنقيس عليه ونعمل به، فقالعليه‌السلام :

- سبحان اللّه! لا واللّه ما هذا من دين جعفر، هؤلاء قوم لا حاجة بهم الينا، قد خرجوا من طاعتنا، وصاروا في موضعنا، فأين التقليد الذي كان يقلّدونَ جعفراً وأبا جعفر؟ قال جعفر: لا تحملوا على القياس، فليس من شيء يعدله القياس إلا والقياس

____________________

(١) الانعام: ٣٨.

(٢) مقتبس من آية ٨٩ من سورة النحل.

(٣) النساء: ٨٢.

(٤) نهج البلاغة: الخطبة / ١٨.

٤٧٣

يكسره»(١) :

١٨ - عن خالد بن طليق قال: سمعتُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول:

«ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم، انَّه لا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل، ألا انَّ الخير كلّ الخير فيمن عرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره، انَّ أبغضَ خلق اللّه إلى اللّه رجلٌ قمش علماً من أغمار غشوة، وأوباش فتنة، فهو في عمىً عن الهدى الذي اُتي به من عند ربِّه، وضالّ عن سنّة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يظن أنَّ الحق في صحفه، كلاّ والذي نفس ابن أبي طالب بيده قد ضلَّ وأضلَّ مَن افترى، سمّاه رعاع الناس عالماً، ولم يكن في العلمِ يوماً سالماً، فكّر فاستكثر، ما قلَّ منه خير مما كثُر، حتى إذا ارتوى من غير حاصل، واستكثر من غير طائل، جلس للناس مفتياً ضامناً، لتخليص ما اشتبه عليهم، فان نزلت به إحدى المهمّات هيّأ لها حشواً من رأيه، ثم قطع على الشبهات، خبّاط جهالات، ركّاب عشوات، والناس من علمه في مثل غزل العنكبوت لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعضّ على العلم بضرس قاطع فينعم، تصرخ منه المواريث، وتبكي من قضائه الدماء، وتستحيل به الفروج الحرام، غير مليء واللّه باصدار ما ورد عليه، ولا نادم على ما فرط منه، اولئك الذين حلَّت عليهم النياحة وهم أحياء.

فقال الرجل:

- يا أمير المؤمنين فمن نسأل بعدَكَ وعلى ما نعتمد؟ فقالعليه‌السلام :

- استفتحوا كتاب اللّه فانه إمام مشفق، وهادٍ مرشد، وواعظ ناصح، ودليل يؤدّي إلى جنّة اللّه عزّ وجلّ»(٢) .

١٩ - روى المعلّى بن خنيس:

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٢٨، ص: ٢٩٩ - ٣٠٠.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ح: ٢، باب: ٣٤، ح: ٢٩، ص: ٣٠٠.

٤٧٤

«ان الامام أبا عبد اللّه الصادقعليه‌السلام قال في قول اللّه عزّ وجلَّ:( وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ) (١) ، يعني: مَن اتخذ دينه رأيه بغير هدى إمام من أئمة الهدى»(٢) .

٢٠ - روي عن علي بن الحسينعليه‌السلام انَّه قال:

«انّ دين اللّه لا يُصاب بالعقول الناقصة، والآراء الباطلة، والمقائيس الفاسدة، ولا يُصاب إلا بالتسليم، فمن سلَّم لنا سلم، ومَن اهتدى بنا هدي، ومَن دان بالقياس والرأي هلك»(٣) .

٢١ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام انَّه قال:

«لا تقيسوا الدين، فانَّ أمر اللّه لا يُقاس، وسيأتي قوم يقيسون وهم أعداء الدين»(٤) .

٢٢ - روي عن زرارة انَّه قال:

«قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : يا زرارة اياك وأصحاب القياس في الدين، فانَّهم تركوا علم ما وكلوا به، وتكلّفوا ما قد كفوه، يتأولونَ الأخبار، ويكذبونَ على اللّه عزّ وجلّ، وكأني بالرجل منهم ينادى من بين يديه: قد تاهوا وتحيّروا في الارض والدين»(٥) .

٢٣ - روي عن محمد بن حكيم انَّه قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّهعليه‌السلام :

«تفقهنا في الدين، وروينا، وربما ورد علينا رجل قد ابتُلي بشيء صغير ما عندنا فيه بعينه شيء، وعندنا ما هو يشبه مثله، أفنفتيه بما يشبهه؟ فقالعليه‌السلام :

____________________

(١) القصص: ٥٠.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٣٦، ص: ٣٠٢.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٤١، ص: ٣٠٣.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٦٠، ص: ٣٠٨.

(٥) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٧٠، ص: ٣٠٩.

٤٧٥

- لا، ومالكم والقياس في ذلك، هلكَ مَن هلكَ بالقياس، قال:

- جعلتُ فداك أتى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يكتفونَ به؟ قالعليه‌السلام :

- أتى رسول اللّه بما استغنوا به في عهده، وبما يكتفونَ من بعده إلى يوم القيامة، قال:

- ضاعَ منه شيء، فقالعليه‌السلام :

- لا، هو عند أهله»(١) .

٢٤ - وروي عن محمد بن حكيم أيضاً أنه قال:

«قلت لابي عبد اللّهعليه‌السلام :

- إنَّ قوماً من أصحابنا قد تفقهوا، وأصابوا علماً، ورووا أحاديث، فيرد عليهم الشيء فيقولونَ برأيهم؟ فقالعليه‌السلام :

- لا، وهل هلكَ مَن مضى إلا بهذا وأشباهه»(٢) .

٢٥ - وورد عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام انَّه قال:

«لعن اللّه أصحابَ القياس، فانَّهم غيرّوا كلامَ اللّه وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتهموا الصادقينعليهم‌السلام في دين اللّه عزّ وجلّ»(٣) .

٢٦ - روي عن داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبد اللّهعليه‌السلام يقول:

«انّي لاُحدّث الرجل الحديث، وأنهاه عن الجدال والمراء في دين اللّه، وأنهاه عن القياس، فيخرج من عندي فيأوّل حديثي على غير تأويله، إني أمرتُ قوماً أن يتكلّموا، ونهيتُ قوماً، فكلّ يأول لنفسه، يريد المعصية للّه ولرسوله، فلو سمعوا وأطاعوا لاودعتهم ما أودع أبي أصحابه، إنَّ أصحابَ أبي كانوا زيناً أحياءاً وأمواتاً»(٤) .

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٤٩، ص: ٣٠٥.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٥١، ص: ٣٠٥.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٧١، ص: ٣٠٩.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٧٣، ص: ٣٠٩.

٤٧٦

٢٧ - وجاءَ في المحاسن عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام في رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس:

«أما بعد، فانّه من دعى غيره إلى دينه، بالارتياء والمقائيس لم ينصف ولم يصب حظّه، لانَّ المدعوّ إلى ذلك لا يخلو أيضاً من الارتياء والمقائيس، ومتى ما لم يكن بالدّاعي قوّة في دعائه على المدعوّ لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعوّ بعد قليل، لأنّا قد رأينا المتعلّم الطالب ربّما كان فائقاً لمعلّم ولو بعدَ حين، ورأينا المعلّم الداعي ربّما احتاج في رأيه إلى رأي مَن يدعو، وفي ذلكَ تحيَّر الجاهلون، وشك المرتابون، وظنَّ الظانون، ولو كان ذلكَ عند اللّه جائراً لم يبعث اللّه الرسل بما فيه الفصل، ولم ينه عن الهزل، ولم يعب الجهل، ولكنَّ الناس لما سفهوا الحقَّ، وغمطوا النعمة، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم اللّه، واكتفوا بذلكَ دونَ رسله والقوام بأمره، وقالوا: لا شيء إلا ما أدركته عقولُنا، وعرفته ألبابنا، فولاّهم اللّه ما تولّوا، وأهملهم وخذلهم، حتى صاروا عبدةَ أنفسهم من حيث لا يعلمون، ولو كانَ اللّه رضي منهم اجتهادهم وارتيأهم فيما ادّعوا من ذلك، لم يبعث اللّه اليهم فاصلاً لما بينهم، ولا زاجراً عن وصفهم، وانما استدللنا انَّ رضا اللّه غير ذلك، ببعثه الرسل بالامور القيّمة الصحيحة، والتحذير عن الامور المشكلة المفسدة، ثم جعلهم أبوابه، وصراطه، والادلاء عليه بامور محجوبة عن الرأي والقياس، فمن طلبَ ما عندَ اللّه بقياسٍ ورأي، لم يزدد من اللّه إلا بعداً، ولم يبعث رسولاً قط، وان طال عمره، قابلاً من الناس خلاف ما جاء به، حتى يكون متبوعاً مرّةً وتابعاً اُخرى، ولم ير أيضاً فيما جاءَ به استعمال رأياً ولا مقياساً، حتى يكون ذلكَ واضحاً عنده كالوحي من اللّه، وفي ذلك دليل لكلّ ذي لبّ وحجى أنَّ أصحاب الرأي والقياس مخطئون مدحضون، وانما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل، فايّاك أيها المستمع أن تجمع عليكَ خصلتين: احداهما القذف بما جاش به صدرك، واتّباعك لنفسك إلى غير قصد، ولا معرفة حدّ، والاخرى استغناؤكَ عمّا فيه حاجتك، وتكذيبكَ لمن إليه مردُّك، وايّاكَ وترك الحق سأمة

٤٧٧

وملالة، وانتجاعك الباطل جهلاً وضلالة، لانّا لم نجد تابعاً لهواه، جائزاً عمّا ذكرنا قط رشيداً، فانظر في ذلك»(١) .

٢٨ - روي عن ميسرة بن شريح انَّه قال:

«شهدت أبا عبد اللّهعليه‌السلام في مسجد الخيف، وهو في حلقة فيها نحو من مائتي رجل، وفيهم عبد اللّه بن شبرمة، فقال:

- يا أبا عبد اللّه انّا نقضي بالعراق، فنقضي ما نعلم من الكتاب والسنة، وترد علينا المسألة، فنجتهد فيها بالرأي.

قال: فانصت الناس جميع من حضر للجواب وأقبل أبو عبد اللّهعليه‌السلام على مَن على يمينه يحدّثهم، فلما رأى الناس ذلك، أقبل بعضهم على بعض، وتركوا الانصات.

قال: ثم تحدّثوا ما شاءَ اللّه، ثم ان ابن شبرمة قال:

- يا أبا عبد اللّه إنّا قضاة العراق، وانّا نقضي بالكتاب والسنة، وانَّه ترد علينا أشياء، ونجتهد فيها بالرأي.

قال: فأنصت جميع الناس للجواب، وأقبل أبو عبد اللّهعليه‌السلام على مَن على يساره يحدّثهم، فلما رأى الناس ذلك، أقبل بعضهم على بعضٍ، وتركوا الانصات، ثم ان ابن شبرمة مكث ما شاءَ اللّه، ثم عادَ لمثل قوله، فأقبل أبو عبد اللّهعليه‌السلام فقال:

-أيّ رجلٍ كان عليّ بن أبي طالب فقد كان عندكم بالعراق، ولكم به خبر؟

فأطراه ابن شبرمة وقال فيه قولاً عظيماً، فقال له أبو عبد اللّهعليه‌السلام :

- فانَّ علياً أبى أن يدخل في دين اللّه الرأي، وأن يقول في شيء من دين اللّه بالرأي والمقائيس.

فقال أبو ساسان: فلما كان الليل دخلت على أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فقال لي:

- يا أبا ساسان لم يدعني صاحبكم ابن شبرمة حتى أجبته، ثم قالعليه‌السلام :

____________________

(١) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، باب: المقائيس والرأي، ح: ٦٧٤، ص: ٣٣١ - ٣٣٢.

٤٧٨

- لو علم ابن شبرمة من أين هلكَ الناس ما دان بالمقائيس، ولا عمل بها»(١) .

٢٩ - وروي عن أبان بن تغلب انّه قال:

«قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام :

- رجل قطع اصبع امرأة، فقالعليه‌السلام :

- فيها عشرة من الابل، قلت:

- قطع اثنتين، فقالعليه‌السلام :

- فيهما عشرون من الابل، قلت:

- قطع ثلاث أصابع، قالعليه‌السلام :

- فيهنَّ ثلاثون من الابل، قلت:

- قطع أربعاً، فقالعليه‌السلام :

- فيهنَّ عشرون من الابل، قلتُ:

- أيقطع ثلاثاً وفيهنَّ ثلاثونَ من الابل، ويقطع أربعاً وفيها عشرون من الابل؟ فقالعليه‌السلام :

- نعم، إنَّ المرأة إذا بلغت الثلث من دية الرجل سفلت المرأة، وارتفع الرجل.

إنّ السنّة لا تُقاس، ألا ترى أنَّها تؤمر بقضاء صومها، ولا تؤمر بقضاء صلاتها؟ يا أبان! حدثتني بالقياس، وانّ السنة إذا قيست محق الدين»(٢) .

____________________

(١) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، باب: المقائيس والرأي، ح: ٦٧٥، ص: ٣٣٢ - ٣٣٣.

(٢) أبو جعفر البرقي، الامحاسن، ج: ١، باب: المقائيس والرأي، ح: ٦٩٤، ص: ٣٣٩.

٤٧٩

التشبيه والتجسيم ١ - نفي الجسمية والشبيه

١ - روي أنّ أبا قرّة المحدّث حاورَ الامام الرضاعليه‌السلام فجاءَ من ضمن كلامه:

- «فأينَ اللّه؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام :

- الأين مكان، وهذهِ مسألة شاهد عن غائب، واللّه تعالى ليس بغائب، ولا يقدمه قادم، وهو بكلِّ مكانٍ موجود، مدبِّر، صانع، حافظ، ممسك السموات والأرض، فقال أبو قرّة:

- أليسَ هو فوقَ السماء دونَ ما سواها؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام :

- هو اللّه في السموات وفي الأرض، وهو الذي في السماء إله وفي الأرضِ إله، وهو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء، وهو معكم أينما كنتم، وهو الذي استوى الى السماء وهي دخان، وهو الذي استوى إلى السماء فسوّاهنَّ سبع سماوات، وهو الذي استوى على العرش، قد كانَ ولا خلق، وهو كما كان إذ لا خلق، لم ينتقل مَعَ المنتقلين. فقال أبو قرّة:

- فما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام :

- إنَّ اللّه استعبد خلقه بضروبٍ من العبادة، وللّه مفازع يفزعونَ إليه، ومستعبد، فاستعبد عباده بالقول والعلم والعمل والتوجيه، ونحو ذلك، استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة، ووجّه اليها الحجَّ والعمرة، واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرّع ببسط الأيدي، ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة، وعلامة العبودية، والتذلل له. فقال أبو قرة:

- فمن أقربُ إلى اللّه، الملائكة أو أهل الأرض؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام :

٤٨٠