البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 137304
تحميل: 6424

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137304 / تحميل: 6424
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء، وكل ما جاء عن اللّه عزّ وجل.

قال: فلم حرّم اللّه الخمر ولا لذّة أفضل منها؟

قالعليه‌السلام : حرّمها لأنّها أُمّ الخبائث ورأس كلِّ شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه، ولا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها ولا حرمة إلا انتهكها ولا رحماً ماسة(١) إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشّيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد ما قاده.

قال: فلم حرّم الدم المسفوح؟

قالعليه‌السلام : لأنّه يورث القساوة، ويسلب الفؤاد رحمته، ويعفن البدن، ويغيِّر اللّون، وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.

قال: فأكل الغدد؟ قال: يورث الجذام.

قال: فالميتة لِمَ حرّمها؟

قالعليه‌السلام : فرقاً بينها وين ما يذكّى ويذكر عليه اسم اللّه، والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع إلى بدنها، فلحمها ثقيل غير مريء، لأنّها يؤكل لحمها بدمها.

قال: فالسّمك ميتة؟

قالعليه‌السلام : إنَّ السّمك ذكاته إخراجه حيّاً من الماء، ثم يترك حتّى يموت من ذات نفسه، وذلك أنّه ليس له دم، وكذلك الجراد.

قال: فَلِمَ حرّم الزنا؟

قالعليه‌السلام : لما فيه من الفساد، وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة.

قال: فَلِمَ حرّم اللّواط؟

قالعليه‌السلام : من أجل أنّه لو كان إتيان الغلام حلالاً لاستغنى الرجال عن النساء،

____________________

(١) يُقال: بينهم رحم ماسة، أي: قرابة قريبة - القاموس ٢ / ٢٥١.

٥٦١

وكان فيه قطع النسل، وتعطيل الفروج، وكان في إجازة ذلك فساد كثير.

قال: فَلِمَ حرّم إتيان البهيمة؟

قالعليه‌السلام : كره أن يضيع الرجل ماءَه، ويأتي غير شكله، ولو أباح ذلك لربط كل رجل أتاناً(١) يركب ظهرها، ويغشى فرجها، فيكون في ذلك فساد كثير، فأباح ظهورها، وحرّم عليهم فروجها، وخلق للرجال النِّساء، ليأنسوا بهنَّ، ويسكنوا إليهنَّ، ويكنَّ موضع شهواتهم، وأُمهات أولادهم.

قال: فما علّة الغسل من الجنابة، وإنّما أتى حلالاً وليس في الحلال تدنيس؟

قالعليه‌السلام : إنَّ الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أن النطفة دم لم يستحكم، ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة غالبة، فإذا فرغ (الرجل) تنفس البدن، ووجد الرّجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، وغسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن اللّه عليها عبيده ليختبرهم بها.

قال: أيُّها الحكيم! فما تقول فيمن زعم أنَّ هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النُّجوم السّبعة؟

قالعليه‌السلام : يحتاجون إلى دليل، أنَّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النّجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف.

ثم قالعليه‌السلام : وإنَّ لكل نجم منها موكل مدبّر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.

قال: فمن قال بالطبايع؟

قالعليه‌السلام : القدرية، فذلك قول من لم يملك البقاء، ولا صرف الحوادث وغيرته الأيام والليالي، لا يرد الهرم، ولا يدفع الأجل، ما يدري ما يصنع به(٢) .

____________________

(١) الأتان: الحمارة - القاموس ٤ / ١٩٤.

(٢) انظر المناقب لابن شهرآشوب ٤ / ٢٦٤.

٥٦٢

قال: فأخبرني عمّن زعم انّ الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون ويذهب قرن ويجيء قرن، تفنيهم الأمراض والأعراض وصنوف الآفات، ويخبرك الآخر عن الأول، وينبئك الخلف عن السلف، والقرون عن القرون، أنّهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات، في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة النّاس، بصير بتأليف الكلام، ويصنّف كتاباً قد حبره بفطنته، وحسنه بحكمته، قد جعله حاجزاً بين النّاس، يأمرهم بالخير ويحثّهم عليه، وينهاهم عن السوء والفساد ويزجرهم عنه، لئلا يتهارشوا(١) ، ولا يقتل بعضهم بعضاً؟

قالعليه‌السلام : ويحك! إنَّ من خرج من بطن أُمه أمس، ويرحل عن الدنيا غداً، لا علم له بما كان قبله، ولا ما يكون بعده، ثمّ إِنّه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره، أو لم يزل موجوداً، فما ليس بشيء لا يقدر أن يخلق شيئاً وهو ليس بشيء، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئاً، يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه، ولو كان الإنسان أزليّاً لم تحدث فيه الحوادث، لأنّ الأزلي لا تغيّره الأيّام، ولا يأتي عليه الفناء، مع أنّا لم نجد بناءاً من غير بانٍ، ولا أثراً من غير مؤثر، ولا تأليفاً من غير مؤلف، فمن زعم أنّ أباه خلقه، قيل: فمن خلق أباه؟ ولو أنّ الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته، وصوَّره على محبّته، ولملك حياته، ولجاز فيه حكمه، ولكنّه إن مرض فلم ينفعه، وإن مات فعجز عن ردّه، إنّ من استطاع أن يخلق خلقاً، وينفخ فيه روحاً حتّى يمشي على رجليه سوياً، يقدر أن يدفع عنه الفساد.

قال: فما تقول في علم النّجوم؟

قالعليه‌السلام : هو علم قلَّت منافعه، وكثرت مضراته، لأنّه لا يدفع به المقدور، ولا يتّقى به المحذور، إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم

____________________

(١) هَرَشَ الدهر، إشتدَّ، والتهريش والتحريش بين الكلاب والإفساد بين النّاس - القاموس ٢ / ٢٩٣، وفي «أ» وبحار الأنوار: لئلا يتهاوشوا.

٥٦٣

يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجم يضاد اللّه في علمه، بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه.

قال: فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟

قالعليه‌السلام : بل الرسول أفضل.

قال: فما علّة الملائكة الموكّلين بعباده، يكتبون ما عليهم ولهم، واللّه تعالى عالم السّر وما هو أخفى؟

قالعليه‌السلام : استعبدهم بذلك، وجعلهم شهوداً على خلقه، ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة اللّه مواظبة، وعن معصيته أشد انقباضاً، وكم من عبد يهمّ بمعصية فذكر مكانهما فارعوى(١) وكف، فيقول ربّي يراني، وحفظتي عليّ بذلك تشهد، وإنّ اللّه برأفته ولطفه أيضاً وكّلهم بعباده، يذبّون عنهم مردة الشيطان وهوامّ الارض، وآفات كثيرة من حيث لا يرون باذن اللّه إلى أن يجيء أمر اللّه عزّ وجلّ.

قال: فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟

قالعليه‌السلام : خلقهم للرحمة، وكان في علمه قبل خلقه إيّاهم، أنّ قوماً منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية وجحدهم به.

قال: يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره (من خلقه)، فبم يعذب من وحّده وعرفه؟

قال: يعذب المنكر لإلهيّته عذاب الأبد، ويعذّب المقرّ به عذاب عقوبة لمعصيته إيّاه فيما فرض عليه، ثمّ يخرج، ولا يظلم ربك أحداً.

قال: فبين الكفر والإيمان منزلة؟

قالعليه‌السلام : لا. قال: فما الايمان والكفر؟

قالعليه‌السلام : الإيمان: أن يصدِّق اللّه فيما غاب عنه من عظمة اللّه، كتصديقه بما شاهد

____________________

(١) رعا، يرعو، أي: كفّ عن الأمر، وقد ارعوى عن القبيح: إرتدع - مجمع البحرين.

٥٦٤

من ذلك وعاين، والكفر: الجحود.

قال: فما الشرك وما الشّك؟

قالعليه‌السلام : الشّرك هو أن يضمّ إِلى الواحد الذي ليس كمثله شيء آخر، والشّك: ما لم يعتقد قلبه شيئاً.

قال: أفيكون العالم جاهلاً؟

قالعليه‌السلام : عالم بما يعلم، وجاهل بما يجهل.

قال: فما السّعادة وما الشقاوة؟

قالعليه‌السلام : السّعادة: سبب خير، تمسك به السّعيد فيجرّه إلى النّجاة، والشّقاوة: سبب خذلان، تمسك به الشّقي فيجرّه إلى الهلكة، وكل بعلم اللّه.

قال: أخبرني عن السراج إِذا انطفى أين يذهب نوره؟

قالعليه‌السلام : يذهب فلا يعود.

قال: فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبداً، كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبداً إذا انطفى؟

قالعليه‌السلام : لم تصب القياس، إنَّ النّار في الأجسام كامنة، والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار، يقتبس منها سراج له ضوء، فالنّار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب، والرّوح: جسم رقيق قد أُلبس قالباً كثيفاً، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت، إنَّ الذي خلق في الرحم جنيناً من ماء صافٍ، وركب فيه ضروباً مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك، وهو يحييه بعد موته، ويعيده بعد فنائه.

قال: فأين الرّوح؟

قالعليه‌السلام : في بطن الأرض حيث مصرع البدن إِلى وقت البعث.

قال: فمن صُلِب فأين روحه؟

٥٦٥

قالعليه‌السلام : في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.

قال: فاخبرني الروح غير الدم؟

قالعليه‌السلام : نعم، الرّوح على ما وصفت لك: مادتها من الدم، ومن الدم رطوبة الجسم، وصفاء اللّون، وحسن الصّوت، وكثرة الضحك، فإذا جمد الدم فارق الروح البدن.

قال: فهل يوصف بخفّة وثقل ووزن؟

قالعليه‌السلام : الروح بمنزلة الرِّيح في الزق، إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها، فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه، ولا ينقصها خروجها منه، كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن.

قال: فأخبرني ما جوهر الرِّيح؟

قالعليه‌السلام : الرِّيح هواء إذا تحرّك يسمّى ريحاً، فإذا سكن يسمّى هواء وبه قوام الدنيا، ولو كفّت الرِّيح ثلاثة أيّام لفسد كلّ شيء على وجه الأرض ونتن، وذلك أنَّ الرِّيح بمنزلة المروحة، تذبّ وتدفع الفساد عن كلّ شيء وتطيّبه، فهي بمنزلة الرّوح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغيّر، تبارك اللّه أحسن الخالقين.

قال: أَفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟

قالعليه‌السلام : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى، فلا حس ولا محسوس، ثمّ أُعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها، وذلك أربعمائة سنه يسبت(١) فيها الخلق وذلك بين النفختين.

قال: وأنّى له بالبعث والبدن قد بلي، والأعضاء قد تفرّقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأُخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار تراباً بني به مع الطين حائط!!

قالعليه‌السلام : إنَّ الذي أنشأه من غير شيء، وصوّره على غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه.

____________________

(١) سُبِتَ، بالبناء للمفعول: غشي عليه وأيضاً مات - المصباح ١ / ٣١٨.

٥٦٦

قال: أوضح لي ذلك!

قالعليه‌السلام : إنَّ الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسيء في ضيق وظلمة، والبدن يصير تراباً كما منه خلق، وما تقذف به السّباع والهوام من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التّراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثمّ تمخضوا مخض(١) السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إِلى قالبه، فينتقل بإذن اللّه القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها، وتلج الرّوح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً.

قال: فأخبرني عن النّاس يحشرون يوم القيامة عراة؟

قالعليه‌السلام : بل يحشرون في أكفانهم.

قال: أنّى لهم بالأكفان وقد بليت؟!

قالعليه‌السلام : إنَّ الذي أحيا أبدانهم جدّد أكفانهم.

قال: فمن مات بلا كفن؟

قالعليه‌السلام : يستر اللّه عورته بما يشاء من عنده.

قال: أفيعرضون صفوفاً؟

قالعليه‌السلام : نعم هم يؤمئذ عشرون ومائة ألف صف في عرض الأرض.

قال: أوَليس توزن الأعمال؟

قالعليه‌السلام : لا، إنَّ الأعمال ليست بأجسام، وإنّما هي صفة ما عملوا، وإنّما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء، ولا يعرف ثقلها وخفّتها، وإنَّ الله لا يخفى عليه شيء.

____________________

(١) مخض اللبن، يمخضه: أخذ زبده - القاموس ٢ / ٣٤٣.

٥٦٧

قال: فما معنى الميزان؟

قالعليه‌السلام : العدل.

قال: فما معناه في كتابه:( فَمَن ثَقلَت مَوازِينُهُ ) (١) ؟

قالعليه‌السلام : فمن رجح عمله.

قال: فأخبرني أوليس في النّار مقنع أن يعذب خلقه بها دون الحيّات والعقارب؟

قالعليه‌السلام : إِنّما يعذب بها قوماً زعموا أنّها ليست من خلقه، إنّما شريكه الذي يخلقه، فيسلّط اللّه عليهم العقارب والحيات في النّار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه، فجحدوا أن يكون صنعه.

قال: فمن أين قالوا: إِنَّ أهل الجنّة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها؟

قالعليه‌السلام : نعم، ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس منه، فلا ينقص من ضوئه شيء، وقد امتلت الدنيا منه سراجاً.

قال: أليسوا يأكلون ويشربون، وتزعم أنّه لا يكون لهم الحاجة؟

قالعليه‌السلام : بلى، لأنَّ غذاءهم رقيق لا ثقل له، بل يخرج من أجسادهم بالعرق.

قال: فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟

قالعليه‌السلام : لأنّها خلقت من الطِّيب لا تعتريها عاهة، ولا تخالط جسمها آفة، ولا يجري في ثقبها شيء، ولا يدنّسها حيض، فالرحم ملتزقة (ملدم)(٢) إذ ليس فيه لسوى الأحليل مجرى.

قال: فهي تلبس سبعين حلّة، ويرى زوجها مخ ساقيها من وراء حللها وبدنها؟

قالعليه‌السلام : نعم، كما يرى أحدكم الدراهم إِذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح.

____________________

(١) المؤمنون: ١٠٢.

(٢) قال الفيروزآبادي: المِلدم كمِنبر: الاحمق الثقيل اللّحم - القاموس ٤ / ١٧٥.

٥٦٨

قال: فكيف تنعم أهل الجنّة بما فيها من النعيم، وما منهم أحد إلا وقد افتقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أُمّه، فإذا افتقدوهم في الجنّة لم يشكوا في مصيرهم إلى النّار، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النّار يعذّب؟

قالعليه‌السلام : إِنَّ أهل العلم قالوا: إنّهم ينسون ذكرهم. وقال بعضهم: انتظروا قدومهم، ورجوا أن يكونوا بين الجنّة والنّار في أصحاب الأعراف. الخبر.

٥٦٩

الملحق الثالث(١) : مجلس الامام الرضاعليه‌السلام مَعَ المروزي عند المأمون في التوحيد

جاء في توحيد الصدوق:

حدّثنا أبو محمدٍ جعفر بن علي بن أحمد الفقيهرضي‌الله‌عنه ، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبو عمروٍ محمد بن عمر بن عبد العزيز الانصاري الكجي قال: حدثني من سمع الحسن بن محمدٍ النوفلي يقول: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى قدم عليَّ من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعةٍ من بني هاشم فيتنقصُ عند القوم إذا كلمني، ولا يجوز الاستقصاء عليه، قال المأمون: إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجةٍ واحدةٍ فقط، فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني وإيّاه وألزم، فوجه المأمون إلى الرضاعليه‌السلام فقال: إنَّه قدم علينا رجلٌ من أهل مروٍ وهو واحدُ خراسان من أصحاب الكلام، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت، فنهضعليه‌السلام للوضوء وقال لنا: تقدموني وعمران الصابئ معنا، فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالدٌ بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما سلّمتُ قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه اللّه، قلتُ: خلفته

____________________

(١) نقل نص الحديث عن توحيد الصدوق، بتحقيق السيد هاشم الحسيني الطهراني باب: ٦٦، ص: ٤٤١ - ٤٥٤، وما ذكر في هامش الحديث من شروحات يعود لمحقق الكتاب.

٥٧٠

يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم، ثم قلت يا أمير المؤمنين إنَّ عمران مولاك معي وهو بالباب، فقال: من عمران؟ قلتُ: الصابئ الّذي أسلم على يديك، قال: فليدخل فدخل فرحب به المأمون، ثمَّ قال له: يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم، قال: الحمد للّه الذي شرّفني بكم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان، قال عمران: يا أمير المؤمنين إنّه يزعم أنه واحد خراسان في النظرِ وينكرُ البداءَ، قال: فلم لا تناظرهُ؟ قال عمران: ذلكَ إليه، فدخل الرضاعليه‌السلام فقال: في أي شيءٍ كنتم؟ قال عمران: يا ابن رسول اللّه هذا سليمان المروزي، فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟ قال عمرانُ: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجةٍ أَحتجُّ بها على نظرائي من أهل النظرِ.

قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟

قالعليه‌السلام : وما أنكرت من البداءِ يا سليمانُ، واللّه عزّ وجلّ يقول:( أَوَلا يَذكُرُ الإنسانُ أنَّا خَلَقناهُ مِن قَبلُ وَلَم يَكُ شَيئاً ) (١) ويقول عزّ وجلّ:( وَهُوَ الَّذي يَبدَؤا الخَلقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ) (٢) ويقولُ:( بَدِيعُ السَّمواتِ وَالأَرضِ ) (٣) وَيقولُ عزّ وجلّ:( يَزِيدُ في الخَلقِ ما يَشاءُ ) (٤) ويقول:( وَبَدَأَ خَلقَ الإنسانِ مِن طينٍ ) (٥) ويقول عزّ وجلّ:( وَآخَرُونَ مُرجَونَ لأَمرِ اللّهِ إمّا يُعذبُهُم وإمّا يَتُوبُ عَلَيهِم ) (٦) ويقول عزّ وجلّ:( وَما يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِن عُمُره إلا في كِتابٍ ) (٧) ؟

قال سُلَيمان: هل رويت فيه شيئاً عن آبائكَ؟ قالعليه‌السلام : نعم رويت عن أبي

____________________

(١) مريم: ٦٧.

(٢) الروم: ٢٧.

(٣) البقرة: ١١٧، والانعام: ١٠١.

(٤) فاطر: ١.

(٥) السجدة: ٧.

(٦) التوبة: ١٠٦.

(٧) فاطر: ١١.

٥٧١

عبد اللّهعليه‌السلام أنه قال: «إن للّه عزّ وجلّ علمين: علماً مخزُوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو من ذلك يكونُ البداءُ وعلماً علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيه يعلمونه» قال سليمان: أحبُّ أن تنزعه لي من كتاب اللّه عزّ وجلّ.

قالعليه‌السلام : قول اللّه عزّ وجلّ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فَتَوَل عَنهُم فَما أَنتَ بِمَلومٍ ) (١) أراد هلاكهم ثم بدا اللّه فقال:( وَذَكِّر فَإنَّ الذِّكرى تَنفَعُ المؤمِنينَ ) (٢) ، قال سليمان: زدني جعلت فداك.

قال الرضاعليه‌السلام لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن اللّه عزّ وجلّ أَوحى إلى نبيٍّ من أنبيائه: أن أخبر فلاناً الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا اللّه الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، فقال: يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري، فأوحى اللّه عز وجل إلى ذلك النبي أن ائتِ فُلاناً الملكَ فأعلمه أني قد انسيتُ في أجله، وزدت في عمره خمس عشرة سنةً، فقال ذلك النبي: يا رب إنك لتعلم أنيِّ لم أكذب قط، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه: إنما أنت عبدٌ مأمورٌ فأبلغه ذلك واللّهُ لا يسأل عما يفعل.

ثمَّ التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب، قال: أعوذُ باللّه من ذلك، وما قالتِ اليهود؟

قالعليه‌السلام : قالت: «يَدُ اللّهِ مغلولةٌ» يعنون أَن اللّه قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئاً، فقال اللّه عزّ وجلّ:( غُلَّت أَيديهمُ وَلُعِنوا بِما قالوا ) (٣) ولقد سمعتُ قوماً سألوا أبي موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن البداءِ فقالَ: وما ينكر الناسُ من البداءِ وأَن يَقفَ اللّهُ قوماً يرجيهم لأمره؟

____________________

(١) الذاريات: ٥٤.

(٢) الذاريات: ٥٥.

(٣) المائدة: ٦٤.

٥٧٢

قال سليمان: ألا تخبرني عن( إِنا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ الَقدرِ ) (١) في أي شيء اُنزلت؟

قال الرِّضاعليه‌السلام : يا سُليمان ليلةُ القدر يقدِّر اللّه عزّ وجلّ فيها ما يكون من السَّنة إلى السنة من حياةٍ، أو موتٍ، أو خيرٍ، أو شرٍّ، أو رزقٍ، فما قدَّرهُ من تلكَ الليلةٍ فهوَ من المحتوم.

قال سليمان: ألآن قد فهمتُ جعلت فداكَ، فزدني.

قالعليه‌السلام : يا سليمان إنَّ من الامورِ اُموراً موقوفةً عند اللّه تباركَ وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء، يا سليمانُ إنَّ علياًعليه‌السلام كان يقول: العلم علمان: فعلمٌ علَّمه اللّه ملائكتهُ ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فانَّهُ يكون، ولا يكذِّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه، يقدِّم منهُ ما يشاء ويؤَخِّر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاءُ ويثبتُ ما يشاء، قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا اُنكر بعد يومي هذا البداء ولا اُكذبُ به إن شاء اللّه.

فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك، وعليك بحسنِ الاستماع والانصاف.

قال سليمان: يا سيدي أسألُك؟

قال الرضاعليه‌السلام : سل عما بدا لك، قال: ما تقول فيمن جعل الارادة اسماً وصفة مثل حيٍّ وسميعٍ وبصيرٍ وقديرٍ؟ قال الرِّضاعليه‌السلام : إنما قلتم حدثت الأشياءُ واختلفت لأنه شاءَ وأراد، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميعٌ بصير، فهذا دليلٌ على أنها ليست بمثل سميع ولا بصيرٍ ولا قديرٍ.

قال سليمان: فانه لم يزل مريداً.

قالعليه‌السلام : يا سليمان فارادته غيره؟ قال نعم، قالعليه‌السلام : فقد أثبتَّ معه شيئاً غيره لم يزل، قال سليمان: ما أثبتُّ.

____________________

(١) القدر: ١.

٥٧٣

قال الرضاعليه‌السلام أهي محدثة؟ قال سليمان: لا ما هي محدثةٌ.

فصاح به المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا أو يكابر، عليك بالانصافِ، أما ترى من حولك من أهل النظر؟ ثم قال: كلِّمه يا أبا الحسن فإنه متكلّم خراسان، فأعاد عليه المسألة، فقالعليه‌السلام : هي محدثة يا سليمانُ فان الشيء إذا لم يكن أزلياً كان محدثاً، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً.

قال سليمان: إرادته منهُ كما أنَّ سمعه منه وبصره منه وعلمه منه.

قال الرضاعليه‌السلام : فإرادته نفسه؟! قال: لا.

قالعليه‌السلام فليس المريد مثل السميع والبصير، قال سليمان: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه.

قال الرضاعليه‌السلام : ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئاً أو أراد أن يكون حياً أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً؟! قال نعم.

قال الرِّضاعليه‌السلام : أفبارادته كان ذلك؟! قال سليمان: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : فليس لقولك: أراد أن يكون حياً سميعاً بصيراً معنىً إذا لم يكن ذلك بارادته، قال سليمان: بلى قد كان ذلك بارادته، فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضاعليه‌السلام ، ثم قال: ارفقوا بمتكلّم خراسان، يا سليمان فقد حال عندكم عن حالةٍ وتغير عنها(١) ، وهذا مما لا يوصف اللّه عزّ وجلّ به، فانقطع.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان أسالك مسألةً، قال: سل جعلت فداك.

قالعليه‌السلام : أخبرني عنك وعن أصحابك تكلّمون الناس بما يفقهون ويعرفون، أو بما لا يفقهون ولا يعرفون؟ قال: بل بما يفقهون ويعرفون.

قال الرضاعليه‌السلام : فالَّذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة وأن المريد قبل الارادة

____________________

(١) أي لو كان ذلك أي كونه سميعاً بصيراً قديراً بارادته لتحوّل وتغير في هذه الصفات، لأَن إرادته يمكن أن لا تتعلق بها كسائر الامور، وفي البحار وفي نسخة (و) و(ن) و(د) «عن حاله وتغير عنها».

٥٧٤

وأن الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم: إنَّ الإرادة والمريد شيء واحد، قال: جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس، ولا على ما يفقهون، قالعليه‌السلام : فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفةٍ، وقلتم: الإرادةُ كالسمع والبصر إذاً كان ذلك عندكم على ما لا يعرفُ ولا يعقل.

فلم يحر جواباً.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان هل يعلم اللّه عزّ وجلّ جميع ما في الجنة والنار؟! قال سليمان: نعم.

قالعليه‌السلام : أفيكون ما علم اللّه عزّ وجلّ أنَّه يكون من ذلك؟! قال: نعم.

قالعليه‌السلام : فإذا كان حتى لا يبقى منه شيءٌ إِلا كان، أيزيدهم أو يطويه عنهم؟! قال سليمان: بل يزيدهم.

قالعليه‌السلام : فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون(١) قال: جعلت فداك والمزيد لا غاية له(٢) .

قالعليه‌السلام : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غايةُ ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً، قال سليمان: إنما قلتُ: لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن اللّه عزّ وجلّ وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.

قال الرضاعليه‌السلام : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم وكذلك قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه:( كلَّما نَضِجَت جُلُودُهُم

____________________

(١) قولهعليه‌السلام : «أنه يكون» مبتدء مؤخر، والضمير يرجع إلى ما لم يكن، و«في علمه» خبر له مقدم، والجملة مفعول ثان لقوله: «فأراه» أي فأراه أن ما لم يكن يكون في علمه على قولك: انه يزيدهم ما لم يكن، فعلمه المتعلق الآن بما لم يكن غير الارادة لانها لم تتعلق به بعد.

(٢) في البحار وفي نسخة (د) و(ب) «فالمزيد لا غاية له» وهذا أنسب لافادة التفريع والتعليل، كانه على زعمه قال: كما أن ارادته لا تتعلق الآن بالمزيد في الدار الآخرة لا يتعلق علمه به لان المزيد لا غاية له وغير المتناهي لا يكون معلوماً، فرد عليه بتنزيهه تعالى عن عدم العلم به وان كان غير متناه.

٥٧٥

بدَّلناهُم جُلوداً غَيرَها لِيَذوقوا العذابَ ) (١) وقال عزّ وجلّ لأهل الجنة:( عطاءً غَيرَ مَجذُوذٍ ) (٢) وقال عزّ وجلّ:( وفاكِهةٍ كَثيرةٍ* لا مَقطوعَةٍ ولا مَمنوعَةٍ ) (٣) فهو جلَّ وعزَّ يعلم ذلك ولا يقطعُ عنهم الزيادة، أَرأَيتَ ما أكَلَ أهل الجنةِ وما شربوا، أليس يُخلفُ مكانه؟! قال: بلى.

قالعليه‌السلام : أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟! قال سليمان: لا.

قالعليه‌السلام : فكذلك كل ما يكون فيها(٤) إذا أخلف مكانه فليس بمقطوعٍ عنهم، قال سليمان: بل يقطعه عنهم فلا يزيدهم.

قال الرضاعليه‌السلام : إِذاً يبيد ما فيهما وهذا يا سليمان إبطالُ الخلودِ، وخلافُ الكتابِ، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ يقولُ:( لهم ما يَشاءُونَ فيها وَلَدَينا مَزِيدٌ ) (٥) ، ويقول عزّ وجلّ:( عَطاءً غَيرَ مَجذُوذٍ ) (٦) ، ويقول عزّ وجلّ:( وَما هُم مِنها بِمُخرَجِينَ ) (٧) ، ويقول عزّ وجلّ:( خالِدينَ فيها أَبَداً ) (٨) ، ويقول عزّ وجلّ:( وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لا مقطُوعَةٍ وَلا مَمنوعَةٍ ) (٩) .

فَلم يحر جواباً.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعلٍ؟ قال: بل هي فعل.

قالعليه‌السلام : فهي محدثةٌ لأنَّ الفعل كله محدثٌ، قال: ليست بفعلٍ.

____________________

(١) النساء: ٥٦.

(٢) هود: ١٠٨.

(٣) الواقعة: ٣٣.

(٤) أي فكالجنة كل ما في النار.

(٥) ق: ٣٥.

(٦) هود: ١٠٨.

(٧) الحجر: ٤٨.

(٨) في أحد عشر موضعاً من القرآن.

(٩) الواقعة: ٣٣.

٥٧٦

قالعليه‌السلام : فمعه غيره لم يزل، قال سليمان: الإرادة هي الإنشاءُ.

قالعليه‌السلام : يا سُليمان هذا الذي ادعيتموه على ضرارٍ وأَصحابه(١) من قولهم: إن كل ما خلق اللّه عزّ وجلّ في سماءٍ أو أرضٍ أو بحرٍ أو برٍّ من كلبٍ أو خنزيرٍ أو قردٍ أو إنسانٍ أو دابةٍ إرادة اللّهِ عزّ وجلّ، وَانَّ إرادة اللّهِ عزّ وجلّ تحيى وتموتُ وتذهبُ وتأكلُ وتشربُ وتنكحُ وتلد وتظلمُ وتفعلُ الفواحش وتكفُر وتُشركُ فتبرِّء منها وتعاديها وهذا حدُّها(٢) .

قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم.

قال الرضاعليه‌السلام : قد رجعت إِلى هذا ثانيةً، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أَمصنوعٌ؟ قال سليمان: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف نفيتموه(٣) فمرَّةً قلتم لم يرد، ومرةً قلتم أَراد، وليست بمفعولٍ له؟! قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرةً عَلِمَ ومَرةً لم يعلم(٤) .

قال الرضاعليه‌السلام : ليس ذلك سواء، لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم، ونفي المرادِ نفي الإرادةِ أن تكون، لأنَّ الشيء إذا لم يرد لم يكن إرادةٌ، وقد يكونُ العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الانسان بصيراً وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم(٥) ، قال سليمان: إنها مصنوعةٌ.

قالعليه‌السلام : فهي محدثةٌ ليست كالسمع والبصر، لأنَّ السمع والبصرَ ليسا بمصنوعينِ، وهذهِ مصنوعةٌ، قال سليمان: إنها صفةٌ من صفاته لم تزل.

____________________

(١) هو ضرار بن عمرو، وهم من الجبريّة، لكن وافقوا المعتزلة في أشياء، واختصوا بأشياء منكرة.

(٢) أي فتبرء من الارادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار وتعاديها، مع أن هذا الذي ذهبت إليه من أن الارادة هي الانشاء حد الارادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار، وفي البحار بصيغة المتكلم مع الغير في الفعلين، وفي نسخة (و) و(ط) و(ج) «تفارقها» مكان «تعاديها».

(٣) في هامش نسخة (و) «فكيف نعتموه» والضمير المنصوب يرجع حينئذٍ إليه تعالى، وهذا أصح، وعلى سائر النسخ فالضمير يرجع الى الارادة وتذكيره باعتبار المعنى.

(٤) أي مرة وقع علمه على المعلوم الموجود، ومرة لم يقع علمه على المعلوم لكونه غير موجود، ومر نظير هذا في الحديث الاول من الباب الحادي عشر.

(٥) «لم يكن» في المواضع الاربعة تامة، «بمنزلة البصر» خبر لمبتدء محذوف، أي العلم بمنزلة البصر.

٥٧٧

قالعليه‌السلام : فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل لأنَّ صفته لم تزل، قال سليمان: لا لأنَّه لم يفعلها.

قال الرضاعليه‌السلام : يا خُراساني ما أكثر غلطك، أفليس بارادته وقوله تَكَوُّنُ الأشياء؟! قال سليمان: لا.

قالعليه‌السلام : فإذا لم يكن بارادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يُكَوَّن ذلك؟! تعالى اللّه عن ذلك.

فلم يحر جواباً(١) .

ثم قال الرضاعليه‌السلام : ألا تخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ:( وإذا أَرَدنا أَن نُهلِكَ قَريةً أمَرنا مُترَفيها فَفَسَقوا فيها ) (٢) يعني بذلك أنه يحدثُ إرادةً؟! قال له: نعم.

قالعليه‌السلام : فإذا أحدث إرادةً كان كقولكَ إنَّ الارادة هي هو أم شيءٌ منه باطلاً، لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله، تعالى اللّه عن ذلك، قال سليمان: إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدثه إرادةً.

قالعليه‌السلام : فما عنى به، قال: عنى فعل الشيء.

قال الرضاعليه‌السلام : ويلك كم ترددُ هذهِ المسألة، وقد أخبرتك أن الإرادة محدثةٌ لأن فعل الشيء محدثٌ، قال: فليس لها معنىً.

قال الرضاعليه‌السلام : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له، فإذا لم يكن لها معنىً قديم ولا حديثٌ بطل قولكم: إن لم يزل مريداً. قال سليمان: إنما عنيتُ أنها فعل من اللّه لم يزل.

____________________

(١) أيضاح الكلام أنهعليه‌السلام ألزمه على كون الارادة أزلية كون الانسان مثلاً أزلياً لان صفته أي ارادته التي بها خلق الانسان أزلية، فأجاب سليمان بأنه لا يلزم ذلك لانه فعل الانسان فهو حادث ولم يفعل الارادة فهي أزلية، فردهعليه‌السلام بأن هذا غلط كسائر أغلاطك لان تكون الاشياء انما هو بارادته ولا تتخلف عن المراد بشهادة العقل والآية، فكابر سليمان فقال: لا يكون بارادته، فأفحمه بما قالعليه‌السلام . فلم يحر جواباً.

(٢) الاسراء: ١٦.

٥٧٨

قال: ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً، وحديثاً وقديماً في حالةٍ واحدةٍ؟

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، أَتمم مسألتكَ، قال سليمان: قلت: إنَّ الإرادة صفةٌ من صفاته.

قال الرضاعليه‌السلام : كم ترددُ عليَّ أنها صفةٌ من صفاته، وصفته محدثةٌ أو لم تزل؟! قال سليمان: محدثة.

قال الرضاعليه‌السلام : اللّه أكبر، فالإرادةُ محدثةٌ وإن كانت صفةً من صفاته لم تزل.

فلم يرد شيئاً(١) .

قال الرضاعليه‌السلام : إنَّ ما لم يزل لا يكونُ مفعولاً، قال سليمان: ليس الأشياء إرادةً ولم يرد شيئاً(٢) .

قال الرضاعليه‌السلام : وسوست يا سليمان، فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله، وهذه صفةُ من لا يدري ما فعل، تعالى اللّه عن ذلك.

قال سليمان: يا سيدي قد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم.

قال المأمون: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والترددّ، اقطع هذا وخذ في غيره إذ لست تقوى على هذا الردِّ، قال الرضاعليه‌السلام : دعه يا أمير المؤمنين، لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة، تكلم يا سليمان، قال: قد أخبرتك أنَّها كالسمع والبصر والعلم.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، أخبرني عن معنى هذه أمعنى واحدٌ أم معانٍ مختلفةٌ؟! قال سليمان: بل معنى واحدٌ.

قال الرضاعليه‌السلام : فما معنى الإرادات كلها معنى واحدٌ؟ قال سليمان: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن كان معناها معنىً واحداً كانت إرادةُ القيام وإرادة القعود

____________________

(١) لان العالم حادث والارادة أزلية والتخلف ممتنع، وقوله: «ان ما لم يزل - الخ» تعليل به باللازم.

(٢) أي لا أقول بقول ضرار ولا بقولكم، بل له ارادة غير متعلقة بشيء أو ليست له ارادة راساً.

٥٧٩

وإرادة الحياةِ وإرادةُ الموتِ إذا كانت إرادته واحدةً(١) لم يتقدم بعضها بعضاً، ولم يخالف بعضها بعضاً، وكانَ شيئاً واحداً(٢) ، قال سليمانُ: إن معناها مختلف.

قالعليه‌السلام فأخبرني عن المريد أهو الإرادةُ أو غيرها؟! قال سليمان: بل هو الإرادة.

قال الرضاعليه‌السلام : فالمريد عندكم يختلف إن كان هو الإرادة؟ قال: يا سيدي ليس الإرادة المريد.

قالعليه‌السلام : فالإرادةُ محدثةٌ، وإلا فمعه غيره، إفهم وزد في مسألتكَ.

قال سليمان: فانَّها اسم من أسمائه.

قال الرضاعليه‌السلام : هل سمى نفسه بذلك؟ قال سليمان: لا لم يسمِّ نفسه بذلك.

قال الرِّضاعليه‌السلام : فليس لك أن تسميه بما لم يسمِّ به نفسهُ، قال: قد وصف نفسه بأنَّه مريدٌ.

قال الرِّضاعليه‌السلام : ليس صفته نفسه أنه مريد إخباراً عن أنَّه إرادةٌ ولا إخباراً عن أنَّ الإرادة اسمٌ من أسمائه، قال سليمان: لأنَّ إرادته علمه.

قال الرِّضاعليه‌السلام : يا جاهل فإذا علم الشيء فقد أراده؟ قال سليمان: أجل.

قالعليه‌السلام : فإذا لم يرده لم يعلمه، قال سليمان: أجل.

قالعليه‌السلام : من أين قلت ذاك، وما الدليل على أن إرادته علمه؟ وقد يعلم ما لا يريدهُ أبداً، وذلك قوله عزّ وجلّ:( وَلَئِن شِئنا لَنَذهبنَّ بِالَّذي أَوحَينا إلَيكَ ) (٣) ، فهو يعلمُ كيف يذهبُ به وهو لا يذهب به أبداً، قال سليمان: لأنه قد فرغَ من الأمر فليس يزيد فيه شيئاً.

____________________

(١) هذه الجملة تأكيد للشرط بلفظ آخر وقعت بين اسم كانت وخبرها: وفي نسخة (ط) و(ن) «إذا كانت ارادة واحدة» وفي نسخة (و) «إذ كانت ارادته واحدة» وفي البحار: «فان كان معناها معنى واحداً كانت ارادة القيام ارادة القعود، وارادة الحياة ارادة الموت، إذ كانت ارادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضاً - الخ» وهذا أحسن.

(٢) أي كان المراد شيئاً واحداً، وفي نسخة (و) و(ط) و(ن) «وكانت شيئاً واحداً».

(٣) الاسراء: ٨٦.

٥٨٠