البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 138402
تحميل: 6576

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138402 / تحميل: 6576
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

فلما رأى ذلكَ عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه، وقال: لا أحلّها حتى يتوب اللّه عزَّ وجلَّ عليَّ، فأوحى اللّه عزَّ وجلَّ إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي، لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما استجبت لك، حتى تردَّ مَن مات إلى ما دعوته إليه، فيرجع عنه»(١) .

____________________

(١) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ص: ٣٢٨، ح: ٧٠.

٦١

٦٢

الفصل الثالث : أسباب نشوء البدع

(البدايات)

١ - السذاجة والجهل والتسامح في امر الدين.

٢ - النظرة البتراء للدين.

٣ - السؤال عن المعضلات والخوض في المحظورات.

٤ - اتباع الأهواء.

٦٣

أسباب نشوء البِدَع (البدايات)

هناك عوامل عديدة أدَّت إلى ظهور (البدع) في حياة المسلمين، وقد بدأت ظاهرة الابتداع بالنشوء والترعرع، ومن ثمَّ الاتساع في أوائل عهد الرسالة الاسلامية، ومنذ بدايات التشريع، وأخذت (البدع) تتزايد وتتنوع كلما ابتعد الانسان عن هذا العصر، وكلما جنحت حياته نحو السعة والتعقيد.

وكان للتحديات التي واجهها الاسلام على مرّ العصور، والسياسات اللادينية الحاكمة، وما مرَّ به المسلمون من ظروف تاريخية معقدة. الدور الكبير في نشوء (البدع) وازدياد حدّتها، وتناميها، في جسد الكيان الاسلامي الكبير.

والذي يلاحظه المتأمل في فصول التاريخ الاسلامي الاُولى أنَّ ظاهرة الابتداع حينما وُلدت في حياة المسلمين وُلدت وهي بسيطة وساذجة، تحمل الطابع البدائي، والاسلوب العفوي، والاندفاع السطحي، ولا سيما تلك التي نشأت في حياة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنَّ هذهِ الظواهر وبعد أنَّ ارتحل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المليك الاعلى بدأت تتخذ طابعاً كيفيّاً مؤثراً، وأُسلوباً تخريبباً خطيراً، وخصوصاً تلك (البدع) و (المحدثات) التي يقف وراءها قصد التشويه والتحريف، وقلب الحقائق والموازين الشرعية الثابتة، والتي تنشأ عن اتباع الأهواء، والانقياد مع الباطل، والصدِّ عن صراط اللّه المستقيم، والهدي النبوي القويم.

٦٤

وقد وردت الاشارة في القرآن الكريم إلى أنَّ الامة الاسلامية ستمر بهذا المخاض، وتوضع على محكّ الفتنة، وموازين الاختبار، بعد وفاة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث يقول اللّه عزَّ وجلَّ:( ومَا مُحمّد إلا رَسول قَد خَلت مِنَ قَبلهِ الرسُلُ أفَئن مَّاتَ أو قُتِلَ انقَلبتم عَلَى أعقابِكم وَمَن يَنقلِب عَلَى عَقبيهِ فَلَن يَضُرَّ اللّه شَيئاً وَسيَجزي اللّهُ الشَّاكِرينَ ) (١) .

ولم يكن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليترك التعبير عمّا كان يقرأه في صفحات الغيب، وما يراه على جبين المستقبل القريب، مما سيؤول إليه أمر الامة الاسلامية من التشتت والتفرق والتمزيق، بعد رحيله إلى الرفيق الاعلى، فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحذِّر المسلمين بين الحين والآخر من مغبّة الوقوع في متاهات البدع والأهواء، والانحراف عن الطريق الحق، والصراط المستقيم، إلى حيث السبل المتشتتة، والمسالك الضالة.

روي عن ابن مسعود أنه قال:

«خط رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل اللّه مستقيماً، ثمَّ خطَّ خطوطاً عن يمين ذلك وعن شماله ثم قال: وهذهِ السبل، ليس من سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ:( وَأنَّ هَذا صِرَاطي مُستقِيماً فاِتّبِعوهُ وَلا تَتبعُوا السبُل فَتفَرق بكُم عَن سَبيلِهِ ) (٢) (٣) .

ويبيِّن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامته أنَّهم سيمرون من بعده بفتن مظلمة، ومخاضات عسيرة، تنجرف معها طبقات كثيرة من المسلمين، فهو يقول:

«يوشك الامم أن تداعى عليكم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها، فقال قائل: من قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من

____________________

(١) آل عمران: ١٤٤.

(٢) الانعام: ١٥٣.

(٣) جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج: ٣، ص: ٥٦.

٦٥

صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول اللّه؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت»(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا»(٢) .

وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إذا فُتحت عليكم فارس والروم أيّ قومٍ أنتم، قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا اللّه، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو غيرُ ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض»(٣) .

وعن افتراق الامة الاسلامية وتمزقها واتباعها سنن الامم الماضية من التيه والضلال والانحراف، يتحدث الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلاً:

«كل ما كان في الامم السالفة، فانَّه يكون في هذهِ الامه مثله، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى:( لَتركَبُنَّ طَبقاً عَن طَبقٍ ) (٥) أنه قال:

«حالاً بعد حال، لتركبنَّ سنة مَن كان قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، لا تخطئون طريقهم ولا يخطأ، شبر بشبر، وذراع بذراع، وباع بباع، حتى أنه لو كان قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهودَ والنصارى تعني يا رسول اللّه؟ قال: فمن أعني؟

____________________

(١) أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، ج: ٤، كتاب الملاحم، ح: ٤٢٩٧، ص: ١١١.

(٢) الترمذي، سنن الترمذي، ج: ٤، كتاب الفتن، باب: ٣٠، ح: ٢١٩٥، ص: ٤٢٢.

(٣) مسلم، صحيح مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: ١٨، كتاب الزهد، ص: ٩٦.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢٨، كتاب الفتن والمحن، باب: ١، ح: ١٥، ص: ١٠.

(٥) الانشقاق: ١٩.

٦٦

لتنقضنَّ عرى الاسلام عروة عروة، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة»(١) .

ونلاحظ أنَّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبالغة في إيضاح معالم الطريق الحق أمام المسلمين، وتحديد الرؤية الدقيقة التي لا تسمح بالشك والتوقف والترديد، ينص على الفرقة الناجية من هذهِ الفتن والمدلهمات، ويشخّص الرائد الاول لمسيرة النجاة، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يا علي مثلَك في امتي مثل المسيح عيسى بن مريم، افترق قومه ثلاث فرق، فرقة مؤمنون به وهم الحواريون، وفرقة عادوه وهم اليهود، وفرقة غلّوا فيه فخرجوا عن الايمان، وانَّ امتي ستفترق فيكَ ثلاث فرق، فرقة شيعتُكَ وهم المؤمنون، وفرقة أعداؤك وهم الناكثون، وفرقة غلّوا فيكَ وهم الجاحدونَ السابقون، فانت يا علي وشيعتكَ في الجنة، ومحبُّو شيعتك في الجنة، والغالي فيكَ في النار»(٢) .

وذكر عليعليه‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، سبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصيَّه، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، فاحدى وسبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصيَّه، وستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصيي، - يقول عليعليه‌السلام - وضرب بيده على منكبي ثم قال:

اثنان وسبعون فرقة حلَّت عقدَ الاله فيك، وواحدة في الجنة، وهي التي اتخذت محبتكَ، وهم شيعتُك»(٣) .

ويذكر النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسمّيات صريحة للانشقاقات البارزة، والمحدثات

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢٨، كتاب الفتن والمحن، باب: ١، ح: ١١، ص: ٨.

(٢) الخوارزمي، المناقب، تحقيق: مالك المحمودي، الفصل: ١٩: ح: ٣١٨، ص: ٣١٧.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢٨، كتاب الفتن والمحن، باب: ١، ح: ٣٠، ص: ١٣.

٦٧

الخطيرة التي ستحصل من بعده، تكريساً لمفهوم الفرقة الناجية، وبلورة أبعادها ومعالمها بكل تفصيل، وايغالاً في إلقاء الحجّة البالغة على المسلمين، فنراهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواضع متعددة يُسمّي الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وغير هؤلاء من فرق الضلال الاخرى، فقد روى:

«إنَّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين، وهو يقسِّم تبراً فقال: يا محمَّد اعدل! فقال: ويحكَ من يعدل إذا لم أعدل؟! - أو عند مَن يلتمس العدل بعدي؟! - ثم قال: يوشك أن يأتي قوم مثل هذا، يسألون كتاب اللّه وهم أعداؤه، يقرأون كتاب اللّه ولا يحل حناجرهم، محلقة رؤوسهم، فإذا خرجوا فاضربوا رقابهم»(١) .

وجاء في (شرح النهج) لابن أبي الحديد عن عليعليه‌السلام :

«ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: إنَّ اللّه قد كتب عليكَ جهاد المفتونين، كما كتب عليَّ جهاد المشركين، قال: فقلت: يا رسول اللّه، ما هذهِ الفتنة التي كتب عليَّ فيها الجهاد؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

قوم يشهدون ان لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، وهم مخالفون للسنة.

فقلتُ: يا رسول اللّه، فعلامَ اُقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

على الإحداث في الدين، ومخالفة الأمر. فقلت: يا رسول اللّه، إنكَ كنتَ وعدتني الشهادة فاسأل اللّه ان يجعلها لي بين يديكَ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فمن يقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين؟ أما اني وعدتك الشهادة، وستستشهد، تُضرب على هذهِ فتخضب هذه، فكيف صبرك إذن؟

قلت: يا رسول اللّه ليس ذا بموطن صبر، هذا موطن شكر، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أجل أصبت، فأعدَّ للخصومة، فانكَ مخاصَم.

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٢٢٠، ص: ١٩٩.

٦٨

فقلت: يا رسول اللّه لو بَّينت لي قليلاً! فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

انَّ امتي ستُفتن من بعدي، فتتأول القرآن، وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع، وتحرِّف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلال، فكن جليس بيتكَ حتى تقلَّدها، فإذا قلَّدتها، جاشت عليكَ الصدور، وقلبت لك الامور، تقاتل حينئذٍ على تأويل القرآن، كما قاتلتَ على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الاولى.

فقلت: يا رسول اللّه فبأي المنازل اُنزل هؤلاء المفتونين من بعدك؟ أبمنزلة فتنة، أم بمنزلة ردّة؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل.

فقلت: يا رسول اللّه أيدركهم العدل منّا، أم من غيرنا؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

بل منّا، بنا فتح اللّه، وبنا يختم، وبنا ألَّف اللّه بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلّف بين القلوب بعد الفتنة.

فقلت: الحمد للّه على ما وهبَ لنا من فضله»(١) .

وعن قيس بن أبي حازم قال:

«قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الانصار، فقال لكَ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبُّه؟ فقلت: وما يمنعني، قال: أما انكَ ستخرج عليه، وتقاتله وأنت ظالم»(٢) .

وجاءَ في (مسند أحمد) عن قيس أنه قال:

«لمّا أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً، نبحت الكلاب، قالت: أيُّ ماءٍ هذا؟

____________________

(١) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: ٩، ص: ٢٠٦.

(٢) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحاكم الذهبي، ج: ٣، كتاب معرفة الصحابة، ص، ٣٦٦.

٦٩

قالوا: ماء الحوأب قالت: ما أظنني إلا اني راجعة، فقال بعض مَن كان معها: بل تقدمين فيراكِ المسلمون فيصلح اللّه عزَّ وجلَّ ذات بينهم، قالت: إنَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها ذات يوم: كيف باحداكنَّ تنبح عليها كلابُ الحوأب»(١) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً أنه قال لعليعليه‌السلام :

«أنه سيكون بينكَ وبين عائشة أمر، فإذا كان كذلك فارددها إلى مأمنها»(٢) .

وعن ابن عباس قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لازواجه:

«أيتكنَّ صاحبة الجمل الأزَبّ، تُقتل حولها قتلى كثيرة، تنجو بعد ما كادت»(٣) .

وعن حذيفة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«أرأيتكم لو حدّثتكم أنكم تأخذون كتابكم فتحرقونه وتلقه في الحشوش صدّقتموني؟ قالوا: سبحانَ اللّه! ويكونُ هذا؟ قال: أرأيتكم لو حدَّثتكم أنكم تكسرون قبلتكم صدقتموني؟ قالوا: سبحانَ اللّه! ويكون هذا؟ قال: أرأيتكم لو حدّثتكم أنَّ امَّكم تخرج في فرقة من المسلمين وتقاتلكم صدقتموني؟ قالوا: سبحانَ اللّه! ويكون هذا؟!»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«ويح ابن سُميّة! تقتله الفئة الباغية»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«من لقي الحرورية فليقتلهم»(٦) .

____________________

(١) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: ٦، ح: ٢٣٧٣٣، ص: ٥٢.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٢١٢، ص: ١٩٧.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٦٦٧، ص: ٣٣٣.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٦٩٣، ص: ٣٤١.

(٥) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، تحقيق روحية النحاس، ج: ١٨، ص: ٢١٨.

(٦) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٢٥٧، ص: ٢٠٨.

٧٠

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن قتله الحرورية فهو شهيد»(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«.عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن اقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين»(٢) .

وعن أنس قال:

«أشهد اني سمعت رسول اللّه يقول: إنَّ قوماً يتعمقون في الدين يمرقون منه، كما يمرق السهم من الرمية»(٣) .

وعن أبي أيوب الانصاري قال:

«انَّ رسول اللّه عهد الينا أن نقاتل مع علي الناكثين، فقد قاتلناهم، وعهد الينا أن نقاتل معه القاسطين، فهذا وجَّهنا اليهم - يعني معاوية وأصحابه - وعهد الينا ان نقاتل مع علي المارقين، فلم أرهم بعد»(٤) .

وقال (ابن أبي الحديد) في (شرح النهج):

«قد تظافرت الاخبار حتى بلغت حدَّ التواتر بما وعد اللّه تعالى قاتلي الخوارج من الثواب على لسان رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

إذن فبداية وقوع الفتن والمحدثات رافقت بدايات التشريع الاسلامي زماناً، وكانت بذورها موجودة في فترة وجود النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ظهراني الامة، إلا ان بعض الدعوات والاصوات لم يكن بامكانها الجهر بمآربها وطموحاتها المقاطعة لشريعة

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٢٥٨، ص: ٢٠٨.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٦٤٩، ص: ٣٢٧.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٥٤٣، ص: ٢٨٨.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١١، ح: ٣١٧٢٠، ص: ٣٥٢.

(٥) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: ٢، ص: ٢٦٥.

٧١

الاسلام ومبادئه ومباينه، باعتبار الحصانة التي كان يمتلكها التشريع الاسلامي آنذاك بوجود شخص الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ أنه كان يمثل المحور الذي تلتف حوله الامة الاسلامية بشكل عام، من دون أن يتجرأ أحد - أيّاً كان - من أن يعلن أيَّ مظهر من مظاهر الخلاف، وأن يصرح بدعوةٍ من هذا القبيل.

ولم يكن من السهل اكتشاف تلك الطبقات المبطّنة من قبل المسلمين، وظهور دخائل نفوسهم للملأ العام، لانهم كانوا يتسترون في الظاهر بالاسلام، ويحتمون بعنوانه العام، الذي اتخذوه وسيلة للتآمر على الشريعة المقدسة من قرب، واضمار المنازلة معها بعد غياب صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ساحة الصراع المبيَّت.

وكان أن لقي الاسلام أعنف ضربة تاريخية لثوابته ومبادئه على أيدي بعض تلك المجاميع التي كانت تعيش حول الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنتظم ضمن طبقة اصحابه ومرافقيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد ساهمت بعض تلك المجاميع مساهمة كبيرة في تأجيج جذوة الفتن والمحدثان الاولى، التي اصبحت بعد ذلك أساساً ومصدراً لكل ألوان التحريف والفساد التي اُصيب بها الاسلام في منطلقاته ومواقعه اللاحقة كافة.

وفي نفس الوقت نجد أنَّ هناك طبقة كبيرة من الصحابة وقفت بوجه البدع والمحدثات مواقف رسالية خالدة، أخذ يرددها التاريخ بفخرٍ واعتزاز.

روى البخاري في صحيحه عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنا على حوضي أنتظر مَن يرد عليَّ فيؤخذ بناسٍ من دوني، فأقول امتي، فيقول: لا تدري مشوا على القَهقرى»(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١) البخاري، صحيح البخاري، ج: ٨، كتاب الفتن، ح: ١، ص: ٨٦.

٧٢

«أنا فرطكم على الحوض، ليُرفعنَّ إليَّ رجال منكم، حتى إذا أهويت لاناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي ربِّ أصحابي! فيقول: لاتدري ما أحدثوا بعدك»(١) .

وروت ام سلمة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إنَّ من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبداً»(٢) .

وروى سهل بن سعد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«اني فرطكم على الحوض، مَن مرَّ عليَّ شرب، ومَن شرب لم يظمأ أبداً، ليردنَّ عليَّ أقوام، أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. فأقول انَّهم مني، فيقال، إنكَّ لا تدري ما أحدثوا بعدَكَ، فاقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي»(٣) .

وعن عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«وإني فرطكم على الحوض، وإني ساُنازع رجالاً، فاغلب عليهم، فأقول: يا ربِّ أصحابي، فيقول: إنكَ لا تدري ما أحدثوا بعدك»(٤) .

وقد مرَّت الامة الاسلامية نتيجة لتلك الفتن الحالكة بمنعطفات حادة كادت أن توجّه إليه الضربة القاتلة، لولا ما كان يتمتع به أهل البيتعليهم‌السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بالصبر والحكمة واليقظة الدائمة، والحرص على بقاء اُسس التشريع الاسلامي ثابتة، ومعامله الرئيسية محفوظة، على الرغم من ان الامة الاسلامية قد ابتعدت في مسيرتها عن الكثير من الخصوصيات والتفاصيل التي تتعلق بحقوقهمعليهم‌السلام .

وسوف نتعرض إلى مجمل الدور الرسالي الذي تحمَّل أعباءه أهل البيتعليهم‌السلام في إطار مواجهة ظاهرة (الابتداع) ومكافحتها بمختلف الوسائل والاساليب في لاحق

____________________

(١) البخاري، صحيح البخاري، ج: ٧، كتاب الرقاق، ص: ٢٠٦.

(٢) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: ٦، ح: ٢٦١١٩، ص: ٣١٢.

(٣) البخاري، صحيح البخاري، ج: ٧، كتاب الرقاق، ص: ٢٠٨.

(٤) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: ١، ح: ٣٨٥٦، ص: ٤٠٨.

٧٣

دراستنا هذه إن شاء اللّه تعالى.

والآن ننتقل إلى استعراض أهم العوامل التي أدت إلى نشوء ظاهرة (الابتداع) في حياة المسلمين، وخصوصاً تلك التي نشأت في بدايات التشريع الاسلامي وأصبحت أساساً تتفرع منه البدع الاخرى، وذلك ضمن النقاط التالية:

١ - السذاجة والجهل والتسامح في أمر الدين

السذاجة، والجهل، والتسامح. ظواهر اجتماعية عامة كانت تسود مجتمع الجزيرة العربية حين بعثة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانبثاق فجر التشريع. إذ لم يكن المجتمع آنذاك، وبعد أن آمن بالدين الاسلامي الجديد، متحرراً من جميع الرواسب والمخلَّفات التي تركتها الحياة الجاهلية عليه، حيث الاعراف والنواميس البعيدة عن القيم والاخلاق والمثل الانسانية الرفيعة التي دعى اليها الاسلام العظيم.

وكان للطابع المادي المحض الذي ساد الحياة آنذاك، وتحكَّم في جميع أبعادها، وأصبح مقياساً للتفاضل والقيم، قبل إطلالة الاسلام. الأثر الكبير في قتل روح الابداع والتفكير الحر، والنزوع نحو العلم والمعرفة والابتكار، فانسان ذلك الوقت كان يعيش حالة الجهل المطبق، وخصوصاً بالنسبة إلى العلوم والمعارف الحقّة، ولا يعي أبسط الاشياء من حوله، وإذا ما أدرك شيئاً من ذلك، فانَّ الجوَّ الجاهلي القاتم الذي يلفّه ويحيط به، يمنعه من أن ينتشل نفسه من ذلك الواقع المدلهم.

ولذا فانَّ الاسلام بتعاليمه السماوية المشرقة، يمثل في أول أبعاده، وأهم اشعاعاته، صحوةً فكرية متألقة، اكتسحت تلك الطبقات الكثيفة المظلمة من الجهل والتخلف والانحطاط، التي كانت تلبّد حياة الانسان، وتقطع طريق العلم والمعرفة عليه، ففي اللحظات الاولى لاتصال الارض بالسماء، وفي بداية شوط الرسالة الاول، صدع الوحي لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقول:

٧٤

( اقرأ بِاسمِ رِّبكَ الذِي خَلَقَ ) (١) .

فالاسلام دعا إلى العلم الذي يعني في أحد بعديه مواكبة الحياة في نموها وتطورها، والتطلّع المستمر لكشف أسرارها وكنوزها، واثراء الفكر البشري بمختلف المعارف العلمية والانسانية المتنوعة، التي لا تقف عند حدِّ ولا تنتهي إلى أمد.

ويعني العلم في منظار الشريعة من خلال بعده الثاني، الانفتاح على المعرفة الاسلامية، وعدم الجمود في تلقي أحكامها ومفاهيمها، وضرورة تحريك الطاقة الفكرية الخلاقة التي أودعها اللّه تعالى في النفس الانسانية، في مجالات التأملات المشروعة، ومحاولة انتزاع الرؤى والمفاهيم والصياغات المتنوعة في كافة مجالات الحياة والكون، بالاعتماد على التراث الفكري، والثروة الغنية التي يمتلكها الاسلام العظيم، والادراك الواعي للاحكام، والفهم المعمَّق للتشريع، من دون أن يتجاوز العقل حدوده المشروعة، ويضع نفسه في مقابل الاحكام الالهية، أو يتقهقهر إلى حيث التحجم والانزواء، فيُشل عن الفاعلية والتأثير.

من هنا نرى تأكيد الشريعة واصرارها على محاربة الجهل، واعتباره العدو الأول الذي يجب مكافحته واستئصاله من جسد الامة الاسلامية، كما نرى الحث الاكيد على ضرورة التعلم والتفقه في الدين، من خلال مجموعة كبيرة من النصوص الاسلامية الواردة في هذا المجال، فمن ذلك قوله تعالى:

( يَرفَعِ اللّهُ الذِينَ آمنُوا مُنكم وَالذِينَ اُوتُوا العِلمَ دَرجَاتٍ ) (٢) .

وقوله تعالى:( قُل هَل يَستَوي الذِينَ يَعلَمون وَالذِينَ لا يَعلمُون انّمَا يَتذَكرُ أُولوا الألبَابِ ) (٣) .

____________________

(١) العلق: ١.

(٢) المجادلة: ١١.

(٣) الزمر: ٩.

٧٥

وقد قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم، ألا انَّ اللّه يحب بغاة العلم»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن طلب علماً فأدركه كتب اللّه له كفلين من الأجر، ومن طلب علماً ولم يدركه كتب اللّه له كفلاً من الأجر»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن طلب العلم فهو كالصائم نهاره، القائم ليله، وانَّ باباً من العلم يتعلمه الرجل، خير له من أن يكون له أبو قبيس ذهباً، فأنفقه في سبيل اللّه»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن جاءَه الموت وهو يطلب العلم، ليحيي به الاسلام، كان بينه وبين الانبياء درجة واحدة في الجنة»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اطلبوا العلم ولو بالصين»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهَّل اللّه له طريقاً إلى الجنة»(٦) .

وروى أنه خرج رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون، ومجلس يدعون اللّه ويسألونه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: فرض العلم، ح: ١، ص: ٣٠.

(٢) زين الدين العاملي، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ص: ٢٣.

(٣) زين الدين العاملي، منية المريد، ص: ٢٣.

(٤) زين الدين العاملي، منية المريد، ص: ٢٣.

(٥) زين الدين العاملي، منية المريد، ص: ٢٥.

(٦) زين الدين العاملي، منية المريد، ص: ٢٥.

٧٦

«كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون اللّه، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل بالتعليم، ارسلت لما ارسلت، ثم قعد معهم»(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«تعلم العلم، فانَّ تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وهو عند اللّه لاهله قربة، لانه معالم الحلال والحرام، وسالك بطالبه سبيل الجنة، فهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة، وسلاح على الاعداء، وزين الاخلاء، يرفع اللّه به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم، تُرمق أعمالهم، وتقبس آثارهم، وترغب الملائكة في خلتهم، يمسحونهم بأجنحتهم في صلواتهم، لأنَّ العلم حياة القلوب، ونور الابصار من العمى، وقوة الابدان من الضعف، ينزل اللّه حامله منازل الأبدال، ويمنحه مجالسة الاخيار في الدنيا والآخرة، بالعلم يُطاع اللّه ويُعبد، وبالعلم يُعرف اللّه ويوحَّد، وبالعلم توصل الارحام، وبه يُعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل، والعقل تابعه، يلهمه اللّه السعداء، ويحرمه الاشقياء»(٢) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام أنه قال:

«عليكم بالتفقه في دين اللّه، ولا تكونوا أعراباً، فانَّه مَن لم يتفقه في دين اللّه، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزكِّ له عملاً»(٣) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنه قال:

«لوددتُ أنَّ أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا»(٤) .

لقد شخَّصت الشريعة الاسلامية أنَّ أخطر المخاطر التي تهدد كيانها إنَّما تكمن في

____________________

(١) زين الدين العاملي، منية المريد، ص: ٢٦.

(٢) محمد بن الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ج: ١، ص: ٩.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: فرض العلم، ح: ٧، ص: ٣١.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: فرض العلم، ح: ٨، ص: ٣١.

٧٧

أن يتعامل معها الفرد المسلم من موقع الجهل واللامبالاة، ويجري على ظواهر أحكامها بسذاجة واسترسال، وقد شجبت الشريعة هذا النمط من السلوك، وعدَّت العبادة الخالية من العلم والفقه والتفكر، عبادةً خاوية جوفاء، لا تفرز معطياتها، ولا تنتج ثمارها المرجوّة من قبل التشريع.

جاءَ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الصدد أنه قال:

«مَن عمل بغير علمٍ، كان ما يفسد أكثر مما يصلح»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا خير في عبادةٍ لا فكر فيها، ولا في قراءةٍ لا تدبُّر فيها»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من خرج يطلب باباً من العلم ليردَّ به باطلاً من حق، أو ضلالاً من هدى، كان كعبادة متعبدٍ أربعين عاماً»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«تذاكر العلم ساعة خير من قيام ليلة»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر»(٥) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»(٦) .

____________________

(١) ابن جمهور، غوالي اللئالي، ج: ٤، الجملة الثانية، ح: ٦١، ص: ٧٦.

(٢) ابن جمهور، غوالي اللئالي، ج: ٤، الجملة الثانية، ح: ١٧٣، ص: ١١٢.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١٠، ح: ٢٨٨٣٥، ص: ١٦١.

(٤) محمد بن النعمان المفيد، الاختصاص، تعليق: علي أكبر الغفاري، ص: ٢٤٥.

(٥) محمد بن الحسن الصّفار، بصائر الدرجات، ج: ١، باب: ٤، ح: ٢، ص: ٧.

(٦) زين الدين العاملي، منية المريد، ص: ٢٣.

٧٨

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ركعتان يصليهما العالم، أفضل من ألف ركعة يصليها العابد»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«والذي نفس محمدٍ بيده، لعالم واحد أشد على ابليس من ألف عابد، لأنَّ العابد لنفسه، والعالم لغيره»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فضل العالم على العابد بسبعين درجة، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاماً، وذلكَ انَّ الشيطان يضع البدعة للناس، فيبصرها العالم فينهى عنها، والعابد مقبل على عبادته، لا يتوجه لها، ولا يعرفها»(٣) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«ركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل، لأنَّ العالم تأتيه الفتنة، فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل، فتنسفه نسفاً»(٤) .

وعن الامام الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«عالم ينتفع بعلمه، أفضل من عبادة سبعين ألف عابد»(٥) .

فمن الواضح أنَّ على المسلم على ضوء التعاليم الاسلامية أن يتحرّى ويفكّر ويعمل بوعي، ويسأل عن معالم دينه، ويستزيد من العلم بشريعته، حيناً بعد حين، من دون توقف أو انقطاع.

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٧٤، باب: ٣، ح: ٣، ص: ٥٧.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١٠، ح: ٢٨٩٠٨، ص: ١٧٤.

(٣) محمد بن الفتّال النيسابوري، روضة الواعظين، ج: ١، ص: ١٢.

(٤) محمد بن النعمان المفيد، الاختصاص، ص: ٢٤٥.

(٥) محمد بن الحسن الصفّار، بصائر الدرجات، ج: ١، باب: ٤، ح: ١، ص: ٦.

٧٩

وهذا لا يتنافى طبعاً مع التسليم لأمر اللّه تعالى، وأمر رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام ، وهذا التحرّي والسؤال لا يصطدم بطبيعة الحال مع وجوب الانقياد والامتثال المطلق لتعاليم الشريعة المقدسة، والاذعان للأحكام الاسلامية المشتملة على علل وملاكات غيبية وخفية - في الاغلب - على الانسان. إذ انَّ التسليم والانقياد لاحكام الشريعة وتعاليمها، مع الوعي بفلسفة هذهِ الأحكام وحقائقها، يُعد غاية الامتثال، ومنتهى الطاعة والتسليم لأمر اللّه عزَّ وجلَّ، فكم هو الفرق بين مَن يطاوع الشريعة في كلِّ ما تقول عشوائياً، من دون أن يعي فلسفة انقياده لها، ومن دون أن يدرك عظمة التشريع، وأسرار إحكامه وإتقانه. وبين مَن يطاوع الشريعة وهو مستشعر لحقيقة الأمر، وعارف بخلفياته ومبانيه.

وبسبٍ من الجهل، والتسامح، والسذاجة في أمر الدين، والسطحية في تلقّي الاحكام وامتثالها، والخلط بين ما هو محلل ومحرَّم، من دون الالتفات إلى توقيفية التشريع وقدسيته، فقد ظهرت في حياة المسلمين بدع كثيرة في حياة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد وفاته قريباً من عصر التشريع، وسوف نقوم بدرج نماذج لبعض هذهِ الحالات فيما يلي:

١ - روي في (الموطأ):

«انَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس، فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: نذرَ أن لا يتكلَّم ولا يستظل من الشمس، ولا يجلس، ويصوم، فقال رسول اللّه صلى عليه وآله وسلم: مُرهُ فليتكلَّم، وليستظل، وليجلس، وليتم صيامه».

فمن الواضح من خلال هذهِ الرواية أنَّ هذا الرجل قد اندفع بتسامح وعفوية الى ارتكاب هذا العمل المحظور، ولم يدرك حقيقة النذر المشروع، وشروطه، وضوابطه،

____________________

(١) مالك بن أنس، الموطأ، الايمان والنذور، ح: ١٠٢٩، ص: ٢٩٥.

٨٠