الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة23%

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 253

  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56237 / تحميل: 9636
الحجم الحجم الحجم
الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الباب التاسع

فضيلة

[في أنّ الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) هما سيّدا شباب أهل الجنّة، وأُمّهما سيّدة نساء أهل الجنّة].

٣٧٤ - أخبرني الشيخ الإمام محبّ الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري (رحمه الله) مشافهةً إذناً - بالحرم الشريف المكّي زيد شرفاً وقدساً؛ في شهر الله الحرام ذي الحجّة سنة تسع وسبعين وستّمئة - والشيخ الصالح بدر الدين أبو عليّ الحسن بن عليّ بن علي ابن أبي بكر ابن يونس الخلاّل الدمشقي بقراءتي عليه به، قال: أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي عبد الله بن المعتّر البغدادي إجازةً، قال: أنبأنا أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي إذناً، قال: أنبأنا أبو الحسن بن أحمد بن إبراهيم ابن الحسن [بن] محمد بن شاذان(١) قراءةً عليه في رجب سنة ثلاث وعشرين

____________________

٣٧٤ - الحديث - باستثناء الموجود فيه - من متواترات الأحاديث الشريفة النبويّة، وله مصادر وثيقة كثيرة، وأسانيد جمّة،؛ تجد كثيراً منها في تعليق الحديث: (١٣٨) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ دمشق، ص... ط١.

وأيضاً تجد للحديث أسانيد ومصادر في الحديث: (٧٥) وتواليه وما علّقنا عليها - من ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من تاريخ دمشق ص٥٢ ط١.

ورواه أيضاً الحافظ النسائي في الحديث: (١٢٤) في أواخر كتاب الخصائص ص٣٣ ط١، بمصر قال:

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه، قال: أخبرنا جرير، عن يزيد بن [أبي] زياد، عن عبد الرحمان بن أبي نعم، عن أبي سعيد، قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ ما كان من مريم بنت عمران).

(١) كذا في نسخة طهران عدا ما بين المعقوفين، وفي نسخة السيد عليّ تقي: (محمد بن سلحان).

٤١

وأربعمئة، قال: أنبأنا أبو عمرو بن عثمان [بن] أحمد بن عبد الله - قراءة عليه في منزله بدرب الضفادع في يوم الأربعاء في شهر ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وثلاثمئة - قال: حدّثنا محمد بن الحسين الحسيني، حدّثنا أبو غسّان، حدثنا قيس، عن يونس، عن عبد الرحمان بن أبي نعم:

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة - إلاّ ابني الخالة يحيي وعيسى - وأمّهما سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم بنت عمران.

فضيلة

[وخصيلة] تجمع الأُصول والفروع، ومنقبة لقاح حلالها حافلة الضروع [في أنّ عليّاً شكى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسد الناس إيّاه؛ فقال له رسول الله: (أما ترضى أن يكون أوّل مَن يدخل الجنّة: أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا وذرّيّاتنا وشيعتنا)].

٣٧٥ - أخبرنا الشيخ الإمام جلال الدين أحمد بن محمد بن عبد الجبّار البكراني الأبهري - بقراءتي عليه (رحمه الله) في داره بها في شوّال سنة سبع وثمانين وستّمئة - قال: أنبأنا والدي الإمام نجم الدين محمد، قال: أنبأنا رضيّ الدين أبو الخير إسماعيل بن يوسف إجازةً، أنبأنا الإمامان: أبو سعيد ناصر بن سهل بن أحمد البغدادي، وأبو محمد محمد بن المتصر بن أحمد بن حفص المتولي قال: أنبأنا القاضي أبو سعيد محمد ابن سعيد الفرّخزادي النوقاني قال: أنبأنا الأُستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: أنبأنا أبو منصور الحمشاذي، حدّثنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر ابن مالك(١) حدّثنا محمد بن يونس، حدّثنا عبد الله بن عائشة، حدّثنا

____________________

(١) وهو المعروف بالقطيعي، والحديث رواه تحت الرقم: (١٩٠) من باب فضائل أمير المؤمنين من كتاب الفضائل.

وقد رويناه عن مصادر في تعليق الحديث: (٨٣٥) من ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ج٢ ص٣٣٠ ط١.

وانظر أيضاً ما رواه الحاكم في الحديث الثالث من باب مناقب فاطمة (عليها السلام) من المستدرك: ج٣ ص١٥١.

٤٢

إسماعيل بن عمرو، عن عمر بن موسى، عن زيد بن عليّ بن الحسين [عن أبيه] عن جدّه:

عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال:(شكوت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حسد الناس لي؛ فقال: أما ترضى أن تكون رابع أربعة؟ أوّل مَن يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذرّيّاتنا خلف أزواجنا، وشيعتنا مِن ورائنا) .

٤٣

الباب العاشر

فضيلة

[في تفضيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأُمّها خديجة، ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون على جميع نساء العالمين. وهذا الباب بأسره في مناقب فاطمة (صلوات الله عليها)].

٣٧٦ - أخبرنا الإمام مجد الدين عبد الله بن إبراهيم بن خالد التبريزي بقراءتي عليه بها في دار الشفاء الصاحبي الشمسي(١) - رحم الله بانيها - قال: أنبأنا الشيخ الإمام نجم الدين عبد الرحمان بن عبد الخالق الرومي إجازةً بسماعي عن الرضيّ المؤيّد ابن محمد؛ بسماعه عن جدّه أبي العبّاس المعروف بعبّاسه، عن القاضي أبي سعيد ابن سعيد الفرّخزادي، قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين الدينوري(٢) حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، حدّثني عبد الملك بن محمود بن سميع، حدّثنا محمد بن يعقوب العرجي(٣) حدّثنا زكريا بن يحيى بن حمويه، حدّثنا داوود بن الزبرقان، عن محمد بن جحادة، عن أبي زرعة:

عن أبي هريرة أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال: حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران(٤) وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (عليهما السلام)(٥) .

____________________

(١) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (إبراهيم بن خالد السريري بقراءتي عليه بها في دار الشفاء الصاحبيّة الشمسيّة).

(٢) كذا في مخطوطة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري).

(٣) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (محمد بن يعقوب الفرخي).

(٤) كذا في مخطوطة طهران، وفي مخطوطة السيد علي نقي: (مريم ابنة عمران).

(٥) ورواه أيضاً ابن المغازلي في الحديث: (٤٠٩) من مناقبه ص٣٦٣ ط١، قال:

أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا محمد بن إسماعيل الورّاق إذناً، حدّثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدّثنا عبد الرزّاق بن همّام، أخبرنا معمر:

عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):(حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

٤٤

فضيلة

للبتول [سليلة النبوّة وأُمّ الأئمّة فاطمة] الزهراء تفوق أنجم الخضراء(١) [في أنّ فاطمة (صلوات الله عليها) هي الغصن الملتفّ المشتبك بشجرة الرسالة، ينبسط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بفرحها وانبساطها، وينقبض بانقباضها وحزنها واستيائها].

٣٧٧ - أخبرنا الشيخ الإمام نجم الدين أبو عمرو عثمان بن الموفّق بقراءتي عليه باسفرايين - في مسجده يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وستّين وستّمئة - قلت له: أخبرك والدي شيخ شيوخ الإسلام سلطان الأولياء والمحقّقين سعد الحقّ والدين محمد بن المؤيّد الحمويني (قدّس الله روحه) إجازةً؟ قال: نعم. قال: أنبأنا شيخ الإسلام نجم الدين أبو الجناب أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الله الخيّوقي المعروف بكبرى (رضي الله عنه) إجازةً، قال: [أخبرنا] محمد بن عمر بن علي الطوسي بقراءتي عليه بنيسابور، أنبأنا أبو العبّاس أحمد ابن أبي الفضل الشعاني(٢) أنبأنا أبو سعد محمد بن طلحة الجنابذي، أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد السرّاج إملاءً، أنبأنا أبو العبّاس محمد بن إسحاق، حدّثنا الحسن بن عليّ بن زياد، حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي(٣) حدثنا عبد الله بن جعفر بن محمد بن عبد الملك بن محمد ابن أبي رافع:

عن المسور بن مخرمة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):(فاطمة شَجْنَةٌ منّي يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها) (٤) .

قال الجنابذي متَّفَق على صحّته من حديث مسور بن مخرمة، غريب(٥) من روايته عن جعفر الصادق، وللحديث طُرق.

____________________

(١) لعلَّ هذا هو الصواب، وفي الأصل: (تفوق الحم الحصرا).

(٢) كذا.

(٣) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (الهروي).

(٤) الشجنة - بتثليث الشين وسكون الجيم: الغصن الملتفّ المشتبك.

(٥) لفظة: (غريب) مأخوذة من نسخة السيد علي نقي، وكان محلّها بياضاً في نسخة طهران.

والحديث رواه البغوي في معجم الصحابة: ج٢٤ / الورق ٣٧٣ / بأسانيد وفي بعض طرقه: (يُربيني ما يُربيه). وفي بعضه: (يؤذيني ما يؤذيها). وفي بغضه: (يُغضبني ما يغضبها).

٤٥

فضيلة

[في عظيم قدر فاطمة وجليل خطرها عند الله؛ حيث إنّه تعالى يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها].

٣٧٨ - أخبرني الشيخ تاج الدين عليّ بن أنجب بن عبيد الله الخازن إجازةً، وشرف الدين أحمد بن هبة الله بن أحمد بسماعي عليه، أنبأنا المؤيّد بن محمد بن عليّ، وأمّ المؤيّد بن أبي القاسم ابن الحسن إجازةً، قال: أنبأنا زاهر بن طاهر إجازةً، قال: أنبأنا الأُستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب سنة خمس وأربعمئة، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد حافد العبّاس بن حمزة سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، حدّثني أبي في سنة ستين ومئتين، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا سنة أربع وأربعين ومئة(١) قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثني [أبي] جعفر بن محمد [حدثني أبي محمد ابن علي] حدّثني أبي علي بن الحسين، حدثني أبي الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:

قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم):(إنّ الله عزّ وجلّ ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها) (٢) .

____________________

(١) قوله: (سنة أربع وأربعين ومئة) غير موجودة في نسخة طهران، وإنّما هو من نسخة السيد علي نقي.

(٢) ورواه أيضاً ابن المغازلي في الحديث: (٤٠١) من مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) ص٣٥١ قال:

أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان إذناً، أخبرني ابن أبي العلاء المكّي، حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمان المخزومي بمكّة في دار الندوة، حدّثنا حسين بن زيد العلوي، حدثنا [علي بن عمر بن علي، عن] جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه:

عن عليّ: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) [وسلّم] قال:(يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ) .

أقول: وللحديث مصادر كثيرة، وقد ذكره أيضاً الحاكم في باب مناقب فاطمة من المستدرك: ١٥٣.

وأخرجه أيضاً الذهبي في ترجمة تحت الرقم: (٢٠٠٢) من ميزان الاعتدال: ج١، ص٨٣٥، وقال: أخرجه ابن عديّ.

=

٤٦

____________________

=

ورواه أيضاً ابن الأثير في ترجمة فاطمة (سلام الله عليها) من أُسد الغابة: ج٥ ص٥٢٢.

ونقله أيضاً ابن حجر في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتاب الإصابة: ج٤ ص٣٧٨ وفي تهذيب التهذيب: ج١٢، ص٤٤١.

وأخرجه أيضاً المحبّ الطبري في ذخائر العقبى ص٣٩ وقال: خرّجه أبو سعد في كتاب شرف النبوّة، والإمام علي بن موسى الرضا في مسنده، وابن المثنّى في معجمه.

ورواه أيضاً ابن الغطريف في جزءٍ من حديثه معروف عند المحدّثين.

ورواه عنه في الباب: () من كفاية الطالب ص٣٦٤.

ورواه أيضاً الخوارزمي في ذيل الحديث: (٣) من مقتل الإمام الحسين (عليه السلام): ج١، ص٥٢.

ورواه أيضاً الهيثمي في باب مناقب فاطمة (سلام الله عليها) من مجمع الزوائد: ج٩ ص٢٠٣ وقال:

رواه الطبراني وإسناده حسن.

ورواه أيضاً أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) من كتاب معرفة الصحابة، / الورق ٢٣ / ب/.

وقد رواه في كتاب فضائل الخمسة: ج٣ ص١٥٥، وما حولها عن مصادر.

٤٧

فضيلة

[أو خصّيصة] لما [سواها] مابنة، ومنقبة لجميع المآثر بائنة(١)

٣٧٩ - أخبرني الشيخ الصالح ناصر الدين عمر بن عبد المنعم بن عمر القواس الدمشقي سماعاً عليه بها بالخانقاه السمساطي قال: أنبأنا القاضي جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني، قراءةً عليه وأنا أسمع في ذي القعدة سنة تسع وستّمئة، بمقصورة الخضر (عليه السلام) بجامع دمشق - قال: أنبأنا الإمام جمال الدين أبو الحسن(٢) عليّ بن المسلم بن محمد بن الفتح السلمي قراءةً عليه وأنا أسمع - في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمئة - قال: أنبأنا الخطيب أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن طلاب قراءةً عليه بدمشق، قال: أنبأنا الحسين [بن] محمد بن أحمد بن محمد بن جميع الغسّاني الحافظ قراءةً عليه بصيدا - في شهور سنة أربع وسبعين وثلاثمئة - قال: حدثنا غانم بن حميد بن يونس بن عبد الله أبو بكر الشعيري ببغداد، حدثنا أبو عمارة أحمد بن محمد، حدثنا الحسن بن عمر بن يوسف السدوسي(٣) حدّثنا القاسم بن مطيب، حدثنا منصور بن صدقة، عن أبي معبد، عن ابن عبّاس، قال:

قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم):(ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث وإنّما سمّاها (٤) فاطمة؛ لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها ومحبّيها من النار) (٥) .

____________________

(١) كذا في الأصل - عدا ما بين المعقوفين - ولكن أغلب الحروف في قوله: (مابنة - و - بائنة) كان غير منقوط، والكلمة الثانية أيضاً لم تكن مهموزة.

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي مخطوطة طهران: (أبو الحسين).

(٣) كذا في مخطوطة طهران، وفي نسخة السيّد علي نقي: (عمر بن سيف).

(٤) كذا.

(٥) كذا في نسخة طهران، وفي مخطوطة السيد علي نقي: (عن النار).

وانظر الحديث: (٣٨٤) الآتي في الباب: (١٢) ص٥٧.

٤٨

[إكرام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومرورها على أهل الموقف وعبورها عن الصراط بعظمة وجلالة].

٣٨٠ - أخبرني ابن عمّي الشيخ نظام الدين محمد بن الأمير الإمام قطب الدين عليّ بن صدر المشايخ معين الدين مؤيّد الحمويني (رحمه الله) والإمام كمال الدين أبو المكارم محمد بن عمر بن المظفّر المروزي، وأُستاذي الإمام المفتي عماد الدين محمد ابن أحمد الخطيب الجاجرمي إجازةً، والشيخ نجم الدين عثمان بن الموفّق بقراءتي عليه بإسفرايين بروايتهم عن والدي شيخ الإسلام سلطان الأولياء(١) سعد الحق والدين محمد بن المؤيّد الحمويني إجازةً.

وأخبرني أقضى القضاة(٢) فخر الدين عبد العزيز بن عبد الرحمان بن السكري(٣) إذناً بروايتهما عن شيخ الإسلام أبي الجناب أحمد بن عمر بن محمد الصوفي إجازةً، قال: أنبأنا محمد بن عمر بن عليّ الطوسي بقراءتي عليه بنيسابور، أنبأنا أبو العبّاس أحمد بن أبي الفضل السقائي، قال: أنبأنا سعد بن محمد بن طلحة الجنابذي، أنبأنا أبو القاسم السرّاج إملاءً، حدثنا أبو القاسم علي بن المؤيّد، حدثنا محمد بن يونس القرشي، أنبأنا حسين بن الحسن الأشقر، حدثنا قيس بن ربيع، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيّوب الأنصاري، قال:

قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم):(إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكّسوا رؤوسكم وغضّوا أبصاركم؛ حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلوات الله عليهما)على الصراط ،فتمرّ ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللاّمع) .

____________________

(١) كلمتا: (سلطان الأولياء) مأخوذتان من نسخة السيّد علي نقي.

(٢) كذا في مخطوطة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (قاضي القضاة).

(٣) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (الشكري).

وقريباً ممّا هاهنا رواه أيضاً ابن الأعرابي في الجزء: (٥) من معجم الشيوخ، الورق ٩٨ / ب / أو ١٠٦ / قال:

=

٤٩

منقبة رابعة وفضيلة للزهراء رائعة [في سؤال أُمّ المؤمنين عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تقبيله ابنته فاطمة (صلوات الله عليها) وجواب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها].

٣٨١ - أخبرنا الشيخ الصالح نجل المشايخ صدر الدين إبراهيم ابن الشيخ عماد الدين محمد ابن شيخ الإسلام عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي بقراءتي عليه ببغداد - في قبّة جدّه عند ضريحه المبارك(١) - والمشايخ: قاضي بيت المقدس الشريف جلال الدين عبد المنعم بن أبي بكر ابن أحمد بن عبد الرحمان الأنصاري الشافعي، والشيخ محبّ الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري المكّي - شافهني بالإجازة في مكّة المقدّسة زيدت شرفاً - والشيخ أحمد بن محمد بن عثمان ابن مكّي الواعظ المصري - اجتمعت به في مدينة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فأجاز لي رواية ما جازت له روايته - إجازة بروايتهم عن الشيخ أبي الحسن عليّ بن أبي عبد الله ابن أبي الحسن ابن المعترّ البغدادي إجازةً، قال(٢) : أنبأنا أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي إذناً، قال: أنبأنا الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي - إجازةً إن لم يكن

____________________

=

أنبأنا إبراهيم [بن عبد الله العبسي] أنبأنا العبّاس بن بكار الضبّي، أنبأنا [أبو] خالد الواسطي عن بيان، عن أبي جحيفة، عن عليّ، قال:

(سمعت النبي (صلّى الله عليه) يقول: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجب: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه) حتى تمرّ) .

ورواه أيضاً أبو نعيم بسندٍ آخر في كتاب معرفة الصحابة.

ورواه أيضاً أحمد في الحديث: (٢٣) من باب فضائل فاطمة من كتاب الفضائل.

ورواه ابن المغازلي بسندين في الحديث: (٤٠٤ - ٤٠٥) من مناقبه ص٣٥٥، وفي هامشه عن مصادر.

ورواه السيوطي بطرق جمّة في باب مناقب فاطمة (سلام الله عليها) من اللآلئ المصنوعة: ج١، ص٢٠٩.

(١) قوله: (عند ضريحه المبارك) غير موجود في نسخة طهران، وإنّما هو من نسخة السيد علي نقي.

(٢) كلمة: (المعتر) لم تكن هاهنا جليّة، ولكن كانت في الحديث: (٣٧٤) في الباب: (٩) من هذا السمط جليّة. وكلمتا: (إجازة قال) مأخوذتان من نسخة السيد علي نقي.

٥٠

سماعاً - قال: حدّثني الشيخ العارف أبو بكر ابن إسحاق بن إبراهيم الكلابادي (رحمه الله)، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا صالح بن منصور بن نصر، قال: حدثنا عبد الله بن بشر المديني، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهاشمي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة (رضي الله عنها) قالت:

قلت: يا رسول الله مالك إذا قبّلت فاطمة أدخلت لسانك في فيها كأنّك تلعقها في العسل؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم):

(يا عائشة ليلة أُسري بي إلى السماء فأدخلني جبرئيل (عليه السلام) الجنّة ناولني تفاحةً فأخذتها فأكلتها فصارت نطفةً ونوراً في صلبي، فنزلت فواقعت خديجة ففاطمة منه، فكُلّما اشتقتُ [إلى] الجنّة قبّلتها، يا عائشة [فاطمة] حوراء إنسيّة) (١) .

[بقاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جائعاً أياماً ثمّ طوافه في بيوت أزواجه، ثمّ في بيت ابنته فاطمة، وعدم ظفره بالطعام، ثمّ بعث بعض جارات فاطمة إليها بلحمٍ وخبزٍ، ثمّ بعثها إلى أبيها وحضوره عندها، ثمّ نماء الطعام وبركته حتى أكل منه أهل البيت (عليهم السلام) وأزواج النبيّ، ثمّ توزيعه على جيرانها وبقاء الطعام بحاله كأنّه لم يُمسّ].

٣٨٢ - أخبرني شيخنا الإمام نجم الدين عثمان بن الموفّق الأذكاني كتابةً، وشرف الدين أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر قراءةً عليه، قال: أنبأنا المؤيّد بن محمد بن عليّ إجازةً، أنبأنا أبو العبّاس محمد بن العبّاس سماعاً عليه، أنبأنا أبو سعيد محمد ابن سعيد الفرخزادي، قال: أنبأنا الأُستاذ الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد(٢)

____________________

(١) من قوله: (فكلّما اشتقت...) وما بعده غير موجودة في نسخة السيد علي نقي.

(٢) وهو الثعلبي، والحديث رواه بإسناده عن جابر في الباب: () من قصّة مريم من كتاب قصص الأنبياء ص٥١٣.

ورواه أيضاً في تفسير الآية: (٣٧) من سورة آل عمران: ٣ من تفسيره:ج١، ص...

٥١

قال: أنبأنا عبد الله بن حامد الوزّان(١) أنبأنا أبو محمد بن عبد الله المزني، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا مسهل بن زنجويه الرازي، أنبأنا عبد الله بن صالح، حدّثني ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله [قال]:

إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أقام أياماً لم يطعم شيئاً حتى شقّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدةٍ منهنّ شيئاً!! فأتى فاطمة (عليها السلام) فقال:(يا بنيّة هل عندك شيء آكله فإنّي جائع؟! فقالت:لا والله. فلمّا خرج من عندها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعثت إليها جارة لها برغيفين وبضعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطّت [رأسها] وقالت:والله لأوثرنّ بها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على نفسي - وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام - بعثت حسناً - أو حسيناً - إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فرجع [النبيّ] إليها، فقالت:بأبي أنت وأُمّي قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك . قال:هلمّ. فأتته [به] فكشفت عن الجنفة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليه بهتت وعرفت أنّها بركة من الله(٢) عزّ وجلّ؛ فحمدت الله تعالى وصلَّت على نبيّه فقال (صلّى الله عليه وسلّم):من أين لك يا بنيّة؟ فقالت:هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب . فقال:الحمد لله الذي جعلكِ شبيهة بسيّدة نساء بني إسرائيل، فإنّها كانت إذا رزقها الله شيئاً فسُئلت عنه قالت: ( هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [٣٧ /آل عمران: ٣] فبعث النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى عليّ (عليه السلام)، ثمّ أكل رسول الله وفاطمة وعلي والحسن والحسين، وجميع أزواج النبيّ وأهل بيته جميعاً - عليه وعليهم السلام - حتى شبعوا. قالت فاطمة:وبقيت الجفنة كما هي (٣) وأوسعت منها على جيرتي وجعل الله عزّ وجلّ منها بركةً وخيراً) .

____________________

(١) كذا في نسخة طهران وفي نسخة السيد علي نقي: (الورّاق).

وهذا رواه أيضاً الخوارزمي في الحديث: (٢٢) من الفصل: (٥) من مقتله: ج١، ص٥٨ قال:

أخبرنا القاضي أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن الباقرجي، أخبرنا أبو الفضل العبّاس بن أبي العبّاس الشفائي قراءةً عليه، أخبرنا الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد...

ثمّ قال بعد ختام الرواية: وسمعت هذا الحديث عن الشيخ الإمام عبد الحميد البرايقني مختصراً بروايته عن جابر بن عبد الله أيضاً.

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي نسخة طهران؛ (فنظرت إليه...) ولا توجد فيها لفظة: (فلم).

(٣) كلمتا: (كما هي) غير موجودتان في نسخة طهران، وإنّما هما من نسخة السيد علي نقي.

٥٢

الباب الحادي عشر

فضيلة

تنقاد بذكرها كلُّ شامسة، وتشرق من نورها ليالي الأزمان الدامسة [في أنّ عليّاً وأهل بيته (عليهم السلام) آثروا المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم: فدفعوا إليهم كل ما كان عندهم من الطعام مع حاجتهم إليه وجوعهم؛ فأنزل الله في شأنهم سورة هل أتى].

٣٨٣ - أخبرني أُستاذي الإمام حميد الدين محمد بن محمد ابن أبي بكر الفرعموي(١) (رحمه الله) إجازةً، قال: أنبأنا الإمام سراج الدين محمد بن أبي الفتوح بن محمد اليعقوبي إجازةً(٢) قال: أنبأنا والدي الإمام فخر الدين أبو الفتح (رحمه الله)، قال: أنبأنا الشيخ مجد الدين أبو نصر الفضل بن الحسن بن علي بن حيويه(٣) الطوسي (رحمه الله)، قال: أنبأنا الشيخ الإمام الأجلّ السيد أبو بكر ابن عبد الرحمان بن إسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني.

[قال:] وأنبأنا الشيخ الإمام المقرئ أبو جعفر محمد بن عبد الحميد الأبيوردي، قال: أنبأنا الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني (نوّر الله قبره)، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة (رحمهم

____________________

(١) كذا هاهن، وفي الباب (١٩) في الحديث: (٤٩): (محمد بن محمد بن أبي بكر ابن أبي يزيد الفرعتري الجويني))؟.

ورواه البحراني في الحديث: (٣) من الباب: (٧١) من المقصد (٢) من غاية المرام ص٣٧٠ عن فرائد السمطين الجزء الثاني، وفيه: (الفرعيوني).

(٢) كذا في نسخة طهران الموافق لما يأتي في الحديث: (٤٩) في الباب: (١٩) وفي نسخة السيد علي نقي: (سراج الدين محمد، عن أبي الفتوح).

(٣) كذا في مخطوطة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (حسونة).

٥٣

الله)، وأبو سعد(٤) محمد بن عبد الله بن حمدان، قال: أنبأنا أبو حامد [أحمد ابن] محمد بن الحسين الحافظ(٥) أنبأنا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، أنبأنا أحمد بن حمّاد المروزي، أنبأنا محبوب بن حميد البصري، وسأله روح بن عبادة عن هذا الحديث.

وأنبأنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حيدر الواعظ المفسّر - واللفظ له - أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عليّ بن عبد الله الفتلي بـ (نساء) حدّثنا أبي [حدثن] عبد الله ابن عبد الوهاب(٦) أنبأنا أحم بن حماد المروزي، أنبأنا محبوب بن حميد البصري وسأله روح عن هذا الحديث، قال: حدثنا القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد:

عن ابن عبّاس في قوله عزّ وجلّ:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) [٦ / الدهر] قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وعادهما عمومة العرب(٧) فقالوا: يا [أ] با الحسن لو نذرت على ولديك نذراً. فقال عليّ:(إن برءا صمت لله ثلاثة أيام شكراً) وقالت فاطمة كذلك، وقالت جارية لهم نوبيّة يُقال لها فضّة كذلك.

____________________

(٤) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (أبو سعيد).

(٥) كذا في مخطوطة طهران، عدا ما بين المعقوفين فإنّه مأخوذ من رواية الحافظ الحسكاني والثعلبي الآتيتان، وفي نسخة السيد علي نقي: (محمد بن الحسن الحافظ).

(٦) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

وللحديث مصادر كثيرة وأسانيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وابن عبّاس.

وقد رواه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي بطريقين، عن ابن عبّاس، قال:

أخبرني الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني العدل، أخبرني أبو حامد أحمد بن محمد ابن الحسين الشرقي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الخوارزمي ابن عمّ الأحنف بن قيس، حدثني أحمد بن حماد المروزي، حدّثني محمود بن حميد البصري، وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة، حدّثني القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عبّاس.

وأخبرنا أيضاً عبد الله بن حامد أخبرني أحمد بن عبد الله المزني، حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد ابن سهيل بن عليّ بن مهران الباهلي بالبصرة، حدثني أبو مسعود عبد الرحمان بن فهر بن هلال، حدثني القاسم بن يحيى، عن أبي علي المقرئ، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس...

ورواه عنه في الفصل: (١٧) من مناقب الخوارزمي ص١٨٨، ط الغري.

ورواه عنه وعن فرائد السمطين الجزء الثاني في الباب: (٧١) من غاية المرام ص٣٦٨.

ورواه الحافظ الحكساني في الحديث: (١٠٤٢) من شواهد التنزيل: ج٢ ص٢٩٩ بطرق كثيرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عبّاس.

(٧) كذا في الأصل، ومثله في الحديث: (١٠٤٧) من شواهد التنزيل: ج٢ ص٣٠٣.

وفي الفصل: (١٧) من مناقب الخوارزمي ص١٨٨: (وعادهما عامَّة العرب...).

٥٤

فعافهما الله وليس عند آل محمد قليل ولا كثير!! فانطلق عليٌّ إلى شمعون بن حانا الخيبري(١) - وكان يهودياً - فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فوضعه في ناحية البيت فقامت فاطمة إلى صاع منها فطحنته فاختبزته، وصلّى عليّ مع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، مسكين من أولاد المساكين، أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنّة. فسمعه عليّ فأنشأ يقول:

فاطم ذات الخير واليقين(٢) = يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين = قد قام بالباب له حنين(٣)

يشكو إلى الله ويستكين = يشكو إلينا جائع حزين

كل امرئٍ بكسبه رهين

فأجابته فاطمة سلام الله عليها:

أمرك سمع يا ابن عمّ وطاعة = مالي من لؤمٍ ولا وضاعة(٤)

أطعمه ولا أبالي الساعة = أرجو لئن أشبع من مجاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة = وأدخل الجنّة ولي شفاعة

قال: فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء.

فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع فطحنته وخبزته، وصلّى عليّ مع النبيّ (عليهما السلام) ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة. فسمعه عليّ فأنشأ يقول:

____________________

(١) كذا في شواهد التنزيل ومناقب الخوارزمي، ولعلّه الصواب، وفي الأصل: (انطلق [عليّ] إلى شمعون ابن حار الخيبري...).

(٢) لعلّ هذا هو الصواب، وفي الأصل: (فاطمة...) وفي مناقب الخوارزمي: (فاطمة ذات المجد واليقين).

وفي شواهد التنزيل: (فاطم ذات الرشد واليقين).

(٣) كذا في نسخة طهران ومثلها في مناقب الخوارزمي، وهذا المصرع غير موجود في نسخة السيّد علي نقي.

وفي شواهد التنزيل:

أما ترين البائس المسكين = جاء إلينا جائع حزين

قد قام بالباب له حنين = يشكو إلى الله ويستكين

كل امرئٍ بكسبه رهين

(٤) كذا في الأصل، وفي شواهد التنزيل: (ما بي لؤم لا ولا ضراعة) وفي مناقب الخوارزمي: (ما بي من لؤم ولا ضراعة).

٥٥

فاطم بنت السيّد الكريم = بنت نبيّ ليس بالذميم

قد جاءنا الله بذا اليتيم = مَن يرحم اليوم فهو رحيم

قد حرَّم الخلد على اللئيم = ينزل في النار إلى الجحيم

قال: فأعطوه الطعام، ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلاّ الماء.

فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته وأخبزته، وصلّى عليّ مع النبيّ (عليهما السلام)، ثمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم أسير فوقف [على] الباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة(١) تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا؟ أطعموني أطعمكم الله فأنشأ عليّ يقول:

فاطم يا بنت النبيّ أحمد(٢) = بنت نبيّ سيّد مسوّد

هذا أسير للنبيّ المهتد = مثقّل في غلّه مقيّد

يشكو إلينا الجوع قد تمدّد = مَن يطعم اليوم يجده في غد

عند العليّ الواحد الموحّد = ما يزرع الزارع سوف يحصد

فقالت فاطمة:

لم يبق ممّا جئت غير صاع = قد دميت كفي مع الذراع

ابناي والله هما جياع = يا ربّ لا تتركهما ضياع

أبوهما في المكرمات ساع = يصطنع المعروف بالإسراع

عبل الذراعين شديد الباع

قال: فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء.

فلمّا كان اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم؛ أخذ عليّ الحسن بيمناه والحسين بشماله وأقبل نحو رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهم [ير] تعشون كالفراخ من شدّة الجوع!! فلمّا بصره النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، قال:(يا أبا الحسن ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق [بنا] إلى فاطمة . فانطلقوا [إليها] وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها. فلمّا رآها النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال:وا غوثاه، بالله أهل بيت محمد يموتون جوعاً ؛ فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، خذها هنّأك الله في أهل بيتك، فقرأ عليه( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ - إلى قوله: -إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) إلى آخر السورة(٣) .

____________________

(١) كذا في الأصل، وفي رواية الخوارزمي: (فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا آل بيت محمد...).

وفي تذكرة الخواص: (فجاء أسير فوقف على الباب، وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أسير =

٥٦

الباب الثاني عشر

فضيلة

تُقصي المحبين من النار وتفضي بهم إلى دار القرار [في أنّ الله تعالى فطم فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحبّيها من النار].

٣٨٤ - أخبرني الشيخ المسند بقيَّة ذوي الأسانيد العالية بالشام: أبو الفضل [أحمد] بن هبة الله بن أحمد بن عساكر الشافعي بسماعي عليه بدمشق، والمشايخ الأخوان مجد الدين أبو الفضل ومحي الدين أبو الخير ابنا الشهاب ابن أبي الثناء الحنفيان، وأمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن عساكر، وتاج الدين

____________________

= محتاج تأسرونا فلا تطعمونا؟ أطعمونا من فضل ما رزقكم الله).

(٢) كذا في نسخة السيّد علي نقي، وفي نسخة طهران: (فاطمة بنت النبيّ أحمد).

(٣) وقريباً منه رواه أيضاً ابن مردويه من غير ذكر الأبيات، كما رواه عنه الخوارزمي في الفصل: (١٧) من مناقبه ص١٩٢، ط الغري، قال:

أخبرني الشيخ الإمام الحافظ سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي، فيما كتب إليّ من همدان، أخبرني الشيخ الإمام عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني إجازةً، أخبرني الشيخ الشريف أبو طالب الفضل بن محمد بن طاهر الجعفري في داره بإصبهان في سكَّة الخوز؛ أخبرني الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ابن فورك الإصبهاني، حدثني محمد بن أحمد بن سالم، حدثني إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري، حدثني محمد بن النعان بن شبل، حدثني يحيى بن أبي روق الهمداني، عن أبيه، عن الضحاك، عن ابن عباس...

أقول: ورواه أيضاً عن ابن عباس يمثل ما هاهنا نظماً ونثراً - الشيخ الأكبر في كتاب المسايرات.

كما رواه عنه الشبلنجي في كتاب نور الأبصار، ص١٠٢.

٣٨٤ - ورواه أيضاً ابن المغازلي في الحديث: (٩٢) من مناقبه ص٦٥، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن غسّان البصري إجازة، أنّ أبا عليّ الحسين بن عليّ بن أحمد بن محمد ابن أبي زيد حدَّثهم، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عامر، حدثا عليّ بن موسى الرضا...

ورواه أيضاً الخوارزمي في الفصل: (٥) من مقتله: ج١، ص٥١، عن أبي الحسن عليّ بن أحمد العاصمي، عن إسماعيل بن أحمد البيهقي، عن أبيه أحمد بن الحسين الحافظ [قال]: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب بن المعزّ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي...

٥٧

عليّ بن أنجب بن عبيد الله الخازن رحمهم الله إجازة بروايتهم عن الشيخ أبي روح عبد المعزّ بن محمد بن أبي الفضل الهروي، والشيخة أُمّ المؤيّد زينب بنت أبي القاسم الشعري الجرجاني.

وأخبرني المشايخ إمام الدين يحيى بن الحسين بن عبد الكريم، وبدر الدين محمد بن عبد الرزاق بن أبي بكر، ونجم الدين عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد الغفّار، والشيخ علاء الدين محمد بن أبي بكر ابن محمد الطاووسي وأحمد بن محمد ابن محمد بن مذكويه (رحمهم الله) إجازة بروياتهم عن الإمام عزّ الدين عبد الرحمان ابن المعالي الواريني، والشيخ سراج الدين أبي بكر عبد الله بن إبراهيم السجادي(١) القزويني إجازة بروايتهم، عن الإمام أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي إجازة [قال]:(٢) أنبأنا أبو عليّ الحسن بن أحمد السكاكي قال: أنبأنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب - حافد العباس بن حمزة سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة -(٣) قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد حافد العباس بن حمزة، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة، حدّثني أبي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، حدّثني أبي موسى بن جعفر، حدّثني أبي جعفر بن محمد، حدثي أبي محمد بن عليّ، حدّثني أبي علي بن الحسين، حدّثني أبي الحسين بن عليّ، حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال:

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إنّما سُمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم مَن أحبَّها من النار) (٤) .

____________________

(١) كذا في نسخة طهران هاهن، وفي أوّل الباب: (٣٩) من هذا السمط منه: (الشحاذي).

وفي نسخة السيّد علي نقي هاهن، وفي أول الباب: (٣٩) مع: (السحاوي).

(٢) وهاهنا كرّر في نسخة السيد علي نقي قوله: (بروايتهم عن الإمام أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي إجازة).

(٣) ومن قوله: (حافد العباس - إلى قوله: - ثلاثمئة) غير موجود في نسخة طهران، وإنما هو من نسخة السيد علي نقي.

(٤) وقريب منه رواه في ذخائر العقبى ص٢٠٦، وقال: أخرجه الحافظ الدمشقي، ثمّ قال: وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا [(عليه السلام)] في مسنده.

٥٨

الباب الثالث عشر

[في تبشير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ابنته فاطمة (صلوات الله عليها) لمّا أراد أن يوجّهها إلى زوجها عليّ (عليه السلام) فأخذتها رعدة؛ فسلاّها وبشّرها بأنّ الله تعالى هو أمره بتزويجها من عليّ، وأمر الملأ الأعلى بالتزيين والتفريح].

٣٨٥ - أخبرني المشايخ الأخوان: سراج الدين عبد الله، وعلم الدين أحمد: ابنا عبد الرحمان المالكيّان الشرمساحيّان(١) والشيخ عليّ بن محمد بن(٢) أحمد بن حمزة الثعلبي الدمشقي، والشيختان فاطمة بنت عيسى بن الإمام موفّق الدين عبد الله بن قدامة، وشاميّة بنت الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن البكري إجازةً، والشيخ عمر بن عبد المنعم بن عمر بسماعي عليه بمدينة دمشق - في شهور سنة خمس وتسعين وستّمئة - بروايتهم عن القاضي عبد الصمد بن محمد الأنصاري إجازة - سوى عمر بن عبد المنعم فإنّه سمعه يقرأ عليه - قال: أنبأنا عليّ بن مسلم(٣) بن محمد السلمي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنبأنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن الحسين قراءة عليه، قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن جميع(٤) - قراءةً علينا بصيدا

____________________

=

أقول: ورواه أيضاً السيوطي في باب مناقب أهل البيت (عليهم السلام) من اللآلي المصنوعة: ج١، ص٢٠٨ ط بولاق.

ورواه أيضاً المتّقي الهندي عن الديلمي، عن أبي هريرة قفي كنز العمّال: ج٦ ص٢١٩ ط١.

ورواه أيضاً في كتاب فضائل الخمسة: ج٣ ص١٢٦، ط بيروت.

وأيضاً قد تقدّم قريب منه في الحديث: (٣٧٩) في الباب: (١٠) من هذا السمط في ص٤٧.

(١) كذا في مخطوطة طهران، ولعلَّ الصواب: (السرماحيان) كما تقدّم في الباب: (٢٠) تحت الرقم (٧٧) من ج١، ص١٠٩، ط٢.

(٢) كلمتا: (محمد بن) غير موجودتان في نسخة طهران، وإنّما هما مأخوذتان من نسخة السيد عليه نقي.

(٣) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي مخطوطة طهران: (عليه بن مسكن)؟

(٤) كذا في مخطوطة السيّد علي نقي، وفي نسخة طهران: (أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن جميع...).

٥٩

في شهور سنة أربع وتسعين وثلاثمئة - قال: أنبأنا أحمد بن سعيد بن عتيب(١) أبو سعيد الفارسي بصور، حدّثنا محمد بن عليّ بن راشد، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله [بن مسعود] قال:

لمّا أراد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أن يوجّه بفاطمة إلى عليّ (عليه السلام) أخذتها رعدة، فقال [لها النبيّ]:يا بنيّة لا تجزعنّ (٢) إنّي لم أزوّجك من عليّ [إنّ الله أمرني أن أُزوّجك منه] (٣) إنّ الله عزّ وجلّ [لمّا] أمرني أن أزوّجك من عليٍّ أمر الملائكة أن يصطفوا صفوفاً في الجنّة [ثمّ] أمر شجر الجنان أن تحمل الحلي والحلل، ثمّ أمر جبرئيل (عليه السلام) فنصب في الجنّة منبراً ثمّ صعد [عليه] جبرئيل فاختطب، فلمّا أن فرغ نثر عليهم من ذلك، فمَن أخذ أحسن أو أكثر من صاحبه افتخر به إلى يوم القيامة، يكفيك يا بنيّة.

____________________

(١) كذا في مخطوطة طهران، وفي نسخة السيد عليّ نقي: (أحمد بن سعد بن عتيب...).

(٢) كذا في الأصل، ورواه ابن عساكر تحت الرقم: (٣٠٠) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج١، ص٢٣٥ ط١، وفي ط٢ ص٢٥٦، قال:

أخبرنا أبو الحسن الفرضي وأبو القاسم ابن السمرقندي، قال: أنبأنا أبو نصر ابن طلاب، أنبأنا أبو الحسين ابن جميع، أنبأنا أبو سعيد أحمد بن سعيد بن عنبة الفارسي بصور، أنبأنا محمد بن عليّ بن راشد، أنبأنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال:

لما أراد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أن يوجّه بفاطمة إلى عليّ أخذتها رعدة فقال: يا بنيّة لا تجزعي إنّي لم أزوّجك من عليّ، إنّ الله أمرني أن أزوّجك منه، إنّ الله لمّا أمرني...

ثمّ روى قريباً منه بسندين آخرين تحت الرقم: (٣٠١) من الترجمة: ج١، ص٢٣٦ ط١.

وقد رواه قبله الخطيب في ترجمة أحمد بن أبي الأخيل السلفي تحت الرقم: (١٨٠٥) من تاريخ بغداد: ج٤ ص١٢٨.

ورواه قبله أبو نعيم في ترجمة سليمان الأعمش تحت الرقم: (٢٨٨) من حلية الأولياء: ج٥ ص٥٩.

ورواه عنه الخوارزمي في الفصل: (٢٠) من مناقبه ص٢٤٣ ط الغري.

وفي الفصل: الخامس من مقتل الحسين (عليه السلام) ص٦٤ ط١.

ورواه أيضاً عن أبي نعيم السيوطي في كتاب اللآلي المصنوعة: ج١، ص٢٠٧ ط بالاق.

ورواه أيضاً عمر بن الخضر الشهير بملاّ في كتاب وسيلة المتعبّدين: ج٢ الورق /... / ورواه عنه في الحديث: (٦٠) ممّا ورد في شأنه (عليه السلام) من سمط النجوم: ج٢ ص٤٨٨.

ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد: ج٩ ص٢٠٨.

ورواه قبلهم جميعاً عبد الرزّاق الصنعاني في الحديث: (٩٧٨٧) من المصنّف: ج٥ ص٤٨٦.

(٣) ما بين المعقوفين هاهنا وما بعده - عدا كلمة: (عليه) - مأخوذ من تاريخ دمشق.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

حكم العُصاة كان لهم شأن في النزاع القائم بين علماء المسلمين في العصرين الأموي والعبّاسي، وأنّهم وصفوا بالأرجاء لأنّهم خالفوا الفريقين المعتزلة والخوارج، وجميع المسلمين إذا صحّ إنّهم يدعون أنّ الإيمان لا تضرّ معه المعاصي، كما لا تنفع مع الكفر الطاعات، وأصبحوا في مقابل غيرهم من المسلمين على اختلاف نزعاتهم وعقائدهم.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الإرجاء بأي معنى أريد منه قد ظهر في القرن الأوّل الهجري، أمّا تحديد الزمان الذي ظهَر فيه فقد اختلفت آراء الكتّاب فيه، فذهب بعضهم إلى أنّه ظهر في عصر الصحابة حينما اختلف المسلمون في عهد عثمان بن عفّان؛ واحتجّوا لذلك بما رواه أبو بكرة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (ستكون بعدي فتنة، القاعد فيها خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي إليها، ألا فإذا نزلتْ فمَن كان له إبل فليلحق بإبِله، ومَن كان له غنَم فليلحق بغنمه، ومَن كانت له أرض فليلحق بأرضه).

فقال له رجلٌ: يا رسول الله، من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: (يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحجَر، ثمّ لينجُ إنْ استطاع النجاة) ، وعملاً بهذا الحديث وقَف جماعة من المسلمين موقفاً حياديّاً من النزاع الذي نشب بين عثمان وخصومه، وبين عليّ (عليه السلام) والخارجين عليه، ولم يحكموا على الجميع بخيرٍ أو شر، فكان هذا الموقف منهم البذرة الأُولى لفكرة الإرجاء (١)، ولمّا اشتدّ النزاع بين الخوارج والمعتزلة في حكْم مرتكب الكبيرة وحكْم الحكّام الأمويّين، وقف جماعة في مقابل الفريقين، وقالوا: إنّ الجميع مؤمنون، وأمرهم في الآخرة يعود إلى الله، إنْ شاء عذبهم وإنْ شاء عفا عنهم.

والإنصاف أنّ موقف الذين اعتزلوا النزاع القائم بين عثمان وجمهور المسلمين، والنزاع الذي أحدَثه الخارجون على خلافة عليّ (عليه السلام) لا ينطبق على الإرجاء بكِلا معنيَيه؛ لأنّ المسلمين كلّهم قد اتفقوا على أنّ عثمان قد أخطأ في سياسته، وتخطّى الحدود التي وضعها الإسلام للحاكم، ولم يتوقّفوا في الحكم عليه بالخطأ والانحراف والخروج عن الخطّ الذي وضعه الإسلام للحاكمين ولسائر الناس ولم يقفوا من هذا النزاع موقفاً حيادياً، بل تركوا الأمر إلى الثوار، كما وأنّ الذين اعتزلوا عليّاً في مواقفه مع أخصامه

____________________

(١) انظر فجر الإسلام ص ٢٨٠ والمذاهب الإسلامية ص ٢٠٠.

١٠١

في البصرة وصِفّين والنهروان لم يشتبه عليهم الحال، ولا سيّما وأنّ عليّاً (عليه السلام) هو القائم على أُمور المسلمين، ولكنّ موقفهم منه كان لمرض في نفوسهم، ولأنّهم يعلمون جيّداً أنّ عليّاً سيساوي بينهم وبين سائر الناس ولا يفضّل أولاد إسماعيل على أولاد إسحاق، ولا يُحابي أحداً في دين الله ويؤيّد ذلك ما أورده جماعة من المؤرّخين من أقوال المتخلّفين وآرائهم في معاوية وعثمان.

وكان طلحة والزبير وعائشة من أشدّ الناس على عثمان وأكثرهم تحريضاً عليه، وجاء عن السيّدة عائشة أنّها كانت تقول: أيّها الناس هذا جلباب رسول الله لم يبْلَ، وقد أبلى عثمان سنّته، ولما استنصرها مروان لتدفع عنه الثائرين أجابت: لعلّك ترى أنّي في شكٍّ من صاحبك، أما والله لوددت أنّه مقطّع في غريزة من غرائزي وأنّي أطيق حمله فأطرحه في البحر (١).

وكانت تعبّر عن رأي أكثر المسلمين في موقفها من عثمان، والأحداث التي أدّت إلى قتله؛ لأنّ النقمة عليه كانت عامّة حتى من الذين ناصروه على الوصول إلى الحكم كعبد الرحمان بن عوف وأمثاله، ولا سيّما بعد أنْ فسَح المجال لبني أُميّة وولاّهم جميع المراكز الحسّاسة في الدولة.

ولو فرضنا أنّ الفئة التي اعتزلت القتال الذي نشب بين عليّ من جهة، وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية من جهة ثانية، لو افترضنا أنّ الرشد لم يتّضح لها في أيّ الجانبين، وأنّ تلك الفئة قد اعتزلت القتال لهذه الغاية، لا حسَداً ولا كرهاً لعليّ (عليه السلام) ولا تهرّباً من عدله، فهو لا يتّفق مع الإرجاء بجميع معانيه، سَواء فسّرناه بعدم الحكم على العُصاة باستحقاق العقاب وتركهم إلى الله يصنع بهم ما يشاء، أم فسّرناه بإعطاء الرجاء الذي يتّفق مع قولهم لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة؛ لأنّ المتخلّفين لم يتّضح لهم عصيان أحد الفريقين على حدّ زعمهم.

ومهما كان الحال فما لا شكّ فيه أنّ المرجئة قد ظهروا في أواسط العصر الأموي، وأبدوا نشاطاً في إشاعة هذه الفكرة في الأوساط الإسلامية، وناصرهم الحكّام الأمويّون على إشاعتها وانتشارها؛ لأنّها تثبت إيمانهم وهم في أمسّ الحاجة إلى هذه الصفة، ولا سيّما في تلك الظروف التي كان الخوارج ينادون بكفر الأمويّين وجميع الصحابة، والمعتزلة يرَون أنّ الإسلام

____________________

(١) انظر تاريخ اليعقوبي ص ١٥٢ طبع النجف.

١٠٢

عقيدةٌ وعمل بالفرائض وبكلّ ما جاء به الإسلام، فمن لم يعمل يستحق الخلود في جهنّم، ولو كان معتقداً بكلّ أركان الإسلام.

فالأمويّون إمّا كفّار كما يدّعي الخوارج، أو مخلّدون في جهنّم كما يدّعي المعتزلة، أمّا عند المرجئة فهم مؤمنون لم يخرجوا عن الإيمان بالرغم من إسرافهم في المنكرات والمعاصي، بل ذهب بعضهم إلى أنّ الإيمان لا يعتبر فيه أكثر من الاعتقاد بالله ورسوله، وإنْ أعلن الكفر بلسانه وعبَدَ الأوثان، ولازَم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام، وأضافوا إلى ذلك أنّه في هذه الحالة يكون من أولياء الله ومن أهل الجنّة (١).

ومن الطبيعي أنْ تجد هذه الفكرة أنصاراً ومؤيّدين من الحكّام؛ لأنّهم لا يجدون فرقة من فِرَق الإسلام تمنحهم هذه الصفات التي تضعهم في صفوف القدّيسين، وتؤكّد لهم شرعيّة مُلكهم وتسلّطهم على رِقاب المسلمين مهما أسرفوا في المعاصي واستهتروا بتعاليم الإسلام ومقدّساته، ومِن الغريب الذي تدعمه الشواهد الكثيرة أنْ يكون الحكّام أنفسهم هم أبطال هذه الفكرة في العصر الذي احتدم فيه الصراع الفكري في العقائد، وشاعت فيه آراء الخوارج والمعتزلة في العُصاة ومرتكبي الكبائر، ومن السهل عليهم شراء الأنصار والدعاة لها من العلماء وغيرهم في ذلك العصر الذي ظهر فيه من يحكم عليهم بالكفر والخلود في نار جهنّم.

أمّا الزمان الذي حدثت فيه هذه الفكرة على التحقيق، فليس في المصادر التي تبحث عن الفرق وتاريخها ما يؤكّد زمان نشأتها على الدقّة ويؤيّد ذلك ما جاء عن بعض المستشرقين: أنّ البحث عن المرجئة وبدء تكوينها وتاريخها محاط بشيء من الغموض، والسبب في ذلك يرجع إلى أنّ الدولة العبّاسية قضت عليهم وأفنت أصحاب هذه المقالة؛ لأنّهم كانوا يناصرون الأمويّين (٢) وهذا الرأي لا تؤيّده الأدلّة؛ لأنّ القائلين بالإرجاء قد ابتدعوا هذه المقالة لمصلحة الحاكمين، وحكّام الدولة العبّاسية كانوا في أمسّ الحاجة لمن يضعهم في صفوف المؤمنين؛ لأنّهم مثّلوا أقبح الأدوار التي مثّلها حكّام الأمويّين.

وجاء في التعليقة على كتاب التبصير في الدين، أنّ أوّل من سمّى أهل السنّة والجماعة بالمرجِئة هو نافع بن الأزرق الخارجي، أحد زعماء

____________________

(١) انظر فجر الإسلام ص ٢٧١ عن ابن حزم مجلّد ٤ ص ٢٠٤.

(٢) المصدر نفسه ص ٢٨١.

١٠٣

الخوارج في العصر الأموي، عندما شاع بينهم أنّ الإيمان هو التصديق بما جاء به النبيّ تفصيلاً وإجمالاً، ولا يحتمل الزيادة والنقصان؛ لأنّ الجزم الذي ينعقد القلب عليه إنْ نقَص أصبح جهلاً أو شكّاً أو وهماً، وبذلك يخرج عن حقيقة الإيمان، أمّا العمل فهو خارج عن حقيقته.

وهذا النوع من الإرجاء قد نُسِب إلى أبي حنيفة كما في التعليقة على مقالات الإسلاميّين للأشعري، وقد خالفه بعض الفقهاء والمحدّثين واعتبروا الإيمان مؤلّفاً من ثلاثة أركان: تصديقٌ بالجنان، وإقرارٌ باللسان، وعمَلٌ بالأركان (١)، وقد تبيّن ممّا جاء في التعليقة على التبصير في الدين أنّ اسم المُرجئة لم يكن قبل العصر الأموي، وأنّ أوّل مَن وصَف الجمهور به هو نافع بن الأزرق الخارجي المعاصر لأبي حنيفة، ومعلومٌ أنّ الخوارج يكفّرون في الغالب جميع مخالفيهم، فضلاً عن مرتكبي الكبائر.

والجمهور لا يقولون بمقالة الخوارج ولا بمقالة المعتزلة، وإنّما يذهبون إلى أنّ الإيمان هو التصديق بما جاء به الرسول، ولا يحكمون على مرتكب الكبيرة بالعقاب ويتركونه إلى الله، إنْ شاء عذّبه وإنْ شاء عفا عنه، فيكون الإرجاء المنسوب إليهم وسَطاً بين رأي المعتزلة والخوارج، وهذا بخلاف الإرجاء عند مَن يقول بأنّ الإيمان لا تضرّ معه المعاصي، كما لا تنفع مع الكفر الطاعات، فإنّ الإرجاء بهذا المعنى يُقابل رأي المعتزلة والخوارج وجميع الفِرَق الإسلامية.

وقد أنهى أبو الحسن الأشعري المُرجئة إلى اثنتي عشرة فرقة، وكلّها تتّفق على أنّ الإيمان اعتقادٌ ويقين والعمَل خارج عن حقيقته، ولم يُخالف في ذلك إلاّ الكرامية ، أتباع محمّد بن كرام، فقد ذهبوا إلى أنّ الإيمان هو الإقرار باللسان دون القلب، ورتّبوا على ذلك أنّ المنافقين الذين كانوا على عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع أنّهم لم يؤمنوا بقلوبهم كانوا مؤمنين حقيقةً، كما وأنّ الكفر هو الجحود والإنكار باللسان (١).

وفي كتاب التبصير للأسفراييني: أنّ القائلين بالإرجاء قد افترقوا إلى

____________________

(١) انظر التعليقة على التبصير في الدين للأسفراييني ص ٩١، والتعليقة على مقالات الإسلاميّين ص ٢٠٣.

(٢) انظر مقالات الإسلاميين ص ٢٠٥.

١٠٤

خمس فِرق، وعدّ منهم اليونسية أتباع يونس بن عون، القائلين أنّ الإيمان بالقلب واللسان، وحقيقته معرفة الله سُبحانه ومحبّته، والتصديق برسله وكتبه.

والغسانية أتباع غسّان المُرجئي القائل بأنّ الإيمان هو الإقرار بالله والمحبّة له، ولكنّه يَقبل الزيادة والنقصان.

والثنويّة أتباع أبي معاذ القائل بأنّ الإيمان ما وقاك من الكفر.

والثوبانية أصحاب أبي ثوبان المرجئي، وهؤلاء قد أضافوا إلى الإقرار بالله ورُسله، الواجبات العقلية، واعتبروا كلّ ما يراه العقل صحيحاً من أركان الإيمان.

والمريسيّة أتباع بشير المريسي الذي أضاف إلى أقوال مَن ذكرناهم القول بخلْق القرآن، ويبدو من ذلك أنّ المرجئة متّفقون على أنّ العمل ليس من أركان الإيمان، وأنّهم بذلك يحاولون تحديد معنى الإيمان في مقابل الخوارج الذين وقفوا في جانب والمسلمون بأجمعهم في جانب آخر، وكفّروا كلّ من يُخالفهم فضلاً عن مرتكبي الكبائر، كما وقفوا في مقابل المعتزلة الذين اعتبروا العمل من أركان الإيمان واثبتوا للعُصاة الخلود في جهنّم وبعد أنْ ظهر رأيهم في مقابل الخوارج الذين احتكروا الإيمان لأنفسهم، والمعتزلة الذين أضافوا إلى التصديق العمل بالأركان، وأصبح من جملة الآراء المنتشرة في ذلك العصر بعد ذلك تطوّر كغيره من الآراء التي تبرز في بدايتها كفكرة، ثمّ تتّسع كلّما اتسع البحث فيها وطال بها الزمن، ولا سيّما والفكرة من أساسها تخدم مصلحة الحكّام كما ذكرنا.

ولابدّ وأنْ يساعدوا على انتشارها وتداولها وتحويرها لصالحهم؛ ولذلك فقد أدعى بعضهم أنّ الإنسان مهما فعل من الذنوب وارتكب من المنكرات لا يعذّب في النار ما دام مؤمناً بالله ورسله بقلبه ولسانه، وأسرف آخرون، فذهبوا إلى أنّه إقرار باللسان، ولو لم يكن معتقداً بما يقول (١).

وجاء في فجر الإسلام: وقد اشتهر من شعراء بني أُمية بالقول بالإرجاء ثابت بن قطنة ، وكان من أصحاب يزيد بن المهلّب وأعوانه، وله قصيدة توضّح مذهبه في الإرجاء، ويستفاد منها أنّه لا يحكم على أحد بالكفر مهما ارتكب من الذنوب، وأنّ المسلمين إذا اختلفوا وكفّرت كلّ

____________________

(١) وهؤلاء هم الكرامية كما ذكرنا.

١٠٥

طائفة منهم الأُخرى تركناهم إلى الله يحكم عليهم يوم القيامة بما يستحقّون، وإلى ذلك يشير بقوله:

ولا أرى أنّ ذنـبـاً بـالغاً أحـداً

بالناس شِركاً إذا ما وحّدوا الصمدا

يـجزي عـليّاً وعـثماناً بسعيهما

ولـستُ أدري بـحقٍّ أيـة وردا

الله  يـعلم مـاذا يـحضران بـه

وكـلّ عـبدٍ سـيلقى الله منفردا

والإرجاء الذي يدين به صاحب هذه الأبيات هو الإرجاء الذي يقول به جمهور الفقهاء، وهو من أقرب المرجئة إلى الواقع؛ لأنّه لا ينفي العذاب عن العُصاة، ولا يقطع بعقوبتهم، ويترك الحكم عليها إلى الله وحده (١) .

ومجمل القول إنّ الإرجاء الذي شاع القول به في العصرين الأموي والعبّاسي، وأصبح مذهباً لفريق من الناس في مقابل غيرهم من أصحاب المذاهب، لا يقول به الإمامية؛ لأنّ المرجئة لا يحكمون على العُصاة بأيّ حكم من الأحكام، وبعضهم يدّعي بأنّهم مؤمنون منعّمون في الجنّة، والإمامية مجمعون على أنّهم فسّاق معذّبون بذنوبهم، وجاء عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: صنفان من أُمتي ليس لهم في الآخرة نصيب المرجئة والقدرية (٢).

وجاء عن زيد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال: لعن الله المرجئة؛ لأنّهم أطمعوا الفُسّاد في عفو الله.

____________________

(١) انظر الإمام الصادق لأبي زهرة ص ١٤٣.

(٢) انظر كنز الفوائد للكراجكي المتوفّى في القرن الرابع ص ٥١.

١٠٦

المعتزلة

لقد بدأ بين المعتزلة والمحدّثين في مطلع القرن الثاني الهجري، وبلغ الصراع أشدّه بعد أن وجد المعتزلة من يناصرهم ويتبنّى بعض آرائهم من الحكّام العبّاسيين، وكما ذكرنا أنّ النزعة العقلية هي التي كانت تسيطر على بحوث المعتزلة، حتى في قضايا الدين، بينما تمسّك المحدّثون بحرفيّة النصوص، سَواء في ذلك القرآنية والنبوية، والطرفان أسرفا في تعصّبهما لهاتين النزعتين وجرّهما هذا التعصّب إلى الأخطاء الكثيرة التي ظهرت في آرائهم في التوحيد والصفات والجبر والاختيار، وغير ذلك من المباحث التي كانت مسرحاً للجدَل والنزاع بين الفريقين، وترك الطرفان مجموعة من المؤلّفات حول معتقداتهم في الأُصول الإسلامية وغيرها، وكتب عنهم مؤلّفو الفِرَق والكتّاب عشرات الكتب.

ويبدو من تلك المؤلّفات التي صدرت حول المعتزلة وآرائهم ومعتقداتهم، أنّ السبب في وصف أصحاب تلك الأفكار بالاعتزال لا يعدو واحداً من أُمورٍ ثلاثة:

الأوّل: أنّ واصل بن عطاء الغزال كان يتبنّى رأي معبد الجهني وغيلان الدمشقي في أفعال الإنسان، وأنّه هو وحده الذي يصنع أفعاله بدون أنْ يكون لله أيُّ أثر في ذلك، وهما أوّل من أظهَر القول بالقدر بمعنى الاختيار المطلق في مقابل الجهمية أتباع الجهم بن صفوان الذين قالوا بالقدر المرادف للجبر، وهم الجبرية الخالصة، وقد أضمر واصل هذه العقيدة وأخفاها عن رفقائه، وحتى عن أُستاذه الحسن البصري، بينما يرى الجمهور الأكبر من المسلمين أنّ أفعال الإنسان مخلوقة لله سبحانه، فيكون وصفه بالاعتزال؛ لأنّه اعتزل رأي الجمهور الأكبر من المسلمين، وتبنّى رأي معبد الجهني وغيلان الدمشقي.

الثاني: إنّ هذا الوصف غلب عليهم لأنّهم اعتزلوا قول الخوارج والمرجئة والفقهاء في مرتكب الكبيرة، حيث إنّ الخوارج يرونه كافراً، والمرجئة يرونه مؤمناً مستحقّاً للنعيم، والفقهاء يرونه منافقاً، ولمّا سُئل الحسن البصري عن رأيه في أصحاب الكبائر في الوقت الذي كان الخوارج ينادون بكفرهم، والمرجئة ينادون بإيمانهم، وقف واصل بن عطاء في مجلس أُستاذه وأجاب السائل بأنّهم بين المنزلتين، الإيمان والكفر، ويستحقّون الخلود في جهنّم، فطرده الحسن البصري من مجلسه، فاعتزله واصل وجلس في ناحية من نواحي المسجد، وانضمّ إليه جماعة منهم صِهْره عمرو بن عبيد وغيره (١) .

____________________

(١) انظر التبصير في الدين ص ٦٤ وفجر الإسلام ص ٢٩٨.

١٠٧

الثالث: إنّهم أنّما وصفوا بالاعتزال؛ لأنّهم عزلوا مرتكب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين كما يظهر ذلك من المسعودي في مروج الذهب.

ويرى بعض المؤرّخين أنّ وصف الاعتزال كان أسبَق من تاريخ واصل بن عطاء، وأنّه وصف لجماعة من المسلمين قد لزموا منازلهم عندما صالح الحسن بن عليّ (عليه السلام) معاوية واعتزلوا الفريقين الحسن ومعاوية.

ويرى بعض المستشرقين أنّ جماعة من المسلمين كانوا أتقياء للغاية أعرضوا عن ملاذّ الحياة وزهدوا في الدنيا فسمّاهم الناس معتزلة بهذا الاعتبار.

ومن الجائز القريب أنّ يكون هذا الوصف أصبح علَماً على الفرقة المعروفة بمبادئها ومناهجها في وقتٍ متأخّر عن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وذلك بعد أنْ اشتهرت في آرائها ومواقفها في مقابل العلماء والمحدّثين الذين تمسّكوا بظواهر النصوص، ولم يعتمدوا على العقل في شيءٍ من أُمور دينهم، بينما اعتمد هؤلاء على العقل وحده، وتأوّلوا الأحاديث المخالفة له، ويكون وصفهم بالاعتزال؛ لأنّهم اعتزلوا طريقة العلماء والمحدّثين، واعتمدوا على العقل وحده في أبحاثهم ومناظراتهم، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الوصف قد أطلق على جماعة من المسلمين قد اعتزلوا الفريقين عليّاً (عليه السلام) ومعاوية.

ووردت في كتاب قيس بن سعد بن عبادة، وكان والياً لعليّ (عليه السلام) على مصر، قال في كتاب أرسله إلى عليّ (عليه السلام): (إنّ قِبَلي قوماً معتزلين، وقد سألوني أنْ أكفّ عنهم)، كما وردَت في كلام غيره لمناسبات مختلفة، ولكن ذلك لا يثبت تسمية هؤلاء بالمعتزلة، وأنّ هذا الاسم قد أطلق على الذين اعتزلوا قيساً في مصر، أو الحسن ومعاوية بعد الصلح، وأصبح علَماً عليهم، ولا يُستفاد من وصفهم بالاعتزال أكثر من أنّهم لم يُساهموا في القتال الذي وقع بين الفريقين في تلك الفترة من تاريخ المسلمين، وذلك لا يعني أنّ الفرقة التي غلَب عليها هذا الاسم كانت قبل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهما من مؤسّسي مبادئ المعتزلة.

وأخيراً فالرأي الشائع بين المؤرّخين وكتّاب الفِرَق، أنّ واصل بن عطاء قد اعتزل مجلس أُستاذه الحسن البصري بعد أنْ كان أحد تلامذته المختصّين به، واتّخذ مركزاً مستقلاًّ للبحث والجدل والمناظرة ووزّع دعاته وأنصاره في البلاد، فأرسل عبد الله بن الحارث إلى المغرب، وحفص بن

١٠٨

سالم إلى خراسان لمناظرة الجهم بن صفوان، وألّف كتاباً فيه ألف مسألة للردّ على المانوية ، وانصرف أتباعه عمرو بن عبيد وأشباهه إلى الدعوة لمبادئهم (١) هذا الرأي تؤيّده أكثر المصادر التاريخية، بالإضافة إلى أنّه أكثر شيوعاً وانتشاراً بين كتّاب الفِرَق والمذاهب من المتقدّمين، وأصبح بعد ذلك علَماً لكلّ من يرى رأي واصل وأتباعه في المبادئ الخمسة التي لابدّ منها في صدق الاعتزال كما سيأتي في المباحث الآتية.

وممّا يؤيّد ذلك ما جاء في أوائل المقالات للشيخ المفيد حول هذا الموضوع - قال: (وأمّا المعتزلة وما وسِمَت به من اسم الاعتزال، فهو لقبٌ حدَث لها عند القول بالمنزلة بين المنزلتين، وما أحدَثه واصل بن عطاء من المذهب في ذلك هو وصاحبه عمرو بن عبيد ومن وافقهما على التديّن بذلك، وأدّى بهم الإصرار على رأيهم إلى اعتزال الحسَن البصري وأصحابه، وتحيّزهم إلى مجلسهم الذي اختصوا به، فسمّاهم الناس عند ذلك معتزلة؛ لاعتزالهم مجلس أُستاذهم بعد أنْ كانوا من أهله ولم يكن قبل ذلك يُعرف الاعتزال ولا كان علَماً على فريق من الناس) (٢).

ـ وكان على صلةٍ أكيدة بهم، وله مناظرات كثيرة معهم كما يبدو ذلك من كتابه العيون والمحاسن، ويؤكّد ذلك ابن خلكان في كتابه وفيّات الأعيان عن السمعاني المتوفّى سنة ٥٦٢هـ، ونشوان بن سعيد في كتابه شرح رسالة الحور العين، فقد ذهبا في كتابيهما، الأنساب وشرح الرسالة، إلى أنّ المعتزلة إنّما غلَب عليهم هذا الاسم؛ لقولهم بالمنزلة بين المنزلتين بالنسبة لمرتكب الكبيرة، في مقابل الخوارج القائلين بكفره، والمرجئة القائلين بإيمانه؛ لإقراره بالله ورسوله وكتابه، وبما جاء به الرسول من عند الله (٣) .

____________________

(١) انظر أبا حنيفة للشيخ محمّد أبي زهرة ص ١٥٦، وفجر الإسلام لأحمد أمين ص ٣٠٠.

(٢) انظر أوائل المقالات للشيخ المفيد محمّد بن النعمان المتوفّى سنة ٤١٣ ص ٥ و٦، وقد عاصر المفيد جماعة من عظمائهم كأبي القاسم البلخي، والقاضي عبد الجبّار الرازي، وأبي سعيد الإصطخري وأبي الحسين البصري وغيرهم.

(٣) انظر المصدر السابق ص ٥ من التعليقة على الكتاب المذكور، والمواقف للقاضي عبد الرحمان بن أحمد الإيجي، وأضاف إلى ذلك أنّهم لا يصفون الفاسق بالإيمان؛ لأنّه مدح والفاسق لا يستحقّ المدح، ولا بالكفر لأنّه مُقرٌّ بالشهادتين.

١٠٩

وجميع فِرق المعتزلة، البالغة اثنتي عشرة فرقة، كما أنهاها الأُستاذ أبو زهرة في كتابه أبي حنيفة، والشهرستاني في الملل والنحل، وغيرهما متّفقون على خمسة مبادئ: التوحيد، والعدل، والوعيد والوعد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأُصول الخمسة هي الأركان التي لابدّ منها في وصفهم بالاعتزال، ولا يستحقّ أحد هذا الوصف إذا لم يلتزم بها، وكل من يتحيّف طريقها، ويسلك غير سبيلها لا يتحمّلون إثمه ولا تلقى عليهم تبعته.

وإنْ كانوا قد اتفقوا على بعض المسائل الأُخرى، إلاّ أنّ اتفاقهم على غير الأركان الخمسة لا أثر له في وصفهم بالاعتزال، كما وأنّ الخلاف الواقع بين شيوخهم في كثير من المسائل الكلامية والفلسفية لا يسلبهم صفة الاعتزال، وقد بدأ المعتزلة نشاطهم في مطلع القرن الثاني حينما ظهر واصل بن عطاء بآرائه التي تفرّد بها عن أَساتذته الفقهاء، وأسّس مدرسة الاعتزال التي كانت تضمّ جماعة من المفكّرين كعمرو بن عبيد وأمثاله.

ثمّ بدأت تنشط وتنتشر بمبادئها ومناهجها بمناصرة الحكّام العبّاسيّين إلى أوائل القرن الرابع الهجري سنة ٣٣١هـ في السنة التي توفّي فيها الجبائي الزعيم الأخير لتلك المدرسة، وفي خلال هذه المدّة بلغ عدد المتزعّمين من المعتزلة عشرين شيخاً، وإلى كلّ واحد أتباع ومؤيّدون لأفكاره ونظرياته، كما أنهاهم الأسفرائيني في كتابه التبصير في الدين، وبموت الجبائي وظهور الأشعري خفَت صوت المعتزلة بعد أنْ كان عالياً، وبدأ الضعف يسري فيهم، ولا سيّما بعد أنْ لقي الأشعري من الحكّام ما يشجّعه على المضي في الطريق الذي اختطّه لنفسه بعد أنْ لازمهم زمناً طويلاً، وتلقّى عنهم أكثر معلوماته.

ومع ذلك فلَم ينته الاعتزال بالرغم من مساندة الحكّام للمحدّثين، ولكنّه بقي محدوداً في نطاق الفرق التي أنهاها الأسفرائيني إلى عشرين فرقة، وحول آراء هذه الفِرَق كانت تنشط المناظرات والمجادلات أحياناً، وربّما كانت تنتهي بالتكفير والتفسيق من كِلا الفريقين.

ولعب الأشاعرة دوراً بارزاً في الصراع الذي حدَث بين المعتزلة والمحدّثين أدّى إلى حرق كتبهم، وتشريدهم في البلاد، شرقها وغربها، وأصبَح المسلمون ينظرون إلى مذهب المعتزلة بعين الريبة والحذر، ومهما كان الحال، ففِرَق الاعتزال التي أحصاها بعض المؤلّفين في المذاهب

١١٠

الإسلامية ليس بينها من يُخالف في الأُصول الخمسة التي لابدّ منها لكلّ من يوصف بالاعتزال، وإنْ بلغ الخلاف أقصى حدوده في كثير من المسائل والنظريات، ولكنّ خلافهم في تلك المسائل، لمّا لم يُمِسّ الأُصول الخمسة التي يقوم عليها مذهب الاعتزال لم يخرجوا عن الاعتزال بسببه.

كما وأنّ اتفاقهم على بعض المسائل والنظريات: مثل قولهم أنّ الحيوانات والحشرات خالقة لأفعال نفسها، وأنّ الله لم يرد المعاصي كالزنا واللواط والكفر وغير ذلك، وأنّ العقل يدرك الحسن والقبيح، وأنّ ما يراه حسناً لابدّ وأنْ يلتزم به الشارع، وما يراه قبيحاً لابدّ وأنْ ينهى عنه، ويجب فعل الحسن وترك القبيح، حتى إذا لم يرد النص الشرعي عليهما، إلى غير ذلك ممّا أورده مؤلّف التبصير في الدين، من المسائل التي اتفقوا عليها واعتبرها مؤلّف الكتاب المذكور من فضائحهم وعيوبهم (١).

هذا التوافق بينهم في الرأي على تلك المسائل، كما يدّعي كتاب الفرق والمذاهب لا أثر له في صحّة تسميتهم بهذا الاسم. وكما ذكرنا فلقد أجمع المؤلفون في الفرق الإسلامية أنّ المعتزلة لم يكونوا فرقة واحدة، وأنّ فرقهم تتراوح بين الاثنتي عشرة فرقة وبين العشرين على اختلاف المؤلّفين في إحصائهم.

وأوّل هذه الفِرَق الواصلية أتباع واصل بن عطاء الغزال تلميذ الحسن البصري، وأوّل مَن لُقّب بهذا اللقب على أشهر الروايات كما ذكرنا، كان مولده بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة، وقد نشأ في أحضان مواليه الهاشميّين كما جاء في بعض الروايات (٢)، ويظهر ممّا رواه المؤرّخون أنّه كان واسع العلم قويّ الحجّة محيطاً بمذاهب العصر الذي عاش فيه، وكان مع ذلك لا يتكلّم إلاّ بمقدار الحاجة، حتى أتُّهم بالخرس من طول صمته، كما اتهمه أخصامه بالكفر والزندقة، وبقيَت صِلاته طيّبة بأُستاذه الحسَن البصري، إلى أنْ خالفه في مرتكِب الكبيرة، فانقطع بينهما حبل المودّة،

____________________

(١) انظر التبصير في الدين ص ٦١ وما بعدها.

(٢) وقيل: إنّه مولى لبني ضبّة كما قيل: إنّه كان من موالي بني مخزوم، ويُكنّى بأبي حنيفة وقد نسبه إسحق بن سويد إلى الخوارج وفي ذلك يقول:

برئت من الخوارج لست منهم          من الغزال منهم وابن باب

١١١

وبعد حوارٍ طويل بينه وبين رفيقه عمرو بن عبيد اعتنق عمرو بن عبيد مذهبه، وقال: (ما بيني وبين الحقّ من عداوة) (١).

وشاع في عصره النزاع في مسألة الجبر والاختيار، فذهب إلى القول بأنّ الإنسان هو الذي يصنع أفعاله مختاراً بدون أنْ يكون لله رأيٌ في ذلك، فقال الناس فيه: (إنه مع كفره قدري)، وشاع في عصره (كلّ كافر قدري) وقد أخذ القول بالقدر عن معبد الجهني، وغيلان الدمشقي كما يرى ذلك بعضُ المؤلّفين في الفِرَق والمعتقدات (٢).

على أنّ واصلاً قد تفرّد عن غيره من شيوخ المعتزلة بأُمور، منها أنّه أحدَث قولاً ثالثاً بالنسبة للفريقين المتخاصمين في الفترة الأولى من تاريخ الإسلام، فقال: (إنّ أحدهما لا بعينه فاسق لا تُقبَل شهادته في شيءٍ، حتى ولو كان الشاهد عليّاً وبنيه (عليه السلام)).

وجاء عنه أنّه قال لو شهدوا بأجمعهم على باقة بَقْل لم أقبَل شهادتهم (٣)، ولعلّ الذين ألصقوا في أفكار الخوارج قد اعتمدوا على هذه المقالة وأمثالها من آرائه، التي تبدو وكأنّها أقرب إلى آرائهم منها إلى سائر الِفرََََََََََق الإسلامية، وإنْ لم يلتقِ معهم التقاءً كلّياً في أكثر آرائه ومعتقداته؛ لأنّ المسلمين الذين لم يوالوا عليّاً كانوا على قولَين في النزاع الذي حدَث بينه وبين طلحة والزبير ومعاوية، فالخوارج حكموا عليه بالكفر لأنّه حكّم الرجال في دين الله - على حدّ زعمهم - وبقيّة المسلمين بين من يقول بأنّ جميع أفعاله تفرضها المصلحة وتمليها مصلحة الإسلام العُليا، وبين من يقول بأنّه مجتهد في الدين، والمجتهد معذور في كلّ أفعاله حتى ولو كان مخطئاً، أمّا التكفير والتفسيق فلَم يذهب إليه إلاّ الخوارج والواصلية.

الفرقة الثانية: العمرية ، أتباع عمرو بن عبيد (٤)، وكما ذكرنا فقد كان

____________________

(١) انظر تاريخ الفِرََََََق الإسلامية لعليّ الغرابي ص٧٥ وما بعدها، وانظر الفَرْق بين الفِرَق لعبد القاهر البغدادي ص٩٨.

(٢) انظر المواقف، المجلّد الرابع ص ٣٧٩ لعبد الرحمان بن أحمد الايجي.

(٣) وُلد هو وواصل بن عطاء في سنة واحدة، وكان والده عبيد نسّاجاً في بداية أمره، ثمّ أصبح من شرَطَة الحجّاج الثقفي وبطانته، ولسوء سمعة أبيه في البصرة كان الناس يقولون بعد أنْ نبَغ ولده عمرو: خير الناس ابن شرّ الناس، يعنون بذلك عمرواً ووالده.

١١٢

قويّ الجدَل بارعاً فيه؛ لأنّ العصر الذي وجِد فيه عصر جدلٍ ونقاش، وانتصارٍ لرأي، وإبطالٍ لآخر، في هذا الوسط الفكري المتضارب بشتّى النزعات والأهواء والآراء المتباينة، نشأ أبو الهذيل أحد أعلام الطبقة الثانية من طبقات المعتزلة، واستمع إلى علماء عصره، وعرَف ما بينهم من خلافات في مختلف النواحي والجهات، ووقف على آرائهم في مختلف المسائل، حتى أصبح من البارعين في مختلف العلوم، واختاره المأمون رئيساً لمجلس مناظراته، وحكى عنه ابن خلكان أنّ صالح بن عبد القدّوس (١) مات وله ولد فحزَن عليه واشتدّ جزعه.

فقال له أبو الهذيل: لا أعرف لجزعك وجهاً! إذا كان الإنسان عندك كالزرع، فقال له صالح: إنّي لأجزع عليه لأنّي قد ألّفت كتاباً اسمه كتاب الشكوك ولم يقرأه، وهو كتاب يشكّ كلُّ من قرأه فيما كان حتّى يتوهّم أنّه لم يكن، وفيما لم يكن حتّى يتوهّم أنّه قد كان، فقال أبو الهذيل: فشُكّ أنتَ في موت ابنك، واعمل على أنّه لم يمُت وإنْ كان قد مات، وشُكّ في قراءته لكتاب الشكوك وإنْ كان لم يقرأه (٢) ، وممّا اختصّ به من بين شيوخ المعتزلة أنّه كان يذهب إلى أنّ مقدورات الله سبحانه لابدّ وأنْ تنتهي بحيث يصبح عاجزاً عن كلّ شيء، وعندها لم يستطع أنْ يزيد في نعيم أهل الجنّة ولا في عذاب أهل النار، وينقطع عذاب أهل النار، ولم يبقَ لأهل الجنّة قدرة على أنْ يتنعّموا بنعيم الجنّة.

وذهب إلى أنّ أهل الآخرة مضطرّون إلى ما يكون منهم، وأهل النار يتكلّمون بدون إرادة واختيار، وليس لأحدٍ في الآخرة قدرة على اكتساب فعلٍ أو قول، وليس في الأرض دهري ولا زنديق إلاّ وهو مطيع لله في أشياء كثيرة، وإنْ عصاه من جهة كفره، واستدلّ على ذلك بأنّ كلّ أمرٍ من أوامر الله سُبحانه في مقابله نهي، فلو كان مَن لا يعرفه قد فعل جميع أوامره، وجَب أنْ يكون تاركاً لجميع زواجره، وأنْ يكون قد ترك الطاعات فعلاً لجميع المعاصي.

____________________

(١) كان صالح بن عبد القدّوس على مذهب الثنوية القائلين بتعدّد الآلهة، وقد صلّى يوماً الصلاة التي يُصلّيها المسلمون فقيل له ما هذه الصلاة ومذهبك معروف؟ قال: أُصلّيها؛ لأنّها سُنّة أهل البلد. انظر الأمالي للسيّد المرتضى ج(١) ص١٠٠.

(٢) انظر الفرق لعليّ الغرابي ص ١٥٥.

١١٣

تتلمذ على الحسن البصري هو وواصل بن عطاء، ولازمه زمناً طويلاً، ولمّا انفرد واصل عن أُستاذه، واستقلّ في زاوية من زوايا المسجد مع جماعة كانوا يرون رأيه انضمّ إليه عمرو بن عبيد، بعد محاورة جرت بينهما بالنسبة لمرتكب الكبيرة، وقال: (ما بيني وبين الحق عداوة)، واتّفق هو وواصل على أُصول الاعتزال الخمسة، ويحكى عنه أنّه كان متصلّباً في اعتناق مذهب القدرية، فقد ادعى أنْ لا سيطرة على الإنسان في أفعاله، والإنسان وحده مستقل هو الذي يصنع ويفعل.

وخالف زميله في الحكم على عليّ (عليه السلام) وطلحة والزبير ومعاوية، وذهب إلى أنّ كل واحد منهم فاسق بعينه ظالم للآخر، بينما كان واصل بن عطاء يدّعي أنّ أحد الفريقين لا بعينه ظالم للآخر، والحقّ في جانب أحدهما، ولكنّهما قد اتفقا على تفسيق معاوية ومن معه (١) ويُنسب إليه أنّه قال: إنّ الآية ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) ليست هكذا في اللوح المحفوظ؛ لهذا، ولأنّه كان مغالياً في القدر على مذهب معبد الجهني وغيلان الدمشقي لم يكن موثوقاً عند المحدّثين، ومتّهماً بوضع الحديث على رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وتؤكّد المصادر التاريخية أنّه لم يقبل صلة من المنصور العبّاسي، ولا باشر له عملاً، مع أنّه ألحّ عليه بذلك وأهدى إليه الأموال والنفائس، وله مع ذلك مع المنصور مجالس كان يعظه بها ويوجه إليه الانتقادات اللاذعة، وجاء عنه أنّه مرّ على سارق قد أمر الحاكم بقطع يده، فقال: لا إله إلاّ الله، سارق السِر يقطعه سارق العلانية.

ومجمل القول أنّ عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء كانا على اتفاق في أكثر المبادئ التي دعا إليها واصل، ولم يختلفا إلا في تصلّب عمرو في الحكم على عليّ (عليه السلام) وطلحة والزبير، وفي مغالاته في مذهب القدرية الراجع إلى التفويض المطلق.

الفرقة الثالثة: الهذيلية ، أتباع محمّد بن الهذيل المعروف بالعلاّف (٢) المولود في البصرة سنة ١٣٥هـ، ولم يرتحل عنها قبل سنة ٢٠٤هـ بعد أنْ استدعاه المأمون لبغداد، وسمّي بالعلاّف؛ لأنّ داره في البصرة في محلّة العلاّفين، وكان

____________________

(١) انظر المصدر السابق نفس الصفحة، والتبصير في الدين.

(٢) لقد عاش أبو الهذيل مِئة سنة، وتوفّي سنة ٢٢٧هـ، كما في رواية المسعودي في مروج الذهب.

١١٤

قد ذهب إلى أنّ الله سُبحانه لا يقدِر أنْ يعطي عباده القدرة على الإحياء والإماتة، وغيرهما من الأعراض التي لا يعرفون كيفيتها، كالألوان والطعوم وأمثال ذلك، واستدلّ على ذلك بأنّ ذلك يؤدّي إلى عبث الإنسان في الأرض؛ لأنّ الإنسان إذا قدر على الإحياء والإماتة كان إلهاً، وشريك الباري محال، وقدرة الله كما أنّها لا تتعلّق بالمحال، لا تتعلّق بما يؤدّي إلى المحال.

ومِن آرائه أنّ الله لا يقدر على ما أقدر عليه عباده ولا يوصف بالقدرة على الصلاة والصيام وغيرهما من موضوعات التكاليف؛ لأنّها أعمال جسميّة، وهو منزّه عن كلّ ما هو من لوازم الجسم (١) وقد نسَب إليه الراوندي في كتابه فضائح المعتزلة آراء أُخرى، وقد أوردها كتاب الفِرَق في مؤلّفاتهم، ويدّعي الشهرستاني أنّه انفرد عن أُستاذه واصل بن عطاء (٢) بعشرِ قواعد، وعدّ منها هو وغيره ما ذكرناه، وقد برأه ابن الخيّاط المعتزلي في كتابه الانتصار من جميع هذه المقالات المنسوبة إليه (٣).

النظامية: أتباع إبراهيم بن سيّار النظام المتوفّى سنة ٢٢١هـ وله من العمر خمس وثلاثون سنة كما جاء في ترجمته، وكان من مشاهير العلماء البارعين في علم الكلام والفلسفة بقسمَيهما، وقد حفظ القرآن والإنجيل والتوراة، بالإضافة إلى ما كان يحفظه من أشعار العرب وتاريخ الأُمم وفتاوى الفقهاء المتقدّمين عليه والمعاصرين له، واختلفت آراء الكتّاب والمؤرّخين فيه وتناقضت.. فبينما نرى جماعة يصفونه بالكفرِ والإلحاد ويذهبون إلى أنّه مات وهو سكران، وآخر ما تكلّم به:

اشرب على طرَبٍ وقل لمهدّد

هوّن عليك يكون ما هو كائن

____________________

(١) انظر المقالات الإسلامية لعليّ الغرابي ص ١٦٤ و١٧٤، والملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٦٩، والتبصير في الدين ص ٦٦.

(٢) الظاهر أنّ واصل بن عطاء ليس من أساتذته؛ لأنّه ولد سنة ١٣٥هـ، وتوفّي واصل سنة ١٣١هـ.

(٣) انظر الانتصار لابن الخيّاط ص ٧١ و٧٣ وما بعدهما.

١١٥

وينسبون إليه أنّه كان ينشد:

ما زلت آخذ روح الزق في لطف

واستبيح دماً من غير مجروح

حتى انثنيتُ ولي روحانِ في جسدي

والزق مطرح جسم بلا روح

بينما نرى جماعة يصفونه بهذه الصفات وبأقبَح منها (١) ، نرى آخرين يصفونه بالإيمان والاستقامة في دينه، والدفاع عن الدين وردّ كيد الملاحدة (٢).

ومهما كان فقد نُسِب إليه أنّه كان يقول إنّ القرآن لا إعجاز في نَظمه، وينكر جميع المعجزات التي رواها المحدّثون عن الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وكان يتأوّل صفات الله سُبحانه تأويلاً سلبياً، فعلْمُ الله عنده معناه نفي الجهل عنه، وقدرته هي عدم عجزه، وهكذا الحال في بقيّة الصفات، وله آراء أُخرى خالَف فيها أسلافه المعتزلة كانت من جملة المآخذ عليه عند متأخّري المعتزلة، حتى ألّف بعضهم كتاباً في تكفيره (٣).

وفي كتاب التبصير في الدين، أنّه كان يصاحب ملاحدة الفلاسفة، وعنهم أخذ القول بأنّ أجزاء الجزء لا تتناهى، ولزمه على هذا القول قِدَم العالَم، كما نُسِب إليه أنّه يذهب إلى أنّ الله سُبحانه خلَق الناس والحيوان وجميع الكائنات على اختلاف أنواعها في وقتٍ واحد، ولم يتقدّم خلقٌ آدم على خلق ولده، ولا خلق الأُمّهات خلق أولادهن، والتقدّم والتأخّر إنّما هو في ظهورها من أماكنها دون خلْقها واختراعها، ومحال عنده أنْ يزيد في الخلْق شيئاً، أو ينقص منه شيئاً، ويدّعي النظّام أنّ القرآن غير القراءة المتعارفة، فهو لا يوجَد في مكانين، ولا يزال في المكان الذي خلق فيه (٤).

____________________

(١) ومن هؤلاء عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفّى سنة ٢٧٦هـ.

(٢) انظر الفِرَق الإسلامية لعليّ الغرابي ص ١٩٠ و١٩١ تجد طائفة من الآراء المتناقضة فيه من الناحية الدينية.

(٣) نفس المصدر، والملل والنحل للشهرستاني، والتبصير في الدين، ومقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري.

(٤) انظر الانتصار لأبي الحسين الخياط المعتزلي ص ٤٤، وإذا صحّ عنه ذلك يكون من القائلين بنظرية الكمون وأنّ العالم مخلوق دفعةً واحدة، والتقدّم والتأخّر في الظهور لا في الخلق، وأضاف إلى ذلك في المواقف المجلّد الرابع ص ٣٨٠: أنّ الله لا يقدر أنْ يزيد أو ينقص من ثواب أهل الجنّة وعقاب أهل النار، ولا يقدر على الشرور والقبائح.

١١٦

الأسوارية: أتباع عليّ الأسواري من تلامذة أبي الهذيل والنظّام؛ ولذا فإنّه يتبنّى آراءهما، وأضاف إليها أنّ الأشياء التي يعلم الله بعدَم وجودها ليست مقدورة له، وهي مقدورةٌ للإنسان؛ لأنّ قدرة الإنسان تتعلّق بالوجود والعدم، فإذا اتصف بالقدرة على أحدهما لابدّ وأنْ يتّصف بالقدرة على الطرف الآخر (١) .

المعمرية: أتباع معمر بن عباد، وقد تفرّد عن شيوخ المعتزلة بأُمور منها: أنّ الإنسان ليس الصورة التي نشاهدها، وإنّما هو شيء في هذه الصورة، عالمٌ قادرٌ مختارٌ يدبّر، بلا حركة ولا سكون، ولا تدركه الحواس ولم يخلق غير الأجسام، أمّا الأعراض فهي من مخترعات الأجسام تقتضيها طبيعتها كما تقتضي النار الإحراق، والله سبحانه لا يوصف بالقِدَم؛ لأنّ وصفه بالقِدَم يدلّ على التقادم الزماني وهو ليس بزماني، كما وأنّه لا يعلم نفسه، وإلاّ اتحد العالِم والمعلوم (٢).

الجعفرية: أتباع جعفر بن بشير المتوفّى سنة ٢٣٤هـ، وجعفر بن حرب المتوفّى سنة ٢٣٦هـ، وقد ذهبا إلى أنّ الله لا يقدر على ظلم الأطفال والمجانين، ولا يوصف بأنّه متكلّم، وأضافوا إلى ذلك أنّ فسّاق المسلمين أشرّ من اليهود والمجوس، وأنّ الإجماع الذي تمّ بين المسلمين على حدّ شارب الخمر ليس حجّة شرعية؛ لعدَم ورود النص بذلك (٣).

الإسكافية: أتباع محمّد بن عبد الله الإسكافي، وقد وافق الجعفرية فيما ذهبوا إليه (٤).

البِشرية: أتباع بِشر بن المعتمر، وقد ذهَب إلى أنّ الإنسان يخلق اللون والطعم والرائحة والسمع والبصر على سبيل التولّد، وأنّ الله قادر

____________________

(١) انظر التبصير ص ٧٠، والمواقف ص ٣٨١.

(٢) المواقف ص ٣٨٣ والتبصير ص ٧٠، وفرق الشهرستاني ص ٩٠.

(٣) انظر التبصير في الدين ص ٧٣، والمواقف ج ٤ ص ٣٨١.

(٤) انظر المصدر السابق ص ٧٤، والمواقف ص ٣٨١.

١١٧

على تعذيب الأطفال ولو عذّبهم كان ظالماً لهم، وحيث لا يستحسن منه ذلك يجب أنْ نقول لو عذّبهم كانوا بالغين عاقلين مستحقّين العذاب والعقاب، وأنّ الله إذا غفر ذنبَ عبدٍ من عباده، ثمّ ارتكب العبد ذنباً استحقّ العقاب على الذنب الأوّل (١).

المزدارية: أتباع عيسى بن صبيح المزدار من أعاظم معتزلة بغداد وزهّادهم، وقد سمّي راهب المعتزلة، وقد ذهب إلى أنّ الله يقدر على الظلم والكذِب، ولو فعل كان إلهاً ظالماً كاذباً، وأنّ الناس قادرون على الإتيان بمثل القرآن وأحسَن منه نظماً، وكفّر مَن عاشر السلطان، ومَن قال بخلق الأفعال، وحكَم بعدم التوارث بينه وبين أقربائه (٢).

الهشامية: أتباع هشام بن عمر الغوطي من معتزلة القرن الثاني المعاصرين للمأمون العبّاسي، وكان لا يجيز لأحدٍ من المسلمين أنْ يقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، بالرغم من وجود الآيات التي تنصّ على ذلك، كما في الآية ١٧٣ من سورة آل عمران، والآية ٩ من سورة المزمّل، مدّعياً عدم جواز إطلاق الوكيل عليه تعالى (٣)، وذهب أيضاً إلى أنّ الله سُبحانه لم يؤلّف بين قلوب المؤمنين ولم يضل الكافرين، وأنّ الجنّة والنار ليستا بمخلوقتين، وأنّ من قال: بأنّهما مخلوقتان، كافر لعدَم الفائدة من خلقهما قبل الحشر، إلى غير ذلك من الآراء الشاذّة التي أوردها الشهرستاني والايجي وأبو حامد الإسفراييني (٤).

الحابطية: أتباع أحمد بن حابط، وهو من تلامذة النظام، وقد نسب إليه الشهرستاني القول بالتناسخ، وادّعى مؤلّف المواقف أنّ القائلين بالتناسخ من المعتزلة هم الحدثية أتباع الفضل بن الحدثي، أحد تلامذة النظام، ونسب إلى الحابطية القول بأنّ للعالم إلهين: أحدهما قديم وهو الله، والثاني محدث وهو السيّد المسيح؛ واستدلّوا على ذلك بالآية، ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ، وأضاف في المواقف أنهم يذهبون إلى أنّ

____________________

(١) المصدر السابق نفس الصفحة والتبصير ص ٧١.

(٢) انظر المصدرين السابقين.

(٣) وهذا جهل منه بالمعنى المراد من الوكيل، إذ ليس المراد منها هو الوكالة بالمعنى المتعارف، بل المراد منها الكافي أو الحافظ.

(٤) انظر التبصير في الدين ص ٧٢ والمواقف وغيرهما من كتب الفِرَق والمذاهب.

١١٨

الله أبدَع الحيوانات عقلاء بالغين في غير هذه الدار، وخلَق فيهم معرفته وأسبَغ عليهم نعمته، ثمّ ابتلاهم وكلّفهم شكر نعمته، فمَن عصاه في الجميع أخرجه إلى دار العذاب وهي النار، ومن أطاعه في البعض دون البعض أخرجه إلى هذه الدنيا وكساه هذا الجسد بأشكاله المختلفة، ولا يزال الحيوان في هذه الدنيا في صورة بعد صورة ما دامت معه ذنوبه (١) .

الثمامية: أتباع ثمامة بن الأشرس النميري (٢) وقد ذهب إلى أنّ اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة يصبحون في الآخرة تراباً لا يدخلون الجنّة ولا النار، وكذا البهائم والأطفال، وأضاف إلى ذلك أنّ مَن لا يعلم خالقه من الكفّار معذور، وأنّ الأفعال المتولّدة لا فاعل لها؛ لعدَم إمكان إسنادها إلى فاعلي السبب، لاستلزام ذلك إسناد الفعل إلى الميّت، كما إذا رمى إنسان سهماً ومات قبل وصوله للغرض، فيلزم من إسناده إلى الرامي إسناد الفعل إلى الميّت، وإسناده إلى الله لا يصح؛ للزوم صدور القبيح منه (٣).

ويبدو من الآراء التي نسبها المؤلّفون في المذاهب إليه أنّه كان متأثّراً بتعاليم ملاحدة الفلاسفة ومستهتراً في دينه، وروى عنه ابن قتيبة في كتابه (مختلف الحديث): أنّه رأى يوماً جماعة يتسابقون إلى صلاة الجمعة، فأقبل على عبدٍ كان معه، وقال له: انظر إلى هؤلاء الحمير ما فعل فيهم هذا العربي! وروى عنه الجاحظ أنّ المأمون قد رآه سكران يتمرّغ في الوحل فقال له: أنت ثمامة؟ فقال: أي والله، فقال له: ألا تستحي؟ قال: لا والله، فقال له: عليك لعنة الله، فأجابه تترى ثمّ تترى (٤).

الخياطية: أتباع عبد الرحيم بن محمّد المعروف بأبي الحسين

____________________

(١) انظر ما كتبه عنهم الشهرستاني ص ٥٨٣، ومؤلف المواقف ص ٣٨٢.

(٢) المتوفى سنة ٢١٣هـ.

(٣) وقد علّق مؤلّف التبصير والشهرستاني وغيرهما على هذه النظرية بأنّها تؤدّي إلى نفي الصانع؛ إذ لو جاز وقوع فعل بلا فاعل، لجاز ذلك في جميع الأفعال.

(٤) انظر المواقف ج ٤ ص ٣٨٣، والتبصير ص ٧٥، والشهرستاني المجلّد الأوّل.

١١٩

الخيّاط المتوفّى سنة ٢٩٠هـ من تلامذة جعفر بن مبشر، وهو من القائلين بالقدر بمعنى أنّ الإنسان خالقٌ لأفعاله، وأنّ المعدوم جسم يتّصف بالأعراض حالة العدم، ولازم هذا القول أنْ تكون الأجسام قديمة؛ وذلك يؤدّي إلى تعدّد القديم، وله آراء أُخرى يُخالف بها مَن تقدّمه مِن المعتزلة (١).

الجاحظية: أتباع عمرو بن بحر الجاحظ المتوفّى سنة ٢٥٦هـ، عاصر المعتصم العبّاسي والمتوكّل، وله مؤلّفات كثيرة من جملتها طبائع الحيوان، يدّعي فيه أنّ المعارف كلّها من لوازم الطبيعة، ومَن عرف شيئاً عرفه بطبعه لا بتعليم، ولم يخلق الله له علماً به، وقد ذهب إلى أنّ الله لا يدخل العُصاة النار، بل هي تجذبهم إليها، وأنّ القرآن جسد ينقلب تارةً رجُلاً وأُخرى امرأة، وله شهرة واسعة في العلم والأدب والفلسفة ومؤلّفاته الكثيرة في مختلف المواضيع أكبر شاهد على سِعة علمه وتبحّره في مختلف العلوم (٢) .

الجبائية: أتباع محمّد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفّى سنة ٣٠٣هـ، وهو الزعيم الأوّل للطبقة الثالثة من طبقات المعتزلة حسب تصنيف بعض المؤلّفين في المذاهب الإسلامية، وقد عُرِف بالذكاء منذ كان صغيراً، واشتهر بالذكاء وقوّة الإقناع عندما اكتملت رجولته، ونبَغ في عِلم الكلام حتى بلغ ما أملاه على تلامذته مِئة وخمسين ألف ورَقة، ومن أشهرهم وأكثرهم اتصالاً به عليّ بن إسماعيل الأشعري، فقَد لازمه أربعين سنة، وتفّهم آراء المعتزلة وعقائدهم وأصبَح من أعلامهم المتبحّرين، وبعد أنْ لمّع وانتشر صيته انفصل عنهم وتراجع عن مذهب الاعتزال، وألّف في الردّ عليهم، وذلك عندما اتسعت آفاقه، ولم يعد باستطاعة أُستاذه أنْ يدفع الشُبه التي كان يوردها عليه.

وقد ذكروا في ترجمته بعض المناظرات التي كانت تجري بينهما وأدّت إلى انفراد الأشعري عنه، وسنذكر بعضها في ترجمة الأشعري، وكان من جملتها أنّ رجلاً دخَل على الجبائي وقال له: هل يجوز أنْ يسمّى الله عاقلاً؟ فقال الجبائي: لا! لأنّ العقل مشتقٌّ من العقال،

____________________

(١) انظر المصادر السابقة ص ٣٨٣ من المواقف وص ٧٨ من التبصير في الدين وغيرهما.

(٢) انظر المواقف وغيره من كتب الفِرَق.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253