الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة0%

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 253

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 53463
تحميل: 9016

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53463 / تحميل: 9016
الحجم الحجم الحجم
الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المروية عن عليّ (عليه السلام) وأبنائه الأئمّة الهُداة، حقيقة التوحيد في كلماتهم كما أوردها الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق عن المعتزلة بدون تفاوت إلاّ في بعض النقاط التي سنُنبه عليها في المباحث الآتية:

فقد روى محمّد بن بابويه المعروف بالصدوق، في كتابه التوحيد، عن الهيثم بن عبد الله الرماني، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ (عليه السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) خطَب الناس في مسجد الكوفة، فقال: (الحمد لله الذي لا مِن شيءٍ كان، ولا مِن شيءٍ كوّن ما قد كان، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته، وبما وسَمَها من العجز على قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه، لم يخلُ منه مكان فيُدرك بأنّيته، ولا له شبيه مثالٍ فيوصف بكيفيّته، ولم يغِب عن علمه شيءٌ فيعلم بحيثيّته، مباينٌ لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنعٌ عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات، لا تحويه الأماكن لعظمته، واحدٌ لا بعدد، ودائمٌ لا بأمَد، وقائم لا بعمَد، ليس بجنسٍ فتعادله الأجناس، ولا بشبحٍ فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقَع عليه الصفات) (1).

وجاء في توحيد الصدوق أنّ رجلاً سأله في البصرة عن حقيقة التوحيد فقال: (إنّ القول بالوحدانية يصحّ على أربعة أوجه: اثنان منها لا تجوز عليه سبحانه، واثنان ثابتان له. فأمّا ما لا يجوز منها عليه، فقول القائل: واحد يلاحظ العدَد؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، ولذا كفَر من قال: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكذا إطلاق الواحد عليه يلاحظ أنّه واحد من الناس، ويُراد بذلك النوع من الجنس، وهذا لا يجوز عليه سبحانه؛ لأنّه تشبيه، وجلّ ربنا عن ذلك وتعالى علوّاً كبيراً، وأمّا اللذان يجوَّزان عليه سبحانه فهما الواحد بمعنى نفي الشبيه له، وبمعنى أنّه لا ينقسم في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ، كذلك ربّنا عزّ وجل) (2).

وبهذا التحديد القصير لحقيقة التوحيد جمَع كل ما ذكره المعتزلة في

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 52 تجد الخطبة بكاملها حول صفات الله سبحانه وبيان حقيقة التوحيد كما يليق بذاته تعالى.

(2) انظر المصدر السابق ص 67.

١٤١

معنى الوحدانية؛ لأنّ ما لا شبيه له في الأشياء، لا يكون جسماً، ولا يوصَف بصفات الأجسام، ولا يُحدّ بشيء من الأشياء، وليس له أبعاض وأجزاء، ولا يجري عليه زمان ولا تحيط به الحواس، إلى غير ذلك من الأوصاف التي أوردها المعتزلة لبيان حقيقة التوحيد، كما وأنّ ما لا ينقسم في وجودٍ أو عقلٍ أو وهم، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا يكون محلاًّ للأعراض والحوادث، لأنّ انقسام الشيء ولو في عالم الذهن لا يُمكن أنْ يكون إلاّ باعتبار أجزائه، وعوارضه، وإذا لم يصحّ فيه الانقسام، لابدّ وأنْ يكون مجرّداً عن جميع الحالات والكيفيّات.

وجاء عنه أنّه قال: (إنّ الله ليس بشبح فيرى، ولا بجسمٍ فيجرى، ولا بذي غايةٍ فيتناهى، ولا بمحدِث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، كلمّ موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ومَن زعَم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود) (1) .

وجاء عن الفتح بن يزيد الجرجاني أنّه سأل الإمام الرضا (عليه السلام): هل يعلم الله الشيء الذي لم يكن أنْ لو كان كيف يكون؟ فقال: (أمّا سمعت إليه يقول: ( لو كان فيهما آلهةً إلاّ الله لفسدتا ) ، وقوله: ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، وقال، عن أهل النار: ( أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا ) ، وقال: ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) ، فقد أثبت سبحانه لنفسه أنّه يعلم الشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون) (2).

وقد أورد الإمام (عليه السلام) هذه الآيات التي أثبتت له العِلم بما لم يكن، إلزاماً للقائلين بأنّ العلم لا يتعلّق بالمعدوم حيث شاع القول بذلك في عصره على أحد زعماء المعتزلة (3).

وأورد الصدوق في كتابه التوحيد جملة أُخرى من الأحاديث عن الأئمّة (عليهم السلام)، في تحديد معنى التوحيد تتضمّن تنزيه الله سبحانه عمّا أثبته له المشبّهة والمحدّثون من أهل السنّة، كما أورد السيّد الرضي في نهج البلاغة مجموعة من خطَب أمير المؤمنين (عليه السلام) حول هذا المعنى، وهو

____________________

(1) نفس المصدر ص 61.

(2) نفس المصدر ص 48.

(3) وتنسب هذه المقالة إلى الجهم بن صفوان أوّل المتكلّمين في القدر، وإلى هشام بن محمّد الغوطي أحد زعماء المعتزلة في عصر الإمام الرضا (عليه السلام).

١٤٢

أوّل مَن تطرّق لهذه المواضيع من المسلمين وذلك قبل وجود المعتزلة بعشرات السنين.

أمّا التوحيد عند الأشاعرة الذين يمثّلون رأي المحدّثين والفقهاء، وعامّة أهل السنّة، فقد قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميّين) في وصفه: (إنّ الله واحدٌ أحد لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، وهو على عرشه كما تنصّ الآية: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، وأنّ له يدَين بلا كيف لقوله: ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، ولقوله: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، وله عينان، لقوله: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) ، وله وجه لقوله: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ) ، وأنّ أسماء الله لا يُقال أنّها غير الله كما يدّعي المعتزلة والخوارج، وله علم لقوله: ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) ، ولقوله: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ ) ، وأثبتوا له القوّة لقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .

وأضافوا إلى ذلك أنّ سيّئات العباد يخلقها الله، وجميع الأعمال مخلوقةٌ له سبحانه، ولا يقدر العباد أنْ يخلقوا منها شيئاً، وأنّه يقدر أنْ يصلح الكافرين ويلطف بهم ليكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أنْ لا يصلحهم ولا يلطف بهم، وأرادهم كافرين، وأنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة تمامه، يراه المؤمنون دون الكافرين؛ لأنّهم عنه محجوبون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن مستقر (1).

وقد أورد الأسفراييني في كتابه التبصير عن معتقدات أهل السنّة (2) والجماعة ما هو قريب من ذلك، والأشاعرة كغيرهم من المذاهب الإسلامية، يثبتون له بعض الصفات وينفون عنه غيرها، ولكنّهم يختلفون اختلافاً واقعياً في كيفية اتصافه بتلك الصفات، ومع أنّهم ينفون عنه الجسمية والمكان والحلول يثبتون له ما لا ينفكّ عن هذه الأُمور، ويبدو ممّا ذكرناه من مجمل عقيدة الأشاعرة وأتباعهم المحدّثين أنْ بين رأيهم في حقيقة التوحيد من جهة، ورأي الإمامية والمعتزلة من جهة أُخرى تفاوتاً موجباً لتغايره بلحاظ كل من الرأيين.

____________________

(1) انظر مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري ص 330 وما بعدها إلى صفحة 333.

(2) انظر التبصير في الدين ص 149 وما بعدها.

١٤٣

وقد اتفقت الفِرَق الثلاث على أنّ صفاته منها ما هو ذاتي ثابت لذاته: كالعلم والقدرة والحياة، والإرادة والسميع، والبصير، ومنها ما هو إضافي يثبت لذاته بعد وجود المنشأ لانتزاعها: كالرازق، والخالق، والمالك، والمميت، وغير ذلك ممّا تتّصف به الذات بعد وجود منشأ لانتزاعها؛ لأنّ صدق الخالق والمالك والرازق والمُميت عليه سبحانه، إنّما صحّ باعتبار وجود المخلوق والمملوك، والإماتة، ولا شكّ بحدوث هذه الصفات تبَعاً لمنشأ انتزاعها أمّا الصفات الذاتية، فالأشاعرة وبعض المعتزلة يدّعون أنّها قديمة مغايرة لذاته، فهو عالمٌ بعلم، وقادرٌ بقدرة، وسميعٌ بسمع وهكذا الحال في بقية الصفات، وأمّا الإمامية فقد اتفقوا على أنّ صفاته ليست أُموراً زائدة على ذاته، وإلاّ لزِم تعدد القديم، أو حدوث الصفات ولا يُمكن الالتزام بكلٍّ منهما (1).

ولقد قسّم المتكلّمون الصفات إلى قسمين سلبية وثبوتية، فالسلبية هي نفي ما لا يليق بذاته عنه، ككونه جسماً آو جوهراً وعرضاً وغير ذلك، والثبوتية، فهي التي تليق بذاته كالعلم والقدرة والسمع والبصر والمُحيي والرازق وغيرها من الصفات التي أثبتها له المتكلّمون والفلاسفة الإسلاميّون.

وقد اتفق الإمامية والمعتزلة على عدم كونه جسماً؛ لأنّ كونه جسماً يلزمه أنْ يكون متحيّزاً، وأنْ يكون جوهراً لو كان متحيّزاً، وإذا كان جوهراً، فإمّا أنْ لا ينقسم أصلاً أو ينقسم، وكلاهما لا يجوز عليه سبحانه.

أمّا الأوّل: فلأنّ الجوهر الذي لا ينقسم هو الجزء الذي لا يتجزّأ، والجزء الذي لا يتجزّأ أصغر الأشياء، وتعالى الله عن ذلك.

وأمّا الثاني: فلو انقسم كان جسماً مركّباً، والتركيب الخارجي يتنافى مع الوجوب الذاتي، هذا بالإضافة إلى أنّه لو كان متحيّزاً، لكان مساوياً لسائر المتحيّزات في الماهية، واللازم من ذلك، إمّا القِدَم أو الحدوث؛ لأنّ المتماثلات لابدّ من توافقها في الأحكام (2).

____________________

(1) انظر المواقف للإيجي ص 45 وما بعدها من الجزء الثامن.

(2) انظر المواقف للإيجي الجزء الثامن من المجلّد الرابع ص 20 و21 وما بعدهما تجد عرضاً وافياً لبقية الأدلّة على نفي الجسمية ولوازمها من التحيّز وخلافه.

١٤٤

ولم يخالف بذلك سوى المشبّهة، وهم الحنابلة والكرامية، فقد ذهبوا إلى إنّه متحيّز بجهة العلو، ويظهر من الأشعري أنّ عقيدة أهل السنّة بأجمعهم على ذلك (1)، وعلى أيّ الأحوال فالمشبّهة من الحنابلة والمحدّثين، يدّعون أنّه متحيّز كبقية الأجسام بنحوٍ يصحّ الإشارة إليه، وهو مماس للصفحة العليا من العرش على حد تعبيرهم، ويجوز عليه التحوّل من مكانٍ إلى آخر، وأنّ العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، ويزيد عن العرش من كلّ جهة أربعة أصابع وأضافوا إلى ذلك أنّ المؤمنين المخلصين يعانقونه في الآخرة.

وادعى بعض الحشوية من المحدّثين أنّه جسمٌ مركّب من لحمٍ ودم، وقال آخرون: إنّه نور يتلألأ كالسبيكة البيضاء، ويبلغ طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، وقال آخرون: أنّه شيخٌ أشمط الرأس واللحية، إلى غير ذلك من الانحرافات والخرافات التي لا يقرّها العقل ولا المنطق، ولا مصدر لها من كتاب أو سنّة، وليس في القرآن سِوى بعض الآيات التي قد يتراءى لأوّل نظرة فيها أنّه جسم كبقية الأجسام، ولكنّها محاطة بآيات أُخرى، ونصوص من السنّة، وقرائن في تلك الآيات الموهمة لكونه جسماً، تؤكّد أنّ المعنى الموهوم من ظاهرها غير مراد منها.

وقال بعضهم، في تفسير قوله تعالى ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) : إنه يقعد معه على سريره، وادعى معاذ العنبري - أحد الحشوية من السنّة - أنّ الله على صورة إنسان، وله كلّ ما للإنسان حتى الفرج، وأضاف بعضهم انّه رأى صورة آدم فخلق نفسه على مثالها، وأنّه يضحك حتى تبدو نواجذه، وفي رجليه نعلان من ذهب في روضةٍ خضراء تحمله الملائكة، وأنّ الملائكة مخلوقة من زغَب ذراعيه.

وجاء عن داود الظاهري أنّ الملائكة عادته حينما اشتكى من وجَع في عينيه، وينزل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان في كلّ عام، وفي الآخرة لا يعرفه الناس إلاّ بعد أنْ يظهر لهم العلامة التي امتاز بها في ساقه، فإذا كشف لهم عن ساقه سجدوا له، ورووا أنّ فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) تأتي يوم القيامة وعليها قميص الحسين (عليه السلام) لتخاصم يزيد بن معاوية إلى الله؛ لأنّه قتل ولدها الحسين، وسبى عياله وأطفاله، فإذا رآها الله

____________________

(1) انظر ص 323 من مقالات الإسلاميّين في الفصل الذي عقده لبيان عقيدة أهل السنّة.

١٤٥

سبحانه دعا يزيد بن معاوية إليه وادخله تحت قوائم عرشه، كي لا تظفر به فاطمة (عليه السلام)، فيدخل يزيد ويختبئ منها، ثمّ تتظلّم فاطمة وتبكي، فيخرج الله سبحانه لها قدمه، وبها جرح من سهم نمرود، على حدّ زعمهم، فيقول لها: انظري إلى جرح قدمي، هذا من آثار سهم نمرود وقد عفوت عنه.

وفي شرح النهج لابن أبي الحديد إنّهم رووا في الصحاح أنّ آدم مخلوق على صورته تعالى، وأنّ النار عندما تتغيّظ وتزفر لا تسكن حتى يضع رجله فيها، ويُنسب إلى حمّاد بن أبي سلَمة الأُستاذ الأوّل لأبي حنيفة وأحد فقهاء الرأي، إنّ الله ينزل ليلة عرَفة من السماء إلى الأرض على جملٍ أحمر في هودجٍ من ذهب (1) .

والقول بالتجسيم لازم لكلّ من يلتزم بظواهر الآيات كالحنابلة وأتباعهم، أمّا الأشاعرة فمع أنّهم يلتزمون بظواهر الآيات بدون تصرّف فيها، فقد التزموا بأنّ لله وجهاً ويدين وعيناً، ولكنّهم اعتبروها أوصافاً قائمة بذاته تهرّباً من التجسيم الذي يدّعيه بعض الحنابة والحشوية تمشّياً مع العقل الذي يرى التجسيم منافياً للوحدانية (2).

وجاء عن عليّ (عليه السلام) حول المشبّهة والمُجسّمة: (كذب العادلون بك إذ شبّهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزّأوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم، وأشهد أنّ مَن ساواك بشيء مِن خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافرٌ بما نزلت به محكمات آياتك، ونطقت به شواهد حُجج بيّناتك) (3).

وقد بالغ الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق والمذاهب في نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم، ونسبوا إليه بعض المقالات المنافية لأُصول الاسلام، والتي لا يقرّها العقل، ولا تنسجم مع سيرة هشام وعلمه وصلته بالأئمّة من أهل البيت (عليه السلام)، فقد جاء في التبصير للأسفراييني، أنّه كان يقيس

____________________

(1) انظر ما ذكرنا من أقوال المجسّمة وأدلّتهم الجزء الثامن من المواقف ص 26، وشرح النهج لابن أبي الحديد طبع مصر ج 1 ص 294 و295 وما بعدها.

(2) انظر شرح النهج 296.

(3) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 144.

١٤٦

معبوده على الناس، وأنّه سبعة أشبار بشبره وأنّه يتلألأ نوراً، وحكى عنه أبو الهذيل العلاّف أحد زعماء المعتزلة وقد سأله: أيّهما أكبر معبوده أم جبل أبي قبيس؟ فقال: إنّ الجبل لا يرقى عليه تعالى، وحكى عنه أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميّين، أنّه قال: إنّ الله جسمٌ محدودٌ عريضٌ عميق طويل، طوله مثل عرضه وعمقه مثل طوله، وأنّه ذو لونٍ وطعمٍ ورائحة ومجسة إلى غير ذلك من المقالات التي ينسبها إليه كتّاب الفِرَق وغيرهم، وقد وصفه المعتزلة بالخروج عن الاسلام، وهاجمه الجبائي وغيره منهم، وقال فيه بعضهم:

ما بال مَن ينتحل الاسلام

متّخذاً إمامه هشاما (1)

ويبدو من ذلك أنّ الحملات العنيفة التي واجهها هشام، من أخصامه المعتزلة والمحدّثين والفقهاء من السنّة كانت بدافع التشنيع عليه؛ لأنّه كان يُخاصم الفريقين ويناظرهم ولا يثبتون له في جميع مواقفهم معه، كما تؤكّد ذلك المرويّات في ترجمته، وليس في كلماته ما يشير إلى التجسيم المنسوب إليه، وكلّ ما ورد عنه أنّه قال: إنّ الله جسم لا كالأجسام، قال ذلك على سبيل المعارضة والجدَل لأخصامه المعتزلة القائلين بأنّه شيء لا كالأشياء، وهذا النوع من الجدَل لا يدلّ على أنّه اتخذه رأياً له، ولا مذهباً يدين به كما يدّعي كتّاب الفِرَق والمذاهب.

ولو افترضنا أنّه كان يدين بذلك، فليس في هذا الرأي ما يوجب الكفر والإلحاد كما وصفه بذلك النظّام والجبائي وغيرهما من المعتزلة والمحدّثين، وليس في كلماته ما يشير إلى حديث الأشبار السبعة من قريب أو بعيد التي نسبها إليه الجاحظ والنظّام، هذا بالإضافة إلى أنّ هشام بن الحكم كان من تلامذة الأئمّة من أهل البيت (عليه السلام) الذين أعلنوا حرباً لا هوادة فيها على المجسّمة وأصحاب المقالات التي لا تتّفق مع قداسة الخالق وتنزيهه عن صفات مخلوقاته، وكان على صلةٍ أكيدة بهم، ومفضّلاً على الأجلّة من شيوخ أصحابهم.

وقال فيه الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تزال مؤيّداً بروح القدس يا

____________________

(1) انظر التبصير في الدين ص 106 ومقالات الإسلاميّين ج 1 ص 257 والشافي للسيّد المرتضى ص 11.

١٤٧

هشام، ما نصرتنا بلسانك)، وجاء عنه أيضاً أنّه دخل على الإمام الصادق وكان شابّاً قبل أنْ يختطّ عارضاه بالشعر، وفي مجلسه أجلاّء الشيوخ من شيعته وتلاميذه، فوسّع له في مجلسه، وأدناه منه ثمّ قال: (هذا ناصرنا بقلبه ويده ولسانه)، وقال فيه مّرة أُخرى: (هشام بن الحكم رائد حقّنا، والمؤيّد لصِدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، مَن تبعه وتبِع أمره تبعنا، ومَن خالفه وألحَد فيه فقد خالفنا وألحد فينا)، إلى غير ذلك من المرويّات الكثيرة في فضله وسلامة عقيدته، والتي تؤكّد بصراحة أنّه كان يُطبّق مبدأ الأئمّة من أهل البيت وتعاليمهم في أقواله وأفعاله وآرائه.

وكيف تصحّ في حقّه تلك التهم والمقالات الفاسدة المنافية لأُصول الإسلام ونصوص القرآن، مع تعظيم الأئمّة له، وتقديرهم لجهوده وجهاده؟ إنّ نسبة هذه المقالات إلى هشام بن الحكَم وجوازها عليه لا ينفكّ عن جوازها على الأئمّة أنفسهم الذين رفعوا شأنه، وفضّلوه على الأجلّة من أصحابهم.

وممّا يؤكّد عدم صحّة تلك المرويّات عنه أنّها لم ترِد عن غير أعداء الشيعة وأعدائه بصورة خاصة؛ لأنّه وقف لهم ولغيرهم من الملحدين وأهل البِدَع والمنحرفين بالمرصاد، وله مواقف حاسمة مع عمرو بن عبيد أحد زعماء المعتزلة، وإبراهيم بن سيار النظّام وغيرهما في الإمامة وغيرها من الأصول الإسلاميّة، وجاء فيما رواه أبو عمر الكشّي في رجاله، أنّ إبراهيم النظام كان ينكر بقاء أهل الجنّة إلى الأبد، مدّعياً أنّ البقاء الأبدي لا يكون لغير الله، وقد جرى حوار بينه وبين هشام بن الحكَم حول هذا الموضوع، قال فيه هشام: إنّ بقاء الله لا يحتاج إلى سبب وعلّة، وبقاؤهم لا يكون إلاّ بسبب، هو إرادة الله ومشيئته، فلا يلزم من بقائهم مشاركتهم لله سبحانه.

ولمّا أصرّ النظّام على أنّهم بعد استيفاء نصيبهم من النعيم يجمدون على الحالة التي كانوا عليها، قال هشام: أوَلَيس في الجنّة كلّ ما تشتهي الأنفس؟ ومِن الجائز أنْ يشتهوا البقاء فيها إلى الأبد، قال النظّام: نعم ولكنّهم لا يلهمون إلى ذلك، وإنْ سألوه أعطاهم ما يريدون.

قال هشام: فلو أنّ رجلاً من أهل الجنّة نظر إلى ثمرة من ثمارها، فتدلّت إليه الشجرة ليقطف منها تلك الثمرة، ثمّ حانت منه لفتة أُخرى، فنظر إلى ثمرةٍ أُخرى منها فمدّ يده ليأخذها فأدركه الجمود الذي تدّعيه،

١٤٨

ويداه معلقتان بشجرتين فارتفعت الأشجار يصبح والحالة هذه مصلوباً، أَفبلغك أنّ في الجنّة مصلوباً؟ قال النظّام: إنّ ذلك محال، فقال هشام: إنّ ما أتيت به أمحل منه يا جاهل.

ومهما كان الحال، فالخصومة الشديدة التي كانت بينه وبين أصحاب المقالات والآراء المخالفة لأُصول الاسلام، ولا سيّما خصومته لأقطاب المعتزلة كعمرو بن عبيد، والنظّام والجاحظ وأمثالهم، هذه الخصومة هي التي دفَعت أعداءه إلى الكذِب والتشويش عليه، ولو افترضنا أنّه كان من القائلين بالتجسيم، وأنّه كان دَيصانياً في بداية أمره، ثمّ أصبح جهمياً، وأخيراً أصبح إمامياً متحمّساً لفكرة الإمامية، ولو افترضنا أنّه كان ديصانياً وجهمياً قبل تشيّعه لأهل البيت (عليه السلام)، فلابدّ وأنْ يكون قد رجَع عن القول بالتجسيم بعد المرحلة الأخيرة التي استقرّ عليها، كما يبدو ذلك من سيرته، ومعاملة الأئمّة الهداة (عليه السلام) له.

وجاء في بعض المرويّات أنّ الإمام جعفر بن محمّد (عليه السلام) قد منعه من الدخول عليه؛ لأنّه يقول بالتجسيم، واعتذر عن ذلك بأنّه لم يعلم بأنّه يتخطى رأي إمامه بذلك، أمّا بعد أنْ علم بذلك، فهو تائب إلى الله (1)، على أنّ ذلك كلّه مجرّد افتراض، والرواية المذكورة لا تؤيّدها الدراسة لتاريخ هشام بن الحكم وتتبّع آثاره، والذي تؤيّده الشواهد المتعدّدة أنّ هشاماً منذ نشأته لم ينحرف عن التشيّع، وقضى مدّة حياته صلباً في تشيعه، وخصماً عنيداً لكلّ مَن يُحاول التشويش عليه من أيّ فرقةٍ كان.

والرواية الحاكية لخصومته مع عمرو بن عبيد في البصرة حول الإمامة، تنصّ على أنّه كان يوم ذاك في مطلع شبابه، لم يختط عارضاه بالشعر كما جاء فيها، وقد جاء في الشافي للسيّد المرتضى، أنّ الإمام الصادق كان يرفعه على شيوخ أصحابه مع حداثة سنّه، وأنّه وهو في ريعان شبابه كان يُدافع ويناضل عن التشيّع وأُصوله (2).

ومن ذلك نستفيد أنّه لم يعتنق غير التشيّع مذهباً، ولم يتبنّ غير أُصوله وفروعه، وكيف يجوز في حقّه أنْ يكون ديصانياً تارة، وجهمياً أُخرى، مع كونه خصماً عنيداً لأعداء التشيّع قبل أنْ يختطّ عارضاه

____________________

(1) انظر هشام بن الحكم للشيخ عبد الله نعمة.

(2) انظر الشافي للسيّد المرتضى ص 12 و13.

١٤٩

بالشعر أي في مطلع شبابه وهذا السنّ لا يُساعد عادة على استعراض المذاهب ودراستها والتنقّل من مذهب إلى مذهب، على أنّ هذه النسبة جاءته مِن قِبل أخصامه المعتزلة الذين كانوا يرونه من أنكد أخصامهم الأقوياء، ونسَج المتأخّرون منهم على منوالهم، وما زال الكتّاب يلصقون به وبغيره من أعلام الشيعة، كلّ ما يُسيء إلى سمعتهم ويُوهن من أُمورهم، ويجترون أقوال المتقدّمين بدون تحقيق أو تمحيص.

وجاء في تاريخ الفِرَق الإسلامية أنّ أصل التشبيه يرجع إلى طائفتين: طائفة الروافض من الشيعة، وطائفة الحشوية من المحدّثين، ويمثّل الطائفة الأُولى هشام بن الحكم (1)، وقد ذكرنا أنّ مصدر إلصاق هذه التهمة به هو الكلمة المنسوبة إليه وهي، (إنّه جسمٌ لا كالأجسام)، وهي على تقدير صدورها منه صورة ثانية عن مقالة المعتزلة، (إنّه شيءٌ لا كالأشياء)، والمقصود منها أنّه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا تدلّ على أكثر من ذلك، ومع ذلك فقد استباحوا إلصاق هذه المقالات الباطلة به، ولم ينسبوا إلى الأشعري والمحدّثين القول بالتشبيه والتجسيم، مع أنّ كلماتهم أدلّ على التجسيم المطلق من هذه الكلمة.

قال أبو الحسن الأشعري، في شرح معتقدات أهل السنّة: (إنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ وله يدان وعينان ووجه وغير ذلك من الأعضاء، وعقّب ذلك بقوله: وبكلّ ما ذكرنا من قولِهم نقول وإليه نذهب (2)، وذكر في التبصير نحواً من ذلك، واستدلّ على رؤية الله سُبحانه بأنّ ما لا تصحّ رؤيته لم يتقرّر وجوده، هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عن الحنابلة الذين أنزلوه إلى مستوى البشر، ومع ذلك فالشيعة عند عليّ الغرابي، هُم المشبّهة والمجسّمة بزعامة هشام بن الحكَم.

أمّا القائلون بأنّ له يداً وعيناً ووجهاً وأنّه يُرى بالأبصار، وينزل إلى السماء الدنيا وغير ذلك ما هو ثابت عن أهل السنّة الأشاعرة وغيرهم،

____________________

(1) انظر تاريخ الفِرَق الإسلامية لعلي الغرابي.

(2) انظر صفحة320 وما بعدها إلى ص325 الجزء الأول من مقالات الإسلاميّين، وانظر التبصير في الدين ص138.

١٥٠

هؤلاء هم الموحّدون الحقيقيّون عند الغرابي وغيره من كتّاب السنّة.

ومن صفاته السلبية، أنّه ليس بجوهر ولا عرض؛ إذ لو كان جوهراً لكان متحيّزاً، والتحيز يلزمه التجسيم وكونه محتاجاً إلى غيره، هذا بالإضافة إلى أنّ الجوهر وجوده غير ماهيته، والواجب متّحد وجوداً وماهية، ولو كان عرضاً احتاج إلى محل يعرض عليه؛ لأنّ الأعراض إنّما تتقوّم بغيرها.

ومنها أنّه ليس زمانياً بمعنى أنّ وجوده لا يحتاج إلى الزمان، ولو كان زمانياً لزِم كون الزمان قديماً، وكونه مفتقراً إلى غيره كما هو الحال في كلّ زماني، مضافاً إلى أنّ الزمان يتجدّد، والحال في المتجدّد لابدّ وأنْ يكون متجدّداً، وتعالى الله عن ذلك، وليس معنى كونه قديماً هو التقدّم الزماني، كما وأنّ بقاءه لا يعني وجوده في زمانين أو أكثر، وإلاّ لزِم كونه زمانياً.

ومنها أنّه لا يتّحد بغيره لامتناع صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، وينسب القول بذلك إلى الصوفية؛ لأنّهم يدّعون بأنّه متّحد بأبدان العارفين، وأنّه نفس الوجود، وكلّ موجود هو الله على حدّ زعمهم.

ومنها أنّه لا يحلّ بغيره؛ لأنّ الحال مفتقر إلى المحل، وكلّ مفتقر إلى غيره ممكن، مضافاً إلى أنّ الحلول يستدعي التبعية، والغني بذاته لا يكون تابعاً لغيره، ولو افترضنا ذلك لزِم كون المحل قديماً فيتعدّد القديم، والقول بالحلول منسوبٌ إلى المتصوّفة القائلين بأنّ الله يحل في أبدان العارفين، وأنّ الإنسان متى وصل إلى أعلى مراتب المعرفة فقد اتحد مع الإله، فتسقط عنه جميع التكاليف.

وفكرة الحلول والاتحاد لازمة لقول النصارى في المسيح، لأنّه تعالى إمّا حالٌّ في المسيح أو متّحدٌ معه، أو أنّ صفته قد حلّت فيه، وعلى جميع التقادير إمّا أنْ يكون الحلول ببدن المسيح أو بنفسه، وقد بيّنا أنّ الاتّحاد محال عقلاً مع فرض الاثنينية، والحلول يؤدّي إلى النتائج التي ذكرناها (1).

ومنها أنّه لا يتّصف بشيء من الأعراض المحسوسة بالحسّ الظاهر أو الباطن كالطعم واللون والرائحة والألم، والحقد، والحزن، والخوف وغير ذلك؛ لأنّ هذه كلّها من توابع المزاج والأجسام المركّبة من عناصر

____________________

(1) انظر المواقف جزء 8 ص 29 و30 وكشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص 17.

١٥١

مختلفة، وأجزاء متباينة لكلّ واحد منها آثار وخواص تخصّه، وقد أثبتنا أنّه تعالى ليس بجسمٍ لتكون له هذه الآثار والخصائص الثابتة للأجسام.

الصفات الوجودية

لقد ذكرنا سابقاً أنّ المتكلّمين قسّموا الصفات إلى قسمين ثبوتية وسلبية، وقد ذكرنا قسماً من الصفات السلبية، أمّا الصفات الوجودية فهي إمّا راجعة للذات ابتداءً وبلا توسّط شيءٍ آخر، وأمّا أنْ تكون صفة للذات باعتبار الأفعال الصادرة عنها، قال الشيخ المفيد: (صفات الله على ضربين، أحدهما منسوبٌ إلى الذات، فيقال عنها أنّها صفاتٌ للذات، وثانيهما منسوبٌ إلى الأفعال فتكون صفة لها، والمراد من صفات الذات هو كونها مستحقّة لها استحقاقاً لازماً، لا لشيء سِواها، ومعنى صفات الأفعال، هو أنّها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده.

فصفات الذات له تعالى، هي وصْفَه بأنّه حيٌّ عالمٌ قادر، ألا ترى أنّه لم يَزل مستحقّاً لهذه الصفات ولا يزال، ووصْفُنا له بصفات الأفعال معناه أنّه قبل صدور الفعل لا يصحّ وصفه سبحانه بتلك الصفة، فقبل خلقه الخلْق لا يُوصف بأنّه خالق، وقبل إماتته الخلق لا يقال عنه مميت، إلى غير ذلك مّن الصفات التي لا يصحّ حملها على الذات إلاّ بعد وقوع الفعل منه سبحانه.

وأضاف إلى ذلك أنّ صفات الذات لا يوصف صاحبها بأضدادها، ولا يخلو منها، أمّا صفات الأفعال فيوصف مستحقّها بضدّها كما يصحّ خلوّه عنها، فلا يوصف بالموت ولا بالعجز ولا بالجهل، كما لا يوصف بخلوّه عن الحياة والعلم والقدرة؛ لأنّ هذه الصفات ثابتة لذاته تعالى، ويصحّ أنْ يقال فيه أنّه غير خالق اليوم ولا رازق لزيد، ولا محيي للميّت الفلاني،  ولا مُبدِئ لشيء في هذه الحالة) (1).

____________________

(1) انظر تصحيح اعتقادات الصدوق للشيخ المفيد ص 11.

١٥٢

والمتحصّل من ذلك أنّ نسبة الصفات إليه تعالى ليست على نهجٍ واحد؛ لأنّ منها ما يُنسب إلى ذاته ابتداءً ولا توسّط لشيء، ومنها ما ينسب لذاته بلحاظ ما يصدر عنه من الأفعال، والظاهر أنّ القسم الثاني من الصفات ليس داخلاً في النزاع القائم بين الأشاعرة وغيرهم، في أنّ صفاته عين ذاته أم غيرها؟ لأنّ هذه الصفات إنّما تجري عليه سبحانه بلحاظ ما يصدر عنه، فهي تابعة لمنشأ انتزاعها، كما وأنّ القسم الأوّل من الصفات لا إشكال في أنّه الموضوع للنزاع القائم بين الطرفين الأشاعرة وغيرهم، وقبل الإشارة إلى وجهة نظر الفريقين في هذه المسألة، لابدّ من البحث في الصفات وبيان المراد منها مع الإشارة إلى رأي الفلاسفة والمتكلّمين منها على ضوء ما جاء في كلماتهم حول هذه المواضيع.

القُدرة

وقد عدّوا من جملة صفات الذات القدرة، ومعناها عند المتكلّمين، أنّه لا شيء من الفعل والترك ضروري بالنسبة إليه سبحانه؛ لأنّه قد أوجد هذا الكون بنظامه حسب مشيئته، ولو لم يشأ لم يكن، وقال الفلاسفة: إنّ القدرة بهذا المعنى نقصان لا يليق بذاته سبحانه، وإيجاده للكون هو من لوازم ذاته، فيمتنع خلوّه منه، فالقدرة لازمة له كلزوم العلم وسائر الصفات الكمالية، فكما يستحيل انفكاكها عنه، يستحيل انفكاك القدرة عنه، وفي جواب ذلك قال المتكلّمون: أنّه لو لم تكن القدرة بمعنى إنْ شاء فعل وإنْ شاء ترَك بحيث لم يكن الفعل والترك ضروريّين، يلزم أحد أُمور أربعة، إمّا نفي الحادث، أو عدَم استناده إلى المؤثّر، أو التسلسل، أو تخلّف الأثر عن المؤثّر.

بيان الملازمة، أنّه لو كان موجباً بذاته، إمّا أنْ لا يوجد حادث أو يوجد، فإنْ لم يوجد لزِم نفي الحادث، وهو مُخالف للضرورة والوجدان، وإنْ وجِد حادث، فإمّا أنْ لا يستند الحادث الموجود إلى مؤثّر موجد، أو

١٥٣

يستند، فإنْ لم يستند الى مؤثّر، لزِم عدم استناد الحادث إلى مؤثّر، وإنْ استند الحادث الموجود إلى مؤثّر، فإمّا أنْ يكون المؤثّر قديماً أو حادثاً، فإنْ لم يكن قديماً ولا منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر، وذلك المؤثّر إذا لم يكن قديماً أو منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر آخر، فيلزم التسلسل، وإنْ كان المؤثّر منتهياً إلى القديم لزِم تخلّف الأثر عن المؤثّر؛ لأنّا قد فرضناه حادثاً منتهياً إلى القديم الموجب بذاته، ولازم ذلك كون الأثر مقارناً للموجب، ولو كان مقارناً خرَج عن كونه حادثاً، ولزم تعدد القديم، وهو خلاف المفروض (1).

والقدرة الثابتة لذاته تعالى تشمل جميع الأشياء، حسنة كانت أم قبيحة، لأنّ المقتضى للقدرة على جميع الممكنات، هو ذاته، ونسبتها إلى جميع الممكنات متساوية، وإذا ثبتت على بعضها ثبتت على البعض الآخر، ولم يُخالف بذلك إلاّ الفلاسفة وبعض المعتزلة. أما الفلاسفة، فقالوا: إنّ الله واحد والواحد لا يصدر عنه أكثر من واحد، فلا يقدر على جميع الممكنات، ولذا التزموا بأنّ الله أوجد العقل الأوّل، وبقية المُمكنات تصدر عنه بالوسائط.

وذهب المجوس إلى أنّ الله لا يقدر إلاّ على الخير، أمّا الشرّ فليس من مقدوره، وإنّما هو من فعل الشيطان، كما ذهب النظام وأتباعه من المعتزلة إلى أنّ الله لا يقدر على القبيح، لأنّه مع العلم بقبحه يكون فعله سفَهاً، وإنْ كان جاهلاً بقبحه يكون ناقصاً، وتعالى الله عن ذلك.

وذهب أبو القاسم البلخي وجماعة منهم إلى أنْ الله لا يقدر على ما أقدر عليه عباده؛ لأنّه أمّا أنْ يكون طاعة مشتملة على المصلحة أو معصية فيه المفسدة، أو مجرّداً عنهما، والجميع لا يجوز عليه تعالى لأن أفعاله لا تكون لهذه الاعتبارات (2) .

وذهب الجبائيان إلى أنّ الله لا يقدر على عين فعل العبد؛ لأنّه لو أراد الله فعلاً من أفعال العبد، وأراد العبد عدمه فإنّ وقعا اجتمع النقيضان، وإنْ لم يقعا، ارتفع النقيضان، وإنْ وقع أحدهما لا يكون الثاني مقدوراً.

____________________

(1) انظر المواقف ج 8 ص 50 وشرح التجريد للعلامة الحلّي.

(2) انظر مقالات الإسلاميّين ص 251، المواقف ص 63.

١٥٤

والجواب، إمّا عن شبهة المجوس، فإنّ القدرة على الشرّ، لا تستلزم فعله، لوجود الصارف عنه أحياناً.

وأمّا عن دعوى النظام وأتباعه، فعلى مبدأ الأشاعرة المنكرين للقبح والحُسن الذاتيّين، لا يلزم أيّ محذور من قدرته على القبيح؛ لأنّ تعلّق القدرة به يكشف عن عدم قبحه، وأمّا على مبدأ الإمامية، فالمراد من قدرته على الحسن والقبيح، أنّه يدعو إلى الحسن بدون أنْ يكون له صارف عنه، أمّا القبيح فمع أنّه داخل تحت قدرته كغيره من الممكنات لا داعي له إلى فعله، بالإضافة إلى وجود الصارف عنه، وعدم صدوره عنه لا يدلّ على نفي القدرة عنه، فهو مقدور باعتبار ذاته، وممتنع عليه عرَضاً لوجود الصارف عنه.

وأمّا عن دعوى البلخي، فالطاعة والعبث وغيرهما من الاعتبارات إنّما تَعرِض للأفعال الصادرة من العبد، ولا تؤثّر في ذاتيّة الفعل، فكونه طاعة أو معصية وصْفان يعرضان للفعل من حيث قصد الفاعل، والدواعي القائمة بنفسه وما يُرافق الفعل من آثار سيّئة أو طيّبة، وبالنسبة إليه تعالى لا تجري فيه جميع هذه الاعتبارات.

وأمّا عن دعوى الجبائيّين وأتباعهما، فلو تعلّقت إرادة الله سُبحانه بالفعل لا يمكن أنْ تؤثّر إرادة العبد المتعلّقة بالترك؛ لأنّها أقوى منها، وهذا لا يمنع من كون الترك مقدوراً للعبد في هذه الحالة ذاتاً، وإنْ امتنع في حقّه عرَضاً لوجود المزاحم الأقوى منها تأثيراً.

العلم

ومنها أنّه عالمٌ بالكون وما فيه، من غير فَرقٍ بين الكلّيات والجزئيّات، والأعدام الممكنة والممتنعة، والجواهر والأعراض، وكلّ ما كان وما يكون في الخارج أو الذهن، ويؤيّد هذه الدعوى على عمومها ما جاء في الآية من سورة الأنبياء: ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) والآية من سورة الإنعام:

١٥٥

( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) .

وممّا يدل على ذلك أنّه أوجد الموجودات على أكمل الوجوه، وأتقن صنعها، وغير العالم يستحيل أنْ يصدر منه الفعل المتقن مرّة بعد أُخرى، هذا بالإضافة إلى أنّ كلّ شيءٍ سِواه ممكن، والممكن لابدّ في وجوده من علّة تقتضي إيجاده، وذاته تعالى هي العلّة في إيجاد جميع الموجودات والممكنات، وهو عالم بذاته، والعلم بالعلّة يستتبع العلم بالمعلول الصادر عنها من غير فَرقٍ بين أقسام الممكنات وأنواعها، وقد ادعى بعض المتكلّمين، أنّ الله لا يعلم ذاته؛ لأنّ العلم إضافة بين العالم والمعلوم، ولابدّ من المغايرة بينهما، فلو قلنا بأنّه يعلم ذاته يلزم مغايرة علمه لذاته.

والجواب عن هذه الدعوى، إنّ المغايرة بين العلم والمعلوم يكفي فيها أنْ تكون اعتبارية، وهي موجودة في المقام، فذاته من حيث إنّها عالمة، مغايرة لها من حيث إنّها معلومة، ويكفي هذا النوع من المغايرة بالنسبة إليه سبحانه.

وادّعى آخرون بأنّ الله لا يعلم الجزئيات ولا الشيء قبل وجوده، أمّا أنّه لا يعلم الجزئيات فلأنّها تتغيّر وتتبدّل وإذا تغيّر المعلوم وتبدّل لابدّ من تغيّر العلم، وقد ثبت أنّ علمه عين ذاته فيلزم الذات تغيّرها، وأمّا عدم علمه بالأشياء قبل وجودها، فلأنّه لو تعلّق بها العلم، كان وجودها واجباً فيلزم انقلاب الممكن واجباً، إذ لو لم توجد لزم انقلاب علمه جهلاً.

والجواب عن الدعوى الأُولى، إنّ العلم بالجزئيات لا يتغيّر حتى ولو تغيّر الجزئي المعلوم؛ لأنّ المتغيّر هو الإضافة المتعلّقة بالمعلوم، فزيد إذا وجد ينسب وجوده إلى علم الله وإذا انعدم تنتفي نسبة وجوده إلى علمه، أمّا العلم فهو على حاله لم يتغيّر ولم يتبدّل، فالتغير في الإضافات، لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية الثابتة للذات، وهذا نظير قولنا: زيد يقدر على عمرو فلو مات عمرو لا تنتفي قدرة زيد عليه، ولكنّ هذه الإضافة الخاصّة قد انتفت بموت عمرو؛ ولأنّها أمرٌ اعتباري لا وجود له خارجاً.

والجواب عن الدعوى الثانية، بأنّ تعلّق علمه بالمتجدّدات لا يُخرجها عن كونها ممكنة ذاتاً؛ لأنّ علمه تعلّق بها على هذه الصفة، فإذا وجب وجودها بعد ذلك لوجود سببه، لا تخرج عن إمكانها الذاتي؛ لأنّ وجوبها

١٥٦

لحصول سببه، وكلّ ممكن قد يُصبح واجباً بالعرض ولا مانع من اجتماعهما (1) .

____________________

(1) شرح التجريد للعلاّمة الحلّي ص176 والمواقف ص71 وما بعدها ومعالم الفلسفة للشيخ محمّد جواد مغنية ص139.

١٥٧

الحياة والإرادة

ومنها أنّه حيّ مُريد لأنّه عالمٌ قادر، وكلّ عالمٍ قادر لابدّ وأنْ يكون حيّاً، وليست الحياة بالنسبة إليه كالحياة بالنسبة لغيره، فحياة غيره هي عبارة عن اعتدال المزاج والحركة والحس، وغير ذلك من المقوّمات أمّا بالنسبة إليه سُبحانه، فعند الإمامية القائلين بوحدة الذات والصفات عبارة عن معنى سلبي، أي لا يستحيل عليه أنْ يعلم ويقدر؛ لأنّ ثبوت الصفة فرع عن عدم استحالتها، وعند الأشاعرة وبعض المعتزلة القائلين بتغاير الصفات مع الذات، أنّها صفة توجب صحّة العلم الكامل والقدرة الشاملة، إذ لولا اختصاصه بصفة توجب صحّة العلم والقدرة، لكان اختصاصه بصحّة العلم والقدرة ترجيحاً بدون مرجح (2).

وأمّا كونه مريداً فقد اتّفق الجميع على ذلك بدليل أنّه سبحانه أوجد بعض الممكنات دون بعض، مع أنّ قدرته تعمّ جميع الممكنات وعلمه محيطٌ بجميع الكائنات، ولا سبب لذلك إلاّ تعلّق إرادته ببعضها دون البعض الآخر، وقد اختلفوا في معنى إرادته سبحانه، فأبو الحسين الصالحي والنظّام والجاحظ والعلاّف، وأبو القاسم البلخي وغيرهم، ذهبوا إلى أنّها عبارة عن علمه بما في الفعل من المصالح والمنافع، وتسمّى عندهم (بالداعي إلى إيجاد الفعل).

وقال النجّار: إنّها معنىً سلبي، بمعنى أنّه غير مستكره ولا مغلوب.

____________________

(2) انظر شرح التجريد ص 177 والمواقف ص 81.

١٥٨

وقال الكعبي: إنّ إرادته بالنسبة لأفعال نفسه علمه بالمصلحة، ولأفعال غيره أمَره بها. وقال الحكماء: إنّها العلم بالنظام على الوجه الأكمل، ويسمّونها (العناية)، وقال ابن سينا: (العناية هي إحاطة علم الأوّل تعالى بالكل، وبما يجب أنْ يكون عليه الكل، حتى يكون على أحسن النظام).

وقال الأشاعرة والحنابلة والجبائيان من رؤساء المعتزلة، إنّها صفة زائدة على العِلم، وفي شرح التجريد أنّها عبارة عن الداعي إلى الفعل، وليست أمراً زائداً على الذات كما يدّعي الأشاعرة؛ للزوم تعدّد القدماء وليست أمراً حادثاً في ذاته، كما يدّعي الكراميّة، أو لا في محل كما يدّعي أبو علي وأبو هاشم من المعتزلة، إذ لو كانت حادثة في ذاته أو لا في محل لزِم التسلسل، لاحتياج الحادث إلى موجد بإرادة، والكلام بعينه يجري في الإرادة الثانية (1).

وقال الشيخ المفيد في أوائل المقالات: أنّ إرادته لأفعاله هي نفس أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال، وبذلك جاءت الآثار عن أئمة الهدى مَن آل محمّد (عليه السلام) وهو مذهب الإمامية إلا من شذّ منهم (2).

ومن صفاته تعالى، أنّه سميعٌ بصير، قال الإيجي في المواقف، والعلاّمة الحلّي في شرح التجريد ما حاصله أنّ ذلك ممّا علم بالضرورة من دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، واتّفق عليه جميع المسلمين، ودلّ عليه القرآن الكريم واستدل جماعة على ثبوت هذين الوصفين له، بأنّه قد ثبت اتصافه بالحياة وكل حيّ لابدّ وأن يتّصف بالسمع والبصر، إذ لو لم يتّصف بهما لاتّصف بضدّهما، واتّصافه بضدّهما نقصٌ لا يجوز عليه سبحانه، والمراد منهما علمه بالمسموعات، والمبصرات؛ لأنّ السمع والبصر الثابتان له، لو كانا بآلة تشبه الآلات الموجودة لدى سائر مخلوقاته، لزم كونه جسماً مركباً من أجزاء متباينة، لكلّ جزء منها وظيفة تختصّ به، وذلك ممتنع بالنسبة إليه تعالى كما ذكرنا سابقاً، فلابدّ وأنْ يكون المراد منهما غير السمع والبصر

____________________

(1) انظر شرح التجريد ص 177 والمواقف ص 81.

(2) انظر أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 19.

١٥٩

الثابتين لغيره من المخلوقات (1).

قال الشيخ المفيد: إنّ استحقاق القديم سُبحانه لهذه الصفات كلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول، وأنّ المعنى في جميعها العلم، فالمراد من كونه سميعاً وبصيراً، علمه بالمسموعات والمبصرات وأضاف قائلاً: ولست أعلم من متكلّمي الإمامية خلافاً في هذا الباب وهو مذهب البغداديين من المعتزلة، وقد خالف فيه المشبهة من أصحاب الصفات، والبصريّون من أصحاب الاعتزال (2)، وهو مذهب الفلاسفة والكعبي، وأبي الحسين البصري.

وذهب الأشاعرة وجمهور المعتزلة إنّهما صفتان زائدتان على العلم (3) .

____________________

(1) انظر المواقف ص 88 الجزء الثامن، فإنّه بعد أنْ أورد هذا الاستدلال أبطله، وانتهى أخيراً إلى القول بأنّ العمدة في إثبات هذين الوصفين له تعالى ظواهر الآيات الدالّة على ذلك.

(2) انظر أوائل المقالات ص 21.

(3) انظر المواقف ص 89، والظاهر أنّهم يعتمدون على ظواهر النصوص في ذلك وعبارة المواقف تنصّ على أنّ الأكثرية الغالبة من المعتزلة متّفقون مع الأشاعرة في هذه المسألة.

١٦٠