هؤلاء هم الموحّدون الحقيقيّون عند الغرابي وغيره من كتّاب السنّة.
ومن صفاته السلبية، أنّه ليس بجوهر ولا عرض؛ إذ لو كان جوهراً لكان متحيّزاً، والتحيز يلزمه التجسيم وكونه محتاجاً إلى غيره، هذا بالإضافة إلى أنّ الجوهر وجوده غير ماهيته، والواجب متّحد وجوداً وماهية، ولو كان عرضاً احتاج إلى محل يعرض عليه؛ لأنّ الأعراض إنّما تتقوّم بغيرها.
ومنها أنّه ليس زمانياً بمعنى أنّ وجوده لا يحتاج إلى الزمان، ولو كان زمانياً لزِم كون الزمان قديماً، وكونه مفتقراً إلى غيره كما هو الحال في كلّ زماني، مضافاً إلى أنّ الزمان يتجدّد، والحال في المتجدّد لابدّ وأنْ يكون متجدّداً، وتعالى الله عن ذلك، وليس معنى كونه قديماً هو التقدّم الزماني، كما وأنّ بقاءه لا يعني وجوده في زمانين أو أكثر، وإلاّ لزِم كونه زمانياً.
ومنها أنّه لا يتّحد بغيره لامتناع صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، وينسب القول بذلك إلى الصوفية؛ لأنّهم يدّعون بأنّه متّحد بأبدان العارفين، وأنّه نفس الوجود، وكلّ موجود هو الله على حدّ زعمهم.
ومنها أنّه لا يحلّ بغيره؛ لأنّ الحال مفتقر إلى المحل، وكلّ مفتقر إلى غيره ممكن، مضافاً إلى أنّ الحلول يستدعي التبعية، والغني بذاته لا يكون تابعاً لغيره، ولو افترضنا ذلك لزِم كون المحل قديماً فيتعدّد القديم، والقول بالحلول منسوبٌ إلى المتصوّفة القائلين بأنّ الله يحل في أبدان العارفين، وأنّ الإنسان متى وصل إلى أعلى مراتب المعرفة فقد اتحد مع الإله، فتسقط عنه جميع التكاليف.
وفكرة الحلول والاتحاد لازمة لقول النصارى في المسيح، لأنّه تعالى إمّا حالٌّ في المسيح أو متّحدٌ معه، أو أنّ صفته قد حلّت فيه، وعلى جميع التقادير إمّا أنْ يكون الحلول ببدن المسيح أو بنفسه، وقد بيّنا أنّ الاتّحاد محال عقلاً مع فرض الاثنينية، والحلول يؤدّي إلى النتائج التي ذكرناها
ومنها أنّه لا يتّصف بشيء من الأعراض المحسوسة بالحسّ الظاهر أو الباطن كالطعم واللون والرائحة والألم، والحقد، والحزن، والخوف وغير ذلك؛ لأنّ هذه كلّها من توابع المزاج والأجسام المركّبة من عناصر