الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة0%

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 253

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 53491
تحميل: 9017

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53491 / تحميل: 9017
الحجم الحجم الحجم
الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التكلّم

ومن صفاته الثبوتية التكلّم، ولم يُخالف بذلك أحد من المسلمين، ويكفي في إثبات هذه الصفة له بالإضافة إلى النصوص الكثيرة، الكتب المنزلة على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والقرآن، ولا خلاف من أحد من المسلمين في ذلك، وإنّما النزاع بينهم في أنّ كلامه حادث أو قديم، وقد برز هذا النزاع بين المعتزلة والمحدّثين منذ أنْ ظهر الاعتزال، ونشَط كلّ من الفريقين لتأييد مذهبه في هذه المسألة، وتراشقوا بالسباب والتفسيق والتُهَم المفتعلة، ولا سيّما بعد أنْ وجَد المعتزلة من يناصرهم ويتبنّى

١٦١

آراءهم من الحكّام العبّاسيّين، كالمأمون والمعتصم والواثق، وهؤلاء الذين حاولوا فرض آرائهم على المسلمين بالقوّة، وأرغموا الفقهاء والمحدّثين على القول بها.

وكما ذكرنا أنّ زعماء المعتزلة كانوا على خلاف في أكثر المسائل والمناهج التي اتبعوها مع العلماء والمحدّثين، ولم يبلغ النزاع أشدّه بين هاتين الفئتين إلاّ بعد أنْ ظهر المعتزلة بفكرة خلق القرآن، فكانت هذه الفكرة من أبرز المسائل التي تضاربت فيها آراؤهم، مع أنّ خلافهم في بعض المسائل ربّما يكون له مساس في الدين أكثر من هذه المسألة، كمسألة خلق الأفعال، ورؤية الله وانتهاء نعيم الآخرة وخلق الجنّة والنار وغير ذلك ممّا اختلفت فيه آراؤهم، وتباينت فيه مذاهبهم، فمسألة خلق الأفعال مثلاً مع أنّها أكثر تعقيداً من غيرها من المسائل الكلامية وصلتها بالدين أوثق من بقيّة المسائل النظرية، ولها أثرها على حياة الإنسان في جميع أفعاله وتصرّفاته، ومع ذلك فلم ينته الخلاف فيها بين الفريقين إلى الحدّ الذي انتهى أليه في خلق القرآن، ولعلّ مردّ ذلك إلى أنّ الخلاف بينهما قبل أنْ يلقى تأييداً من الحكّام، كان لا يتجاوز حدود الجدل، واستعمال الأدلة المنطقية، التي كانت تبرز في مناهج المعتزلة ومناظراتهم وحلقات التدريس.

وقد تأصّل العِداء بينهم وبين غيرهم من العلماء، وأصبح اسم المعتزلة عند المحدّثين والفقهاء تعبيراً آخر عن الإلحاد والزندقة والتمرّد على نصوص الوحي، كما أصبح اسم المحدّثين والفقهاء يمثّل الجمود والتقليد الأعمى للسلَف، وحينما وجَد المعتزلة أنّ المأمون العبّاسي متّجه إليهم ومقتنع بمناهجهم ونزعاتهم الفكرية، استغلّوه لصالحهم، ووجدوا من فكرة خلْق القرآن، ما يُساعدهم على التنكيل بأخصامهم الذين رموهم بالزندقة والإلحاد، واستطاعوا إقناعه بأنّ القول بعدَم خلق القرآن يُضاهي قول النصارى في المسيح، ويؤدّي إلى القول بتعدّد القدماء، وقد مهّد لهم الأُمور أحد فقهائهم أحمد بن أبي دؤاد ، وكان من المقرّبين إليه، وأوثقهم في نفسه، فكتب إلى الولاة في العواصم الإسلامية أنْ يختبروا الفقهاء والمحدّثين في مسألة خلق القرآن، وفرَض عليهم أنْ يعاقبوا كلّ مَن لا يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة.

وجاء المعتصم والواثق من بعده فطبّقا سيرته وسياسته مع أخصام المعتزلة، وبلغت المحنة أشدّها على المحدّثين، وبقيَ أحمد بن حنبل ثمانية

١٦٢

عشَر شهراً بين أيدي الجلاّدين يسومونه سوء العذاب، فلَم يتراجع عن رأيه، ولمّا جاء المتوكّل العبّاسي وأظهر مناصرته له ولأتباعه وأقصى أخصامهم المعتزلة، أحسّ الفقهاء بالفرج وتبدّل الموقف، وكادت المحنة أنْ تحيط بأُولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بقوّة السلطان، ومن ذلك يبدو أنّ مسألة خلق القرآن قد استغلّها المعتزلة للتنكيل بأخصامهم الذين رموهم بالزندقة والإلحاد، وكانت من أبرز المسائل في تاريخ المعتزلة والمحدّثين لأنّ النزاع فيها لم يقِف عند حدود الاستدلال والمناظرات العلمية، كما هو الحال في غيرها من المسائل التي تباينت فيها آراء الفريقين، بل تخطّى هذه الحدود إلى الحبس والتشريد والقتل.

ووجد الحكّام السبيل ممهّداً للانتقام من كلّ معارضٍ لسياستهم ومنكرٍ لتصرّفاتهم، وتستّروا بهذه المسألة لتحقيق أغراضهم، وقد أحدَث هذا النوع من التدخّل ضجّةً في الأوساط العلمية والشعبية، كانت لمصلحة الفقهاء والمحدّثين، وعاد على المعتزلة بالفشل والخسران، فقد حصل الفقهاء والمحدّثون بسبب موقف الحكّام منهم هذا الموقف العِدائي على عطف جميع الطبقات الشعبية، وازدادت الثقة بهم؛ لأنّهم أظهروا تصلّباً في دينهم، وتحمّلوا المشاقّ في الدفاع عن عقيدتهم بالرغم من تصلّب الحكّام في مناصرة أخصامهم المعتزلة.

ومهما كان الحال، فالمحدّثون والعلماء وأتباعهم الأشاعرة يدّعون أنّ الكلام صفة لله سبحانه، وكلّ صفاته قديمة قائمة بذاته، ويعبّرون عن تلك الصفة بالكلام النفسي، أمّا الأصوات والحروف والكلمات الموجودة في الكتب السماوية، فليست كلاماً على وجه الحقيقة، وإنّما هي معبّرة عن كلامه وحاكية له، وقد تختلف بالأزمنة والأمكنة واللغات وغير ذلك، والكلام الحقيقي لا يختلف ولا يتغيّر، وكما تدلّ عليه الألفاظ تدلّ عليه الإشارة والكناية، وهو مغاير لتلك الدلالات بجميع أنواعها، كما وأنّه صفة ثالثة غير العلم والإرادة قائمٌ بذاته، أمّا الألفاظ والعبارات والحروف الحاكية لكلامه فقد خلقها في الأنبياء والملائكة، وفي الشجرة التي كلّم موسى بواسطتها، وغير ذلك من الوسائط، ولم يُخالف بذلك أحد من أهل السنّة سِوى الحنابلة، فقد ادعوا بأنّ كلامه هو الحروف والأصوات، وهي قائمة بذاته وقديمة بقِدَمه، حتى أنّ جِلد المصحف وغلافه قديمان فضلاً عن ألفاظه

١٦٣

وعباراته وحروفه (1) .

أمّا المعتزلة فقد ذهبوا إلى أنّ كلام الله هو الألفاظ والحروف الموجودة في التوراة والإنجيل والقرآن، وقد خلقه في أذهان الأنبياء والملائكة المبلّغين، وفي الشجرة التي كلّمت موسى كما خلَق سائر الكائنات والموجودات، ولا شيء غير ما في هذه الكتب يصحّ أنْ نُسمّيه كلاماً، كما يدّعي الأشاعرة وأتباعهم، فتكون صفة التكلّم بالنسبة إليه تعالى إضافية كالخالق والرازق وغيرهما من الصفات الإضافية التي يوصَف بها بعد وجود منشئها.

واستدلّوا على ذلك بالأدلّة العقلية والنقلية.

أمّا العقل فلأنّه لو كان قديماً لزِم وجود الأمر والخبر في الأزَل، ولا مأمور ولا سامع في تلك المرتبة، فيكون الأمر والخبَر سفَهاً، وهو منزّه عن ذلك.

الثاني: لو كان كلامه قديماً كالعلم والقدرة لتساوت نسبته إلى جميع الأشياء، كما هو الحال فيهما، حيث إنّ تعلّقهما بالأشياء لذاتهما، ولمّا كان الحُسْن والقُبح عند الأشاعرة بالشرع لا بالعقل، يلزَم تعلّق أمره ونهيه بالأفعال كلّها، فيكون كلّ فعل مأموراً به ومنهيّاً عنه؛ لأنّ أوامره ونواهيه من جملة كلامه وهما قديمان كما يزعم الأشاعرة وأتباعهم، والقديم تستوي نسبته إلى جميع ما يتعلّق به، ولا يحتاج تعلّقه بالأشياء إلى سبب، وإلاّ لكان حادثاً (2).

وأمّا الأدلّة النقلية فهي الآيات التي تنصّ على أنّه محدَث، كقوله تعالى: ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) وقوله: ( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ ) وقوله: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، وكلمة (كن) عبارة عن جملة كلامه المتأخّر عن إرادته، وقوله: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ) وإذ من ظروف الزمان، والواقع في هذا الظرف لابّد وأنْ يكون زمانيّاً حادثاً، إلى غير ذلك من الآيات التي استدلّ بها المعتزلة على أنّ كلامه مخلوقٌ وحادثٌ كغيره من الكائنات والمخلوقات (3).

ويلتقي الإمامية مع المعتزلة في هذه المسألة من حيث إنّ كلامه كسائر

____________________

(1) انظر المواقف ص 92 من المجلّد الرابع الجزء الثامن.

(2) المواقف ص 96.

(3) انظر المصدر السابق ص 98.

١٦٤

المُحدَثات التي أوجدها الله سبحانه، قال العلاّمة الحلّي: لا شكّ أنّ الله تعالى متكلّم على معنى أنّه أوجد حروفاً وأصواتاً مسموعة قائمة بالأجسام، كما كلم موسى من الشجرة، فأوجد فيها الأصوات والحروف، وقد خالف الأشاعرة عقولهم وعقول سائر البشر، واثبتوا له تعالى كلاماً لا يفهمونه هم ولا غيرهم، وأضاف قائلاً: والعقل والسمع يتطابقان على أنّ كلامه محدَث ليس بأزَلي؛ لأنّه مركب من الحروف والأصوات، ويمتنع اجتماع حرفين دفعة واحدة، فلابدّ وأنْ يكون أحدهما سابقاً على الآخر، والمسبوق حادث بالضرورة، والسابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضرورة أيضاً (1).

وفي المرويّات عن أئمّة الشيعة ما يؤكّد أنّهم كانوا لا يستسيغون البحث والجدَل في هذا الموضوع؛ لأنّ التشدّد في هذه المسألة وأمثالها ليس من الدين، والخصومة فيها لم تكن لإحقاق الحق، وإزاحة الشكوك، وهب أنْ الإنسان اعتقد بمقالة الأشعري وأتباعه والتزم بالكلام النفسي، وبنى على أنّ الألفاظ والحروف المنزلة على الأنبياء معبّرة عنه على حدّ زعم أصحاب هذا الرأي، فهل تستساغ تلك الضجّة التي أثارها المعتزلة؟ وأودَت بحياة جماعة من الفريقين، واتّسمت بطابع الانتقام، بعد أنْ كانت معركة فكرية كغيرها من المعارك التي كانت قائمة بين العُلماء والباحثين من الفلاسفة وغيرهم، والذي يستفاد من النصوص أنّه لا يجوز تخطّي الأوصاف التي وردت في القرآن، ولم يرد في القرآن ما يشير إلى استعمال هذا الوصف، لذلك فقد أنكر الأئمّة (عليه السلامة) على المعتزلة الذين وصفوا بهذه الصفة، كما أنكروا على الأشاعرة وأتباعهم الذين جعلوه قديماً مغايراً لمّا جاء به الوحي.

فقد جاء في رواية الحسَن بن خالد: قال: قلت للإمام عليّ بن موسى (عليه السلام): ما تقول في القرآن أخالقٌ هو أم مخلوق؟ قال (عليه السلام): (ليس بخالقٍ ولا مخلوق، ولكنّه كلام الله)، وجاء عن عليّ الهادي (عليه السلام) أنّه قال: (نحن نرى أنّ الجدَل في القرآن بِدْعة، اشترك فيها السائل والمُجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلّف المُجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلاّ الله، وما سِواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالّين)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): القرآن محدَث غير

____________________

(1) انظر كشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص 18 و19.

١٦٥

مخلوق، وغير أزلي مع الله سُبحانه (1) .

ومجمَل القول أنّ موقف الإمامية من هذه المسألة المستمدّ من أئمّتهم (عليه السلام)، بعيد عن المغالاة والتشدّد البارزين في آراء الفريقين، وإنْ كان يلتقي مع المعتزلة من حيث إنّه مُحدَث كغيره من الكائنات، ويخالفونهم في إطلاق هذا الوصف عليه؛ لأنّه لم يوصف به في القرآن ولا في السنّة، بالإضافة إلى أنّ هذه الصفة أيّ كلمة مخلوق كما تؤدّي معنى المُحدَث، كذلك تؤدّي معنى الاختلاق، كما جاء في بعض النصوص (2)، فعدَم استعمالها أليَق بذاته تعالى.

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 228 وما بعدها.

(2) انظر أوائل المقالات للشيخ المُفيد ص 19.

١٦٦

صفاته عين ذاته

بعد أنْ ثبت أنّ لله صفات ذاتية وقَع النزاع بين الأشاعرة والمحدّثين من جهة وبين الإمامية وجماعة من المعتزلة من جهةٍ ثانية، في أنّ تِلك الصفات التي تجري عليه سُبحانه، هل هي صفات واقعيّة مغايرة لذاته تعالى؟ أو أنّها عين ذاته، بمعنى أنّه ليس وراء ذاته شيء يُسمّى العلم، والقدرة، والسمع، والبصر والحياة وغيرها، ويرجع هذا القول إلى أنّه عالمٌ وسميع، وقادرٌ وبصير، وحيٌّ بذاته لا بشيء زائد عنها يقتضي ثبوت هذا الوصف.

كما يرجع القول الأوّل إلى أنّه قادرٌ بقدرةٍ زائدة على ذاته، وعالمٌ بعِلم، وبصير ببصَر، وهكذا بقية الصفات، فالأشاعرة وأتباعهم يدّعون أنّ صفاته قديمة وزائدة على ذاته، فهو عالمٌ بعلمٍ مغايرٍ لذاته، ومُريدٌ بإرادة وحيّ بحياة، واستدلّوا على ذلك بأُمور أهمّها: أنّ هذه الصفات لو كانت عين ذاته، ومتّحدة معها مفهوماً، لم يكن لحملها على الذات فائدة، ولزِم من حملها عليها حمل الشيء على نفسه.

١٦٧

الثاني: إنّ هذه الصفات لو كانت عين ذاته، لزِم كون المعنى المتحصّل من جميعها واحداً، مع أنّ معانيها مختلفة وجداناً.

الثالث: قياس الغائب على الحاضر، ولا شكّ في أنّ صدق العالِم على الحاضر وهو الإنسان مثلاً بواسطة علمه، وصدق السميع والبصير عليه بواسطة بصره وسمعه، فكذلك بالنسبة إليه تعالى (1) .

والجواب عن الأوّل والثاني: إنّ نسبة هذه الصفات مع بعضها ومع الذات القدسيّة، إنْ لوحظَت من حيث مفهوم كلّ واحدة من هذه الصفات ومفهوم ذاته تعالى، فالتغاير موجود من هذه الجهة؛ لأنّ مفهوم كلّ واحدة منها مغاير لمفهوم الصفة الأُخرى ولذاته تعالى، ويكفي في صحّة حمل كلّ واحدة منها على الذات، ومغايرة كلّ واحدة للأُخرى هذا المقدار من المغايرة، وإنْ لوحظ من حيث الواقع والحقيقة، فالجميع شيء واحد، ولكن هذا النحو من المغايرة الحقيقية ليس شرطاً في صحّة الوصف وصدقه على الذات.

والجواب عن الثالث: إنّ قياس شيء على شيء إنّما يصحّ عند القياسيّين لوجود علّة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه، والله سبحانه ليس كمثله شيء، ولا يشترك مع مخلوقاته في شيء ليصحّ قياسه عليها، هذا بالإضافة إلى أنّ المقتضى لثبوت هذه الصفات في الشاهد مغاير لثبوتها في الغائب (2).

واستدلّ الإمامية ومن وافقهم من المعتزلة بما حاصله، أنّ الصفات لو كانت غير الذات لا تخلو، إمّا أنْ تكون قديمة أو حادثة، فلو كانت قديمة لزِم تعدّد القديم، وهو أسوَأ من قول النصارى الذين أثبتوا ثلاثة قدماء: الأب، والابن، وروح القدس، وأصحاب هذا القول يلزمهم أكثر من ذلك (3)، ولو كانت حادثة يلزم خلوّ الذات عن هذه الصفات ولو آناً

____________________

(1) انظر المواقف الجزء الثامن ص 47 و48.

(2) انظر المصدر السابق.

(3) انظر كشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص 21 فقد نقل عن فخر الدين الرازي، أنّ النصارى كفروا لأنّهم اثبتوا ثلاثة، وأصحابنا، ويعني بهم الأشاعرة اثبتوا تسعة وتسعين.

١٦٨

ما، ويلزم افتقار ذاته إلى العلم ليصحّ وصفه بالعالم، وافتقارها إلى القدرة ليصحّ وصفه بالقادر وهكذا بقيّة الصفات، فيكون ناقصاً بذاته وكاملاً بغيره، ولا يُمكن لأحدٍ أنْ يلتزم بذلك (1) .

وقد خالف عبد السلام الجبائي المكنّى بأبي هاشم، الإمامية والأشاعرة، وادّعى أنّ ثبوت صفاته تعالى لذاته لا بواسطة صفة أُخرى غير الذات، كما يدّعي الأشاعرة وأتباعهم، ولا هي عين الذات كما يدّعي الإمامية وبعض المعتزلة، فقال: إنّ الله سبحانه لا يوصف بالعالِم لوجود صفة العلم، كما يدعي الأشاعرة، ولا بذاته كما يدّعي الفريق الآخر، وإنّما يوصف بذلك لوجود صفة قائمة بالذات حقيقة مغايرة لها، وتلك الصفة تسمّى حالاً، وأضاف إلى ذلك أنّها لا معلومة ولا مجهولة، ولا موجودة ولا معلومة.

وقد وافقه على هذه المقالة أبو بكر الباقلاّني، وأبو المعالي الجويني، ومن أجل ذلك سمّاهم المتكلّمون أصحاب الأحوال، وجاء في أوائل المقالات للمفيد، أنّ أبا هاشم قد فارق سائر أهل التوحيد بهذه المقالة، وقال السيّد المرتضى تلميذ المفيد: سمعت الشيخ المفيد يقول: ثلاثة أشياء لا تعقل، وقد اجتهد المتكلّمون في تحصيل معانيها من معتقديها بكلّ حيلة فلَم يظفروا منهم إلاّ بعبارات تناقض مفهوم الكلام: اتحاد النصرانية، وكسب النجارية وأحوال البهشمية (2) .

ومهما كان الحال، فمذهب الإمامية أنّ صفاته عين ذاته، وليس وراءها شيء آخر يُسمّى حالاً كما يدّعي الجبائي، ولا صفة أُخرى قائمة بالذات بنحوٍ تكون الصفات متعلّقة بها كما يدّعي الأشاعرة، والمحدّثون، وفي شرح التجريد للعلاّمة الحلّي: (إنّ الله يستحيل أنْ يتّصف بصفةٍ زائدة على ذاته بأيّ نحوٍ كانت؛ لأنّ وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن كلّ شيء، فلا يفتقر في كونه قادراً إلى صفة القدرة، ولا في كونه عالماً

____________________

(1) انظر المواقف ص 48 حيث أشار إلى دليل الإمامية والمعتزلة وأجاب عنهما.

(2) انظر ص 18 من أوائل المقالات، وص 19 من التعليقة على الكتاب المذكور والمراد باتحاد النصرانية كون الأب والابن والروح القدس شيئاً واحداً، وأحوال البهشمية، هو الحال القائل به الجبائي وأتباعه، والنجارية هُم أتباع الحسين بن محمّد النجار من متكلّمي المُجبّرة، وكان يدّعي أنّ الأعمال مخلوقة لله وكون الفعل طاعة أو معصية حقيقتان واقعتان بقدرة العبد.

١٦٩

إلى صفة العلم، ولا إلى غير ذلك من المعاني والأحوال).

وجاء عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) كما في رواية الحسين بن خالد قال: سمعت الرضا يقول: (لم يزل الله سبحانه عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً)، قلت: يا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إنّ قوماً يقولون إنّه عالمٌ بعلم، وقادرٌ بقدرة، وحيٌّ بحياة، وقديمٌ بقِدَم، وسميعٌ بسمع، فقال (عليه السلام): (من قال بذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهةً أُخرى، وليس من ولايتنا على شيء)، ثمّ قال: (لم يزَل الله سُبحانه عليماً قادراً حيّاً سميعاً بصيراً لذاته، تعالى عمّا يقول المشركون والمشبّهون علوّاً كبيراً).

وقد أورد الصدوق في كتابه التوحيد، طائفة من المرويّات عن الأئمّة حول هذا الموضوع، وكلّها تنصّ على اتحاد صفاته مع ذاته فالتغاير الذي لابدّ منه بين الصفة والموصوف بالنسبة إليه تعالى، يكون اعتبارياً لا غير، وإلى ذلك يرجع ما جاء في بعض النصوص الصريحة في نفي الصفات عنه، ومن أمثلة ذلك، المروي عن عليّ (عليه السلام) في بيان حقيقة التوحيد، قال (عليه السلام): (وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه بشهادةِ كلّ صفةٍ أنّها غير الموصوف، فمَن وصَف الله فقَد قرَنه، ومَن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله)، إلى كثير من كلامه في نهج البلاغة الذي يؤكّد هذا المعنى.

ولابدّ وأنْ يكون نفي الصفات عنه بلحاظ الواقع والحقيقة؛ لأنّ وصفه بهذا اللحاظ يستدعي تلك اللوازم التي ذكرها (عليه السلام)، أمّا وصفه بتلك الصفات بلحاظ التغاير الاعتباري، فلا محذور فيه، وأنْ كانت الصفة عين الموصوف واقعاً وحقيقة كما جاء في جملة من النصوص (1).

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 130 وما بعدها.

١٧٠

الرؤية

اتفق الإمامية على أنّ الله سُبحانه لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنّ ما لا يكون جسماً ولا حالاً في الجسم، ولا واقعاً في جهة أو مكان أو حيّز، ولا يكون مقابلاً لا يُمكن رؤيته، وقد نصّت على ذلك الآيات، والروايات عن أئمّة أهل البيت (عليه السلام).

قال سُبحانه: ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) ، وفي آيةٍ أُخرى مخاطباً لموسى بن عمران: ( لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ) ، وهذه الآية لا تدل على نفي الرؤية فحسب، بل تدلّ على استحالتها بالنسبة إليه سبحانه؛ لأنّه قد ربطها باستقرار الجبل في مكانه، واستقراره في حال كونه متزلزلاً من المحالات، وإلاّ لزِم أنْ يكون ساكناً ومتحرّكاً في حالة واحدة، فهو أشبه بقوله تعالى: ( وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) ، وإذا امتنعت رؤيته على أنبيائه، كانت بالنسبة إلى غيرهم أولى بالامتناع (1).

وجاء في آيةٍ أُخرى: ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) وروى صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرّة أنْ أدخله على الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في ذلك فأذِن لي، فقال أبو قرّة: إنّا روينا أنّ الله سبحانه قسّم الرؤية والكلام بين اثنين، فجعل الكلام لموسى، والرؤية لمحمّد (صلّى الله عليه وآله)، فقال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): (فمَن المبلّغ عن الله ألي الثقلين الجنّ والإنس: ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) ، ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ، و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) أليس محمّداً؟) قال: بلى!

قال: (فكيف يجيء رجلٌ إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله، ويدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول لهم: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء؟! ثمّ يقول لهم: أنا رأيته بعيني، وأحطت به عِلماً، وهو على صورة البشر، أما يستحون، ما قدرت الزنادقة

____________________

(1) وقد جاء في تفسيرها عن الرضا (عليه السلام): أنّ بني إسرائيل بعد أنْ ألحّوا على موسى ليريهم ربّه، أوحى الله إليه أنْ يسأله ذلك، ولمّا طلب من ربّه هذا الأمر أوحى إليه: (إنّك لنْ تراني ولكن انظر إلى الجبل فإنْ استقرّ مكانه فسوف تراني، فلمّا تجلّى ربّه للجبل) بآياته (جعله دكاً وخر موسى صعقاً، فلمّا أفاق، قال: تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين) بأنّك لا تُرى.

١٧١

أن ترميه بهذا!).

قال أبو قرّة: إنّه قال: (ولقد رآه نزلة أُخرى).

قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): (إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على أنّه لم يرَه، حيث قال: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) ، أي ما كذَب فؤاد محمّد، وما رأت عيناه، ثمّ أخبر بما رأى، وقال: ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) ، وآيات الله غير الله، وقد قال: ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ، وإذا رأته الأبصار فقد أحاطت بهِ علماً) (1).

ويتّفق المعتزلة مع الإمامية في هذه المسألة، وهي من جملة المسائل التي خالفوا فيها المحدّثين والأشاعرة، أمّا غيرهم من أهل السنّة فقد ذهبوا إلى إمكانها في الدنيا ووقوعها في الآخرة (2)، واستدلّوا بأنّا نرى الأعراض، والألوان والجواهر، ولا سبب لذلك إلاّ وجود هذه الأشياء، وهذا السبب بعينه موجود بالنسبة إليه تعالى.

والجواب عن ذلك، أنّ وجود الله سبحانه ليس كوجود غيره، إذ وجوده نفس حقيقته ونفس ذاته، ولا يلزم من كون الوجود في بعض الماهيّات علّة لشيء، أنْ يكون الوجود في غيرها علّة لذلك الشيء لمجرّد اشتراكهما في أصلِ الوجود، على أنّ وجود الواجب ليس كوجود غيره من المُمكنات، بل هو نحوٌ آخر من أنحاء الوجود متميّز عن غيره من بقيّة الموجودات.

هذا بالإضافة إلى أنّ هذا الدليل غير مطّرد بالنسبة إلى غير الواجب أيضاً، فإنّ كثيراً من الصفات النفسانية كالعلم والشجاعة والكرم وغيرها، مع أنّها موجودة ولكنّها لا ترى، فليس كلّ موجود يُرى كما يدّعي الأشاعرة وأتباعهم، ثمّ إنّ مجرّد الوجود ليس سبباً تامّاً للرؤية؛ لأنّه يتوقّف عن حصول الشرط وهو مقابلة الرائي للمرئي، ويستحيل ذلك بالنسبة إليه تعالى؛ لأنّه ليس جسماً ولا في جهة من الجهات، ولا يشبه الموجودات في جميع حالاته.

واستدلّوا أيضاً ببعض الآيات الموهمة لذلك، منها أنّ موسى طلب

____________________

(1) توحيد الصدوق باب الرؤية.

(2) أمّا الأشاعرة فقد ذهبوا إلى جواز رؤيته تعالى، وقال الآمدي: اجتمعت الأئمّة من أصحابنا على أنّ رؤيته في الدنيا والآخرة جائزة عقلاً، واختلفوا في جوازهما سمعاً فأثبته بعضهم ونفاه آخرون، انظر المواقف ص 115.

١٧٢

من ربّه أنْ يراه، ولو كانت ممتنعة، لكان طلبه لغواً، واللغو لا يجوز على الأنبياء، كما استدلّوا بقوله تعالى: ( وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ) ، واستقرار الجبل ليس محالاً على حدِّ زعمهم، فكذا الرؤية؛ لأنّها معلقة عليه.

وقد ذكرنا سابقاً أنّ هذه الآية تدلّ على استحالة الرؤية، لا على إمكانها؛ لأنّ استقرار الجبل في حال تزلزله من المحالات التي لا يقرّها العقل، والمعلّق على المحال، محال مثله (1)، ومنها ما ورَد في وصف أهل الجنّة، قال: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، والنظَر المقرون بالله يفيد معنى الرؤية، كما في قول القائل:

نظرت إلى مَن أحسن الله وجهه

فيا نظرة كادت على وامقٍ تقضي

والجواب عن ذلك، إنّ النظر إلى الشيء لا يستلزم رؤيته، كما يُمكن أنْ تكون بمعنى منتظرة، أو على حذفِ شيءٍ من الكلام، فيكون المعنى إلى ثواب ربّها ناظرة، وقد أكّد الأشاعرة وقوع الرؤية في الآخرة للمؤمنين، أمّا الكفّار فلا يرونه على حدّ زعمهم؛ لأنّهم عن ربّهم محجوبون كما تنصّ على ذلك الآية، أمّا غيرهم من أهل السنّة فقالوا بجوازها ووقوعها في الدنيا والآخرة، ويتأكّد هذا القول عند القائلين بأنّه جسمٌ مؤلّف كما تتألّف منه سائر الأجسام، وقد اتخذ لنفسه مكاناً خاّّّّّّصّاً، ويضحك حتى تبدو نواجذه، كما أوردنا ذلك في أوائل هذا الفصل (2).

____________________

(1) وهذا الجواب لا يكفي لردّ المجوّزين للرؤية؛ لأنّ استقرار الجبل إنّما يكون محالاً في حال تحرّكه أمّا في زمانها فليس مُالاً لإمكان تبدّل الحركة بالاستقرار، فالجواب الذي ذكره الإمام الرضا عنها هو المتعيّن في المقام.

(2) انظر ص 117 من المواقف وما بعدها، وشرح التجريد ص 183 ومقالات الإسلاميّين ص 321 وكشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص 11.

١٧٣

الجبر والاختيار، أو القضاء والقدر

لقد شاع إطلاق لفظ القدرية بين المؤلّفين في الفِرَق الإسلامية، وبين الكتّاب والباحثين على القائلين بأنّ الإنسان هو الذي يخلق أفعاله، بإرادته واختياره، وليس لله سبحانه مشيئة في ذلك، كما شاع إطلاقها على القائلين بأنّ الأفعال مخلوقة لله ومقدرة على الإنسان سَواء كانت خيراً أم شرّاً، وبذلك يكون لفظ القدر من الألفاظ المستعملة في معنيَين متضادّين، وهو بمعناه الأوّل يُرادف الاختيار وبمعناه الثاني يُرادف الجبر.

وكانت هذه المسألة ولا تزال من أعقد المسائل الكلامية التي شاع النزاع فيها في القرن الأوّل الإسلامي بين العلماء والمتكلّمين، وبقيَت موضع عناية الباحثين والمفكّرين طوال هذه القرون، وبالرغم من توجّه الأفكار إليها بالبحث وإعطائها تلك الأهميّة، بالرغم من ذلك، فلَم يلتقِ العلماء الباحثون فيها على رأيٍ واحد، ولا استطاعوا أنْ يتّفقوا على الحلول التي تزيح الشُبَه والشكوك حول أفعال الإنسان، وتحديد المسؤوليّة المترتبة عليها.

ويؤكّد أكثر الكتّاب أنّ الذين أثاروا موضوع الجبر والاختيار في العهد المبكّر من تاريخ الإسلام، وسهّلوا طريق انتشاره بين المسلمين كانوا ينتمون إلى بعض الديانات التي سبقت الإسلام، وأنّ هؤلاء كانوا يُحاولون الدسّ بين المسلمين وخلْق الشُبه في أذهانهم، وشاعت فكرة الجبريّين ووجدت منفذاً إلى العقول والأفكار، وتحمّس للدفاع عنها عددٌ كبير من المفكّرين والباحثين وبخاصّة القضاة والحكّام وهؤلاء يرحبّون بها؛ لأنّها تضَع مسؤولية تصرّفاتهم وجورهم على الخالق، وتسهّل لهم ممارسة الشهوات والملذّات.

مع أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد نهى عن الخوض في أمثال هذه المواضيع التي لا تزيد الباحث إلاّ حيرةً وضلالاً، وحدّد لهم الإيمان بقوله، كما جاء عنه: (الإيمان أنْ تؤمن بالله واليوم الآخر وملائكته ورُسُله، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه)، ومع ذلك، فقد ظهرت بوادر التفكير في موضوع القضاء والقدر بعد وفاته، عندما توالت الفِتَن، واختلط المسلمون بغيرهم من الأُمَم ذات الديانات القديمة، الذين دخلوا في الإسلام، وفي أذهانهم بعض الآراء والمعتقدات التي لا تزال تحتلّ تفكيرهم وتسيطر على عقولهم.

ففي عصر عليّ (عليه السلام) وبعد رجوعه من صفّين، قام إليه شيخ من

١٧٤

أنصاره، فقال له: أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام، أكان بقضاء الله وقدره أم لا؟

فقال له الإمام (عليه السلام): (والذي فلَق الحبّة وبرَأ النسمة، ما وطئنا موطئاً، ولا هبَطنا وادياً، إلاّ بقضاء الله وقدره).

فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي، ما أرى لي من الأجر شيئاً!

ثمّ أنّ الإمام أوضح له المراد من القدر، فقال: (أيّها الشيخ، لقد عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وانتم منصرفون، ولم تكونوا في شيءٍ من أحوالكم مُكرَهين ولا مضطرّين).

فقال الشيخ: كيف القضاء والقدر ساقانا؟ فقال: (ويحك لعلّك ظننت قضاءً لازماً، وقدَراً حتماً، لو كان ذلك لبطَل الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، ولم تأتِ لائمةٌ مِن الله لمذنبٍ، ولا مَحْمَدةٌ لمُحسِن، ولم يكن المُحسِن أولى بالمدح من المسيء، ولا المسيء أولى بالذمّ من المُحسِن، تلك مقالةُ عبّاد الأوثان، وجنود الشيطان، وشهود الزور، أهل العمى عن الصواب، وهم قدرية هذه الأُمّة ومجوسها).

وأضاف الإمام (عليه السلام) يقول: (إنّ الله أمر تخييراً ونهى تحذيراً وكلّف تيسيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع كارهاً، ولَم يُرسِل الرُسل إلى خلقه عبَثاً، والقضاء والقدَر هما الأمر من الله والحكم، وأمر الله لا يوجب إلجاء العبد وسلْب اختياره، فالله سبحانه يأمر ويحكم وللعبد حرّيته وإرادته في الإطاعة والعصيان).

والذي يُستفاد من هذه الرواية أنّ القضاء والقدر هما الأوامر والنواهي المتعلّقة بالأفعال وهما لا يوجبان سلْب اختيار المكلّف وإرادته، ويظهر من بعض المرويّات أنّ القضاء والقدر هما علم الله الأزلي، بما يختاره الإنسان من خيرٍ أو شر، قبل ورود الأوامر والنواهي المتعلّقة بالأفعال، وقد جاء عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) في ذلك أنّ الله قدّر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة (1).

وقد ورد القضاء في الكتاب بمعنى العلم، قال سبحانه: ( إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ) وبمعنى الإعلام، لقوله: ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 377.

١٧٥

الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ ) وبمعنى الحكم لقوله: ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) ، وبمعنى الحكم لقوله: ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ) ، وبمعنى الأمر لقوله: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ) وبمعنى الخلق والفعل، والإتمام وغير ذلك من المعاني المختلفة التي استعمل فيها لفظ القضاء في الكتاب الكريم.

ومهما كان الحال فقد خاض المسلمون في مسألة اختيار الإنسان وعدمه وتشعّبت فيها آراؤهم، واختلفت مناهجهم في البحث فيها، لذلك فإنّ أقوالهم وآراءهم في هذه المسألة بعد الإحصاء والتتبّع فيها لا تنتهي بالباحث إلى حلٍّ يتناسب مع حكمة الخالق ولطفه بعباده.

وقد ذكرنا أنّ لفظ القدرية كما يُطلق على القائلين بالاختيار، كذلك يُطلق على الجبريّة الخالصة، وهؤلاء يلتقون مع الأشاعرة والفقهاء من أهل السنّة، كما يلتقي القائلون باختيار العبد مع المعتزلة، وجاء في شذرات الذهب، أنّ أصحاب واصل بن عطاء قالوا بنفي القدرة عن الله سبحانه، وإسنادها إلى العباد (1).

وقد ذكر المؤلّفون في الفِرَق والاعتقادات أنّ أوّل من تكلّم في القدَر رجلٌ من أهل العراق كان نصرانياً دخل الإسلام ورجع عنه، ومنه أخذ معبَد الجهني وغيلان الدمشقي، فتولّى معبد الجهني نشر فكرة القدر بمعنى الاختيار في العراق، وتولّى نشرها في الشام غيلان الدمشقي، واستمرّ معبد في نشر هذه الفكرة زمناً طويلاً، وأخيراً انضمّ إلى عبد الرحمان بن الأشعث في ثورته على الأمويّين، فلمّا انهزم ابن الأشعث كان معبد الجهني من جملة الأسرى، فقتله الحجّاج بن يوسف الثقفي، وقيل: إنّ الذي تولّى قتله صلْباً عبد الملك بن مروان.

وأمّا غيلان الدمشقي فقد تولّى نشر فكرة الاختيار والدعاية لها بالشام، وقد جرت بينه وبين عمر بن عبد العزيز مناظرة حولها، واستطاع أنْ يقنعه بفساد هذه الفكرة، فوعده غيلان بالرجوع عنها، وكان من نتيجة ذلك أنْ ولاّه عمر بن عبد العزيز بيع ما في خزائن الأمويّين من التُحَف والذخائر فتولّى له ذلك، وأكثر من السباب والشتائم للأمويّين الماضين، فأضمرها له هشام بن عبد الملك، فلمّا تولّى الخلافة استدعاه هو والفقيه

____________________

(1) انظر المجلّد الأوّل من شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ص 183.

١٧٦

الأوزاعي ليتناظرا في القدر، ولمّا أفحمه الأوزاعي، أمر هشام بن عبد الملك بقتله فقتلوه بعد أنْ قطعوا يديه ورجليه.

وجاء في رواية ابن نباتة أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا بلغه قوله استدعاه، وقال له: ما تقول؟

- قال: أقول ما قال الله.

- قال: وما قال الله؟

- قال: إنّ الله يقول: ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) ، ومضى يقرأ حتى انتهى إلى قوله: ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .

- قال له عمر: اقرأ، فلمّا بلغ قوله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ ) ، قال له يا ابن الأتانة، تأخذ بالفرْع وتدَع الأصل؟

وجاء في الانتصار لعبد الرحيم الخيّاط المعتزلي، أنّ هشام بن الحكَم قال لغيلان: ويحَك يا غيلان، لقد أكثر الناس فيك فنازعنا بأمرك، فإنْ كان حقّاً اتبعناك وإنْ كان باطلاً نزَعت عنه، فاستدعى هشام ميمون بن مهران ليكلّمه، فقال له غيلان: أشاء الله أنْ يُعصى؟ فأجابه ميمون: أفعُصيَ كارهاً؟ فسكَت غيلان، فقطَع هشام بن الحكّم يديه ورجليه (1) .

أمّا القائلون بالقدر بمعناه المعروف عند الجهميّة والأشاعرة وجمهور أهل السنّة، فهم الجبريّة، فقد جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فيهم أنّهم مجوس هذه الأُمّة وقد جاءه رجلٌ فقال له: رأيت أهل فارس ينكحون بناتهم وأخواتهم، فإنْ قيل لهم لِمَ تفعلون ذلك؟ قالوا: قضاء الله وقدره، فقال (صلّى الله عليه وآله): (سيكون في أُمّتي مَن يقول بمثل هذه المقالة  وأُولئك مجوس هذه الأُمّة).

ويدّعي أكثر المؤلّفين في الفِرَق، أنّ أوّل مَن دعا إلى هذه الفكرة من المسلمين الجعد بن درهم مولى بني الحكَم، وكان من سكّان الشام ويتّصل بجماعة من اليهود، ومنهم أخذ فكرة الجبر، وقد لازم الأمويّين وتولّى لهم تربية أولادهم، ومنه أخذها الجهم بن صفوان، حينما التقى معه في الكوفة، ولأنّه كان من دعاة هذه الفكرة والعاملين على إشاعتها كان مقرّباً من قصور الخُلفاء ومحاطاً بعنايتهم؛ لأنّ فكرة الجبر تخلق لهم المبرّرات

____________________

(1) انظر الانتصار لابن الخيّاط ص 139.

١٧٧

لتصرّفاتهم، وانهماكهم في الملذّات والشهَوات.

وروى ابن قُتيبة، أنّ عطاء بن يَسار كان قاضياً للأمويّين، ويرى رأي معبد الجهني، فدخل على الحسن البصري، وقال له: يا أبا سعيد، إنّ هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم، ويقولون إنّما تجري أعمالنا على قضاء الله وقدره، فقال له الحسن البصري: كذِب أعداء الله، ولقد راج هذا المذهب وانتشر بين جماهير المسلمين، وليس ببعيد أنّ يكون للحكّام أثر في رواجه وانتشاره، ولقد تولّى نشره الجهم بن صفوان في العراق وخراسان، وكان كاتباً لشريح بن الحارث، وخرَج معه على نصر بن سيار، وأخيراً قتله مسلم بن أحوَز المازني في أُخريات أيّام بني أُمّية، ومِن بعده انتقل أتباعه إلى نهاوند، واتخذوها مقرّاً لهم، واستمرّ هذا المذهب في تلك البلاد إلى أنْ ظهَر أبو منصور الماتريدي في أوائل القرن الرابع، فتغلّب أبو منصور عليهم، ونشر مذهبه في تلك البلاد (1).

والذي أراه أنّ الجهم بن صفوان، وإنْ كان من دعاة هذه الفكرة ومِن العاملين على إشاعتها في تلك الفترة من تاريخ الاسلام، ولكنّ ذلك لا يعني أنّها لم تختلج أذهان المسلمين الأوّلين؛ لأنّ القرآن المرجع الأوّل لهم، وقد تعرّض لهذا الموضوع في كثير من المناسبات، وموقفه منها لم يكن واضحاً تمام الوضوح، ففي بعض آياته ما يُشعِر بالجبر، كما يشعر بعضها بالاختيار أيضاً، ولذا فإنّ كلاًّ من الفريقين يؤيّد مذهبه بالآيات القرآنيّة، هذا بالإضافة إلى أنّ جماعة من المسلمين في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والصحابة قد اعترضتهم شبهة الجبر والاختيار، ورجعوا إلى الرسول للوقوف على واقع الحال، وحينما سأله بعضهم عن مقالة الفُرس الذين ينكحون بناتهم وأخواتهم، قال (صلّى الله عليه وآله): (سيكون في أُمّتي من يقول بذلك، وأُولئك هم مجوس هذه الأُمّة).

وقد ذكرنا حديث الشيخ مع عليّ (عليه السلام) بعد رجوعه من صفّين، كما جاء عن ابن عبّاس، أنّه خاطب جبرية أهل الشام، قائلاً: (أمّا بعد أتأمرون الناس بالتقوى وبكم ضلّ المتّقون، وتنهون عن المعاصي وبكم ظهَر العاصون؟! يا أبناء سلَف المنافقين، وأعوان الظالمين، وخزّان مساجد الفاسقين! هل

____________________

(1) انظر المذاهب الإسلاميّة لأبي زهرة ص 175 والملل والنحل ص 113 من المجلّد الأوّل.

١٧٨

منكم إلاّ مفترٍ على الله ليجعل إجرامه عليه سبحانه، وينسبها علانيةً إليه؟!)، إلى غير ذلك من الآثار التي تؤيّد أنّ فكرة الجبر ليست من مخترعات صفوان الجهمي، ولا مِن مختصّاته، بل كانت تعترض أذهان المسلمين من قبله، ولكن مثيري هذه الشُبَه لم يجدوا مَن يناصرهم لإشاعتها، ولا إقبالاً عليها من أحد، ولا اختلفت فيها الآراء كما كانت تختلف في كثير من المسائل الفرعية، ولعلّ مردّ ذلك للأسباب التالية:

الأوّل: إنّ المسلمين كانوا يتقيّدون بحرفيّة النصوص الإسلامية، من غير نظرٍ إلى العِلل والأسباب، وانصرفوا عن التفكير بغير الكتاب والحديث.

الثاني: إنّهم اتجهوا بكلّ إمكانياتهم المادّية والفكرية إلى الفتوحات وتوسيع رقعة الإسلام، وقد شغلتهم الحروب والغزَوات عن جميع الشؤون التي لا تتّصل بهذا الأمر، كما ذكرنا ذلك سابقاً.

الثالث: إنّ الرسول نفسه كان ينهى عن البحث والخوض في هذه المواضيع وقد حدّد لهم الإيمان، وفرض عليهم أنْ يؤمنوا بالقدَر خيره وشرّه، بدون زيادةٍ أو تعليل؛ لأنّ البحث عن القدر وماهيته وحقيقته لا يزيد الباحث إلاّ حيرةً وضلالاً.

وجاء عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال لرجلٍ سأله عن القدر: (إنّ القدر بحرٌ عميق فلا تلِجه، وطريقٌ مظلم فلا تسلكه، وسرُّ الله في الأرض فلا تكلّفه) (1) .

ومهما كان الحال فقد اختلفت آراء العلماء والباحثين في هذه المسألة أشدّ الاختلاف، وتعصّب كلُّ فريقٍ لرأيه فيها حتى أصبح يرى آراء غيره ضلالاً وجحوداً، فالجبرية الخالصة والقدرية، يتقابلان تقابلاً كلّياً فيها؛ لأنّ أُولئك يرون الإنسان كريشة في مهبّ الريح، لا يملك شيئاً من أفعاله وتصرّفاته، وهؤلاء يرون أنّ الله قد ترَك العبد وشأنه، فلَم يتدخّل بشيء من أُموره، ونسب إليهم نفي العلم الأزلي والإرادة الأزلية عنه، أمّا الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري، الذي جاء لإحياء رأي المحدّثين والفقهاء من أهل السنّة كما يدّعي، هؤلاء يذهبون إلى أنّ أعمال العباد مخلوقة لله، ومقدورة له، لقوله تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) ،

____________________

(1) انظر توحيد الصدوق ص 374.

١٧٩

ومع أنّ الفعل مخلوق لله ومقدور له، وللعبد قدرة على الفعل مقارنةً لقدرة الله الخالق للأفعال، ولكن تلك القدرة لا تؤثّر في إيجاد الفعل، ولا في نسبته إليه، وهو بهذه القدرة المقارنة يستحقّ الثواب والعقاب، وقد سمّاه كسباً، واشتهرت نسبة الكسب إليه (1).

أمّا المعتزلة فرأيهم في هذه المسألة لا يعدو رأي القدرية، وقد ذكرنا سابقاً أنّ واصل بن عطاء كان يَرى رأي معبد الجهني في القدر، وكان يتستّر به ونُسِب إليه الاعتزال؛ لأنّه اعتزل رأي جمهور الفقهاء في هذه المسألة كما ذكر ذلك بعض كتّاب الفِرَق والمؤلّفين (2).

أمّا الماتريدية ، أتباع محمّد بن محمود المعروف بأبي منصور الماتريدي الحنَفي، الذي نشَر فقه الأحناف فيما وراء النهر بسمرقند وجهاتها، فقد عاصَر الأشعري وكلاهما كان خصماً للمعتزلة، غير أنّ الأشعري عاش في البصرة موطن الاعتزال وعاش هو فيما وراء النهر، ولكلّ واحدٍ منهما منهجٌ خاص في الردّ عليهم وتفنيد آرائهم ونظرياتهم، مع الاحتفاظ بالنصوص الإسلامية والتقيّد بها.

إلاّ أنّ الماتريدي ينطلق أحياناً مع العقل ويرى له صلاحيّة واسعة في بعض المواضيع أكثر من الأشعري، ففي مسألة الحُسن والقبح العقليّين يتّفق هو والمعتزلة في أنّ للأشياء حُسناً ذاتياً وقُبحاً ذاتياً، إلاّ أنّ المعتزلة يدّعون أنّ ما يقرّر العقل حُسنه يكون واجباً بحكم العقل والشرع، وما يدرك العقل قُبحه يكون محرّماً، بينما الماتريدي يرى أنّ لا تكليف إلاّ بعد الشرع؛ لأنّ العقل ليس له صلاحية الاستقلال، أمّا الأشعري فيلتقي مع المحدّثين والفقهاء في هذه المسألة إلتقاءً كلّياً، ويرى خلوّ الأشياء عن الحسن والقبح الذاتيّين، أمّا في مسألة الجبر والاختيار فهو مع الأشعري والمحدّثين من ناحية أنّ الأفعال من صنع الله وحده، ولكنّه يلتجئ إلى نوعٍ آخر من الكسب الذي يدّعيه الأشعري لتصحيح الثواب والعقاب.

وهنا يقرّر الماتريدي أنّ لا شيء في هذا الوجود إلاّ وهو مخلوق لله سبحانه، وأنّ إثبات الخلق لغيره شِركٌ صريح، والثواب والعقاب تابع لاختيار العبد بمقتضى الحكمة والعدالة، ومع أنّ الأفعال مخلوقة لله

____________________

(1) انظر المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ص 275، والملل والنحل للشهرستاني ص 132.

(2) التبصير في الدين ص 64 وفجر الإسلام ص 298، وشذرات الذهب ج 1 ص 183.

١٨٠