من قدرة العبد، ولا نحتاج إلى فرضِ مرجّحٍ آخر في مثل ذلك.
ومن جملة أدلّتهم أنّه لو كان الإنسان موجِداً للإيمان، لكانت بعض أفعال العباد خيراً من فعل الله تعالى؛ لأنّه أوجد القِرَدَة والخنازير، والإيمان خيرٌ منهما.
والجواب: إنّ الإيمان إنّما كان خيراً باعتبار ما يترتّب عليه من الثواب والمدح لا باعتبار ذاته، والمدْح والثواب من فعل الله سبحانه
واستدلّ المعتزلة على أنّ الأعمال من فعل العباد بأنّه إذا لم يكن الإنسان موجِداً لأفعاله، لا يصحّ التكليف بالأمر والنهي، ولا التأديب الذي وعَدَت به الشرائع والأديان ولا المدح والذم، ويلزم أنْ لا يبقى فرقٌ بين مَن أحسن ومَن أساء؛ لعدم صدور الأفعال الحسَنَة والسيّئة من العباد، ويلزم أنْ يكون الله ظالماً لعباده لأنّه خلق فيهم المعاصي وعذّبهم عليها، كما احتجّوا ببعض الآيات الكريمة الدالّة على أنّ الإنسان خالقٌ لأفعاله، ويدلّ بعضها دلالة صريحة على صدور الفعل منه مباشرة.
قال سبحانه:
(
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ
)
،
(
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
)
،
(
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ
)
،
(
كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ
)
، كما يدلّ بعضها الآخر على أنّ المطيع سيُلاقي نتيجةَ أعماله الطيّبة والعاصي يُعاقَب بمعصيته.
قال سبحانه: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)،
(
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
)
،
(
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا
)
.
وفي قسم منها ما يؤكّد أنّ الإنسان يفعل باختياره من غير أنْ يكون مسيّراً لإرادة قاهرة له على العمل، قال تعالى:
(
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
)
،
(
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
)
.
وتنصّ جملة أُخرى من الآيات على اعتراف الإنسان بمعاصيه وصدورها منه بمحض اختياره، ولو كانت من فعل الله، لكان للعصاة الحجّة البالغة على الله، إذا أراد أنْ يحاسبهم على سيّئات أعمالهم، قال سبحانه:
(
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ
)
، وفي آية