الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
)
.
وذهب أكثر المعتزلة إلى أنّهما سيُخلقان يوم يَحشر الله الناس للجزاء، لعدَم الفائدة من خلقهما قبل ذلك اليوم، كما استدلّوا أيضاً بقوله تعالى:
(
أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ
)
،
والجمع بين هذه الآية وقوله تعالى:
(
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ
)
، حيث إنّ مفاد الأوّل أنّ مأكولها دائم، والثانية تفيد أنّ لا شيء يسلم من الفناء، فلو قلنا بأنّهما مخلوقتان لزِم تناقض الآيتين، فلابدّ وأنْ نلتزم بعدم وجودهما فعلاً، وأنّهما سيوجدان في يوم الجزاء.
وأجاب الأشاعرة عن هذه الشبهة، إنّ دوام أُكلها لا يُراد منه دوام الشيء بعينه، ليحصل التعارض بين الآيتين المذكورتين؛ لأنّ الشيء الشخصي إذا أكلته النار لا يتّصف بالبقاء، وإنّما يُراد به الدوام النوعي، أي كلّما أكلت شيئاً يحل محلّه شيء آخر، وبهذا الاعتبار يستمر أُكلها، ويتحقّق المراد من الآية الثانية.
واستدلّوا أيضاً بقوله تعالى:
(
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
)
، وكون السموات والأرض عرضاً لها لا يتصوّر إلاّ بعد فناء العالم بأسره، وإلاّ لزِم تداخل الأجسام بعضها ببعض؛ لأنّ وجودَ جرمٍ في جرمٍ بمقداره، يقتضي كون الجُرمين واحداً أو وجود الخلاء بينهما.
والجواب أنّ الآية في مقام التشبيه، والمراد أنّ عرضها كعرض السموات والأرض، بدليل ورود هذا التشبيه في بعض الآيات الأخرى، وليس المراد أنّ السموات والأرض عرضاً لها بنحو تكون الجنّة خالية فيهما، ويلزم بناء على ذلك أنّ تكون المخلوقات الموجودة فيهما، يلزم أنْ تكون في الجنّة بناء على وجودها فيهما.
أمّا الإمامية فقد اجمعوا على خلقهما، قال العلاّمة في شرح التجريد: وقد دلّ السمع على أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن وجميع المعارضات متأوّلة، والنصوص التي تصرّح بوجودهما تبلغ حدّ التواتر.
وجاء في أوائل المقالات، أنّ الإجماع قائم على أنّهما مخلوقتان، بالإضافة إلى الأخبار الكثيرة، وقد خالَف في ذلك الخوارج والمعتزلة وبعض الزيدية، واستطرد يقول: إنّ المتأخّرين من المعتزلة كأبي هاشم يدّعون أنّ خلقهما عبَث قبل المحشر، والله لا يعبث في فعله
.