بين المسلمين كان مصدراً للانقسامات التي تلَت في العصور المتأخّرة، وإلى هذين الفريقين ترجع سائر الفِرق والمذاهب الإسلامية السياسية وغيرها، وسنتحدّث عن بعض هذه الفرق تمهيداً لموضوع الكتاب، ولعلاقة بعضها بالتشيّع.
ويدّعي أكثر الكتاب من السنّة والمستشرقين: أنّ تاريخ التشيّع يرجع إلى عهد متأخّر عن وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وهم بين قائلٍ برجوعه إلى العصر الأموي الأوّل، وأنّه كان نتيجةً للاضطهاد والتنكيل الذي لحِق أنصار عليّ وبَنيه (عليهم السلام) من الأمويّين، وبين قائلٍ برجوعه إلى العصر الذي بدأ المسلمون فيه يُحاسبون عثمان وأنصاره على تصرّفاتهم وسوء إدارتهم، وقد أسرف جماعة إسرافاً حاقداً على الشيعة فأرجعوه إلى عناصر أجنبية كانت تعمل في الخفاء لتحطيم الإسلام عن هذا الطريق.
وجاء في كتاب النظُم الإسلامية للمستشرق الفرنسي
(غودفروا)
: أنّ الحزبين الكبيرين الخوارج والشيعة تكوّنا بعد الانشقاق الذي حصَل بعد معركة صِفّين لأسبابٍ سياسية.
وقال جماعة منهم: أنّ عبد الله بن سبَأ لعِب دوراً بارزاً في تكوين فكرة التشيّع، وسنتعرّض لإبطال هذه المزاعم في المحلّ المناسب، ولقد ذكرنا أنّ انقسام المسلمين إلى فرقتين كان في الأيّام الأُولى بعد وفاة الرسول فرقة تمسّكت بحقِّ عليّ في الخلافة، وأُخرى أسرعت إلى اختيار خلف للرسول يتولّى إدارة شؤون المسلمين، وتمّ الاختيار لأبي بكر خليفة للرسول (صلى الله عليه وآله) من بعده، والواقع أنْ التشيع بما هو فِرقة في مقابل جماعة المسلمين لم يكن قبل وفاة الرسول، ولكن المبدأ الذي يرتكز عليه التشيع، وهو نصّ النبيّ على استخلاف عليّ (عليه السلام) من بعده، كان بعد ولادة الإسلام وقبل أنْ يهاجر الرسول من مكّة إلى المدينة بأكثر من ثمانية أعوام تقريباً، وذلك حينما أُوحي إليه:
(
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
)
.
وجاء في جملة مِن الروايات أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) جمَع عشيرته والأقربين مِن آله بعد أنْ هيّأ لهم طعاماً، ثمّ دعاهم لمؤازرته والإيمان بدعوته المباركة، وكانوا نحواً من ثلاثين رجلاً، وكان في جملة ما قاله لهم: (أيّكم يؤازرني على هذا الأمر وهو وارثي ووصيّي، يقضي دَيني ويُنجز عِداتي، وخليفتي فيكم من بعدي)، فكرّرها فيهم ثلاثاً أو أربعاً فلم يتقدّم منهم احد غير عليّ (عليه السلام)، كما أورَد ذلك أحمد بن حنبل في مسنده، والثعالبي في تفسيره، وأضاف الثعالبي أنّ النبيّ كرّرها ثلاث مرّات وفي كلّ مرّة يسكت القوم إلاّ عليّاً (عليه السلام)، ولمّا يئس النبيّ من جوابهم قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لعليّ: (أنت أخي ووصيّي ووارثي وخليفتي من