بالنسبة للمرتدّين والمشركين بالله سبحانه، ولا نزاع من أحد في أنّ الجحود والشرك يحبطان جميع الأعمال الصالحات، وقال نصير الدين محمّد بن الحسن الطوسي: الإحباط باطل لأنّه يستلزم الظلم، ولقوله تعالى:
(
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
)
،
وإلى ذلك ذهب العلاّمة في شرح التجريد، والشيخ المفيد في أوائل المقالات
ويؤيد ذلك قوله تعالى:
(
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً
)
، ومقتضى هذه الآية أنّ جميع الأعمال التي يعملها الإنسان خيراً كانت أم شرّاً يجدها يوم القيامة بكاملها، ولا يذهب منها شيء لا بالطاعات ولا بالمعاصي.
أمّا الذي ادعاه الجبائي فمَع أنّه من أسوأ أنواع الظلم، مخالف لنصّ الآية، قال تعالى:
(
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
)
، وقال في آيةٍ أُخرى:
(
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
)
، ومن هاتين الآيتين يتبيّن أنّ السيّئة لا يُمكن أنْ تتغلّب على الحسنة؛ لأنّ الله يضاعفها له ويُبقي السيّئة على حالها.
كما وأنّ ما ذهب إليه أبو هاشم الجبائي لا دليل عليه من كتاب أو سنّة، ولا يؤيده العقل والمنطق؛ لأنّ الإنسان إذا كانت طاعاته خمساً مثلاً، ومعاصيه عشراً، فعند أبي هاشم تسقط من معاصيه خمس في مقابل طاعاته، مع أنّه ليس إسقاط واحدة من الخمسَتَين بأَولى من إسقاط الخمسة الثانية، وحينئذٍ فأمّا أنْ تسقطا معاً وهو خلاف مذهبه؛ لأنّه يُصرّح ببقاء الخمسة الزائدة، وأمّا أنْ لا يسقط شيء منهما فلا يتحقّق الإحباط.
على أنّه بناء على الموازنة التي يدعيها، لو كانت الطاعات بعدد المعاصي، فلازمه القول بسقوطهما معاً وعليه فإنْ سقَط أحدهما قبل الآخر، لم يسقط المتأخّر بالمتقدّم عليه؛ لأنّه بعد سقوطه لا يبقى له تأثير في إسقاط الآخر وإنْ تقارن سقوطهما لزِم وجودهما معاً قبل سقوطهما، مع أنّ وجود كلٍّ منهما ينفي وجود الآخر ويُمانعه
.
وعلى كلّ حال فالإمامية يُخالفون جميع الفِرَق في هذه المسألة حتى