الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة0%

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 253

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: هاشم معروف الحسني
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 53466
تحميل: 9016

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53466 / تحميل: 9016
الحجم الحجم الحجم
الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرجعة

لقد شذّت فئات من المنتسبين للتشيّع عن أُصوله ومبادئه وأفرطوا في آرائهم ونظريّاتهم في أُصول التشيّع، فغالى بعضهم في تعظيم الأئمّة من أهل البيت، وأرجفَ آخرون عليهم، فدسّوا في مبادئهم وتعاليمهم أُموراً ليست من أُصول التشيّع ولا مِن فروعه للتوصّل إلى أغراضهم وأهدافهم، التي لم يجدوا سبيلاً للوصول إليها، إلاّ عن طريق التشيّع والانتساب لأهل البيت، ووجَد أعداء أهل البيت وشيعتهم مجالاً لهم في طعن التشيّع، فاستغلّوا غلوّ المغالين في عليّ وبنيه، وأراجيف أُولئك المفترين على أهل البيت، وسذاجة أُولئك الضعفاء، الذين تتلقّف عقولهم كلّ ما يسمعون بدون تمحيص أو تحقيق.

لقد استعمل أعداء أهل البيت كلّ ما في وسعهم لإضعاف التشيّع وتشويه وجهه الصحيح، فوضعوا حوله مجموعة من الأكاذيب والافتراءات بالإضافة إلى مقالات بعض الفِرَق التي انتسبت إليه، وبقيَت تلك الافتراءات تتلاقفها الأجيال جيلاً بعد جيل، وتعيدها إلى الأذهان فِئات من الحاقدين والمستغلّين، عِلماً بأنّ التشيّع بريء مِن تلك الأباطيل، وبعيد عن تِلك الفِرَق المزعومة بُعد الحقِّ عن الباطل، والضلال عن الرشد.

لقد ماتت تلك الفِرَق في العصر الذي ولدت فيه، ولكنّ الكتّاب الموتورين ما زالوا يُحمّلون الشيعة أوزارهم، ويلصقون بهم هذَيانهم، ويتّخذون من تلك الأقوال والآراء وسيلة للطعن عليهم، مع العِلم بأنّ إحياء هذه المفتريات يثير الضغائن، ولا يخدم إلاّ أعداء الإسلام وأعوانهم.

لو أردنا أنْ نسلك طريقهم، ونحمّل أهل السنّة أوزار الفئات الشاذّة منهم، لوجدنا متّسعاً من القول ومنفذاً فسيحا يسهل لنا أنْ نلصق بهم مذاهب الفِرَق التي تفرّعت منهم، وآراء الأفراد الذين شذّوا في تفكيرهم وأدخلوا على العقيدة الإسلامية أبشع ممّا أدخله الغلاة، وبعض الفِرَق المنسوبة إلى التشيّع، فالحشويّون من السنّة وهم أكثر المحدّثين منهم، يدعون بأنّ لله جسماً كأجسام مخلوقاته، وأضاف بعضهم إلى ذلك بأنّه شكّا من وجع في عينيه، وأفرط آخرون منهم فقالوا: إنّ أهل الجنّة لا يعرفونه إلاّ إذا كشف لهم عن ساقه، وأنّ النمرود أصابه بسهم في رِجله ولا يزال أثره باقياً فيها.

وقال بعضهم: إنّه ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء هذه الدنيا، ويراه الناس فيها إلى غير ذلك من الهذَيان والكفر المبين، وقد نسب إليه الأشاعرة الجور والظلم كما نسبوا إليه الجهل بالجزئيّات، ويجد المتتبّع

٢٤١

فيما أوردناه في المباحث السابقة مجموعة كبيرة من الآراء والمعتقدات التي تتنافى مع أهل التوحيد، فضلاً عن العقائد المستوحاة من كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، ومع ذلك فلا نجيز لأنفسنا أنْ نحمّل أهل السنّة أوزار تلك الآراء والمعتقدات ما داموا لا يؤمنون بها.

والشيعة مع أنّهم ينكرون أكثر الفِرَق المنسوبة إلى التشيّع، لو افترضوا وجودها في ظروف خاصة، فهم يتبرّأون منها ومن معتقداتها وآرائها، ومنذ الزمان الذي وجدت فيه وهم يعلنون وينادون بإلحادها، ولكن بدون جدوى وبدون إصغاء وإنصاف، فكلّ مَن كتَب عن تاريخ الإسلام، وعن الفِرَق الإسلامية لابدّ وأنْ يصوّر التشيّع بأقبح الصور، وأبعدها عن الإسلام الصحيح.

وإليك بعض الأمثلة من أُولئك الكتّاب: فالشيخ محمّد أبو زهرة مع أنّه من شيوخ أهل السنّة المعتدلين نسبياً، لقد تحدّث عن البَداء المنسوب إلى الشيعة، ونقل آراء الكبار من علمائهم فيه، تلك الآراء التي لا تتنافى مع آراء غيرهم إلاّ بالاسم على حدّ تعبيره، ومع ذلك فقد نسب إليهم أنّهم يقولون في تفسير البَداء: أنّ الله يقدر ويعلم، ثمّ ينسخ ما قدّر وما علم، وأنّ إرادته وعلمه يتغيران ويتبدلان، وأضاف إلى ذلك أنّهم يفرّقون بين إرادته وعلمه، فهي تنجيزية حادثة تتغيّر وتتبدّل، بخلاف علمه فإنه أزَلي قديم لا يتغيّر ولا يتبدلّ (1)، مع أنّ هذا القول لم يقل به أحد من الإمامية، ولا هو موجود في كتبهم.

وإليك مثلاً آخر، قال أحمد أمين في فجر الإسلام: والحقّ أنّ التشيّع كان مأوى لكلّ مَن أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقدٍ، ومنَ كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية وزرادشتية وهندية، ومَن كان يريد استغلال بلاده والخروج على مملكته، كل هؤلاء كانوا يتّخذون حبّ أهل البيت ستاراً يخفون وراءه كلّ ما شاءت أهواؤهم، فاليهودية ظهَرَت في التشيّع بالقول بالرجعة، وقال الشيعة: إنّ النار محرّمة على الشيعيّ إلاّ قليلاً، كما قالت اليهود لنْ تمسّنا النار إلاّ أيّاماً معدودات، ومضى يسرد آراء الشيعة كما يُريد أنْ يفهمها لا كما هي عند الشيعة، ويقارن بينها وبين آراء الأُمَم الأُخرى (2) ويحدّد موارد الالتقاء بينهما.

____________________

(1) انظر ص 237 من كتابه الإمام الصادق.

(2) انظر فجر الإسلام ص 276.

٢٤٢

أنّ حديث الرجعة الذي يراه السنّة وغيرهم وصمة على الإمامية، ومستورداً من اليهودية، إذا كانوا يعنون به ما يعتقده الإمامية في الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن العسكري، فالنصوص الشيعية تؤكّد بقاءه حيّاً موجوداً بين الناس في دنياهم الفسيحة الواسعة، وسيظهر في زمنٍ لا يعلمه إلاّ الله، فيحكم الناس بالحقِّ والعدل كما حكَم جدّه الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله)، وعقيدة المهدي المنتظر ليست من مختصّات الإمامية كما يبدو للمتتبّع في المذاهب والمعتقدات.

أمّا رجعة الأموات قبل المحشر فليست من عقائدهم، ولا من ضروريّات مذهبهم، مع العلم بوجود بعض المرويّات عن الأئمّة فيها، ولكن الكثير منهم يدّعون بأنّها من الموضوعات بين أحاديث أهل البيت، وأكثر الذين قالوا بصدورها عن الأئمّة (عليهم السلام)، التزموا بتأويلها وحملها على أقرب الاحتمالات التي لا تتنافى مع العقل، بعد أنْ أعرضوا عن ظواهرها، ولو تغاضينا عن كلّ ذلك وقلنا بأنّها من مختصّات الشيعة، أو الإمامية كما يدّعي بعض الكتّاب كأحمد أمين وأمثاله، ولكنّها ليست من مخترعاتهم، ولا هي مستوردة من اليهودية كما يدّعون؛ لأنّ حديث رجعة الأموات قد ردّده عمر بن الخطّاب في اليوم الذي توفّي به الرسول (صلّى الله عليه وآله) وذلك قبل وجود الكيسانية بستّين عاماً، وقبل اتصال الإمامية باليهود وغيرهم من الأمم الأخرى.

وقد سرَت مقالته بين آلاف المسلمين، وظلّوا يتلاقفونها جيلاً بعد جيل، فلقد روى جماعة من المؤرّخين أنّ عمر بن الخطّاب والمغيرة بن شعبة دخلا على الرسول (صلّى الله عليه وآله) حين وفاته، فقال المغيرة لعمر بن الخطّاب: (إنّ محمّداً قد مات)، فقال له: كذبت ما مات ولنْ يموت حتى يفني المنافقين، ثمّ أخذ يهدّد ويتوعّد كلّ مَن ادعى وفاة النبيّ ومضى يقول: إنّ رجالاً مِن المنافقين يزعمون أنّ رسول الله قد توفّي، وأنّه ما مات ولكنّه ذهَب إلى ربّه، كما ذهب موسى بن عمران، فلقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع، والله ليرجعنّ رسول الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم، ومَن قال أنّه قد مات علَوت رأسه بسيفي هذا.

وبقيَ ساعات من النهار يربد ويرعد، ويقول: لقد غاب وسيرجع إلى قومه، كما رجَع موسى بن عمران، هذا والعبّاس بن عبد المطّلب عمّ الرسول وجماعة من المسلمين يؤكّدون له موته، كما ماتَ غيره من الرُسل والأنبياء، وتلا عليه عمر بن قيس بن زائدة بن الأصم قول الله تعالى:

٢٤٣

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) ، ومع كلّ هذه المحاولات لإقناعه، فقد استمرّ في تهديده للقائلين بوفاته، وتوعّدهم بالانتقام بعد رجعته وعندما حضَر أبو بكر أقنعه بوفاة الرسول بمجرّد أنْ قرأ عليه قوله تعالى: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (1).

ومِن ذلك يتبيّن أنّ حديث الرجعة المنسوب إلى الشيعة قال به عمر بن الخطّاب قبل الكيسانية والإمامية، وسَواء كانت مقالته هذه عن نيّةٍ حسنة، أم كانت لإغراضٍ سياسية، كما تؤيّد ذلك الحوادث والملابسات التي اقترنت بمقالته، فالرجعة من مبتكراته، وقد سرَت بين المسلمين جيلاً بعد جيل، ومنه وحده أخذها الكيسانية إذا صحّ أنّهم يقولون بها، ومع أنّ حديث الرجعة قد رواه أكثر المحدّثين عن الخليفة الثاني ولا يجهله أحد من الكتاب والمؤرّخين في الفِرَق الإسلامية، فقد جعلوه من مختصات الشيعة، ومن آرائهم المستوردة من اليهودية.

ومجمل القول أنّ الرجعة ليست من معتقدات الإمامية، ولا من الضروريّات عندهم، والنصوص التي تعرّضت لها، لو صحّت عن الأئمّة (عليهم السلام) لابدّ من تأويلها برجوع سلطان الأئمّة ومبادئهم بظهور محمّد بن الحسَن الإمام الثاني عشر(عليه السلام).

____________________

(1) انظر عبد الله بن سبأ للسيّد مرتضى العسكري ص 42 عن طبقات ابن سعد، ومسند أحمد وأنساب الأشراف، وكنز العمّال، وتاريخ الذهبي واليعقوبي وأبي الفداء وابن شحنة، وسيرة ابن دحلان، وغير ذلك من المصادر الموثوقة عند أهل السنّة، التي أوردت حديث رجعة النبيّ إلى الدنيا كما ادعاها له عمر بن الخطّاب، وتناقلها الرواة في مختلف العصور، وانظر أيضاً شرح النهج لابن أبي الحديد ص 128 و 129.

٢٤٤

الخلاصة

من مجموع ما تقدّم في فصول هذا الكتاب لا أحسب أنّ القارئ المجرّد إذا استقصى مواضيعه استقصاءً كاملاً، وتتبّع آراء الفِرَق والمذاهب الإسلامية وقارن بينها، لا أحسب أنّه يبقى في شكٍّ من أمرِ أُولئك المأجورين الحاقدين على الشيعة وأئمّتهم، الذين شوّهوا الحقائق وسخّروا الأقلام لمصالحهم وشهَواتهم، وجرّدوا الشيعة حتى من أبرز خصائصهم ومميّزاتهم.

لقد قال بعضهم أنّ الإمامية عيال على المعتزلة في أُصول العقائد، ومقلّدون لهم فيها، وقال آخرون: إنّهم منهم في الأُصول، وأرسلوا هذه الأحكام وكأنّها من الضروريّات التي لا تقبل الجدَل ولا تحوم حولها الشُبهات، مع أنّ هذا الادّعاء ليس له ما يؤيّده مِن قريبٍ أو بعيد؛ لأنّ الإمامية منذ أقدم عصورهم كانوا ولا يزالون في طليعة الباحثين والمفكّرين والمؤلّفين، وفي العصر الذي شاع فيه الاعتزال بتأييد الحكّام ومساندتهم، في هذا العصر نبَغ من تلامذة الأئمّة في عِلمَي الحكمة والفلسفة المئات، وكانوا من ألدّ أخصام المعتزلة كما تنصّ على ذلك أوثق المصادر السنّية والشيعيّة، وقد أخذوا عن أئمّتهم (عليهم السلام) واعتمدوا على آرائهم في هذه المواضيع التي عُرِفت عنهم قبل مولد الاعتزال بعشرات السنين.

على أنّا لو أعرضنا عن كلّ ذلك، وعن انحرافات المعتزلة وشذوذهم،

٢٤٥

كما تدلّ عليه آراؤهم، لو أعرضنا عن ذلك ورجعنا إلى الأُصول الخمسة التي هي الأساس لمذهَب الاعتزال والتي بدونها لا يستحقّ أحدٌ هذا الوصف، لو رجعنا إلى ذلك وحده وأعرضنا عن كلّ ما قيل عنهم وما نُسِب إليهم، وقارنّا بين آراء الإمامية في التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو قارنّا بين آراء الإمامية وآرائهم فيها لا نجد أصلاً من هذه الأُصول يلتقي فيه الطرفان التقاءً كلّياً، حتى في الأصل الخامس منها الذي نصّ عليه القرآن وأكّدته السنّة.

فقال الإماميّة: إنّهما أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالنصّ عليهما من الله سبحانه، كما ينصّ على ذلك قوله تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .

وقول الرسول (صلّى الله عليه وآله): (لتأمرُنّ بالمعروف، ولتنهُنّ عن المنكر أو ليسلّطنّ الله شراركَم على خياركم فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم).

وقال المعتزلة بوجوبهما بحكم العقل لا غير، وذهب الجبائي إلى وجوبهما مطلقاً فيما يدرك العقل حسنه وقبحه، وقال ولده أبو هاشم: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنْ ترتّب عليهما دفعُ ضررٍ عن الآمر والناهي - ولا يندفع عنهما إلاّ بالأمر - وجَبَا، وإلاّ فلا (1) .

وأمّا الأُصول الأربعة الباقية، فالتوحيد هو الأصل الأوّل عند المسلمين وفي جميع الشرائع والأديان، وقد وضَع له المعتزلة حدوداً تلتقي بظاهرها مع رأي الإمامية فيه، ولكنّهم ذهبوا في بعض مقالاتهم إلى ما ينافي حقيقة التوحيد، ومن ذلك ما جاء عنهم، أنّ الأشياء كانت قبل حدوثها أشياء، والجواهر كانت في حال عدمها جواهر، وكذا الإعراض أيضاً، فالسواد مثلاً كان قبل وجوده سواداً، والحرَكة قبل وجودها حركة، وجميع الأعراض قبل وجودها أعراضاً، وأضافوا إلى ذلك أنّ جميع الأشياء في حال عدمها

____________________

(1) انظر المواقف للإيجي المجلّد الرابع ص 275، وشرح التجريد للعلاّمة الحلّي ص 271 وقال في شرح التجريد بأنّهما لو وجَبا عقلاً لزِم أحد الأمرين، أمّا خلاف الواقع، أو الإخلال بحكمته تعالى، والثاني بقسميه باطل؛ لأنّهما لو وجَبَا عقلاً لوجبا على الله تعالى، ولو وجَبا عليه فإمّا أنْ يكون فاعلاً لهما أو غير فاعل، فإنْ كان فاعلاً لهما لزِم وقوع المعروف وانتفاء المنكر، وهو خلاف الواقع، وإنْ كان غير فاعلٍ لهما، كان مخلاًّ بواجبه، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

٢٤٦

ذوات كما هي في حال وجودها بلا فرْق بين الجواهر والأعراض، ولم تكن الأشياء أشياء، ولا الأعراض أعراضاً، ولا الجواهر جواهر بصنعِ صانعٍ وفعل فاعل، بل هما أعراض وجواهر؛ لأنّهما كذلك قبل وجودهما لا بصنع صانع، ولا بفعل فاعل، والصانع قد صنَع لها صفة الوجود لا غير.

وردّ عليهم الإمامية بأنّ الأشياء والأعراض والجواهر، إذا لم تكن أشياءً به ولا ذواتاً بفعله ولا جواهر وأعراضاً بصنعته، وأنّه لم يصنع إلاّ صفة الوجود كما تدّعون، فهل تلك الصفة التي صنعها الصانع نفس الجوهر والعرض أم أنّها شيءٌ آخر؟ فإذا كانت الصفة جوهراً وعرَضاً يكون الجوهر والعرض من فعله، وهو خلاف ما ذهبتم إليه، وإنْ قلتم: إنّها غيرهما، فهل هي شيءٌ أم ليست بشيء؟ فإنْ قلتم: إنّها شيء. يلزمكم أنْ تقولوا: إنّها في حال عدمها شيء، أنّكم ادعيتم إنّ الأشياء قبل وجودها أشياء كما ذكرنا، وإنْ قلتم: إنّها ليست بشيء. فقد نفيتم أنْ يكون الله قد فعل شيئاً، وهو الإلحاد بعينه.

وقد جاء عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (لعَن الله المعتزلة، أرادت أنْ توحّد فألحَدَت، ورامت أنْ ترفع التشبيه فأثبَتَت) (1).

أمّا العدل فلقد قالوا بأنّه من أُصولهم وفسّروه بأنّ الإنسان هو الذي يصنَع أفعاله بنفسه كما يدّعي القدرية، وقد ذكرنا أنّ القدر بهذا المعنى يُرادف التفويض، وقد تبنّى هذا الرأي وأصل بن عطاء وأكثر المعتزلة (2) وهؤلاء قد عزَلوا الله عن سلطانه، والقدر بمعنى التفويض يقابل الجبر الذي ذهب إليه الجهم بن صفوان ووافقه عليه المحدّثون والفقهاء والأشاعرة (3).

أمّا الإمامية، فالعدل من أركان الإيمان عندهم، بل ومن أُصول الإسلام، ولكنّهم يقولون بأنّ العبد موجدٌ لأفعاله، إلاّ أنّ مبادئ الفعل

____________________

(1) انظر كنز الفوائد لأبي الفتح محّمد بن عليّ الكراجكي ص 51، والظاهر أنّ الإمام يريد بقوله: (ورامت أنْ ترفع التشبيه فأثبتت)، أنّهم يقولون بأنّه شيءٌ لا كالأشياء، فأثبتوا له الشيئيّة وبذلك يصبح شبيهاً بالأشياء، وإنْ لم يشبهها إلاّ بالشيئية.

(2) قال الغزالي في أربعينه: إنّ المعتزلة أثبتوا لأنفسهم الاختيار الكلّي ونسبوا إلى الله العجز في ضِمن ذلك، فعلوا ذلك تحرّزاً من نسبة الظلم إلى الله فوقعوا في أقبح منه.

(3) انظر المجلّد الأوّل من الملل والنحل ص 252.

٢٤٧

من الإدراك والشوق، والقدرة على إيجاده في الخارج وغير ذلك ممّا لابدّ منه من المقدّمات التي يتوقّف عليها وجود الفعل، هذه المقدّمات من صنع الله سبحانه، والعبد قادر على إيجاد الفعل وتركه، إلاّ أنّ قدرته وجميع مباديه مخلوقة لله سبحانه فالفعل يستند إلى العبد كما يستند الإحراق إلى النار، مع أنّ النار لم تؤثّر الإحراق إلاّ بعد وجود بقيّة المقدّمات، وهذا هو المراد من الوسَط الذي عناه الإمام بقوله: (لا جبرَ ولا تفويض ولكن أمر بين بين).

أمّا الوعد والوعيد، فقد ذكرنا سابقاً أنّ الخلاف بين المعتزلة والإمامية في الوعيد، وأنّ المعتزلة قالوا بوجوب الوفاء به، وقال الإمامية بعدم وجوبه، وقال الإمام الرضا (عليه السلام) في ذلك: (لقد نزَل القرآن بخلاف قولِ المعتزلة في هذه المسألة، قال تعالى: ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) ) .

وأمّا مرتكب الكبيرة فقد ذكرنا أنّ الإمامية يرَونه مؤمناً فاسقاً مستحقّاً للعقاب بمقدار جرمه، والمعتزلة يقولون بأنّه بين الإيمان والكفر، ويخلّد في نار جهنّم، هذا بالإضافة إلى بقيّة المسائل التي كانت محلاًّ لاختلاف آراء الفِرَق الإسلامية، كالصفات والحُسن والقُبح العقليّين، ووجوب اللطف والأصلح على الله وعصمة الأنبياء، والإمامة وخلق الجنّة والنار والإحباط والشفاعة وغير ذلك من المباحث الكلامية، هذه المسائل لا يجد الباحث مسألةً منها يتّفق عليها الفريقان اتفاقاً كلّياً.

وإذا أضفنا إلى ذلك بعض الآراء التي نسبها إليهم ابن الراوندي في كتابه (فضائح المعتزلة) ، وغيره من كتّاب الفِرَق وأوردنا قِسماً منها في الفصول السابقة، يتبيّن للقارئ أنّ المسافة بين المعتزلة والإمامية أبعد منها بينهم وبين سائر الفِرَق، وربّما يلتقون مع الأشاعرة والمُرجئة أكثر ممّا يلتقون معهم.

والذي تؤكّده المصادر الشيعية أنّ الخصومة كانت بين علماء الإمامية وبين المعتزلة على أشدّها، وعلى الأخص في القرن الثالث والرابع الذي برَزت فيه معتقدات الإمامية، وانتشرت مؤلّفاتهم في مختلف المواضيع، ذلك العصر الذي تفرّغ فيه العلماء لتصفية الحديث من الموضوعات التي دسّها الحاقدون على أهل البيت بين أحاديثهم في الأصول والفروع، وكانت مجالس المفيد والمرتضى لا تخلو من مُناظرٍ، أو سائلٍ مستعلم فيما يتعلّق بمعتقدات الإمامية، وإذا رجعنا إلى مؤلّفاتهما نجد قسماً كبيراً منها في نقضِ آراء المعتزلة، فلقد ألّف الشيخ المفيد المتوفّى سنة 413 كتاباً في الردّ على الجاحظ المعتزلي، وكتاباً آخر في نقض فضائل المعتزلة، وله كتاب الفصول المختارة من العيون والمحاسن أكثر فيه من

٢٤٨

الردّ على المعتزلة ونقض آرائهم، وله كتاب في الوعيد يُبطِل فيه ما يدّعيه المعتزلة من وجوب الوفاء على الله بالوعيد، وله كُتب أُخرى في الردِّ على جعفر بن حرْب والنظّام والجبائي وغيرهم من أعلام المعتزلة (1).

وجاء في كتابه (الفصول المختارة من العيون والمحاسن): وقول جميع المعتزلة في الوعيد يلزمه نسبة الجور والظلم لله تعالى وتكذيب أخباره، لأنّهم يزعمون أنّ من أطاع الله عزّ وجل ألف سنة ثمّ فارق دنياه ومات مسوّفاً للتوبة، لم يثبه على شيء من طاعاته، وأبطل جميع أعماله، وخلّده بذنبه في نار جهنّم، لا يخرجه منها برحمةٍ منه، ولا بشفاعةِ مخلوق.

وأضاف إلى ذلك، أنّ أبا هاشم الجبائي يدّعي، أنّ الله يخلّد في عذابه مَن لم يترك شيئاً من طاعاته، ولا ارتكب شيئاً من خلافه، ولا فعل قبيحاً نهاه عنه لمجرّد أنّه في وقتٍ من الأوقات لم يفعل ما وجب عليه، ولا خرَج عن الواجب باختياره، ولا بفعلٍ يضادّه، والله سبحانه يقول: ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) ، ويقول: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) ويقول: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا ) ، ويقول: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) ، ومضى يعدّد المخالفات التي قال بها المعتزلة، وعدّ منها إنكارهم للشفاعة، ولِعذاب القبر، وخلق الجنّة والنار، والمعراج، وانشقاق القمر، وإعجاز القرآن، ووصفهم الأنبياء بالمعاصي، والسهو والنسيان، وغير ذلك من الآراء التي يُخالفون فيها جميع المسلمين على حدّ تعبيره (2) .

وقد ألّف السيّد المرتضى في الردّ على المعتزلة وخالفهم في أكثر آرائهم ومذاهبهم، ولو لم يكن له إلاّ كتابه الشافي في الردّ على كتاب المغني لعبد الجبّار المعتزلي أحد البارزين من أعلامهم لكفى، وقد تصدّى فيه لنقض آراء المعتزلة، ودحض عقائدهم وإبطال مزاعمهم، بأُسلوبٍ قويّ وحجّةٍ متينةٍ غنية بالفكر والبيان، وهو من خيرة مؤلّفات الإمامية في هذا الموضوع، وإذا أضفنا إلى ذلك ما ألّفه المعاصرون للأئمّة (عليهم السلام) في الردّ على المعتزلة، وفي المواضيع التي كانت مسرحاً للخلاف بين المعتزلة وغيرهم، وما ألّفه المتأخّرون عن المفيد والمرتضى في مختلف تلك المواضيع، نجد الإمامية أبعد

____________________

(1) انظر نهج المقال في تحقيق أحوال الرجال للميرزا محمّد ص 317.

(2) انظر ص 132 من الكتاب المذكور.

٢٤٩

الفِرَق عن الاعتزال، ولكن الكتّاب قد اعتادوا الافتراء على الشيعة حتى أصبح ذلك وكأنّه من السنن المتّبعة يأخذها المتأخّر عن المتقدّم كآية منزلة أو سنّة محكمة.

لقد قال أهل السنّة من المتقدّمين الذين عاصروا المعتزلة والإمامية: إنّ الإمامية أتباع المعتزلة في أُصول العقائد ومقلّدة لهم فيها، ذلك بعد أنْ وجدوا الإمامية في ذلك العصر من أبرز المسلمين في مختلف العلوم الإسلامية وغيرها؛ لأنّهم أخذوا عن أهل البيت الذين خرَج العِلم من بيتهم إلى الناس، فما اسطاعوا أنْ يعترفوا لهم بهذه الميزة، وشقّ عليهم أنْ تكون هذه القيادة الفكرية، فألحقوهم بالمعتزلة.

وجاءت الطبقة الثانية من كتّاب السنّة تجترِ هذه المقالة كما هي في كُتب أسلافهم وعلى ألسنة رواتهم، مِن غير أنْ يُمحّصوا الحقَّ من الباطل والهُدى مِن الضلال.

وجاء دور المتأخّرين كأحمد أمين وأمثاله من العرَب والمستشرقين فأخذوها عنهم، حتى أصبح ذلك شائعاً بين أكثر المؤلّفين، وقلّدوهم فيها بعض كتّاب الشيعة المعاصرين من الإمامية تزلّفاً إليهم، وبقصد توجيه الأنظار إلى كتابه (أدَب المرتضى) (1)، فنسب إلى السيّد المرتضى الاعتزال في أُصول العقائد، وأكّد لأكثر من مناسبة أنّه من أعلام المعتزلة في أُصوله (2)، وأضاف إلى ذلك التشيّع منحى من مناحي الاعتزال، من غير أنْ يذكر دليلاً أو مؤيّداً لهذه الادعاءات سِوى افتراءات بعض الكتاب الذين لا يكتبون عن الشيعة إلاّ بقصد التشويش عليهم وطمس أضوائهم.

والسيّد المرتضى الذي يلصق به المؤلّف تهمة الاعتزال هو من أعيان الطبقة الأولى الذين وضعوا أصول التشيع والإسلام كما جاء بها القرآن وأكدتها السنّة النبويّة وأحاديث أهل البيت (عليه السلام)، ولذلك فهو عند الشيعة من المراجع الأولى في أُصول التشيّع.

وما أردناه في هذا الكتاب من آراء الإمامية والمعتزلة ومقالاتهم في

____________________

(1) هو الدكتور عبد الرزّاق محيي الدين، وكان من طلاّب جامعة النجف الدينية، ونعرفه جيداً يوم كان طالباً يحاول أنْ يظهر بمظهر المتجدّد في تفكيره وينتقد بعض العادات والتقاليد.

(2) انظر ص 46 من كتابه وغيرها من الصفحات.

٢٥٠

الأُصول الإسلامية يكفي للردّ عليه وعلى أمثاله من الكتّاب العرَب والأجانب المسلمين وغيرهم، وأنّي حينما أنسب رأياً إلى الإمامية أو إلى غيرهم من الفِرَق الأُخرى، لا أقصد أنّ تِلك الفِرْقة قد أجمعت على ذلك الرأي، بل اعتمد في نسبة الرأي إليها على أقوال علمائها الكبار المؤسّسين لها، وخروج بعض الأفراد على هذا الرأي لا يمنَع من نسبته إليها، كما وأنّي حينما أنسب رأياً إلى الإمامية اعتمد على أقوال الأئمّة (عليهم السلام) والعُلماء الكتّاب كالمفيد والمرتضى والطوسي والعلاّمة الحلّي وأمثالهم ممّن أصبحت أقوالهم وآراؤهم مرجِعاً لِمَن جاء بعدهم، نظراً لأمانتهم ووثاقتهم، وباب الاجتهاد مفتوح لكلّ عالم في غير الضروريّات، من غير فَرقٍ بين الأُصول والفروع، ورائدي في عملي هذا إحقاق الحقّ، وخدَمة الدين، وأسأله سبحانه أنْ يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأنْ يتقبله منّي.

والصلاة والسلام على محمّد وأهل بيته الطاهرين وأصحابه الطيّبين.

٢٥١

الفهرس

مقدّمة 7

تمهيد .13

الفَصل الأول: الفِرَق الإسلامية الأُولى .23

وأسباب حدوثها وتاريخ التشيّع ومعناه 23

الفصلُ الثّاني: الخوارج .32

الفصل الثالث: (في الفِرَق المنسوبة إلى الشيعة) 50

الكيسانيّة 55

الزيدية 63

الفصل الرابع: في المذاهب الاعتقادية 95

المُرجِئة 99

المعتزلة 107

الأشاعرة 129

الفصل الخامس: في المذاهب والمعتقدات ..139

الأُصول التي تجمع المعتزلة 139

الصفات الوجودية 152

القُدرة 153

العلم .155

الحياة والإرادة 158

التكلّم .161

صفاته عين ذاته 167

الرؤية 171

الجبر والاختيار، أو القضاء والقدر 174

الحُسن والقُبح العقليّان .189

٢٥٢

وجوب اللطف والأصلح على الله سبحانه 193

النبوّة 197

الإمامة 199

العصمة 204

الجنّة والنار 215

الشفاعة 218

الإحباط .221

الإيمان .224

مرتكب الكبيرة 231

الوعد والوعيد .235

البَداء 237

الرجعة 241

الخلاصة 245

٢٥٣