على عفو الله وكرمه ولطفه بعباده، وإمّا مسرفٌ في المعاصي إلى حدٍّ حالت الذنوب بينه وبين الله، وأظلمت نفسه وانقطعت بينه وبين ربّه جميع الوسائل، أمّا المعصية بمجرّدها ما لم تستتبع أحد الأمرين فلا يلزمها اليائس، بل الغالب على العصاة أنّهم يرجون عفوَ الله ورضوانه ويؤمنون بالله وبما جاءت به رسله.
ومنها قوله تعالى:
(
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
)
.
وقد فهموا منها أنّ المرتكب للذنوب قد حكَم على نفسه بغير ما أنزل الله فيكون كافراً بنصّ الآية.
وهذه الآية كغيرها من الآيات التي لا تؤيّد مُدّعاهم؛ لأنّها نزَلَت في اليهود الذين حكموا بغير ما أنزل الله وحرفوا شرائعه وبدّلوا أحكامه، وقد وصفهم الله سبحانه بأنّهم سمّاعون للكذِب أكّالون للسُحت.
ومنها قوله تعالى:
(
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
)
.
وقد ادّعوا إنّ فاعل الكبيرة أسود الوجه عند الله فيكون كافراً بنصّ الآية، مع العلم بأنّ الآية واردة فيمَن كفَر بعد إيمانه، كما يبدو من قوله تعالى:
(
أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
)
، ولا سيّما بعد ملاحظة جملة من الآيات التي تنصّ على أنّ المعصية بمجرّدها لا تُوجِب خروج الإنسان عن الإسلام
، ولكن الخوارج حاولوا أنْ تكون لآرائهم التي امتازوا بها الصبغة الدينيّة فأوّلوا القرآن على حسب أفهامهم ليستخدموا الدين لصالحهم، ولكنّهم أُصيبوا بالفشَل في جميع حالاتهم وابتعدوا عن الإسلام والقرآن وعن المسلمين أيضاً، بالرغم من ثباتهم في جميع مواقفهم وصمودهم في وجه الشدائد، ويمكن تلخيص الأسباب التي أدّت إلى فشلهم بالأُمور التالية:
الأوّل:
أنّ مبدأ التكفير لأقلّ مناسبة هو المبدأ الذي تركّزت عليه جميع تحرّكاتهم واجتمعت عليه جميع فرقهم، بالرغم ممّا كان بينهم من خلاف في أكثر الآراء، فقد أجمعوا على تكفير عليّ (عليه السلام) وطلحة والزبير وجميع المسلمين، لأسبابٍ لم يقرّها الإسلام ولا مصدر لها من كتابٍ أو سنّة، فأراقوا الدماء ونهبوا الأموال واستحلّوا الإعراض باسم الدين