الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة23%

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 253

  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56236 / تحميل: 9635
الحجم الحجم الحجم
الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

إلى عطية بن الأسود الحنفي أتباع عبد الكريم بن عجرد أنّ الأطفال قبل بلوغهم تجب البراءة منهم، فإذا بلغ الصبيّ دُعيَ إلى الإسلام فإنْ أجاب إليه ووصفه كان مسلماً، ومِن هؤلاء من قال بالقدَر بمعنى التفويض وليس لله في أعمال عباده رأي أو تصرّف، فهم الخالقون لأفعالهم والكفر والإيمان باستطاعتهم وحدهم، بينما يرى بعض العجاردة من أتباع عبد الكريم بن عجرد: أنّ الأعمال مخلوقة لله ولا مشيئة للعبد فيها، والقائل بذلك هم الشعيبية نسبة لرجل يدعى شعيب، وقد تخاصم هو وميمون، في مال كان لميمون عليه، فقال له شعيب: أعطيكه إنْ شاء الله، فردّ عليه ميمون على مذهبه في القدر لقد شاء الله أنْ تعطيني إيّاه، فقال له شعيب: لو شاء الله لم أقدر إلاّ أنْ أعطيكه.

وقد نسب كتاب الفرق والمذاهب إلى الميمونية والعجاردة أنّهم يجيزون نكاح بنات البنين وبنات البنات، وبنات بنات الأخوة والأخوات، ويدّعون أنّ الله لم يُحرّم البنات وبنات الأخوة والأخوات، كما يدّعون بأنّ سورة يوسف ليسَت من القرآن.

ومَن فِرَق الخوارج الأباظية ولهؤلاء آراء يُخالفون غيرهم بها، كما يتّفقون مع غيرهم من فِرَق الخوارج في بعض الآراء، ومِن فروعهم الحفصية أتباع حفص بن أبي المقدام أحد قادتهم، وذهبوا إلى أنّه بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده، فمَن عرَف الله وكفَر بما سِواه من الرسل والجنّة والنار وعمل جميع المنكرات يكون كافراً ولا يُعَد مشركاً، وهؤلاء قد ذهبوا إلى أنّ عليّاً (عليه السلام) هو الحيران الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: ( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ) ، والذين دعوه إلى الهدى هم أهل النهروان، وأنّ الله قد أنزل فيه قوله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ، وأنزل في قاتله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) .

وقد ادعى أحد الأباظيّين وهو يزيد بن أنيسة أنّ الله سيبعث رسولاً من العجَم وينزل عليه كتاباً من السماء يكتب في السماء، وينزل جملةً واحدة، وأضاف أنّ أهل الكتاب إذا شهدوا لمحمّد بالنبوّة نتولاّهم ويجوز وصفهم بالإيمان وإنْ لم يدخلوا دين الإسلام (١)، ويتّفق الأباظية بجميع

____________________

(١) انظر مقالات الإسلاميّين ص ١٧٠ و١٧١.

٤١

فِرَقهم على أنّ مرتكب الكبيرة مخلّد في جهنّم، وفاعلها كافر لأنعم الله وليس مشركاً، وجوّز الضحاكيّة منهم أنْ تتزوّج المرأة المسلمة من كفّار قومهم في دار التقية، كما يجوز للرجل المسلم أنْ يتزوّج الكافرة من قومه في دار التقية، أمّا إذا كان حكمهم جائراً فلا يستحلّون ذلك، بينما قال جماعة منهم: إنّ المرأة المتزوّجة من كفّار قومنا لا نعطيها صفة الإسلام، ولا تجب الصلاة عليها إنْ ماتت، أمّا مخالفيهم فقد حكَم جماعة منهم بكفرهم وتوقّف آخرون فلَم يحكموا عليهم بكفر أو إيمان، وجميع المسلمين الذين لم يؤيّدوا حركتهم مخالفون في دار الكفر، ومن فِرق الخوارج ا لبيهسية أصحاب أبي بيهس هيجم بن جابر ولهم آراء شاذّة في الأُصول والفروع منها أنّ الشراب حلال في أصله ولم يأتِ فيه شيء من التحريم لا في قليله ولا في كثيره، ومنها أنّ الناس مشركون بجهلِ الدين وارتكاب الذنوب، ويجب على الله أنْ يظهر أحكامه في العصاة كما أظهرها في الشرك، ولو جاز إخفاءها لجاز في الشرك أيضاً.

ومنها أنّ الإمام إذا كفَر كفرت الرعية الغائب والشاهد حكمهم حكم الإمام، ومَن فعل شيئاً من المحرّمات التي توعّد الله عباده عليها وهو لا يعلم بحرمته كان كافراً.

ومِن فِرقهم الشبيبية أتباع شبيب بن يزيد (١)، وهؤلاء قد جوّزوا إمامة المرأة واستخلافها ولهم آراء أُخرى أكثر شذوذاً ممّا أوردناه (٢).

ولهم فِرق أُخرى وآراء في الأُصول والفروع تدور حول مرتكب الذنب، وأحكام المخالفين لهم، ويبدو بعد التتبّع لآرائهم أنّ التكفير هو أوّل الصفات التي تجري على ألسنتهم، فكأنّ المقياس للدين هو آراؤهم ومتابعتهم على ضلالهم وجهلهم وقد كفّر بعضهم بعضاً لأقلّ مناسبة وأبسطها، وانقسموا على أنفسهم حتى في ساحات القتال مع أخصامهم الأمويّين، وقد عرف فيهم الحكّام والقوّاد الذين تولّوا قتالهم هذه الحالة، فاستغلّوها لتفريق كلمتهم وإضعافهم، فقد جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المجلّد الأوّل: إنّ الأزارقة كان من بينهم حدّاد يصنع لهم نِصالاً

____________________

(١) أحد القواد الذين قادوا حركة الخوارج في عهد عبد الملك بن مروان، وقد اشترك في جملة مِن المعارك هو وزوجته.

(٢) انظر ص ١٧٩ و١٨٠ و١٨١ من مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري ج ١.

٤٢

مسمومة يرمون بها أصحاب المهلّب بن أبي صفرة، فشكا أصحاب المهلّب إليه أمر الحدّاد، فقال: أنا أكفيكم أمره، فوجّه إليه كتاباً فيه ألف دينار مع رجلٍ من أصحابه وأمره بإلقاء الكتاب والدنانير في معسكر الخوارج، وكتب فيه: أمّا بعد فإنّ نصالك قد وصلَت إلينا وقد وجّهت لك ألف دينار فاقبضها وزدنا من نِصالك، فأصاب الكتاب أحد الخوارج وسلّمه إلى قطري الذي كان يقود الخوارج في حربهم مع المهلّب، ولمّا قرأ الكتاب استدعى الحدّاد فقال له: ما هذا الكتاب والدنانير قال: لا أعلم بها، فأمر بقتله فجاءه أحد القوّاد ويُدعى عبد ربّه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبة، فقال له: قتلتَ رجلاً على غير ثقةٍ وبيّنة، قال قطري: ما حال الألف دينار؟ قال: يجوز أنْ يكون أمرها كذباً ويجوز أنْ يكون حقّاً.

فقال له قطري: إنّ قتل رجلٍ فيه صلاح غير منكَر، وللإمام أنْ يحكُم بما يراه صالحاً وليس للرعية أنْ تعترض عليه، وكان من نتيجة ذلك أنْ تنكّر له عبد ربّه الصغير مع جماعة من الخوارج ونقموا عليه تسرّعه في هذا الأمر، ولمّا بلغ المهلّب خلافهم احتال لأنْ يزيده احتداماً فدسّ إليهم رجلاً نصرانيّاً وأمره أنْ يسجُد لقطري عندما يراه وأوصاه أنْ يقول له: إنّما سجدتُ لك لا لله، ولمّا فعل النصراني ما أوصاه به المهلّب أنكر عليه الخوارج ذلك وقالوا له: لقد عبدك النصراني من دون الله، وتلا عليه بعضهم الآية: ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) .

فقال قطري: لقد عبد النصارى عيسى بن مريم من دون الله فما ضرّ عيسى ذلك شيئاً، وأدّى الخلاف بينهم إلى قتْل النصراني، وتابَع المهلّب دسائسه بينهم بعد أنْ رأى أنّ ذلك أجدى عليه من السيف فوجّه إليهم رجُلاً يسألهم عن رجُلين خرجا مهاجرَين إليهم، فمات أحدهما في الطريق ووصل إليهم الثاني ولكنّه لم يكن كما يريدون، فأجاب فريق منهم أنْ الميّت من أهل الجنّة والذي بقيَ حيّاً كافر، وقال فريقٌ آخر: أنّهما معاً كافران واحتدم الخلاف بينهم شهراً كاملاً (١) ، ويجد المتتبّع في تاريخهم أمثال هذه الخلافات التي كانت تنشب بينهم لأبسط الأُمور، واستغلّ أخصامهم هذه الميزة التي برزت في حياتهم، فعملوا على إضعافهم وهزيمتهم من هذا الطريق، وبالفعل قد تمّ لهم ذلك وتوالت هزائمهم؛ بسبب ما كان يحدث بينهم من خلاف ونزاع وهم في ساحات القتال، مع

____________________

(١) انظر شرح النهج لابن أبي الحديد ج (١) ص ٤٠١.

٤٣

أنّهم من أصبر الناس على الشدائد وأقواهم شكيمة في القتال وأصلبهم في دعوتهم التي نادوا بها، في عشرات السنين، وبجانب هذه الميزة التي برزت في تاريخهم يبدو أنّهم كانوا يحرصون على أنْ تكون لحركتهم الثورية الصبغة الدينيّة، فيحكمون على مخالفيهم في الرأي بالكفر ويقتلون ويُفسدون باسم الدين، ويُجادلون عن آرائهم ومعتقداتهم بظواهر بعض الآيات التي لم يصيبوا فيها إلاّ الجانب السطحي، ولم يُفكّروا فيها التفكير الذي يصيب المرمى والمقصد ويرشدهم إلى الحق من جميع جوانبه؛ لذلك فإنّهم لم يتوفّقوا في جميع مناظراتهم بالرغم من عنادهم وثباتهم على عقيدتهم، وطلاقة ألسنتهم واختيارهم لأفصح العبارات وأقواها تأثيراً على خصومهم، وقد أورد في شرح النهج بعض الآيات التي استدلّوا بها على تكفير أهل الذنوب من غير فرق بين ذنبٍ وآخر، حتى الخطأ في الرأي إذا أدى إلى مخالفة الواقع (١) .

ولذا فإنّ عليّاً (عليه السلام) في مناظراته معهم لم يحتجّ عليهم بالكتاب ولا بالحديث؛ لأنّهما يحتملان التأويل ومن الصعب رجوعهم إلى الصواب وهم يجدون من ظواهر بعض الآيات ما يؤيّد آراءهم، فاحتجّ عليهم بعمل الرسول مِن مرتكبي الكبائر، وأورَد لهم من الشواهد المتعدّدة ما يدلّ بصراحة لا تقبَل التأويل والتفسير، أنّه لم يعاملهم معاملة الكفّار والمشركين؛ لأنّه رجَم الزاني المحصَن وورّثه أهله، وقتَل القاتل وأجرى عليه أحكام المسلمين، وقطَع يد السارق وأعطاه حقّه من الفيء، ولم يمنعهم من حقوقهم التي جعلها الله لعامّة المسلمين، وكانت سيرة الرسول على ذلك طيلة حياته، ومضى عليها الخلفاء مِن بعده ولم يستطع الخوارج وغيرهم إنكار ذلك من سيرة الرسول والخلفاء من بعده.

ولقد أوضح لهم بهذا الأُسلوب من البيان أنّ الكفر لا يُحكم به على أحد، إلاّ إذا أنكر الوحدانيّة، أو الرسالة، أو أصلاً من أُصول الإسلام، أو ضرورياً من ضروريّات الدين، حيث يؤدّي إنكار ذلك الضروري إلى تكذيب الكتاب أو الرسول فيما أخبرا به، وفاعل الكبيرة، ما لَم يكن منكِراً لأحدِ هذه الأُمور يبقى على حكم الإسلام، فلقد جاء عنه أنّه قال لهم: (فإنْ أبَيتم أنْ تزعموا إلاّ أنّي أخطأت وضلَلت فلِم تضلّلون عامّة أُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) بضلالي وتأخذونهم بخطئي وتكفّرونهم بذنوبي: سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البُرء والسقْم، وتخلطون

____________________

(١) انظر المذاهب الإسلامية للشيخ محمّد أبي زهرة ص ١٠٦.

٤٤

من أذنب بمَن لم يذنب، وقد علمتم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رجَم الزاني المحصَن ثمّ  صلّى عليه وورّثه أهله، وقتل القاتل وورّث ميراثه أهله، وقطَع يد السارق وجلَد الزاني غير المحصن وأعطاهما نصيبهما مِن الفيء وانكحهما المسلمات، فأخذهم رسول الله بذنوبهم وأقام حق الله فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام ولم يخرج أسماءهم من بين أهله) (١) ، وهكذا كان غيره ممّن ناظرهم في الإسلام ينحو هذا المنحى العملي الذي لا يقبل التأويل والتشكيك، ولكنّهم تمسّكوا بنصوص القرآن ونظروها نظرة جانبية تعكس تفكيرهم واتجاههم، فلم يستجيبوا لهذا الأُسلوب البياني الذي يعكس الواقع الإسلامي، كما توحيه نصوص القرآن وسيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، لقد كفروا جميع المسلمين؛ لأنّهم لم ينسجموا معهم، واستدلّوا على تكفير أهل الذنوب بظواهر بعض الآيات.

منها قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) .

فاعتبَروا الكفر الوارد في الآية مترتّباً على ترك الحجّ باعتباره معصيةً لله سبحانه، وبقياس غيره عليه ينتج أنّ كلَّ كبيرة يكون فاعلها كافراً، ويبدو من ذلك أنّهم يُفسّرون القرآن بما يوافق آراءهم في الدين، ويحاولون التوفيق بين مبادئهم وبين الدين بهذا الفهم الخاطئ، فالآية الكريمة قد تناولت أوّلاً تشريع الحجّ على المسلمين من غير نظر فيها إلى الناحية العملية التي بسببها يتصف الإنسان بالطاعة والعصيان، ثمّ تعرّضت لحال مَن أنكر هذا التشريع ووصفته بالكفر والجحود، فالكفر الوارد في الآية معناه عدَم الإيمان بهذا التشريع الإلهي، وممّا لا ريب فيه أنّ عدَم الإيمان بذلك كفر عند جميع المسلمين.

ومنها قوله تعالى: ( إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) .

فقد استفادوا من هذه الآية أنّ اليأس باعتباره معصيةً لله سُبحانه بكون صاحبه كافراً، ولازم ذلك أنْ تكون صفة الكفر ثابتة لكلّ مَن يترك واجباً أو يفعل محرّماً، مع أنّ الآية ليس فيها أكثر من وصف اليائس من رحمة الله بالكفر، وإنّما وصف بذلك؛ لأنّه إمّا مكذّب للآيات التي تنصُّ

____________________

(١) انظر المجلّد الثاني من شرح النهج ص ٣٠٦.

٤٥

على عفو الله وكرمه ولطفه بعباده، وإمّا مسرفٌ في المعاصي إلى حدٍّ حالت الذنوب بينه وبين الله، وأظلمت نفسه وانقطعت بينه وبين ربّه جميع الوسائل، أمّا المعصية بمجرّدها ما لم تستتبع أحد الأمرين فلا يلزمها اليائس، بل الغالب على العصاة أنّهم يرجون عفوَ الله ورضوانه ويؤمنون بالله وبما جاءت به رسله.

ومنها قوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) .

وقد فهموا منها أنّ المرتكب للذنوب قد حكَم على نفسه بغير ما أنزل الله فيكون كافراً بنصّ الآية.

وهذه الآية كغيرها من الآيات التي لا تؤيّد مُدّعاهم؛ لأنّها نزَلَت في اليهود الذين حكموا بغير ما أنزل الله وحرفوا شرائعه وبدّلوا أحكامه، وقد وصفهم الله سبحانه بأنّهم سمّاعون للكذِب أكّالون للسُحت.

ومنها قوله تعالى: ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) .

وقد ادّعوا إنّ فاعل الكبيرة أسود الوجه عند الله فيكون كافراً بنصّ الآية، مع العلم بأنّ الآية واردة فيمَن كفَر بعد إيمانه، كما يبدو من قوله تعالى: ( أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) ، ولا سيّما بعد ملاحظة جملة من الآيات التي تنصّ على أنّ المعصية بمجرّدها لا تُوجِب خروج الإنسان عن الإسلام (١) ، ولكن الخوارج حاولوا أنْ تكون لآرائهم التي امتازوا بها الصبغة الدينيّة فأوّلوا القرآن على حسب أفهامهم ليستخدموا الدين لصالحهم، ولكنّهم أُصيبوا بالفشَل في جميع حالاتهم وابتعدوا عن الإسلام والقرآن وعن المسلمين أيضاً، بالرغم من ثباتهم في جميع مواقفهم وصمودهم في وجه الشدائد، ويمكن تلخيص الأسباب التي أدّت إلى فشلهم بالأُمور التالية:

الأوّل: أنّ مبدأ التكفير لأقلّ مناسبة هو المبدأ الذي تركّزت عليه جميع تحرّكاتهم واجتمعت عليه جميع فرقهم، بالرغم ممّا كان بينهم من خلاف في أكثر الآراء، فقد أجمعوا على تكفير عليّ (عليه السلام) وطلحة والزبير وجميع المسلمين، لأسبابٍ لم يقرّها الإسلام ولا مصدر لها من كتابٍ أو سنّة، فأراقوا الدماء ونهبوا الأموال واستحلّوا الإعراض باسم الدين

____________________

(١) انظر المجلّد الثاني من شرح النهج لابن أبي الحديد ص ٣٠٧.

٤٦

والإسلام، وقد احتجّ عليهم عليّ (عليه السلام) بسيرة الرسول مع المسلمين، فأصرّوا على عنادهم وضلالهم ومضوا في طريقهم يفسدون في الأرض ويقتلون الآمنين، ووقَف المسلمون منهم موقفاً سلبيّاً في جميع المراحل التي مرّوا بها، بالرغم من النقمة الشديدة والفجوة التي كانت بين الحكّام وبين المسلمين في العصر الأموي، وعلى ما بين الحكّام والمسلمين من بعد، فالمسلمون فضّلوا البقاء تحت سلطان الأمويّين على مساندة الخوارج والثورة معهم.

الثاني: إنّهم على شدّتهم وصبرهم على الشدائد لم يكن لهم قيادة تفرض وجودها عليهم، ولم يخضعوا لأُمرائهم الذين تزعّموا حركاتهم وحروبهم، ففي أكثر مواقفهم كانت تنشب المعارك والخلافات بينهم لأبسط الأسباب، وكان ذلك من جملة العوامل التي تساعد الحكام على هزيمتهم، وقد ذكرنا سابقاً أنّ المهلّب بن أبي صفرة قد شغلهم بالخلافات واستغلّ هذه الظاهرة فيهم في المعارك التي نشبت بينهم وبينه.

الثالث: إنّهم مع إسرافهم في أحكامهم على المسلمين واستحلالهم لإراقة الدماء واستباحة الأعراض، ظهرت لهم بعض الاجتهادات المنافية لأُصول الإسلام، والتي يمكن تفسيرها بأنّها كانت محاولة لهدم الإسلام من أساسه، وعلى أساسها يسوغ وصفهم بالارتداد عن الدين، فقد ادعى أحد قادتهم وهو يزيد بن أنيسه أنّ الله سيبعث نبيّاً من العجَم بكتاب ينسخ شريعة محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله)، كما جوّز ميمون العجردي أحد أُمرائهم نكاح بنات الأولاد وبنات أولاد الإخوة والأخوات، وادّعى آخرون منهم أنّ سورة يوسف ليست من القرآن، إلى غير ذلك من الآراء التي كانت تختصّ بها كلّ فِرقة من فرقهم، مما جعل المسلمين يقفون منهم موقف الحذر والحيطة، ويرون انتصارهم خطراً على الإسلام ومبادئه.

لذا فإنّ معاركهم مع الحكّام لم تتّخذ طابعاً شعبيّاً تمثّل إرادة الأُمّة ورغباتها في الإصلاح وتطبيق العدالة والقانون، بل كانت ذات لونٍ واحد من بدايتها حينما خرجوا على عليّ (عليه السلام) إلى نهايتها، حينما خمد صوتهم وخلدوا إلى الهدوء والسكينة في الشطر الأول من عهد العباسيّين.

ولو قدر لبقيّة الحركات الثورية التي ظهرت في العصرين الأموي والعبّاسي، البقاء الطويل والامتداد الذي امتازت به ثورة الخوارج، لو قدر لها ذلك لكان من ثمارها استئصال الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، التي فرضها الإسلام على كلّ حاكمٍ يتولّى قيادة الأُمّة، فالحركات الثوريّة التي قام بها العلويّون في

٤٧

العصرين الأموي والعبّاسي كانت تهدف لتحرير الشعوب من ظلم الحاكمين، الذين قامت عروشهم على دماء الأبرياء واضطهاد الصُلحاء، وتسخير جميع الطبقات الكادحة لشهَواتهم وتثبيت عروشهم؛ ولذا فإنّها لم تُحرم في الغالب من تأييد العلماء ورجال الدين ومساندتهم لها حتى بالأموال، كما كان الحال من موقف أبي حنيفة مع ثورة زيد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فالقائمون على توجيه تلك الانتفاضات التي كانت تحدث بين حينٍ وآخر من العلويّين وغيرهم في وجه الأمويّين والعبّاسيين، لم يتّخذوا هدفاً وغاية سوى تطبيق العدالة، وتعديل الانحراف الذي ظهر في سياسة الحكّام وجميع تصرّفاتهم، نعم يمكن أنْ يكونوا في حركاتهم لم يراعوا الظروف المناسبة، ولم يعدّوا العدّة الكافية؛ ولذا لم يحالفهم النجاح في أكثر حركاتهم في وجه الحكّام.

أمّا الخوارج فلو كانوا يطلبون العدالة وجدوها عند عليّ (عليه السلام)؛ لأنّه كان مثاليّاً في سيرته وسياسته ومواساته لأضعف أفراد الأُمّة، ولم يستطع حتى أعداؤه الألدّاء أنْ يتّهموه بالانحراف عن جادّة القرآن وسيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ومع كلّ ذلك فقد افتتحوا ثورتهم بخروجهم عليه وأعلنوا كفره واستحلّوا قتاله، وأخيراً تمّكنوا من اغتياله وهو ساجد لربّه.

ومجمل القول لقد وقف الخوارج في ناحية ووقف المسلمون كلّهم في ناحية، واختطّوا لأنفسهم طريقاً خالفوا فيه جميع المسلمين، فلقد حاولوا تطبيق جميع تصرفاتهم على الدين من الزاوية التي يفهمونها، وهي زاوية استيلائهم على الحكم وانتزاعه من أيدي القرشيّين، واستدلّوا بالآيات على صحّة تصرّفاتهم ونظريّاتهم حسب أفهماهم الخاطئة التي حاولوا فرضها على القرآن وعلى الدين فرضاً، فلَم تنسجم تصرّفاتهم مع آرائهم وأقوالهم.

فبينما نراهم يكفرون مرتكب الذنب الواحد نجدهم يقتلون عبد الله بن خباب الصحابي الجليل، ويبقرون بطن زوجته الحامل فيستخرجون منها حمْلها ويذبحونه على صدرها، ونجدهم أيضاً يجيزون نكاح بنات الإخوة والأخوات وبنات الأولاد، وفي نفس الوقت الذي قتلوا فيه عبد الله بن خباب وزوجته، يأبون أنْ يأكلوا من رُطَب قدّمه لهم بعض الذميّين تجنّباً للحرام وخوفاً من الله سُبحانه.

فالباحث في تاريخهم من جميع نواحيه يجدهم يتخطّون الواقع والمنطق والدين والعلم في جميع تصرّفاتهم وآرائهم؛ ولذلك كانوا منبوذين من جميع فِرَق المسلمين على اختلاف نزَعاتهم ومذاهبهم، ولم يستطيعوا في جميع حالاتهم ومواقفهم المتعدّدة في وجه

٤٨

الحكّام الأمويّين أنْ يربحوا عطف الشعوب، ولا أنْ يحقّقوا شيئاً من آمالهم وأمانيهم ومنيت حركاتهم بالفشَل بعد جهاد استمرّ عشرات الأعوام والسنين، ولو أنّهم بعد أنْ وصل الحكم إلى أيدٍ ملوّثة بالظلم والفساد وغير أمينة على أحقَر الأشياء فضلاً عن مقدّرات أُمّة بكاملها، لو أنّهم في هذه الحالة طالبوا بإصلاح الفاسد وتحقيق العدالة، والسير على المخطّط الذي وضعه الإسلام للحاكمين لعادت ثوراتهم على الإسلام والمسلمين بالخير والسعادة والازدهار، ولا سيّما بعد أنْ واصلوا كفاحهم الطويل، وصبَروا في أكثر معاركهم، وضحّوا بكلّ ما يملكون لتحقيق ما كانوا يهدفون إليه.

٤٩

الفصل الثالث: (في الفِرَق المنسوبة إلى الشيعة)

في هذا الفصل عرضٌ موجز للفِرق المنسوبة إلى الشيعة ومعتقداتها، وتاريخ ظهورها وأسباب انقراضها، ومقدار صِلتها بالشيعة الإمامية.

لقد كان ظهور الخوارج في الإسلام بدايةً لانقسامٍ جديد في صفوف المسلمين وتعدّد الفِرق الإسلامية، على حين أنّهم في تلك الفترة من تاريخهم لم يكن لهم ميزة تخصّهم من حيث المعتقدات في الفروع والأُصول، ولم يُظهروا فكرةً تُميّزهم عن غيرهم من المسلمين، سِوى النقمة على الحكّام الذين تولّوا قيادة المسلمين بعد انتهاء معركة صِفّين.

وعلى مرور الزمن وبعد اتساع حركتهم الثورية وانتشارها في أنحاء مختلفة من بلاد المسلمين ظهرت لهم بعض الآراء في الأُصول الإسلامية، كما ظهَرت لهم بعض التشريعات في الفروع، وبذلك قد أصبحوا فرقةً من الفرق الإسلامية غلَب عليهم اسم الخوارج، مع أنّهم في واقع الأمر فرقة من الجمهور يلتقون مع السنّة في الخلافة الإسلامية وبعض الأُصول الأخرى وأكثر الفروع، ولا يلتقون مع الشيعة الإمامية بشيء؛ لأنّهم بجميع فرقهم يتّفقون على كفر

٥٠

عليّ (عليه السلام) وأتباعه، بينما يقرّون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ويرون رأي السنّة في الصحابة الأقدمين.

وقد ذكرنا أنّه لم يكن قبل ظهور الخوارج إلاّ فئتان من المسلمين: فئةٌ تدّعي أنّ النبيّ قد انتقل إلى ربّه ولم يستخلف أحداً من بعده، وترك للأُمّة حقّ اختيار الحاكم الذي تراه صالحاً لإدارة شؤونها، وقد اختارت أبا بكر، وهو بدوره قد عيّن من بعده عمر بن الخطّاب، وهكذا إلى أنْ انتهى الأمر إلى عليّ (عليه السلام)، والفئة الثانية وهُم الشيعة المتمسّكون بحرفية النصوص التي صدرت عن الرسول في مختلف المناسبات، على أنّ عليّاً هو الخليفة المختار من الله سبحانه، وقد أثبتها الشيعة والسنّة في كتبهم منذ عصور التدوين والتأليف الأولى، ولكن السنّة قد تأوّلوها تمشّياً مع المبدأ الذي اعتمدوه في اختيار الخليفة بعد الرسول.

وقد أثبتنا في الفصل الأوّل من فصول هذا الكتاب أنّ التشيّع بمعناه المعروف بين الفقهاء والمتكلّمين، في العصور المتأخّرة عن عصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولِد في حياة الرسول، وآمَن به جماعة من الصحابة، وبعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقفوا إلى جانب عليّ ولم يُبايعوا لأبي بكر إلاّ بعد أنْ بايع عليّ (عليه السلام)، ولكنّ فكرة التشيّع بقيت حيّة في الأذهان تنمو وتنتشر كلّما انطلق المسلمون في تفكيرهم، وكلّما أمعنوا في دراسة القرآن والحديث، ومشت مع الإسلام جنباً إلى جنب، واتّسع مفهوم التشيّع في العصور المتأخّرة عن عصر الخلفاء الأربعة، بمعنى أوسع ممّا كان عليه بعد وفاة الرسول، وأصبح التديّن بإمامة الأئمّة الاثني عشر جزءاً من معناه؛ تمشّياً مع النصوص التي وصلت إليهم عن النبيّ والأئمّة من ولده (عليهم السلام).

وجاء في بعضها ما يؤكّد إمامة الاثني عشَر واحداً بعد واحد بأسمائهم وأوصافهم، وجاء في جملةٍ منها: أنّ الخلفاء من بعده اثنا عشر خليفة، وفي حديث مشهور بين الرواة والمحدّثين: (إنّ الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، ولم يحدث انقسام في صفوف الشيعة في الإمامة إلاّ بعد مقتل الحسين (عليه السلام)، حيث بدأت الفرَق الشيعيّة تظهر بين صفوف الشيعة على حدّ زعم المؤلّفين القدامى في الفِرق الإسلامية، ومنذ أنْ انتقلت الإمامة لعليّ بن الحسين الملقّب بزين العابدين.

ويتّسع اسم الشيعة عند الذين كتبوا في الفرق الإسلاميّة والمذاهب، وعند الكتّاب العرب والمستشرقين لكلّ مبتدع في الدين، أو مشعوذ حاول إغراء بعض المغفّلين فتظاهر بولاء أهل البيت وصحبتهم؛ ليتوصّل إلى أهدافه عن هذا الطريق، فمن أنكر الكتاب والرسالة وجميع ما جاءت به الأديان، فهو

٥١

شيعي عند الكتّاب وأهل السنّة ما دام يدّعي أنّه محبٌّ لأهل البيت، مع العلم بأنّ آراء أهل البيت وعقيدة أهل البيت وشيعتهم لا انحراف فيها ولا التواء عن جادّة القرآن وتعاليم الرسول، وقد جاهدوا في سبيل مبادئ القرآن وتعاليم الإسلام طيلة حياتهم وقُتلوا وشُرّدوا في هذا السبيل، ولم تلاقِ أُمّةٌ من الأُمم ما لاقاه الشيعة وأئمّتهم من الحكّام، لا لشيء إلاّ لأنّهم لم يتخلّوا عن مبادئهم طرفة عين، ومع ذلك فكل مبتدعٍ في الدين أو مفترٍ عليه مهما كانت بدعته وافتراءاته، لا يخرج عن التشيّع؛ لأنّه كان يدّعي ولاء أهل البيت وينظر إليهم بعين الاحترام والتقديس، ولأجل ذلك فقد عدّوا أكثر الفِرَق الضالّة من الشيعة.

ومِن تلك الفرق السبائيّة المنسوبون لعبد الله بن سَبأ الذي أظهر الغلوّ في عليّ (عليه السلام)، وقد نفاه عليّ إلى المدائن بعد أنْ استتابه ووضَعه تحت الرقابة الشديدة، ولكن المؤلّفين في الفرَق يدّعون بأنّه رجع إلى مقالته الأُولى بعد وفاة عليّ (عليه السلام)، على أنّ جماعة من الباحثين المحدثين قد أثبتوا بما لا يقبَل الريب أنّ عبد الله بن سبأ شخصيّة وهميّة لا وجود لها في التاريخ، والبيانية الذين ادّعوا أخيراً إلوهيّة (بيان بن سمعان) (١).

والمُغيريّة أتباع المُغيرة بن سعيد العجلي، وقد ادعى النبوّة لنفسه بعد أنْ تظاهر في ولائه لأهل البيت ودسّ في أحاديثهم آلاف الروايات، ولمّا بلغ أمره الإمام الصادق (عليه السلام) لعنه وحذّر الشيعة مِن آرائه ومرويّاته.

والمنصوريّة أتباع منصور العجلي، وقد ادعى أنّ الإمام محمّداً الباقر أوصى إليه بالإمامة بعد أنْ رُفِع إلى السماء، وأنّه هو المعني بالآية من سورة الطور: ( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ) ، وأتباعه ينكرون الجنّة والنار، ويدّعون أنّ الجنّة نعيم أهل الدنيا، والنار هي المِحَن والمصائب التي يلاقيها الإنسان في حياته، وقد تولّى قتل أبي منصور العجلي يوسف بن عمر الثقفي، كما جاء في التبصير في الدين

____________________

(١) وقد ظهر بيان بن سمعان بالعراق في المِئة الثانية هجريّة، وادّعى حلول جزء من الإله في عليّ (عليه السلام) ثمّ في محمّد بن الحنفية، ومنه انتقل إلى ولده أبي هاشم، وأخيراً ادّعاها لنفسه، وكانت نهايته على يد خالد بن عبد الله القسري عامل هشام بن الحكَم على الكوفة، انظر التعليق على كتاب التبصير في الدين للشيخ محمّد زاهد بن الحسن الكوثري ص ٣٥.

٥٢

للإسفراييني (١).

والجناحيّة أتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيّار المعروف بذي الجناحين، والمنسوب إليهم أنّ روح الإله تحلّ في الأنبياء وتنتقل إلى الأئمّة واحداً بعد واحد، وإنكار المعاد والجنّة والنار، واستحلال الزنا والخمر واللواط وجميع المحرّمات وترك الواجبات، ويدّعون أنّ هذه الأُمور ترمز إلى أهل البيت، وأنّ صاحبهم عبد الله بن معاوية لا يزال حيّاً في جبَل من جبال أصفهان (٢) وجاء في فِرَق الشيعة للنوبختي: أنّ الذي دسّ بين صفوف أصحاب عبد الله الغلوّ والتناسخ، وزيّن لهم ترك الواجبات وفعل المحرّمات هو عبد الله بن الحارث، من أصحاب عبد الله بن معاوية وأُسند ذلك إلى جابر بن جابر بن عبد الله الأنصاري، وجابر بن يزيد الجعفي وهما من أصحاب الأئمّة ورواة أحاديثهم (٣).

الخطابيّة أتباع أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الملقّب (بالأجدع)، وادّعى هؤلاء أنّ الأئمّة كانوا آلهة، وأنّ أولاد الحسَن والحُسين أنبياء الله وأحبّاءه، وأخيراً ادّعى أبو الخطّاب الإلوهيّة لنفسه، ولمّا بلغت أقواله الإمام الصادق (عليه السلام)، لعنه مع جماعة من المشَعوذين منهم المغيرة بن سعيد، وبشّار الأشعري، وحمزة البربري، والسري وغيرهم، وأمَر أصحابه بلعنهم والبراءة منهم، وأباح دماءهم وأموالهم (٤) .

وقد أورد الشهرستاني في الملل والنحل، والنوبختي في الفرق، والأشعري في كتابه مقالات الإسلاميّين، والأسفرائيني في التبصير أقوالاً وآراءً لهؤلاء، كلّها صريحة في كفرهم وضلالهم، وكان الإمام الصادق حريصاً على التشهير بهم وبيان كفرهم وضلالهم؛ لئلاّ ينخدع بهم احد من البسطاء والمغفّلين.

الغرابية وهم القائلون بأنّ الله قد أرسل جبرئيل لعليّ (عليه السلام)، ولكنّه جاء إلى محمّد؛ لأنّه يشبهه كما يشبه الغراب الغراب، ومِن هؤلاء مَن يدّعي أنّ الله قد فوّض أمر تدبير الخلق لمحمّد (صلّى الله عليه وآله)، ومحمّد فوّض ذلك لعليّ (عليه السلام)، ويُنسب إليهم أنّهم يقولون: بأنّ عليّاً بعث محمّداً ليدعو الناس

____________________

(١) انظر ص ١٠٠ من التبصير وص ٣٨ من فرق النوبختي.

(٢) انظر التبصير في الدين لأبي المظفّر الأسفرائيني ص ١١٠.

(٣) انظر ص ٣٥ من فرق الشيعة للنوبختي.

(٤) انظر ص ٤٣ من فرق الشيعة وص ١١١ من التبصير.

٥٣

إلى إلوهيّته فدعا لغيره.

النميريّة أتباع محمّد بن نصير النميري الذي ادّعى أنّ أبا الحسَن عليّاً الهادي (عليه السلام) قد بعثه نبيّاً، وأظهر القول بالتناسخ وإباحة المحرّمات، وادّعى الربوبيّة لأبي الحسَن العسكري (عليه السلام).

السبعية القائلون بأنّ الإمامة قد انتقلت من إسماعيل بن جعفر الصادق إلى ولده محمّد بن إسماعيل وأنّ أولي العزم سبعة منهم محمّد بن إسماعيل، وجنّة آدم هي إباحة المحرّمات، وأنّ شريعة محمّد بن عبد الله قد نُسِخت، واحتجّوا على ذلك بما جاء عن جعفر بن محمّد: (لو قام قائمنا علم القرآن جديداً) ، وهؤلاء هم الأصل للقرامطة (أتباع حمدان قرمط) (١).

لقد أوردنا هذه الأمثلة من الفِرَق التي يدّعي الكتاب أنّها فرق شيعيّة ويُحمّلون الشيعة أوزارهم وتبعاتهم، مع أنّه لو صحّ وجود هذه الفرق في التاريخ فالآراء والأقوال المنسوبة إليهم تدلّ بصدقٍ وصراحة تامّين، على أنّهم بعيدون عن الإسلام فضلاً عن التشيّع، ولو صحّ أنّهم كانوا في عداد الشيعة فذاك؛ لكي يتستّروا بالتشيّع لترويج آرائهم ومفترياتهم على الإسلام.

على أنّ هناك أمراً لابدّ من النظر إليه بعين الاعتبار، وهو أنّ حكّام الأمويّين والعبّاسيّين كانوا يبذلون كلّ ما في وسْعهم للتشويه على الأئمّة من أهل البيت، وإضعاف مركزهم في نفوس المسلمين، فدسّوا بين صفوفهم جماعة للتشويش عليهم ونشر البِدَع والخرافات بين معتقداتهم وآرائهم في الأُصول والفروع، وقد لعِب الحكّام دوراً بارزاً في هذه الناحية بقصد التشنيع عليهم، بعد أنْ فشلت جميع المحاولات التي بذلوها للحدّ من نشاطهم.

ومهما كان مصدر هذه الفرق التي يدّعي الكتّاب وجودها في التاريخ، وسَواء كان لها وجود بين المسلمين أم لم يكن، فقد نظَر إليها الكتاب نظرة أوّلية مجرّدة عن البحث والتحقيق، واعتبروها من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدَل والنقاش وأضافوها إلى الشيعة الإمامية، واتخذوا من وجودها

____________________

(١) انظر الفرق للنوبختي، ومقالات الإسلاميّين للأشعري، والمِلل والنحِل للشهرستاني، وغيرهم من كُتُب الفرق الإسلامية.

٥٤

الموهوم وسيلة للتشنيع على أهل البيت وشيعتهم بدافع التعصّب الطائفي الموروث، مع العلم بأنّ الذين افترضوا وجودها في التاريخ لا ينكرون بأنّ هذه الفرق لم تتخطّ العصر الذي وجُدت فيه وماتت في مهدها، ومع ذلك فالكتّاب في هذا العصر لا يزالون يجترون تلك المخلّفات التي كانت من أبرز آثار الحكّام الأمويّين والعبّاسيّين، ويتاجرون بها لإشباع شهَواتهم وشهَوات أسيادهم أعداء الإسلام، وموقف الشيعة منهم، في هذا العصر وقبله وفي جميع العصور والمراحل التي مرّوا بها، صريحٌ لا عِوَج فيه ولا التواء ولا محاباة لأحدٍ من الناس، فلقد كفّروهم منذ أنْ سمِعوا بوجودهم في التاريخ. ولا يزالون في كلّ مناسبة يُعلنون في الصحف والكتب، ومِن على المنابر عقائدهم وأُصول دينهم ومذهبهم، وينادون بتكفير كل مَن يُخالف الأُصول الإسلامية، التي اتفق عليها جمهور المسلمين المستوحاة من كتاب الله وسنّة نبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله)، ولا سيّما مَن يجعل خصائص الخالق للمخلوقين، وتواترت عن أئمّتهم النصوص بتكفير أصحاب هذه المقالات، والبراءة منهم ولعنهم على المنابر وفي جميع المناسبات.

وعسى أنْ يأتي اليوم الذي يلتقي فيه المسلمون بقلوبهم وعقولهم تاركين الأحقاد، والحزازات والمتاجرة بالتهم المفتعلة التي خلقتها السياسة والعناصر التي اندسّت بين صفوف المسلمين لتشتيت كلمتهم وطمس تعاليمهم، تلك التعاليم التي ملكَت القلوب والعقول، ودفعت بالمسلمين أشواطاً بعيدة إلى الإمام في أقلّ من نصف قرن من الزمن، هذا وفي الفصول الآتية التي وضعناها للمقارنة بين آراء الشيعة الإمامية في الأصول الإسلامية، وآراء غيرهم فيها كالمعتزلة والمرجئة والأشاعرة الذين يمثلون الجمهور الأكبر من المسلمين في جميع العصور، ومن هذه الفصول يتبيّن للقارئ أنّ الإمامية من أحرص المسلمين على تنزيه الله سُبحانه عن صفات المخلوقين، والإقرار له بما يليق بوحدانيته وقدرته، ومن أشدّها تحمّساً وإيماناً بنصوص القرآن الكريم، وأقساهم على المنحرفين عن نهج الإسلام الصحيح، وتعاليمه وأحكامه.

ولابدّ لنا ونحن نتحدّث عن الفرق الشيعيّة كما يُصوّرها كتّاب المذاهب والمعتقدات، أنّ نتحدّث حسب الإمكان عن بعض الفِرق الشيعية باعتبارها مصدراً لغيرها من الفِرق، التي يدّعيها مؤلّفو المذاهب والفِرق الإسلامية.

الكيسانيّة

أوّل هذه الفِرق الكيسانيّة، وهُم القائلون بإمامة محمّد بن الحنفيّة، الولد الأكبر لعليّ (عليه السلام)، بعد أخويه الحسَن والحسين (عليهما السلام) ويظهر من بعض

٥٥

المؤلّفين في الفِرَق أنّهم بين مَن يقول بإمامته بعد أبيه، وأنّ الحسن والحسين (عليهما السلام) حاربا يزيد ومعاوية بإذنه، وبين مَن يقول بأنّه الإمام الشرعي بعدهما (١).

والمنسوب إلى الكيسانية أنّهم قد أضافوا إلى القول بإمامته أنّه المهدي المنتظر، الذي لم يمُت ولنْ يموت، وسيرجع إلى الناس فيملأ الأرض عدلاً بعد ما مُلئت جوراً، وأسرَف بعضهم إسرافاً يوجب الكفر والخروج عن الإسلام، فادّعى له الإلوهية وأنّه بعث حمزة البربري نبيّاً إلى الناس، كما ادعى جماعة من المنتسبين إليه بأنّه اختفى عن الناس في جبال رضوى، ويتغذّى من ألبان الغزلان التي تغدو وتروح في تلك الجبال، وقد أوكل الله أمر حراسته إلى السباع إلى أوان خروجه، ومن هؤلاء السيّد إسماعيل الحميَري وإليه يُنسب الشعر التالي:

يا شعب رضوى ما لِمَن بك لا يُرى

حـتى  مـتى تـخفى وأنتَ قريبُ

يـا  ابـن الوصيّ ويا سميّ محمّدٍ

وكَـنـيِّه  نـفسي عـليك تـذوبُ

لـو  غـاب عنّا عُمر نوح أيقنَتْ

مـنّا الـنفوسُ بـأنّه سـيؤوبُ

ويُنسب إليه أيضاً:

وما ذاق ابنُ خولة طعمَ موتٍ

ولا  ضمّت له أرضٌ عِظاما

وأنّ  لـه بـه لَمقيلَ صدْق

وأنـديـة تـحدّثه كـراما

وادّعى قومٌ من القائلين بإمامته أنّ الإمامة قد انتقلت بعد موته إلى ولد أبي هاشم عبد الله بن محمّد، وغالى فيه قومٌ كما غالوا في أبيه من قبل، فادعوا بقاءه حيّاً متخفيّاً عن الناس، وأنّه المهديّ الذي عَناه الرسول في أحاديث المهدي المرويّة عنه، بينما ذهب آخرون إلى وفاته وانتقال الإمامة إلى أخيه عليّ بن محمّد بن الحنفية، إلى غير ذلك من الأقوال التي ينسبها كتّاب الفِرَق إلى الكيسانية.

ومع أنّا نشك في أصل وجود هذه الفِرق؛ لأنّ محمّد بن الحنفية كان أتقى وأبَرّ من أنْ يدّعي الإمامة لنفسه، أو يسمح لأحدٍ يدين بإمامته، وقد سمِع من أبيه النصّ على الأئمّة

____________________

(١) انظر فرق الشيعة للنوبختي ص ٢٣.

٥٦

بأسمائهم وأوصافهم، مع أنّا نشكُّ في أصل وجودها، فقد قيل في وجه تسميتهم بالكيسانية: أنّ أوّل من قال بإمامة محمّد بن الحنفيّة المختار بن عبيدة الثقفي، وكان يلقّب بكيسان، وجاء عن الأصبغ بن نُباتة أنّه قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين، وهو طفلٌ صغير يمسَح على رأسه بيده ويقول له: (يا كَيس)؛ فغلب عليه هذا الاسم، وكان من أمره أنّه دخل الكوفة مناصراً لمسلم بن عقيل حينما دخلها مُوفَداً من قِبَل الحسين (عليه السلام)، فقبض عليه ابن زياد وأدخله السجن، وبعد قتل الحسين (عليه السلام) حاول قتله مراراً فتشفّع به عبد الله بن عمر زوج أُخته إلى يزيد بن معاوية، فكتب إلى ابن زياد وأمره بإخلاء سبيله.

فالتحق بالحجاز وفيها عبد الله بن الزبير، قد تطلّعت نفسه إلى الخلافة بعد قتل الحسين، واستغلّ نقمة الشعوب الإسلامية على بني أُميّة بعدما ارتكبوا تلك الجريمة المنكرة مع الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، فبايع المختار لابن الزبير على أنْ تكون له ولاية الكوفة إنْ تمّ له الأمر، وبعد موت يزيد بن معاوية رجَع المختار إلى الكوفة وادّعى أنّه موفَد إليها من قِبَل ابن الحنفيّة الوصيّ الشرعي إلى الحسين (عليه السلام) ووليّ دمه، وأنّه استوزره وأوكل إليه أمر الطلب بثأر الحسين (عليه السلام). فوجد في الكوفة، ولا سيّما في الأوساط الشيعية، تقبّلاً لدعوته وتحمّساً في سبيلها، فبايعوه على الطلب بدم الحسين.

والتفّوا حوله، فمضى يتتبّعهم واحداً بعد واحد حتى قتَل أكثر مَن أخرجهم ابن زياد لحرب الحسين (عليه السلام)، فازداد الشيعة تمسّكاً به والتفافاً حوله وانقياداً لأوامره، ونسَب إليه المؤرّخون أنّه كان يدّعي أنّ الملائكة تأتيه بالأخبار والأوامر من محمّد بن الحنفيّة، وممّا حملهم على أنْ يصدّقوه على حدّ زعم المحدّثين أنّه قد عوّد بعض طيور الحمام في خلَواته على أنْ تلتقط الحبّ من أُذنيه، ولمّا اعتادت على ذلك كانت تأتيه إلى مجلسه العام وتحوم حول أُذنيه كما عوّدها في خلواته، فيدّعي أنّها الملائكة في صورة حمام أبيض تأتيه بالأخبار والأوامر من ابن الحنفيّة كما ذكرنا، وقد نسبوا إليه غير ذلك من أساليب الخداع والشعوذة، وقيل في سبب تسميتهم بذلك: أنّ المختار لُقّب بكيسان؛ لأنّ قائد جيشه أبا عمرة اسمه كيسان، وكان شديداً على قتَلَة الحسين (عليه السلام)، وفي نفس الوقت يدّعي إمامة محمّد بن الحنفيّة وأنّ المختار وصيّه، وأضافوا إلى ذلك أنّه

٥٧

يذهب إلى أنّ جبرائيل يأتي المختار بالأخبار من عند الله عزّ وجل (١).

ويروي أبو المظفر الأسفرائيني في كتابه التبصير في الدين: أنّ السبائيّة خدَعوا المختار وحملوه على دعوى النبوّة، وخلال معاركه مع مصعب بن الزبير أسَر جماعة من جُند مصعب، منهم سراقة بن مرداس البارقي، فلمّا أُدخل على المختار قال له: لم تهزمنا بجندك ولا أسرنا قومك ولكن الملائكة الذين جاؤوا لنصرك ونصر جندك هم الذين أسرونا وهزمونا، ثمّ طلب منه العفو وأقسم عليه بالملائكة الذين كانوا في جُنده فعفا عنه وأطلق سبيله، ولمّا رجع إلى مصعب أرسل إليه بالأبيات التالية:

ألا  أبـلِغ أبـا إسحق أنّي

رأيتُ البلَق دهماً مصمتاتِ

أُري عـينَيَّ مـا لم ترْأَياه

كـلانا  عـالمٌ بـالتُّرّهات

كفرتُ بوحيِكم وجعلتُ نَذراً

عـليّ  قتالكُم حتى المَماتِ

ونسبوا إليه القول بالبَداء وعلّلوا ذلك؛ بأنّه كان يُخبر أصحابه بأُمور يدّعي أنّها من وحي السماء، فإذا لم تقَع يقول لهم: (لقد بدا لربّكم وعدَل عمّا أخبرني به)، ثمّ يتلو عليهم قوله: ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٢) ، ويَنسب لهم الشيخ محمّد أبو زهرة في كتاب المذاهب الإسلامية القول بالتناسخ، وهو خروج الروح من جسَد وحلولها في جسَدٍ آخر، وأنّها تعذّب بانتقالها من حيوان إلى حيوان أدنى، ونعيمها بانتقالها من أسفل إلى أعلى، وفكرة الحلول والتناسخ لم تُعرَف إلاّ عن الحربيّة وهي الفرقة الحادية عشرة كما أحصاها أبو الحسن الأشعري، وهُم أتباع عبد الله بن عمرو بن حرب.

وقد ادعى هؤلاء أنّ أبا هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة قد نصّ على إمامة عبد الله بن حرْب من بعده، وتحوّلت روح أبي هاشم إليه بعد وفاته، ولمّا أظهر هذه المقالة تفرّق عنه أتباعه، وقالوا بإمامة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر صاحب فكرة التناسخ

____________________

(١) انظر النوبختي ص ٢٣ والكشّي ص ٨٥.

(٢) انظر التبصير في الدين ص ٣٧ والمذاهب الإسلامية للشيخ محمّد أبي زهرة ص ٧٠، والعراق في ظلّ العهد الأموي ص ١٤٨.

٥٨

والحلول، واستحلال المحرّمات التي نصّ على تحريمها الكتاب والسنّة (١).

ومهما كان الحال فالذين كتبوا في الفرق الإسلامية متّفقون على أنّ هذه الفِرقة مصدرها المختار الثقفي، وهو الذي روّجها ودعا إليها وتستّر من ورائها؛ لإغراء الشيعة ليكونوا في جانبه، ولا سيّما بعد أنْ كانوا يُشكّلون القسم الأكبر من سكّان الكوفة، وقد تتبّع قتَلَة الحسين (عليه السلام) لهذه الغاية، ولكنّ المصادر الشيعيّة لا تقف منه هذا الموقف الذي وقفه المؤرّخون من أهل السنّة، وأيّدهم فيه أكثر كتّاب الفِرق.

ولا يستبعد الباحثون من الشيعة أن تكون تلك الحملات عليه كانت من وحي الأمويين والزبيريين؛ لأنّه وقف في وجه الفريقين، والسياسة وحدها كانت توجّه التاريخ لمصلحتها وأغراضها، وقد سخّر الأمويّون جماعة لوضع الأحاديث في أخصامهم بقصد التشنيع عليهم وتصويرهم بأبشع الصور، على أنّ العصر الذي وجد فيه المختار الثقفي كان خالياً من أمثال هذه المقالات، ولم تكن معروفة عند أحد من المسلمين العرب والأجانب، وقد عاش في الكوفة مهد التشيّع وبين معاصريه وأتباعه جماعة كانوا على صلة دائمة بالأئمّة، وفيهم مَن أدرك عليّاً (عليه السلام) وتخرّج من مدرسته، ولم تغِب عنهم آراؤه في الدين وأُصوله.

وقد بقيَ خمْس سنوات يكرّرها عليهم من على منبر الكوفة ولم تمضِ على وفاته أكثر من ثلاثين عاماً، فكيف والحالة هذه يقف المختار بينهم وأكثرهم من الشيعة ويدّعي النبوّة والوحي، وغير ذلك ممّا نُسِب إليه من الضَلال والكفر المبين، ولا ينكر عليه أحد من تلك الحشود الملتفّة حوله، وأكثرهم يَدين بولاء أهل البيت وفيهم الكثيرون ممّن عاصروا عليّاً، وظلّوا على صلة دائمة بالأئمّة من ولده؟!

وكلّ ذلك ممّا يُوجب التشكيك بتلك المرويّات في كتب التاريخ والفِرق، هذا بالإضافة إلى أنّ المرويّات عن الأئمّة الذين عاصروه تؤكّد براءته من كلّ ما يُنسب إليه، فقد جاء في رواية عبد الله بن شريك قال: (دخلنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر يوم النحر، وهو متّكئ وقد أرسل في طلب الخلاف، فقعدتُ بين يديه إذ دخل عليه شيخٌ من أهل الكوفة، فتناول يده ليُقبّلها

____________________

(١) انظر مقالات الإسلاميّين للأشعري ج ١ ص ٩٤ و٩٥، والتبصير في الدين وغيرهما من كتب الفِرَق في طيّ أحاديثهم عن عبد الله بن معاوية.

٥٩

فمنعه من ذلك، ثمّ قال له: (مَن أنت؟)، قال: أنا أبو الحكَم بن المختار بن أبي عُبيدة الثقفي - وكان متباعداً من أبي جعفر (عليه السلام) - فمدّ يده إليه حتى كاد يقعده في حِجره بعد أنْ منعه يده، ثمّ قال: أصلحك الله، إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك، قال: (وأيّ شيءٍ يقولون؟)، قال: يقولون: إنّه كذّاب، ولا تأمرني بشيءٍ إلاّ قَبِلتُه، قال: (سُبحان الله، أخبرني أبي والله أنّ مهْر أُمّي كان ممّا بعث به المختار، أوَلم يبنِ دُورنا، وقتل قاتلينا وطلب بدمائنا؟ فرحمه الله، وأخبرني والله أبي، أنّه كان ليمرّ عند فاطمة بنت عليّ يُمهّد لها الفراش ويُثني لها الوسائد)، ومنها أصاب الحديث: (رحِم الله أباك رحِم الله أباك، ما ترَك لنا حقّاً عند أحد إلاّ طلبه، قتل قَتَلَتَنا وطلَب بدمائنا).

وجاء في رواية عمر بن عليّ بن الحسين: إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) لمّا أُتيَ برأس عُبيد الله بن زياد ورأس عُمَر بن سعد خرّ ساجداً وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً .

وفي رواية ابن أبي عمر عن هشام المثنّى، عن سديد أنّ أبا جعفر (عليه السلام) قال: (لا تسبّوا المختار فإنّه قتَل قَتَلَتَنا، وطلَب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة) (١) .

وممّا لا نشكّ فيه أنّ المختار لو كان كما يُنسب إليه لم يخفَ حاله على الإمام زين العابدين وولده الإمام أبي جعفر محمّد الباقر (عليه السلام)؛ لأنّهما كانا على اتّصال دائمٍ بأهل الكوفة مقرّ قيادة المختار، ومنهما كان الشيعة يستمدّون أحكام دينهم، والإمام زين العابدين حينما ظهَر المختار كان يُراقب الحالة بالكوفة ويستقصي أخبارها، ولا سيّما بعد أنْ اشتعلت ثورة المختار؛ لأنّها كانت للانتقام مِن قَتَلَة أبيه وأعدائه وبدافع الثأر لِما لحِقَهم من قتلٍ وتشريد.

ولا يُمكن والحالة هذه أنْ تخفى عليه حالة المختار وشعوذاته المزعومة، ولو كان كما يصوّره كتّاب الفرق وبعض المؤّرخين يكون خارجاً عن الإسلام ومُنكراً لأُصوله وضروريّاته، ومَن كانت هذه حاله لا يُمكن أنْ يترحّم عليه الإمام ويدعو له بالخير ويثني عليه في مجالسه، ولم يُحدّث التاريخ عن الأئمّة (عليهم السلام) أنّهم كانوا يُحابون أحداً من أعداء الدين لمصلحة تخصّهم، أو لعملٍ يحقّق لهم مغنماً بعيداً عن أهداف الدين وأغراضه، ومِن الجائز القريب أنْ يكون المختار قد تجاهر وأعلن بأنّ

____________________

(١) انظر أخبار الرجال لمحمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي ص ٨٣ و٨٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

روى الحسن بن سفيان ، وأبو يعلى ، والطبرانيّ ، والطبريّ في تفسيره ، وغيرهم ، من طريق أبي مالك الأشجعيّ : حدّثنا نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه ، وكانت له صحبة ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ـ قال : جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، فذكر الحديث ، وفيه : «سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة»(١) رجاله ثقات.

الخاء بعدها الباء

٢٢١٥ ـ (خبّاب) بن الأرتّ (٢) : ـ بتشديد المثناة ـ بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي ، ويقال الخزاعي ، أبو عبد الله.

سبي في الجاهليّة فبيع بمكّة ، فكان مولى أم أنمار الخزاعية ، وقيل غير ذلك ، ثم حالف بني زهرة ، وكان من السّابقين الأوّلين.

وقال ابن سعد : بيع بمكّة ، ثم حالف بني زهرة. وأسلم قديما ، وكان من المستضعفين روى الباوردي أنه أسلم سادس ستة ، وهو أول من أظهر إسلامه وعذّب عذابا شديدا لأجل ذلك.

وقال الطّبريّ : إنما انتسب في بني زهرة لأن آل سباع حلفاء عمرو بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة وآل سباع منهم سباع بن أم أنمار الخزاعيّة ، ثم شهد المشاهد كلّها ، وآخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين جبر بن عتيك.

روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم روى عنه أبو أمامة ، وابنه عبد الله بن خبّاب ، وأبو معمر ، وقيس بن أبي حازم. ومسروق ، وآخرون.

وروى الطّبرانيّ من طريق زيد بن وهب ، قال : لما رجع علي من صفّين مر بقبر خبّاب ، فقال : «رحم الله خبّابا أسلم راغبا. وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه أحوالا ، ولن يضيع الله أجره».

__________________

(١) أخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٤٠٩ عن خباب بن الأرت في كتاب الفتن باب (١٤) ما جاء في سؤال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا في أمته حديث رقم ٢١٧٥ ، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح والنسائي في السنن ٣ / ٢١٧ كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب ١٦ إحياء الليل حديث رقم ١٦٣٨. وابن ماجة في السنن ٢ / ١٣٠٣ في كتاب الفتن (٣٦) باب ما يكون من الفتن (٩) حديث رقم ٣٩٥١ ، ٣٩٥٢. قال البوصيري في زوائد ابن ماجة ٢ / ١٣٠٣ إسناده صحيح. رجاله ثقات.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ١٦٤ ، طبقات خليفة ١٧ / ١٢٦ ، تاريخ خليفة ١٩٢ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢١٥ ، المعارف ٣١٦ ، ٣١٧ ، تاريخ الفسوي ٣ / ١٦٧ ، الجرح والتعديل ٣ / ٣٩٥ ، تهذيب الكمال ٣٧٣ ، تاريخ الإسلام ٢ / ١٧٥ ، العبر ١ / ٤٣ ، تهذيب التهذيب ٣ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، خلاصة تذهيب الكمال ، شذرات الذهب ١ / ٤٧ ، أسد الغابة ت [١٤٠٧] ، الاستيعاب ت [٦٤٦].

٢٢١

وشهد خبّاب بدرا وما بعدها ، ونزل الكوفة ، ومات بها سنة سبع وثلاثين ، زاد ابن حبان منصرف عليّ من صفّين وصلّى عليه عليّ. وقيل : مات سنة تسع عشرة. والأول أصحّ.

وكان يعمل السيوف في الجاهلية ، ثبت ذلك في الصّحيحين وثبت فيهما أيضا أنه تموّل وأنه مرض مرضا شديدا حتى كاد أن يتمنّى الموت.

روى مسلم من طريق قيس بن أبي حازم ، قال : دخلنا على خبّاب وقد اكتوى ، فقال : لو لا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به.

ويقال : إنه أول من دفن بظهر الكوفة ، ذكر ذلك الطبريّ بسند له إلى علقمة بن قيس النخعي ، عن ابن الخباب. قال : وعاش ثلاثا وستين سنة.

٢٢١٦ ز ـ خبّاب أبو عرفطة : بن خبيب ، أبو جبير ، بن عبد مناف الأسديّ حليف الأنصار. تقدم في المهملة.

قال ابن فتحون : ذكره أبو عمر بضم المهملة وتخفيف الموحدة ، وكذا قيّده الدارقطنيّ ، قال ورأيته مضبوطا في الطبريّ خباب بالمعجمة المفتوحة والتشديد.

قلت : وكذا رأيته في الذّيل للطبريّ.

٢٢١٧ ز ـ خبّاب بن عمرو : بن حممة الدوسيّ ، أخو جندب. ذكر سيف في الفتوح أن خالد بن الوليد أمره على بعض الكراديس يوم اليرموك.

قلت : وقد قدمت غير مرة أنهم كانوا لا يؤمّرون إلا الصّحابة.

٢٢١٨ ز ـ خبّاب الخزاعي (١) : والد إبراهيم. فرّق الطبراني وأبو نعيم بينه وبين خبّاب بن الأرتّ ، روى الطّبرانيّ من طريق قيس بن الربيع ، عن مجزأة بن ثور ، عن إبراهيم بن خباب ، عن أبيه : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اللهمّ استر عورتي ، وآمن روعتي ، واقض عنّي ديني.»(٢) واستدركه أبو موسى ، ولم أره في التجريد ولا أصله.

٢٢١٩ ـ خبّاب ، والد السّائب (٣) : روى ابن مندة من طريق عبد العزيز بن عمران ، عن

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤٠٦].

(٢) أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم ٢٣٥٦ والطبراني في الكبير ١٢ / ٣٤٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٥.

(٣) تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٥. أسد الغابة ت [١٤٠٨].

٢٢٢

عبد الله بن السّائب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم متّكئا على سرير يأكل قديدا ثم يشرب من فخارة ، فقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قال أبو نعيم : يقال عن عبد العزيز ، عن أبي عبد الله بن السائب ـ يعني فيكون من مسند السّائب.

وكلام البخاريّ يقتضي أن يكون هو مولى فاطمة بنت عتبة الآتي ذكره ، فإنه قال السّائب بن خبّاب أبو مسلم صاحب المقصورة ، ويقال مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ، وعلى ذلك اعتمد ابن الأثير فلم يفرد لمولى فاطمة ترجمة.

٢٢٢٠ ـ خبّاب ، مولى عتبة (١) : بن غزوان ، يكنى أبا يحيى ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا من حلفاء بني نوفل بن عبد مناف.

قال أبو نعيم : لا عقب له ، ولا رواية. ومات في خلافة عمر سنة تسع عشرة وصلّى عليه عمر.

قلت : وهم ابن مندة ، فذكر في ترجمة خبّاب بن الأرتّ أنه مولى عتبة بن غزوان ، وقد فرّق بينهما ابن إسحاق ، فذكرهما في البدريين. وهو الصّواب.

٢٢٢١ ـ خبّاب ، مولى (٢) : فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ، أبو مسلم. صاحب المقصورة ، أدرك الجاهليّة ، واختلف في صحبته.

وقد روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا وضوء إلّا من صوت أو ريح»(٣) روى عنه بنوه أصحاب المقصورة ، ومنهم السّائب بن خباب ولد مسلم ، قاله أبو عمر.

قلت : الحديث المذكور عند ابن ماجة من رواية السائب بن خبّاب ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى مسلم من طريق عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن خبّاب صاحب المقصورة عن عائشة وأبي هريرة في اتباع الجنائز.

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤٠٩] ، تاريخ الطبري ٤ / ٨٢ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٧٣ ، الاستيعاب ت [٦٤٨]

(٢) الاستيعاب ت [٦٤٩].

(٣) أخرجه الترمذي في السنن ١ / ١٠٩ عن أبي هريرة بلفظه كتاب أبواب الطهارة باب ما جاء في الوضوء من الريح حديث رقم ٧٤ قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة في السنن ١ / ١٧٢ كتاب الطهارة وسننها (١) باب لا وضوء إلا من حدث (٧٤) ، حديث رقم ٥١٥ ، ١٥٦ وأحمد في المسند ٢ / ٤٧١ ، وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم ٢٧ والبيهقي في السنن ١ / ١١٧ ، ٢٢٠.

٢٢٣

٢٢٢٢ ـ خبّاب ، والد عطاء (١) : روى ابن مندة من طريق عبد الله بن مسلم ، عن محمّد بن عبد الله بن عطاء بن خباب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنت جالسا عند أبي بكر الصدّيق ، فرأى طائرا ، فقال : طوبى لهذا ، فقلت : أتقول هذا وأنت صديق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ الحديث قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قلت : ليس فيه ما يدل على صحبته ، نعم ، فيه دلالة على إدراكه ، ويحتمل أن يكون هو(٢) أحد من قبله.

٢٢٢٣ ـ خبّاب الزبيديّ : ذكره البزاز في المقلّين ، وساق من رواية مالك بن إسماعيل ، عن شريك ، عن جابر وهو الجعفي ، عن معقل الزبيديّ. عن عباد أبي الأخضر ، وهو ابن أخضر عن خباب(٣) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا أخذت مضجعك قاقرأ :( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) » وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعله.

وهذا الحديث قد أخرجه البغويّ وغيره من رواية يحيى الحماني عن شريك ، فلم يذكروا فوق عباد بن أخضر راويا. وسيأتي في عباد.

٢٢٢٤ ـ خبيب : بالتصغير ، ابن إساف(٤) ، بهمزة مكسورة ، وقد تبدل تحتانية ، ابن عنبة ، بكسر المهملة وفتح النون بعدها موحدة ، ابن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن الأوس الأنصاريّ والأوسيّ.

ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة فيمن شهد بدرا.

وقال الواقديّ ، كان تأخّر إسلامه إلى أن خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر. فلحقه في الطريق فأسلم وشهدها وما بعدها ، ومات في خلافة عمر. وقال ابن إسحاق ، عن مكحول ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : بعث عمر بن الخطاب خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج على بعض العمل وكان بدريا.

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤١٠].

(٢) سقط في ط.

(٣) في ط جندب.

(٤) تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٦ ، حلية الأولياء ١ / ٣٦٤ ، الاستبصار ١٨٦ ، التحفة اللطيفة ٢ / ١٦ ، الطبقات الكبرى ٨ / ٣٦٠ ، الطبقات ٩٥ ، أصحاب بدر ١٧٩ ، الثقات ٣ / ١٠٨ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢٠٩ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥٠١ ، الإكمال ٢ / ٣٩٩ ، تبصير المنتبه ٣ / ٩٢٧ ، أسد الغابة ت [١٤١٣] ، الاستيعاب ت [٦٥١].

٢٢٤

وروى أحمد والبخاريّ في تاريخه من طريق المسلم بن سعيد ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم ، فقلنا : إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم. قال : «فإنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين.»١) قال : فأسلمنا وشهدنا معه.

رواه أحمد بن منيع ، فقال في روايته : عن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب.

وقال ابن إسحاق : حدّثني خبيب بن عبد الرّحمن ، قال : ضرب خبيب جدي يوم بدر فمال سيفه فتفل عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وردّه ولأمه.

وذكر الواقديّ أن الّذي ضربه هو أمية بن خلف ويقال : إنه هو الّذي قتل أمية.

قلت : وفي حديثه المذكور عند أحمد أنه قال : ضربني رجل من المشركين على عاتقي فقتلته ، ثم تزوّجت ابنته فكانت تقول لي : لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح ، فأقول : لا عدمت رجلا عجله(٢) إلى النار.

٢٢٢٥ ـ خبيب بن الأسود الأنصاريّ (٣) : مولاهم. قال عبدان ، عن أبي نميلة ، عن أبي إسحاق : هو من أهل الحجاز ، من بني النجّار مولى لهم.

وقال سلمة بن المفضل ، وزياد البكائي. عن ابن إسحاق : خبيب بن الأسود حليف الأنصار.

٢٢٢٦ ز ـ خبيب : بن خباشة تقدم في الحاء المهملة.

٢٢٢٧ ـ خبيب بن عدي : بن مالك(٤) بن عامر بن مجدعة بن جحجبي بن عوف بن كلفة ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ.

شهد بدرا واستشهد في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وفي الصّحيح عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة رهط عينا وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، فذكر الحديث ، وفيه : «فانطلقوا ـ أي المشركون ـ بخبيب بن عدي وزيد بن الدّثنة حتى باعوهما بمكّة ، فاشترى بنو الحارث بن عامر بن نوفل

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٢ / ٣٩٤. وابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ : ١ : ٣٤ ، ٣ : ٢ : ٨٦.

(٢) في أ : رجلا عجل إلى النار.

(٣) أسد الغابة ت [١٤١٥].

(٤) نسب قريش ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، تاريخ خليفة ٧٤ ، ٧٦ ، الاستبصار ٣٠٥ ، ٣٠٧ ، أسد الغابة ت [١٤١٧] ، الاستيعاب ت [٦٥٠] ، حلية الأولياء ١ / ١١٢ ، ١١٤ ، العقد الثمين ٤ / ٣٠٥.

الإصابة/ج٢/م١٥

٢٢٥

خبيبا ، وكان هو الّذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر ، فذكر الحديث بطوله ، وفيه قصة(١) قتله وقوله :

ولست أبالي حين أقتل مسلما

على أيّ جنب كان في الله مصرعي

[الطويل]

وروى البخاريّ أيضا عن جابر قال : قتل خبيبا أبو سروعة.

قلت : اختلف في أبي سروعة هل هو عقبة بن الحارث أو أخوه.

قال ابن الأثير : كذا في رواية أبي هريرة أنّ بني الحارث بن عامر ابتاعوا خبيبا.

وذكر ابن إسحاق أن الّذي ابتاعه حجير بن أبي إهاب التميمي حليف لهم ، وكان حجير أخا الحارث بن عامر لأمّه ، فابتاعه لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه. قال : وقيل اشترك في ابتياعه أبو إهاب ، وعكرمة بن أبي جهل ، والأخنس بن شريق ، وعبيدة بن حكيم في الأوقص ، وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرميّ ، وصفوان بن أمية ، وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر.

قال ابن إسحاق : حدثني ابن أبي نجيح عن ماوية بنت حجير بن أبي إهاب ، وكانت قد أسلمت ، قالت : حبس خبيب في بيتي ، فلقد اطلعت عليه من صير الباب وإنّ في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في الأرض من عنب يؤكل.

وأخرج البخاريّ قصة العنب من غير هذا الوجه.

وروى ابن أبي شيبة من طريق جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه ـ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل المقداد والزّبير في إنزال خبيب ، بعثه وحده عينا إلى قريش ، قال : فجئت إلى خشبة خبيب فحللته فوقع إلى الأرض ، وانتبذت غير بعيد ، ثم التفت ، فلم أره ، كأنما ابتلعته الأرض.

وذكر أبو يوسف في كتاب «اللطائف» عن الضّحاك ـ أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل المقداد والزّبير في إنزال خبيب عن خشبته ، فوصلا إلى التنعيم ، فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى ، فأنزلاه ، فحمله الزّبير على فرسه ، وهو رطب لم يتغير منه شيء فنذر بهم المشركون ، فلما لحقوهم قذفه الزبير فابتلعته الأرض فسمي بليع الأرض(٢) .

__________________

(١) سقط في ط.

(٢) سقط في ط.

٢٢٦

وذكر القيروانيّ في حلى العلى أنّ خبيبا لما قتل(١) جعلوا وجهه إلى غير القبلة ، فوجدوه مستقبل القبلة ، فأداروه مرارا ثم عجزوا فتركوه.

٢٢٢٨ ـ خبيب الجهنيّ (٢) : جدّ معاذ بن عبد الله بن خبيب.

ذكره ابن السّكن وابن شاهين وغيرهما في الصّحابة ، فأخرج ابن السكن من طريق ابن وهب ، عن ابن أبي ذئب ، عن أسيد بن أبي أسيد ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه ، عن خبيب الجهنيّ ، قال : قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قل». فسكتّ. ثم قال : «قل» : فلم أدر ما أقول ، ثم قال لي الثالثة : «قل». فقلت : ما ذا أقول يا رسول الله؟ قال : «قل : قل هو الله أحد وقل أعوذ بربّ الفلق. وقلّ أعوذ بربّ النّاس ـ ثلاث مرات حين تصبح وحين تمسي تكفيك من كلّ شيء.»

قال ابن السّكن : أظنّ قوله عن خبيب زيادة ، وهذا الحديث مختلف فيه.

قلت : وأخرجه ابن مندة من طريق أبي مسعود عن ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، فقال : أراه عن جدّه ، وقال : هكذا حدّث به أبو مسعود ، ورواه غيره فلم يقل عن جده.

قلت : كذلك أخرجه أبو داود والنسائيّ والترمذيّ والطبرانيّ وعبد بن حميد ، وغيرهم ، لم يقولوا عن جدّه.

وأخرج ابن شاهين من طريق أبي عاصم وعبدان ، من طريق ابن عمارة كلاهما عن ابن أبي ذئب فقالا فيه : عن معاذ بن خبيب عن أبيه. زاد ابن عمارة خبيب الجهنيّ ، وكأنه انسب إلى جدّه ، فجرى ابن عمارة في الظّاهر ، وذكره في الصّحابة أيضا ابن قانع والطّبرانيّ وغيرهما.

الخاء بعدها الثاء والدال

٢٢٢٩ ز ـ خثيم السلميّ (٣) : له ذكر في ترجمة هوذة السلميّ في القسم الثالث منه.

٢٢٣٠ ـ خداش : بن بشير العامري ، ويقال ابن حصين ، بن الأصم بن عامر بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامريّ.(٤)

وقيل ، هو خراش ، براء بدل الدال.

__________________

(١) في أ : خبيبا لما صلب.

(٢) تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٦ ، أسد الغابة ت [١٤١٦].

(٣) هذه الترجمة سقط في أ.

(٤) أسد الغابة ت [١٤١٩] ، الاستيعاب ت [٦٥٣].

٢٢٧

قال ابن الكلبيّ : له صحبة ، وهو الّذي يزعم بنو عامر أنه قتل مسيلمة الكذاب ، وكذا قال الدارقطنيّ. وأخرجه ابن عبد البر في خداش بن بشير وخداش بن حصين وهو واحد.

٢٢٣١ ـ خداش بن أبي خداش (١) : المكيّ. قال أبو عامر العقدي ، عن داود بن أبي هند ، عن أيوب بن ثابت ، عن صفية بنت بحرية ، قالت : استوهب عمّي خداش من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم صحفة. ذكره ابن مندة ، وقال ابن السّكن : ليس بمشهور.

روى عنه حديث في إسناده نظر ، ثم أخرجه من وجه آخر عن أيوب بن ثابت عن بحرية : كذا قال : إن عمّها خداشا رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يأكل في صحفة فاستوهبها منه ، قال : فكانت إذا قدم علينا عمر قال : ائتوني بصحفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

قال ابن السّكن : وقد قيل في هذا الحديث عن بحرية عن عمّها خراش ، ولم يثبت.

قلت : كذلك أخرجه أبو موسى من طريق محمد بن معمر ، عن أبي عامر ، لكن قال : عن يحيى بن ثابت. عن صفية. وقال فيه : خراش ، وزاد في آخره : فنخرجها له فيملؤها من ماء زمزم فيشرب منها وينضح على وجهه ، فلعل لأبي عامر فيه إسنادين. والظاهر أنه واحد ، وأنّ أحد الاسمين مصحّف من الآخر ، والّذي يترجح أنه خداش. والله أعلم.

٢٢٣٢ ـ خداش بن سلامة (٢) : ويقال ابن أبي سلامة وهو الّذي عند ابن السكن. ويقال ابن أبي مسلمة. ويقال أبو سلمة السّلمي. ويقال السّلامي.

يعدّ في الكوفيّين ، أخرج حديثه أحمد وابن ماجة ، والطّبراني في الأوسط ، وتفرّد بحديثه منصور بن المعتمر ، عن عبد الله بن علي بن عرفطة ويقال عن عرفطة عنه.

قال البخاريّ : لم يثبت سماعه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ابن السكن : مختلف في إسناده. وقال ابن قانع : رواه زائدة(٣) عن منصور ، فقال خراش ـ يعني بالراء قلت : ذكره ابن حبّان في الموضعين.

وقال أبو عمر : قد وهم فيه بعض من جمع الأسماء ، فقال : هو من ولد حبيب السلمي ، والد أبي عبد الرحمن فلم يصنع شيئا. فالله أعلم.

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤٢١] الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ٥٦.

(٢) أسد الغابة ت [١٤٢٢] ، الاستيعاب ت [٦٥٢]. الثقات ٣ / ١١٣ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٦ ، تهذيب الكمال ١ / ٣٧٠ ، خلاصة تذهيب ١ / ٢٨٨ ، تهذيب التهذيب ٣ / ١٣٧ ، الكاشف ١ / ٢٧٨ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٢٢ ، الجرح والتعديل ٣ / ١٧٨٧ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢١٨.

(٣) في أرواه ابن زائدة.

٢٢٨

٢٢٣٣ ز ـ خداش : بن عياش الأنصاريّ العجلاني.

ذكره ابن إسحاق. استشهد باليمامة ، واستدركه ابن فتحون.

٢٢٣٤ ـ خداش بن قتادة : بن ربيعة بن مطرف بن الحارث بن زياد بن عبيد بن زيد الأنصاريّ الأوسيّ(١) .

قال هشام بن الكلبيّ وأبو عبيدة : شهد بدرا واستشهد يوم أحد.

٢٢٣٥ ـ خديج بن رافع بن عديّ الأنصاري الأوسي الحارثيّ والد رافع.

ذكره البغويّ ومن تبعه في الصّحابة. وأوردوا له حديثا فيه وهم.

وروى الطّبرانيّ من طريق عاصم بن علي ، عن شعبة ، عن يحيى بن أبي سليم ، سمعت عباية بن رفاعة ، عن جده ، أنه ترك حين مات جارية ناضحا وعبدا حجاما وأرضا ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجارية : «نهي عن كسبها»(٢) وقال في الحجام : «ما أصاب فأعلفه النّاضح». وقال في الأرض : ««ازرعها أو دعها».

ومن طريق هشيم ، عن أبي بلج ، عن عباية ـ أنّ جده مات فذكره.

فظهر بهذه الرواية أنّ قوله في الرواية الأولى : عن جده ، أي قصّة جدّه ، ولم يقصد الرواية عنه ، وجدّ عباية الحقيقي هو رافع بن رافع بن خديج ، ولم يمت في عهد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم ، بل عاش بعده دهرا ، فكأنه أراد بقوله : عن جدّه الأعلى ، وهو خديج.

ووقع في مسند مسدّد عن أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عباية بن رفاعة ، قال : مات رفاعة في عهد النبيّ صلّى عليه وآله وسلم وترك عبدا ـ الحديث. فهذا اختلاف آخر على عباية.

ورواه الطّبرانيّ من طريق حصين بن نمير عن أبي بلج ، فقال عن عباية بن رفاعة ، عن أبيه ، قال : مات أبي وترك أرضا ـ فهذا اختلاف رابع. ووالد رفاعة هو رافع بن خديج ، ولم يمت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كما تقدم ، فلعله أراد بقوله : أبي ، جدّه المذكور ، فإن الجدّ أب.

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤٢٣].

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٨٧ ، عن أبي هريرة ولفظه نهي عن كسب الإماء. والدارميّ في السنن ٢ / ٢٧٢ عن أبي هريرة ولفظه نهي عن كسب الإماء والطبراني في الكبير ١٢ / ١٢٩ ، وأبو نعيم في الحلية ٧ / ١٦٣. والخطيب في تاريخ بغداد ١٠ / ٤٣٣.

٢٢٩

وروى البغويّ من طريق سعيد بن زيد ، عن ليث بن أبي سليم ، قال : قدم علينا الكوفة رفاعة بن رافع بن خديج ، فحدث عن جدّه أنهم اقتسموا غنائم بذي الحليفة ، فندّ منها بعير ، فاتبعه رجل من المسلمين على فرسه الحديث ـ وفيه : إن لهذه الإبل أوابد.

قال البغويّ رواه حماد بن سلمة ، عن ليث ، عن عباية ، عن جدّه ، وهو الصّواب.

قلت : ورواه عبد الوارث ، عن ليث ، عن عباية ، عن أبيه ، عن جدّه ، فالاضطراب فيه من ليث ، فإنه اختلط. والحديث حديث رافع بن خديج ، كما في رواية حمّاد بن سلمة.

وهو في الصّحيحين من وجه آخر من عباية ووقع في الأطراف لابن عساكر مسندا خديج بن رافع والد رافع على ما قيل : حدّثت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن كراء الأرض.

والنسائي في المزارعة عن علي بن حجر ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد : أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على رافع بن خديج فحدّثه عن أبيه.

فذكره ، قال : كذا قال عبد الكريم. والصّواب فأدخلته على ابن رافع : كذا حدث به عمرو بن دينار عن طاوس ومجاهد.

قال المزّي الّذي في الأصول الصحيحة من النسائي ، فأدخلته على ابن رافع : فلعل «ابن» سقط من نسخة ابن عساكر ، والله أعلم. [وذكري لخديج هذا على الاحتمال.]

(١)

٢٢٣٦ ـ خديج (٢) بن سلامة : [بن أوس بن عمرو بن كعب بن القراقر البلويّ ، حليف بني حرام.](٣) ويقال ابن سالم بن أوس بن عمرو ، ويقال ابن أوس بن سالم بن عمرو الأنصاريّ ، يكنى أبا شباث ـ بمعجمة ثم موحدة خفيفة وفي آخره مثلثة.

ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد العقبة الثانية ، وكذا ذكره الطبريّ وغيره قال : ولم يشهد بدرا ولا أحدا.

وجعله أبو موسى اثنين بحسب الاختلاف في اسم أبيه وهو في ذلك تابع لابن ماكولا.

فإنه قال : خديج بن سلامة ، ثم قال : خديج بن سالم.

الخاء بعدها الذال

٢٢٣٧ ـ خذام ، والد خنساء (٤) : يقال هو ابن وديعة ، وقيل ابن خالد. وقال أبو نعيم : يكنى أبا وديعة.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) أسد الغابة ت [١٤٢٦] ، الاستيعاب ت [٤٩٣].

(٣) الثقات ٣ / ١١٤ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٧ ، الاستبصار ٣٣٠ ، الاستيعاب ت (٦٩١) ، أسد الغابة ت (١٤٢٧).

٢٣٠

وروي في «الموطأ» و «البخاري» من طريق خنساء بنت خذام أنّ أباها زوّجها وهي ثيّب فكرهت ذلك. الحديث.

ومداره على بعد الرّحمن بن القاسم بن محمّد عن أبيه.

وأخرجه المستغفريّ ، من طريق ربيعة ، عن القاسم ، فقال : أنكح وديعة بن خذام ابنته فكأنه مقلوب.

الخاء بعدها الراء

٢٢٣٨ ـ خراش بن أمية (١) : بن ربيعة بن الفضل بن منقذ بن عفيف بن كليب بن حبشيّة(٢) بن سلول الخزاعي ثم الكليبي ـ بموحدة مصغرا.

نسبه ابن الكلبيّ ، وقال : يكنى أبا نضلة ، وهو حليف بني مخزوم ، شهد المريسيع والحديبيّة ، وحلق رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ أو في العمرة التي تليها.

وقال ابن السّكن : روي عنه حديث واحد من طريق محمد بن سليمان مسمول ، عن حرام بن هشام ، عن أمية ، عن خراش بن أمية ، قال : أنا حلقت رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عند المروة في عمرة القضية.

وقال أبو عمر : خراش بن أمية بن الفضل الكعبيّ ، فذكر ترجمته ، وفيها شهد الحديبيّة وخيبر وما بعدهما ، وبعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكّة ، وحمله على جمل يقال له الثعلب ، فآذته قريش وعقرت جمله وأرادوا قتله ، فمنعته الأحابيش ، فعاد فبعث حينئذ عثمان ، ثم قال خراش الكبيّ ثم السّلولي مذكور في الصّحابة ، لا أعرفه بغير ذلك.

قلت : ظنّه آخر لكونه لم يسق نسب الأوّل ، وهو واحد بلا ريب.

وذكر ابن الكلبيّ أنه كان حجّاما ، وأنه رمى بنفسه على عامر بن أبي ضرار الخزاعي يوم المريسيع مخافة أن يقتله الأنصار.

__________________

(١) الاستيعاب ت [٦٥٦] ، أسد الغابة ت [١٤٢٨] ، الثقات ٣ / ١٠٧ ، الطبقات الكبرى ٤ / ١٣٩ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٧ ، التحفة اللطيفة ٢ / ١٦. الطبقات لابن سعد ٩٦١٢ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٥٧ ، المغازي للواقدي ٦٠٠ ، الجرح والتعديل ٣ / ٣٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٣١ ، تاريخ خليفة ٢٢٧ ، جمهرة أنساب العرب ٢٣٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٠٣ ، الوافي بالوفيات ١٣ / ٣٠١ ، جامع التحصيل ٢٠٧ ، تاريخ الإسلام ١ / ٢٠٢.

(٢) في أخنثى.

٢٣١

٢٢٣٩ ـ خراش بن حارثة (١) : أخو أسماء تقدم ذكره في ترجمة أخيه حمران.

٢٢٤٠ ـ خراش (٢) بن الصّمة بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب الأنصاريّ السلميّ.

ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا ، وذكره كذلك ابن الكلبيّ وأبو عبيد وقالا : كان معه يوم بدر فرسان ، وجرح يوم أحد عشر جراحات ، وكان من الرّماة المذكورين.

٢٢٤١ ـ خراش (٣) بن مالك : روى حديثه علي بن سعيد العسكريّ(٤) ، من طريق محمّد بن إسحاق : حدّثني عبد الله بن بجرة الأسلمي ، عن خراش بن مالك ، قال : احتجم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما فرغ قال : لقد عظمت أمانة رجل قام عن أوداج رسول الله بحديدة. قال في التجريد : ولعله تابعيّ.

٢٢٤٢ ـ خرافة العذري (٥) : الّذي يضرب به المثل ، فيقال : حديث خرافة ، لم أر من ذكره في الصّحابة ، إلا أني وجدت ما يدلّ على ذلك ، فإنني قرأت في كتاب الأمثال للمفضّل الضبي قال : ذكر إسماعيل بن أبان الورّاق ، عن زياد البكائي ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن ، قال : سألت أبي ـ يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة ، فقال : بلغني عن عائشة أنها قالت للنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : حدّثني بحديث خرافة فقال : «رحم الله خرافة ، إنّه كان رجلا صالحا ، وإنّه أخبرني أنّه خرج ليلة لبعض حاجته فلقيه ثلاثة من الجنّ فأسروه ، فقال واحد : نستعبده(٦) وقال آخر : نعتقه فمرّ بهم رجل.(٧) » فذكر قصّة طويلة.

وقد روى الترمذيّ ، من طريق مسروق(٨) عن عائشة ، قالت : حدّث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه بحديث ، فقالت امرأة منهن : كأنه حديث خرافة ، فقال : «أتدرين ما خرافة؟ إنّ خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجنّ فمكث دهرا ، ثمّ رجع فكان يحدّث بما رأى منهم من الأعاجيب. فقال النّاس : حديث خرافة»(٩) .

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤٢٩].

(٢) الثقات ٣ / ١٠٧ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٧ ، أصحاب بدر ١٩٤ ، الاستيعاب ت [٦٥٥] ، أسد الغابة [١٤٣٠].

(٣) في أخراش.

(٤) أسد الغابة ت [١٤٣٢].

(٥) في ت : العدوي.

(٦) في أنستعيذه وقال آخر نقتله.

(٧) في أفمر بهم رجل منهم.

(٨) في أ : من طريق مسروق عن عائشة.

(٩) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ١٥٧ عن عائشة بلفظه قال الهيثمي في الزوائد ٤ / ٣١٨ رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد ثقات وفي بعضهم كلام لا يقدح وفي إسناد الطبراني علي ابن أبي سارة وهو ضعيف وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٨٢٤٤

٢٣٢

وروى ابن أبي الدّنيا في كتاب «ذمّ البغي» له من طريق ثابت ، عن أنس ، قال : اجتمع نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله ، فقالت إحداهنّ كأنّ هذا حديث خرافة فقال : «أتدرين ما خرافة؟ إنّه كان رجلا من بني عذرة أصابته الجنّ ، فكان فيهم حينا ، فرجع فجعل يحدّث بأحاديث لا تكون في الإنس ، فحدّث. أنّ رجلا من الجنّ كانت له أمّ فأمرته أن يتزوّج ...» فذكر قصة طويلة.

ورجاله ثقات إلا الراويّ له عن ثابت وهو سحيم بن معاوية يروي عنه عاصم بن علي ، ما عرفته ، فليحرر رجاله.

٢٢٤٣ ـ الخرباق السّلميّ (١) : ثبت ذكره في صحيح(٢) مسلم من حديث عمران بن حصين أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) في ثلاث ركعات ثم دخل منزله ، فقام إليه رجل يقال له الخرباق.

وروى العقيلي في الضّعفاء والطبرانيّ من طريق سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن محمد بن سيرين ، عن الخرباق السلميّ فذكر حديث السّهو.

وقال ابن حبّان : هو غير ذي اليدين وقيل هو هو.

٢٢٤٤ ـ خرشة بفتحات ، ابن الحارث أو ابن الحرّ المحاربي.

وروى أحمد والبغويّ والطبرانيّ وآخرون ، من طريق أبي كثير المحاربي : سمعت خرشة يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ستكون بعدي فتنة(٤) ..». الحديث.

ووقع في رواية الطبرانيّ خرشة المحاربي ، وفي رواية أحمد خرشة بن الحرّ ، وفي رواية الآخرين خرشة بن الحارث ، وهو الرّاجح.

__________________

(١) الثقات ٣ / ١١٤ ، ١٢٠ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٧ ، ١٧٠ ، التحفة اللطيفة ٢ / ٤٩ ، العقد الثمين ٤ / ٣٦٥ ، الجرح والتعديل ٣ / ٢٠٢٥ ، بقي بن مخلد ٥٢٥ ، أسد الغابة ت [١٤٣٣] ، الاستيعاب ت [٦٨٦].

(٢) في أ : ثبت ذكره في حديث مسلم.

(٣) بياض في أ.

(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٤٨ ، عن عمرو بن الحمقرضي‌الله‌عنه الحديث قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي بقوله صحيح وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٠٨٧ وعزاه لأبي يعلى عن حذيفة.

٢٣٣

وقال ابن سعد : خرشة بن الحارث الأسديّ ، له صحبة ، نزل حمص ، له حديث واحد ، ثم أورد هذا.

وقال أبو حاتم : خرشة شاميّ له صحبة. روى عنه أبو كثير المحاربي وتعقبه ابن عبد البرّ ، وزعم أن الصّواب أنه هو خرشة بن الحر ، يعني الّذي بعد هذا ولم يصب في ذلك ، والحق أنهما اثنان.

وقد فرق بينهما البخاريّ ، فذكر خرشة بن الحرّ في التابعين ، وذكر هذا في الصّحابة ، وكذلك صنع ابن حبّان.

وذكر الحاكم أبو أحمد في ترجمة أبي كثير في الكنى قول من قال عن أبي كثير عن خرشة بن الحرّ ، ووهّاه ، وصوّب أنه خرشة بن الحارث.

٢٢٤٥ ـ خرشة بن الحارث : المرادي(١) من بني زبيد. وفد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهد فتح مصر ، ومن ولده أبو خرشة عبد الله بن الحارث بن ربيعة بن خرشة ، قاله ابن يونس.

وروى أحمد والطبرانيّ من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن خرشة بن الحارث صاحب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يشهد أحدكم قتيلا يقتل صبرا ، فعسى أن يقتل مظلوما فتنزل السّخطة عليهم فتصيبه معهم.»(٢)

٢٢٤٦ ز ـ خرشة بن الحرّ الفزاريّ (٣) : كان يتيما في حجر عمر ، تقدم ذكره في الّذي قبله.

وقال الآجري ، عن أبي داود : له صحبة ، ولأخته سلامة بنت الحرّ صحبة ، وذكره ابن حبان والعجليّ في ثقات التابعين ، وروايته عن الصحابة في الصّحيحين.

قال ابن سعد : مات في ولاية بشر على العراق ، وقال خليفة : مات سنة أربع وسبعين(٤) .

__________________

(١) أسد الغابة ت [١٤٣٤] ، الاستيعاب ت [٦٥٨] ، الثقات ٣ / ١١٣ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٧ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ٣٨٠ ، حسن المحاضرة ١ / ١٩٤ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢١٣ ، الكاشف ٣٨٣.

(٢) أخرجه الطبراني في الكبير ٤ / ٢٥٩ ، والمتقي الهندي في الكنز (١٣٤١٢).

(٣) تهذيب الكمال ١ / ٣٧١ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٨ ، الكاشف ١ / ٢٧٨ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٢٢ ، الجرح والتعديل ٣ / ١٧٨٥ ، حسن المحاضرة ١ / ١٩٤ ، الطبقات الكبرى ٦ / ١٢٧ ، الطبقات ١٤٣ ، ١٥٣ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢١٣ ، العبر ١ / ٨٤ خلاصة تذهيب ١ / ٢٩٨ ، بقي بن مخلد ٥٨٥. أسد الغابة ت [١٤٣٥] ، الاستيعاب ت [٦٥٩].

(٤) في أ : أربع وستين.

٢٣٤

٢٢٤٧ ز ـ خرشة بن مالك : بن جريّ بن الحارث بن مالك بن ثعلبة بن ربيعة بن مالك بن أود الأودي.

قال ابن الكلبيّ : وفد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد مع عليّ مشاهده ، ذكره الرّشاطيّ.

٢٢٤٨ ـ خرشة الثقفيّ : ذكره السّهيلي في الرّوض ، وقال : إنه وفد فأسلم.

٢٢٤٩ ـ الخرّيت بن راشد الناجي (١) :(٢)

ذكره سيف بن عمر في «الفتوح» ، وأخرج عن زيد بن أسلم ، قال : لقي الخرّيت بن راشد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين مكّة والمدينة في وفد بني سامة بن لؤيّ ، فاستمع لهم ، وقال لقريش : هؤلاء قوم لدّ.

قال سيف : وكان الخريت على مضر كلها يوم الجمل ، واستعمله عبد الله بن عامر على كورة من كور فارس.

وروى سيف أيضا عن القاسم بن محمد أنه كان على بني ناجية في حروب الرّدة ، وكان أحد الأمراء حينئذ.

وقال الزّبير بن بكّار : كان مع علي حتى حكم الحكمين ، ففارقه إلى بلاد فارس ، مخالفا ، فأرسل عليّ إليه معقل بن قيس ، وجهّز معه جيشا ، فحشد الخرّيت من قدر عليه من العرب والنّصارى ، فأمر العرب بمنع الصّدقة والنّصارى بمنع الجزية ، وارتدّ كثير ممّن كان أسلم من النّصارى ، فقاتلهم معقل ونصب راية ونادى : من لحق بها فهو آمن ، فانصرف إليها كثير من أصحاب الخرّيت ، فانهزم الخريت فقتل.

٢٢٥٠ ـ خريم بن أوس : بن حارثة بن لام الطائي(٣) .

روى ابن أبي خيثمة [والبزار](٤) وابن شاهين من طريق حميد بن منهب قال : قال خريم(٥) ابن أوس : كنا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له العباس : يا رسول الله ، إني أريد أن أمدحك ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هات لا يفضض الله فاك» فذكر الشعر.

__________________

(١) في أالباجي.

(٢) أسد الغابة ت [١٤٣٧] ، الاستيعاب ت [٦٩٠].

(٣) أسد الغابة ت [١٤٣٨] ، الاستيعاب ت [٦٦٢] ، الثقات ٣ / ١١٣ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٥٨ ، التحفة اللطيفة ٢ / ١٧ ، حلية الأولياء ١ / ٣٦٣ ، الإكمال ٣ / ١٣٢ ، المشتبه ٦٣١ ـ الأعلمي ١٧ / ١٦٦.

(٤) سقط في أ.

(٥) في أحميم.

٢٣٥

وروى الطّبرانيّ من هذا الوجه قال خريم : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «هذه الحيرة وقد رفعت لي ، وهذه الشّيماء بنت نقيلة الأزديّة على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود ...»(١) فذكر الحديث بطوله ، وفيه : فقلت : يا رسول الله ، إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما هي فهي لي؟ قال : «هي لك». قال : فشهدت الحيرة مع خالد بن الوليد فكان أول من تلقّاها الشيماء ، فتعلّقت بها فسلمها لي خالد الحديث.

وفي بعض طرق حديثه أنه وفد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم منصرفه من تبوك.

وسيأتي لحديثه طريق في ترجمة محمد بن بشر.

٢٢٥١ ـ خريم بن فاتك : بن الأخرم(٢) . ويقال خريم بن الأخرم بن شدّاد بن عمرو بن فاتك الأزدي ، أبو أيمن. ويقال أبو يحيى.

قال مسلم ، والبخاريّ والدّارقطنيّ وغيرهم : له صحبة ، وزاد البخاريّ في التّاريخ :

شهد بدرا. وكأنه أشار إلى الحديث الآتي.

وقال ابن سعد : كان الشّعبي يروي عن أيمن بن خريم ، قال : إن أبي وعمي شهدا بدرا ، وعهدا ألا أقاتل مسلما.

قال محمد بن عمر : هذا لا يعرف ، وإنما أسلما حين أسلم بنو أسد بعد الفتح فتحوّلا إلى الكوفة فنزلاها. وقيل : نزلا الرّقة وماتا بها في عهد معاوية.

والحديث المشار إليه أخرجه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي. وقد رواه ابن مندة في غرائب شعبة ، وابن عساكر من طرق إلى الشعبي ، وفيه : شهد الحديبيّة ، وهو

__________________

(١) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٢٦٨. وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٠٣٧٩.

والهيثمي في الزوائد ٦ / ٢٢٥ عن خريم بن أوس الحديث قال الهيثمي رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم.

(٢) الثقات ٣ / ١١٣ ، خلاصة تذهيب ١ / ٢٩٨ ، تجريد أسماء الصحابة / ١٥٨ الإكمال ٣٥ ـ ١٣٢ ، ٧ / ٧٠ ، البداية والنهاية ٢ / ٣٥٢ ، المعرفة والتاريخ ٢ / ٣٠٢ ، ٣ / ١٢٩ ، بقي بن مخلد ١٦٥ ، الكاشف ١ / ٢٧٩ ، تقريب التهذيب ١ / ١٢٣ ، الجرح والتعديل ٣ / ١٨٣٧ ، تهذيب الكمال ١ / ٣٧١ ، التحفة اللطيفة ٢ / ١٧ ، الطبقات ٣٥ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ٣٦٩ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢٢٤ ، أصحاب بدر ١٢٩ ، حلية الأولياء ١ / ٣٦٣ ، أسد الغابة ت [١٤٤٠] ، الاستيعاب ت [٦٦١٠] ، التاريخ لابن معين ٢ / ١٤٧ ، الطبقات لابن سعد ٦ / ٣٨ ، المعارف ٣٤٠ ، مشاهير علماء الأمصار ٤٧ ، المعجم الكبير ٤ / ٢٤٤ ، الأسامي والكنى للحاكم ورقة ٥١ ، تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ١٣١ ، التبيين في أنساب القرشيين ٤٦٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٧٥ ، المعين في طبقات المحدثين ٢٠ ، الوافي بالوفيات ١٣ / ٣٠٧ ، طبقات خليفة ١ / ٨٠ ، تهذيب التهذيب ٣ / ١٣٩ ، التقريب ١ / ٢٢٣ ، تاريخ الإسلام ١ / ٤٦.

٢٣٦

الصّواب. وقيل : إنما أسلم خريم بن فاتك ومعه ابنه أيمن يوم الفتح ، وجزم ابن سعد بذلك. [وسيأتي في ترجمة مالك بن مالك الجهنيّ](١)

الخاء بعدها الزاي

٢٢٥٢ ـ خزاعيّ بن أسود (٢) : تقدم في أسود بن خزاعيّ ، وهو بلفظ النسبة.

٢٢٥٣ ـ خزاعيّ بن عبد نهم : ـ بنون ـ ابن عفيف بن سحيم(٣) ـ بمهملتين مصغرا ـ ابن ربيعة بن عدي ـ بكسر أوله والقصر ، على ما قال الطبريّ. وقال الدارقطنيّ بالتشديد ـ ابن ذؤيب المزني ويقال خزاعيّ بن عثمان بن عبد نهم.

وقال ابن الكلبيّ : هو أخو عبد الله ذي النّجادين لأبويه ، وعمّ عبد الله بن مغفل بن عبد نهم.

وروى ابن شاهين من طريق ابن الكلبيّ : حدثنا أبو مسكين وغيره ، عن أشياخ لمزينة قالوا : كان لمزينة صنم يقال له نهم(٤) ، وكان الّذي يحجبه خزاعيّ بن عبد نهم المزني ، فكسر الصنم ، ولحق بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول :

ذهبت إلى نهم لأذبح عنده

عتيرة نسك كالّذي كنت أفعل

وقلت لنفسي حين راجعت حزمها

أهذا إله أبكم ليس يعقل

أبيت ، فديني اليوم دين محمّد

إله السّماء الماجد المتفضّل

[الطويل]

قال : فبايع النبيص لى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبايعه بني مزينة. قال : وقدم معه عشرة من قومه منهم عبد الله بن ذرة ، وأبو أسماء ، والنّعمان بن مقرن.

وروى قاسم في «الدّلائل» من طريق محمد بن سلام الجمحيّ. عن ابن دأب ، قال : وفد خزاعيّ بن أسود فأسلم ، ووعد أن يأتي بقومه ، فأبطأ ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم حسان بن ثابت ، فقال فيه :

__________________

(١) سقط في خ.

(٢) أسد الغابة ت [١٤٤١].

(٣) أسد الغابة ت [١٤٤٢].

(٤) نهم : بضم النون وسكون الهاء : اسم صنم كان لمزينة وبه كانت تسمّى عبد نهم. انظر : مراصد الاطلاع ٣ / ١٤٠٨.

(٥) تنظر الأبيات في أسد الغابة ترجمة رقم (١٤٤٢) وينظر في كتاب الأصنام للكلبي ٣٩ ، ٤٠.

٢٣٧

ألا أبلغ خزاعيّا رسولا

فإنّ الغدر يغسله الوفاء

فإنّك خير عثمان بن عمرو

وأسناها إذا ذكر السّناء

وبايعت النّبيّ فكان خيرا

إلى خير وأدّاك الثّراء

فما يعجزك أو ما لا تطقه

من الأشياء لا تعجز عداء

[الوافر]

يعني قبيلته.

قال : فلما سمع ذلك أقبل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم معه فأسلموا.

وقوله : خزاعيّ بن أسود غلط ، وإنما هو خزاعيّ بن عبد نهم.

قال ابن سعد في «الطّبقات» : أخبرنا هشام بن الكلبي ، أخبرنا أبو مسكين وأبو عبد الرحمن العجلاني ، قالا : قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نفر من مزينة منهم خزاعيّ بن عبد نهم ، فبايعه على قومه مزينة ومعه عشرة ، فذكر القصّة والشّعر ، وزاد فيهم بلال بن الحارث ، وبشر بن المحتفز ، وزاد فقام خزاعيّ بن عبد نهم ، فقال : يا قوم قد خصّكم شاعر الرجل فأنشدكم الله ، فأطاعوه وأسلموا ، وقدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : وأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لواء مزينة يوم الفتح لخزاعي هذا ، وكانوا يومئذ ألف رجل.

قال ابن سعد : وزاد غيره فيهم دكين بن سعد. وذكر المرزبانيّ هذه القصّة مطوّلة ودلّ شعر حسّان على أن عدي هذا يمدّ. فالله أعلم.

٢٢٥٤ ـ خزرج الأنصاريّ (٢) : غير منسوب.

روى ابن شاهين في «الجنائز» ، من طريق عمرو بن شمر(٣) ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : سمعت الحارث بن الخزرج الأنصاريّ يقول : حدّثني أبي أنه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال : «يا ملك الموت ، ارفق بصاحبي ، فإنّه مؤمن. فقال له : يا محمّد ، طب نفسا ، وقرّ عينا ، فإنّي بكلّ مؤمن رفيق.» الحديث بطوله.(٤)

__________________

(١) ينظر البيت ديوان حسان. والبيت الأول في الطبقات الكبرى ٢ / ٧٨ بأن الدم يغسله ألوفا.

(٢) أسد الغابة ت [١٤٤٤].

(٣) في أ : عمرو بن شمس.

(٤) أخرجه الطبراني في الكبير ٤ / ٢٦١. وأورده السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٧٣. والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٤٢٨١٠ وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب الحذر عن الحارث بن خزرج الأنصاري والطبراني في الكبير.

٢٣٨

وأورده ابن مندة من هذا الوجه مختصرا ، وأخرجه البزّار وابن أبي عاصم والطّبرانيّ وابن قانع. وعمرو بن شمر متروك الحديث.

٢٢٥٥ ـ خزيمة بن أوس : بن يزيد ـ بالتحتانية المفتوحة من فوق وزاي ـ ابن أصرم الأنصاريّ النجاريّ(١) .

ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا : وذكره سلمة بن المفضل ، عن ابن إسحاق ، فيمن استشهد يوم الجسر.

٢٢٥٦ ـ خزيمة بن ثابت (٢) : بن الفاكه ـ وكسر الكاف ـ ابن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيّان ـ بالمعجمة والتحتانية ، وقيل بالمهملة والنون ـ ابن عامر بن خطمة ـ بفتح المعجمة وسكون المهملة ـ واسمه عبد الله بن جشم ـ بضم الجيم وفتح المعجمة ـ ابن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ ثم الخطميّ.

وأمه كبشة بنت أوس الساعدية ، أبو عمارة ، من السّابقين الأولين شهد بدرا وما بعدها.

وقيل : أول مشاهده أحد ، وكان يكسر أصنام بني خطمة وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح.

وروى أبو داود من طريق الزّهريّ ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، أنّ عمّه حدّثه ، وهو من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابتاع فرسا من أعرابيّ الحديث ، وفيه : فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من شهد له خزيمة فحسبه.»(٣)

وروى الدّارقطنيّ من طريق أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) أسد الغابة ت (١٤٤٥) ، الاستيعاب ت (٦٦٦).

(٢) طبقات ابن سعد ٤ / ٣٧٨ ، طبقات خليفة ٨٣ ، ١٣٥ ، التاريخ الكبير ٣ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، المعارف ١٤٩ ، تاريخ الفسوي ١ / ٣٨٠ ، الجرح والتعديل ٣ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، معجم الطبراني الكبير ٤ / ٩٤ ، المستدرك ٣ / ٣٩٦ الاستبصار ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، تهذيب الكمال ٣٧٥ ، تهذيب التهذيب ٣ / ١٤٠ ، ١٤١ ، خلاصة تذهيب الكمال ١٠٤ ، شذرات الذهب ١ / ٤٥.

(٣) أخرجه أبو داود ٢ / ٣٣١ باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد حديث رقم ٣٦٠٧ كتاب الأقضية أخرجه النسائي عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابتاع فرسا من أعرابي. النسائي ٧ / ٣٠١ كتاب البيوع باب ٨١ ح ٤٦٤٧.

٢٣٩

الجدلي ، عن خزيمة بن ثابت ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل شهادته شهادة رجلين.

وفي البخاري من حديث زيد بن ثابت ، قال : فوجدتها مع خزيمة بن ثابت الّذي جعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم شهادته بشهادتين.

وروى أبو يعلى عن أنس ، قال : افتخر الحيّان : الأوس والخزرج ، فقال الأوس ، ومنا من جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شهادته بشهادة رجلين. الحديث.

وعند أحمد عن عبد الرزاق بن معمر ، عن الزهريّ ـ أنّ خزيمة استشهد بصفّين.

وروى أحمد من طريق أبي معشر ، عن محمد بن عمارة بن خزيمة ، قال : ما زال جدي كافا سلاحه حتى قتل عمار بصفين فسلّ سيفه ، وقاتل حتى قتل. ورواه يعقوب بن شيبة من طريق أبي إسحاق نحوه.

وقال الواقديّ : حدّثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال شهد خزيمة بن ثابت الجمل ، وهو لا يسلّ سيفا وشهد صفّين ، وقال : أنا لا أقاتل أبدا حتى يقتل عمار ، فأنظر من يقتله ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تقتله الفئة الباغية»(١) . فلما قتل عمار قال : قد بانت لي الضّلالة. ثم اقترب فقاتل حتى قتل.

قال الطّبرانيّ : كان له أخوان : وحوح ، وعبد الله.

[وقال المرزبانيّ : قتل مع علي بصفين ، وهو القائل :

إذا نحن بايعنا عليّا فحسبنا

أبو حسن ممّا نخاف(٢) من الفتن

وفيه الّذي فيهم من الخير كلّه

وما فيهم بعض الّذي فيه من حسن

[الطويل]

وقال ابن سعد : شهد بدرا ، وقتل بصفّين.](٣)

٢٢٥٧ ز ـ خزيمة بن ثابت الأنصاري (٤) : آخر.

روى ابن عساكر في تاريخه من طريق الحكم بن عتيبة أنه قيل له :

أشهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الجمل؟ فقال : لا ، ذاك خزيمة بن ثابت آخر [ومات ذو الشّهادتين في زمن عثمان.

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ١٦٤ ، ٢٠٦ ، ٣ / ٥٢ وأورده الهيثمي في الزوائد ٧ / ٢٤٤ ، وقال رواه أحمد وهو ثقة والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٦٩٨ ، ٣١٧١٩ ، وأبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٢ / ٢٨٢ ، ٨ / ٢٧٥.

(٢) في ت ـ يخاف.

(٣) سقط من أ.

(٤) أسد الغابة ت (١٤٤٦) ، الاستيعاب ت (٦٦٣).

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253