أي تعقيد أو تشكيك، وقد أشَرنا في الفصل السابق إلى أنّ التغيّر الذي طرَأ على تفكير المسلمين كان ممّا لابدّ منه، بملاحظة الظروف والملابسات التي أحاطت بهم، ولا سيّما بعد أنْ اتصلوا بغيرهم مِن الأُمم التي كانت تختلف أشدّ الاختلاف في عقائدها وعاداتها وحضارتها، وهؤلاء وإنْ دخلوا في الإسلام، ولكنّ الكثيرين منهم لم تتوفّر لهم جميع أسباب القناعة بالدين الجديد إلاّ بعد التفكير الطويل والبحث الواسع، والمحاكمة بين ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم وبين ما دخلوا فيه بسبب اتساع سيطرة الدولة الفاتحة، وليس من السهل أنْ تحتل تعاليم الإسلام وعقائده نفوسهم وقلوبهم بتلك السرعة الخاطفة.
ولو افترضنا أنّهم آمنوا به بتلك السرعة، واحتلّ نفوسهم منذ أنْ سمعوا به، ولكن ما كان يثار حول معتقداتهم من الشُبَه لا يزال في أذهانهم ويتّسع الدين الجديد لتلك الشُبه وغيرها، فالنزاع في حرّية الإرادة وعدمها، وفي الصفات والجنّة والنار وغير ذلك من المواضيع التي كانت مسرحاً للجدَل والنزاع والخصومات، ولم تكن من مبتكرات العصور الإسلامية.
وعلى سبيل المثال نرى أنّ الجهم بن صفوان الذي تنتسب إليه
الجهمية
، يدّعي أنّ الجنّة والنار تفنيان ويفنى من فيهما، وهذا الأمر كان موضع جدل بين الكنائس النصرانية، وذهب القائمون على الكنيسة اليونانيّة إلى إنكار أبدية عذاب القبر.
ويدّعي بعض المستشرقين أنّ فرقة المعتزلة نشأت من النصرانية؛ لأنّ آباء الكنائس كانوا يتجادلون في حرّية الإرادة، وأنّ الإنسان مجبور أو مختار، كما كانوا يتجادلون في صفات الله، وهذه الأفكار قد تسرّبت إلى المعتزلة عن طريقهم بعد فتح المسلمين للشام واختلاطهم بغيرهم من الأُمم الأُخرى.
وكان يحيى الدمشقي من أكثر المسيحيّين اتصالاً بالمسلمين، ومن أشدّهم تعصّباً لنصرانيّته، وبلغ به الحال أنّه ألّف كتاباً للنصارى يفترض فيه الاعتراضات ويجيب عليها، وكان هو وأبوه يعملان في قصور الأمويّين وقد تكلّم في القدر، وقال: أنّ الله مصدر الخير، والخير يصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس، ومنه ومن غيره تكلّم المعتزلة في القدر وفي الصفات، كما يدّعي جماعة من الكتاب