دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية0%

دراسات في العقيدة الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 212

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف: محمد جعفر شمس الدين
تصنيف:

الصفحات: 212
المشاهدات: 60304
تحميل: 4725

توضيحات:

دراسات في العقيدة الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 212 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60304 / تحميل: 4725
الحجم الحجم الحجم
دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف:
العربية

ويقصد بصفات الأفعال تلك التي يجوز أن يوصف الباري بأضدادها وبالقدرة على أضدادها.

وصفات الذات مثل: العلم والقدرة والحياة. والسمع والبصر. والقدم. الخ.

وصفات الأفعال مثل: الإرادة. الحب. الرضى. الكراهة. البغض. السخط. الخ...

وكان العلاف يرى أن صفات الذات أولية متحدة مع الذات. في حين أنه كان يرى أن صفات الأفعال حادثة، ومن هنا فهي لا يعقل أن تقوم في ذاته، لاستحالة قيام الحادث فيما هو قديم، لأنه يستلزم أن يكون القديم محلاً للحوادث.

ب - رأيه في أفعال الإنسان:

لقد التزم العلاف - ككل معتزلي - بمبدأ حرية الإرادة في أفعال الإنسان التي تصدر عنه.

وقد نسب إليه أبو الحسن الأشعري، القول بتفصيل في هذه الأفعال، بين ما كان يدرك الإنسان كيفيته، وما لا يدرك. حيث التزم بأن ما يدرك الإنسان كيفيته من هذه الأفعال يصح إسناد خلقها إليه، دون ما لم تكن كيفيته مدركة له، حيث يجب إسناد خلقها إلى اللّه.

جاء في مقالات الإسلاميين: «إن اللّه يقدر عباده على الحركة والسكون والأصوات وسائر ما يعرفون كيفيته، فاما الأغراض التي لا يعرفون كيفيتها كالألوان والطعون والحياة والموت والعجز والقدرة فليس يجوز أن يوصف الباري بالقدرة على أن يقدرهم على شيء من ذلك.»(١)

____________________

(١) مقالات الإسلاميين للأشعري ١ / ٣٧٨.

٤١

ج - رأيه في الحركة:

يرى أبو الهذيل(١) ، ان الحركة لما لم تكن جسماً، لا يمكن أن تلمس إلا أنها لما كان لها بداية، لا بد وأن يكون لها نهاية أيضاً، ونهايتها بانتهاء الدنيا وفنائها، ولذا لا وجود للحركة في الدار الآخرة، وسوف يخيم السكون على أهلها سواء كانوا من أهل الجنة، أو من أهل النار.

د - رأيه في مصدر المعرفة:

وكان العلاف يرى(٢) - ككل معتزلي - ان مصدر المعرفة، إما الوحي، فتكون الشريعة، أو العقل الذي يدرك الإنسان به - قبل ورود الوحي - قبح الأشياء فيجتنبها، أو حسنها فيقدم عليها.

وقد عاش العلاف مائة عام على رواية، ومائة وخمسة أعوام على رواية أخرى وتوفي في مدينة سامراء سنة ٢٣٥ هجرية إذا صح أنه ولد سنة ١٣٥ هجرية.

٢ - ابراهيم بن سيار

يكنى بأبي إسحاق، ويلقب بالنظّام.

وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف المتقدم.

وقيل بأن الوجه في تقليبه بالنظّام، هو أنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها.

____________________

(١) و(٢) الملل والنحل الشهرستاني ٣٥ - ٣٦.

٤٢

وقيل بأن الوجه في ذلك هو أنه «كان حسن الكلام في نظمه ونثره.»

وقد ولد بالبصرة حوالي سنة ١٣٥ هجرية.

ويقال بأنه أخذ الإعتزال عن خاله العلاف.

تتلمذ عليه في جملة من تتلمذ الجاحظ، وكان يقول عنه «الأوائل يقولون في كل الف سنة رجل لا نظير له، فان كان ذلك صحيحاً فهو أبو إسحاق النظّام(١) ».

بعض آراء النظّام:

أ - كان النظّام(٢) ككل معتزلي، يقول بالعدل، الاصل الثاني من أصول المعتزلة، ومن العدل ألا يصدر عن اللّه أي شر، بل مقتضى العدل ألا يصدر عنه إلا كل ما هو الأصلح للإنسان، ولذا ينفي النظّام أن تكون الشرور الموجودة في العالم، مخلوقة للّه. ويقول: ان اللّه لا يقدر أن ينقص من نعيم أهل الجنة ذرة، لأن نعيمهم صلاح لهم.

ب - من المعروف بين كثير من الكلاميين، القول بتركيب الأجسام من أجزاء لا تتجزأ تكون محلاً للاعراض، ولكن النظام(٣) ذهب إلى رفض هذا القول وإنكار وجود الجزء الذي لا يتجزأ، وقال بأن الأجسام تنقسم إلى ما لا نهاية. ومن هنا، ذهب النظام إلى ارتكاب خطأ فاحش، حيث التزم

____________________

(١) المنية والأمل لابن المرتضى ٣٠.

(٢) راجع الفرق بين الفرق للبغدادي ١١٣ وما بعدها والتبصير في الدين للاسفراييني ٤٣ وما بعدها.

(٣) الملل والنحل للشهرستاني ١ / ٥٥ وما بعدها.

٤٣

بالطفرة، «أي أن النملة مثلاً، التي تقطع مسافة ما، تطفر بعض مقدارها إلى بعض».

ج - أنكر النظام(١) حجية القياس، كما أنكر حجية الإجماع وجوّز أن تجتمع الأمة كلها على ضلالة.

د - وافق أستاذه العلاف، في مصدر المعرفة الإنسانية، وأنه الوحي والعقل. كما وافقه في القول باستحالة دوام الحركة.

ه‍ - أنكر وجود الأعراض - عدا الحركة - ونسب إليه القول بأن كل ما يطلق عليه أنه عرض ما هو إلا جوهر أو جزء من جوهر.

و - قال بأن إعجاز القرآن لم يكن بنظمه وبيانه، بل بالصرفة.(٢) توفي سنة ٢٣١ هجرية وقيل سنة ٢٢١.

٣ - الأشاعرة

أ - مؤسس الفرقة:

مؤسس فرقة الأشاعرة، هو علي بن إسماعيل بن إسحاق.

يكنى بأبي الحسن، ويلقب بالأشعري.

ولد سنة ٢٦٠ هجرية.

وقد درج الأشعري هذا ونما، وترعرع في أروقة مدرسة المعتزلة، وتحت

____________________

(١) راجع تأويل مختلف الحديث للدينوري ٢١ وما بعدها.

(٢) الملل والنحل ١ / ٥٦ - ٥٧

٤٤

ظلال آرائهم وأفكارهم، حيث لازم الجبائي طيلة أربعين عاماً صار بعدها شيخاً ناضجاً من شيوخهم، يجادل ويناظر خصومهم، من خلال آرائه كمعتزلي تلك الآراء التي استظهرها درساً وتدريساً، وبحثاً ومذاكرة.

ب - انفصاله عن أستاذه:

بعد كل هذه الأعوام الأربعين، التي قضاها الأشعري في كنف أستاذه أبي علي الجبائي، تحت راية المعتزلة، نجده وعلى غير سابق إنذار، يتخلى عن كل القيم والمبادئ والأفكار التي عايشها، حتى غدت جزءاً من كيانه ووجوده!!!

انفصل عن أستاذه وتنكّر له، بل تنكّر لكل ما هو معتزلي، ومن هو معتزلي.

ج - سبب هذا الانفصال:

ويذكر مؤرخو الفرق أسباباً عديدة لانفصال الأشعري عن أستاذه الجبائي لا تعدو في جوهرها، عن أن تكون خلافات فكرية في بعض المسائل الإعتقادية.

ومن أهم المسائل التي وقع الخلاف فيها بين الأشعري، وأستاذه الجبائي والتي على أثرها وقعت الفرقة، مسألة حكم العقل، بأن اللّه سبحانه، يجب عليه ألا يفعل إلا الأصلح. وهي ما يعبر عنها «بوجوب فعل الأصلح على اللّه» حيث كان الجبائي كمعتزلي يلتزم به.

وتذكر الكتب(١) ، ان مناظرة جرت بينهما حول هذه المسألة.

____________________

(١) راجع وفيات الأعيان لابن خلكان ٢ / ٢٧٧ وما بعدها وطبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢٥٠.

٤٥

قال الأشعري لأستاذه: ما قولك في ثلاثة: مؤمن وكافر، وصبي؟

قال الجبائي: المؤمن من أهل الدرجات، والكافر من أهل الدركات والصبي من أهل النجاة.

قال الأشعري: فإن أراد الصبي أن يرقى إلى أهل الدرجات هل يمكن؟

قال الجبائي: لا، لأنه يقال له: إن المؤمن إنما نال هذه الدرجة بالطاعة وليس لك مثلها.

قال الأشعري: فإن قال: التقصير ليس مني فلو أحييتني كنت عملت الطاعات كعمل المؤمن.

قال الجبائي: يقول له اللّه: اعلم أنك لو كنت بقيت لعصيت ولعوقبت. فراعيت مصلحتك وأمتّك قبل أن تنتهي إلى سن التكليف.

قال الأشعري: فلو قال الكافر يا رب علمت حاله كما علمت حالي فهلا راعيت مصلحتي مثله؟

وهنالك أمر آخر، خارج عن دائرة خلافه مع أستاذه، يورده مؤرخو الفرق(١) ، كسب لانفصال الأشعري، نورده نحن بدورنا (لطرافته). وهو أنه رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في نومه، حيث أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجوع إلى الكتاب والسنة!!!

د - إعلان الأشعري عن انفصاله:

يروي المؤرخون(٢) ، بأن الأشعري بعد أن جرت المناظرة التي ذكرناها

____________________

(١) راجع تبيين كذب المفتري للحافظ بن عساكر ٣٩ وما بعدها.

(٢) طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢٤٦.

٤٦

آنفاً بينه وبين أستاذه الجبائي، انزوى عن الناس مدة «خمسة عشر يوماً ثم خرج إلى الجامع، وصعد المنبر وقال: معاشر الناس، إنما تغيبت عنكم هذه المدة، لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجّح عندي شيء على شيء، فاستهديت اللّه تعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت اعتقد كما انخلعت من ثوبي هذا. وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب التي ألّفها».

وفي رواية أخرى «أنه دعا الناس إلى الإجتماع في مسجد البصرة، وبعد الصلاة وقف خطيباً ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي. أنا علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري، كنت أقول بخلق القرآن وان اللّه تعالى لا يُرى بالأبصار وإن أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع عما كنت أقول ومتصدر للرد على المعتزلة ومخرج لفضائحهم الخ».

ه‍ - أهم آراء الأشعري:

يقول الأشعري في مقام بيان معتقده: «قولنا الذي به نقول، وديننا الذي به ندين، التمسك بكتاب اللّه، وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون ولما كان عليه أحمد بن حنبل نضر اللّه وجهه، ورفع درجته وأجزل مثوبته متبعون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان اللّه به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكّين. وان اللّه استوى على عرشه... وان له وجهاً... وان له يدين.. وان له عيناً. وان للّه علماً. ونثبت له السمع والبصر، ونقول أن كلام اللّه غير مخلوق، وان أعمال العباد مخلوقة اللّه مقدورة له، وان اللّه وفق المؤمنين

٤٧

لطاعته ولأنه هداهم كانوا مهتدين، ونؤمن بقضاء اللّه وقدره خيره وشره. ونؤمن بأن اللّه يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يُرى القمر ليلة البدر الخ»(١) .

هذه هي عقيدة الأشعري - باختصار - كما وردت في بعض كتبه. ولكن ينبغي التنبيه على عقيدتين هامتين يلتزم بهما الأشاعرة:

الأولى : ان العقل عند الأشاعرة، لا يوجب شيئاً من المعارف ولا يقتضي تحسيناً ولا تقبيحاً، ولا يوجب على اللّه رعاية مصالح العباد، ولا لطفاً، ولا شيئاً من هذا(٢) .

الثانية : يرى الأشعري(٣) ، أن النظر لا ينتج علماً، بل جرت عادة اللّه على أن يخلق العلم بعد النظر.

وهذا الموقف عند الأشاعرة، ينطلق من إنكارهم أي ارتباط أو سببية بين الأشياء، بل ان عادة اللّه جرت، على أن يخلق بعض الأشياء عقيب بعض.(٤)

فالإحراق مثلاً، ليس مسبباً عن النار، بل عادة اللّه جرت أن يخلق الإحراق عند خلقه للنار، وهو على هذا قادر على أن يخلق إحراقاً ولا نار. كما أنه قادر على أن يخلق ناراً ولا إحراق، أي ناراً غير محرقة.

و - وجهة نظر:

ونحن، إضافة إلى أننا لا نرى - كما لا يرى كثير من الناقدين - في الأشعري، أكثر من جامع آراء حاول أن يوفق بينها من دون أن يكون عنده

____________________

(١) راجع المواقف للإيجي ٤ / ٤٠٠.

(٢) راجع الملل والنحل للشهرستاني ١ / ١٠١ وما بعدها.

(٣) و(٤) أنظر. واقف الإيجي وشرح السيد عليه ٥٤ وما بعدها.

٤٨

أي نبوغ أو ابتكار. إضافة إلى ذلك، نميل إلى عدم الإيمان بسلامة قصد الأشعري هذا فيما اتخذه من موقف من مدرسته وذلك لعدة اُمور:

الأول : أننا وان كنا نؤمن بأن يخالف التلميذ أستاذه في بعض المسائل، اما أن يخالفه في كل صغيرة وكبيرة وجزئية وكلية، فهذا شيء، وإن لم يكن مستحيلاً عقلاً، إلا أنه مستحيل عادة خاصة إذا لم يكن التلميذ ممن يملكون قدرة على الخلق والإبتكار كما هو الحال في تلميذ الجبائي.

الثاني : نحن وإن كنا نؤمن أن يخالف التلميذ أستاذه في بعض آرائه، أما أن ينقلب عليه وعلى مدرسته عدواً لدوداً، لمجرد انه يخالفه أو يخالفها في الرأي، فهو شيء مستهجن، ومخالف للروح العلمية والخلق الديني، فكم من تلميذ اختلف مع أستاذه، وكم استاذ قرع أكثر من تلميذ عنده، ومع ذلك لم نجد تلميذاً اتخذ من أستاذه هذا الموقف الذي اتخذه الأشعري.

لقد خالف أبو علي الجبائي أستاذ أستاذه العلاف في عشرات المسائل ومع ذلك نجده «لا يرى بعد الصحابة أعظم منه إلا من أخذ عنهم أبو الهذيل، كواصل وعمرو بن عبيد»(١) .

الثالث : ان الأشعري قضى أربعين عاماً من عمره، يدافع عن مذهب الإعتزال، ويقرر براهينه، فهل كان طيلة هذه المدة يبني مذهباً يراه باطلاً أو حقاً؟ وسواء أجاب بهذا أو بذاك، فلن يكون الجواب في صالحه بحال لأنه إن كان يراه حقاً فلماذا انقلب عليه؟ وإن كان يراه باطلاً فلماذا أقام عليه ودافع عنه طيلة هذه المدة.

____________________

(١) نقل ذلك عنه ابن المرتضى في كتابه المنية والأمل ٢٨.

٤٩

الرابع : لقد ذكرت الروايات، أن الأشعري انقطع عن الناس بعد أن انفصل عن أستاذه مدة خمسة عشر يوماً فقط، ثم خرج إليهم ليباغتهم بمذهبه الجديد، ومن الواضح أن هذه المدة الوجيزة، لا تكفي لأن يكوّن الإنسان له رأياً واحداً في مسألة واحدة. فكيف يمكن تعقل كفايتها لأن يؤسس الأشعري خلالها مذهباً فكرياً؟ أو كيف تعقل كفايتها لأن يستعرض كل الآراء في كل المسائل الإعتقادية لكل المدارس الموجودة في عصره مع أدلتها المتضاربة والمتنافرة، ثم يستخلص له من بينها مذهباً؟

الخامس : لقد صرح الأشعري عندما خرج على الناس، بعد هذه المدة الوجيزة: أنه نظر فتكافأت عنده الأدلة، فماذا فعل عندها؟ يقول: إنه استهدى اللّه فهداه إلى اعتقاد ما اعتقده!! ومن الواضح أن هذا المنطق غير مقبول في المجالات العلمية. إذ أن تعيين الحل الصحيح من بين حلين أو حلول في قضية من القضايا لا يعقل أن يكون من دون حجة أو دليل. أما أن يكون بالضرب بالرمل، أو استطلاع حال النجوم وحركة الفلك، فهذا شيء مضحك وسخيف. وقد تذكرت عندما قرأت قول الأشعري: نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شيء على شيء فاستهديت اللّه فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، قد تذكرت ذلك الزميل الذي كان معنا في الكلية يعيّن معنى كلمة إنجليزية في الإمتحان من بين معان متعددة في ذهنه بالإستخارة بالسبحة!!

٥٠

ز - كلمة أخيرة:

بعد عرضنا لهذه الأمور الخمسة، التي تجعلنا لا نركن إلى سلامة قصد الأشعري فيما اتخذه من موقف يبقى علينا أن نتساءل باستغراب، عن الداعي إلى مثل هذا الإخراج المسرحي المتقن، الذي أبرز به انفصاله عن استاذه ومدرسته.؟

هل أراد الأشعري من ورائه، أن يسبق الزمن، لينجو مما بدت نذره في الأفق القريب مؤذنة بأفول نجم سعود المعتزلة، وطلوع نجم نحوسهم، بعد أن ابتدأت السلطة العباسية، بالتخلي عن موقفها المؤيد لهم، وبعد أن اشتدت النقمة الشعبية عليهم، إثر مصيبة ابن حنبل، فيما يسمى بمحنة خلق القرآن، والتي نسبت إليهم؟

قد يكون في تأكيده الشديد على خروجه من بين المعتزلة، وإصراره على البراءة منهم، ووعده القاطع بإخراج فضائحهم، وإعلانه الصريح عن توبته عما كان فيه، قد يكون في كل ذلك قرينة كبيرة على أن جواب تساؤلنا إيجابي ومثبت.

أم تراه أراد أن يستبق الزمن، ليستميل الحنابلة أنفسهم، علهم يرتضون سلوكه في جملتهم، فيظلله نجم سعودهم الذي بدت بشائره في الأفق القريب، فيجني من وراء ذلك الشهد، بعد أن أذاقهم مر العلقم؟

قد يكون تمجيده لإمامهم أحمد، وتعظيمه إياه في خطبته في مسجد البصرة عندما خرج على الناس بذلك الشكل الملفت للنظر، والتي سبق أن أثبتنا قسماً منها في أوائل هذا البحث، قد يكون كل ذلك، قرينة كبيرة، تدل على أن جواب تساؤلنا هذا أيضاً إيجابي ومثبت.

٥١

ولكن الظاهر أن الحنابلة شعروا بما يرمي إليه علي بن إسماعيل هذا، فرفضوه وحقّروه، بل حقروا كل من قال بمقالته. حتى بلغ بهم الأمر أن يمنعوا المؤرخ البغدادي المعروف من أن يصعد المنبر في أحد جوامع بغداد لأنه كان ممن يميلون إلى الأشعري!!!

٤ - الامامية ومواقفهم من آراء سائر الفرق الاعتقادية

والإمامية، ممثلين في أئمتهم (ع) كانت لهم مواقف حاسمة، في شتى المسائل الاعتقادية، التي أثيرت في عصورهم المختلفة.

فقد كانوا - وهم حفظة العقيدة وحماتها - لا يألون جهداً، في الوقوف في وجه كل بدعة أو ضلالة أو رأي، يستشمون منه خطراً على تلك العقيدة وهذا الدين.

وهم مع هذا، كانت لهم مدرستهم الخاصة بهم، والتي تخرج منها مئات من العلماء في مختلف فروع العلم، بما فيها علم العقيدة.

وقد كانت لتلك المدرسة آراؤها وأفكارها الاعتقادية التي تتميز عن آراء وأفكار أية فرقة من الفرق الكلامية التي مر ذكرها.

ونحن إذا أردنا أن نقف على استقلالية المدرسة الكلامية الخاصة بالإمامية ما علينا إلا أن نستعرض - بإيجاز - بعض مواقف هذه المدرسة السامقة، إزاء سائر الفرق الكلامية المتقدمة، لنرى كيف أن هذه المدرسة كانت نسيج وحدها من حيث الأصالة والجرأة والعمق، أمام الآراء الشاذة لتلك الفرق المنافية لروح الإيمان وأصول الإسلام.

٥٢

أ - موقف الامامية من المشبهة

لقد نزّه الامامية، ذات اللّه سبحانه، وصفاته عن كل ما يشعر بالتجسيم والتشبيه. ومن هنا نراهم قد شنوا حرباً شعواء، على أولئك المشبهة، الذين تمسكوا بظاهر بعض الآيات المتشابهة، فجعلوا للّه عينين وأذنين ويدين وإرادة حادثة وغير ذلك، من الآراء التي تستلزم الجسمية والتحيز، وبالتالي الكفر.

ولعل قول الإمام عليعليه‌السلام ، يوضح موقف الإمامية من هؤلاء واضرابهم: «كذب العادلون بك، إذ شبّهوك بأصنامهم، ونحلوك نحلة المخلوقين بأوهامهم، وجزّؤوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وأشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك والعادل بك كافر بما نزلت به محكمات آياتك، ونطقت به شواهد حجج بيناتك(١) ». وقد بلغ موقف الأئمةعليهم‌السلام من هؤلاء المجسمة حداً، رأينا معه الإمام الصادقعليه‌السلام يأمر بمنع شخص من الدخول عليه، لأنه أخبر بأنه ممن يقول بالتجسيم.

ويقول صدر المتأهلين - من أعاظم فلاسفة الامامية بل المسلمين قاطبة - في كتابه «المبدأ والمعاد» ما معناه: ان واجب الوجود لا يوصف بأنه جنس، أو فصل، أو نوع. فما هو بالكلي، لأنه لا يصدق على الغير، ولا بالجزئي، لأن الغير لا يصدق عليه. وهو مستقل بذاته، متنزه عن جميع مخلوقاته، لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء...

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ١٤٤.

٥٣

ب - موقف الامامية من المجبرة والمفوضة (القدرية)

وكان موقف الامامية من كلا الفريقين: المجبرة والمفوضة، واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، حيث أعلنوا براءتهم منهما، ومما يقولون قولاً وعملاً.

أما بالقول فقد طفحت كتبهم بالروايات عن أئمتهمعليهم‌السلام الذّامة لكلا الفريقين بل المكفرة - في بعضها - لهم جميعاً.

منها: ما ورد عن الإمام الرضاعليه‌السلام «القائل بالجبر كافر. والقائل بالتفويض مشرك»(١) وما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال «صنفان من أمتي ليس لهم في الآخرة نصيب: المرجئة والقدرية»(٢) .

وأما بالعمل، فقد حل الامامية هذه المشكلة العويصة، بالتزامهم تبعاً لأئمتهم (ع) بأنه لا جبر ولا تفويض، وإنما أمر بين أمرين.

وسنتناول رأي الإمامية، مقارناً مع رأي كل من المجبرة والمفوضة في هذه المشكلة في محله المناسب إن شاء اللّه.

ج - موقف الامامية من الخوارج والمرجئة

وقد خالف الإمامية الخوارج، فيما أجمعوا عليه من تكفير مرتكب الكبيرة. فحكموا بإيمانه.

____________________

(١) الإحتجاج للشيخ الطبرسي ٢٢٥.

(٢) كنز الفوائد للكراجكي ٥١.

٥٤

كما خالفوا المرجئة، حيث لم يتوقفوا في الحكم على مرتكب الكبيرة، فحكموا عليه باستحقاق العقاب.

وخالفوا بعض فرقهم في ما به يحصل الإيمان، حيث ادعت تلك الفرق بأنه يكفي في الإيمان، مجرد القول باللسان، من دون أن يكون للتصديق بالقلب أية دخالة في تحققه مطلقاً. فقال أكثر الامامية، بأن الإيمان هو التصديق بالجنان (أي القلب) والقول باللسان.

د - موقف الامامية من المعتزلة

يحلو لبعض الكتّاب المحدثين، مقلدين لبعض مؤرخي الفرق الكلامية، أن يجعلوا الامامية في آرائهم وأفكارهم، عالة على مدرسة الاعتزال.

وتبدو سخافة ذلك، إذا استعرضنا جانباً من آراء الإمامية في بعض أصول المعتزلة الخمسة، التي جعلوها - كما تقدم - أساساً لاتصاف أي إنسان بصفة الاعتزال.

١ - رأي الامامية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وقد ذهب الامامية إلى القول بوجوبهما كفائياً، بالشرع لا بالعقل، وذلك بما ورد في الأمر بهما من الآيات والروايات.

فمن الآيات قوله تعالى:( وَ لْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ ) (١) .

____________________

(١) آل عمران ١٠٤.

٥٥

ومن الروايات، ما رواه الكليني، في فروع الكافي، عن محمد بن يحيى، عن الصادقعليه‌السلام قال: «ويل لقوم لا يدينون اللّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»(١) .

ومنها، ما رواه الكليني أيضاً بإسناده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام «لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»(٢) .

في حين ذهبَ المعتزلة إلى وجوبهما بالعقل لا بالشرع(٣) .

بل ذهب بعض شيوخهم، إلى القول، بأنهما إنما يجبان على الآمر والناهي في صورة ما إذا استلزما دفع ضرر واقع عليهما فقط(٤) .

وقد فنّد الامامية رأي المعتزلة، في منشأ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول العلامة الحلي «انهما لو وجبا عقلاً لوجبا على اللّه تعالى، فإن كل واجب عقلي يجب على كل من حصل في حقه وجه الوجوب. ولو وجبا عليه تعالى لكان إما فاعلاً لهما، فكان يلزم وقوع المعروف قطعاً، لأنه تعالى يحمل المكلفين عليه، وانتفاء المنكر قطعاً لأنه تعالى يمنع المكلفين عنه. وهذا خلاف ما هو الواقع في الخارج، وإما غير فاعل لهما فيكون مخلاً بالواجب وذلك محال لما ثبت من حكمته تعالى»(٥) .

____________________

(١) و(٢) فروع الكافي للشيخ الكليني ١ / ٣٤٣.

(٣) و(٤) انظر المواقف لنصر الدين الإيجي ٤ / ٢٧٥.

(٥) شرح التجريد للعلامة الحلي ٣٠٤.

٥٦

٢ - التوحيد بين الامامية والمعتزلة

والامامية، وإن كانوا يلتقون في أصل القول بالتوحيد مع المعتزلة، إلا أنهم يفترقون عنهم في أمور التزم بها المعتزلة، وأنكرها الامامية لأنهم رأوها منافية للتوحيد منها مثلاً ان المعتزلة التزموا «بأن الأشياء كانت قبل وجودها أشياء والجواهر والاعراض كانت في حال عدمها جواهر واعراضاً».

فما هي وظيفة اللّه عندهم إذن؟

وظيفته عندهم، أنه قد جعل لها صفة الوجود ليس إلا.

وجاء الامامية إلى هذه المقالة، ليثبتوا بأن الالتزام بها مناف للتوحيد، ومستلزم للالحاد، فقالوا: بأننا إذا التزمنا بأن هذه الاعراض والجواهر والأشياء، لها نوع من التحصل والتحقق، بقطع النظر عنه سبحانه، وان كل ما صدر عنه هو جعل صفة الوجود لها، فنحن نقول وتوافقوننا، على أن تلك الصفة المجعولة لا تخلو عن أن تكون اما جوهراً، أو عرضاً، أو شيئاً، ولا رابع لها.

فإن قلتم بأن هذه الصفة جوهر أو عرض، بطل ما التزمتم به من أن الجوهر والعرض كان لهما تحقق بقطع النظر عنه سبحانه.

وكذا إذا قلتم بأن هذه الصفة ليست جوهراً ولا عرضاً، وإنما هي شيء، فقد بطل ما التزمتم به من أن الأشياء كان لها تحقق بقطع النظر عنه سبحانه.

وإن قلتم بأن هذه الصفة ليست بشيء، فقد التزمتم بأن اللّه لم يفعل شيئاً، وهذا هو عين العجز، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

٥٧

٣ - المنزلة بين المنزلتين بين الامامية والمعتزلة

لقد تقدم معنا، ان المعتزلة قد حكموا على مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة وسط بين الكفر والإيمان. في حين ذهب الامامية إلى الحكم بفسقه فقط مع بقاء صفة الإيمان له.

كما حكم المعتزلة بخلوده في نار جهنم. في حين ذهب الامامية إلى عدم ذلك، بل قالوا بأنه يعاقب بمقدار جرمه واستدلوا لذلك بوجهين:(١)

الأول : «إنه يستحق الثواب الدائم بإيمانه لقوله تعالى:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ‌ ) (٢) والإيمان أعظم أفعال الخير. فإذا استحق العقاب بالمعصية، فإما أن يقدم الثواب على العقاب، وهو باطل بالإجماع، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم على ما تقدم أو بالعكس وهو المراد. والجمع محال.»

الثاني : «يلزم أن يكون من عبد اللّه تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه، ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه، مخلداً في النار، كمن أشرك باللّه تعالى مدة عمره وذلك محال لقبحه عند العقلاء».

____________________

(١) شرح التجريد للعلامة الحلي ٣٢٨.

(٢) الزلزلة ٧.

٥٨

٤ - رأي الامامية في الجزء الذي لا يتجزأ

لقد سبق وأشرنا(١) ، إلى أن النظّام وهو من أكبر شيوخ المعتزلة، ذهب إلى إنكار الجزء الذي لا يتجزأ حيث جره ذلك إلى القول بالطفرة.

وقد ذهب متكلمو الإمامية وفلاسفتهم إلى عكس مقالته، حيث أثبتوا الجزء الذي لا يتجزأ عندما اعتبروا أن الجسم مركب من أجزاء متناهية بالفعل. وقد استدلوا لمذهبهم هذا بوجهين(٢) :

الأول: «لو كان في الجسم أقسام بالفعل غير متناهية، لما كان مقداره متناهياً. واللازم باطل، فالملزوم مثله».

الثاني: «لو كانت الأجزاء في الجسم بالفعل غير متناهية لاستحال قطع مقداره إلا في زمان غير متناهٍ، لأنه يستحيل قطعه إلا بعد قطع نصفه، وقطع نصفه إلا بعد قطع ربعه وهكذا... لكن اللازم ظاهر البطلان فالملزوم مثله».

وأما ما ذهب إليه المعتزلة على يدي النظّام من القول بإمكان الطفرة، فقد فنّده الامامية مع شناعته، وحكموا بأنه غير نافع لهم أبداً «فإن النملة لو طفرت من الجسم بعضه، فالذي قطعت بحركتها منه إن كان متناهياً كانت نسبته إلى ما طفرته نسبة متناهي العدد إلى متناهي العدد، وهو المطلوب وإن لم يكن متناهياً عاد الإلزام بعينه فيه».

____________________

(١) راجع ص: ٥١.

(٢) راجع قواعد المرام في علم الكلام لميثم بن ميثم البحراني ص: ٥٥ - ٥٦.

٥٩

٥ - رأي الامامية في «الصرفة»

وقد ردَّ علماء الإمامية قول النظّام بالصرفة والذي سبقت منا الإشارة إليه(١) . وذلك بعدة وجوه(٢) أهمها:

أولاً : ان معنى الصّرفة المدعاة «إن كان، أن اللّه قادر على أن يقدر البشر على أن يأتوا بمثل القرآن، ولكنه تعالى صرف هذه القدرة عن جميع البشر... فهو معنى صحيح، ولكنه لا يختص بالقرآن بل هو جارٍ في جميع المعجزات.

وإن كان معناها أن الناس قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن ولكن اللّه صرفهم عن معارضته فهو واضح البطلان. لأن كثيراً منهم تصدوا لمعارضته فلم يستطيعوا».

ثانياً : «لأن إعجاز القرآن لو كان بالصرفة لوجد في كلام العرب السابقين مثله قبل أن يتحدى النبي البشر ويطالبهم بالإتيان بمثل القرآن. ولو وجد ذلك لنقل بالتواتر، لتكثر الدواعي إلى نقله. وإذ لم يوجد، ولم ينقل، كشف ذلك عن كون القرآن بنفسه إعجازاً إلهياً، خارجاً عن طاقة البشر...».

____________________

(١) راجع صفحة / ٥٢ - من هذا الكتاب.

(٢) راجع للإطلاع على هذا الموضوع وما يدور حوله وحول سائر الأوهام حول إعجاز القرآن كتاب البيان للسيد أبو القاسم الخوئي ص ٩٥ - ١١٤.

٦٠