الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان0%

الشيعة في الميزان مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 419

الشيعة في الميزان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 126965
تحميل: 6894

توضيحات:

الشيعة في الميزان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126965 / تحميل: 6894
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والينا رجل يتولاكم أهل البيت، وعليّ في ديوانه خراج، وأنا اعجز عن وفائه، فإن رأيت أن تكتب إليه بالإحسان اليّ.

قال الإمام: اني لا اعرفه.

فقال الرجل: انه كما قلت من محبيكم، وكتابك ينفعني عنده.

فكتب الإمام: بسم اللّه الرحمن الرحيم، ان موصل كتابي هذا اليك ذكر عنك مذهباً جميلاً، وانه ليس لك من عملك إلا ما احسنت، فاحسن إلى اخوانك، واعلم ان اللّه سائلك عن مثاقيل الذر والخردل.

قال الرجل: فاعطيت الكتاب للوالي، وهو الحسين بن عبد اللّه النيسابوري، فقبله ووضعه على عينيه، وقال لي: ما حاجتك ؟

فقلت: خراج عليّ في ديوانك.

فأمر بطرح الخراج عني، وقال: لا تؤد خراجاً بعد اليوم ما دام لي عمل، ثم أمر لي بصلة، وما زال يحسن إليّ، حتى مات.

ونقدم هذا الحديث إلى الذين يزعمون أنهم من شيعة العترة الطاهرة، حتى إذا تولوا منصباً من المناصب تنكروا لكل محب وموالٍ لآل الرسول جاهلين، أو متجاهلين أن مودة الآل تستدعي بطبعها الاخلاص للموالين والمحبين.

مع المعتصم:

مات المأمون، وبويع بالخلافة للمعتصم، فطلب الإمام الجواد، واحضره إلى بغداد، وقيل: أنه أخذ يعمل الحيلة في قتله، حتى دس إليه السم، فانتقل إلى جوار ربه، ودفن في الكاظمية مع جده موسى بن جعفر.

٢٢١

الإمَام عَلي الهَادِي

- هو الإمام العاشر، ولد بقرية في ضواحي المدينة سنة ٢١٤، وتوفي ودفن في سامراء سنة ٢٥٤، وأمه أم ولد، واسمها أم الفضل، فيكون عمره الشريف ٤٠ سنة، أقام منها مع أبيه ست سنين وأشهراً وبعده (٣٣) سنة وأشهراً.

- أولاده: كان له أربعة ذكور وبنت واحدة، وهم الإمام الحسن العسكري، والحسين، ومحمد، وجعفر(١) وعلية.

وكنيته أبو الحسن، واشهر ألقابه الهادي والنقي.

مع المتوكل:

كان المتوكل يبغض علياً وذريته، ولما بلغه مقام الإمام الهادي بالمدينة، وميل الناس إليه، خاف منه، ودعا يحيى بن هرثمة، وأمره بالذهاب إلى المدينة، واحضار الإمام.

قال يحيى: لما دخلت المدينة ضج أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على الإمام الهادي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت اسكنهم، واحلف اني ما أمرت به بسوء، وانه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا المصاحف والأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني، وتوليت خدمته بنفسي، واحسنت عشرته.

وما وصل الإمام إلى سامراء، واستقر به المقام، حتى بعث إليه المتوكل جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلاً، وحملوه إلى المتوكل على الحالة التي كان

_____________________

(١) ويلقب بجعفر الكذاب، لأنه ادعى الإمامة بعد أخيه الحسن العسكري.

٢٢٢

عليها، وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبلاً القبلة.

وكان المتوكل حين دخل عليه الإمام في مجلس الشرب حاملاً الكأس بيده، فلما رآه هابه وعظمه، وكان في المجلس علي بن الجهم، فسأله المتوكل: من اشعر الناس ؟. فذكر ابن الجهم الشعراء في الجاهلية والإسلام. فسأل الإمام عن ذلك ؟ فقال: اشعر الناس الحماني حيث يقول:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة

بمط خدود وامتداد اصابع

فلما تنازعنا المقال قضى لنا

عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتاً والشهيد بفضلنا

عليهم جهير الصوت في كل جامع

فان رسول اللّه احمد جدنا

ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

فقال له المتوكل: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟. قال: اشهد ان لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه.

رجل يتشيع:

كان بأصفهان رجل يدعى عبد الرحمن، وكان له لسان وجرأة، وكان شيعياً. فقيل له: ما سبب تشيعك وقولك بامامة الهادي ؟.

قال: اخرجني أهل أصفهان سنة من السنين، وذهبوا بي إلى باب المتوكل شاكين متظلمين، وفي ذات يوم، ونحن وقوف بباب المتوكل ننتظر الاذن بالدخول إذ خرج الأمر باحضار علي الهادي، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر الخليفة باحضاره ؟.

قال: رجل علوي، تقول الرافضة بامامته، ويريد المتوكل قتله.

فقلت في نفسي: لن أبرح، حتى انظر إليه، ولم يمض أمد من الوقت حتى أقبل راكباً على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق، ويسرتها صفين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، ودعوت له في نفسي أن يدفع اللّه شر المتوكل.

واقبل الإمام يسير بين الناس، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا أكرر في نفسي الدعاء، فلما صار بأزائي أقبل بوجهه عليّ، وقال لي: قد استجاب اللّه دعاءك، وطول عمرك، وكثر مالك وولدك.

قال عبد الرحمن: فارتعدت من هيبته، ووقعت بين أصحابي، فسألوني:

ما شأنك ؟. فقلت: خيراً، ولم اخبر بذلك مخلوقاً، فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح اللّه علي بدعائه، حتى أنا اليوم أغلق بابي على ألف ألف درهم سوى أموالي التي خارج الدار، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من العمر نيفاً وسبعين سنة.

٢٢٣

الإمَام حَسَن العَسكري

- الإمام الحادي عشر، ولد بالمدينة سنة ٢٣١ من الهجرة، وتوفي ودفن بسامراء مع أبيه سنة ٢٦٠، وأمه أم ولد، وتسمى سوسن، وأقام مع أبيه ٢٣ سنة وأشهراً، وبعد أبيه خمس سنين وأشهراً.

- كنيته أبو محمد، ولقبه العسكري، لأنه كان يسكن في سامراء بمحلة تعرف بالعسكر.

- أولاده: ليس له من الولد سوى محمد بن الحسن، وهو الحجة المنتظر.

من مناقبه:

قال الرواة: كانت أخلاقه كأخلاق جده رسول اللّه في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه، وكان على صغر سنه مقدماً على العلماء والرؤساء، معظماً عند سائر الناس. وقدمنا أن ما جرى لأول الأئمة في الفضائل وصفات الكمال يجري لآخرهم، وانهم في ذلك سواء.

وسجنه الخليفة العباسي عند رجل يدعى صالح بن وصيف، فوكل به رجلين من الأشرار بقصد ايذائه والتضييق عليه، فاصبحا بمعاشرة الامام من الصلحاء الابرار، فقال لهما صالح: ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل ؟. قالا: ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، وإذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا، ودخلنا ما لا نملكه من انفسنا.

اسير لا يملك حولاً ولا قوة، ينظر إلى آسره فيرتعد خوفاً وفزعاً. ولا تفسير لذلك إلا هيبة الإمامة، والا الرياسة الحقة التي تفرض نفسها على الناس اجمعين. وهكذا من ينقطع إلى اللّه سبحانه تهابه الملوك والجبابرة، وقد جاء في الحديث أن المؤمن يخشع له كل شيء، وان من يخاف اللّه يخاف منه كل شيء، حتى هوام الأرض وسباعها وطيور السماء.

من تفسيره:

قال الإمام العسكري في تفسير قوله تعالى: «الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا للّه انداداً وانتم تعلمون»:

ان معنى جعل الأرض فراشاً انها ملائمة لطباعكم، موافقة لاجسادكم، ولم يجعلها شديدة الحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا قوية الريح فتصدع هامكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في الحرث والبناء والحفر، ولكنه جعلها من المتانة ما تنتفعون به، وجعل فيها من اللين ما تنقاد لحرثكم وكثير من منافعكم.

أما معنى جعل السماء بناء فهو حفظها بالشمس والقمر والنجوم، وانتفاع الناس بها:

٢٢٤

ثم أنزل المطر من علو ليبلغ الجبال والتلال والهضاب والوهاد، وفرقة رذاذاً ووابلاً وطلاً، لتنتفع الاشجار والزرع والثمار، ثم رتب اللّه سبحانه على ذلك وحدانيته وقدرته، ونفي الانداد والامثال.

وقال في تفسير قوله سبحانه «ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أماني»: ان الامي هو المنسوب إلى أمه، أي هو لا يعرف شيئاً، تماماً كما خرج من بطن أمه.

جعفر الكذاب:

كان للإمام العسكري أخ يسمى جعفراً، وكان يكيد له ويدس عليه وعلى شيعته الدسائس عند الخلفاء، وقد لحق بالموالين الأذى والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته، وادعى الإمامة بعد أخيه. ولذلك قيل له الكذاب. وجاء جعفر هذا إلى الوزير ابن خاقان بعد أن قبض أخوه الإمام، وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي، وأعطيك في كل سنة عشرين ألف دينار. فنهره الوزير، وقال له: يا أحمق ان السلطان جرد سيفه وسوطه على الذين والوا أباك وأخاك، ليردهم عن ذلك، فلم يقدر، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى إمام يرتبك مراتبهم، وإن لم تكن عندهم بهذه المرتبة لم تنلها، وان ساندك السلطان وغيره. ثم أمر الوزير أن يحجب عنه جعفر، ولا يؤذن له عليه بالدخول. وصدق ابن خاقان، فإن منصب الإمامة والرياسة عند الشيعة لا يناط بارادة الحكام، ولا ينال بالشفاعات والوساطات، كما هو الشأن في تعيين المشيخات والقضاة والمفتين. إن الرياسة عند الإمامية تعود إلى إرادة اللّه سبحانه، وثقة المؤمنين ووجدانهم واطمئنانهم لما يظهر لهم من دلائل الصدق وشواهد العدل، وهذا ميزة اختص بها الشيعة الإمامية عن كثير من الطوائف وأصحاب المذاهب الذين يختار رؤساؤهم بمرسوم الدولة، أقول هذا، مع العلم بأني من هؤلاء القضاة الذين تعينوا بمرسوم. ولكني أحمد اللّه سبحانه على لطفه وعنايته، حيث أوجد لي الظروف - من حيث أريد أو لا أريد - التي سلختني كلية عن القضاء الرسمي، بحيث لم يكن لي من وظائفه وشؤونه سوى قبض الراتب كاملاً، وأنا جالس في بيتي منقطع إلى الكتاب والقلم(١) .

_____________________

(١) في سنة ١٩٤٨ عينت قاضياً، وفي سنة ٤٩ مستشاراً، وفي سنة ٥١ رئيساً للمحكمة العليا، وبقيت في هذا المنصب إلى سنة ٥٦، فصادف ان اقيمت عندي دعوى تخص كاظم الخليل، وكان يومئذ وزيراً، فصدر الحكم في غير صالحه، فطار صوابه وجن جنونه، كما ان عادل عسيران رغب في تعيين بعض الشيوخ قاضياً فرفضت، وكان يومها رئيساً لمجلس النواب، فتعاون رئيس النواب والوزير على الشيخ لابس العمة، وعملا على تنحيتي من الرياسة إلى المستشارية، وذكرت ذلك مفصلاً مع الشواهد في آخر كتاب «الإسلام مع الحياة» وكان في ذلك الخير كل الخير وللّهِ الحمد، حيث انصرفت إلى التأليف، حتى أخرجت لي المطابع، حتى أول سنة ٦٣ اثنين وعشرين كتاباً.

٢٢٥

الإمَام الحجَّة محمَّد بن الحَسَن

- هو الإمام الثاني عشر من أئمة آل الرسول، ولد للنصف من شعبان سنة ٢٥٥ من الهجرة في سامراء أيام الخليفة المعتمد، ولما ولد أمر أبوه أن يفرق عنه عشرة آلاف رطل من الخبز، ومثلها من اللحم، كما عق عنه ثلاثمائة رأس من الغنم.

- وامه أم ولد، واسمها نرجس، وكانت سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، وقد آتاه اللّه فيها الحكمة، وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين، كما جعل يحيى إماماً في حال طفولته، وعيسى نبياً، وهو في المهد.

وتكلمنا فيما تقدم بعنوان «المهدي المنتظر» ان السبب الأول لفكرة المهدي في الإسلام، وكل ما يتصل به هو الأحاديث النبوية المدونة في صحاح السنة والشيعة، وقد اتفق المسلمون على ممر العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يسمى المهدي، ويؤيد الدين، ويظهر العدل، ويستولي على البلاد، ويملأها عدلاً.

الغيبة:

وللإمام المهدي غيبتان: صغرى، وكبرى، ومعنى الصغرى أن الإمام كان يحتجب عن الناس إلا عن الخاصة، وان اتصاله بشيعته كان عن طريق السفراء، فكان الشيعة يعطون الاسئلة إلى السفير، وهو بدوره يوصلها إلى الإمام، وبعد الجواب عنها والتوقيع عليها يرجعها إلى السائلين على يد سفيره، ومن هنا سميت الغيبة الصغرى، أي أنها ليست بغيبة كاملة، بحيث انقطع فيها عن جميع الناس، وكانت مدتها ٧٤ سنة.

وكان السفير الأول بين الإمام الغائب وشيعته رجل، يدعى عثمان بن عمر والعمري الأسدي، وكان عثمان هذا وكيلاً للإمام علي الهادي جد الإمام الغائب، ثم وكيلاً لأبيه الإمام حسن العسكري، ثم صار سفيراً للمهدي. ولما توفي عثمان تولى السفارة بعده ولده محمد بأمر المهدي، ثم تولاها بعده الحسين بن روح النوبختي، ثم علي بن محمد السمري، وبعد هؤلاء السفراء الأربعة انتهت الغيبة الصغرى.

أما الغيبة الكبرى فتبتدئ بمنتصف شعبان ٣٢٨ هجري، وفيها انقطعت الاتصالات والسفارة بين الإمام وشيعته، واللّه سبحانه أعلم بحكمتها، فإنها سر من اسراره عز وجل، والشك في أسرار اللّه جحود، والجهل ليس عذراً يسوغ الانكار، إذ ليس كل ما هو كائن يجب أن نعلمه بالتفصيل،

٢٢٦

فنحن المسلمين جميعاً نؤمن بالقرآن الكريم كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، ومع ذلك نجهل بعض معاني ألفاظه، كفواتح السور التي قيل ان علمها عند اللّه وحده، وقال آخرون: ان علمها عند اللّه ونبيه لا غيرهما، وقلنا نحن عندهما وعند الأئمة الآل الأطهار فقط سلام اللّه وصلواته على جدهم وعليهم أجمعين.

الأئِمَة الإثنَا عَشَر

قد يتساءل: لماذا كان عدد الأئمة اثني عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون ؟

الجواب:

إن السبب الأول لهذا الحصر الأحاديث النبوية التي رواها أصحاب الصحاح في صحاحهم كالبخاري ومسلم وغيرهما. فكما دلت الأحاديث الصحيحة على ان صلاة الظهر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والصبح ركعتان كذلك دلت على أن الأئمة ١٢ دون زيادة أو نقصان، وقد نقلنا الأحاديث فيما تقدم من هذا الكتاب بعنوان «شروط الإمام» فقرة الإمام من أهل البيت، هذا إلى أن الإمامية استدلوا بأدلة أخرى تعزز السنة النبوية، نلخصها بما يلي:

١ - أنواع العلوم التي ظهرت من أئمة آل محمد، فقد روي عن علي أمير المؤمنين من أبواب التوحيد وعلوم الدين، وأحكام الشريعة وتفسير القرآن، وأصول اللغة وقواعدها وآدابها ومن الطب والحكمة والنجوم ما استفاد منه العلماء والفلاسفة والفقهاء وأهل اللغة والأدباء والأطباء وغيرهم.

وحين زال الخوف عن الإمامين الباقر والصادق روي عنهما من أنواع العلوم ما ملأ الأسفار، كذلك الإمام الكاظم فقد أظهر العلوم واشاعها إلى أن حبسه الرشيد، ومنعه من ذلك، وأيضاً انتشر عن الرضا وولده الجواد الشيء الكثير، وكذلك كان سبيل الهادي والعسكري، وانما قلت الرواية عنهما، لانهما كانا محبوسين ممنوعين عن الاتصال بالناس، واتصال الناس بهم.

وإذا عرفنا أنهم لم يأخذوا علومهم عن صحابي ولا تابعي ولا عالم أو فقيه، لانهم لم يرووا عن أحد قط، وإن أكثر ما أخذ عنهم من العلم لا يعرف إلا منهم، إذا عرفنا هذا تبين معنا أنهم أخذوا العلم عن جدهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره، وانه قد أفردهم بها ليدل على إمامتهم، وافتقار الناس إليهم، وغناهم عن الناس، ليكونوا مرجعاً لأمته في الدين، وملجأ في الأحكام.

٢ - إن حكام الجور قد تتبعوا الأئمة الأطهار واحداً فواحداً، واجتهدوا في النيل من كرامتهم، وتطلبوا لهم العثرات والزلات، ولما اعياهم الطلب نكلوا بهم وبشيعتهم، وما ذاك إلا لأنهم كانوا

٢٢٧

على أعلى الصفات، كما شاهدنا في هذا العصر، وفي كل عصر من عداوة أهل الرذيلة لأهل الفضيلة.

٣ - اعتقاد العلماء والرؤساء في الفقه والحديث والكلام بإمامة الأئمة وعصمتهم، كهشام بن الحكم، وأبي بصير، وزرارة، ومحمد بن النعمان، وإبان بن تغلب، ومحمد بن مسلم، ومعاوية بن عمار وغيرهم ممن بلغوا الجمع الكثير، والجم الغفير من أهل الحجاز والعراق وإيران، فإنهم قد جمعوا أقوال الأئمة من أهل البيت، ودونوها في كتبهم، واعتمدوها كأصل من أصول الدين والشرع، مع العلم بأن كل واحد من هؤلاء الاقطاب كان على جانب كبير من العلم والتقوى، وأن الأئمة الأطهار قد أقروهم على عقيدتهم، ولو كانوا مبطلين لنهوهم وتبرأوا منهم، تماماً كما تبرأوا ولعنوا الغلاة.

٤ - ان معاوية وطلحة والزبير وعائشة الذين كانوا أعدى اعداء الامام علي لم يجدوا شيئاً يتذرعون به حين قاوموه وحاربوه إلا الطلب كذباً وافتراءً بدم عثمان. وقد انبأنا التاريخ انه بعد ان خلا الجو لمعاوية كانت الوفود تأتيه، وتجرعه السم الزعاف بذمه، ومدح أمير المؤمنين، وهو يسلم، ولا يجد مجالاً للتكذيب.

ثم كان من أمر ولده يزيد مع الحسين ما كان، ومع ذلك لم يستطع أن يتفوه بكلمة تدين الإمام الشهيد، وكذلك بقية الأئمة من الإمام زين العابدين إلى الإمام العسكري قد فرضوا تعظيمهم على الملوك الذين اجتهدوا كل الاجتهاد في البحث والطلب عن عثرة واحدة لأحد الأئمة، فاعياهم الطلب.

٥ - تعظيم قبورهم، وفضل مشاهدهم، حتى ان الألوف تقصدها في كل آن للتبرك والاجر والثواب، وإعلان الخطباء مناقبهم وفضائلهم من على المنابر طوال أيام السنة ومدى الدهر، ووضع العلماء مئات الكتب في شرف منزلتهم وأنواع علومهم، والأدلة العقلية والنقلية على امامتهم.

وبالتالي، فليس لأحد من البشر بعد نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ما للأئمة من ذريته من الفضل والعظمة، ورحم اللّه السيد المرتضى حيث قال: ان الشيعة والشافعية قالوا: ان الصلاة على النبي وآله فرض واجب، وقالت بقية المذاهب: هي مستحبة، وليست بواجبة، ومهما يكن، فان الصلاة عليهم عبادة، والتعبد بالشيء لا يتم إلا بمعرفته. فمعرفتهم - اذن - اما واجبة، واما مستحبة. وفي هذا الدليل القاطع على انهم أفضل الناس بعد جدهم، اذ لا تجب ولا تستحب معرفة أحد من أجل الصلاة إلا معرفتهم.

٢٢٨

لا سُنّة وَلا شِيعَة

ما زلنا نسمع الحين بعد الحين كلمة تدور على لسان أكثر من واحد، وهي «لا سنة ولا شيعة» بل مسلمون، وكفى. حتى أن أحد الشيوخ ألف كتاباً، اسماه بذلك. وليس من شك أن بعض من ردد هذه الكلمة طيب القلب، خالص النية، وانه عبر بها عن امنيته وهي ان يسود الوئام، وتزول الحواجز بين المسلمين. ولكن البعض الآخر أراد بها أن يسكت الشيعة على ما يوجه إلى عقيدتهم من التزييف والطعون، وان يتقبلوا ما يتقوله عليهم الحفناوي والجبهان ومحب الدين الخطيب واخوان السنة في القاهرة، ومجلة التمدن الإسلامي في دمشق، وغيرها. وبكلمة يريد بها أن المسلمين هم السنة دون الشيعة، وان عقيدة التشيع يجب القاؤها في سلة المهملات، لانها بزعمه لا تمت إلى الاسلام بسبب. وقد جهل أو تجاهل ان نفي التشيع هو نفي للقرآن والحديث، وبالتالي، نفي للإسلام من الأساس.

في سنة ١٣٨٠ هجري احتفلت جمعية البر والإحسان في صور بعيد الغدير، وكان بين المتكلمين شيخ أزهري وأنا، وبعد أن ألقيت كلمتي تكلم هذا الشيخ، وقال فيما قال: ما لنا وليوم الغدير ؟ لقد ذهب بما فيه. والاحتفال به تباعد بين المسلمين، وهم احوج إلى التقريب والوئام.

وبعد ان انتهى من كلامه عدت إلى منصة الخطابة، وعقبت على خطابه بقولي:

مهما نهى الشيخ عن شيء فإنه لن يستطيع هو ولا غيره أن ينهى عن كتاب اللّه وسنة نبيه، ونحن لسنا مع عيد الغدير، ولا مع علي بن أبي طالب لو لم يكن اللّه ورسوله معه، وإذا لم يترك اللّه والرسول علياً فماذا نصنع ؟. هل نتركه نحن ؟.

ثم إذا تركنا علياً - والحال هذه - هل نكون مسلمين حقاً ؟. ان احتفالنا بهذا اليوم هو احتفال بالقرآن الكريم وسنة النبي العظيم بالذات، احتفال بالاسلام ويوم الإسلام. ان النهي عن يوم الغدير تعبير ثانٍ عن النهي بالاخذ بالكتاب والسنة، وتعاليم الاسلام ومبادئه(١) .

وتلك كتب الأحاديث والسِّيَر متخمة بالادلة والبراهين القاطعة على أن تعظيم العترة الطاهرة تعظيم للّه وكتابه، وللرسول وسنته.

٢٢٩

والآن وفي كتابي هذا أذكر رواية تغني عن ألف دليل ودليل، لأن الذين أوردوها هم الآل والعترة بالذات:

كان من عادة المأمون العباسي أن يعقد المجالس للعلماء على اختلاف مذاهبهم وفرقهم، ويرغب إليهم ان يتدارسوا ويتناقشوا في الفقه والحديث والفلسفة وغيرها، وفي ذات يوم جمعهم في حضور الامام الرضا (ع) والقى عليهم هذا السؤال:

من هم المصطفون المعنيون بقوله تعالى: «ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا - ٣٢ الفرقان» ؟

قال العلماء - غير الإمام -: انهم أمة محمد بكاملها.

قال المأمون للإمام الرضا: ما تقول أنت يا أبا الحسن ؟

قال الإمام: انه أراد العترة الطاهرة دون غيرهم.

قال المأمون: وما الدليل على ذلك ؟

قال الإمام: لو أراد اللّه عز وجل بهذه الآية الكريمة جميع المسلمين كما قال العلماء لحرمت النار على كل مسلم، وان فعل ما فعل، لأنه سبحانه لا يعذب احداً ممن اصطفاه، والثابت بضرورة الدين خلاف ذلك، وان من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، وان من يعمل مثقال ذرة شراً يره، هذا، إلى أن آيات القرآن الكريم يفسر بعضها بعضاً، كما أن الأحاديث النبوية هي تفسير وبيان لكتاب اللّه، وفي الكتاب والحديث دلائل وشواهد على أن المراد بقوله تعالى «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» هم العترة الطاهرة، منها:

_____________________

(١) قال الشيخ عبد اللّه العلايلي في خطبة أذاعتها محطة الاذاعة اللبنانية: ان عيد الغدير جزء من الإسلام، فمن أنكره فقد أنكر الإسلام بالذات. وذلك في ١٨ ذي الحجة سنة ١٣٨٠ هجري.

٢٣٠

١ - قوله تعالى: «انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً - ٣٣ الاحزاب» فقد دلت الآية على أن أهل البيت هم المطهرون من الرجس، وبديهة ان المصطفين مطهرون. فأهل البيت - اذن - هم المصطفون دون غيرهم.

٢ - قول الرسول الأعظم: «اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي ألا وانهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض» وما دام الكتاب ملازماً للعترة، ولم يفترق عنها بحال، اذن، هي التي ترثه، وهي التي خصها اللّه بالقرب والاصطفاء.

٣ - قوله تعالى: «فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين - ٦١ آل عمران». فالذين اختارهم اللّه هنا في هذه الآية واصطفاهم للمباهلة هم بالذات الذين اصطفاهم وعناهم في آية «ثم أورثنا الكتاب» ولا يختلف اثنان ان المراد بانفسنا علي، وابناؤنا الحسن والحسين، ونساؤنا فاطمة، وهذه خاصة لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم به بشر، وشرف لا يسبقهم إليه مخلوق.

٤ - ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سد ابواب الصحابة جميعاً التي كانت على مسجده الا باب علي، حتى تكلموا، واحتجوا، وقالوا فيما قالوا: يا رسول اللّه ابقيت علياً، واخرجتنا. فقال: ما انا ابقيته، واخرجتكم، ولكن اللّه سبحانه هو الذي ابقاه وأخرجكم. فكما اخرج اللّه الناس هناك، وأبقى علياً، كذلك اخرجهم من آية «ثم أورثنا الكتاب» وابقى العترة الطاهرة.

٥ - قوله تعالى: «وآت ذا القربى حقه - ٢٦ الاسراء». فقد نص صراحة على أن لأهل البيت حقاً خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أحد، وما ذاك إلا لأن اللّه سبحانه قد اصطفاهم على الأمة جمعاء.

٦ - ان اللّه عز وجل لم يبعث نبياً الا أوحى إليه أن لا يسأل قومه اجراً على تبليغ رسالته، لأن اللّه سبحانه هو الذي يوفيه اجر الانبياء الا محمداً، فإن اللّه أمره أن يجعل أجره مودة قرابته، بطاعتهم ومعرفة فضلهم. فقد حكى عن نوح أن قال: «يا قوم لا أسألكم عليه مالاً ان أجري إلا على اللّه - ٢٩ هود»

وحكى عن هود أنه قال لقومه: «قل لا أسألكم عليه أجراً ان اجري إلا على الذي فطرني - ٥١ هود». أما محمد فقد قال بأمر ربه: «قل لا أسألكم عليه اجراً إلا المودة في القربى - ٢٠ الشورى» وإذا كان وجوب المودة ميزة خاصة بآل الرسول دون غيرهم من آل الانبياء فكذلك

٢٣١

ارث الكتاب والاصطفاء ميزة خاصة بهم دون غيرهم.

٧ - ان اللّه سبحانه قال: «سلام على نوح في العالمين - ٧٩ الصافات» وقال: «سلام على إبراهيم - ١٠٩ الصافات». وقال: «سلام على موسى وهارون - ١٢٠ الصافات». ولم يقل سلام على آل نوح، ولا سلام على آل إبراهيم، ولا سلام على آل موسى. ولكنه قال عز من قال: «سلام على آل يس - ١٣٠ الصافات». ويس هو محمد بالاتفاق، وإذا خصهم اللّه بالسلام فقد خصهم أيضاً بارث الكتاب والاصطفاء. وجاء في الحديث ان المسلمين سألوا محمداً: كيف نصلي عليك يا رسول اللّه ؟ قال: تقولون اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

٨ - قوله تعالى: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن للّه خمسه وللرسول ولذي القربى - ٤١ الانفال» فقد جعل اللّه سبحانه الآل في حيز، والناس في حيز دونهم، ورضي لهم ما رضي لنفسه، واصطفاهم على الخلق، فبدأ بنفسه، ثم ثنى برسوله، ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة، وغير ذلك، وهذا فضل للآل دون الأمة.

٩ - قوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون - ٤٣ النحل» وأهل البيت هم أهل الذكر، لأنهم عدل القرآن الكريم بنص حديث الثقلين.

١٠ - قوله تعالى: «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها - ١٣٢ طه». قال الإمام الرضا (ع): ان اللّه تبارك وتعالى قد أمرنا مع الناس بإقامة الصلاة في قوله «اقيموا الصلاة»، ثم خصنا من دونهم بهذه الآية الكريمة، فكان رسول اللّه بعد نزولها يأتي إلى باب علي وفاطمة عند حضور كل صلاة خمس مرات، ويقول: الصلاة يرحمكم اللّه. ولم يكرم أحداً من ذراري الانبياء بمثل هذه الكرامة التي اكرمنا بها.

وبعد ان انتهى الإمام من حديثه الطويل(١) قال العلماء والمأمون للإمام: جزاكم اللّه خيراً أهل البيت عند أمة جدكم، فإنا لا نجد بيان ما اشتبه علينا من الحق إلا عندكم. وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين.

_____________________

(١) ذكر الشيخ الصدوق في كتاب «عيون الأخبار» هذه الأدلة القاطعة مع غيرها لاثبات ان المراد من آية «واورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» هم العترة الطاهرة، ورواها عن الإمام الرضا، وقد لخصتها بشيء من التصرف في التعبير، لأجل التوضيح والاختصار، مع المحافظة التامة على المعنى.

٢٣٢

معَ الشِّيعَة الإمَاميَّة.

رَاي صَريح في حَقِيقَةِ التَّشيعِ وَأصُولهِ التي تَرتَكِزُ عَليهَا المذاهِبُ الإسلامِيَّة

مقَدّمَة

بسم اللّه، وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه

«الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به،

فإذا تكلمت به صرت في وثاقه»

الإمام علي بن أبي طالب ع.

* * *

٢٣٣

جمعت في هذه الأوراق بعض ما كنت أرسله في الصحف الحين بعد الحين من سنة ١٩٣٧ إلى هذا التاريخ(١) .

ومنه ما كان رداً على من نسب إلى الإمامية ما ليس لهم به علم، ومنه ما أردت به بيان عقيدتهم، وما عندهم من كنوز، والتقريب بين مذهبهم ومذاهب السنة، ومنه تلوته يوم العاشر من المحرم في ذكرى سيد الشهداء الحسين بن علي ع، ومنه اذعته من الراديو في شهر رمضان المبارك ويوم العيد إلى غير ذلك من المناسبات.

وأسميت الكتاب «مع الشيعة الإمامية» لأني رأيت هذا الاسم أجمع لشتات تلك الخطب والمقالات، وأقرب إليها من سائر الأسماء التي لاحت لي، وأنا أفكر في اختيار التسمية.

ومعنى التشيع في اللغة، المتابعة على وجه التدين والولاء، ومنه قوله تعالى «وان من شيعته لإبراهيم. فاستغاثه الذي من شيعته» ولكن لفظ الشيعة صار بسبب كثرة الاستعمال علماً مختصاً بشيعة علي بن أبي طالب الذين يعتقدون بإمامته بعد الرسول، وهم فرق منهم الإمامية والزيدية والجارودية.

وقال الشيخ المفيد في أول كتاب - أوائل المقالات -: ان لفظ الإمامية علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل

_____________________

(١) أهملت ما نشرته قبل هذا التاريخ لأنه الباكورة الاُولى.

٢٣٤

إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين، وساقها إلى علي بن موسى الرضا.

والشيعة الإمامية هم أكثر فرق الشيعة عدداً وانتشاراً، ومنهم الاثنا عشرية الذين قالوا بإمامة اثني عشر معصوماً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر، ويبلغ عدد الإمامية ما يقرب من سبعين مليوناً منتشرين في العراق، والأكثرية فيها إمامية، وإيران وليس فيها من غيرهم إلا القليل، ومنهم نحو اثنين وثلاثين مليوناً في الهند بما فيها باكستان، ونحو عشرة ملايين في روسيا وتركستان، وبخارى والافغان ولبنان، وقليل منهم في سوريا والحجاز واليمن، ومنهم في الصين والتيبت والصومال وجاوا والالبان وتركيا والبحرين والكويت والاحساء والقطيف * ولو كنت أعلم بظهر الغيب ان هذه المقالات والخطب ستستوي في يوم من الأيام بكتاب مجموع لحاولت عند انشائها أن تكون خيراً مما هي، على أني لم أعدل فيها إلا قليلاً، لا حفظاً لحق التاريخ عليّ، ولا لأن وقتي لا يتسع للصقل والتسوية، بل، لأني لم أشعر من نفسي الرغبة في التحريف والتعديل، ولا شيء أصعب علي من الكتابة في هذه الحال.

وأبادر إلى الاعتراف بأني لم آت بتمام الغرض، واستوعب كل القصد، وأن أقوالي كأقوال أي إنسان غير معصوم تخضع للنقد والحساب، ويخضع صاحبها للمؤاخذة والعتاب، وعذري أنها عقلي وإيماني أضعهما بين يدي القارئ. ومن اللّه سبحانه استمد العون والهداية.

محمد جواد مغنية

_____________________

* راجع كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين الجزء الأول ص ٤٦ الطبعة الاُولى.

٢٣٥

ضرورَات الدين وَالمذهَب *

المسلم من صدّق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع، والأصول ثلاثة: التوحيد، والنبوة، والمعاد، فمن شك في أصل منها، أو ذهل عنه قاصراً أو مقصراً فليس بمسلم، ومن آمن بها جميعاً جازماً فهو مسلم، سواء أكان إيمانه عن نظر واجتهاد، أم عن التقليد والعدوى، على شريطة ان يكون وفق الحق والواقع.

أما ما ذكره العلامة الحلي، والشهيد الثاني، وغيرهما، من وجوب الاستدلال والنظر في العقائد، وعدم كفاية التقليد فيها، فإِن المقصود منه التقليد الذي لا يوصل إلى الواقع، أما إذا كان سبيلاً للتصديق بالحق، فلا ريب في إجزائه وكفايته، وإلا لم يبق من المسلمين سوى واحد من كل مائة، ولذا قال العلامة الأنصاري في كتاب الفرائد: (والأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد).

ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدة اللّه تعالى، وقدرته وعلمه وحكمته، ولا تجب معرفة صفاته الثبوتية والسلبية بالتفصيل، ولا انها عين ذاته أو غيرها، ويكفي من النبوة الإيمان بأن محمداً،صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم، رسول من اللّه صادق فيما أخبر به، معصوم في تبليغ الأحكام، فإن الرسول قد يخبر عن الشيء بصفته الدينية المحضة أي كونه رسولاً مبلغاً عن اللّه تعالى، وقد يخبر عنه بصفته الشخصية، أي كونه إنساناً من البشر، فما كان من النوع الأول يجب

_____________________

* نشر في رسالة الإسلام المصرية العدد الرابع المجلد الثاني سنة ١٩٥٠

٢٣٦

التعبد به، وما كان من النوع الثاني فلا يجب.

أما التصديق والإيمان بأن النبي كان يسمع ويرى وهو نائم، كما يسمع ويرى وهو مستيقظ، وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وانه عالم بجميع اللغات، وأنه أول من تنشق عنه الأرض، فليس من ضرورات الدين ولا المذهب.

ويكفي من المعاد الاعتقاد بأن كل مكلف يحاسب بعد الموت على ما اكتسبه في حياته، وأنه ملاق جزاء عمله، ان خيراً فخير، وان شراً فشر، أما انه كيف يحاسب العبد ؟ وعلى أية صورة بالتحديد يكون ثواب المحسن، وبأي لون يعاقب المسيء ؟ فلا يجب التدين بشيء من ذلك، فالتوحيد، والنبوة، والمعاد، دعائم ضرورية لدين الإسلام، فمن أنكر واحداً منها، أو جهله فلا يعد مسلماً شيعياً، ولا سنياً.

أما الفروع التي هي من ضرورات الدين، فهي كل حكم اتفقت عليه المذاهب الإسلامية كافة من غير فرق بين مذهب ومذهب، كوجوب الصلاة والصوم، والحج، والزكاة، وحرمة زواج الأم والأخت، وما إلى ذلك مما لا يختلف فيه رجلان من المسلمين، فضلاً عن طائفتين منهم، فإنكار حكم من هذه الأحكام إنكار للنبوة، وتكذيب لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة.

والفرق بين الأصول والفروع الضرورية، أن الذي لا يدين بأحد الأصول يكون خارجاً عن الإسلام، جاهلاً كان أم غير جاهل، أما الذي لا يدين بفرع ضروري، كالصلاة والزكاة فإن كان ذلك مع العلم بصدوره عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم، فهو غير مسلم، لأنه إنكار للنبوة نفسها، وإن كان جاهلاً بصدوره عن الرسالة، كما لو نشأ في بيئة بعيدة عن الإسلام والمسلمين، فلا يضر ذلك بإسلامه إذا كان ملتزماً بكل ما جاء به الرسول، ولو على سبيل الإجمال، فالتدين بالأصول أمر لا بد منه للمسلم، ولا يعذر فيها الجاهل، أما إنكار الاحكام الفرعية الضرورية فضلاً عن الجهل بها، فلا يضر بإسلام المسلم إلا مع العلم بانها من الدين، فالإمامة ليست أصلاً من أصول دين الإسلام، وإنما هي أصل لمذهب التشيع، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة، والمعاد، ولكنه ليس شيعياً.

٢٣٧

ضرورات المذهب:

ضرورات المذهب عند الشيعة على نوعين: النوع الأول يعود إلى الأصول، وهي الإمامة، فيجب على كل شيعي امامي اثني عشري، أن يعتقد بإمامة الاثني عشر إماماً، ومن ترك التدين بإمامتهم عالماً كان أم جاهلاً، واعتقد بالأصول الثلاثة، فهو عند الشيعة مسلم غير شيعي، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، فالإمامة أصل لمذهب التشيع الذي يرجع معناه ودليله إلى حديث الثقلين (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق).

النوع الثاني من ضرورات مذهب الشيعة يرجع إلى الفروع، كنفي العول، والتعصيب، ووجوب الاشهاد على الطلاق، وفتح باب الاجتهاد، وما إلى ذلك مما اختصوا به دون سائر المذاهب الإسلامية، فمن أنكر فرعاً منها مع علمه بثبوته في مذهب التشيع لم يكن شيعياً.

وأغتنم هذه المناسبة لألفت نظر من يحتج على الشيعة ببعض الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم، ألفت نظره إلى أن الشيعة تعتقد ان كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم فيها الصحيح والضعيف، وان كتب الفقه التي ألفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأن كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى آخره غير القرآن الكريم، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجة على مذهبهم، ولا على أي شيعي بصفته المذهبية الشيعية، وإنما يكون الحديث حجة على الشيعي الذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصية.

وهذه نتيجة طبيعية لفتح باب الاجتهاد لكل من له الاهلية، فإن الاجتهاد يكون في صحة السند وضعفه، كما يكون في استخراج الحكم من أية رواية.

ولا أغالي إذا قلت: أن الاعتقاد بوجود الكذب والدس بين الأحاديث ضرورة من ضرورات دين الإسلام من غير فرق بين مذهب ومذهب، حيث اتفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب الإسلامية.

٢٣٨

مِن أصُول الإماميَّة *

يتساءل البعض: لقد انقطع دابر الساسة الذين فرقوا المسلمين إلى مذاهب، فكيف بقي هذا الانقسام، وقد زالت أسبابه ؟

أجل، إن الانقسام كان في بدئه عرضياً - وما زال - ولكن سرعان ما تحول إلى انقسام جوهري عند الكثير من رجال المذاهب، فظنوا ان الاختلاف في الفروع والاعتبارات اختلاف في الأصل والجوهر، وما زال اثر هذا الظن الخاطئ حتى اليوم، على أن عمل الساسة في كل عصر يرتكز على بث روح العداء والتعصب عن طريق الأديان، وهذا هو السبب لاستمرار الانقسام والشقاق.

والغريب أن هذه الحقيقة يقررها الكثير من حملة الأقلام، ولكنهم يذهلون عنها وعن أنفسهم إذا وقع نظرهم على اختلاف يسير بين فقيهين من مذهبين، فيجعلونه اختلافاً دينياً، لا نظرياً.

وأغرب من ذلك أن ينسبوا لأحد المذاهب قولاً لم يقل به أحد من اتباع ذلك المذهب، أو قال به فرد أو أفراد خالفهم فيه أكثر فقهاء المذهب نفسه، فينسبون إلى أهل السنة أجمعين قولاً للأحناف، أو لفقيه منهم، وينسبون إلى الشيعة كافة، بما فيهم الإمامية، قولاً لغلاة الشيعة، أو لفقيه من الإمامية خالف علماءهم جميعاً، بل قد ينسبون إلى الشيعة قولاً لجاهل لا يفهم عن التشيع شيئاً.

هذا، والمعروف من مذهب الإمامية القول بفتح باب الاجتهاد، ولازم ذلك أن قول مجتهد أو جماعة من المجتهدين، لا يكون حجة على الآخرين،

_____________________

* - نشر في رسالة الإسلام العدد الثاني المجلد الخامس ١٩٥٣

٢٣٩

فمن الخطأ أن ينسب إلى مذهب الإمامية قول وجد في كتاب عالم منهم، ومن عرف طريقتهم، وتتبع كلمات علمائهم، تجلت له هذه الحقيقة بأوضح معانيها.

وعند الشيعة الإمامية كتب أربعة للمحمدين الثلاثة: محمد الكليني، ومحمد الصدوق، ومحمد الطوسي، وهي: الاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، والكافي، والتهذيب، وهذه الكتب عند الشيعة تشبه الصحاح عند السنة، ومع ذلك يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه «كشف الغطاء» صفحة ٤٠ «المحمدون الثلاثة رضوان اللّه عليهم كيف يعول في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذب رواية بعض بتكذيب بعض الرواة. وما استندوا إليه مما ذكروا في أوائل الكتب الأربعة من أنهم لا يروون إلا ما هو حجة بينهم وبين اللّه، أو ما يكون من القسم المعلوم دون المظنون، فبناء على ظاهره لا يقتضي حصول العلم بالنسبة إلينا، لأن علمهم لا يؤثر في علمنا..»، وإذا كانت هذه الكتب الأربعة لا يعول عليها إلا بعد نقدها حديثاً حديثاً وفحصها دلالة وسنداً، فكيف ينسب إلى الشيعة ما لم يؤمن به الكل أو الجل ؟!

فإذا أراد الكاتب أن ينسب لأحد المذاهب أصلاً أو فرعاً يجب عليه قبل كل شيء أن يكون على معرفة بأقوال علماء المذهب واصطلاحهم وطريقتهم في تقرير الأصول، واستنباط الفروع، وأن ينقل عمن يعبر عن عقيدة الطائفة دون تعصب لها أو على غيرها من الطوائف.

على هذا الأساس، أساس النقل عن المرجع الذي اتفقت كلمة علماء المذهب على فضله واخلاصه للدين، والتجرد للحق، ننقل جملة من أصول مذهب الإمامية التي كثر حولها القيل والقال، ونسبت إليهم على غير وجهها جهلاً من الناقل أو نقلاً عن جاهل، أو عالم متعصب.

معنى الإسلام:

قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره في كتابه: «كشف الغطاء» باب الاجتهاد صفحة ٣٩٨: «يتحقق الإسلام بقول أشهد أن لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه» أو بما يرادفه من أي لغة كانت، وبأي لفظ كان، فمن قاله حكم باسلامه، ولا يسأل عن صفات ثبوتية ولا

٢٤٠