الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان0%

الشيعة في الميزان مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 419

الشيعة في الميزان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 128705
تحميل: 7063

توضيحات:

الشيعة في الميزان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128705 / تحميل: 7063
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وسنة نبيه، وهما أشد وسائل الدعاية تأثيراً في نفوس المسلمين، بل ان الدعاية مهما يكن نوعها لا تبلغ إلا عن طريق الدين، لأنها كانت يومذاك أساس الحياة، بخاصة الحكم والسلطان.

وقد انتشر الشيعة من الأصحاب في الأمصار على عهد الخلفاء الثلاثة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأكثرهم أو الكثير منهم تولى الإمارة والمناصب الحكومية في البلاد الإسلامية، ونذكر طرفاً من أقوالهم في هذا الباب.

كان سلمان الفارسي يحدث الناس، ويقول: بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب، والموالاة له. وقال: إن عند علي علم المنايا والوصايا، وفصل الخطاب، وقد قال له رسول اللّه. أنت وصييّ وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى. أما واللّه لو وليتموها علياً لاكلتم من فوقكم، ومن تحت أرجلكم.

وفي الجزء السادس من البحار أن سلمان خطب إلى ابنته، فرده عمر، فقال له سلمان: أردت أن أعلم هل ذهبت الحمية الجاهلية من قلبك، أم هي كما هي؟

وكان أبو ذر ينادي في الناس، ويقول: عليكم بكتاب اللّه، والشيخ علي ابن أبي طالب. وكان يدخل الكعبة، ويتعلق بحلقة بابها، ويقول: أنا جندب بن جنادة لمن عرفني، وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني، إني سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لجة البحر، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. ألا هل بلغت؟

وكان أبو ذر يسمي علياً بأمير المؤمنين في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، وكان يقف في موسم الحج، ويقول: يا معشر الناس أنا صاحب رسول اللّه، وسمعته يقول في هذا المكان، وإلا صمت أذناي: علي بن أبي طالب الصديق الأكبر. فيا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو قدمتم من قدمه اللّه ورسوله، وأخرتم من أخره اللّه ورسوله لما عال ولي اللّه، ولا طاش سهم في سبيل اللّه، ولا اختلفت الأمة بعد نبيها.

وقال: قال رسول اللّه لعلي: أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق

والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، وأنت أخي ووزيري، وخير من أترك بعدي.

وقال عمار بن ياسر: يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا عن أهل بيت نبيكم؟. تحولونه ههنا مرة، وههنا مرة، ما أنا آمن أن ينزعه اللّه منكم، ويضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.

٢١

وحين بويع عثمان بن عفان دار نقاش بين المقداد بن الأسود، وبين عبد الرحمن بن عوف.

قال المقداد: ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت.

قال عبد الرحمن: ما أنت وذاك؟

قال المقداد: إني واللّه أحب هذا البيت لحب رسول اللّه، وإني لأعجب لقريش، وتطاولهم على الناس بفضل رسول اللّه، ثم انتزاعهم سلطانه من أهله.

قال عبد الرحمن: أما واللّه لقد أجهدت نفسي لكم.

قال المقداد: اما واللّه لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحق، وبه يعدلون، اما واللّه لو كان لي على قريش أعوان لقاتلتهم قتالي إياهم يوم بدر وأحد.

قال عبد الرحمن: اني اخاف ان تكون صاحب فتنة وفرقة.

قال المقداد: ان من دعا الى الحق واهله وولاة الامر لا يكون صاحب فتنة. ولكن مَن اقحم الناس في الباطل، وآثر الهوى على الحق فذاك صاحب الفتنة والفرقة.

فتربد وجه عبد الرحمن، وانصرف.

وقال أبو هارون العبدي: كنت أرى رأي الخوارج، حتى جلست إلى الصحابي أبي سعيد الخدري، فسمعته يقول: اُمر الناس بخمس، فعملوا بأربع، وتركوا واحدة، فقال رجل: ما هذه الأربع التي عملوا بها؟ قال: الصلاة والزكاة والصوم والحج. فقلت: وما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب(١) .

_______________________

(١) وبهذا اللفظ رويت اخبار كثيرة عن الامامين الباقر والصادق، ذكرها الكليني في كتاب «أصول الكافي».

٢٢

وذكرنا في كتاب «مع بطلة كربلاء» أن الزهراء (ع) هي أول من أعلن حق علي في الخلافة بعد أبيها، أعلنت هذا الحق في خطبتها الشهيرة بالمسجد الجامع، وقالت تخاطب أباها في قبره، وتشكو إليه أمته:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(١)

قام هؤلاء الأصحاب وغيرهم ممن تشيع لعلي في عهد الخلفاء الثلاثة بدور رئيسي في بث التشيع، وغرس جذوره وبذوره في كل أرض وطأتها أقدامهم، دعوا إلى التشيع على صعيد القرآن والحديث، وبذكاء ومرونة وطول أناة، وكانوا محل التعظيم والثقة عند الناس لمكانتهم من رسول اللّه، ومن هنا تجاوبت معهم القلوب والعقول، وكان لأقوالهم أثرها البالغ، ونتائجها البعيدة.

وقد تعرض بعضهم للاهانة والشتم والتشريد والضرب، كأبي ذر وعمار بن ياسر، ومع ذلك استمروا في بث الدعوة بصبر وشجاعة.. ورحم اللّه عماراً، حيث يقول: واللّه لو ضربونا، حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق، وأنهم على باطل.

قرأت في كتاب «الإمام زيد» للشيخ أبي زهرة ص ١٠٧ طبعة أولى، قوله «نشأ الشيعة ابتداء في مصر، وكان ذلك في عهد عثمان، إذ وجد الدعاة فيها أرضاً خصبة، ثم عمت بعد ذلك أرض العراق».

أرسل المؤلف هذا القول، ولم يسنده إلى دليل، على أهميته من الوجهة التاريخية، فأخذت أبحث وافتش، فرأيت في «أعيان الشيعة» ج ٤٢ ص ٢١٣ طبعة سنة ١٩٥٨ «أن عثمان بن عفان أرسل رجالاً يتحرون العمال، ومنهم عمار، أرسله إلى مصر، فعادوا يمتدحون الولاة إلا عماراً استبطأه الناس، حتى ظنوا أنه اغتيل، فلم يفاجئهم إلا كتاب من عبد اللّه بن أبي السرح والي مصر يخبرهم أن عماراً قد استمال القوم بمصر، وقد انقطعوا إليه، فكان تصريح عمار بالحق سبب اعتداء غلمان عثمان عليه، فضربوه، حتى انفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعاً من أضلاعه».

_______________________

(١) في البيت الأخير اقواء، وهو كثير في كلام العرب.

٢٣

هكذا كان الصفوة الخلص من أصحاب الرسول أجهزة الدعاية للتشيع يوجد حيثما يوجدون، وينبث حيثما يحلون، وسلاحهم الوحيد كتاب اللّه وسنّة نبيه.. ابتدأ التشيع في مصر بسبب عمار، وفي الشام وتوابعها، كجبل عامل بسبب أبي ذر، حيث نفاه عثمان إلى هناك، وفي المدائن بسبب سلمان الفارسي، وفي الحجاز بسبب هؤلاء وغيرهم كحذيفة اليمان، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري، وأبي بن كعب ومن إليهم، وقد ذكر السيد حيدر الآملي في كتاب «الكشكول فيما جرى على آل الرسول» أكثر من مائة صحابي كانوا يتشيعون لعلي بن أبي طالب، ويحفظون الأحاديث التي سمعوها من النبي في الولاية، وينشرونها في الأمصار الإسلامية.

وبهذا يتبين التحامل في قول من قال: إن سبب التشيع هو ابن سبا والفرس، وما إلى ذاك من الهراء والافتراء.

مصادر هذا الفصل

المجلد السادس من البحار للمجلسي، والاحتجاج للطبرسي، وأعيان الشيعة للامين ج ٢و ١٦و ٣٤و ٤٢و ٤٨ والكشكول لحيدر الآملي.

شُرُوطُ الإمَام

أثبتنا فيما تقدم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المصدر الأول للتشيع، ونتكلم في هذا الفصل عن شروط الإمام عند الشيعة، ومصدر هذه الشروط في الكتاب والسنّة، ونمهد لذلك بما يلي:

سبب تعدد الفرق:

في الغالب أن العقيدة أول ما تبدأ تكون في منتهى البساطة والسذاجة، بحيث لا يحتاج فهمها إلى تعمق ومقدمات نظرية، وبمرور الزمن تتصدى فئة من الأتباع لتفسيرها وشرحها بأقوال يضفون عليها ما للعقيدة من قداسة وحصانة، وينعتون من يخالفها بالكفر والجحود، تماماً كمن يخالف كتاب اللّه وسنة نبيه. وإليك المثال:

جاء الإسلام بشهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، وخاطب بها البدوي في الصحراء كما خاطب بها أكبر العلماء، وأعمق المفكرين على السواء، ثم جاء الفلاسفة وعلماء الكلام يتناقشون فيما بينهم: هل اللّه جسم أو منزه عن الجسمية؟ وهل صفاته عين ذاته أو غيرها؟ وهل يفعل لغاية أو هو منزه عن الغايات؟ وهل يعلم الكليات والجزئيات أو الجزئيات فقط؟ وهل كلامه قديم أو حادث؟ وهل يُرى يوم القيامة؟ وهل الأنبياء معصومون؟ وإذا كانوا معصومين فهل هم

٢٤

معصومون قبل البعثة وبعدها، أو بعدها فقط؟ وهل الأشياء منقادة لارادتهم بحيث يتصرفون بها كيف يشاؤون؟ وهل لهم حق الشفاعة؟ وهل يجوز تأويل الوحي، أو يجب الأخذ بظاهره؟ وهل الخلافة تكون بالنص أو الانتخاب؟ وهل يعاد الإنسان غداً بالروح والجسم، أو

بأحدهما؟ وهل الإنسان مسيّر أو مخيّر؟ وهل مرتكب الكبيرة مخلد في النار؟ وهل النفس من المجردات؟ وهل للأفلاك نفوس ناطقة متحركة بالإرادة، إلى غير ذلك. وهذه الخلافات هي المصدر لتعدد الفرق الإسلامية.

كل الأديان:

وقد وقعت هذه الخلافات وما شاكلها في كل الأديان، وتفرق أتباع كل دين شيعاً أو أحزاباً، فبنو إسرائيل اتخذوا من دون اللّه عجلاً له خوار، وموسى حي، وما أن انتقل إلى ربه، حتى افترقوا إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترق المسيحيون بعد نبيهم إلى اثنتين وسبعين، كما جاء في الحديث(١) وما زالوا مختلفين لا يتزاوجون ولا يتوارثون، ولا يجتمعون للصلاة وللعبادة في معبد واحد.

ولم تقف هذه الخلافات والمنازعات على أهل الأديان، فلقد اختلف العلماء فيما بينهم، وكذلك الأدباء والفلاسفة والسياسيون، وكل الناس يختلفون في الآراء والأفكار، وينقسمون إلى فئات وأحزاب، يعتنق كل حزب نظرية تباين النظرية التي يعتنقها الحزب الآخر، ثم ينقسم الحزب على نفسه، ويختلف أفراده في الشروح والتفاسير، والقيود والحدود ضمن الإطار الحزبي، والمبدأ العام الذي يؤمن به الجميع، فالاشتراكيون على ما بين جميعهم من قاسم مشترك لم يتفقوا على جميع النقاط، ويتحدوا من جميع الجهات، وكذلك الرأسماليون والفلاسفة المثاليون، والواقعيون والوجوديون.. ذلك أن الاختلاف في القضايا النظرية أمر طبيعي، بل حتى المحسوسات أنكرها السفسطائيون، واخوانهم المثاليون.

بالمناسبة:

وبهذه المناسبة نشير إلى سذاجة الذين يدعون إلى توحيد الأقوال والآراء بين السنة والشيعة ذاهلين عن أن الاختلاف بالرأي ضرورة يفرضها واقع الإنسان بما هو إنسان، لا بما هو سني أو شيعي. إن الذين يحاولون التوحيد بهذا المعنى

____________________

(١) من المسائل التي اختلف فيها المسيحيون مسألة هل للمسيح طبيعة واحدة أو طبيعتان؟ وادى هذا الاختلاف إلى اغراق الأرض بدماء الملايين.

٢٥

يطلبون المحال. وكل ما يستطاع صنعه في هذا الباب هو أن نصلح ما أفسده الماضي البغيض، فنتخلص من مخلفاته وتعصباته التي جرّت على المسلمين الويلات والخصومات، وأن تكف كل طائفة عن تكفير الأخرى، والكيد لها، والافتراء عليها، وأن يفهم كل سني وشيعي أن الاختلاف في بعض المسائل كعدالة الصحابة، وتقديم زيد، وتأخير عمرو لا يستدعي الخصام والانتقام.

مرحلتان:

ونستخلص مما تقدم أن العقيدة أو النظرية تمر - غالباً - في مرحلتين: الأولى مرحلة تسليم الجميع بها دون خلاف ونزاع. الثانية مرحلة الخلافات وتعدد الفرق ضمن الإطار المبدئي. وقد مر التشيع بالمرحلتين، ابتدأت الأولى في عهد الرسول، واستمرت طوال عهد الخلفاء الثلاثة، وابتدأت الثانية باستشهاد الحسين (ع)، كما ستعلم، والقاسم المشترك الذي يشمل المرحلتين كلتيهما، ويدخل فيه جميع الفرق الشيعية الباقية منها والبائدة هو الإيمان بأن منصب الخلافة حق لعلي بنص النبي، مع العلم بأن المغالين ليسوا من الشيعة والتشيّع في شيء، لأن أساس التشيع هو الإسلام، ومن أعطى صفة الألوهية أو النبوة بعد محمد لإنسان، أي إنسان فهو ليس بمسلم، فضلاً عن أنه غير شيعي، وعليه فإن تقسيم الشيعة إلى فرق يجب أن يرتكز على الإيمان بهذا النص دون الارتقاء بعلي أو أحد أبنائه إلى مرتبة الألوهية أو النبوة، وبهذا يتبين خطأ الذين جعلوا شخص علي وأبنائه - على الإطلاق - أساساً لتقسيم الشيعة وتعددهم إلى فرق، دون أن يميزوا بين مقالة المغالين وغير المغالين.

فرق الشيعة:

أنهى بعض المؤلفين فرق الشيعة إلى ثلاثين، وآخر إلى ما يزيد عن هذا العدد بقليل أو كثير، زاعماً أن المغالين من الشيعة، وأن الثلاثة والأربعة يشكلون فرقة مستقلة، وثالث نسب الغلو والكفر لكل من تشيع لأهل البيت، ورابع خلط بين الفرق البائدة والباقية، وخامس لم يميز بين الشيعيين، والشيوعيين.. إلى آخر هذه الجهالات والعمايات التي لاقينا منها أنواع المصاعب والمتاعب.

وألجأتنا إلى الكلام والخوض فيما يحسن السكوت والاغضاء عنه.

ونحن بعد أن فسرنا التشيع بأنه الإيمان بوجود النص من النبي على علي بالخلافة مع عدم المغالاة فيه، ولا في أحد أبنائه، وقلنا أن تقسيم فرق الشيعة وتعددها يجب أن يرتكز على هذا الأساس، بعد أن قلنا هذا ينحصر الخلاف بين فرقهم في عدد الأئمة وأعيانهم فقط، لا في أصل النص، ولا في نفي الغلو. ومن هذه الفرق:

٢٦

الكيسانية:

وجدت هذه الفرقة بعد استشهاد الحسين في كربلاء، وبها يبتدئ تعدد فرق الشيعة، حيث قالت بإمامة علي والحسن والحسين، ثم محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، وقال غيرها بإمامة علي بن الحسين، ونفت الإمامة عن ابن الحنفية، فحصل التعدد، ويزعم الكيسانية أن محمداً هذا هو المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنه حي لم يمت، ولا يموت، حتى يظهر الحق، وفي ذلك يقول الشاعر الكيساني كثير عزة:

الا ان الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب فلا يرى منهم زماناً

برضوى عنده عسل وماء

وقال الشيخ المفيد المتوفى سنة ٤١٣هجري في كتاب «العيون والمحاسن»: «ولا بقية للكيسانية جملة، وقد انقرضوا، حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد».

الناووسية:

وهم أصحاب عبد اللّه بن ناووس، قالوا بإمامة الستة: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق، وزعموا أن الصادق هو الإمام المنتظر، وأنه حي لا يموت، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وقد بادت هذه

الفرقة، ولا يوجد منها أحد.

الاسماعيلية:

قالوا بأئمة الستة المذكورين، وان السابع هو إسماعيل بن جعفر الصادق، وليس موسى الكاظم كما يقول غيرهم، وهم ثلاث فرق: الأولى قالت: إن الصادق مات قبل ولده اسماعيل. والثانية قالت: إن اسماعيل مات قبل أبيه الصادق، ولكنه قبل موته نص على ولده محمد بن اسماعيل، وهؤلاء هم القرامطة. الثالثة قالت: إن اسماعيل مات قبل أبيه، ولكن الذي نص على إمامة ولده محمد هو جده الصادق، لا أبيه اسماعيل. والاسماعيلية باقون إلى اليوم، وأكثرهم في باكستان، وقليل منهم في الحجاز وسورية واليمن والهند وأفريقيا، ويقارب عدد الجميع المليون كما قيل، ولا يدخل فيهم أتباع «آغا خان».

٢٧

الفطحية:

قال هؤلاء: إن الإمامة لم تنتقل من الصادق إلى ولده اسماعيل، ولا إلى ولده موسى الكاظم، بل إلى ولده الأكبر، وهو عبد اللّه الأفطح، ولقب بالأفطح، لأنه أفطح الرأس، أي ذو رأس عريض، وهم من الفرق البائدة، ولا يوجد منهم أحد.

الواقفية:

وهم الذين قالوا بثمانية أئمة: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا، ووقفوا عنده، ولم يتجاوزوا إلى غيره، وزعموا أن الرضا هو المهدي المنتظر. وهم من الفرق البائدة.

الاثنا عشرية:

وهم القائلون بإمامة علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والمهدي المنتظر. وهم أكثر فرق الشيعة، ومنتشرون اليوم وقبل

٢٨

اليوم في شرق الأرض وغربها، وفيهم العلماء والأدباء والشعراء والفقهاء والمتكلمون والفلاسفة وأصحاب الحديث والتفسير، ويأتي التفصيل(١) .

الزيدية:

ليس لدي مصادر للزيدية، كي أرجع إليها، لذا اعتمدت في حديثي عنهم على مصادر السنّة، والاثني عشرية.

قال صاحب «المواقف» من السنّة ج ٨ ص ٣٩١:

الزيدية ثلاث فرق: الأولى الجارودية أصحاب أبي الجارود، قالوا بالنص على علي وصفاً لا تسمية، أي ان النبي لم يذكر علياً باسمه حين نص عليه، وإنما ذكره بصفاته، وقالوا: إن خلافة الثلاثة الأولى باطلة، وأن الإمامة بعد علي لولده الحسن، ثم للحسين، ثم هي شورى بين المسلمين على أن تكون في أولاد فاطمة.

الثانية: السليمانية أصحاب سليمان بن جرير، وانكر هؤلاء النص من الأصل وصفاً وتسمية، وقالوا: ان الإمامة شورى وان إمامة أبي بكر وعمر صحيحة، وإمامة عثمان باطلة.

الثالثة: البتيرية أصحاب بتير الثومي، قالوا بمقالة السليمانية، ولكنهم توقفوا في إمامة عثمان، فلم يقولوا بصحتها، ولا ببطلانها.

ثم قال شارح المواقف، الشريف الجرجاني(٢) : هذي هي فرق الزيدية في زماننا، وأكثرهم مقلدون يرجعون في الأصول إلى الاعتزال، وفي الفروع إلى مذهب أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة.

وقال الخواجا نصير الدين الطوسي في كتاب «قواعد العقائد»:

قال الزيدية بإمامة علي والحسن والحسين، ولم يقولوا بإمامة زين العابدين، لأنه لم يقم بالسيف، وقالوا بإمامة ولده زيد، لأنه ثار على الباطل، وهم

____________________

(١) اعتمدنا في ذكرهذه الفرق على الشيخ المفيد في كتاب «العيون والمحاسن» وقد انهاها هو إلى أربع عشرة فرقة.

(٢) توفي سنة ٨١٦هجري.

٢٩

لا يشترطون العصمة بالإمام، ويجوز عندهم قيام إمامين في بقعتين متباعدتين، وكل من جمع خمسة شروط فهو إمام

(١) أن يكون من ولد فاطمة بنت الرسول من غير فرق بين ولد الحسن وولد الحسين

(٢) أن يكون عالماً بالشريعة

(٣) أن يكون زاهداً

(٤) أن يكون شجاعاً

(٥) أن يدعو إلى دين اللّه بالسيف. وأكثرهم يأخذ بفقه أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة.

وقال السيد محسن الأمين في «أعيان الشيعة» القسم الثاني من الجزء الأول ص ١٣ طبعة ١٩٦٠:

قالت الزيدية: «إن الإمامة تكون بالاختيار، فمن اختير صار إماماً واجب الطاعة، ولا يشترط أن يكون معصوماً، ولا أفضل أهل زمانه، وإنما يشترط أن يكون من ولد فاطمة، وأن يكون شجاعاً عالماً يخرج بالسيف».

وبهذا يتبين معنا أن الزيدية ليسوا من فرق الشيعة في شيء، كما أنهم ليسوا من السنّة ولا من الخوارج، وأنهم طائفة مستقلة بين السنة والشيعة، ليسوا من السنة ولا من الخوارج، لأنهم حصروا الإمامة في ولد فاطمة، وليسوا من الشيعة، لأنهم لا يوجبون النص على الخليفة، هذا، إلى أنهم يأخذون بفقه أبي حنيفة، أو أن فقههم أقرب إلى الفقه الحنفي منه إلى الفقه الشيعي.

وقال السنّة: ان الزيدية أقرب إليهم من جميع فرق الإمامية، لأنهم يوجبون الإمامة بالانتخاب، لا بالنص، ولا يقولون بعصمة الإمام، ويجيزون تقديم الفاضل على الأفضل، ويأخذ أكثرهم بالفقه الحنفي.

وقال الشيعة: إن الزيدية أقرب إليهم من المغالين، لأنهم لا يؤلهون أحداً من الأئمة، وأيضاً أقرب إليهم من السنة، لأنهم يوجبون الإمامة في ولد فاطمة، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن الزيدية ليسوا من السنة ولا من الشيعة، وإنما هم فرقة مستقلة بذاتها.

الغرض:

والغرض الأول من الإشارة إلى هذه الفرق أن نبين خطأ الذين نسبوا أهل الغلو وغيرهم كالزيدية إلى الشيعة، وأن نؤكد ونوضح أن الضابط الصحيح لتعدد فرق الشيعة وأقسامها ينحصر بالخلاف في عدد الأئمة قلة وكثرة، وفي

٣٠

تعيين أسمائهم وأشخاصهم بعد الاتفاق على أن الإمام يعين بالنص لا بالانتخاب، وأنه إنسان كسائر الناس لا يختلف عنهم في طبيعته، ولا في صفاته الملازمة للإنسان بما هو إنسان.. أجل هناك شروط لا بد من توافرها في الإمام باتفاق المسلمين جميعاً، وإن اختلفوا فيما بينهم في نوعها وعددها، كما يظهر مما يلي:

الإمام من أهل البيت:

يشترط في الإمام شروط، أولها عند السنة أن يكون من بيوت قريش، لحديث «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» روى هذا الحديث البخاري في صحيحه ج ٩ كتاب «الأحكام».

وقال الشيعة الاثنا عشرية: أن الإمامة خاصة بعلي وولديه الحسن والحسين، ثم لأولاد الحسين فقط. واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه ج ٢ ص ١٩١ طبعة ١٣٤٨ هجري: أن النبي قال: إن هذا الأمر لا ينقضي، حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، ومثله في صحيح البخاري ج ٩ كتاب «الأحكام»، ولكنه ذكر لفظ «أمير» بدل «خليفة».

وعليه تكون فكرة الاثني عشرية إسلامية عامة للسنة والشيعة، ولا تختص بفريق دون فريق.

وقال العلامة الحلي في «شرح التجريد» ص ٢٥٠ طبعة العرفان: ان المراد بال ١٢ هم أئمة الشيعة، حيث ثبت بالتواتر أن النبي قال للحسين: ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم.

وروى المحب الطبري الشافعي في كتاب «ذخائر العقبى» ص ١٣٦ طبعة ١٣٥٦ هجري: ان النبي قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوماً واحداً لطول اللّه ذلك اليوم، حتى يبعث رجلاً من ولدي، اسمه كاسمي. فقال سلمان: من أي ولدك يا رسول اللّه؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين.

وإذا سأل سائل: لمادا حصر الاثنا عشرية الإمامة بعلي وبنيه، ثم في ١٢ لا يزيدون ولا ينقصون؟

الجواب:

أما حصر الإمامة بعلي وأولاده فلما قدمناه من أن السنة هم الذين حصروا

٣١

الأمامة بقريش فقط دون غيرهم، وقال الشيعة: ما دام الأمر كذلك، فبيت النبي هو أفضل بيوت قريش، ولولاه لم يكن لها هذا الشأن.. بل لولا محمد وآله لم يكن للعرب تاريخ ولا ذكر. وفي القسم الثاني من الجزء الثاني من صحيح مسلم ص ٥٤ طبعة سنة ١٣٤٨ هجري «كتاب الفضائل» أن رسول اللّه قال: إن اللّه اصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.

أما حصر الأئمة في ١٢ فسببه رواية البخاري ومسلم في صحيحيهما التي أشرنا اإليها.

العصمة:

العصمة قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، بحيث لا يترك واجباً، ولا يفعل محرماً مع قدرته على الترك والفعل، وإلا لم يستحق مدحاً ولا ثواباً، أو قل: إن المعصوم قد بلغ من التقوى حداً لا تتغلب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبة لا يخطئ معها أبداً(١) .

والشيعة الإمامية يشترطون العصمة بهذا المعنى في الإمام، تماماً كما هي شرط في النبي، قال الشيخ المفيد في كتاب «أوائل المقالات» باب «القول في عصمة الأئمة»: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الانام معصومون كعصمة الأنبياء لا تجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة.. ولا سهو في شيء من الدين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم.

وقال العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق»: ذهب الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به، حالهم في ذلك كحال الأنبياء، ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم، ورفع

_______________

(١) قال الإمام يصف نفسه: ما وجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، وكنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه. يرفع لي كل يوم نميراً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به. وهذا معنى العصمة عند الشيعة لا كذب في قول، ولا زلة في فعل.

٣٢

الفساد، وحسم مادة الفتن، ولأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي، ويحمل الناس على فعل الطاعات، واجتناب المحرمات، ويقيم الحدود والفرائض. ويؤاخذ الفساق، ويعزر من يستحق التعزير، فلو جازت عليه المعصية، وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد، وافتقر إلى إمام آخر.

أما السبب الأول لقول الشيعة بالعصمة فهو قوله تعالى: «إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً - ٣٣ الأحزاب». وقول الرسول الأعظم: «علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه كيفما دار» وقوله «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وانهما لم يفترقا، حتى يردا عليّ الحوض». رواه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده. ومن دار معه الحق كيفما دار محال أن يخطئ. وأمْر الرسول بالتمسك بالعترة والكتاب يدل على عصمة العترة من الخطأ، تماماً كعصمة الكتاب، وقوله لن يفترقا، أي لا يخالف أحدهما الآخر.

وروى صاحب كنز العمال من السنة أن النبي قال: «من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتولَّ علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة»(١) .

واذا كان النبي هو الذي وصف أهل بيته بالعصمة فأي ذنب للشيعة إذا أطاعوا ربهم، وعملوا بسنّة نبيهم؟!. لقد أقام المهوشون الدنيا وأقعدوها على الشيعة، لأنهم قالوا بالعصمة، ولو كانت لهم أدنى خبرة بسنة الرسول لقالوا بمقالة الشيعة، أو ألقوا المسؤولية على الرسول نفسه، إن كان هناك من مسؤولية. ثم إن قول الشيعة بعصمة الأئمة الأطهار من آل الرسول ليس بأعظم من قول السنة ان الصحابة كلهم عدول، وأن المذاهب الأربعة يجب اتباعها، وأن اجتهاد الحاكم، أي حاكم، واجتهاد الإمام الأعظم تحرم مخالفتهما، لأن صلاح الخلق في اتباع رأيهما. (المستصفى للغزالي ج ٢ ص ٣٥٥ طبعة بولاق، وأصول الفقه للخضري ص ٢١٨ الطبعة الثالثة).

ومهما يكن ، فإن الرجال تعرف بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، كما

___________________________

(١) دلائل الصدق أول الجزء الثاني.

٣٣

قال علي أمير المؤمنين. وقد أجمع الموافق والمخالف على أن الأئمة من أهل البيت كانوا على هدي جدهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قولاً وعملاً، وأن الناس كانوا يلجأون إليهم في حل المشكلات والمعضلات، وكانوا يتقربون إلى اللّه سبحانه بتعظيمهم وتقديسهم، تماماً كما كانت الحال بالنسبة إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وختاماً نسأل الذين أنكروا على الشيعة القول بالعصمة: هل تنكرون أصل العصمة وفكرتها من الأساس، أو تنكرون عصمة الأئمة فقط؟. والأول إنكار لعصمة الأنبياء التي اتفق عليها السنة والشيعة، والثاني إنكار لسنة الرسول الذي ساوى بين عترته وبين القرآن. هذا، إلى أن نصوص الشريعة جامدة لا حراك فيها، وإنما تحيا بتطبيقها والعمل بها، وإذا لم يكن القائم على الشريعة هو نفس الشريعة مجسمة في شخصه لم يتحقق الغرض المقصود. لذا قال الإمام: ذاك القرآن الصامت وأنا القرآن الناطق.

العلم:

قال الشيعة الإمامية: «يجب ن يكون الإمام أفضل من جميع رعيته في صفات الكمال كلها من الفهم والرأي والعلم والحزم والكرم والشجاعة وحسن الخلق والعفة والزهد والعدل والتقوى والسياسة الشرعية ونحوها، وبكلمة يلزم أن يكون أطوع خلق اللّه للّه، وأكثرهم علماً وعملاً بالبر والخير»(١) .

وفي هذه الشروط وشرط العصمة تتجلى روح الثورة على الباطل، وعلى كل من يتطفل على مناصب ليس بها بأهل. وقد يقال، أو يتوهم أن هذه الشروط جاءت كنتيجة لتنكيل الحكام بالشيعة وما لحقهم من الاضطهاد والتشريد، ولكن الأصل لهذه الشروط قول اللّه تعالى: «أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمَّن لا يهدي إلا ن يهدى فما لكم كيف تحكمون» - ٣٥ يونس.

وجاء في الحديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وقال ابن عبد البر، من السنة في كتاب «الاستيعاب» الجزء الثالث المطبوع مع «الإصابة» ص ٤٠ طبعة ١٩٣٩:

_____________________

(١) تلخيص الشافي للطوسي ص ٣٢٠ ، ودلائل الصدق للمظفر ج ٢ ص ١٧

٣٤

«قالت عائشة: إن علياً لأعلم الناس بالسنة، وقال ابن عباس: أُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وايم اللّه لقد شاركهم في العشر العاشر، وقال ابن عبد البر أيضاً: ما كان أحد يقول: سلوني غير علي».

وروى المحب الطبري في كتاب «الذخائر» ص ١٧ أن النبي قال: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي.. نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد».

وبالتالي، فقد تبين بالشواهد والأرقام أن كل شرط اعتبره الشيعة بالإمام يستند إلى ما ثبت من حديث الرسول، تماماً كما يستند إليه أصل التشيع.

عُلومُ الإمَام

هل يعتقد الشيعة أن أئمتهم يعلمون كل شيء، حتى الصناعات واللغات؟ ثم هل علوم الأئمة ومعارفهم في عقيدة الشيعة، كعلوم سائر الناس ومعارفهم، أو هي وحي، أو إلهام وما أشبه؟

ولست أعرف مسألة ضلت فيها الأقلام، حتى أقلام بعض الإمامية أكثر من هذه المسألة. مع أنها ليست من المسائل الغيبية، ولا المشاكل النظرية.

وذكرنا في فصل سابق ان الحديث عن عقيدة طائفة من الطوائف لا يكون صادقاً، ولا ملزماً لها إلا إذا اعتمدت على أقوال الأئمة، والعلماء المؤسسين الذين يمثلونها حقاً، لذلك اعتمدنا في هذا البحث على أقوال الأئمة الأطهار، والشيوخ الكبار، كالمفيد والمرتضى والخواجا نصير الدين الطوسي، ومن إليهم أمانة وعلماً.

قال الشريف المرتضى في الشافي ص ١٨٨ ما نصه بالحرف: «معاذ اللّه أن نوجب للإمام من العلوم إلا ما تقتضيه ولايته، وأسند إليه من الأحكام الشرعية، وعلم الغيب خارج عن هذا». وقال في ص ١٨٩: «لا يجب أن يعلم الإمام بالحرف والمهن والصناعات، وما إلى ذاك مما لا تعلق له بالشريعة. إن هذه يرجع فيها إلى أربابها، وان الإمام يجب أن يعلم الأحكام، ويستقل بعلمه بها، ولا يحتاج إلى غيره في معرفتها، لأنه ولي إقامتها، وتنفيذها».

وقال الطوسي في «تلخيص الشافي» المطبوع مع الكتاب المذكور ص ٣٢١: «يجب أن يكون الإمام عالماً بما يلزم الحكم فيه، ولا يجب أن يكون عالماً بما لا يتعلق بنظره» كالشؤون التي لا تخصه ولا يرجع إليه فيها.

وهذا يتفق تماماً مع قول الشيعة الإمامية بأن الإمام عبد من عبيد اللّه، وبشر

٣٥

في طبيعته، وصفاته، وليس ملكاً ولا نبياً، أما رئاسته العامة للدين والدنيا فإنها لا تستدعي أكثر من العلم بأحكام الشريعة، وسياسة الشؤون العامة.

وكيف ينسب إلى الشيعة الإمامية القول بأن أئمتهم يعلمون الغيب، وهم يؤمنون بكتاب اللّه، ويتلون قوله تعالى حكاية عن نبيه «لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير». وقوله «إنما الغيب للّه». وقوله «قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللّه».

وقال الشيخ الطوسي في «مجمع البيان» عند تفسير الآية ١٢٣ من سورة هود: «وللّه غيب السموات والأرض»:

«لقد ظلم الشيعة الإمامية من نسب إليهم القول بأن الأئمة يعلمون الغيب. ولا نعلم أحداً منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق. فأما ما نقل عن أمير المؤمنين (ع) ورواه عنه الخاص والعام من الإخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها مثل الإيماء إلى صاحب الزنج، وإلى ما ستلقاه الأمة من بني مروان، وما إلى ذلك مما أخبر به هو وأئمة الهدى من ولده، أما هذه الأخبار فإنها متلقاة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مما أطلعه اللّه عليه، فلا معنى لنسبة من يروي عنهم هذه الأخبار المشهورة إلى أنه يعتقد كونهم عالمين الغيب، وهل هذا إلا سب قبيح وتضليل لهم، بل تكفير، لا يرتضيه من هو بالمذاهب خبير، واللّه هو الحاكم وإليه المصير».

وإن افترض وجود خبر أو قول ينسب علم الغيب إلى الأئمة وجب طرحه باتفاق المسلمين، قال الإمام الرضا: «لا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنا ان تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه. إن لكلامنا حقيقة، وان عليه لنوراً، فما لا حقيقة له، ولا نور عليه فذاك قول الشيطان».

وبكلمة إن علوم الأئمة وتعاليمهم يحدها - في عقيدة الشيعة - كتاب اللّه(١)

_____________________

(١) قال الأمام زين العابدين في الصحيفة السجادية: اللهم انك انزلت القرآن على نبيك مجملاً، والهمته علم عجائبه مكملاً، وورثتنا علمه مفسرا، وفضلتنا على من جهل علمه وقويتنا عليه، لترفعنا فوق من لم يطق حمله.

٣٦

وسنة نبيه، وإن كل إمام من الأول إلى الثاني عشر قد أحاط إحاطة شاملة كاملة بكل ما في هذين الأصلين من الألف إلى الياء، بحيث لا يشذ عن علمهم معنى آية من آي الذكر الحكيم تنزيلاً وتأويلاً، ولا شيء من سنة رسول الله قولاً وفعلاً وتقريراً. وكفى بمن أحاط بعلوم الكتاب والسنة فضلاً وعلماً، أن هذه المنزلة لا تتسنى ولن تتسنى لأحد غيرهم، ومن هنا كانوا قدوة الناس جميعاً بعد جدهم الرسول تماماً كالقرآن والسنة.

وقد أخذ أهل البيت علوم الكتاب والسنة وفهموها ووعوها عن رسول اللّه، تماماً كما أخذها ووعاها رسول اللّه عن جبرائيل، وكما وعاها جبرائيل عن اللّه، ولا فرق أبداً في شيء إلا بالواسطة فقط لا غير، ونظم الشاعر الإمامي هذا المعنى فقال:

إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهباً

ينجيك يوم البعث من لهب النار

فدع عنك قول الشافعي ومالك

وأحمد والمروي عن كعب أحبار

ووالِ أناساً نقلهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

أخذ علي عن النبي، وأخذ الحسنان عن أبيهما، وأخذ علي بن الحسين عن أبيه، وهكذا كل إمام يأخذ العلم عن إمام، ولم تروِ أصحاب السّير والتواريخ أن أحداً من الأئمة ال ١٢ أخذ عن صحابي أو تابعي أو غيره، فقد أخذ الناس العلم عنهم، ولم يأخذوه عن أحد، قال الإمام الصادق:

عجباً للناس يقولون: أخذوا علمهم كله عن رسول اللّه، فعملوا به واهتدوا، ويرون انا أهل البيت لم نأخذ علمه، ولم نهتد به، ونحن أهله وذريته في منازلنا أنزل الوحي، ومن عندنا خرج العلم إلى الناس، أفتراهم علموا، واهتدوا، وجهلنا وضللنا؟..

وقال الإمام الباقر: لو كنا نحدث الناس برأينا وهوانا لهلكنا، ولكنا نحدثهم بأحاديث نكتنزها عن رسول اللّه، كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم.

وبهذا يتبين الجهل، أو الدس في قول من قال بأن الشيعة يزعمون أن علم

الأئمة إلهامي، وليس بكسبي، وترقى بعضهم، فنسب إلى الشيعة القول بنزول الوحي على الأئمة وبرد هذا الزعم بالإضافة إلى ما نقلناه من أحاديث الأئمة الأطهار ما قاله الشيخ المفيد في كتاب «أوائل المقالات»: «قام الإتفاق على أن من يزعم أن أحداً بعد نبينا يوحى إليه فقد أخطأ وكفر».

٣٧

وهنا سؤال يفرض نفسه، وهو: بماذا يفتي الإمام إذا لم يجد نصاً في الكتاب والسنة؟ هل يجتهد، ويعمل بالرأي، كما يجتهد العلماء؟

الجواب:

إن القرآن والسنة فيهما تبيان كل شيء ولو بجنسه أو نوعه، وقد جاء في الحديث أن النبي أتى الناس بما اكتفوا به في عهده، واستغنوا به من بعده، وغير الإمام يضطر إلى الاجتهاد، حيث تخفى عليه مقاصد الكتاب ومعاني آياته، وحيث لا يهتدي إلى الأحاديث النبوية بالذات، كما لو سمعها من الرسول الأعظم، أما الإمام فإنه كما سبق وبيّنا يحيط بجميع علوم الكتاب والسنة، ولا يخفى عليه شيء يتصل بهما، فيفتي بالنص الخاص إن وجد، وإلا فبالأصل العام، والأصل العام بالنسبة إليه تماماً كالنص الخاص بلا تفاوت، لأن المفروض أن الإمام معصوم كالقرآن يدور الحق معه حيثما دار، وعليه فلا يخطئ في التفريع والتطبيق. وبكلمة ان غير الإمام عنده حديث ضعيف وحديث صحيح، وحديث معارض، وآخر بلا معارض، وحديث مجمل، وآخر مبين، أما الإمام فالحديث عنده هو عين ما قاله الرسول مع الصراحة والوضوح.

وما دام الخطأ محالاً في حقه فلا يقال: إنه مجتهد يعمل بالرأي، لأن المجتهد يحتمل في حقه الخطأ والصواب على السواء، ولأجل هذا نقول: إن من استطاع أن يأخذ جميع ما يحتاج إليه من الأحكام مشافهة من المعصوم لا يجوز له الاجتهاد بحال، وإن بلغ من العلم ما بلغ، وقد ذهل عن هذه الحقيقة جماعة من السنة، فأجازوا الاجتهاد، والعمل بالرأي على النبي بالذات وليت شعري كيف يقال: إن النبي مجتهد، والمجتهد يخطئ ويصيب، وقول النبي هو الحجة البالغة، والدليل القاطع الذي يعتمده جميع المجتهدين والمحققين؟

____________________

(١) المستصفى للغزالي، وجامع الجوامع لابن السبكي، وأصول الفقه للخضري.

٣٨

وسئل الإمام الصادق: بأي شيء يفتي الإمام؟ فقال: بالكتاب. فقال السائل: فما لم يكن في الكتاب؟ فقال الصادق: بالسنة. فقال السائل: فما لم يكن في الكتاب والسنة؟ فقال: ليس شيء إلا في الكتاب والسنة.

وقال أيضاً: ما رأيت علياً قضى قضاء إلا وجدت له أصلاً في السنة.

هذي هي أقوال أئمة الشيعة وعلمائهم الثقات، فأين الغلو وعلم الغيب؟.. وأين الوحي والإلهام؟.. ومن الخير أن نشير هنا إلى طرف من أقوال علماء السنة الثقات التي تتصل بهذا الموضوع، لنرى: هل الغلو فيما قالوه أو فيما قاله علماء الشيعة؟

روى البخاري في صحيحه ج ٥ باب «مناقب عمر بن الخطاب» أن النبي قال: لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون - أي تحدثهم الملائكة - من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي أحد فعمر».

وقال الغزالي في كتاب «المستصفى» ج ١ ص ٢٧٠ طبعة ١٣٢٢هجري:

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن منكم لمحَدثين، وإن عمر لمنهم.

وقال الشاطبي في الجزء الثاني من الموافقات ص ٢٦٦:

عمل الصحابة بالفراسة والكشف والإلهام والوحي النومي، كقول عمر، وهو في المدينة يخاطب سارية بن حصن، وهو في إيران بقوله: «يا سارية الجبل» وقد سمع سارية الصوت وصعد الجبل.

إذا قيل بأن عمر علم الغيب وإن له ملكاً يحدثه فلا غلو، وإذا قيل بأن الأئمة من أهل البيت يقولون الحق ويعرفون علوم الكتاب والسنة فكفر وغلو.

وقال ابن السبكي في «جامع الجوامع» باب «الاجتهاد»: يجوز أن يقال من قبل اللّه تعالى لنبي أو عالم: احكم بما تشاء، فهو صواب، ويكون مدركاً شرعياً، ويسمى التفويض.

إذا قيل بأن اللّه يجوز أن يتخلى عن تشريع الأحكام، ويفوض أمر وضعها أو رفعها إلى عالم من العلماء فلا كفر ولا غلو، أما إذا قيل بأن أهل البيت يعرفون شريعة جدهم كاملة، كما أنزلها اللّه على نبيه فكفر وغلو.

وقال الشاطبي في «الموافقات» ج ٢ ص ٢٦٧: «إن أبا بكر انفذ وصية رجل بعد موته برؤيا رؤيت»، أي ان رجلاً مات، ولم يوصِ في حياته،

٣٩

ثم أوصى بوصايا بعد موته، وأبلغ وصيته لمن أراد في المنام، فنفذ أبو بكر هذه الوصية.

فحُكم أبي بكر استناداً إلى الأحلام والأطياف صحيح وحجة، أما أحكام أهل البيت المأخوذة من الكتاب والسنة ففيها نظر.

ولدي من هذه الأمثلة ما لا يبلغه الإحصاء، وقد ادخرته لوقت الحاجة، وقطعت على نفسي عهداً أن لا أذكر منها شيئاً إلا للدفاع. وفيما ذكرت يفي بالغاية والقصد، كما يدل بصراحة ووصوح أن الذين يتهمون الشيعة، ويرمونهم بالغلو أولى بهذه التهمة، وهي بهم الصق وأليق. واللّه سبحانه من وراء القصد.

التقية وَالبدَاء وَالرّجعَة وَالجفر وَمصْحف فاطِمة بَين السُنّة وَالشّيِعَة

أثبتنا في فصل سابق أن الشيعة الإمامية يقولون بأن الإمامة تكون بالنص، لا بالانتخاب، وإنهم يوجبون العصمة للإمام، وإنهم يستدلون على هذين الأصلين بأحاديث صحيحة ثابتة عند السنة والشيعة، وأيضاً عرفنا أنهم أبعد الفرق عن الغلو والمغالين، وإنهم لا يدّعون لأئمتهم علم الغيب، ولا الإيحاء والإلهام، وإن من نسب إليهم شيئاً من ذلك فهو جاهل متطفل، أو مفترٍ كذاب، وإن علوم الأئمة - في عقيدة الشيعة - يحدها كتاب اللّه وسنة نبيه.

ولكن نُسب إلى الشيعة الإمامية القولُ بالتقية والبداء والرجعة، وأطلقت في وجوههم صرخات الكفر والزندقة من أجلها. فهل هذه النسبة صحيحة؟ ثم ما معنى هذه الألفاظ، ومدلولاتها على التحقيق؟ وبالتالي، هل يستدعي القول بهذه المبادئ الكفر والخروج عن الإسلام؟

وإليك الجواب الصريح.

التقية:

أما التقية فقد قال بها الشيعة الإمامية، وبحثوها مطولاً في كتبهم الفقهية(١) وفرعوا عليها مسائل كثيرة، واستدلوا على تشريعها وجوازها بالكتاب والسنة والعقل.

ومعنى التقية التي قالوا بها أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد، لتدفع الضرر عن نفسك، أو مالك، و لتحتفظ بكرامتك، كما لو كنت بين قوم لا يدينون بما تدين، وقد بلغوا الغاية في التعصب، بحيث إذا لم تجارهم في القول والفعل

______________________

(١) ألف الشيخ الكبير مرتضى الانصاري رسالة خاصة بالتقية. طبعت في آخر كتاب «المكاسب».

٤٠